الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[آدَابُ](1) طَالبِ الحديثِ (2)
قولُهُ: (أدب (3) طالبِ الحديثِ) (4) قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وقدِ اندرجَ طرفٌ منهُ في ضمنِ ما تقدَّمَ)) (5).
قولُهُ: (وَجِدَّ)(6) يجوزُ فيهِ كسرُ الجيم، مِنْ فَعَلَ يَفعلُ بفتحِ العينِ في الماضي وكسرها في المستقبلِ، وضم الجيمِ، من فَعَلَ يفعلُ بضمِّها في المستقبلِ، ومعناه الاجتهادُ في طلبِ العلمِ.
قالَ الشيخُ محيي الدينِ النوويُّ في مقدمةِ " شرحِ المهذبِ " في بابِ أقسامِ العلمِ الشرعيِّ (7): ((وهي ثلاثةٌ: فرضُ العينِ، وعليهِ حملَ جماعاتٌ الحديثَ
(1) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " شرح التبصرة والتذكرة ".
(2)
انظر في معرفة
آداب طالب الحديث:
الإلماع: 45 وما بعدها، ومعرفة أنواع علم الحديث: 353، والإرشاد 1/ 521 - 528، والتقريب: 146 - 149، والاقتراح: 257، ورسوم التحديث: 97، والمنهل الروي: 108، واختصار علوم الحديث 2/ 438 وبتحقيقي: 219، والشذا الفياح 1/ 400 - 418، والمقنع 1/ 407 - 418، ونزهة النظر: 129، وفتح المغيث 2/ 311 - 346، وتدريب الراوي 2/ 140 - 158، وشرح ألفية العراقي للسيوطي: 255، وفتح الباقي 2/ 117، وشرح شرح نخبة الفكر: 786، واليواقيت والدرر 2/ 423، وقواعد التحديث: 233 - 236.
(3)
كذا في (ف) وفي " شرح التبصرة والتذكرة ": ((آداب)) إلا أن في نسخة من نسخ شرح التبصرة والتذكرة التي اعتمدنا عليها في تحقيق الكتاب كانت الكلمة ((أدب))، وكذلك أشار القاضي زكريا الأنصاري في "فتح الباقي" 2/ 117 إلى اختلاف نسخ الكتاب في هذه الكلمة.
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 38.
(5)
معرفة أنواع علم الحديث: 353.
(6)
التبصرة والتذكرة (713).
(7)
المجموع شرح المهذب 1/ 62 - 66.
المرويَّ في مسندِ أبي يعلى الموصليِّ (1) عنْ أنسٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:((طلبُ العلمِ فريضةٌ على كُلِّ مُسلمٍ)).
وهذا الحديثُ وإنْ لم يكنْ ثابتاً (2) فمعناهُ صَحيحٌ.
فأولُ ذلكَ تصحيحُ العقيدةِ ويكفي فيها التصديقُ بكلِّ ما جاءَ بهِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم واعتقادُهُ اعتقاداً جازمَاً سالماً منْ كلِّ شكٍ، ولا يتعينُ لهذا أدلة المتكلمينَ على الصحيحِ.
وآياتُ الصفاتِ وأخبارها لأهلِ الإسلامِ فيها مذهبانِ: التأويلُ: وهو الأشهرُ، وعدمُهُ، مع أنَّه لا بد عندَ الكُلِّ من تقديمِ اعتقادِ التنزيهِ عنْ سماتِ الحدثِ، وأنَّه:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (3).
(1) الحديث في مسند أبي يعلى (2837) من طريق ابن سيرين، وفي (2903) من طريق قتادة، وفي (4035) من طريق زياد، ثلاثتهم: عن أنس بن مالك، به.
(2)
روي هذا الحديث بأسانيد كثيرة حتى إن السيوطي ألفَّ كتاباً حوى طرق هذا الحديث، ولكن جميع طرق هذا الحديث ضعيفة لا يحتج بها، لذا ضعف الحفاظ المتقدمون هذا الحديث، إذ قال الإمام أحمد في " المنتخب من علل الخلال " 199/أ:((لا يثبت عندنا فيه شيء)). وقال إسحاق بن راهويه: ((لم يصح فيه الخبر)). انظر: " جامع بيان العلم وفضله " 1/ 9، وقال العقيلي في " الضعفاء الكبير " 2/ 58:((الرواية في هذا الباب فيها لين))، وقال البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى":(325): ((هذا حديث متنه مشهور، وأسانيده ضعيفة، لا أعرف له إسناداً يثبت بمثله الحديث)).
وقد أطنب ابن الجوزي بذكر طرق هذا الحديث وتضعيفها في كتابه " العلل المتناهية "
1/ 64 - 75.
وقد ضعف ابن القطان هذا الحديث أيضاً في كتابه "بيان الوهم والإيهام" 5/ 124 (2373). وانظر: تعليق أخينا الشيخ إبراهيم الميلي على كتاب " رسوم التحديث ": 79.
(3)
الشورى: 11، وعقيدة أهل السنة والجماعة في صفات الله تعالى: هو إثباتها كما وردت في الكتاب والسنة على ظاهرها، وما تدل عليه ألفاظها من المعاني، لا يؤولونها عن ظاهرها، =
والثاني: فرضُ الكفايةِ، وهو تحصيلُ ما لا بد للنَّاسِ منهُ في إقامةِ دينهم من العلومِ الشرعيةِ كحفظِ القرآنِ والأحاديثِ وعلومها، ولو اشتغلَ بعلمٍ فظهرتْ نجابتُه فيه لم يتعيَّنْ عليهِ على الأصحِّ؛ لأنَّ الشروعَ لا يُعيِّنُ المشروعَ فيهِ عندنا إلا الحجَّ والعمرةَ.
والثالثُ: نفلٌ مندوبٌ إليهِ مستحبٌّ لهُ، وهو التبحُّرُ في الأدلةِ، والإمعانُ في القدرِ الذي يحصلُ بهِ فرضُ الكفايةِ)). انتهى ملخصاً.
قولُهُ: (ولا تساهلَ حملاً)(1) هو فعلٌ مضارعٌ خُفِّفَ / 242 أ / بإسقاطِ إحدى التائينِ؛ لأجلِ الوزنِ وتمييزِ ((حَمْلاً)) محولٌ عن الفاعلِ بالإسنادِ المجازي، أي: ولا يتساهلُ حملكَ عن المشايخِ، أي: ولا تتساهل أنتَ في الحملِ عنهم.
قولُهُ: (إخلاص النيةِ)(2) قال الشيخُ محيي الدينِ في مقدمةِ "شرحِ المهذبِ": ((يقصدُ بتعلمِهِ وتعليمِهِ وجهَ اللهِ، ولا يقصدُ توصُّلاً إلى عَرَضٍ دُنيويٍ كتحصيلِ مالٍ، أو جاهٍ، أو شهرةٍ، أو تميُّزٍ عن الأشباهِ، أو تكثرٍ بالمشتغلينَ عليهِ)) (3).
((ويُطهرُ قلبَهُ من جميعِ الأدناسِ لتصلحَ أحوالُهُ. ففي " الصحيحينِ " (4) عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ في الجسدِ مضغةً إذا صلحتْ صلحَ الجسدُ كلُّهُ، وإذا فسدتْ فسدَ الجسدُ كلُّهُ، ألا وهي القلبُ)).
= ولا يحرفون ألفاظها ودلالتها عن مواضعها، ولا يشبهون صفات الله بصفات المخلوقين، ولا يعتبرون نصوص الأسماء والصفات من المتشابه الذي يفوض معناه، وإنما هي من المحكم الذي يفهم معناه ويفسر، ولكن يفوض كيفية الصفات إلى الله تعالى، ولا يبحثون عنها.
انظر: شرح العقيدة الطحاوية: 117 - 119، وعقيدة التوحيد للشيخ الدكتور صالح بن فوزان:63.
(1)
التبصرة والتذكرة (714).
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 38.
(3)
المجموع شرح المهذب 1/ 68.
(4)
صحيح البخاري 1/ 20 (52)، وصحيح مسلم 5/ 50 (1599)(107).
وقالوا: تَطبيبُ القلبِ للعلمِ، كتَطبيبِ الأرضِ للزَّرعِ)) (1).
ويتخلقُ بالمحاسنِ التي وردَ الشرعُ بها وحثَّ عليها، منَ الزهدِ في الدنيا، والتقلّلِ منها وعدمِ المبالاةِ بفواتِها، والسخاءِ، والجودِ، والحلمِ، والصبرِ، ومكارمِ
الأخلاقِ، وطلاقةِ الوجهِ، من غيرِ خروجٍ إلى حدِّ الخلاعةِ، مع اجتنابِ الضحكِ، والإكثارِ من المزحِ، وملازمةِ الآدابِ الشرعيةِ من التنظُّفِ بإزالةِ الأوساخِ والروائحِ الكريهةِ، والحذرِ من الحسدِ، والرياءِ، والإعجابِ، والاحتقارِ لمنْ دونهُ؛ لأنَّ حكمةَ اللهِ اقتضتْ إقامةَ كلٍّ فيما أقامهُ.
ومن علمَ أنَّ الخلقَ لا ينفعونَهُ لم يُرائِهمْ، وَمَنْ علمَ أنَّ نِعَمَهُ من اللهِ لم يُعْجَبْ، ولا يُذِلُّ العلمَ بذهابهِ إلى من يتعلمُهُ، وإنْ [كانَ المتعلم](2) كبيرَ القدرِ، فإن اقتضتهُ مصلحةٌ راجحةٌ على مفسدةِ ابتذالهِ رجونا أنه لا بأسَ بهِ)) (3).
قالَ حمدانُ بنُ الأصبهانيّ: ((كنتُ عندَ شَرِيكٍ رحمه الله، فأتاهُ بعضُ أولادِ المهدي، فاستندَ إلى الحائِطِ، وسألهُ عن حديثٍ، فلم يلتفتْ إليهِ، وأقبلَ علينا، ثم عادَ، فأعادَ بمثلِ ذلكَ، فقالَ: كأنّكَ تستخِفُّ بأولادِ الخلفاءِ؟ فقالَ شريكٌ: لا، ولكنَّ العلمَ عندَ اللهِ أجلُّ منْ أنْ أضعَهُ، فجثا على ركبتيهِ، فقال شريكٌ: هكذا يُطلبُ العلمُ)) (4).
قولُهُ: (عزمَ الله)(5)، أي: أراد وقدَّرَ، إرادةً وتقديراً أنفذَهما وأمضاهما، بأنْ خلقَ القدرة على الفعلِ وجعلَ للفاعلِ عزماً على ذلكَ ماضياً / 242ب / لا أنَّه أرادَ
(1) المجموع شرح المهذب 1/ 82.
(2)
ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " المجموع ".
(3)
المجموع شرح المهذب 1/ 68 - 70 باختصار.
(4)
أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 87 (343).
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 39، وهو كلام الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ":32.
أن يفعلَ (1) ذلكَ في المستقبلِ فهيَّأهُ لهُ ولم يشرع فيهِ.
قولُهُ: (ويحرَص على ذلكَ)(2) قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ورُوِّينَا عنْ سفيانَ الثوريِّ قالَ: ما أعلمُ عملاً هو أفضلُ من طلبِ الحديثِ لمنْ أرادَ اللهَ بهِ (3))) (4).
ورَوينَا نحوه عن ابنِ المباركِ.
ومنْ أقربِ الوجوهِ في إصلاحِ النِّيةِ، ما رَوينا عن أبي عمرٍو إسماعيلَ بنِ نجيدٍ أنَّه سألَ أبا جعفرٍ أحمدَ بنَ حمدان - وكانا عبدينِ صالحينِ - فقالَ لهُ: بأيِّ نيةٍ أكتبُ الحديثَ؟ فقالَ: ألستم ترونَ أنَّ عندَ ذكرِ الصالحينَ تَنْزِلُ الرحمةُ؟ قالَ: نعمْ، قالَ: فرسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رأسُ الصالحينَ (5).
ولْيَسْألِ اللهَ التيسيرَ والتأييدَ والتوفيقَ والتسديدَ، وليأخذْ نفسهُ بالأخلاقِ الزكيةِ، والآدابِ المرضيةِ، فقدْ رَوينا عنْ أبي عاصمٍ النبيلِ أنَّهُ قالَ:((منَ طلبَ هذا الحديثَ فقدْ طلبَ أعلى أمورِ الدينِ، فيجبُ أنْ يكونَ خيرَ الناسِ)) (6).
(1) في (ف): ((تفعل))، وما أثبته أصوب، والله أعلم.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 39، وهو أيضاً من كلام الخطيب.
(3)
أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 11 (14)، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله "1/ 124 من طريق وكيع، قال:((سمعت سفيان يقول: ما من شيء أخوف عندي من الحديث، وما من شيء أفضل منه لمن أراد به الله عز وجل)).
(4)
معرفة أنواع علم الحديث: 353.
(5)
أخرجه: أبو نعيم في "الحلية" 7/ 285 من طريق محمد بن حسان، قال: سمعت ابن عيينة يقول: ((عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة)).
قال العراقي في " تخريج أحاديث الإحياء "(1929): ((ليس له أصل في الحديث المرفوع، وإنما هو قول سفيان بن عيينة كذا رواه ابن الجوزي في مقدمة " صفة الصفوة ": 22)).
(6)
أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 8 (6).
ثمَّ أشارَ إلى ما سبقَ في النوعِ الرابعِ والعشرينَ، وهو: معرفةُ كيفيةِ سماعِ الحديثِ وتحملِهِ وصفةِ ضبطهِ، في السنِّ الذي ينبغي فيهِ الابتداءُ بالطلبِ (1).
قولُهُ: (بِرَاحةِ الجسَدِ)(2) رواهُ مسلمٌ في أوائلِ أوقاتِ الصلاةِ من " صحيحِهِ "(3) وفي روايةٍ: ((براحةِ الجسمِ)) (4).
ورأيتُ بخطِ صاحبنا العلاّمةِ شمسِ الدينِ بنِ حسّان أنّ شيخَنا أفادَ أنَّه رُويَ مرفوعاً.
قولُهُ: (وبالتملُّلِ)(5) يصلحُ أنْ يكونَ بالكافِ من الملُكِ المفيدِ للعزِّ.
ويقابلهُ ذلةُ النفسِ الملازمِ للفقرِ، وأنْ يكونَ باللامِ من الملالِ ويقابلهُ المداومةُ على خدمةِ العلم.
ويؤيدُ هذا أنَّ الشيخَ محيي الدينِ نقلَهُ في مقدمةِ " شرحِ المهذبِ "(6) فقالَ: بالمللِ بلامينِ دونَ تاءٍ قبلَ الميمِ، وعلى كلا التقديرينِ، المرادُ الاجتهادُ في الطلبِ والنشاط والنّهي عن ضدِهِ، فروايةُ اللامِ واضحةٌ في ذلكَ، وروايةُ الكافِ تتضمنُهُ فإنَّه يلزمُ من الملكِ - سواءٌ كانَ بكسرِ اللامِ، أو ضمِّها - الترفُ الملازمُ
(1) معرفة أنواع علم الحديث: 247 - 250.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 39، وهو من كلام يحيى بن أبي كثير.
(3)
صحيح مسلم 2/ 105 (612)(175).
وأخرجه أيضاً: ابن عدي في " الكامل " 5/ 361، وأبو نعيم في "الحلية" 3/ 66، والبيهقي في " المدخل إلى السنن الكبرى "(400)، والخطيب في "تاريخ بغداد" 10/ 143.
(4)
كذا هو في رواية مسلم، والبيهقي، وفي رواية أبي نعيم في " الحلية "، وابن عدي، والخطيب:((الجسد)).
(5)
في (ف): ((بالتملك)) والمثبت من " شرح التبصرة والتذكرة " 2/ 39، وهو كلام الشافعي، انظر: المحدّث الفاصل: 202 (84)، والحلية 9/ 119.
(6)
المجموع شرح المهذب 1/ 82 - 83.
للفتورِ والكسلِ عن مثلِ ذلكَ بالميلِ إلى (1) الشهواتِ لا سيما للشباب كما قيلَ:
إنَّ الشبَابَ والفَراغَ والجدَة
…
مفسَدة للمرءِ أيُّ مَفْسَدة (2)
وقالَ الشيخُ محيي الدينِ: ((وقالَ - يعني: الشافعيَّ - أيضاً: / 243 أ / لا يُدرَك العلمُ إلا بالصبرِ على الذّلِ.
وقالَ أيضاً: لا يصلحُ طلبُ العلمِ إلا لمفلسٍ، فقيلَ: ولا الغنيّ المَكْفِي؟ فقال: ولا الغنيّ المكفي)) (3).
وقالَ مالكُ بنُ أنسٍ: لا يبلغُ أحدٌ من هذا العلمِ ما يريدُ، حتى يضربَهُ الفقرُ ويُؤثرَهُ على كلِّ شيءٍ.
وقال أبو حنيفةَ: لِيُسْتَعَانَ على الفقهِ (4) بجمعِ الهمِّ، ويستعانَ على حذَفِ العلائقِ بأخذِ اليسيرِ عندَ الحاجةِ، ولا يزِدْ.
وقالَ إبراهيمُ الآجُريُّ: من طلبَ العلمَ بالفاقةِ ورثَ الفهمَ.
قالَ الخطيبُ البغداديُّ في كتابهِ " الجامعُ لآدابِ الراوي والسامعِ "(5): ((يستحبُّ للطالبِ أنْ يكونَ عزبَاً ما أمكنهُ لئلا يقطعهُ الاشتغالُ بحقوقِ الزوجةِ، والاهتمامُ بالمعيشةِ عن إكمالِ طلبِ العلمِ، واحتجَّ بحديثِ: خيركم بعد المئتينِ خفيفُ الحَاذ وهو الذي لا أهلَ لهُ ولا ولد)) (6).
(1) في (ف): ((وإلى)) بزيادة واو، ولا داعي لها.
(2)
البيت لأبي العتاهية، وهو على بحر الرجز.
(3)
الجامع لأخلاق الراوي: 25 (72).
