الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العَالي [والنّازل]
(1)
قولُهُ: (العَالي والنّازل)(2) لما حثَّ عَلى السَّماعِ وَأشارَ إلى ترتيبِ المسموعاتِ ومَا يتصلُ بذلكَ حسُنَ ذكرُ العالي / 253 ب / وتقسيمُهُ.
قالَ ابنُ الصلاحِ: ((الإسْنادُ أوَّلاً خَصِيصَةٌ فاضِلَةٌ مِنْ خَصَائِصِ هذهِ الأُمَّةِ (3)، وسُنَّةٌ بالِغَةٌ مِنَ السُّنَنِ المؤَكَّدة، رُوِّيْنا مِنْ غيرِ وَجْهٍ عَنْ عبدِ اللهِ بنِ المبارَكِ أنَّهُ قالَ: الإسْنادُ مِنَ الدِّيْنِ، ولَوْلَا الإسْنادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ ما شَاءَ (4). وطَلَبُ العُلُوِّ سُنَّةٌ (5) أيضاً، ولِذَلِكَ اسْتُحِبَّتِ الرِّحْلَةُ فيهِ عَلَى ما سَبَقَ ذكْرُهُ)) (6)، أي: في آدابِ الطالبِ. انتهى.
(1) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من" شرح التبصرة والتذكرة ".
انظر في العالي والنازل:
معرفة علوم الحديث: 5 - 14، والجامع لأخلاق الراوي 1/ 115 وما بعدها، ومعرفة أنواع علم الحديث: 363، وجامع الأصول 1/ 110 - 115، والإرشاد: 529 - 537، والتقريب: 150 - 152، والاقتراح: 266، ورسوم التحديث: 134، واختصار علوم الحديث 1/ 443، وبتحقيقي: 222، والشذا الفياح 2/ 419 - 434، والمقنع 2/ 421 - 426، ومحاسن الاصطلاح: 212، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 59، وتنقيح الأنظار: 250، ونزهة النظر: 97 - 100، وفتح المغيث 3/ 3 - 26، وتدريب الراوي 2/ 159 - 172، وشرح ألفية العراقي للسيوطي: 63، وفتح الباقي 2/ 136، وشرح شرح نخبة الفكر: 614 - 629، واليواقيت والدرر 2/ 232 و248، وتوضيح الأفكار 2/ 395 - 401.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 59.
(3)
انظر: شرف أصحاب الحديث: 40 - 43، والملل والنحل 2/ 81 - 84، والإرشاد للنووي 2/ 529.
(4)
أخرجه: مسلم في " مقدمة صحيحه " 1/ 12، والرامهرمزي في " المحدّث الفاصل ": 209، والحاكم في "معرفة علوم الحديث": 6، والخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي "(1645)، وفي " شرف أصحاب الحديث "، له: 41، وابن عبد البر في " التمهيد " 1/ 56.
(5)
في " معرفة أنواع علم الحديث ": ((العلو فيه سنة)).
(6)
معرفة أنواع علم الحديث: 363.
وسبقَ هُناكَ أيضاً ذمّ الانهماكِ فيهِ عنِ الإمامِ تقيِّ الدّينِ بنِ دقيقِ العيدِ (1).
قولُهُ في "النظم": (وَقَسَّمُوْهُ)(2)، أي: أهلُ الحديثِ؛ لأنّ ابنَ طاهرٍ (3)، وابنَ الصّلاحِ (4) صَرّحَا بهِ وَغيرهُمَا قَبِلَه عنهما.
قولُهُ: (وَقِسْمُ القُرْبِ)(5)، أي: الأولُ: قسمُ القربِ منَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم.
والثاني: قسمُ القرب منْ إمامٍ منْ أئمةِ الحديثِ، سواءٌ كانَ منْ أصحابِ الكتبِ الستةِ أو لا.
وظاهرُ نظمِهِ وَشرحِهِ أنّهُ منَ العلوِّ المطلقِ.
