الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الزّمر»
«1»
تاريخ نزولها ووجه تسميتها
نزلت سورة «الزّمر» بعد سورة «سبأ» ، ونزلت سورة «سبأ» بعد الإسراء وقبيل الهجرة، فيكون نزول سورة «الزّمر» في ذلك التاريخ أيضا.
وقد سميت هذه السورة بهذا الاسم لقوله تعالى في آخرها: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً [الآية 71] إلى قوله: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً [الآية 73] . وتبلغ آياتها خمسا وسبعين آية.
الغرض منها وترتيبها
ما يبرز لنا من أغراض هذه السورة الحثّ على إخلاص العبادة لله تعالى، والنهي عن اتخاذ الوسائل من الأولياء والأولاد ونحوهم، ولهذا يدور السياق فيها على إقامة الأدلة والآيات على بطلان هذا الاعتقاد. ووجه ارتباطها بسورة «ص» أنه ذكر فيها أن مشركي مكة اعتمدوا على ما جاء في النصرانية من التثليث واتخاذ الولد، فجاءت هذه السورة بعدها لإبطال ما اعتمدوا عليه من ذلك، والحث على إخلاص العبادة لله وحده.
إبطال الوسائل من الأولياء والأولاد الآيات [1- 75]
قال الله تعالى: تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) فذكر سبحانه
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفنّي في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي، مكتبة الآداب بالجمايز- المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة، القاهرة، غير مؤرّخ.
وتعالى، من قدرته وحكمته، ما يستغنى معه عن الأولياء والأولاد. ثم أمر النبي (ص) أن يخلص العبادة له، وأوعد من يتّخذون من دونه أولياء يعبدونهم ليقربوهم إليه بحكمه بينهم يوم القيامة ثم ذكر جلّ وعلا، أن كل ما عداه مخلوق له فيستحيل أن يكون له ولد منهم، لأن الولد يجب أن يجانس والده في الألوهية، فهو خالق السماوات والأرض، ومكوّر الليل على النهار والنهار على الليل، إلى غير هذا مما ذكره من خلقه ثم ذكر أنهم، إن يكفروا بعد ذلك، فهو غني عنهم، ولا تزر وازرة وزر أخرى، فلا شفاعة لولي أو ولد أو غيرهما مما يعبدونهم.
ثم ذكر، سبحانه، أنه إذا مسّ الإنسان ضرّ لجأ إليه وحده، ونسي أولياءه وشفعاءه إليه، فإذا كشف الضّر عنه وصار في نعمة، نسيه واتّخذ له أندادا من الأولياء والشفعاء، ثم هدّد هذا الإنسان الجاحد الكافر بأنه سيتمتّع بكفره ثم يكون من أصحاب النار، لأنه لا يصح أن يستوي هو ومن يقنت إلى ربه ويعمل لآخرته، ولا يصح أن يستوي من يعلم أن العبادة لله وحده بمن لا يعلم ذلك، فيجب على المؤمنين أن يتّقوا ربهم وحده، وأن يكونوا أول المسلمين له، وليعبد غيرهم ما يشاءون من دونه، فسيكون لهم من العقاب ما يكون، وسيكون للّذين يخلصون العبادة له من الثواب ما يكون.
ثم ذكر أنه، جلّت قدرته، هو الّذي أنزل المطر فسلكه ينابيع في الأرض، ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه، ثم يهيج فتراه مصفرّا، ثم يجعله حطاما ففي ذلك دليل أيضا على تفرّده سبحانه بالألوهية، وأنه لا يشاركه في ألوهيّته ما يتخذونه من الشفعاء والأولاد، ثم ذكر أنه لا يعرف هذا إلا من استنار قلبه بالإسلام ثم نوّه السياق بشأن القرآن الّذي يأتي بمثل هذا البيان، مما تقشعرّ منه الجلود، وتلين منه القلوب، وجمع في هذا بين الوعد والوعيد على نحو ما سبق.
ثم ضرب مثلا لمن يتّخذ معه آلهة من الأولاد والأولياء بعبد فيه شركاء متشاكسون، فلا يمكنه أن يرضيهم كلهم وضرب مثلا لمن يعبد الله وحده بعبد خالص لرجل واحد،
فيسهل عليه أن يرضيه وذكر أن ما ضربه مثلا في الحالين يفهمه كل من عنده حظ من العلم، ولكن أكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون. ثم أكمل السياق، بعد هذا، نسق الوعد والوعيد على نحو ما سبق.
ثم ذكر سبحانه أنه فيه وحده الكفاية لعبيده، فلا يصح أن يخاف من الشفعاء الّذين يخوّف المشركون بهم، وذكر أنهم لو سئلوا عن خالق السماوات والأرض لأجابوا بأنه هو الّذي خلقها، وإذا كان هذا شأنه فإنه إذا أراد أحدا بضرّ لا يكشفه شفعاؤهم، وإذا أراد أحدا برحمة لا يمكنهم أن يمسكوها عنه. ثم أكمل السياق، بعد هذا، نسق الوعد والوعيد على نحو ما سبق.
ثم ذكر جلّ وعلا أنهم يتخذون هؤلاء الشفعاء من الأصنام، لأنها تماثيل لأشخاص كانوا من المقربين عنده، لينفعوا بشفاعتها وشفاعة أصحابها لهم ورد عليهم بأن أولئك المقربين عبيد لا يملكون من أمره شيئا، وتلك الأصنام من الجماد الّذي لا يعقل، فلا شفاعة إلا لله وحده. ثم ذكر أنهم، مع هذا، إذا ذكر سبحانه وحده اشمأزّت قلوبهم، وإذا ذكر الّذين يتخذونهم شفعاء من دونه فرحوا واستبشروا، وهذا تناقض عجيب منهم، وأوعدهم على ذلك بما أوعدهم به، وبيّن أنهم يفعلون ذلك في حال النعمة والرخاء، فإذا مسّهم ضرّ توجّهوا إليه جل جلاله وحده بالدعاء، ولا يلبثون، إذا كشفه عنهم، أن يعودوا إلى ما كانوا عليه، فينسبوا ما أوتوه من نعمة إلى علمهم بالأفلاك.
ولا يعلمون أنه سبحانه هو الّذي يبسط الرزق لمن يشاء، ويقبضه عمّن يشاء.
ثم تلطف في دعوتهم، فذكر أنهم أسرفوا بذلك على أنفسهم، ونهاهم أن يقنطوا مع ذلك من رحمته، لأنه يغفر الذنوب جميعا بالتوبة عنها، إلى غير هذا مما ذكره في ذلك الأسلوب من دعوتهم.
ثم ذكر سبحانه أنه خالق كل شيء وله مقاليد السماوات والأرض، وأمر النبيّ (ص) أن يخبرهم بأنه لا يصحّ مع هذا أن يطيعهم فيما يأمرونه به من عبادة أوليائهم وشفعائهم. ثم أكمل السياق، بعد هذا، نسق الوعد والوعيد على نحو ما سبق، إلى أن ذكر سبحانه
أن الّذين كفروا يساقون إلى جهنم زمرا فيقابلهم خزنتها بما يقابلونهم به، وأن الّذين اتقوا ربهم يساقون إلى الجنة زمرا، فيقابلهم خزنتها بما يقابلونهم به، ويحمدون الله الّذي صدقهم وعده، وأورثهم الأرض يتبوّءون من الجنّة حيث يشاءون، فنعم أجر العاملين وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75) .