(4)
في (ف): ((الفقيه))، والمثبت من " المجموع ".
(5)
الجامع لأخلاق الراوي: 23.
(6)
أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 123 (61)، وفي " تاريخ بغداد "، له 6/ 197 و11/ 225 من طريق عباس بن عبد الله الترقفي، عن رواد بن الجراح، عن سفيان، عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة، به. =
=
…
وأخرجه أيضاً: العقيلي في " الضعفاء الكبير " 2/ 69، وأبو سعيد بن درهم في "الزهد وصفة الزاهدين" 1/ 61 (106)، وابن عدي في " الكامل " 4/ 115، والبيهقي في "شعب الإيمان"(10350)، والخليلي في " الإرشاد " 2/ 471 (129) من طريق رواد، به.
قال ابن أبي حاتم في " العلل "(1890): ((قال أبي: هذا حديث باطل))، وقال في
(2765)
: ((قال أبي: هذا حديث منكر)).
وسبب ضعفه رواد بن الجراح العسقلاني. قال عنه أحمد: لا بأس به، صاحب سنة، إلا أنه حدث عن سفيان بمناكير، وقال أبو حاتم: هو مضطرب الحديث، تغير حفظه في آخر عمره، وكان محله الصدق. وقال الحافظ ابن حجر: صدوق اختلط بأخرة فترك، وفي حديثه عن الثوري ضعف شديد.
انظر: الجرح والتعديل 3/ 473 (2368)، وميزان الاعتدال 2/ 55، والتقريب (1958).
وقالَ إبراهيمُ بن أدهمَ: منْ تعوّدَ أفخاذَ النساءِ لم يفلحْ (1)، يعني: اشتغلَ بهنَّ، وهذا في غالبِ النَّاس لا في الخواصِّ.
وعنْ سفيانَ الثوريِّ: إذا تزوّجَ [الفقيه](2) فقدْ ركبَ البحرَ، فإنْ وُلِدَ لهُ فقدْ كُسِرَ بهِ (3).
وقالَ سفيانُ لرجلٍ: تزوجتَ؟ قالَ: لا. قالَ: ما تدري ما أنتَ فيهِ من العافيةِ (4).
وفي " الصحيحينِ "(5) عنْ أسامة بن زيدٍ رضي الله عنهما، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:((ما تركتُ فتنةً هي أضرُّ على الرجالِ منَ النساءِ)).
(1) أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 24 (64).
(2)
ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " المجموع ".
(3)
أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 24 (66) وفيه: ((إذا تزوج الرجل)).
(4)
أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 24 (65).
(5)
صحيح البخاري 7/ 11 (5096)، وصحيح مسلم 8/ 89 (2740) و (2741) من طريق سليمان التيمي، عن عثمان، عن عبد الرحمان بن ملّ، عن أسامة بن زيد، به.
وأخرجه أيضاً: ابن ماجه (3998)، والترمذي (2780)، والنسائي في " الكبرى "
(9153)
و (9270) من طريق سليمان، به.
وينبغي أنْ يكونَ حريصاً على التعلمِ مواظباً عليهِ في جميعِ أوقاتهِ ليلاً ونهاراً، حضراً وسفراً، ولا يُذْهِبْ من أوقاتِهِ شيئاً في غيرِ العلمِ إلَاّ بقدرِ الضرورةِ لأكلٍ ونومٍ، قدراً لا بدَّ منهُ ونحوهما كاستراحةٍ يسيرةٍ لإزالةِ المللِ وشبهِ ذلكَ، وليسَ بعاقلٍ من أمكنهُ درجةَ ورثةِ الأنبياءِ ثمَّ فَوَّتَها.
وقد قالَ الشافعيُّ في " رسالتهِ "(1): ((حُقَّ على طلبةِ العلمِ بلوغُ غايةِ جُهدِهم في الاستكثارِ من علمِهِ، والصبرُ على كلِّ عارضٍ دونَ طِلْبَتِه، وإخلاصُ النيةِ للهِ تعالى في إدراكِ علمهِ، نصاً واستنباطاً، والرغبةُ إلى اللهِ في العونِ عليهِ)).
قالَ الخطيبُ البغداديُّ: ((أجودُ أوقاتِ الحفظِ الأسحارُ، ثمَّ نصفُ النهارِ، ثمَّ الغداةُ، وحفظُ الليلِ أنفعُ منْ حفظِ النهارِ، ووقتُ / 243 ب / الجوعِ أنفعُ منْ وقتِ الشبعِ))، قالَ:((وأجودُ أماكنِ الحفظِ الغرفُ، وكلُّ موضعٍ بَعُدَ عن الملهياتِ))، قالَ:((وليسَ يجودُ الحفظُ بحضرةِ النباتِ، والخضرةِ، والأنهارِ، لأنها تمنعُ (2) غالباً خلو القلبِ)) (3).
قالَ الشيخُ (4): ((ومنْ آدابهِ - أي: الطالبِ - الحلمُ والأناةُ وأنْ تكونَ همتُهُ عاليةً فلا يرضى باليسيرِ مع إمكانِ كثيرٍ، وأن لا يسوّفَ (5) في اشتغالِهِ، ولا يؤخِّرَ تحصيلَ فائدةٍ وإنْ قلَّتْ إذا تمكنَ منها، وإنْ أمنَ حصولهَا بعد ساعةٍ؛ لأنَّ للتأخيرِ آفاتاً، ولأنَّهُ في الزمنِ الثاني يُحصّل غيرهَا.
عن الربيعِ قالَ: لم أر الشافعيَّ آكلاً بنهارٍ، ولا نائماً بليلٍ؛ لاهتمامهِ بالتصنيفِ.
(1) الرسالة للشافعي: 19 (45).
(2)
في (ف): ((تضع))، والمثبت من " الفقيه والمتفقه ".
(3)
الفقيه والمتفقه 2/ 103 - 104.
(4)
يعني: النووي.
(5)
في (ف): ((يسرف))، والمثبت من " المجموع ".
ولا يُحمّلُ نفسهُ ما لا يطيقُ مخافةَ المللِ، وهذا يختلفُ باختلافِ الناسِ.
وينبغي أنْ يغتنمَ التحصيلَ في وقتِ الفراغِ والنشاطِ، وحالِ الشبابِ، وقوةِ البدنِ، ونباهةِ الخاطرِ، وقلةِ الشواغلِ قبلَ عوارضِ البطالةِ وارتفاعِ المنزلةِ.
فقد رَوينا عنْ عمرَ رضي الله عنه: تفقّهوا قبلَ أن تُسَوَّدوا (1).
وقالَ الشافعيُّ: تفقه قبلَ أنْ ترأسَ، فإذا رأستَ فلا سبيلَ إلى التَّفقُّهِ (2))) (3). انتهى.
وهذهِ المعاني كلها تدورُ على بذلِ الجهدِ في الطلبِ وعدمِ الفتورِ (4) مما يشتغلُ عنهُ، ووجودُ البواعثِ للدلالةِ على عشقهِ وإيثارهِ على كلِّ شيءٍ، ولا يكونُ هذا إلا بعنايةٍ منَ اللهِ، واللهُ الموفقُ.
قولُهُ: (ويعمدُ إلى أسندِ شُيُوخ)(5) هو أفعلُ تَفضيل منَ السَّنَدِ، فيحتملُ أنْ يكونَ: أعلاهمْ سَنداً، أو أتقنهم سَنداً، أو أعرفهمْ بالأسانيدِ ونحوه، وينبغي مع ذلك البداءةُ بالأفرادِ فمن تفرّدَ بشيءٍ أخذهُ عنه أولاً، وإنْ لمْ يكنْ أسنَدهُم.
قولُهُ: (أنْ يتخيَّرَ المشهُورَ مِنهُمْ)(6) قالَ الشيخُ محيي الدينِ: ((قالُوا: وَلا يأخذُ إلا ممن كملتْ أهليتُهُ، وظهرتْ ديانتُهُ، وتحققتْ معرفتُهُ، واشتهرتْ صيانتُهُ
(1) أخرجه ابن أبي شيبة (26116)، والدارمي (250) طبعة دار الكتاب، وابن حجر في تغليق التعليق 2/ 81 و82، وذكره ابن حجر معلقاً، وانظر: المجموع شرح المهذب1/ 87 - 88.
(2)
أخرجه: البيهقي في " المدخل إلى السنن الكبرى "(375).
(3)
أخرجه: ابن أبي شيبة (26116)، والبيهقي في " شعب الإيمان "(1669)، وفي
" المدخل إلى السنن الكبرى "(373) من طريق عبد الله بن عون، عن ابن سيرين، عن الأحنف بن قيس، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، به.
وعلقه البخاري في صحيحه 1/ 28 باب الاغتباط في العلم والحكمة.
(4)
بعد هذا في (ف): ((بعدم)) وهي مقحمة.
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 39، وهو قول الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ":32.
(6)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 39.
وسيادتُهُ، فقدْ قالَ ابنُ سيرينَ ومالكٌ وخلائقٌ من السّلفِ: هذا العلمُ دينٌ، فانظروا عمنْ تأخذونَ دينكُم)) (1).
رَوَى أثرَ ابنِ سيرينَ مسلمٌ في مقدمةِ " صحيحِهِ "(2)، قالَ (3) / 244 أ /: ((ولا يكفِي في أهليةِ التعليمِ أنْ يكونَ كثيرَ العلمِ، بل ينبغي مع كثرةِ علمهِ بذاكَ الفنِّ، كونه له معرفةٌ في الجملةِ بغيرِهِ من الفنونِ الشَّرعيةِ فإنها مرتبطةٌ، ويكونَ لهُ دربَةٌ ودينٌ وخلقٌ جميلٌ وذهنٌ صحيحٌ واطلاعٌ تامٌ.
قالوا: فلا يأخذُ العلمَ عمَّن كانَ أَخْذهُ لهُ من بطونِ الكتبِ من غيرِ قراءةٍ على شيوخٍ، أو شيخٍ حاذقٍ.
فمن لم يأخذهُ إلا منَ الكتبِ يقعُ في التصحيفِ ويكثرُ منهُ الغلطُ والتحريفُ)) (4). انتهى.
وقالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: ((والنَّاسُ اليومَ منهمكونَ على طلبِ العالي، وهو عندي الذي أضَرَّ بالصنعةِ، فإنَّهُ اقتضى الإضرابَ عن طلبِ المتقنينَ والحُفّاظِ، ولو لم يكن فيه إلا الإعراضُ عن من طلبَ العلمَ بنفسِهِ، وضبطَهُ بتمييزِهِ، إلى منْ أجلسَ في المجلسِ صغيراً لا تمييزَ لهُ ولا ضبطٍ ولا فهمٍ، طلباً للعلوّ بقِدَم السَّماعِ)) (5). انتهى.
قولُهُ: (بكَتْبِ حديثِ بلدهِ)(6) بفتحِ الكافِ وإسكانِ الفوقانيةِ، مصدرٌ
(1) المجموع شرح المهذب 1/ 83 - 84.
(2)
صحيح مسلم 1/ 11.
(3)
أي: النووي.
(4)
المجموع شرح المهذب 1/ 84.
(5)
الاقتراح: 253.
(6)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 40، وهو كلام الحافظ أبي الفضل صالح بن أحمد التميمي.
انظر: الجامع لأخلاق الراوي: 378 (1692).
مجردٌ، وضمير ((صحيحهَا وسقيمها)) عائدٌ إليهِ، وضميرُ ((أهلِهِ)) للبلدِ، ((ومنهُم)) لمحدِّثي أهلِ بلدِهِ.
قولُهُ: (مَن أهلُ)(1) مبتدأٌ وخبرٌ ((وَمَنْ)) استفهاميةٌ ((وأحوالَهم)) مفعولُ ((يَعرفَ)).
قولُهُ: (قديماً وحديثاً)(2) يتعلَّقُ بـ ((أحوالِهم))، أي: قديم أحوالهِم وحديثها، فهو تمييزٌ.
قولُهُ: (ثم يشتَغِلُ بعدُ)(3)، أي: بعدَ أنْ يفرغَ من سماعِ العوالي والمُهمَّاتِ، التي ببلدِهِ.
قولُهُ: (وقِدَم السَّمَاعِ)(4)، أي: علوِّ الإسنادِ حساً، بقلةِ رجالِ السّندِ، أو معنىً بِقدمِ السّماعِ، أو اتصالِ السَّماعِ.
قوله: (ضَيِّعْ ورقةً)(5)، أي: مِن الأحاديثِ المكررةِ، أيْ: التي سَمعتها ولها طرقٌ أُخرى عندَ غير مَن سمعتَها منهُ من مشايخكَ فلا تشتغل بسماعها ممن لم تسمعْهَا منهُ تَكثيراً للطرقِ فيكونَ سماعُكَ لها سببَاً لتفويتِ لقائِكَ لشيخٍ جديدٍ عندَهُ فوائدُ جديدةٌ.
قولُهُ: (يشامُّ الناسَ)(6) هو مفاعلةٌ منَ الشَّمِّ، أي: يشمُّهم ويشمونَهُ.
(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 40، وهو من كلام أبي الفضل أيضاً.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 40، وهو من كلام أبي الفضل أيضاً.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 40، وهو من كلام أبي الفضل أيضاً.
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 40، وهو كلام الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي":378.
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 40، وهو كلام لبعض أصحاب الخطيب كما نقله الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي": 379 (1693).
(6)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 41، وهو كلام الإمام أحمد كما نقله عنه الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 379 (1695)، وفي " الرحلة ": 46، وفي ط عتر: 88 (12). ووقع عند الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": ((بشام)) بالباء الموحدة.
وانظر تعليقنا على شرح التبصرة.
وهو كنايةٌ عن تَعَرُّفِ ما عندَهم بغايةِ اللطافةِ لأخذهِ عنهم؛ لأنَّ مَنْ شمَّ شيئاً عرفَ ما هوَ، من حيثُ لا يشعرُ بهِ / 244 ب /.
قولُهُ: (ابْن معينٍ أربعَة)(1) عبارتُهُ كما قالَ ابنُ الصّلاحِ: ((حارسُ الدَّرْبِ، ومنادِي القَاضي، وابنُ المحدِّثِ، ورجلٌ
…
)) (2) إلخ.
قال: ((وَرُوِّينا عنْ أحمدَ بنِ حنبلٍ أنَّهُ قيلَ لهُ: أيرحَلُ الرجلُ في طلبِ العلوِّ؟ فقالَ: بلى واللهُ شديداً، لقد كانَ علقمةُ والأسودُ يبلغهما الحديثُ عن عُمرَ رضي الله عنه فلا يقنعهما حتى يخرُجا إلى عمرَ رضي الله عنه فيسمعانه منه)) (3). انتهى.
ورأيتُ بخطِّ العلَاّمةِ نجمِ الدينِ مُحمدِ بنِ الشمسِ محمدِ بنِ النجمِ محمدِ السيبي (4) العبدريِّ الباهيِّ الحنبليِّ على حاشيةِ كتابهِ من " علومِ الحديثِ " بخطهِ: ((قال حمادُ بنُ زيدٍ - وذكرَ لهُ أصحابُ الحديثِ - {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} (5).
وعن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما في قولِهِ: {السَّائِحُونَ} (6) قالَ: ((هم طلبةُ الحديثِ)) (7).
(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 41، وكلام ابن معين أخرجه الحاكم في "معرفة علوم الحديث":9.
(2)
معرفة أنواع علم الحديث: 354.
(3)
معرفة أنواع علم الحديث: 354.
(4)
كذا في (ف)، ولم أجد أحداً ممن ترجم له يضع هذه النسبة في نسبه.
انظر: المجمع المؤسس: 503 (590)، والضوء اللامع 9/ 224، وشذرات الذهب 7/ 20، وهدية العارفين 6/ 149.
(5)
التوبة: 122. وأخرج هذه الرواية الخطيب في " شرف أصحاب الحديث " (119).
(6)
التوبة: 112.
(7)
أخرجه: الخطيب في " شرف أصحاب الحديث "(122).
وقد رَحلَ موسَى وفَتَاهُ يوشَعُ عليهما السلام في طلبِ العلمِ (1).
715 -
وَاعْمَلْ بِمَا تَسْمَعُ فِي الْفَضَائِلِ
…
وَالشَّيْخَ بَجِّلْهُ وَلَا تَثَاقَلِ
716 -
عَلَيْه تَطْويْلَا بِحَيْثُ يَضْجُرُ
…
وَلَا تَكُنْ يَمْنَعُكَ التَّكَبُّرُ
717 -
أَو الْحَيَا عَنْ طَلَبٍ وَاجْتَنِبِ
…
كَتْمَ السَّمَاعِ فَهْوَ لُؤْمٌ وَاكْتُبِ
718 -
مَا تَسْتَفيْدُ عَالِياً وَنَاِزلَا
…
لَا كَثْرَةَ الشُّيُوْخِ صِيْتاً عَاطلَا
719 -
وَمَنْ يَقُلْ إذا كَتَبْتَ قَمِّشِ
…
ثُمَّ إذا رَوَيْتَهُ فَفَتِّشِ
720 -
فَلَيْسَ مِنْ ذَا وَالْكتَابَ تَمِّمِ
…
سَمَاَعَهُ لَا تَنْتَخِبه تَنْدَمِ
721 -
وَإِنْ يَضِقْ حَالٌ عَنِ اسْتِيْعَابهِ
…
لِعَارِفٍ أَجَادَ فِي انْتِخَابهِ
722 -
أَوْ قَصَّرَ اسْتَعَانَ ذَا حِفْظٍ فَقَدْ
…
كَانَ مِنَ الحُفَّاظِ مَنْ لَهُ يُعدْ
قولهُ في قولهِ: (وَاعمَلْ بِمَا تَسمَعُ): (وَلا تَثَاقَل)(2) أصلُهُ: تَتَثَاقَل فَحذفَ تاءَ الثانية، أو حركَتَها للوَزنِ، فإنْ حذفت كانَ الجزءُ مخَبوناً وهو أنسبُ لقافيةٍ قسيمةٍ، وإن سُكِّنَتْ وأُدغمَتْ في الثَّاء لقربِ المخرجِ كانَ سالماً.