والثالثُ منَ الأقسامِ: علوٌّ نسبيٌّ، إنما حصلَ بسببِ نسبتهِ إلى روايتِهِ لَهُ منَ الكتبِ الستةِ، وقت أنْ ينزلَ ذلكَ المتنُ - لو أُخِذ منْ طريقهَا - عنْ تلكَ الطريقِ التي رواهُ بها عنْ غيرِ واحدٍ منَ الستّةِ، فهذا القسمُ علوّ على أحدِ أصحابِ الكتبِ السّتةِ منْ طرقِ كتبهم، والذي قبلهُ علوّ إلى الإمامِ الذي في الطريقِ نفسِهِ، لا بالنسبةِ إلى كتابٍ.
قولُهُ: (سُنَّةٌ عمَّنْ سلفَ)(6)، أي: كالصّحابةِ منهم: جابرٌ (7)
(1) الاقتراح: 253 و266.
(2)
التبصرة والتذكرة (738).
(3)
العلو والنزول لابن طاهر: 57.
(4)
معرفة أنواع علم الحديث: 364 - 368، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 65.
(5)
التبصرة والتذكرة (739).
(6)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 59، وهذا من قول الإمام أحمد.
انظر: الجامع لأخلاق الراوي (177).
(7)
إشارة لحديث جابر بن عبد الله الذي قال فيه: ((بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتريتُ بعيراً، ثم شددت عليه رحلي فسرتُ إليه شهراً حتى قدمت عليه الشام، فإذا عبد الله بن أُنيس
…
)) فذكر الحديث. =
وغيرُهُ (1) ممن رَحلَ منهم في الحديثِ رضي الله عنهم.
وهذا حجةٌ لمنْ يحتجُّ بفعلِ الصحابيِّ.
ولو قيلَ: إنَّهُ إجماعٌ لسكوتِ الباقينَ فيصلحُ حجةً للجميعِ، لمْ يكنْ بعيداً.
تتمةُ كلامِ ابنِ الصّلاحِ: ((وقَدْ رُوِّيْنا أنَّ يحْيَى بنَ معينٍ قيلَ لهُ - في مرَضِهِ الذي ماتَ فيهِ -: ما تَشْتَهِي؟ قالَ: بَيتٌ خالٍ وإسْنادٌ عالٍ)) (2).
قالَ ابنُ الصّلاحِ: ((العُلُوُّ يُبْعِدُ الإسْنادَ مِنَ الخللِ، لأنَّ كُلَّ رَجُلٍ مِنْ رِجالِهِ يحتملُ أنْ يَقَعَ الخللُ مِنْ جِهَتِهِ سَهْواً أوْ عَمْداً، ففي قِلَّتِهِمْ قِلَّةُ جِهاتِ الخللِ وفي كَثْرتِهمْ كَثْرَةُ جِهات الخللِ، وهذا جَلِيٌّ واضِحٌ)) (3).
قولُهُ: (قُرْبٌ أو قُرْبَةٌ)(4) إن كانتْ هذه عبارةُ ابنِ أسلمَ (5) فهي مانعةُ خُلوٍّ، بمعنى: أنّهُ لا يخلو الواقعُ عنهما، وقدْ يجتمعانِ إذا صلُحتِ النّيةُ، وإنْ كانتْ عبارةُ
= أخرجه: أحمد 3/ 495، والبخاري في " الأدب المفرد "(970)، وابن أبي عاصم في " الآحاد والمثاني "(2034) وفي " السنة "، له (514)، والحاكم 2/ 437، والبيهقي في " الأسماء والصفات ": 78 و273، والخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي "(1698) وفي " الرحلة في طلب الحديث "، له (31) من طريق همام بن يحيى، عن القاسم بن عبد الواحد المكي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله، به.
(1)
انظر: الرحلة في طلب الحديث: 118 وما بعدها.
(2)
معرفة أنواع علم الحديث: 363.
(3)
معرفة أنواع علم الحديث: 364.
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 59، وهي من كلام محمد بن أسلم الطوسي. انظر: الجامع لأخلاق الراوي (115).
(5)
وهو الإمام الحافظ الرباني محمد بن أسلم بن سالم بن يزيد، أبو الحسن الكندي، مولاهم الخراساني الطوسي، صنف المسند والأربعين وغير ذلك، توفي سنة (242 هـ).
