الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأرض، وجاعل الملائكة رسلا يوصلون آثار قدرته وصنعه فإذا أرسلهم إلى الناس برحمته فلا معارض له في إرسالها، وإذا أمسكها عنهم فلا مرسل لها من بعده ثمّ أمر الناس أن يذكروا ما رحمهم به من النعم، ليعلموا أنه لا خالق لها غيره، وأنه هو الرازق وحده، فإذا لم يؤمنوا بذلك فسوف يكون إليه جلّ وعلا مرجعهم، ليعاقبهم على كفرهم بما أنعم به عليهم ثم ذكر سبحانه أن ما وعد به من رجوعهم إليه حقّ لا يصحّ أن تغرّهم عنه أسباب دنياهم، أو الشيطان الّذي هو عدوّ لهم، ويزيّن ما يزيّنه لأتباعه ليوقعهم في عذاب ربّهم ثم ذكر استحقاقهم ذلك العذاب، وذكر استحقاق المؤمنين للمغفرة والأجر، وأيّد ذلك بقوله جلّ وعلا: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (8) .
آيات تدل على اختصاصه بالحمد الآيات [9- 45]
ثمّ قال تعالى: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (9) فذكر، ممّا يدل على اختصاصه بالحمد، إرساله الرياح بالمطر لإحياء الأرض بعد موتها، وأنّه كما يحيي الأرض بذلك ينشر الموتى من قبورهم، لأنّه المتفرّد وحده بالعزّة والقدرة، وإليه تصعد أعمال الناس فيحاسبهم عليها.
ثم ذكر من ذلك خلقه لنا من تراب، وجعله لنا أزواجا وتفرّده بعلم ما تحمل كلّ أنثى وما تضع، وخلقه بحرين أحدهما عذب سائغ شرابه، وثانيهما ملح أجاج، ومن كلّ منهما نأكل لحما طريّا ونستخرج حلية نلبسها.
ثمّ ذكر من ذلك، أنّه هو الّذي يولج اللّيل في النّهار ويولج النّهار في اللّيل، ويسخّر الشّمس والقمر كلّ يجرى إلى أجل مسمّى، وأنّ من يكون هذا شأنه يكون هو المتفرّد بالملك والحمد وأمّا الّذين يدعونهم آلهة، فلا يملكون شيئا، لأنّهم جماد لا يسمعون شيئا، فإذا جاء يوم القيامة ظهر ضعفهم وكفروا بشرك من يعبدونهم. ثمّ ذكر لهم أنّهم فقراء إليه وهو سبحانه غنيّ عنهم، وإن يشأ يذهبهم ويأت بخلق غيرهم يعرفون فضله عليهم وأنّ ما
يزرونه من شرك وغيره لا يحمل وزره غيرهم، كما أنّ من تزكّى فإنّما يتزكّى لنفسه، ولا يمكن أن يستويا في ذلك، كما لا يستوي الأعمى والبصير، ولا الظّلّ ولا الحرور ولا الأحياء ولا الأموات ثم ذكر، جلّت قدرته، أنه لا شيء على النبي (ص) من تكذيبهم، وأنّهم إن يكذّبوه في ذلك فقد كذّب الّذين من قبلهم، فأهلكهم بآيات العذاب الّتي أرسلها عليهم.
ثمّ ذكر من ذلك إنزاله ماء المطر الّذي أخرج به ثمرات مختلفا ألوانها، وتنويعه الجبال إلى جبال ذات طرائق بيض وحمر، وغير ذلك من ألوانها، وتنويعه الناس والدّوابّ والأنعام إلى أنواع مختلفة الألوان وأنّ ذلك إنّما يعرفه العلماء الّذين يخشونه، ويتلون كتابه فيتدبّرونه ويعملون به ثمّ ذكر فضل هذا الكتاب، وأنّه جاء مصدّقا لما قبله من الكتاب، وأنّه أورثه هذه الأمّة الّتي اصطفاها من عباده، فانقسمت فيه إلى ظالم لنفسه ترجّحت سيّئاته، وإلى مقتصد تساوت حسناته وسيّئاته، وإلى سابق بالخيرات ترجّحت حسناته، وبيّن ما أعدّ لهم من الثواب، وما أعدّ للكافرين من العقاب ثمّ أمر النبيّ (ص) أن يقول لهم: أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ [الآية 40] : ليسجّل عجزها عما يزعمونه من شفاعتها لهم، لأنّه، سبحانه، هو الّذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ولا يمكن أن يمسكهما غيره إن زالتا.
ثمّ ختمت السورة ببيان أنهم يكافرون بذلك عنادا، لأنّهم كانوا يقسمون مجتهدين إن جاءهم نذير ليكوننّ أهدى من اليهود أو النّصارى الّذين كذّبوا رسلهم. فلمّا جاءهم نذير لم يزدهم إلّا نفورا، فاستكبروا في الأرض، ومكروا مكرا سيّئا، ولا يحيق المكر السّيّئ إلّا بأهله، وتلك سنّته فيمن كذّب قبلهم برسله، لا تتبدّل ولا تتحوّل، فلينظروا كيف كانت عاقبتهم، وقد كانوا أشدّ منهم قوّة، وما كان الله ليعجزه شيء في السماوات والأرض، إنّه كان عليما قديرا: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (45) .