المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرواية من النسخ التي إسنادها واحد - النكت الوفية بما في شرح الألفية - جـ ٢

[برهان الدين البقاعي]

الفصل: ‌الرواية من النسخ التي إسنادها واحد

‌الرِّوَايةُ مِنَ النُّسَخِ التي إسنَادُها واحدٌ

قولهُ في الروايةِ من النُّسَخِ: (قَطُ)(1) مَعناها حَسب. وقد تَقدّمَ الكلامُ عليها في الكلامِ على الرمزِ وأنَّها مبنيةٌ على السكونِ وقدْ حُرِّكتْ هنا لاجتماعِ سُكونِها مع سُكونِ واوِ الإطلاقِ واختِيرَ ضَمُّها لمناسبةِ الواوِ.

قولهُ: (لآخِذٍ كَذَا)(2)، أي: لمن أَخَذَ الحديثَ بالإسنادِ المذكورِ أولاً، مِن غيرِ إعادتِه معَ كلِّ حديثٍ.

قولهُ: (مَعَ آخِرِهِ)(3)، أي: بأنْ يقولَ لشيخِهِ: أخبرك بجميعِ الصحيفةِ فلانٌ إلى آخرِ السَّندِ.

ومنْ فوائدهِ: أنْ يسمعَهُ مَن لم يكنْ سَمعَهُ في أوَّلِ الكتابِ.

وهكذا الحكمُ في الكُتبِ المصنَّفةِ لا فرقَ بينَها وبينَ الصحيفةِ في ذكرِ السّندِ أوَّلاً وآخراً.

ووجهُ الاحتياطِ بهذا أنَّ السّندَ صارَ مُحيطاً بالصّحيفةِ، أو الكتابِ المصنَّفِ في الأوَّلِ والآخرِ، ولكنَّهُ لا يرفعُ خلافَ مَنْ يَقولُ بوجوبِ ذِكرِ السندِ مع كلِّ حديثٍ، حتى لا يجيزَ روايةً ما، لم يذكرِ السندَ في أوَّلهِ، بسندهِ المذكورِ قبل إلَاّ بالطريقِ الآتي عنِ ابنِ الصَّلاحِ (4).

ووجهُ عدمِ رَفعهِ أنَّ تلكَ الإحاطةَ إنّما تقطعُ النزاعَ لو لم يكنِ الشيءُ ذا أجزاءٍ، وأمّا معَ كونهِ ذا أجزاءٍ فلا يَرْفَعُ الخلافَ إلا إحاطةٌ تُحيطُ بكلِّ جزءٍ من تلكَ الأجزاءِ وذلكَ بأنْ يعادَ السندُ مع كُلِّ حديثٍ.

(1) التبصرة والتذكرة (661).

(2)

التبصرة والتذكرة (663).

(3)

التبصرة والتذكرة (664).

(4)

انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 337.

ص: 250

قولهُ: (ويوجدُ ذلكَ)(1)، أي: إعادةُ السَّندِ مع كلِّ حديثٍ، فلا يُتوهمُ غيرُ ذلكَ.

والذي قُلتهُ صريحُ عِبارةِ ابنِ الصّلاحِ فإنَّهُ قالَ: ((منهم منْ يُجوِّزُ (2) ذِكْرَ الإسْنادِ في أوَّلِ كُلِّ حديثٍ منها، ويوجدُ هذا في كثيرٍ منَ الأصولِ القديمةِ، وذلِكَ أحْوَطُ)) (3).

قولهُ: (وأوجبَ ذلكَ بعضُهم)(4) هوَ القائلُ بالمنعِ من أنْ يُروَى بالإسنادِ حديثٌ مما رُوِيَ مُدرَجاً من غيرِ ذكرٍ للسَّندِ حالَ القراءةِ في أولهِ بخصوصهِ.

قولهُ: (لأنَّ المعطوفَ)(5) عبارةُ ابنِ الصّلاحِ: ((وهذا لأنَّ الجميعَ معطوفٌ على الأولِ، فالإسنادُ المذكورُ أولاً في حُكمِ المذكورِ في كلِّ حديثٍ، وهو بمثابةِ

)) إلخ (6).

قولهُ: (تَقطيع المتنِ)(7) الجامعُ بينَهما أنَّ كُلاً مِنهُما جُملٌ رُكِّبتْ على إسنادٍ واحدٍ، معَ عدمِ إعادةِ السندِ قبلَ كلِّ جُملةٍ بخصوصِها اكتفاءً بذكرهِ في

الأوَّلِ، فإذا قَطَعَ من المتنِ ما بعد الجملةِ الأولَى وركَّبَها /220 ب/ على الإسنادِ، كانَ بمنزلةِ ما إذا ساقَ ما بعدَ الحديثِ الأوَّلِ من الصحيفةِ ورَكَّبَهُ على الإسنادِ.

(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 8.

(2)

في " المعرفة ": ((يجدد)).

(3)

معرفة أنواع علم الحديث: 337.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 2/ 8، وفيه:((وأوجب بعضهم ذلك)).

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 2/ 8.

(6)

معرفة أنواع علم الحديث: 337.

(7)

شرح التبصرة والتذكرة 2/ 8، وهو من كلام ابن الصلاح السابق.

ص: 251

قولهُ: (إلَاّ مَع بيانٍ)(1) عبارةُ ابنِ الصَّلاحِ: ((وسَألَ بعضُ أهلِ الحديثِ الأستاذَ أبا إسحاقَ الإسفرايينيَّ الفقيهَ الأصُوليَّ عنْ ذلكَ؟ فقالَ: ((لا يَجُوزُ)) (2).