قوله: (عَاطِلاً)(3)، أي: خَالياً من نفعِ دُنيا وأُخرى.
قولهُ: (أَجَادَ في انتِخَابِهِ)(4) صفةٌ ((لعارفٍ))، والجزاءُ محذوفٌ تقديرهُ: انتَخِبهُ.
(1) انظر: صحيح البخاري 1/ 28 (74) و1/ 29 (78) و1/ 41 (122) و3/ 117 (2267) و3/ 251 (2728) و4/ 150 (3278) و4/ 187 (3400) و4/ 188 (3401) و6/ 110 (4725) و6/ 112 (4726) و6/ 115 (4727) و8/ 170 (6672) و9/ 171 (7478)، وصحيح مسلم 7/ 103 - 107 (2380)(170) و (171) و (172) و (174).
وانظر: جامع البيان للطبري 15/ 308.
(2)
التبصرة والتذكرة (715).
(3)
التبصرة والتذكرة (718).
(4)
التبصرة والتذكرة (721).
(أَوْ قَصَّرَ)(1)، أي: أو لِغَيرِ عَارفٍ، بأنْ قَصّرَ عَن درجةِ المعرفةِ للانتخابِ، ((استعانَ)) بِمَن ينتخبُ لهُ، فالعبارةُ من الاحتباكِ ذِكرُ العارفِ أولاً، دَليلٌ على حذفِ ضدِهِ ثانياً، وذِكرُ الجزاء وهو ((استعانَ)) ثانياً، دليل على حذفِ ضدهِ أولاً.
قولهُ: (مَنْ لَهُ يُعَدُّ)(2)، أي: مَن يُعَدُّ لحُسنِ الانتقاءِ.
قولهُ في شَرحِ ذلكَ: (وَليُجِلَّ (3) الطَّالِبُ الشَّيخَ) (4) عبارةُ ابنِ الصّلاحِ: ((وَلْيُعَظِّمْ شيخَهُ ومَن يسمعُ منهُ، فذلكَ من إِجلالِ الحديثِ والعلمِ)) (5).
وقالَ الشّيخُ مُحيي الدّينِ: ((وَينبَغي له أنْ يتواضعَ للعلمِ والمعلّمِ فبتواضعِهِ لهُ ينالُهُ.
وقد أُمِرنا بالتواضعِ مطلقاً فهنا أولَى.
وقد قالوا:
العِلمُ حَربٌ [لِلفَتَى](6) المُتَعَالِي
…
كَالسَّيلِ حَربٌ لِلمَكَانِ العَالِي
وينقادُ لِمُعَلِّمِهِ، ويُشاورهُ في أمورهِ، ويَأتمرُ بأمرِهِ كما ينقادُ المريضُ لطبيبٍ حاذقٍ ناصحٍ، وهذا أولَى لتفاوتِ ثَمرتَيهِمَا (7) .. ويَنبَغي أنْ يَنظُرَ معلمهُ بعينِ الاحترامِ، ويعتقدَ كمالَ أهليَّتِهِ، ورجاحَتِهِ على أهلِ / 245 أ / طبقتِهِ، وهو أقربُ إلى انتفاعِهِ بهِ، ورُسوخِ ما يسمعهُ منه في ذهنهِ، وقد كانَ بعضُ المتقدّمينَ إذا ذهبَ إلى معلمهِ
(1) التبصرة والتذكرة (722).
(2)
التبصرة والتذكرة (722).
(3)
شرح التبصرة والتذكرة: ((وليبجل)).
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 43.
(5)
معرفة أنواع علم الحديث: 355.
(6)
ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف).
(7)
في " المجموع ": ((مرتبتهما)).
تصدّقَ بشيءٍ، وقال: اللهُمَّ غيِّبْ (1) عيبَ مُعلّمي عَني، ولا تُذهِبْ بركةَ عِلمِهِ مني.
وقالَ الشّافعيُّ: كنتُ أَصَّفَّحُ الورقةَ بين يدي مالكٍ تَصفُّحاً رقيقاً (2)؛ هيبةً لهُ؛ لِئلَاّ يسمعُ وقعَها.
وقالَ الربيعُ: واللهِ، ما اجترأتُ أنْ أشربَ الماءَ والشَّافعيُّ ينظرُ إليَّ؛ هيبةً لهُ (3).
وقالَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضي الله عنه: ((مِن حقِّ العَالمِ أن تُسلِّمَ على القومِ عامةً وتَخُصَّهُ بالتحيةِ، وأن تجلسَ أمامَهُ، ولا تُشيرنَّ عندهُ بيدِكَ، ولا تَعمِدَنَّ بعينكَ غيرهُ، ولا تقولَنَّ: قالَ فلانٌ خلافَ قولهِ، ولا تغتابَنَّ عندهُ أحداً، ولا تُسَارِرْ في مجلسهِ، ولا تأخذهُ بثوبهِ، ولا تُلِحَّ عليهِ إذا كَسُلَ، ولا تشبعُ من طولِ صُحبتهِ، فإنما هو كالنّخلةِ تنتظرُ متى يسقطُ عليكَ منها شيءٌ)) (4).
ومن آدابِ المُتعلِّم: أنْ يَتحرَّى رضَا المُعلِّمِ وإنْ خالفَ رأيَ نفسهِ، ولا يُفشيَ لهُ سِرّاً، ويردَّ غيبتهُ إذا سَمعَها، فإنْ عجزَ فارقَ ذلك المجلسَ، وأنْ لا يدخلَ عليهِ بغيرِ إذنٍ.
وإذا دخلَ جماعةٌ قدَّموا أفضلَهُم وأسنَّهُم، وأنْ يدخلَ كاملَ الهيبةِ، فارغَ القلبِ من الشواغلِ، مُتطهِّراً، مُتنظِّفاً بسواكٍ، وقصِّ شَاربٍ وظُفرٍ، وإزالةِ كريهِ رائحةٍ.
ويعتني بتصحيحِ درسهِ الذي يتحفظهُ تصحيحاً مُتقناً على الشَّيخِ، ثم يحفظهُ حفظاً محكماً، ثم بعدَ حفظهِ يُكرِّرهُ مراتٍ؛ ليرسخَ، ويبتدىء (5) درسَهُ بالحمدِ للهِ،
(1) في " المجموع ": ((استر)).
(2)
في " المجموع ": ((صفحاً رفيقاً)).
(3)
أخرجه: البيهقي في " المدخل إلى السنن الكبرى "(684).
(4)
أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 88 (347).
(5)
في " المجموع ": ((ويبدأ)).
والصلاةِ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، والدعاءِ للعُلماءِ ومشايخِهِ ووالديهِ وسائرِ المسلمينَ، ويُبكر بدرسهِ لحديثِ:((اللهُمَّ بارِكْ لأمتي في بُكورِهَا)) (1).
ويُداوم على تكريرِ (2) محفوظاتِهِ، ولا يحفظُ حتى يُصَحِّحَ على الشَّيخِ، فالاستقلالُ من أضرِّ المفاسدِ، وإلى هذا أشارَ الشّافعيُّ بقولهِ:((مَن تفقَّهَ من الكُتبِ ضَيَّعَ [الأحكامَ] (3))).
وَليُذاكرْ بمحفوظاتهِ، وينبغي أنْ يبدأ بالأهمِّ فالأهمِّ.
وأوَّلُ ما يبتدئُ بهِ حفظُ القرآنِ العزيزِ وهو أهمُّ العلومِ، وكانَ السلفُ لا يُعَلِّمونَ الحديثَ والفقهَ إلا لمن حفظَ القرآنَ.
ثم يحفظُ في كلِّ فنٍ / 245 ب / مُختصراً ويبدؤُهُ بالأهمِّ، ومن أهمِّها الفقهُ والنحوُ، ثم الحديثُ والأصولُ، ثم الباقي على ما تَيسَّرَ، ثم يشتغلُ باستشراحِ
(1) أخرجه: أحمد 3/ 416 و417 و431 و432 و4/ 384 و390، وعبد بن حميد (432)، والدارمي (2440)، وأبو داود (2606)، وابن ماجه (2236)، والترمذي
(1212)
، والنسائي في الكبرى (8833) من طريق يعلى بن عطاء، عن عُمارة بن حديد، عن صخر بن وداعة الغامدي، به.
وأخرجه: عبد بن حميد (757) من طريق عبيد الله بن عمر بن حفص، وابن ماجه (2238) من طريق عبد الرحمان بن أبي بكر بن الجدعاني، كلاهما عن نافع، عن ابن عمر، به.
وأخرجه: ابن ماجه (2237) عن محمد بن عثمان العثماني، عن محمد بن ميمون، عن عبد الرحمان بن أبي الزناد، عن أبيه، عن الأعرج، عن أبي هريرة، به.
قال ابن أبي حاتم في "العلل"(2300): ((قال أبي: لا أعلم في: اللهم بارك لأمتي في بكورها، حديثاً صحيحاً)).
وانظر: التلخيص الحبير 4/ 259 (1845).
(2)
في " المجموع ": ((تكرار)).
(3)
ما بين المعكوفتين زيادة من " المجموع "، وهي تتمة كلام الشافعي.
محفوظاتِهِ، ويعتمدُ من الشيوخِ في كلِّ فنٍ أكملُهم، وإنْ أمكنهُ شرحَ درسِهِ كلَّ يومٍ فعلَ، وإلا اقتصرَ على الممكنِ من درسينِ ونحوهما.
وإذا اعتمدَ شيخاً في فنٍ، وكان لا يتأذَّى بقراءتِهِ ذلكَ الفنَّ على ثانٍ وثالثٍ وأكثرَ فليفعلْ ما لم يتأذّوا، فإنْ تأذَّى المُعتمدُ اقتصرَ عليهِ، وراعَى قلبَهُ، وهو أقربُ إلى انتفاعهِ.
وإذا بحثَ المختصراتِ، انتقلَ إلى بحثٍ أكبرَ منها، مع المطالعةِ المتقنةِ، والعنايةِ الدائمةِ المحكمةِ، وتعليقِ ما يراهُ من النفائسِ والغرائبِ، وحل المشكلاتِ، بما يراهُ في المطالعةِ أو يسمعهُ من الشيخِ، ولا يحتقرَنَّ فائدةً يراها أو يسمعها في أيِّ فنٍ كانَ، بل يبادرُ إلى كتابتِها، ثم يواظبُ على مطالعةِ ما كَتبهُ، وليُلازمْ حلقةَ الشيخِ ولْيَعْتَنِ بكلِّ الدّروسِ، ويعلقُ عليها ما أمكنَ فإن عَجزَ اعتنى بالأهمِّ، ولا يُؤْثِرُ بنوبتِهِ فإنّ الإيثارَ بالقُرَبِ مكروهٌ، فإن رَأى الشيخُ المصلحةَ في ذلك في وقتٍ فأشار به امتثلَ
…
أمرهُ.
وينبغي أنْ يرشدَ رفقتَهُ وغيرهُم من الطلبةِ إلى مواطنِ الاشتغالِ والفائدةِ، ويذكر لهم ما استفادَهُ على جهةِ النصيحةِ والمذاكرةِ، وبإرشادِهِم يباركُ لهُ في علمِهِ (1) ويستنيرُ قلبُهُ وتتأكدُ المسائلُ معهُ مع جزيلِ ثوابِ اللهِ تَعالى.
ومن بخلَ بذلك كانَ بِضِدِّهِ، فلا يثبت معهُ، وإنْ ثبتَ لم يثمر. ولا يحسدُ أحداً، ولا يحتقرهُ، ولا يعجبُ بفهمِهِ.
وكما يُسَلِّمُ إذا أتى يُسلِّمُ إذا انصرفَ، ففي الحديث الأمرُ بذلكَ (2)، ولا
(1) في (ف): ((علمه))، والمثبت من " المجموع ".
(2)
وفي هذا إشارة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة)).
أخرجه: أحمد 2/ 230 و287 و439، والبخاري في " الأدب المفرد "(1008)، وأبو داود =
التفاتَ إلى من أنكرَهُ (1).
ويجلسُ حيثُ انتهى بهِ المجلسُ إلا أنْ يُصرِّحُ له الشيخُ، أو الحاضرونَ بالتقدُّمِ والتخطّي، أو يَعلمَ من حَالهم إيثارَ ذلكَ، ويتأدبُ مع رفقتِهِ فإنّ ذلكَ تأدّبٌ معَ الشيخِ، ويقعدُ قعدةَ المتعلمينَ، ولا يرفعُ صوتهُ رفعاً بليغاً من غير حاجةٍ، ويُقبلُ على الشيخِ مُصغياً إليهِ، ولا يَسبقهُ إلى شرحِ مسألةٍ، أو جوابِ سؤالٍ، إلَاّ أنْ يعلمَ من حالِ الشيخِ إيثارَ ذلكَ، ليستدلَّ به على فضيلتهِ، ويغتنمَ سؤالهُ عندَ طيبِ نفسهِ وفراغِهِ / 246 أ / ويتلطّفَ في سؤالهِ، ويحسنَ خطابَهُ، ويصبرَ على جفوتهِ، وسُوءِ خُلُقِهِ، ولا يَصده ذلك عن ملازمتِهِ، واعتقادِ كمالهِ، ويتأوَّل لأفعالِهِ التي ظاهرُها الفسادُ تأويلاتٍ صحيحةً، فما يعجزُ عن ذلكَ إلاّ قليلُ التوفيقِ.
وإذا جفاهُ الشيخُ ابتدأ هو بالاعتذارِ، وأظهرَ أنَّ الذنبَ لهُ، والعتبَ عليهِ، فذلكَ أنفعُ له دِيناً ودُنيا، وأنقى لقلبِ شيخهِ.
وقد قالُوا: ((مَن لَمْ يصبرْ على ذُلِّ التّعلمِ، بقي عمرهُ في عمايةِ الجهلِ، ومَن صبرَ عليه، آل أمرهُ إلى عزِّ الآخرةِ والدنيا))، ومنه الأثرُ المشهورُ عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما:((ذُلِلتُ طالباً فعززتُ مَطلوباً)) (2).
وإذا جاءَ مجلسَ الشيخِ فلم يجدهُ انتظرهُ، ولا يفوِّتُ درسَهُ إلَاّ أنْ يخافَ كراهيةَ الشيخِ لذلكَ، بأنْ يعلمَ من حالهِ الإقراءَ في وقتٍ بعينهِ، فلا يَشقُق عليهِ
= (5208)، والترمذي (2706)، والنسائي في " عمل اليوم والليلة "(369) و (371)، وأبو يعلى (6566) و (6567)، والطحاوي في " شرح مشكل الآثار "
(1350)
- (1354)، وابن حبان (493) - (496)، والبغوي (3328) من طريق سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، به.
قال الترمذي: ((هذا حديث حسنٌ)).
(1)
انظر: الأذكار للنووي: 357 (644).
(2)
أخرجه: الدينوري في " المجالسة وجواهر العلم "(1635)، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم " 1/ 474.
بطلبِ القراءةِ في غيرهِ.
قال الخطيبُ: ((وإذا وجدهُ نائماً لا يستأذنُ عليهِ بل يصبرُ حتى يستيقظَ، أو ينصرفَ)).
والاختيارُ: الصّبرُ، كما كانَ ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما (1) والسلفُ يفعلونَ.
ومن الآدابِ المشتركةِ بين العالمِ والمُتعلِّمِ، أن لا يُخِلَّ بوظيفتهِ لِعُروضِ مَرضٍ خفيفٍ ونحوه مما يمكنُ معهُ الاشتغالُ، ويستشفي بالعلمِ. ولا يَسألَ تعنُّتاً، فإنْ سأل كذلك لم يستحقَّ جواباً، وفي الحديثِ النهيُ عن غلوطاتِ المسائلِ (2).
(1) إشارة لحديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي فيه قوله: ((كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه تسفي الريحُ عليَّ الترابَ، فيخرج فيراني، فيقول لي: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟ ألا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: لا أنا أحق أن آتيك، فأسأله عن الحديث
…
)).
أخرجه: ابن سعد في الطبقات 2/ 281، والحاكم في المستدرك 1/ 106، والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (673)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي: 61 (215).
(2)
وهو حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن الغلوطات.
أخرجه: سعيد بن منصور (1179)، وأحمد 5/ 435، والبخاري في " التاريخ الكبير " 5/ 16 (6378)، وأبو داود (3656)، ويعقوب بن سفيان في " المعرفة والتاريخ " 1/ 305، والآجري في " اختلاف العلماء " 116 - 117، والطبراني في " المعجم الكبير " 19/ (892)، والخطابي في " غريب الحديث " 1/ 354، وتمام في " فوائده " كما في " الروض البسام "(114) - (116)، والبيهقي في " المدخل "(305)، والخطيب في " الفقيه والمتفقه " 2/ 11 من طريق عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن عبد الله بن سعد، عن الصنابحي، عن معاوية بن أبي سفيان، به.
وإسناده ضعيف؛ لجهالة عبد الله بن سعد، قال دحيم: لا أعرفه. =
ويعتني بتحصيلِ الكُتبِ شراءً واستعارةً، ولا يشتغلُ بنسخِها بنفسهِ إنْ حصلتْ بالشراءِ؛ لأنَّ الاشتغالَ أهمُّ إلاّ أن يتعذرَ الشّراءُ لعدمِ الثمنِ، أو عدمِ الكتابِ لنفاستِهِ فيستنسخهُ.
ولا يهتمُّ بحسنِ الخط بل بصحيحِهِ، ولا يَرتَضي الاستعارةَ مع إمكانِ تحصيلِهِ ملكاً، فإن استعارَهُ لم يبطء بهِ)). انتهى ما في مقدمةِ "شرحِ المهذبِ"(1).
قولهُ: (أوْقَرَ)(2) هو أفعلُ تفضيلٍ، ويحتملُ أنْ يكونَ من وَقُرَ بالضمِّ والفتحِ، أي: كانَ وقوراً في نفسهِ، أي: رَزِيناً غير طَاِئشٍ ولا عَجِلٍ، بل عليهِ سكينةٌ وهيبةٌ، فيكون معناهُ أشدُّ وَقاراً.
