الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «سبأ»
«1»
قوله تعالى: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ [الآية 23] .
هذه استعارة، فالمراد بقوله تعالى:
فُزِّعَ، أي أزيل الفزع عن قلوبهم.
كما تقول: قذّيت عينه: إذا أزلت القذى عنها. وهو كقولهم: رغب عنه:
إذا رفعت الرغبة عنه. خلافا لقولهم:
رغب فيه: إذا صرفت الرغبة إليه.
فالرغبة في أحد الأمرين منقطعة، وفي الاخر منصرفة.
وقوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ [الآية 31] . وهذه استعارة.
والمراد بها ما تقدّم القرآن من الكتاب، فكأنّها كانت مشيرة إليه، ومصرّفة بين يديه. وقد مضى الكلام على نظائر ذلك فيما تقدّم.
وقوله تعالى: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً [الآية 33] . وهذه استعارة.
والمراد بمكر اللّيل والنّهار: ما يتوقّع من مكرهم في الليل والنهار، فأضاف تعالى المكر إليهما لوقوعه فيهما. وفيه أيضا زيادة فائدة، وهي دلالة الكلام على أنّ مكرهم كان متصلا غير منقطع في الليل والنهار، كما يقول القائل: ما زال بنا سير الليل والنهار حتّى وردنا أرض بني فلان. وهذا دليل على اتّصال سيرهم في الليل والنهار، من غير إغباب، ولا إراحة ركاب.
وقوله سبحانه: إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (46) . وهذه
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.
استعارة. والمراد أنّه عليه الصلاة والسلام بعث ليقدّم الإنذار أمام وقوع العقاب، إزاحة للعلّة، وقطعا للمعذرة.
وقد تقدّمت إشارتنا إلى نظائر هذه الاستعارة في عدّة مواضع من هذا الكتاب.
وقوله سبحانه: قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (49) . وهذه استعارة. لأن الإبداء والإعادة يكونان في القول، ويكونان في الفعل. فأمّا كونهما في الفعل فبقوله سبحانه:
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [الروم: 27] وأمّا كونهما في القول، فإنّ القائل يقول: سكت فلان فلم يعد ولم يبدئ. أيّ لم يتكلم ابتداء ولا أحار جوابا. وهاتان الصّفتان يستحيل أن يوصف بهما الباطل، الّذي هو عرض من الأعراض، إلّا على طريق الاتّساع والمجاز.
وإنّما المراد أنّ الحقّ قوي وظهر، والباطل ضعف واستتر، ولم يبق له بقيّة يقوى بها بعد ضعفه، ويجبر بعد وهنه. أي ما تقوم له قائمة في بدء ولا عود. والبدء: الحال الأولى، والعود:
الحال الأخرى. وكذلك الإبداء والإعادة.
ويجوز أن يكون لذلك وجه آخر، وهو أن يكون المعنى، أنّ الباطل كان عند غلبة الحقّ وظهوره، بمنزلة الواجم الساكت، والحائر الذاهل، الّذي لا قدرة له على الحجاج، ولا قوّة له على الانتصار. كقولهم:«سكت فما أعاد ولا أبدأ» عند وصف الإنسان بالحيرة أو غلبة الفكرة.
وقد قيل أيضا في ذلك وجه آخر، يخرج به الكلام عن حيّز الاستعارة، وهو أن يكون المراد أنّ صاحب الباطل لا يبدئ ولا يعيد عند حضور صاحب الحقّ، ضعفا عن حجاجه، وضلالا عن منهاجه. فجعل المضاف هاهنا في موضع المضاف إليه. وذلك كثير في كلامهم.
وقوله تعالى: وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (53) وهذه استعارة.
والمراد بذلك، والله أعلم، أنّهم يقولون ما لا يعلمون، ويظنّون ولا يتحقّقون. فهم بمنزلة الرّامي غرضا بينه وبينه مسافة متباعدة، فلا يكون سهمه أبدا إلّا قاصرا عن الغرض، وعادلا عن السّدد.