انظر: الثقات لابن حبان 9/ 79، وسير أعلام النبلاء 12/ 195.
الرّاوي عنهُ لشكٍّ حصلَ لَهُ في عبارتِهِ فيمكنُ أنْ يكونَ أرادَ بالقربِ قلّةَ الوسائطِ.
وبالقربةِ: المحصلِ للثوابِ وأنْ يكونَ معناهُ في كلا اللفظينِ التقرّبَ الذي يُوصِلُ إلى الثوابِ، وهوَ في لفظِ القربةِ / 254 أ / أظهرُ، ويمكنُ أنْ يكونَ المرادُ بكلٍّ: قلّةَ الوسائطِ بينَهُ وبينَ اللهِ تعالى؛ لأنّ مَا أُخِذَ عنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فهو مأخوذٌ عن جبريلَ عليه السلام، عن اللهِ ربِّ العالمينَ.
ولفظُ القربِ بهِ أجدرُ، وكلامُ ابنِ الصلاحِ ظاهرٌ في هذا الثاني فإنّهُ قالَ:((وهذا كَما قالَ؛ لأنَّ قُرْبَ الإسْنادِ قُرْبٌ إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، والقُرْبُ إليه قُربٌ إلى اللهِ عز وجل)) (1).
وقالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: ((قدْ عظُمتْ رغبةُ المتأخرينَ في طلبِ العلوِّ، حتى كانَ ذلكَ سَبباً لخللٍ كثيرٍ في الصنعةِ، وقالوا: العُلوُّ قرب مِنَ اللهِ تعالى، وهذا كلامٌ يحتاجُ إلى تحقيقٍ وبحثٍ - كأنَّه يُشيرُ إلى أنَّا إن حملناهُ على قلةِ عددِ الرجالِ فكذلكَ، فدارَ الأمرُ على الصحةِ فلا يَنْبغي البحثُ عَنْ غيرِها (2) - وقالَ بعضُ الزُّهادِ: طلبُ العُلوِّ منْ زينةِ الدُنيا (3). وهذا كلامٌ واقعٌ، وهو الغالبُ عَلَى الطَّالبين لذلكَ، ولا أعلمُ وجهاً جيِّداً لترجيحِ العلوِّ، إلا أنَّهُ أقربُ إلى الصحةِ وقلةِ الخَطأ، فإنَّ الطالبينَ يتفاوتونَ في الإتقان، والغالبُ عَدَم الإتقان في أبناءِ الزمانِ، فإذا كثُرت الوسائطُ ووقَعَ مِن كُلِّ واسطةٍ تساهلٌ ما، كثُر الخطأُ والزَللُ)) (4).
قولُهُ: (في مَجيءِ الأعْرَابيِّ)(5) هو ضِمامُ بنُ ثعلبةَ (6) روى حديثَهُ
(1) معرفة أنواع علم الحديث: 364.
(2)
ما بين الشارحتين جملة اعتراضية من البقاعي.
(3)
انظر: الجامع لأخلاق الراوي: 38 - 39، وفتح المغيث 3/ 7.
(4)
الاقتراح: 266 - 267.
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 59.
(6)
انظر: الاستيعاب: 355 - 356 (1253).
الشّيخانِ (1) وغيرُهُمَا (2) عنْ أنسٍ رضي الله عنه وهذا لفظُ مسلمٍ قالَ: ((كنا نُهِينَا في القُرآنِ أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْل البَادِيَةِ، العَاقِلُ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمعُ. فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَقَالَ: ياَ مُحَمَّدُ، أتانَا رَسُولُكَ، فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ [تَزْعُمُ] (3) أَنَّ الله أَرْسلَكَ؟ قَالَ: صَدَقَ
…
)) الحديث.