ويحتملُ أنْ يكونَ من وقَّرَ غيرهُ، مُعدَّى بالتَّضعيفِ على وجهِ الشّذوذِ، حَملاً لَهُ على أفعلِ المعدى بالهمزةِ فإنّ سيبويهَ أجازَهُ مَقيسَاً / 246 ب / نحو: هو أعطى للدّراهمِ من زيدٍ، وأولَى بالمعروفِ، وفي الحديث:((فَهُوَ لما سواها أضيعُ)) (3).
= انظر: ميزان الاعتدال 2/ 428 (4348).
وأخرجه: أحمد 5/ 435، والبيهقي في " المدخل "(303)، والخطيب في " الفقيه والمتفقه " 2/ 10 - 11 من طريق روح بن عبادة، عن الأوزاعي، عن عبد الله بن سعد، عن الصنابحي، عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، به. وهذا الإسناد ضعيف كسابقه.
وأخرجه: الطبراني في " المعجم الكبير " 19/ (913) من طريق سليمان بن داود الشاذكوني، قال: حدثنا عبد الملك بن عبد الله الكفاني، قال: حدثنا إبراهيم بن أبي علية، عن رجاء بن حيوة، عن معاوية، به.
وسليمان الشاذكوني ضعيف. انظر: الجرح والتعديل 4/ 112 (498)، وميزان الاعتدال 2/ 205 (3451).
(1)
نقله المؤلف هنا باختصار وتصرف يسير، وتقديم وتأخير. انظر: المجموع شرح المهذب 1/ 83 - 90.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 43، وهو من كلام البخاري في يحيى بن معين. انظر: الجامع لأخلاق الراوي: 77 (290).
(3)
وهذا جزء من حديث موقوف عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. =
وقالوا: هذا أخصرُ من ذلكَ، والفعلُ اختصرَ.
قولهُ: (العَفْو)(1) هو الفضلُ، ومن الماءِ: ما فَضَلَ عن الشاربَةِ، أي: أقنعَ منهُ بما لا كلفة عليهِ في بذلهِ، ولا يُضيعُ عليهِ وقتهُ في مهمٍ لهُ، ولا يُكدِّرُهُ سُؤالهُ فيهِ، قال ابنُ دقيقِ العيدِ: ((ولا يَستعملُ ما قالَهُ بعضُ الشّعراءِ
أعنتِ الشَّيخَ بالسُّؤالِ تجِدْهُ
…
سَلِساً يلتقيكَ بالرَّاحتينِ
وإذا لم تَصِحْ صِيَاحَ الثكالى
…
رُحْتَ عنه وأنتَ صِفْرُ اليدينِ (2))) (3).
انتهى.
والذي يظهرُ لي من هذا الشعرِ، أنه غيرُ مخالفٍ لما مضى من التّخفيفِ، فإنّ الناسَ متفاوتونَ، فبعضُهم يحبُّ أنْ يُكثرَ الطالبُ من سؤالهِ.
والأمرُ الفاصل في هذا: أنَّك ما دُمتَ ترى الشيخَ على ما وصفهُ هذا الشاعرُ من السَّلاسةِ والانبساطِ فاسألْ، فإذا رأيتَهُ أخذَ في الضَّجرِ فاتركْ واعتذرْ بما يَبْسُطُ الشيخَ مما لعله حصلَ من قبضٍ، وكذا في البحثِ، واللهُ الموفقُ.
= أخرجه: مالك في الموطأ (6) برواية الليثي، ومن طريقه أخرجه: عبد الرزاق (2038)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 193، والبيهقي في "السنن الكبرى" 1/ 445 عن نافع مولى ابن عمر: أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله، فذكره، وهذا الطريق ضعيف؛ لانقطاعه؛ لأن نافعاً لم يلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ولكن صح هذا الأثر من طريق آخر أخرجه: عبد الرزاق (2037) و (2039) من طريقين عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر رضي الله عنهما، به.
(1)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 43، وهو كلام الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ":99.
(2)
الاقتراح: 254.
(3)
هذان البيتان للإمام عبد الله بن المبارك، وهما على البحر الخفيف. أسند ذلك إليه الرامهرمزي في " المحدّث الفاصل ": 361 (309).
قوله: (يُحرَمَ الانْتِفاعَ)(1) تتمةُ كلامِهِ: ((وقد رُوِّينَا عن الزُّهريِّ أنّه قالَ: إذا طالَ المجلسُ كانَ للشيطانِ فيه نَصيبٌ)) (2).
قولهُ: (مِن ابنِ عَبدِ الدَّائِمِ)(3) هو أحمدُ بروايتِهِ عن المؤلِّفِ الحافظِ عبدِ الغني بنِ عبدِ الواحدِ المقدسيِّ (4).
وأنا أروي " العُمدةَ "(5) عن عبدِ الرحمانِ بن عمرَ القِبَابِيِّ (6) بموحدتينِ، وفاطمةَ بنتِ خليلٍ العَسقلانيةِ (7)، كلاهما عن
(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 44، وهو من كلام ابن الصلاح.
(2)
معرفة أنواع علم الحديث: 355، وكلام الزهري أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 315 (1395).
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 44.
(4)
هو الإمام الحافظ العالم عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي الحنبلي، صاحب التصانيف الماتعة منها:" الأحكام الكبرى " و" الصغرى "
و" الكمال في معرفة رجال الكتب الستة " توفي سنة (600 هـ).
انظر: سير أعلام النبلاء 21/ 443 - 471، وشذرات الذهب 4/ 345.
(5)
وهو كتاب " عمدة الأحكام عن سير الأنام " في ثلاث مجلدات عز نظيرها. وفيه
: ((وحصرت الكلام في خمسة أقسام الأول: التعريف بمن ذكر من رواة الحديث إجمالاً، الثاني: في أحاديثه، الثالث: في بيان ما وقع فيه المهمات، الرابع: في ضبط لفظه، الخامس: الإشارة إلى بعض ما يستنبط)). انظر: كشف الظنون 2/ 1164.
(6)
وهو عبد الرحمان بن عمر بن عبد الرحمان بن حسن بن يحيى بن عمر بن عبد المحسن اللخمي المصري، الحموي الأصل ويعرف بالقِبابي -بكسر القاف وموحدتين- نسبة لقباب حماة لا للقباب الكبرى من قرى أشموم الرمان بالصعيد، وإن جزم به بعض المقادسة توفي سنة (838 هـ).
انظر: الضوء اللامع 4/ 113 (302)، وشذرات الذهب 7/ 227 - 228.
(7)
وهي فاطمة بنت خليل بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن إسماعيل، ابنة الصلاح الكناني المقدسي العسقلاني القاهري الحنبلي، وابنة أخي القاضي ناصر الدين نصر الله. توفيت سنة (838 هـ). انظر: الضوء اللامع 12/ 91 (564).
المرْدَاوِي (1) المذكورِ وهو ابنُ جبارةَ، به.
فكَأَنّي أرويهَا عن الشَّيخِ زَينِ الدينِ العراقيِّ النَّاظِمِ، وماتَ قبلَ مولدي بمدةٍ (2).
قوله: (أنْ يَمنَعَهُ التَّكَبُّرُ)(3) قال ابنُ الصَّلاحِ: ((ورُوِّينَا عن عمرَ ابنِ الخطَّابِ وابنهِ رضي الله عنهما، أنَّهما قالا: ((مَنْ رقَّ وجهُهُ رَقَّ عِلمُهُ (4))) (5).
وقال الشَّيخُ مُحيي الدّينِ: ((وَلْيكُنْ في غايةِ الجدِّ، ولا يَستنكفُ عن التعلمِ ممن هو دونَهُ في سِنٍّ أو نَسبٍ أو شُهرةٍ أو دِينٍ، ولا يَستحي من السّؤالِ عمّا لا يعلمُهُ، ففي " الصحيحِ " في آخرِ كتابِ العلمِ (6): ((نِعْمَ النّساءُ نساءُ الأنصارِ، لم يمنعْهنَّ الحياءُ أن يتفقَّهنَ في الدّين
…
)).
(1) وهو أحمد بن عبد الرحمان بن محمد بن عبد الله بن محمد بن محمود المرداوي الحنبلي قاضي حماة. توفي سنة (787 هـ).
انظر: الدرر الكامنة 1/ 168 (429)، وشذرات الذهب 6/ 295 - 296.
(2)
وهذه المدة ليست بالطويلة؛ إذ توفي العراقي سنة (806 هـ)، وولد البقاعي سنة (809 هـ).
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 44.
(4)
أخرجه: الدارمي (556)، والبيهقي في " المدخل إلى السنن الكبرى "(408) من طريق حفص بن عمر، عن عمر بن الخطاب، به.
وأخرجه: يعقوب بن سفيان في " المعرفة والتاريخ " 3/ 113، والبيهقي في " المدخل إلى السنن الكبرى "(407) من طريق سفيان الثوري، عن رجل سماه لي بندار، عن أبي محمد رجل من بني نصر، عن ابن عمر، به.
وأخرجه: الدارمي أيضاً (556) من قول الشعبي.
(5)
معرفة أنواع علم الحديث: 356.
(6)
صحيح البخاري 1/ 44 باب الحياء في العلم عن عائشة رضي الله عنها، معلقاً.
قال ابن حجر في فتح الباري عقيب (130): ((هذا التعليق وصله مسلم
(1/ 179 (332)(61)) من طريق إبراهيم بن مهاجر، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة في حديث أوله أن أسماء بنت يزيد الأنصاري سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل الميض)).
قلت: وأخرجه أيضاً أبو داود (316)، وابن ماجه (642).
وانظر: تغليق التعليق 2/ 94.
وثبتَ في " الصَّحيحينِ "(1): أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ: {لَمْ يَكُن} (2) على أُبيٍّ رضي الله عنه)) (3).
((فمَن رَقَّ وجهُهُ عندَ /247أ/ السُؤالِ، ظهرَ نقصهُ عندَ اجتماعِ الرّجالِ.
وإذا قال له الشّيخُ: أَفَهِمْتَ؟ فلا يقلْ: نَعَمْ، حتى يتضحَ لهُ المقصودُ اتضاحاً جليلاً؛ لئلا يكذبَ ويفوتهُ الفهمُ.
ولا يَستَحيي من قولهِ: ((لِمَ))؟، ومن قولهِ:((لم أفهمْ))؛ لأنّ استثباتَهُ يُحصِّلُ لهُ مصالحَ عاجلةً وآجلةً، فمن العاجلةِ: حفظهُ للمسألةِ، وسلامتُهُ من كَذبٍ ونِفاقٍ، بإظهارِ فهمِ ما لم يكنْ فهمَهُ.
ومنها: اعتقادُ الشّيخِ اعتناؤهُ، ورغبتهُ، وكمالُ عقلهِ، وورعهُ، ومُلْكُهُ لنفسِهِ.
ومن الآجلةِ: ثبوتُ الصوابِ في قلبهِ دائماً، واعتيادهِ هذهِ الطريقةِ المرضيةِ والأخلاقِ الرضيةِ.
وعَن الخليلِ بنِ أحمدَ: منزلةُ الجهلِ بينَ الحياءِ والأنفةِ.
وإذا سمعَ الشيخَ يقولُ مسألةً أو يَحكيَ حكايةً وهو يحفظُها: يُصغي لها إصغاءَ مَن لا يحفظُها إلا إذا عَلِمَ من حالِ الشيخِ إيثارَهُ عليهِ بأنّ المتعلِّمَ حافِظُها)) (4).
(1) هو في صحيح البخاري 5/ 45 (3809) و6/ 216 (4958) و6/ 217 (4960)
و (4961)، وصحيح مسلم 2/ 150 (799)(122) و2/ 195 (799)(246) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(2)
البينة: 1.
(3)
المجموع شرح المهذب 1/ 70 - 71، والكلام بعده للنووي أيضاً، لكن في موضع آخر كما سيأتي.
(4)
المجموع شرح المهذب 1/ 86.
قولُهُ: (فَذَلِكَ لُؤمٌ)(1) عبارةُ ابنِ الصّلاحِ: ((وَمَنْ ظَفرَ من الطلبةِ بسَماعِ شَيخٍ فيكتُمهُ غيرَهُ لينفردَ بهِ عَنهُم، كانَ جديراً بأنْ لا ينتفعَ بهِ، وذلكَ من اللُّؤمِ الذي يقعُ فيهِ جَهَلَةُ الطَّلبةِ الوُضَعَاء، وَمِن أوَّلِ فَائدةِ [طلبِ] (2) الحديثِ: الإفادةُ)) (3). انتهى.
واللُّؤمُ: بالضّمِّ مَهموزاً، قالَ في " القاموسِ " (4):((ضِدُّ الكَرَمِ لَؤُمَ ككَرُمَ لُؤْمَاً)).
وقالَ أبو عبدِ اللهِ القَزَّازُ: ((ومَلأمَةٌ عَلى مَفعَلَةٍ، فَهوَ لَئيمٌ، واللّئيمُ عندَ العَربِ هوَ البخيلُ المهينُ النَّفس، الخسيسُ الأباء، فإذا كانَ شحيحاً ولمْ تجتمعْ لَهُ هذه الخصالُ، قيلَ لهُ: بخيلٌ، ولم يُقَل: لئيمٌ)).
قوله: (فاللهُ أعلمُ بمَقاصِدِهِمْ)(5)، أي: أنَّهُ لا يُظَنَّ بأحدٍ منهُمْ - معَ مَا كانوا فيهِ منَ الورعِ، والاجتهادِ في الخيرِ - أنّه قصدَ الانفرادَ عنِ الأضرابِ فقطْ منْ غيرِ قصدٍ صالحٍ وخَفِيَ عنّا ذلكَ، فاللهُ أعلمُ، فإنّهُ لا يسعنَا إلاّ تحسينُ الظنِّ بهمْ، وستأتي الوجوهُ التي تصلحُ للاعتذارِ عنهمْ في كلامِ الشّيخِ.
قوله: (وَرُوّينَا عنْ إسْحَاقَ)(6) عبارةُ ابنِ الصّلاحِ: ((ورُوِّيْنا عَنْ إسْحاقَ ابنِ إبراهيِمَ [بنِ] (7) راهَوَيْه أنَّهُ قالَ لبعضِ مَنْ سَمِعَ منهُ في جماعَةٍ (8): انْسَخْ من كِتابِهم
(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 44.
(2)
ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " معرفة أنواع علم الحديث ".
(3)
معرفة أنواع علم الحديث: 355.
(4)
القاموس المحيط مادة (لؤم).
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 44.
(6)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 45.
(7)
ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " معرفة أنواع علم الحديث ".
(8)
أخرجه: البيهقي في " المدخل إلى السنن الكبرى "(585).
ما قد قَرَأتُ، فقالَ: إنهم لا يُمَكَّنونني، قالَ: إذَنْ واللهِ لا يُفْلحُون / 247 ب / قد رأينا
…
)) الخ. ثمَّ قالَ ابنُ الصّلاحِ: ((وقدْ رأيْنا نحن أقْواماً مَنَعُوا السَّماع فما أفْلَحوا ولا أنْجَحُوا، ونَسْأَلُ اللهَ العافيةَ)) (1). انتهى.
ومعنى أنجحُوا: صاروا ذَوي نُجْحٍ، أي: ظَفَرٍ بالمرادِ.
قولُهُ: (غَير مُؤَنَّبٍ وَلا مَلُومٍ)(2) هما للمفعولِ، والتأنيبُ: التبكيتُ، وهو أنْ يُستقبلَ الإنسان بما يكرهُ (3).
واللَّوْمُ: وهو بالفتح غير مهموز، وهو العَذْلُ (4).
وقولُهُ: (مَلوم مِنْهُ)(5)، أي: مَعْذُولٌ.
قوله: (تَكْثير الشّيُوخِ)(6) ليسَ فيه مخالفةٌ لما تقدّمَ من قولِهِ: ((ضَيِّعْ وَرَقةً وَلا تُضَيِّعْ شَيْخَاً)) (7) فإنّ هذا فيما إذا كانَ تكثيرُ الشيوخِ لمجرَّدِ الصِّيتِ.
وذاكَ محمولٌ عَلَى ما فيهِ فائدةٌ جديدةٌ، بأنْ يرجو أنْ يرى عندَ الشّيخِ الثاني، مَا ليسَ عندَ منْ تَقدِّمَهُ، منْ حديثٍ يَستزيدُهُ، أو خُلُقٍ صَالحٍ يَستفيدُهُ، أو نحو ذلكَ.
قوله: (قدْرَ خمسةِ آلافِ حديثٍ)(8) إنْ قيلَ: المرادُ الاستدلالُ عَلَى النهي
(1) معرفة أنواع علم الحديث: 355 - 356.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 45، وهو كلام الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي:331.
(3)
انظر: القاموس المحيط مادة (بكت).
(4)
انظر: القاموس المحيط مادة (لوم).
(5)
الذي في " شرح التبصرة والتذكرة " 2/ 45 من كلام الخطيب: ((معلوم)) فقط وليس فيه كلمة: ((منه)) ولا توجد هذه الكلمة فيما بعده، ولا في الذي قبله.
(6)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 46.
(7)
ذكره الخطيب عن بعض أصحابه في " الجامع لأخلاق الراوي ": 379 (1693).
وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 40.
(8)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 46، وهو كلام عفان. أخرجه الرامهرمزي في "المحدّث الفاصل"(761)، ومن طريقه الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 391 (1752).
عنْ تكثيرِ الشّيوخِ لمجردِ الصّيتِ، والدَّليلُ ظاهرُهُ النهي عنْ تكثيرِ المروي.
قيلَ: المرادُ النهيُ عنْ تكثيرِ المروي المكررِ الذي ليسَ فيهِ إلاّ تكثيرُ الطرقِ المستلزمُ لتكثيرِ المشايخِ، العريِّ عنْ غيرِ قصدِ الاستكثارِ لمجردِ الصّيتِ بدليلِ قولِهِ أولاً:((كنّا نَأتي هذا فنسمعُ منهُ مَا ليسَ عندَ هذا)) (1).
