الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَرِيقاً (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (27) .
زوجات الرسول (ص)
تتناول الآيات [28- 36] حديثا عن زوجات الرسول (ص) ، وكانت الغنائم قد جاءت للمسلمين، وأقبل المال بعد غزوة بني قريظة، فتطلّعت زوجات الرسول (ص) إلى المتعة والنفقة الواسعة، وقلن يا رسول الله نساء كسرى وقيصر بين الحلي والحلل، والإماء والخدم، ونساؤك على ما ترى من هذه الحال.
فنزلت الآيات تخيّرهن بين متاع الحياة الدنيا وزينتها، وبين الله ورسوله والدار الاخرة. وخيّر النبي نساءه، وبدأ بعائشة، فقال لها:«سأعرض عليك أمرين، أرجو ألّا تقطعي في اختيار أحدهما، حتى تستشيري أبويك وقرأ عليها الآيتين» :
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29) .
فقالت عائشة: «أفيك أشاور أبويّ يا رسول الله؟ أختار الله ورسوله» ، وقالت نساؤه كلّهن مثل ذلك، فجعلهنّ الله أمّهات المؤمنين وأشارت الآيات التالية إلى جزائهنّ المضاعف في الأجر إن اتّقين، وإلى العذاب المضاعف إن ارتكبن فاحشة مبيّنة، لأنهنّ في بيت النبوّة والقدوة والأسوة، فلهنّ ضعف الأجر إن أحسنّ، وضعف العقوبة إن أسأن فزلّة العالم يقرع بها الطبل، وزلّة الجاهل يخفيها الجهل ثمّ أمرت الآيات زوجات الرسول (ص) بخفض الصوت، وجعله مستقيما بدون تكسّر، حتى لا يطمع الشباب المنافق فيهنّ، وحثّهنّ على الاستقرار في البيت، وعدم التبرّج، وتلاوة القرآن والتفقّه في أحكامه. واستطردت الآيات في بيان جزاء المؤمنين كافّة والمؤمنات، وكان هذا هو الفصل الثالث في سورة الأحزاب.
قصة زينب بنت جحش
أرسل الله محمّدا (ص) للنّاس كافّة، فحرّر العبيد، وعلّم الناس المساواة، وكرّم إنسانية الإنسان، وبيّن أن النّاس
سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي إلّا بالتقوى.
وخطب النبي (ص) زينب بنت جحش، لزيد بن حارثة رضي الله عنه، فاستنكفت وقالت: أنا خير منه حسبا، وكانت امرأة فيها حدّة، فأنزل الله تعالى:
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً (36) .
فقالت زينب هل رضيته لي يا رسول الله زوجا؟ قال رسول الله: نعم، قالت: إذن لا أعصي الرسول (ص) قد أنكحته نفسي.
وتمّ هذا الزواج، ولأمر أراده الله سبحانه لم يدم طويلا، فقد كانت زينب تفخر على زيد بن حارثة بأنّها حرّة قرشيّة جميلة، وأنّه عبد لا يدانيها في نسبها وحسبها فلمّا تكرّر ذلك منها عزم زيد على طلاقها، وذكر ذلك لرسول الله (ص) ، فقال له النبي أمسك عليك زوجك واتّق الله، رغبة في إبقاء هذا الزواج وكان النبي (ص) يعلم بوحي من السماء أنّ زينب ستطلّق، وأنّها ستكون زوجة للرسول، ليبطل بهذا الزواج آثار التبنّي بسابقة عمليّة يختار لها رسول الله (ص) بشخصه، لشدّة عمق هذه العادة في البيئة العربيّة، وصعوبة الخروج عليها. ولمّا طلّقت زينب من زيد خطبها النبي (ص) لنفسه، ونزل الوحي من السماء بذلك، حتّى كانت زينب تفخر على أزواج النبي، فتقول زوّجكن أهاليكن، وزوّجني الله تعالى من فوق سبع سماوات.
ولم تمرّ المسألة سهلة، فقد فوجئ بها المجتمع الإسلاميّ كله، كما انطلقت ألسنة المنافقين تقول:«تزوّج حليلة ابنه» .
وكانت المسألة مسألة تقرير مبدأ جديد، لأنّ العرف السائد كان يعدّ زينب مطلقة ابن لمحمّد (ص) لا تحلّ له، حتّى بعد إبطال عادة التبنّي في ذاتها، ولم يكن قد نزل بعد إحلال مطلّقات الأدعياء، إنّما كان حادث زواج النبي (ص) بزينب، هو الّذي قرّر القاعدة عمليّا، بعد ما قوبل هذا القرار بالدهشة والمفاجأة والاستنكار.
وفي هذا ما يهدم كلّ الروايات، الّتي رويت عن هذا الحادث، والّتي تشبّث