المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌اختلاف ألفاظ الشيوخ - النكت الوفية بما في شرح الألفية - جـ ٢

[برهان الدين البقاعي]

الفصل: ‌اختلاف ألفاظ الشيوخ

‌اختِلافُ ألفَاظِ الشُّيوخِ

قولُه في اختلافِ ألفاظِ الشيوخِ: (بلفظٍ)(1)، أي: بذكرِ لفظِ أحدِهما، أو أحدِهم، كما قالَ الشيخُ.

قولُه: (وَقالَا اقتَرَبا)(2) لا يوهمُ أنَّ الألفَ في ((قالا)) ضميرُ البخاريِّ ومسلمٍ، بل هي للإطلاقِ، كما قالَ الشيخُ (3).

ولا أنَّ الضميرَ المستترَ لابنِ الصّلاحِ، بقرينةِ قولهِ:((أوْ لَمْ يَقُل)) (4).

واعلمْ أنَّ ((لم يقل)) قافيتُه متراكبٌ (5) فهو مخالفٌ لتقابلٍ في القافيةِ من جهةِ أنَّها متداركٌ ومن جهة التأسيسِ.

قولُه: (يُسْمِى)(6) مخففٌ من أسْمى، وقد تقدَّمَ أنها لغةٌ في سمى.

قوله: (للخروجِ منَ الخلافِ)(7)، أي: في جوازِ الروايةِ بالمعنَى.

قولُه: (واستُحْسِنَ)(8) رأيتُها في نسخةٍ مقرؤةٍ على المصنِّفِ، مضبوطةً بضمِّ التاءِ، للبناءِ للمجهولِ. إشارةً إلى أنّه وافقَ ابنَ الصّلاحِ هوَ أو غيرهُ على استحسانِ ذلكَ.

(1) التبصرة والتذكرة (652).

(2)

التبصرة والتذكرة (654) و (655).

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 2/ 6.

(4)

التبصرة والتذكرة (655).

(5)

التراكب: هو أن تتوالى ثلاث حركات بين ساكنيها؛ وسمي متراكباً؛ لأن الحركات توالت

فركب بعضها بعضاً. انظر: ميزان الذهب: 121.

(6)

التبصرة والتذكرة (656)، وسكنت السين؛ لضرورة الوزن.

(7)

شرح التبصرة والتذكرة 2/ 5.

(8)

شرح التبصرة والتذكرة 2/ 5.

ص: 239

فإنَّ عبارةَ ابنِ الصّلاحِ (1): ((ولمسلمٍ صاحبِ " الصحيحِ " معَ هذا في ذلكَ عبارةٌ أخرى حسنةٌ، مثلُ قولِهِ: حدَّثنا أبو بكر (2)

)) إلخ، وقولهُ:((معَ هذا)) يعني: مع قولهِ: ((واللفظ لفلانٍ)) ونحوه فإنَّهُ يعبرُ بذلكَ، مثل قولهِ: حَدّثنا أبو بكر بنُ أبي شيبةَ، وأبو كريبٍ، واللفظُ لأبي كريبٍ، قالا: حَدّثنا أبو معاويةَ، فَذَكرَ حديثَ أبي هريرةَ:((لكلِ نبيٍّ دعوةٌ مُستجابةٌ)) في كتابِ الإيمانِ (3).

وكذا ما أدّى مَعنَى هذا، مثلَ قولهِ أولَ كتابِ الإيمانِ (4): حَدّثَني أبو خيثمةَ / 218 أ / زهيرُ بنُ حَربٍ، قالَ: حَدّثنا وكيعٌ، عن كَهْمَسَ، عن عبدِ اللهِ ابنِ بُريدةَ، عَن يَحيَى بن يَعْمَرَ. وحَدّثنا عبيدُ اللهِ بنُ معاذٍ العنبريُّ، وهذا حديثهُ، قال: حَدَثنا أبي، قالَ: حَدّثنا كَهمَسُ، فذكَرهُ.

قولُه: (بأنَّ اللفظَ)(5)، أي: لفظَ الحديثِ بسندهِ، لا لفظَ أحدِهما وحدَهُ.

قولُه: (قلتُ: ويحتملُ)(6) هذا الاحتمالُ هو الراجحُ المتبادرُ إلى الفهمِ،

(1) معرفة أنواع علم الحديث: 333.

(2)

تتمة كلام مسلم: ((ابن أبي شيبة، وأبو سعيد الأشج؛ كلاهما عن أبي خالد، قال أبو بكر: حدثنا أبو الأحمر، عن الأعمش وساق الحديث))، ثم قال ابن الصلاح عقبه:((فإعادته ثانياً ذكر أحدهما خاصة إشعار بأن اللفظ المذكور له)).