فإنِ انضمَّ إلى قصدِ الصّيتِ، تكثيرُ الطرقِ لجمعِ الألفاظِ المختلفةِ التي بهَا يَظهرُ معنى الحديثِ، أو لألفاظٍ زائدةٍ في بعضِ الطرقِ تفيدُ معنى زائداً فلا منعَ، فإنْ تجردَ ذلكَ عنْ قصدِ الصِّيتِ كانَ عدمُ المنعِ منْ بابِ الأولى.
قولُهُ: (وَمَا رَضِينَا مِنْ أحدٍ إلاّ بِالإمْلاءِ)(2) من تتمةِ القصَّةِ، وَليسَ منْ تتمةِ الدّليلِ.
قولُهُ: (وَليسَ مِنْ ذَلكَ)(3)، أي: منْ تكثيرِ الشّيوخِ لمجردِ الصّيتِ، وإلاّ لم يكنْ للتفتيشِ فائدةٌ، فإنّه إذا لم يكنْ في الاستكثارِ فائدةٌ، لمْ يتأتَ الانتقاءُ، فإنّ الانتقاءَ هو اختيارُ مَنْ هُوَ أكثرُ فائدةً، والغرضُ أنّهُ لا فائدةَ ولا قصدَ إلَاّ مجردِ الصِّيتِ.
قولُهُ: (فَإذَا حَدّثْتَ فَفَتِّشْ)(4) قرأتُ بخطِّ صاحبِنَا العلامةِ شمسِ الدّينِ بنِ حسّانَ، وَكذلكَ رواهُ السلفيُّ فيمَا قرأتُهُ بخطِّهِ في كتَابِهِ " شرطِ (5) القراءةِ عَلَى
الشّيوخِ "، عنْ يحيى بنِ معينٍ.
(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 46، وهو كلام عفان أيضاً.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 46، وهو من كلام عفان أيضاً.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 46، وهذه عبارة ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ":356.
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 47، وهذا من كلام أبي حاتم الرازي.
انظر: الجامع لأخلاق الراوي: 376 (1681).
(5)
في (ف): ((شروط))، والمثبت من " كشف الظنون " 2/ 1044.
وَرُويَ عنِ ابنِ صَاعدٍ (1) قالَ: ((قالَ لي إبراهيمُ بنُ أُوْرَمَةَ (2): اكتُبْ عنْ كُلِّ إنسانٍ فإذا حَدَّثتَ / 248 أ /، فأنتَ بالخيارِ)).
قولُهُ: (بِالإكْثَارِ منَ الشّيوخِ)(3) قالَ شيخُنَا الحافظُ برهانُ الدينِ الحلبيُّ الشافعيُّ: ((أصحابُ الألوفِ فمَا زادَ منَ المحدّثينَ الذينَ وقفتُ عَلَى شيوخِهِمْ:
الطَّبرانيُّ: أكثرُ منْ ألفِ شَيخٍ (4).
أبو الفِتْيَانِ (5): ثَلاثةُ آلافِ شيخٍ وسبعِ مئةِ شيخٍ (6).
أبو القَاسِمِ بنُ عَسَاكرَ: ألفٌ وَثلاثمئةٍ وثمانونَ شيخاً (7).
(1) وهو الإمام الحافظ يحيى بن محمد بن صاعد الكاتب، محدث العراق، أبو محمد الهاشمي البغدادي، رحال جوال، عالم بالعلل والرجال، توفي سنة (318 هـ).
انظر: تاريخ بغداد 14/ 231، وسير أعلام النبلاء 14/ 501.
(2)
الإمام الحافظ إبراهيم بن أُورمة، أبو إسحاق الأصبهاني، قال عنه الدارقطني: هو ثقة حافظ نبيل، توفي سنة (266 هـ).
انظر: تاريخ بغداد 6/ 42، وسير أعلام النبلاء 13/ 145.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 47.
(4)
انظر: سير أعلام النبلاء 16/ 120. وألفَّ الشيخ حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله كتاباً جمع فيه شيوخ الطبراني وسماه " بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني " وهو مطبوع.
(5)
وهو عمر بن أبي الحسن عبد الكريم بن سعدويه الدهستاني الرواسي من أهل دهستان أحد حفاظ عصره ممن رحل وجمع وكتب بخراسان والعراق والشام والحجاز ومصر، توفي سنة
(503 هـ).
انظر: الأنساب 2/ 328، وسير أعلام النبلاء 19/ 317.
(6)
قال ابن نقطة: ((سمعت غير واحد يقول: إن أبا الفتيان سمع من ثلاثة آلاف وستمئة شيخ)). انظر: سير أعلام النبلاء 19/ 318.
(7)
قال الذهبي في " سير أعلام النبلاء " 20/ 556: ((وعدد شيوخه الذي في معجمه ألف وثلاث مئة شيخ بالسماع، وستة وأربعون شيخاً أنشدوه، وعن مئتين وتسعين شيخاً بالإجازة، الكل في معجمه، وبضع وثمانون امرأة لهن معجم صغير سمعناه)).
أبو سعدِ بنُ السَّمعانيِّ: سَبعةُ آلافِ شيخٍ، وَهذا شيءٌ لمْ يبلغْهُ غيرُهُ (1).
الدّمياطيُّ (2): ألفٌ وثلاثمئةِ شيخٍ (3).
قالَ: ورأيتُ في موضعٍ آخرَ أنَّ لَهُ ألفَ شيخٍ ومئتي شيخٍ وَخمسينَ شيخاً (4).
عمرُ بنُ الحاجبِ (5): ألفُ شيخٍ ومئةٌ وثمانونَ (6).
الوليدُ بنُ بكرٍ الغَمْريُّ (7): لقي في رحلتِهِ أكثرَ مِنْ ألفِ شيخٍ (8).
ابنُ البخاريِّ (9): ثلاثةُ آلافِ شيخٍ.
أبو صالحٍ المؤذنُ (10): ألفُ شيخٍ (11).
(1) انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1316.
(2)
وهو الشيخ الإمام الحافظ شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن التوني الدمياطي الشافعي صاحب التصانيف، توفي سنة (705 هـ).
انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1477 - 1479، وشذرات الذهب 6/ 12.
(3)
انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1478.
(4)
انظر: شذرات الذهب 6/ 12.
(5)
وهو الحافظ العالم عز الدين أبو الفتح عمر بن محمد بن منصور الأميني الدمشقي، كان ديناً خيراً ثبتاً متيقظاً قد فهم وجمع، توفي سنة (630 هـ).
انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1455، وشذرات الذهب 5/ 138.
(6)
قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ" 4/ 1455: ((وعمل المعجم عن ألف ومئة وثمانين شيخاً)).
(7)
وهو الوليد بن بكر بن مخلد بن أبي دُبار الحافظ اللغوي، أحد الرحالة في الحديث، توفي سنة (392 هـ). انظر: تاريخ بغداد 13/ 481، وسير أعلام النبلاء 17/ 65.
(8)
انظر: سير أعلام النبلاء 17/ 65.
(9)
وهو مسند الدنيا الفخر بن البخاري أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمان السعدي المقدسي، توفي سنة (690هـ).
انظر: العبر 3/ 373، وشذرات الذهب 5/ 414.
(10)
وهو الحافظ المتقن أبو صالح أحمد بن عبد الملك بن علي بن أحمد النيسابوري محدث وقته في خراسان، توفي سنة (470 هـ). انظر: تاريخ بغداد 4/ 267، وتذكرة الحفاظ 3/ 1162.
(11)
انظر: تذكرة الحفاظ 3/ 1163.
الحاكمُ أبو عبدِ اللهِ: سَمِعَ منْ قَريبٍ مِنْ ألفي شيخٍ (1).
أبو عبدِ اللهِ بنُ مندَه: ألفٌ وسبعُمئةِ شيخٍ (2).
أبو أحمدَ بنُ عديٍّ: يزيدُ عَلى ألفِ شيخٍ (3).
ابنُ حبانَ: كتبَ عنْ أكثرِ مِنْ ألفي شيخٍ (4).
عبدُ اللهِ بنُ المباركِ: عنْ ألفِ شيخٍ ومئةِ شيخٍ (5).
البخاريُّ: كَتبَ عنْ أكثرِ منْ ألفِ شيخٍ (6).
محمدُ بنُ يونسَ الكُديميُّ (7) قالَ: ((كتبتُ عنْ ألفٍ ومئةٍ وستةٍ وثمانينَ نفساً منَ البَصْريينَ)) (8). انتهى. وهو كذّابٌ وضّاعٌ (9).
(1) انظر: تذكرة الحفاظ 3/ 1039.
(2)
انظر: سير أعلام النبلاء 17/ 30.
(3)
انظر: سير أعلام النبلاء 16/ 155.
(4)
قال ابن حبان في مقدمة كتابه " التقاسيم والأنواع " كما في " الإحسان " 1/ 152: ((ولعلنا قد كتبنا عن أكثر من ألفي شيخ من إسبيجاب - وتقع إلى الشمال من طشقند عاصمة جمهورية كازخستان - إلى الإسكندرية)).
(5)
انظر: سير أعلام النبلاء 8/ 397.
(6)
قال البخاري: ((كتبت عن ألف شيخ أو أكثر وما عندي حديث إلا أذكر إسنادهُ)).
انظر: تاريخ بغداد 2/ 10.
(7)
وهو محمد بن يونس بن موسى القرشي السامي الكديمي البصري أحد المتروكين، قال ابن حبان:((كان يضع على الثقات الحديث موضعاً، ولعله قد وضع أكثر من ألف حديث)) وقال ابن عدي: ((اتهم بوضع الحديث وسرقته، وادعى رؤية قوم لم يرهم، ورواية عن قوم لا يعرفون، وترك عامة مشايخنا الرواية عنه))، توفي سنة (286 هـ).
انظر: المجروحين لابن حبان 2/ 305 - 306، والكامل لابن عدي 7/ 553، وميزان الاعتدال 4/ 74 (8353).
(8)
أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 386 (1687).
(9)
كذا قال ابن حبان وابن عدي، كما سبق في ترجمته.
أحمدُ بنُ جعْفَر الحافظُ (1): كتبَ عنْ أكثر مِنْ ألفِ شيخٍ (2).
إسحاقُ بنُ إبراهيمَ القَرّابُ (3): زادَ عَلى ألفٍ ومئتي شيخٍ (4).
وقرأتُ بخطِّ بعضِ فُضَلاءِ المحدّثينَ الحلبيينَ تجاه تَرجمةِ الشّيخِ قطبِ الدّينِ عبدِ الكريمِ الحلبيِّ (5) في " معجمِ ابنِ رافعٍ " أنَّ الصّلاحَ الصفديَّ قالَ: ((إنَّ مَشايخَ القطبِ تَبلُغُ الألفَ)) (6).
قوله: (وَالقَاسِمُ بنُ دَاودَ)(7) قالَ الذهبيُّ في " الميزانِ "(8): ((طيرٌ غريبٌ، [أو] (9) لا وجودَ لهُ، انفردَ عنهُ أبو بكرٍ النقّاشُ ذاكَ التالفُ (10)، فقالَ: سمعتهُ يَقولُ:
(1) لعله الحافظ أحمد بن جعفر بن محمد بن جعفر بن مهران أبو بكر الأصبهاني، توفي سنة (442 هـ). انظر: تاريخ الإسلام وفيات 442/ 58.
(2)
قال أحمد بن جعفر الأصبهاني كما نقله الذهبي في " تاريخ الإسلام " صفحة: 323 وفيات (395): ((كتبت عن أكثر من ألف شيخ، ما فيهم أحفظ من أبي عبد الله بن منده)).
(3)
وهو الإمام الحافظ أبو يعقوب إسحاق بن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمان السرخسي محدّث هراة، صاحب التواليف الكثيرة، توفي سنة (429 هـ).
انظر: سير أعلام النبلاء 17/ 570، وتذكرة الحفاظ 3/ 1100.
(4)
انظر: سير أعلام النبلاء 17/ 571.
(5)
وهو الحافظ الكبير قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي، وتوفي سنة (735 هـ).
انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1502، والدرر الكامنة 2/ 398، وشذرات الذهب 6/ 110.
(6)
انظر: الدرر الكامنة 2/ 398.
(7)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 47.
(8)
3/ 370 (6804).
(9)
ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " ميزان الاعتدال ".
(10)
وهو شيخ القراء أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلي ثم البغدادي النقاش، قال البرقاني: كل حديث النقاش منكر، وقال طلحة بن محمد الشاهر: كان النقاش يكذب في الحديث، قال الذهبي: وهو في القراءات أقوى منه في الروايات.
انظر: تاريخ بغداد 2/ 201، وسير أعلام النبلاء 15/ 573، وميزان الاعتدال 3/ 520 (7404).
كَتَبتُ عنْ ستةِ آلافِ شَيخٍ (1)، وَحدّثنَاهُ (2) عَنْ محمدِ بنِ إبراهيمَ بنِ العلاء)).
قولُهُ: (مِنْ مُنْتَقٍ خيرُ)(3) اسم فاعلٍ منَ الانتقاءِ، وهو للتنفيرِ.
قالَ ابنُ الصّلاحِ: ((ورُوِّيْنا عنهُ أنَّهُ قالَ: لا يَنْتَخِبُ على عالمٍ إلَاّ مذنبٌ (4). ورُوِّيْنا عَنْ يَحْيَى بن مَعِينٍ أنَّهُ قال: سَيَنْدَمُ المنْتَخِبُ في حين لا تَنْفَعُهُ
النَّدامةُ (5))) (6).
قولُهُ: (وَصاحبُ النَّسْخِ لا يَنْدمُ)(7) هو مصدر لنسخ، والمرادُ بهِ الذي ينسخُ الكتابَ كمَا هو منْ غيرِ انتخابٍ.
قولُهُ: (بحُسْنِ الانْتِقَاءِ)(8) عبارةُ ابنِ الصّلاحِ / 248 ب /: ((وقدْ كانَ جماعةٌ مِنَ الحُفَّاظِ مُتَصدِّين للانْتِقاءِ على الشُّيُوخِ، والطَّلَبَةُ تَسْمَعُ وتَكْتُبُ، بانْتِخابِهمْ مِنْهم: إبراهيمُ بنُ أورمَةَ الأصْبَهانيُّ، وأبو عبدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ مُحمَّدٍ المعروفُ بِعُبَيْدٍ العِجْل (9))) (10).
(1) أسند ذلك عنه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي: 377 (1689).
(2)
كذا في " ميزان الاعتدال " وفي الأصل والمطبوع: ((حدثنا)).
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 48، وهو كلام عبد الله بن المبارك. انظر: الجامع لأخلاق الراوي: 353 (1577).
(4)
في " المعرفة ": ((بذنب)).
(5)
أخرجه: الذهبي في " سير أعلام النبلاء " 11/ 85.
(6)
معرفة أنواع علم الحديث: 357.
(7)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 48، وهو كلام يحيى بن معين. انظر: الجامع لأخلاق الراوي: 353 (1578).
(8)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 49. وانظر: الجامع لأخلاق الراوي: 333.
(9)
وهو الحافظ الإمام المجود، أبو علي الحسين بن محمد بن حاتم البغدادي، قال الخطيب: كان ثقة متقناً حافظاً، توفي سنة (294 هـ). انظر: تاريخ بغداد 8/ 93، وسير أعلام النبلاء 14/ 90. وانظر تعليقنا على " معرفة أنواع علم الحديث ": 357 هامش (4).
(10)
معرفة أنواع علم الحديث: 357.
قولُهُ: (أوْ لِيُمسكَ الشّيخُ أَصلَهُ)(1)، أي: فتحصلَ المعارضةُ بإمساكِ غيرِ الشّيخِ - أو مَا كانَ معها بإمساكِهِ - مُنضمَّة إلى حصولِ الرّوايةِ عنِ
الشّيخِ، والمرادُ بالمعارضةِ: مَا خلا عنِ الروايةِ فيكون منْ عطفِ الخاصِ عَلى العامِ.
وتعليمُهُ عَلى الأصلِ المنتخبِ منهُ يكونُ باستئذانِ صاحبِهِ أو بعلمِهِ برضاهُ، إما لصحتهِ، أو لكونِ العرفِ جارياً بينَ النَّاسِ بذلكَ.
قولُهُ: (الفَلَكِيُّ)(2) هو بالفاءِ محرَّكاً (3).
724 -
وَلَا تَكُنْ مُقْتَصِراً أَنْ تَسْمَعَا
…
وَكَتْبَهُ مِنْ دُوْن فَهْم نَفَعَا
قولُهُ في قولِهِ: (ولا تَكُنْ مُقتَصِراً): (نَفَعا)(4) هو صفةٌ لـ ((فَهْمٍ))، وهو يحتملُ لأن يكونَ صفةً كاشفةً لازمةً؛ لأنّ كلّ فهمٍ نافعٌ.
ويحتملُ أنْ تكونَ مقيدة فإنَّه ربما فَهمَ الشيء على غيرِ وجهِهِ، فكانَ فهماً ضارَّاً كفهمِ أهلِ الإلحادِ لآياتِ الصفاتِ وأحاديثِهَا عَلى ظواهرِهَا، فإنَّ ذلكَ فهمٌ ضارٌ بلْ هوَ أضرُّ الأشياءِ، فإنَّه حالقٌ للدينِ منْ أصلِهِ؛ لأنَّ أهلَ الإسلامِ اتفقوا على صرفِهَا عنِ الظاهرِ الذي يلزمُ منهُ التشبيهُ أولَ كلِّ شيءٍ، ثمَّ انقسموا بعدَ ذلكَ إلى ساكتٍ مفوضٍ وإلى قائلٍ مؤولٍ.
(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 49.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 49.
(3)
قال السمعاني: ((بفتح الفاء واللام وفي آخرها كاف هذه نسبة إلى الفلك ومعرفته وحسابه))، والفلكي هذا هو الحافظ أبو الفضل علي بن الحسين بن أحمد بن الحسن الهمذاني عرف بالفلكي؛ لأن جده كان بارعاً في علم الفلك والحساب، توفي سنة (427 هـ).