قوله: (لأنكرَ عليهِ)(4) إنْ قيلَ عدمُ إنكارِهِ إنّمَا يفيدُ جوازَهُ، قيلَ: لما كانت الرحلةُ لهذا - المصاحبةُ لإجهادِ النّفسِ وإنفاقِ المالِ وإنضاءِ الظهرِ بعدَ إخبارِ رسولِهِ العدلِ - تشبهُ أنْ تكونَ تعنّتاً، وأقرّهُ عليها صلى الله عليه وسلم ولمْ ينهَ عنها، معَ تضمُنِهَا لفتحِ مَا ربما جرَّ إلى مفسدةِ التعنّتِ، عُلِمَ أنْ الإقرارَ لمصلحةٍ راجحةٍ وهي علوُّ الإسنادِ والانتقالُ منَ الظنِّ إلى القطعِ، وهكذا كلّ سندٍ، فإنَّ الراويَ / 254 ب / إذا سَمِعَ الحديثَ عنْ موجودٍ أفادَهُ سماعُهُ الظنَّ بأنَّ ذلكَ الموجودَ قالَهُ، فإذا رَحَلَ إليهِ وسمعَهُ منهُ قطعَ بأنّهُ قالَهُ، فإنْ قيلَ: إنّمَا جاءَ ليتشرفَ برؤيةِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قيلَ: لا يمنعُ أنْ يكونَ ذلكَ منْ مقاصدِهِ لكنَّ ابتداءهُ قدومهِ بالسؤالِ وهوَ واقفٌ، ورجوعه عقبَ فراغهِ منْ غيرِ مُكثٍ لحظةً واحدةً بعدَهُ يدلُّ على أنَّ المقصودَ الأعظمَ إنّما هو علوّ الإسنادِ.
(1) الحديث في: صحيح البخاري 1/ 24 (63)، وصحيح مسلم 1/ 32 (10) و (11) و (12).
(2)
إذ أخرجه: أحمد 3/ 143 و168 و193، وعبد بن حميد (1285)، والدارمي (656)، وأبو داود (486)، وابن ماجه (1402)، والترمذي (619)، والنسائي 4/ 121 و122 وفي " الكبرى "، له (2401) و (5863)، وابن خزيمة (2358)، وابن حبان (154) من طريقين عن أنس بن مالك، به.
(3)
ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " صحيح مسلم ".
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 59، وهو من كلام الحاكم في " معرفة علوم الحديث ":6.
واستدلّ الحاكمُ بقولِهِ تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} (1).
ووجهُ الدلالةِ أنّهُ حثّهُمْ على السّماعِ منه صلى الله عليه وسلم، معَ أنّهم غيرُ محتاجينَ إلى السّفرِ لذلكَ؛ لأنّ المقصودَ علمُهم بذلكَ، والنّبيّ صلى الله عليه وسلم مأمورٌ بالتبليغِ لكلّ أحدٍ قربَ أو بَعُدَ، فلو أقاموا لأتتْهُم رسلُه، لكنَّ الظاهرَ أنَّ أمرَهُم بذلكَ إنّما هو للتخفيفِ عَلَى النّبيِّ صلى الله عليه وسلم بكونِ أصحابِهِ رضي الله عنهم عندَهُ يعينونَهُ عَلَى غيرِ ذلكَ منْ مهماتِ الدّينِ وَليقوَى إيمانُ منْ رآهُ صلى الله عليه وسلم وشاهدَ تلكَ الأحوالَ وكحّلَ عينيِهِ برؤيةِ ذلكَ الجمالِ، وتشنّفَ سمعُهُ بِدُرِّ ذلكَ المقالِ، فسمِعَ بأُذنِهِ منهُ صلى الله عليه وسلم القرآنَ، وشاهدَهُ بعينهِ في حركاتِهِ وسكناتِهِ في السّرِ والإعلانِ ففاضتْ عليهِ تلكَ الأسرارُ، وغمرتهُ هاتيكَ الأنوارُ، فلعلهُ يكونُ مانعاً لكثيرٍ منْ قومِهِ منَ الردّةِ أوْ غيرِهَا، ممَا لعله يَهمّ بمواقعتِهِ منَ العظائمِ.