وعَلَى هذا مَنْ كانَ سماعُهُ على هذا الوجهِ فطريقُهُ أنْ يُبَيِّنَ ويحكيَ [ذلكَ](3) كمَا جَرى، كمَا فَعلَهُ مُسلِمٌ (4) في صحيفةِ همَّامٍ)) (5).

وَمِن هُنا تعلمُ أنَّ هذا مُفرّعٌ على القولِ بالمنعِ، وهوَ غيرُ المسألةِ التي قالَ الشيخُ فيها:((وعلى القولِ بالجوازِ، فالأحسنُ البيانُ)) (6) فإنَّ تلكَ - فيما تفيدُ - الحُسْنَ؛ خروجاً من الخلاف.

وَمسألة ابنِ الصّلاحِ فيما يفيدُ الجوازَ، وبسوقِ عبارةِ ابنِ الصّلاحِ، ظَهَرَ أنَّ تجويزَ المانعينَ الروايةَ معَ بيانِ كيفيةِ التحمُّلِ من كلامِ ابنِ الصّلاحِ (7)، لا مِن كلامِ المانعينَ بخلافِ ما أفادتهُ عبارةُ الشّيخِ.

وظَهَرَ أيضاً أنَّ مُسلِماً من المانعينَ، وكلامُ الشيخِ يُفهِمُ أنَّه من المُجيزِينَ، واللهُ أعلمُ.

قولهُ: (في الجنَّةِ

الحديثَ) (8) فِعْلُ مُسلمٍ واضحٌ.

(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 8.

(2)

قال السخاوي في "فتح المغيث" 2/ 252: ((ومنع منه الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني في الأسئلة التي سأله عنها الحافظ أبو سعد بن عليك، وقال: إنه لا يجوز أن يذكر الإسناد في كل حديث منها لمن سماعه على هذا الوصف)).

(3)

ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " معرفة أنواع علم الحديث ".

(4)

انظر على سبيل المثال: صحيح مسلم 1/ 114 عقب (182).

(5)

معرفة أنواع علم الحديث: 337 - 338.

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 2/ 8 - 9.

(7)

انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 338.

(8)

شرح التبصرة والتذكرة 2/ 9، والحديث أخرجه: عبد الرزاق (20885)، وأحمد 2/ 315، وأبو يعلى (6316)، وابن حبان (6158) و (7418)، وابن عبد البر في

" جامع بيان العلم " 2/ 17، وبحشل في " تأريخ واسط ": 160، وعبد الله بن أحمد في =

= زياداته على " الزهد ": 22 من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أدنى مقعد أحدكم في الجنة

)).

ص: 252

وقد سَلَكَ البُخاريُّ هذا المسلَكَ (1)، لكنْ معَ خَفاءِ الإشارةِ كعادتهِ. فيذكرُ السَّندَ، وقليلاً منْ أولِ أحاديثِ الصحيفةِ، ثمّ يذكرُ مُرادَهُ منْ غيرِ بيانٍ كما قالَ في كتابِ الطّهارةِ (2): حَدَّثَنا أبو اليمَانِ، قالَ: أخبرَنَا شُعَيبٌ، قالَ: أخبرَنا أبو الزِّنَادِ: أنَّ عبدَ الرحمانِ بنَ هُرمُز الأعرجَ حدَّثه [أنَّه سمِعَ أبا هريرةَ](3): أنَّهُ سمعَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: ((نحنُ الآخِرونَ السابقونَ))، وبإسنادهِ قالَ:((لا يَبولنَّ أحدُكُم في الماءِ الدائمِ الذي لا يَجري ثُمَّ يغتسلُ فيهِ)).

وأوقعَ ذلكَ بعضَ الشارحينَ في وهمٍ، وهو أنَّهُ ظنَّ أنَّهُ إنما ذَكرَ ((نحنُ الآخرونَ)) لمناسبةٍ لَهُ بالبابِ وتمحّل مناسبة بعيدة وهي: أنَّهُ لا فرقَ في استعمالِ الماءِ بينَ أولهِ وآخرهِ، أو نحوَ ذلكَ (4).

قولهُ: (الخلافُ في إفرادِ)(5)، أي: جوازُ إفرادِ كُلِّ حديثٍ، بل المانعُ لهُ أنْ يَطَّرِدَ الخلافُ فيه فيقولَ: لا تجوزُ روايتهُ بخصوصهِ بذلكَ السندِ مفرداً.

(1) قال الزركشي في " نكته " 3/ 629: ((واعلم أن البخاري - رحمه الله تعالى - قد صنع ما يقتضي الاحتياط في ذلك، فأشكل على الناس (ثم ذكر الحديث الآتي وقال عقبه) فكأن البخاري سمعه من أبي اليمان في الأول مردفاً عليه قائلاً: وبإسناده حديث البول فأورده كما سمعه، ولو ذكر حديث البول بالسند لأوهم أنه سمعه بالسند ولم يقع ذلك

وهذا الاحتياط يحتمل أن يكون للورع والخروج من الخلاف المذكور، ويحتمل أن يكون من مذهب البخاري أنه لا يجوز)).

(2)

صحيح البخاري 1/ 68 - 69 (238) و (239).

(3)

ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " صحيح البخاري ".

(4)

هذا الشرح نقله الكرماني عن بعض علماء عصره. وانظر المناقشات عن هذا الصنيع: عمدة القاري 3/ 166، وفتح الباري 1/ 450.

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 2/ 9.

ص: 253