انظر: الأنساب 3/ 464، وسير أعلام النبلاء 17/ 502.
(4)
التبصرة والتذكرة (724).
فمَنْ حملَ عَلى الظاهرِ فقدْ خالفَ الأمةَ واتبعَ غيرَ سبيلِ المؤمنينَ وشاققَ اللهَ ورسولَهُ من بعدِ مَا تبينَ لَهُ الهدى (1).
قولُهُ: في شرحه: (وَفَهْمِهِ)(2) تتمةُ عبارةِ ابنِ الصّلاحِ: ((فيكون قدْ أتعبَ نَفْسهُ مِن غيرِ أن يظفرَ بطائلٍ، وبغيرِ أن يَحْصُلَ في عدادِ أهلِ الحديثِ، بل لَمْ يَزد على أن صارَ مِنَ المتشبهينَ المنقوصينَ المُتَحَلّينَ بما هُمْ منهُ عاطِلونَ)) (3).
قولُهُ: (نَذْلة)(4) بنونٍ مفتوحةٍ، ثمّ ذالٍ معجمةٍ ساكنةٍ، منَ النذالةِ وهي الخسةُ.
قالَ في " القاموسِ "(5): ((النَّذيلُ: الخَسيسُ من الناسِ المُحْتَقَرُ في جَميع أحْوالِهِ، والجمعُ أنْذَالٌ ونُذولٌ ونُذَلاءُ ونِذالٌ، وقدْ نَذُلَ ككَرُمَ، نَذَالَةً ونُذولَةً)).
قوله: (القدَريّة)(6) هو بفتحِ الدَّالِ، وهمُ الذينَ يقولونَ: إنَّ العبدَ يقدرُ عَلَى
(1) قد ذكرت فيما سبق أن عقيدة أهل السنة والجماعة في صفات الله عز وجل هي: إثباتها كما وردت في الكتاب والسنة على ظاهرها، وما تدل عليه ألفاظها من المعاني، لا يؤولونها عن ظاهرها، ولا يحرفون ألفاظها ودلالتها عن مواضعها، ولا يشبهونها بصفات المخلوقين. فإطلاق المؤلف هنا فيه تجاوز وتخليط إنما يثبت أهل السنة والجماعة ما أثبت الله من صفاته وينفون عنه ما نفى، ولا يخوضون في الكيفية فالصفة معلومة، والكيفية مجهولة، والإيمان بالصفة واجب، والسؤال عنها بدعة.
انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (644) و (928)، وشرح العقيدة الواسطية:142.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 50.
(3)
معرفة أنواع علم الحديث: 358.
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 50، وهذا كلام أبي عاصم النبيل.
انظر: المحدّث الفاصل: 253 (161).
(5)
القاموس المحيط مادة (نذل).
(6)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 50، وهذا من كلام الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي":349.
خلقِ فعلِ نفسِهِ (1).
قولُهُ: (بالحشْوِيَّةِ)(2) نسبةً إلى الحشْوِ بإسكانِ الشينِ المعجمةِ، وهو الوقوفُ عندَ الظاهرِ منْ غيرِ معرفةٍ للأسرارِ، أخذاً منَ الحشْوِ منَ النّاسِ (3) وهمُ
/ 249 أ / الذينَ لا يعتدُّ بهمْ، وفلان مِنْ حَشوةِ بني فُلانٍ، أي: منْ رُذَّالهم.
والحشوُ منَ الكلامِ مَا كانَ فضلاً لا يعتمدُ عليهِ (4).
وقدْ ذَكرَ ابنُ خلاّدٍ في كتابِهِ " المحدّثِ الفاصلِ "(5) أشياءَ حسنةً تبعثُ ذا الهمةِ العاليةِ عَلى بذلِ الجَهدِ في التفهمِ في بابٍ عقدَهُ في أوائلِ كتابِهِ في فضلِ منْ جمعَ بينَ الروايةِ والدرايةِ.
(1) ذكر ابن الجوزي في كتابه " تلبيس إبليس ": أن القدرية انقسمت إلى اثنتي عشرة فرقة، وذكر منها المعتزلة، في حين أطلق أصحاب كتب الفرق الآخرين القدرية على المعتزلة، وانظر على سبيل المثال: الفرق بين الفرق: 131، والملل والنحل 1/ 49، ومنهاج السنة 6/ 396، وغيرها.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 50، وهو من كلام الخطيب أيضاً.
(3)
الحَشَوِيَّة - بالتحريك والتسكين -: طائفة من المبتدعة، تمسكوا بالظواهر وذهبوا إلى التجسيم، وغيره، سموا بذلك، نسبة إلى الحشو أو الحشا، أي: الجانب؛ لأنهم ردوا إلى حشا حلقة الحسن البصري، أي: جانبها.
وقد أطلقت بعض الفرق الضالة على أهل الحديث اسم الحشوية وذلك لميل هذه الفرق عن الحق والعدل، ورحم الله الإمام أبا حاتم الرازي الذي قال:((علامة الجهمية: تسميتهم أهل السنة مشبهة، وعلامة القدرية: تسميتهم أهل السنة مجبرة، وعلامة المرجئة: تسميتهم أهل السنة نقصانية، وعلامة المعتزلة: تسميتهم أهل السنة حشوية، وعلامة الرافضة: تسميتهم أهل السنة نابتة)).
انظر: متن اللغة 2/ 99، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (939)، ومجموعة الفتاوى لابن تيمية 4/ 55 و12/ 97، والمعجم الوسيط مادة (حشا).
(4)
انظر: لسان العرب مادة (حشا).
(5)
المحدّث الفاصل: 238.
منها: أنَّ امرأةً وقفتْ عَلَى مجلسٍ فيهِ يحيى بنُ معينٍ وأبو خيثمةَ وخلفُ بنُ سالمٍ في جماعةٍ يتذاكرونَ الحديثَ، فسمعتهم يقولونَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وسمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ورواهُ فلانٌ، ومَا حدَّثَ بهِ غيرُ فلانٍ، فَسألتْهُمُ المرأةُ عنِ الحائضِ تُغسّلُ الموتى؟ وكَانتْ غاسلة، فلمْ يُجبْهَا أحدٌ منهم، وجعلَ بعضُهم ينظرُ إلى بعضٍ، فأقبلَ أبو ثورٍ (1)، فقيلَ لها: عليكِ بالمقْبِلِ، فالتفتَتْ إليهِ فسألتْهُ، فقالَ: تُغَسِّلُهُ لحديثِ عثمانَ بنِ الأحنفِ، عنِ القاسمِ، عنْ عائشةَ رضي الله عنها أنَّ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لها:((أمَا إنَّ حيضَتكِ ليستْ في يدكِ)) (2).
ولقولها: ((كنتُ أفرُقُ رأسَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالماءِ وأنا حائضٌ)) (3)، فإذا فرقتْ رأسَ الحيِّ بالماءِ فالميتُ أولى بهِ.
(1) وهو مفتي العراق أبو عبد الله إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي الإمام الحافظ الحجة المجتهد صاحب الشافعي، قال ابن حبان: كان أحد أئمة الدنيا فقهاً وعلماً وورعاً وفضلاً، توفي سنة (240 هـ).
انظر: الثقات لابن حبان 8/ 74، وتاريخ بغداد 6/ 56، وسير أعلام النبلاء 12/ 72.
(2)
لم أقف عليه من طريق عثمان بن الأحنف هذا، والحديث في صحيح مسلم 1/ 168 (298)(11) و (12)، وسنن أبي داود (261)، والجامع الكبير للترمذي (134)، والمجتبى للنسائي 1/ 146 من طريق ثابت بن عبيد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت:((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد، قالت: قلت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست في يدك)).
(3)
متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها. صحيح البخاري 3/ 63 (2029)، وصحيح مسلم 1/ 167 (297)(7) من طريق الليث، عن ابن شهاب، عن عروة، وعمرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأُرجله
…
))، وزيد في روايات أخرى، ((وأنا حائض)) وترجله: تمشطه
وتدهنه.
انظر: فتح الباري عقب (2028).
فقالوا: نعمْ، رواهُ فلانٌ، وحدّثنَاهُ فلانٌ، ونعرفُهُ منْ طريقِ كَذا، وخَاضُوا في الطرقِ والرواياتِ، فقالتِ المرأةُ: فأينَ كنتمْ إلى الآن)) (1).
ومنها مما يحثُّ عَلى الاجتهادِ في ضمِّ الدّينِ إلى ذلكَ:
وقالَ سعيدُ بنُ وهبٍ يَذكرُ مالكَ بنَ أنسٍ:
يأبَى الجوابَ فما يُراجَعُ هَيْبَةً
…
والسَّائلونَ نَواكِسُ الأَذقانِ
هدْيُ التقيِّ وعِزُّ سلطانِ الهدى
…
فَهو العزِيزُ ولَيسَ ذا سُلْطانِ (2)
قوله: (حِفْظَاً أوْ تَفَهُّماً)(3) لا يخفى أنّ مجردَ الحفظِ لا يكفي.
فالمرادُ حفظاً معَ تَفَهُّمٍ، وهوَ أعلى الدرجاتِ، أوْ تفهّماً منْ غيرِ حفظٍ وهوَ دونَهُ في الدرجةِ.
فالعبارةُ منَ الاحتباكِ: إثباتُ ((حفظاً)) أولاً دليلٌ عَلى حذفِ ضده ثانياً، وإثباتُ ((تفهماً)) ثانياً دليلٌ عَلى حذفِ ((معَ تفهّمٍ)) أولاً، بدليلِ تعليلِهِ لذلك بقولهِ:((لِيَعرِفَ مُصْطَلحَ أهْلِهِ)) (4)، ومَن لا فهمَ لَهُ لا معرفةَ لَهُ وإنْ حفظَ ألفَ كتابٍ.
(1) هذه القصة أخرجها الرامهرمزي في " المحدّث الفاصل ": 249 - 250 (157) وفي الإسناد ضعف. عقب محقق كتاب " المحدّث الفاصل " في الحاشية فقال: ((في سند هذا الخبر رجل مجهول، وإن رجح الرامهرمزي أنه يوسف بن الصاد، ولكن لم نعثر له على ترجمة، فالخبر ضعيف، ولو سلمنا جدلاً بكونه ثقة، وأن الخبر صحيح فيرجح أن المرأة سألتهم وهم صغار في أول طلبهم العلم ولا يرد علينا بأن أبا ثور قد أجابها وهو من طبقتهم؛ ذلك لأن أبا ثور أسن منهم، ثم إنه كان ملازماً للشافعي ويتفقه به، ومثل هذه المسائل يمكن أن يتلقاها طلاب الفقه في أول طلبهم له، ولا يمكن حمل هذا الخبر على غير ذلك؛ لأن جلالة ابن معين، وأبي خيثمة في العلم تتنافى مع حمل هذا الخبر على غير هذين الوجهين
…
)).
(2)
ذكره الرامهرمزي في " المحدّث الفاصل ": 247 (155).
وذكره الجاحظ في " كتاب الحيوان ": 1566 ونسبه إلى ابن الخياط.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 51.
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 51.
/ 249 ب / قولُهُ: (وبِالصَّحِيْحَيْنِ ابدَأنْ)(1) الذي يقتضيهِ شرحُ النّاظمِ أنّ المرادَ البداءةُ بالسماعِ.
والذي يقتضيهِ صنيعُ ابنِ الصّلاحِ أنّ المرادَ هنا البداءةُ بالتفهمِ بعدَ السّماعِ، أي: أنّهُ يرتّبُ طلبَهُ للكتبِ في التفهمِ كمَا يُرتِّبُ طلبَهُ لها في السَّماعِ؛ لأنَّهُ قالَ:
((ثُمَّ لا ينْبَغِي لطالبِ الحديثِ أنْ يقتصرَ عَلَى سَماعِ الحديثِ وكَتْبِه دونَ مَعْرفَتِهِ)) (2) فهو في معرضِ الحثِّ على التفهمِ، وأمَّا الحثُّ على السّماعِ والأمرُ بتقديمِ مَا ينبغي، فقدْ قدّمَهُ في قولِهِ قبلَ ذلكَ بقليلٍ:((وإذا أخذَ فيهِ - أي: في السّماعِ (3) - فَلْيُشَمِّرْ عَنْ ساقِ جُهْدِهِ واجْتِهادِهِ، ويَبْدأْ بالسَّماعِ مِنْ أسْنَدِ شُيوخِ مِصْرهِ
…
)) الخ (4).
وقولُهُ هنا: (وليُقَدِّم العنايَةَ بالصحِيحَين، ثُمَّ بسنَنِ أبي داودَ، وسُنَن النَّسائِيِّ، وكتاب التِّرمذِيِّ، ضَبْطَاً لِمُشْكِلِها وَفَهْماً لخفيِّ مَعانيها
…
) إلى آخر كلامه (5).
ظاهرٌ في ذلكَ، فإنّ ((ضبطاً)) تمييزٌ، أي: يقدّمُ هذهِ الكتبَ منْ هذهِ الجهةِ وهوَ محوّلٌ عنِ المفعولِ، أي: يقدّمُ العنايةَ بضبطِ كذا، ويقدّمُ ضبطَ ذلكَ، ويمكنُ ((الاعتناءُ)) بما فهمَهُ الشّيخُ: فيُجعل المصدرانِ حالينِ منَ الضميرِ في: ليقدّم فيكونانِ بمعنى اسمِ الفاعلِ، والتقديرُ: يقدّم ذلكَ في السّماعِ حالَ كونهِ ضابطاً
(1) التبصرة والتذكرة (726).
(2)
معرفة أنواع علم الحديث: 358.
(3)
ما بين الشارحتين جملة اعتراضية من البقاعي.
(4)
معرفة أنواع علم الحديث: 354.
(5)
هذا من كلام ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 359، ولم ينقل العراقي في " شرح التبصرة والتذكرة " 2/ 52 إلا قوله: ((ضبطاً لمشكلها وفهماً لخفي معانيها
…
)) إلى آخره.
وفاهماً، والله أعلمُ.
قولُهُ: (ثَنِّ)(1) هو ثانٍ بالنسبةِ إلى القسمِ المرتَّبِ على الأبوابِ، وإنْ كانَ ظاهرُ العبارةِ أنَّهُ ثالثٌ فإنّهُ ذكرَ الصحيحينِ قسماً وبعدَهما بقيةَ السُّننِ وبعدَ ذلكَ المسانيدَ.
قولُهُ في شرحه: (ولا تُخْدَعنَّ)(2) بالخاءِ المعجمةِ مؤكداً بالنونِ الثقيلةِ منَ الخدعِ، وهوَ إرادةُ المكروهِ على وجهِ الخفاءِ منْ حيث لا يعلم، والاسم الخديعةُ.
كذا رأيتُها مضبوطةً في نسختي بـ " علومِ الحديثِ "، وهي بخطِّ العلامةِ نجمِ الدّينِ الباهِيِّ الحنبليِّ وعليها خطُّ النّاظمِ بقراءتِهِ لها عليهِ مجلساً بعدَ مجلسٍ إلى آخرِهَا، وبعدهَا عنْ حرفُ جرٍ، ورأيتُهَا مضبوطةً في غيرِ نسخةٍ منْ "شرحِ الألفيةِ" بفتحِ التاءِ وكسرِ الحاءِ المهملةِ منَ الحيدةِ، وهي الميلُ، وعنْ حرفُ جرٍ غيرُ مكرّرٍ.
قولُهُ: (ثُمَّ بسائرِ)(3) يتعلقُ: ((بالعنايةِ)) في قولِ [ابنِ](4) الصّلاحِ في أولِ كلامِهِ الذي سَاقَهُ عنهُ: ((وليقدمِ العنايةَ بالصحيحينِ)) إلى أنْ قالَ: ((ثمَّ بسائرِ)).
قولُهُ: (وإسمَاعِيل القَاضِي)(5) رأيتُ بخطِّ العلامةِ / 250 أ / شمسِ الدّينِ ابنِ حسّانَ عنْ شيخِنَا أنّهُ وَجدَ منهُ القليلَ، وأنَّ كتابَ محمدِ بنِ
(1) التبصرة والتذكرة (726).
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 51، وهو من كلام ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 359، والذي في شرح التبصرة ومعرفة أنواع علم الحديث:((يخدعنّ)).
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 52، وهو من كلام ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ":359.
(4)
ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، والسياق يقتضيها.
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 52، وهو من كلام الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي":352.
أيوبَ (1) لا يوجدُ الآن.
قولُهُ: (ومِن كُتُبِ الضّبطِ لمُشْكِلِ (2) الأسماءِ) (3) عطف عَلى قولِهِ: ((مِنْ كتبِ المسانيدِ)) في قولِهِ: ((ثُمَّ بسائرِ ما تمسُّ حاجةُ صاحبِ الحديثِ إليهِ من كُتُبِ المسانيد)) (4).
قوله: (ابن مَاكُولا)(5) قالَ ابنُ الصّلاحِ عقبَهُ: ((وليَكُنْ كُلَّما مَرَّ بهِ اسمٌ مشكلٌ، أوْ كلمةٌ منْ حديثٍ مشكلةٌ بحثَ عنهَا وأودعَهَا قلبَهُ، فإنّهُ يجتمعُ لَهُ بذلكَ علمٌ كثيرٌ في يسرٍ)) (6).
731 -
وَاحْفَظْهُ بِالتَّدْرِيْجِ ثُمَّ ذَاكِرِ
…
بِهِ وَالاتْقَانَ اصْحَبَنْ وَبَادِرِ
732 -
إذا تَأَهَّلْتَ إلى التَّأْلِيْفِ
…
تَمْهَرْ وَتُذْكَرْ وَهْوَ في التَّصْنِيْفِ
733 -
طَرِيْقَتَانِ جَمْعُهُ أبوابَا
…
أَوْ مُسْنَدَاً تُفْرِدهُ صِحَابَا
734 -
وَجَمْعُهُ مُعَلَّلاً كَمَا فَعَلْ
…
يَعْقُوْبُ أَعْلَى رُتْبَةً وَمَاكَمَلْ
قولُهُ في قولِهِ: (واحْفَظْهُ بِالتَّدْرِيْجِ)(7): (تَمْهَر)(8) مبني للفاعلِ، وهو بفتحِ
(1) وهو الحافظ المحدّث محمد بن أيوب بن يحيى بن ضُرَيس أبو عبد الله البَجَلي الرازي صاحب كتاب فضائل القرآن، توفي سنة (294 هـ).