قوله: (مَنْ يَزعُمُ أَنَّ الخبرَ أقوى مِنَ القياسِ)(2)، أي: منْ يزعمُ أنّهُ لا يسوغُ القياس معَ إمكانِ الوصولِ إلى الخبرِ، فيمعن في الفحصِ عنهُ إلى أنْ يصلَ إلى اليأسِ منْ وجودِهِ، ليكونَ المعنى حينئذٍ أنّهُ يجبُ عليهِ أنْ يجتهدَ في تحصيلِ متنِ الحديثِ وفي معرفةِ تأويلهِ؛ لأنّهُ لا يسوغُ لَهُ استعمالُ الضعيفِ بحضرةِ القويِّ، ومَا دامَ مترجياً لَهُ فهو يعدهُ حاضراً، لكنَّ هذا التعليلَ لا يخصُّ النّزولَ، بلْ تارةً يترجاهُ بعلوٍّ، وتارةً بنزولٍ وهوَ معَ القناعةِ بالنّزولِ أقربُ إلى ضعفِ الخبرِ؛ لأنَّ مظانَّ الخللِ فيهِ أكثرُ فلمْ يُفدْ هذا التعليلُ شيئاً. هذا مَا قالَهُ / 255 أ / شيخُنَا أو نحوه.
(1) التوبة: 122.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 60، وهذا من كلام الرامهرمزي في " المحدّث الفاصل ": 216 (106).
وأحسنُ منه فيما يظهرُ لي أنْ تكونَ العبارةُ على ظاهرِهَا، ويعللَ بأنّ العلوَّ قلَّ أنْ يوجدَ معَ غايةِ الإتقانِ؛ لأنّهُ يتوقفُ عَلى حداثةِ الآخذِ وعلوّ سنِّ المأخوذِ عنهُ، وقلّ أنْ يوجدَ في واحدٍ منَ السِّنَّينِ تمامُ الضبطِ، ويؤيدُ هذا ما رَوَى ابنُ خلاّدٍ بعدَ هذا في مَن لا يرى الرحلةَ، عنْ عمرَ (1) بنِ يزيدَ السّيّاريِّ أنّهُ قالَ:((دخلتُ عَلى حماد بنِ زيدٍ وهوَ شاكٍ فقلتُ: حدَّثني بحديثِ غيلانَ بنِ جريرٍ (2)، فقالَ: يا فتى، سألتُ غيلانَ بنَ جريرٍ وهو شيخٌ، ولكن حَدَّثَني أيوبُ، قلتُ: حدّثني بهِ عنْ أيوبَ، فَحَدَّثَني)) (3).
فهذا وجهُ تفضيلِ النّزولِ في الجملةِ.
وأمّا أنّهُ يخصُّ منْ يجعلُ الخبرَ أقوى منَ القياسِ وهم الجمهورُ، فلا يظهرُ وجهُهُ، ولا حُسن العبارةِ عندَ إرادتِهِ، وقد راجعتُ نسختينِ منَ "المحدّثِ الفاصلِ"، إحديهما بخطِّ الحافظِ أبي طاهرٍ أحمدَ بنِ محمدٍ السِّلفيِّ، فوجدتُ العبارةَ كمَا نُقِلَ عنه، والذي أكادُ أقطع بهِ معَ ذلكَ أنها مقلوبةٌ وأنّ أصلَهَا ((هذا مذهبُ منْ يزعمُ أنَّ القياسَ أقوى منَ الخبرِ)) فإنَّ مَا يعبرُ فيهِ بـ ((الزعمِ)) يكونُ مرذولاً، وقائلُهُ قليلاً، والذينَ يقدّمونَ القياسَ ويجوّزونَ فسخَهُ بهِ قليلٌ جداً، وأمّا
(1) في (ف): ((عمرو))، والصواب ما أثبته؛ إذ هو عمر بن يزيد السياري، أبو حفص الصفار البصري نزيل الثَّغر قال ابن حبان: مستقيم الحديث، وقال الدارقطني: لا بأس به.
انظر: الثقات لابن حبان 8/ 446، وتهذيب الكمال 5/ 391 (4910)، وتهذيب التهذيب 7/ 506.
(2)
حديث غيلان بن جرير أخرجه: أحمد 2/ 296 و306 و488، ومسلم 6/ 20 (1848)(53) و (54)، وابن ماجه (3948)، والبيهقي 8/ 156 من طرق عن غيلان بن جرير، عن أبي قيس بن رياح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من خرج من الطاعة وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة الجاهلية
…
)).
