الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحساب والجزاء. هذه هي القضية الّتي تعالجها السورة، وهي القضية الّتي تعالجها سائر السور المكّيّة، كلّ منها تعالجها بأسلوب خاص، ومؤثّرات خاصّة، تلتقي كلّها في أنّها تخاطب القلب البشري، خطاب العليم الخبير، المطّلع على أسرار هذه القلوب وخفاياها، العارف بطبيعتها وتكوينها، وما يستكنّ فيها من مشاعر، وما يعتريها من تأثّرات واستجابات. في جميع الأحوال والظروف.
وسورة السجدة تعالج تلك القضية بأسلوب، وبطريقة مغايرين لأسلوب سورة لقمان السابقة وطريقته. فهي تعرضها في آياتها الأولى، ثم تمضي بقيّتها، تقدّم مؤثّرات موقظة للقلب، منيرة للروح، مثيرة للتأمّل والتّدبّر، كما تقدّم أدلّة وبراهين على تلك القضيّة، معروضة في صفحة الكون ومشاهده، وفي نشأة الإنسان وأطواره، وفي مشهد من مشاهد اليوم الاخر حافل بالحياة والحركة، وفي مصارع الغابرين، وآثارهم القاطعة الناطقة بالعبرة، لمن يسمع لها ويتدبّر منطقها.
«كذلك ترسم السورة صورا للنفوس المؤمنة، في خشوعها وتطلّعها إلى ربّها، وللنفوس الجاحدة في عنادها ولجاجها، وتعرض صورا للجزاء الّذي يتلقّاه هؤلاء وهؤلاء وكأنّها واقع مشهود حاضر للعيان، يشهده كلّ قارئ لهذا القرآن.
وفي كلّ هذه المعارض والمشاهد، تواجه القلب البشريّ، ممّا يوقظه ويحرّكه ويقوده إلى التأمّل والتدبّر مرّة، وإلى الخوف والخشية مرّة، وإلى التطلّع والرّجال مرّة، وتطالعه تارة بالتحذير والتهديد، وتارة بالأطماع وتارة بالإقناع
…
ثمّ تدعه في النّهاية تحت هذه المؤثّرات، وأمام تلك البراهين، تدعه لنفسه يختار طريقه، وينتظر مصيره على علم وعلى هدى وعلى نور» «1» .
أفكار السورة ونظامها
تبدأ سورة السجدة بالحديث عن القرآن الكريم، وتبيّن أنّه حقّ من عند الله، وتبيّن قدرة الله وعظمته، فهو خالق السماوات والأرض، وهو
(1) . في ظلال القرآن، بقلم سيّد قطب 21:92.
المهيمن على الكون، وهو المدبّر للأمر كلّه، وهو الخالق للإنسان، وهبه السمع والبصر والإدراك والنّاس بعد ذلك قليلا ما يشكرون. وبذلك عالجت قضية الألوهيّة وصفتها: صفة الخلق، وصفة التدبير مذكورة في سياق آيات الخلق والتكوين، وتستغرق هذه المجموعة، بما فيها صفة الإحسان، وصفة الإنعام، وصفة العلم وصفة الرحمة، تستغرق من أوّل السورة إلى الآية 9.
ثمّ تتحدّث الآيات عن إنكار الكافرين للبعث والحساب، وتجيبهم بأن البعث حقّ، وتعرض مشهدا من مشاهد القيامة، يقف فيه المجرمون أذلّاء يعلنون يقينهم بالآخرة، ويقينهم بالحقّ الّذي جاءتهم به الدعوة المحمّدية.
وإلى جوار هذا المشهد البائس المكروب تعرض السورة مشهد المؤمنين في الدنيا وهم يعبدون الله، ويسجدون لعظمته، ويقومون الليل بالصلاة والعبادة، ثمّ تبشّرهم بحسن الجزاء:
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (17) .
ثم تشير الآيات، إلى أن منطق العدالة يأبى أن يستوي المؤمن والفاسق، فقد اختلفوا في العمل في الدنيا، فيجب أن يختلف الجزاء في الاخرة، فللمؤمنين جنّات المأوى، وللفاسقين «عذاب» جهنم وتستغرق هذه المجموعة الآيات [10- 12] .
وفي الآيات الأخيرة من السورة، ترد إشارة إلى موسى (ع) ، ووحدة رسالته ورسالة محمد (ص) والمهتدين من قومه.
وتعقب هذه الإشارة، جولة في مصارع الغابرين من القرون، وهم يمشون في مساكنهم غافلين، ثم جولة في الأرض الميتة، ينزل عليها الماء بالحياة والنماء.