انظر: الثقات لابن حبان 9/ 152، وسير أعلام النبلاء 13/ 449.
(2)
في (ف): ((المشكل))، والمثبت من " شرح التبصرة والتذكرة ".
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 53، نقلاً عن ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ":359.
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 52، نقلاً عن ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ":359.
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 53، وهو من كلام ابن الصلاح أيضاً.
(6)
معرفة أنواع علم الحديث: 359.
(7)
التبصرة والتذكرة (731).
(8)
التبصرة والتذكرة (732).
الهاءِ منْ مهرَ الشيءَ، وفيهِ، وبِهِ، كَمَنَعَ قالَهُ في " القاموسِ "(1)، وَمعنَاهُ تَصِرْ مَاهِراً، أي حَاذِقاً فَطناً، وهو مجزومٌ عَلَى أنّهُ جوابُ الأمرِ.
قوله: (وتُذْكَر)(2) مبني للمفعولِ، أي: يَصِرْ لَكَ ذكرٌ بينَ طلبةِ الفنِّ بما صنفتَهُ.
قوله: (في التَّصْنيفِ)(3) هو أخصُّ منَ التأليفِ؛ لأنّه جعل كُل صنفٍ عَلى حدة، والتأليفُ: مطلقُ الضمِّ. وبعضُهم يراهُ مثلَهُ، ويقولُ: لا يكونُ تأليفاً حتى يضمَّ الشيءَ إلى شكلِهِ فيكونَ المشاكلُ للشئ كأنّه إلفٌ لَهُ؛ مشابهتهُ تدعوهُ إلى إلفهِ، وعَلَى كلِّ حالٍ فليسَ في كلامِ النظمِ ما يُعابُ بِهِ.
أمّا إنْ جعلناهما أعمّ وأخصّ فواضحٌ، وأمّا إنْ جعلناهما بمعنى واحدٍ فيقالُ: إنّهُ سلخَ التأليفَ عنِ المعنى الخاصِّ، فيصيرُ كأنّهُ قالَ: بادِرْ إلى التأليفِ، والتأليفُ الذي هو ضمُّ الشيءِ إلى الشيءِ مطلقاً في التصنيفِ الذي هو ضمُّ كلِّ صنفٍ عَلى حدته ((طريقتانِ)) (4).
قوله: (جَمْعُه أبواباً)(5) منصوبٌ عَلَى التمييزِ، وكَذا ((صِحَابَا)).
و ((تُفْرِدَهُ)) منصوبٌ عطفاً عَلَى ((جَمْعُهُ)) نحو: للُبْسُ عَبَاءةٍ وتَقَرَّ عيني (6)
(1) القاموس المحيط مادة (مهر).
(2)
التبصرة والتذكرة (732).
(3)
التبصرة والتذكرة (732).
(4)
التبصرة والتذكرة (733).
(5)
التبصرة والتذكرة (733).
(6)
هذا صدر بيت لميسون بنت بحدل الكلبية والتي تزوجت بمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فلما زفت إليه تشوقت إلى البادية فأنشدت وهذا البيت منها. وعجز هذا البيت:
…
...
…
...
…
...
…
أحب إليَّ من لبس الشُفوفِ
انظر: التذكرة الحمدونية: 4970، ودرة الغواص في أوهام الخواص: 58، وغرر الخصائص الواضحة وعرر النقائض الفاضحة: 83 - 85.
و ((مُسْنَداً)) (1) حالٌ من ضميرِهِ، أي: وتأليفُ الحديثِ في حالِ التصنيفِ، أي: جعلُهُ أصنافاً طريقتانِ:
إحداهما: جمعُ الحديثِ إلى شكلِهِ منْ جهةِ الأبوابِ، أو إفرادُهُ بأنْ تذكرَ الحديثَ وحدَهُ، أي: منْ غيرِ ضمِّ ما يناسبُهُ في الحكمِ إليهِ حالَ كونهِ مسنداً منْ جهةِ الصحابةِ لا منْ جهةِ الشيوخِ مثلاً، أي: النظر فيهِ إلى الإسنادِ في ضمِّ شكلهِ إليهِ منْ جهةِ كونهِ يُروى بِهِ حديثٌ آخرُ لهذا الصحابيِّ.
فالأسانيدُ في المسندِ / 250 ب / كالمتونِ في الأبوابِ، والأسانيدُ في الأبوابِ كالمتونِ في المسندِ (2)، والله أعلمُ.
ويجوزُ أنْ يكونَ نصبُ ((أبواباً)) و ((مسنداً)) بنزعِ الخافضِ، أي: جمعُهُ على الأبوابِ أو على المسانيدِ، ولا يضرُّ إفرادُ مسندٍ؛ لأنَّهُ صارَ علماً على هذا النوعِ.
و ((تُفْرِدهُ)) استئنافٌ أو صفةٌ لـ ((مسنداً))، أي: تفردُ كل مسندٍ على حدة من جهةِ الصحابةِ لا الشيوخِ.
ويجوزُ أنْ يكونَ ((أبواباً)) حالٌ، أي: ذا أبوابٍ أو مُبَوَّباً.
قولُهُ: (وجمعُهُ معللاً)(3) نُقِلَ عن شيخِنا أنهُ قالَ: ((إنّ ضميرَهُ ليسَ عائداً على قولهِ ((مسنداً)) وإن كانَ قد مثلَ بـ ((مسندِ يعقوبَ)) بل عائد على
((التأليفِ))، يعني: أنَّ الأعلى في التصنيفِ جمعُ التأليفِ كلّ شكلٍ إلى شكلهِ حالَ كونهِ مُعَلَّلاً، بأن يجمعَ طرقَ الحديثِ كلَّها ويُبيِّنَ ما فيهِ من علةٍ إن كانت، سواءٌ كانَ على الأبوابِ أو الأسماءِ، صحابةً أو شيوخاً.
(1) التبصرة والتذكرة (733).
(2)
انظر: فتح الباقي 2/ 133 - 134.
(3)
التبصرة والتذكرة (734).
قولُهُ: (معللاً)(1) هذا لا يخصُّ واحدةً من الطريقتينِ، بل يمكنُ جمعُهُ على المسانيدِ معللاً، وهذا فعلُ يعقوبَ بنِ شيبةَ (2) فإنّه يذكرُ الصحابيَّ، ثمُّ يسوقُ ترجمتهُ بأسانيدِهِ، ثم يسوقُ أحاديثهُ، ويذكرُ عللها.
ويمكنُ جمعُهُ على الأبوابِ معللاً وهو أحسنُ، فإنّه لا يأتي فيه تكرارٌ لأنَّ النظرَ فيهِ إلى المتنِ، فلا يضرُّ الاختلافُ في صحابيهِ على الراوي بخلافِ الأولِ، فإنّه إذا اختُلفَ في صحابيهِ عليهِ وذُكِرَ في مسندِ أحدِهما فإنْ أعيدَ في مسندِ الآخرِ حصلَ التكرارُ، وإلا كانَ إخلالاً ببعضِ أحاديثهِ.
قالَ شيخُنا: ((ومنِ ثم استخرجتُ مسندَ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما من " عللِ الدارقطنيِّ " ولم يفردْهُ، والشائعُ بينَ طلبةِ الفنِّ أنَّه ليسَ فيهِ فقصدتُ إلى ترتيبهِ فوجدتُهُ يذكرُ في أثناءِ المسانيدِ أحاديث لابنِ عباسٍ رضي الله عنهما اختلفَ فيها على الرواةِ، فكنتُ كلما مرَّ بي حديثٌ لهُ أفردتُهُ، فما كملَ حتى تمَّ مسندُ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما).
ولا يُقالُ: إنَّ أحاديثَ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما كلَّها مُعلَّلةٌ، بلْ المعَللُ منها الأحاديثُ الواردةُ في كتابهِ، فإنَّ المُعلِّلَ لا يلزمُهُ أن يذكرَ جميعَ أحاديثِ الصحابيِّ، وإنما يلزمُهُ ذكرُ ما أُعلَّ من حديثهِ، فإنْ أتى بغيرِهِ كان مُتَبَرِّعاً.
/ 251أ / قولهُ في شرحهِ: (قليلاً قليلاً)(3) قالَ ابنُ الصلاحِ عقبهُ: ((معَ الأيامِ والليَالي فذلكَ أَحرى بأنْ يُمَتَّعَ بمحفوظهِ)) (4).
(1) التبصرة والتذكرة (734).
(2)
هو الحافظ الكبير الثقة يعقوب بن شيبة بن الصلت بن عُصفور، أبو يوسف السَّدُوسي البصري ثم البغدادي. قال الذهبي:((صاحب المسند الكبير، العديم النظير المعلل، الذي تمَّ من مسانيده نحو من ثلاثين مجلداً. ولو كَمُل لجاء في مئة مجلد))، توفي سنة (262 هـ).
انظر: تاريخ بغداد 14/ 281، وسير أعلام النبلاء 12/ 476.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 53.
(4)
معرفة أنواع علم الحديث: 359.
قولُهُ: (أربعةَ أحاديثَ خمسةً)(1)، أيْ: أو خمسةً فإنّ ((أو)) تحذفُ إذا دلَّ السياقُ عليها (2) كما تقدمَ في بحثِ الحسنِ.
قولُهُ: (يُدْرَكُ العلمُ حديثٌ وحديثانِ)(3) ببناءِ ((يدرك)) للمفعولِ، ورفعِ ((حديث)) على أنه بدلُ بعض.
قولُهُ: (المُذَاكَرَةُ)(4) قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ثُمَّ إنّ المذاكرةَ بما يتحفَّظُهُ منْ أَقوى أسبابِ الإمتاعِ بهِ، رُوِّينا عنْ عَلْقمةَ النَّخَعيِّ - وهو صاحبُ ابنِ مسعودٍ
رضي الله عنه (5) قالَ: تَذَاكَروا الحديثَ، فإنَّ حياتَهُ ذِكْرُهُ (6)، وعنْ إبراهيم النَّخَعيِّ قالَ: مَنْ سَرَّهُ أن يَحْفَظَ الحديثَ فليُحدِّثْ بهِ، وَلَو أنْ يُحَدِّثُ بهِ مَنْ لا يشْتهيهِ (7))) (8). انتهى.
وقالَ الشيخُ محيي الدينِ النوويُّ في مقدمةِ " شرحِ المهذبِ "(9): ((قالَ الخطيبُ: وأفضلُ المُذَاكرةِ مُذَاكرةُ الليلِ، وكانَ جماعةٌ مِنَ السلفِ يَبدأونَ مِنَ العِشاءَ، وربما لمْ يقوموا حتى يسمعوا أذان الصبح)) (10).
(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 53، وهو كلام الثوري. انظر: الجامع لأخلاق الراوي (448).
(2)
((أو)) موجودة في "شرح التبصرة والتذكرة"، ولكنها غير موجودة في "الجامع لأخلاق الراوي".
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 54، وهو كلام الزهري. انظر: الجامع لأخلاق الراوي (450).
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 54.
(5)
ما بين الشارحتين جملة اعتراضية من البقاعي.
(6)
أخرجه: الرامهرمزي في " المحدث الفاصل ": 546، والخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي "(1832).
(7)
أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي "(1833).
(8)
معرفة أنواع علم الحديث: 360.
(9)
المجموع شرح المهذب 1/ 88.
(10)
كلام الخطيب في " الفقيه والمتفقه " 2/ 128. وقال الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 405: ((وإنما اختاروا المطالعة بالليل لخلو القلب، فإنَّ خلوه يسرع إليه الحفظ، ولهذا قال حماد بن زيد عندما سئل: ما أعون الأشياء على الحفظ؟ قال: قلة الغم، وليس يكون قلة الغم إلا مع خلو السر، وفراغ القلب. والليل أقرب الأوقات من ذلك)).
قولُهُ: (يَدْرُسْ)(1) هو بضمِّ الراءِ مبنياً للفاعلِ، بمعنى أنَّهُ ينطمسُ وتذهبُ أعلامهُ فلا يبقى لهُ أثرٌ، يقالُ: درسَ الرسمُ دروساً: عفَا، ودرستْهُ الريحُ، لازمٌ متعدٍ (2).
قولُهُ: (تَذَكَّرْ ما عِندكَ)(3) مضارعٌ محذوفُ تاء المضارعةِ مشدّداً من التَّفعلِ، أي: تتذكر ما في محفوظكَ، وقد كادَ أنْ يعزبَ عنكَ.
قولُهُ: (عن عبدِ اللهِ بنِ المعتزِّ)(4) هو الخليفةُ العباسيُّ، الشاعرُ المشهورُ (5)، وهذا كلامُ حكمة يؤخذُ عمن رُويَ عنهُ، وإن كانَ مشهوراً بغيرِ الوعظِ (6).
قولُهُ: (مُصَاحباً للإِتقانِ)(7) هو إحْكامُ الأمرِ، من التِّقْنِ، بالكسرِ وهو الطبيعَةُ، والرجلُ الحَاذِقُ (8).
(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 54 وهذا من كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه. انظر: المحدّث الفاصل: 545، والجامع لأخلاق الراوي (465) و (466).
(2)
انظر: القاموس المحيط مادة (درس).
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 54، وهو من كلام الخليل بن أحمد. انظر: الجامع لأخلاق الراوي (1845).
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 54.
(5)
وهو أبو العباس عبد الله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد، كان أديباً بليغاً شاعراً مطبوعاً مقتدراً على الشعر، اتفق معه جماعة من رؤوس الأجناد ووجوه الكتاب فخلعوا المقتدر وبايعوا عبد الله بن المعتز، وأقام يوم وليلة ثم رجع أصحاب المقتدر فتجمعوا وحاربوا أعوان ابن المعتز، فأعادوا المقتدر إلى دسته، فأخذه المقتدر وسلمه إلى مؤنس الخادم فقتله وسلمه إلى أهله، وذلك في يوم الخميس الثاني من شهر ربيع الآخر سنة (296 هـ).
انظر: تاريخ بغداد 10/ 95، ووفيات الأعيان 2/ 37.
(6)
نقل عنه العراقي قوله: ((من أكثر من مذاكرة العلماء، لم ينسَ ما علم، واستفاد ما لم يعلم)). أخرجه الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي "(1852).
(7)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 54.
(8)
القاموس المحيط مادة (تقن).
رأيتُ بخطِّ الشيخِ شمسِ الدينِ بنِ حسانَ أنَّه رواهُ الحافظ أبو طاهرٍ السلفيُّ في كتابهِ " شرطِ القراءةِ على الشيوخِ " وعبارته: ((وليكنِ المحدّث
مصاحباً للإتقانِ ولا يكون إماماً مَنْ حدّثَ عنْ كلِّ منْ رأى، ولا حدثَّ بكلِّ ما سمعَ)).
قولُهُ: (ويقِفُ على غوامضِهِ)(1) قالَ الشيخُ محيي الدينِ النوويُّ في مقدمةِ " شرحِ المهذبِ "(2): ((ويصنفُ إذا تأهلَ فيهِ، فتكاملتْ أهليتُهُ واشتهرتْ فضيلتُهُ، فإنَّهُ بالتصنيفِ والجدِّ في الجمعِ والتأليفِ / 251 ب / يطلعُ على حقائقِ العلمِ، ودقائقِ الفنونِ، لأنَّهُ يضطرهُ إلى كثرةِ التفتيشِ والمطالعةِ والتحقيقِ والمراجعةِ.
وليحذرْ كلَّ الحذرِ أنْ يشرعَ في تصنيف ما لم يتأهلْ لهُ، ولا يُخرجُ تصنيفهُ حتى يهذبهُ، ولا يوضحُ إيضاحاً ينتهي إلى الركاكةِ، ولا يوجزُ إيجازاً يُفضي إلى المحقِ والاستغلاقِ.
ويكونُ اعتناؤهُ بما لم يُسبقْ إليهِ أكثرَ، مُحَقِّقاً فيما يَذكرُ، متثبِّتاً في نقلهِ واستنباطهِ، متحرياً إيضاحَ العباراتِ وبيانَ المشكلاتِ، مجتنباً العباراتِ الركيكاتِ والأدلةَ الواهياتِ، مستوعباً معظمَ ذاكَ الفنِّ، غيرَ مُخِلٍّ بشيءٍ من أصولهِ، مُنَبِّهاً على القواعدِ، فبذلكَ تنكشفُ له المشكلاتُ، ويطَّلعُ على الغوامضِ وحلِّ المعْضِلاتِ، ويعرفُ مذاهبَ العلماءِ، والراجحَ من المرجوحِ، ويرتفعُ عن الجمودِ على محضِ التقليدِ ويلحقُ بالأئمةِ المجتهدينَ، أو يقاربهم إن وُفِّقَ لذلك، وباللهِ
التوفيقُ)).
(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 55، وهو من كلام الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ":415.
(2)
المجموع شرح المهذب 1/ 89 - 90، بتصرف.
قولُهُ: (ويَشْحَذُ)(1) بالشينِ والذالِ المعجمتينِ والحاءِ المهملةِ، أي: يُحدُّهُ ويجيدُ تصورَهُ وتصرفَهُ، من شَحَذَ السكّينَ كمَنَعَ: أحَدَّها، أي: سنَّها حتى صارتْ حادَّةً، والجوعُ المعدةَ: ضَرَمها، والمِشْحَذُ: المِسَنُّ، والسائِقُ العَنِيفُ، والشَّحْذُ كالمنْعِ: السَّوْقُ الشَّديدُ والغَضَبُ، والقَشْرُ، والإلحاحُ في السؤالِ، وهو شحَّاذٌ مُلِحُّ، ولا تَقُلْ: شحَّاثٌ، قاله في " القاموس "(2).