(3)
المحدّث الفاصل: 236 - 237 (138).
الأولُ فالقائلُ بهِ جمهورُ النّاسِ وهوَ الصحيحُ الذي لا يعدلُ عنهُ، فلا يصلحُ التعبير في جانبِهِ بـ ((زعمَ)) عَلَى مَا تعورفَ، ويكونُ مرادُ ابنُ خلاّدٍ التشنيع عليهِ بأنَّ مرادَهُ إسقاطُ خبرِ الواحدِ، فإنّه إذا فضّلَ النّزولَ أبطلَ الرحلةَ، ومتى بطلتِ الرحلةُ، قلَّتِ الرغبةُ في الخبرِ وسقطَ كثيرٌ منهُ وضعفَ أمرهُ فآلَ ذلكَ إلى عدمهِ، وعدمِ التعويلِ عليهِ.
ويدلُّ على هذا أنهُ قالَ عقبهُ: ((وفي الاقتصارِ على التنزيلِ [في الإسنادِ] (1) إبطالُ الرحلةِ))، قالَ:((وقالَ بعضُ متأخري الفقهاءِ يذمُّ أهلَ الرحلةِ)) فذكرَ ما حاصلُهُ: إنَّهم بغوا على غيرهِم فبدَّعوهُم، ونسبوهُم إلى الرأيِ، وجعلوا الرأيَ في الدورانِ فضيعوا ما وجبَ عليهم من حق مَن يلزمهم حقُّهُ، وحرموا أنفسهُم الراحةَ فحُرِموا لذةَ الدنيا واستوجَبُوا العقابَ / 255 ب / في الآخرَة (2) لخبرٍ لا يفيدُ طائلاً، وأثرٍ لا يورثُ نفعاً، وذكرَ أنّ بعضَ المحدثينَ عارضَهُ بأنَّه من قومٍ صعبَ عليهم اختيارُ الأحاديثِ ونقدُ الرجالِ، فاستلذوا الراحةَ، وعادَوْا ما جهلوا، واقتصروا على المباهاةِ بالملابسِ، ولزومِ أبوابِ الرؤساءِ والخدمةِ للأغتام (3)، وصيدِ الأموالِ، واقتصُروا على الأخذِ من الصحفِ وإن كانتْ مضادةً للسننِ، ولو عرفَ لذةَ الراحلِ وما يحصلُ لهُ منَ النَّشاطِ عندَ جوبِ الأقطارِ، والاطلاعِ على الأمصارِ، وخلطةِ المخالفينَ في اللسانِ والأخلاقِ والألوانِ في ذاتِ اللهِ، وكنهَ ما يصلُ إليهِ عندَ ظفرهِ ببغيتهِ من ضبطِ الشريعةِ وجمعها، واستنباطِها من معادنِها التي أوجبتْ لهذا الطاعنِ التصدُّرَ إلى السواري وعقدَ المجالسِ للفتيا، لعلمَ أنَّهُ أعظمُ لذاتِ الدنيا، ثمَّ وصفهم بأنَّ الله حفظَ بهم القرآنَ الذي ضمنَ حفظَهُ فقالَ: ((ووكلَ بالآثارِ المفسِّرةِ للقرآنِ
(1) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " المحدّث الفاصل ".
(2)
في (ف): ((الأخرى))، والمثبت من " المحدّث الفاصل ".
(3)
من الغتمة: العجمة، والأغْتَمُ: الذي لا يفصح شيئاً. الصحاح مادة (غتم).