وقال العراقي عقب نقل كلام ابن الصلاح: ((قلت: ويحتمل أنه أراد بإعادته بيان التصريح فيه بالتحديث، وأن الأشج لم يصرح في روايته بالتحديث، والله أعلم)).

انظر: صحيح مسلم 2/ 133 (673)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 333، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 5 - 6.

(3)

صحيح مسلم 1/ 131 (199)(338).

(4)

صحيح مسلم 1/ 28 (8)(1)، وانظر: ما قاله النووي في " شرحه "1/ 141 - 142.

(5)

شرح التبصرة والتذكرة 2/ 5، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 333.

(6)

شرح التبصرة والتذكرة 2/ 5.

ص: 240

ويحتملُ أيضاً أنَّه أرادَ تخصيصَ أبي بكرٍ بذكرِ اللقبِ وهو الأحمرُ (1).

قولُه: (ممّا عِيبَ)(2) قالَ ابنُ الصّلاحِ قبلَهُ: ((وقولُ أبي داودَ صاحبِ السُّننِ: حدَّثنا مُسَدَّدٌ، وأبو توبةَ - المعنى - قالا: حدّثنا أبو الأحوصِ. (3) معَ

أشباهٍ (4) لهذا في كتابِهِ، يحتملُ أنْ يكونَ منْ قبيلِ الأولِ - أي: وهوَ أنْ يكونَ التفاوتُ بينَ الروايتينِ في اللفظِ والمعنى واحداً، قال: - فيكونَ اللفظُ لمسدّدٍ ويوافقهُ أبو تَوبَةَ في المعنى. ويحتملُ أنْ يكونَ منْ قبيلِ الثاني، فلا يكونُ قدْ أوردَ لفظَ أحدِهما خاصّةً، بلْ رواهُ بالمعنى عنْ كليهِمَا (5)، وهذا الاحتمالُ يَقْرُبُ في قوله (6): حدّثنا مسلمُ بنُ إبراهيمَ، وموسى بنُ إسماعيلَ - المعنى واحدٌ - قالا: حدَّثنا أبانُ.

وأمّا إذا جمَعَ بينَ جماعةِ رواةٍ قدِ اتَّفقوا في المعنى (7)، وليسَ مَا أوْرَدَهُ لفظَ كلِّ

(1) لأنّ أبا بكر، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، بينما أبو سعيد لم يذكر اللقب، والله أعلم.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 2/ 6، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 334.

(3)

سنن أبي داود (375).

(4)

انظر: لهذه الأشباه على سبيل المثال (603) و (1094).

(5)

قال البلقيني في " محاسن الاصطلاح ": 195: ((هذا الاحتمال الثاني عجيب، إذ يلزم عليه ألا يكون رواه بلفظ لواحدٍ من شيخيه، وهو بعيد. وكذلك إذا قال: ((أنبأنا فلان وفلان، وتقاربا في اللفظ)) فليس هو منحصراً في أن روايته عن كل منهما بالمعنى، وأن المأتي به لفظ ثالث غير لفظيهما، والأحوال كلها آيلة في الغالب، إلى أنّه لا بدّ أن يسوق الحديث على لفظ مروي له برواية واحد، والباقي بمعناه)). وبهذا المعنى قال الزركشي في " نكته " 3/ 626.

(6)

سنن أبي داود (31).

(7)

قال الزركشي في " نكته " 3/ 626 - 627 معقباً: ((في الإرشاد للخليلي: ((ذاكرت يوماً بعض الحفاظ، فقلت: البخاري لم يخرج حماد بن سلمة في الصحيح، وهو زاهد ثقة، قال: لأنّه يجمع بين حديث أصحاب أنس، فيقول: أخبرنا قتادة، وثابت، وعبد العزيز بن صهيب، وربما يخالف =

ص: 241

واحدٍ منهم، وسكتَ عنِ البيانِ لذلكَ، فهذا ممّا عيبَ بِهِ البخاريُّ

)) (1) إلى آخرهِ.

قولهُ: (أو غيرُهُ)(2) بإثباتِ الألفِ قبلَ الواوِ، كأنَّه كانَ يحفظُ أنَّ بعضَ العلماءِ عابَ بعضَ المصنِّفينَ بهذا، وغلبَ على ظَنّهِ أنّه البخاريُّ، معَ قيامِ الاحتمالِ فصرّحَ بهِ وعطفَ غيرَهُ بـ ((أو))، وهذا ليسَ عيباً؛ لأنَّ مذهبَ البخاريّ جوازُ الرِّوايةِ بالمعنىَ؛ وهو أستاذُ مَن يعرفُ معانيَ الألفاظِ، ويتقنُ ما يحيلُ المعنى من غيرهِ، فهو لم يخرجْ عن مذهبهِ فجهل هذا أن يكونَ خلافَ الأولى.