قوله: (يَمُوْتُ قَوْمٌ)(3) البيت، مما يستحسنُ من ذلكَ قولُ بعضهم:
عليكَ بجمعِ العلمِ فالجهلُ سُبَّةٌ
…
وعيبٌ على المرءِ اللبيبِ وعارُ
وما حسنُ أنْ تملك الأرضَ كلها
…
وتحوي ما فيها وأنتَ حمارُ
وقالَ آخرُ:
العلمُ أفضلُ شيءٍ أنتَ كاسبهُ
…
فكن له طالباً - ما عشتَ - مكتسِباً
فالجاهلُ الحيُّ ميتٌ حينَ تنسبُهُ
…
والعالمُ الميتُ حي كلَّما نُسِبَا
قولُهُ: (وليأخُذْ قلمَ التَّخْرِيجِ)(4)، أي: لأنَّ الناسخَ لا يتأمَّلُ في الغالبِ ما يكتبُهُ، وإنْ تأمَّلَ لم يُمْعِنْ، بخلافِ المُخَرِّج، فإنّه يحتاجُ أن يتأمّلَ حقَّ التأملِ.
قولُهُ: (كُلُّ مُسْنَدٍ على حدَةٍ)(5) قالَ ابنُ الصّلاحِ: ((وجمعُ حديثِ كُلِّ صَحابيٍّ وَحْدَهُ وإن اخْتَلَفتْ أنواعُهُ)) (6).
(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 55، وهو من كلام الخطيب أيضاً.
(2)
القاموس المحيط مادة (شحذ).
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 55. إشارة إالى قول الشاعر:
يموتُ قومٌ فيحيى العلم ذكرهم
…
والجهل يلحق أحياء بأموات
انظر: الجامع لأخلاق الراوي 2/ 280 (1853).
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 55.
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 55.
(6)
معرفة أنواع علم الحديث: 361.
قولُهُ: (نُعَيمُ بنُ حمَّادٍ)(1) قال شيخُنا: ((ولا يَرِدُ عليه " مُسندُ أبي داودَ الطيالسيِّ "؛ لتقدمهِ / 252 أ /. فإنَّهُ لم يجمع المسندَ المنسوبَ إليهِ حتى يقالَ: إنَّهُ أولُ من صنَّفَ على المسانيدِ، بل الجامعُ لهُ غيرُهُ جَمعهُ بحسبِ ما وقعَ لهُ من حديثهِ (2)، وإلا فهوَ مكثرٌ جداً، فلو جُمِعَ كلُّ حديثِهِ، أو جمعَ هو مسنداً وانتقاهُ لكانَ أضعافَ هذا)).
قولُهُ: (ثُمَّ بالنّساءِ)(3)، أي: إذا فرغَ منَ الرجالِ شرعَ في ذكرِ النِّساءِ مُرَتِّباً لهنّ كما رتّبَ الرجالَ، وهذهِ الطريقةُ أحدُ محتملي كلامِ الخطيبِ (4).
والاحتمالُ الآخرُ أن يذكرَ النساءَ في أواخرِ هذه الطبقاتِ، فإذا ذكرَ بني هاشمٍ الرجالَ ذكرَ النساءَ منهم، ثم انتقلَ إلى غيرهم فذكرَ رجالهم، ثم نساءهم وهكذا إلى الآخرِ.
أو يذكرَ العشرةَ رضي الله عنهم، ثمَّ يذكرَ ذَوات السبقِ منَ النساءِ، ثمَّ أهلَ بدرٍ، ثمَّ من يوازي تلكَ الطبقة منَ النساءِ وهكذا.
(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 56، وهذا من كلام الدارقطني. انظر: الجامع لأخلاق الراوي (1900).
(2)
إذ إن مسند الطيالسي جمعه يونس بن حبيب تلميذ الطيالسي، ويونس بن حبيب هو المحدّث الحجة، أبو بشر، يونس بن حبيب العجلي، مولاهم الأصبهاني توفي سنة سبع وستين ومئتين، انظر ترجمته في: الجرح والتعديل9/ 237، وذكر أخبار أصبهان 2/ 345، وسير أعلام النبلاء 12/ 596، والعبر 2/ 37، وغاية النهاية 2/ 406، وشذرات الذهب 2/ 152.
وقال أبو بكر الخطيب: قال لنا أبو نعيم: صنف أبو مسعود الرازي ليونس بن حبيب مسند أبي داود. وقال حفص بن عمر المهرقاني: كان وكيع يقول: أبو داود جبل العلم. انظر: سير أعلام النبلاء 9/ 382.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 56، وهذا من كلام ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ":361.
(4)
انظر: الجامع لأخلاق الراوي: 423 - 424.
قولُهُ: (وهذا أحْسَنُ)(1)، أي: مِنْ جِهةِ تنزيلِ النَّاسِ مَنَازِلهم وتَقْديم أولاهم بالتقديمِ فأَولاهم، محاذياً بالتصنيفِ الواقعِ في الوجودِ، والأولُ أسهلُ في الكشفِ.
قال ابن الصلاح: ((وفي ذَلِكَ مِنْ وجوهِ التَّرْتيبِ غيرُ ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ مِنْ أعلى المراتبِ في تَصنيفِهِ، تَصنيفَهُ مُعَلَّلاً، بأنْ يَجْمَعَ في كُلِّ حديثٍ طُرُقَهُ، واخْتِلافَ الرواةِ فيهِ، كما فَعَلَ يَعْقُوبُ بنُ شَيْبَةَ في " مسنده ")) (2).
قولُهُ: (لأنْ أَعْرفَ عِلَّةَ حديثٍ هو عِنْدي)(3)، أيْ: حديثٍ مرويٍّ عندي، بمعنى: أنّ لهُ بهِ روايةً؛ لأنَّ معرفتَه لذلكَ الحديثِ تصيرُ كاملةً؛ بخلافِ ما إذا رَوَى وهو لا يعرفُ ما في مرويِّهِ من الدسائسِ فإنَّ ذلكَ يكونُ سبباً إلى وقوعهِ فيما لا يليقُ، أو إيقاعِ غيرهِ في ذلكَ.
وإنما خصّهُ بما عندَهُ؛ لأنَّ الغالبَ من حالهِم ذلك، وهو أنَّ أحدَهم لا يعرفُ حديثاً إلا وهو مرويٌّ لهُ؛ لشدةِ حرصِهم على التحصيلِ أو لا يوجدُ غير ذلكَ.
قولُهُ: (يعقوبُ بنُ شيبةَ)(4) هو: ابنُ الصَّلتِ بنِ عصفُورٍ أبو يوسُفَ السدوسيُّ، كانَ فقيهاً على مذهبِ مالكٍ، توفي سنة اثنتينِ وستينَ ومئتينِ (5).
(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 56، وهو من كلام ابن الصلاح أيضاً.
(2)
معرفة أنواع علم الحديث: 361.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 56، وهو من كلام عبد الرحمان بن مهدي. انظر: علل الحديث لابن أبي حاتم 1/ 9، ومعرفة علوم الحديث: 112، والجامع لأخلاق الراوي (1911)، وشرح علل الترمذي لابن رجب 1/ 470.
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 56.
(5)
تقدمت ترجمته. انظر: تذكرة الحفاظ 2/ 577.
قولُهُ: (عَشرةُ آلافِ دينارٍ)(1)، أي: على نسخهِ وتحريرهِ، فقد رُويَ أنَّهُ كانَ في بيتهِ أربعونَ فِراشاً للحفَّاظِ الذينَ يُعينونَهُ / 252 ب / على جمعهِ ويذاكرهم فيهِ (2).
قولُهُ: (هَذَا الذي رأَيْنا من مُسْندِهِ)(3)، أي: وأمَّا مسندُ أبي هريرةَ فإنَّ الخطيبَ لم يرهُ ولا شيخَهُ الأزهريّ، بل قيلَ لهُ: إنَّ نُسخةً منهُ شُوهِدَتْ بمصرَ (4).
قالَ شيخنا: ((والذي وقع لنا مَروياً منهُ الجزء الثالثُ من "مسندِ عمَّارٍ")). هكذا حفظتُ من شَيخِنَا.
ورأيتُ بخطِّ بعضِ أصحابنا عنهُ أنَّهُ لم يتصلْ إلا قطعةٌ من الجزءِ الثالثِ من " مسندِ عمارٍ "، فالله أعلمُ (5).
قالَ شيخُنا: ((ورأينا من غيرهِ قليلاً لم تقع لنا روايتُهُ)).
قولُهُ: (وَجَمَعُوْا أبواباً)(6) الذي تقدَّمَ في قصدِ استيعابِ الأبوابِ، أو المسانيدِ، وهذا في تخصيصِ أشيَاء بعينها، ونصبَ ((أبواباً)) وما بعدَهُ مفعولاتٍ لـ ((جَمَعُوْا)) وهو على حذفِ مضافٍ.
(أوْ طُرُقاً (7)) (8)، أي: وجمعَ المحدثونَ الحديثَ على أنواعٍ أخرَ أو طرقٍ
(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 57، وهو من كلام الأزهري انظر: تاريخ بغداد 14/ 281.
(2)
نقل ذلك الخطيب، عن الأزهري أنه قال: بلغني أن يعقوب كان في منزله أربعون لحافاً
…
إلخ.
انظر: تأريخ بغداد 14/ 281.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 57، وهذا من كلام الخطيب في " تاريخ بغداد " 14/ 281.
(4)
انظر: تاريخ بغداد 14/ 281.
(5)
قال الذهبي في " سير أعلام النبلاء " 12/ 479: ((وقع لي جزء واحد من مسند عمار له)).
(6)
التبصرة والتذكرة (735).
(7)
في (ف): ((إلا طرقاً))، والمثبت من " التبصرة والتذكرة ".
(8)
التبصرة والتذكرة (735).
أخرى، إمّا أن يؤلفوا أحاديثَ أبوابٍ خاصةٍ؛ مُفردينَ بالجمعِ كلَّ بابٍ منها على حدةٍ، أو جامعينَ معهُ باباً أو بابينِ ونحو ذلكَ (1)، أو أحاديثَ شيوخٍ مُعَيَّنينَ (2)، أو أحاديثَ تراجمَ معينةٍ. والمرادُ هنا بالترجمةِ إسنادٌ واحدٌ رُويَ بهِ أحاديثُ كثيرةٌ أو طرقُ أحاديثَ (3).
ويجوزُ أنْ يكونَ نصبُهُ على الحالِ، أي: وقعَ جمعهم للحديثِ حالَ كونِهِ ذا أبوابٍ أو كذا، وأن يكونَ تمييزاً: أي جمعوهُ من جهةِ الأبوابِ، أو كذا، أي: جمعوا أبوابَهُ أو شيوخَهُ
…
إلخ.
قولُهُ في شرحهِ: (ككتابِ رَفعِ)(4) هو هكذا في النسخِ التي وقفتُ عليها، والظاهرُ أنهُ ((كَبَابِ)) بالموحدةِ وكافٍ واحدةٍ، سبق القلم إلى زيادة كاف في أوله فظنَّ أنَّه كتاب بالمثناة فوق، وإلا لما حَسُنَ أنْ يعطف عليه ((بابَ القراءةِ)) وما بعدهُ (5).
قولُهُ: (وأمَّا جَمعُ الشيوخِ)(6) قال شيخُنا: لم أرَ لهم في جمعِ الشيوخِ طريقةً مُطَّردةً، بل تارةً يجمعونَ حديثَ الرجلِ لكونهِ مكثراً، وتارةً يجمعونهُ لكونهِ مُقِلاً،
(1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 361، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 57.
(2)
قال ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 361: ((أي: جمع حديث شيوخ مخصوصين كُل واحد منهم على انفراده. قال عثمان بن سعيد الدارمي: يقال من لم يجمع حديث هؤلاء الخمسة فهو مفلس في الحديث: سفيان، وشعبة، ومالك، وحماد بن زيد، وابن عيينة، وهم أصول الدين)). انظر: الجامع لأخلاق الراوي: 427 - 428 (1918)، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 57 - 58.
(3)
انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 361، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 58.
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 57.
(5)
ويؤيدُ هذا الكلام قول ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 361: ((
…
نحو باب رؤية الله عز وجل، وباب رفع اليدين
…
)) إلخ.
(6)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 57.
وإلى ذلكَ الإشارة بقولهِ: ((مخصوصينَ))، أي: شهرةً سواءٌ كانتِ الشهرةُ بإكثارٍ أو بقلةٍ، ولا يتقيَّدُ ذلكَ بشيوخِ الجامعِ، بل هو أعمُّ من شيوخهِ وشيوخِ غيرهِ من عصرهِ ومن قبلهِ.
وقد يريدونَ بالشيوخِ المعجمَ، وهو - والله أعلمُ - الذي قصدَهُ الحافظُ أبو بكرٍ أحمدُ بنُ / 253 أ / محمدٍ البَرْقانيُّ (1) في ما أوردَ لهُ الحافظُ عمادُ الدينِ إسماعيلُ ابنُ كثيرٍ في " تاريخهِ "(2) في سنةِ خمسٍ وعشرينَ وأربعمئة عن الحافظِ ابنِ عَسَاكرَ، من شعرهِ (3):
أُعلِّلُ نَفسي بكَتْبِ الحديثِ
…
وأَجْمِلُ فيه لها الموْعِدَا
وأَشْغَلُ نَفسي بتَصْنيفِهِ
…
وتَخْريجِه دائِماً سَرْمَدَاً
فطَوْراً أُصَنِّفُه في الشيوخِ
…
وطَوْراً أُصَنِّفُه مُسْنَدَاً (4)
قولُهُ: (وهم أصولُ الدينِ)(5)، أي: الأحاديثُ المرويةُ عنهم أصولُ هذه الشريعةِ جمعتْ أنواعَ العلومِ الشرعيةِ.
قولُهُ: (طَلبُ العِلمِ)(6) قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وحديث الغُسْلِ يَومَ الجُمُعَةِ، وغير ذَلِكَ، - قال (7): - وكَثيرٌ مِنْ أَنواعِ كِتابِنا هذا قَدْ أفرَدُوا أحاديثَه بالجَمْعِ
(1) هو الإمام العلامة الفقيه أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي صاحب التصانيف، قال الخطيب: ((كان البرقاني ثقةً، ورعاً، ثبتاً، فهماً، لم نر في شيوخنا أثبت
منه
…
)). انظر: تاريخ بغداد 4/ 373، وسير أعلام النبلاء 17/ 464.
(2)
البداية والنهاية 15/ 650 - 651.
(3)
أي: من شعر البرقاني.
(4)
ذكره ابن عساكر في " تأريخ دمشق " 5/ 248.
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 58، وهذا من كلام عثمان بن سعيد الدارمي. انظر: الجامع لأخلاق الراوي.
(6)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 58.
(7)
أي: ابن الصلاح.
والتَّصنيِفِ، وعليهِ في كُلِّ ذَلِكَ تَصْحِيحُ القَصْدِ والْحَذَرُ مِنْ قَصْدِ المكاثَرَةِ ونَحْوِهِ، بَلَغَنا عَنْ حَمْزَةَ بنِ مُحَمَّدٍ الكِنانيِّ أنَّهُ خَرَّجَ حَديثاً واحِداً مِنْ نَحوِ مِئتَي طريقٍ فأعْجَبهُ ذلِكَ، فرأى يَحْيى بنَ مَعينٍ في مَنامِهِ فَذَكَرَ لهُ ذَلِكَ، فقالَ لهُ: أخشى أنْ يَدْخُلَ هذا تَحْتَ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} (1))) (2).
قولُهُ: (رُوِّيْنا عَنْ عليِّ بنِ المدينيِّ)(3) إنما جعلَ هذا كالدليلِ لكراهةِ جمعِ المقصرِ من حيثُ إنّه قيّده بأولِ كتابتهِ فإنَّ الإنسانَ إذا أخذَ في طلبِ علمٍ من
العلومِ يكونُ عنهُ كالأجنبيِّ، فلا تكونُ لهُ فيهِ ملكةٌ إلا بعد ممارسةٍ كثيرةٍ، وتخصيصهُ هذينِ الحديثينِ لكثرةِ طرقهما، وإنما قالَ:((قفَاهُ)) إشارة إلى إدبارِهِ عن الخيرِ.
عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وَلْيَتَّقِ أنْ يَجْمَعَ ما لَمْ يَتَأَهَّلْ بَعْدُ لاجْتِناءِ ثَمَرتِهِ واقْتِنَاصِ فائِدة جَمْعِهِ، لئَلا (4) يَكونَ حُكْمُهُ مَا رُوِّيْنا عَنْ عليِّ بن المدينيِّ)) فذكره.
وقال عَقِبَهُ: ((ثُمَّ إنَّ هذا الكتابَ مَدخلٌ إلى هذا الشَّأنِ، مُفْصِحٌ عَنْ أصُولِهِ وفُروعِهِ، شارِحٌ لمصطلحاتِ أَهلهِ ومقاصِدِهم وَمُهِمَّاتِهم التي ينْقُصُ المحَدِّثُ بالجهلِ بِها نقْصاً فاحِشاً، فهو إن شاءَ الله جَديرٌ بأنْ تُقَدَّمَ العنايةُ بهِ)) (5). انتهى.
وقالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: ((ولتكنْ عنايتهُ بالأَولى فالأَولى مِنْ علومِ الحديثِ،
ومِنَ الخَطأ الاشتغالُ بالتَّتِمَّاتِ والتكميلاتِ مِنْ هذه العلوم وغيرِها مع تَضييعِ المهماتِ)) (6).
(1) التكاثر: 1، أخرج هذا الأثر ابن عبد البر في جامع بيان العلم 2/ 132، والذهبي في سير أعلام النبلاء 16/ 180.
(2)
معرفة أنواع علم الحديث: 362.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 58، قال علي بن المديني:((إذا رأيت المحدث أول ما يكتب الحديث يجمع حديث الغسل، وحديث من كذب عليَّ، فاكتب على قفاه: لا يفلح)).
انظر: الجامع لأخلاق الراوي (1923).
(4)
في " معرفة أنواع علم الحديث ": ((كيلا)).
(5)
معرفة أنواع علم الحديث: 362.
(6)
الاقتراح: 256.