الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الّتي تهزّ الحسّ وتنبّه الشعور، وتأخذ بتلابيب القلوب الشاردة الّتي تجعل لله شركاء، وهي ترى خلقه العظيم:
هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (11) .
وتمتد هذه الفقرة من أوّل السورة إلى الآية 11.
الجولة الثانية:
تبدأ الجولة الثانية من خلال نفوس آدميّة، وتتناول القضيّة ذاتها بأسلوب جديد ومؤثّرات جديدة: إنّها نصيحة من رجل حكيم يعظ ابنه، فيقدّم له خلاصة تجاربه وحكمته، فيأمره بالتوحيد وينهاه عن الشرك، ويحثّه على برّ الوالدين وطاعتهما فيما يأمران به، إلّا إذا أمرا بالشّرك ونحوه، وينبّه لقمان ولده إلى إحاطة علم الله بكل شيء، إحاطة يرتعش لها الوجدان البشري.
ثمّ يتابع لقمان وصيّته لابنه فيأمره أن يقوم بتكاليف العقيدة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يصبر ويحتمل فإنّ الصبر من أمّهات الفضائل.
ويحثّ لقمان ولده على مكارم الأخلاق، وآداب النفس والسلوك فينهاه عن الكبر والبطر، ويأمره أن يعتدل في مشيته وأن يغضّ من صوته، وأن يلزم الرفق والهدوء والاعتدال.
وقد استغرقت هذه الجولة الآيات 12- 19.
الجولة الثالثة:
تستغرق الجولة الثالثة بقية السورة من الآية 20 إلى الآية 34، بعرض أدلة التوحيد في خلق السماء والأرض، وفي تسخير الكون، وإسباغ النعم الظاهرة والباطنة. وفي ظل النّعم الظاهرة والأدلّة الملموسة يبدو الجدل في الله مستنكرا للفطرة تمجّه القلوب المستقيمة.
ثمّ يتابع السّياق استنكار موقف الكفر والجمود، وتقليد الآباء دونما تبصّر ورويّة، ومن ثمّ يعرض قضيّة الجزاء في الاخرة مرتبطة بقضيّة الكفر والإيمان.
ثمّ يقف الكافرون وجها لوجه أمام منطق الفطرة، وهي تواجه هذا الكون فلا تملك إلّا الاعتراف بالخالق الواحد الكبير. وتعرض الآيات مشهدا كونيا
يهزّ القلب البشري، مشهد اللّيل وهو يطول فيدخل في جسم النّهار ويمتدّ، والنّهار وهو يطول فيدخل في جسم اللّيل ويمتدّ، ومشهد الشّمس والقمر مسخّرين في فلكيهما يجريان في حدود مرسومة إلى وقت لا يعلمه إلّا خالقهما. ويتّخذ من هذا المشهد الكونيّ دليله إلى الفطرة على القضية المعهودة، وهي قضيّة التّوحيد.
ثمّ يلمس القلوب بمؤثّر آخر من نعمة الله على الناس، في صورة الفلك الّتي تجري في البحر، ثمّ يوقفهم أمام منطق الفطرة حينما تواجه هول البحر مجرّدة من غرور القدرة والعلم، الّذي يبعدها عن بارئها، ويتّخذ من هذا المنطق دليلا على قضيّة التوحيد.
وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32) .
وبمناسبة موج البحر وهوله، يذكّرهم بالهول الأكبر، وهو يقرّر قضيّة الاخرة، الهول الّذي يفرّ فيه الوالد من ولده، والولد من والده:
إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا [الآية 33] . وتختم السورة بآية تقرّ القضايا الّتي عالجتها في إيقاع قويّ عميق مرهوب، فتذكّر أن الله جل جلاله، استأثر بخمس لا يعلمهنّ سواه:
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) .
هذه الجولات الثلاث بأساليبها ومؤثّراتها ودلائلها وآياتها نموذج من أسلوب القرآن الكريم في معالجة القلوب، هذا الأسلوب المختار من خالق هذه القلوب، العليم بمداخليها، الخبير بما يصلح لها، وما تصلح به من الأساليب.