في بعض ذلك، فقلت: أليس ابن وهب اتّفقوا عليه وهو يجمع بين أسانيد، فيقول: حدثنا مالك، وعمرو بن الحارث، والليث بن سعد، والأوزاعي - رحمة الله تعالى عليهم - في أحاديث ويجمع بين غيرهم؟ فقال:((ابن وهب اتقن لما يرويه وأحفظ له)). انتهى. وفي هذا ما يجاب به عما ذكره ابن الصلاح أنّه عيب على البخاري)). وانظر: الإرشاد للخليلي 1/ 417.

وأجاب السخاوي في "فتح المغيث" 2/ 245 عن البخاري قائلاً: ((على أن البخاري، وإن كان لا يعرج على البيان، ولا يلتفت إليه، هو كما قال ابن كثير في الغالب، وإلاّ فقد تعاطى البيان في بعض الأحايين، كقوله في تفسير البقرة: حدثنا يوسف بن راشد، قال: حدثنا جرير، وأبو أسامة، واللفظ لجرير، فذكر حديثاً. وفي " الصيد والذبائح ". حدثنا يوسف بن راشد - أيضاً - قال: أنبأنا وكيع، ويزيد بن هارون، واللفظ ليزيد)).

انظر: اختصار علوم الحديث 2/ 413، وبتحقيقي:210.

والحديث الأول في تفسير سورة البقرة أخرجه: البخاري 6/ 25 - 26 (4487).

والحديث الثاني أخرجه: البخاري 7/ 112 (5479).

(1)

معرفة أنواع علم الحديث: 333 - 334.

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 2/ 6، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 334 وعند تحقيقي لشرح التبصرة، ومعرفة أنواع علم الحديث أثبتت ((أو)) وهو ما اتفقت عليه نسخي؛ لكن في المطبوع من الشذا الفياح ((وغيره)) بالواو والمقصود بـ ((غيره)): حماد بن سلمة كما أشرت إليه قبل قليل في نقل كلام الخليلي.

ص: 242

قولهُ: (كالأوّلِ)(1)، أي: وهو ما إذا سمعَ الحديثَ من شيخينِ فأكثرَ، بلفظٍ مختلفٍ ومعنىً متحدٍ.

ثُمّ اعلمْ أنَّ احتمالَ عدم الجوازِ في هذا ينبغي أنْ يخصَّ بما إذا لم يبينْ أنّ روايتَهُم للحديثِ الذي أوردَهُ من الكتابِ الفلانيِّ، أمّا إذا بيّنَ فالأصلُ في الكُتبِ المصنَّفةِ إذا لم يعلمْ اختلافُ رواياتِها عدمُ الاختلافِ، ولو فرضَ فهو في الغالبِ يسيرٌ، تَجبرُ مثلَهُ الإجازةُ (2).

/ 218 ب / قولهُ: (فإنَّهُ اطّلَعَ)(3) عبارةُ ابنِ الصّلاحِ: ((اطَّلَعَ عَلَى روايةِ غيرِ مَنْ نَسَبَ اللفظ إليهِ وَعَلَى مُوافَقَتِها مِنْ حيثُ المعنى، فأخبَرَ بذلكَ)) (4). انتهى.

ثُم اعلمْ أنّ هذا كلَّهُ فيما للراوي أن يفعلَ في الروايةِ، وأمّا الاحتجاجُ: فإن كان كلٌ من الشيخينِ، أو الشيوخِ ثقةً، فإنّ عدمَ التمييزِ حينئذٍ لا محذورَ فيهِ.

قالَ ابنُ دَقيقِ العيدِ: ((فإنّ الحجةَ قائمةٌ بروايةِ العدلِ، ولا يضرُّنا جهالتُهُ بعينهِ بعدَ معرفةِ ثقتهِ)) (5).

وإنْ كانَ أحدٌ من رواتهِ مجروحاً، قالَ ابنُ دَقيقِ العيدِ:((لم يحتج بلفظٍ معينٍ؛ لاحتمالِ أنْ يكونَ عن المجروحِ، واللهُ أعلمُ)) (6).

وسيأتي التنبيهُ على هذا في آخرِ هذه التفريعاتِ قبلَ آدابِ المُحدِّثِ.

(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 6، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 334.

(2)

بنحو هذا القول قاله السخاوي ونقله عن بعض المتأخرين. انظر: فتح المغيث 1/ 247.

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 2/ 6.

(4)

معرفة أنواع علم الحديث: 334، وانظر: محاسن الاصطلاح: 195.

(5)

الاقتراح: 243.

(6)

الاقتراح: 243.

ص: 243