والسننِ القويةِ الأركانِ: عِصابةً منتخبةً، وفقهم لطِلَابِها وكِتابِها، وقوَّاهم على رعايتِها وحراستِها، وحببَ إليهمْ قراءتَها ودراستَها، وهوّنَ عليهم الدأبَ والكلالَ، والحلَ والترحالَ، وبذلَ النفوسِ والأموالِ، وركوب المخوفِ منَ الأهوالِ، فهم يرحلونَ من بلادٍ إلى بلادٍ، خائضينَ منَ العلمِ في كلِّ وادٍ، شُعثَ الرؤوسِ، خلقانَ الثيابِ، خُمْصَ البُطونِ، ذُبْلَ الشفاهِ، شحبَ الألوانِ، نُحُلَ الأبدانِ، قد جعلوا الهمَّ همَّاً واحداً، ورضوا بالعلمِ دليلاً ورائداً، لا يقطعهم عنهُ جوعٌ ولا ظمأٌ، ولا يُمِلُّهمْ منهُ صيفٌ ولا شتاءٌ، مائزينَ الأثرَ: صحيحَهُ من سقيمِهِ، وقويَّهِ من ضعيفِهِ، بألبابٍ حازمةٍ، وآراءٍ ثاقبةٍ، وقلوبٍ للحقِّ واعيةٍ، فأمنت تمويهَ المموهينَ، واختراعَ الملحدينَ، وافتراءَ الكاذبينَ، فلو رأيتهم في ليلهم وقد انتصبوا لنسخِ ما سمعُوا، وتصحيحِ ما جمعوا، هاجرين لِلفَرشِ الوطيّ، والمضجعِ الشهيِّ، قد غشيهُم النُّعاسُ فأنامهم، وأسقطَ من أكفهم أقلامَهم، فانتبهوا مذعورينَ، قد أوجع الكدُّ أصلابهم، وتيِّه الكلالُ ألبابهم، فتمطوا ليريحوا الأبدانَ، وتحولوا ليفقدوا النومَ من مكانٍ إلى مكانٍ، ودلَّكوا بأيديهم عيونهم، ثمَّ عادوا إلى الكتابةِ حرصَاً عليها / 256 أ /، وميلاً بقلوبِهم إليها، لعلمتَ أنَّهم حرسُ الإسلامِ، وخُزّانِ الملكِ العلامِ، فإذا قضوا من بعضِ ما راموا أوطارهم، انصرفوا قاصدينَ ديارهم، فَلزموا المساجِدَ، وعمَّرُوا المشاهدَ، لابسين ثوبَ الخضوعِ، مسالمينَ ومسلمينَ، يمشونَ على الأرضِ هوناً، لا يؤذونَ جَاراً، ولا يقارفونَ عَاراً حتى إذا زاغَ زائغٌ، أو مرقَ في الدينِ مارقٌ، خرجوا خروجَ الأُسْدِ من الآجامِ، يناضلونَ عن معالمِ الإسلامِ. في كلامٍ غيرِ هذا يطولُ (1).
وقالَ بعضُ الشعراءِ (2) المحدّثِين:
(1) المحدث الفاصل: 217 - 221 باختصار وتصرف.
(2)
الأبيات للسّري الرّفاء ت (366 هـ) وهي على بحر الكامل.
ولقد غدوتُ على المحدّثِ آنفاً
…
فإذا بحضْرَتهِ ظباءٌ رُتعُ
يتجاذبون الحِبْرَ من ملمومَةٍ
…
بيضاءَ تحمِلُها عَلائِقُ أربعُ
من خالصِ البلّورِ غُيِّرَ لونُها
…
فكأنها سبَحٌ يَلوحُ فيَلْمَعُ
فمتى أمالوهَا لِرَشْفِ رُضابها
…
أدَّاهُ فُوهَا وهي لا تتمنَّعُ
فكأنَّها قَلبي يُظنُ بسرِّه
…
أبداً ويُكْتَمُ كل ما يُسْتودعُ
يَمْتَاحُها ماضِي الشَّباةِ مُدلقٌ
…
يجري بميدَانِ الطُروس فيُسرعُ
فكأنّه والحبْرُ يْخضِبُ رأسَهُ
…
شيخٌ لوصَل خريدةٍ يتصَنَّعُ
ألا ألاحظه بعَيْنِ جلالةٍ
…
وبه إلى اللهِ الصحائف تُرفعُ (1)
ورُويَ عن رجلٍ يقالُ له: الحطيم، قالَ في سفيانَ بن عيينةَ وكانَ مع هارونَ:
سيري نجاءً وقاكِ اللهُ من عطبٍ
…
حتى تُلاقي بعدَ البيتِ سُفيانا
شيخُ الأنامِ ومَنْ جلتْ مناقبُهُ
…
لاقى الرجالَ وحازَ العلمَ أزمانا
حَوَى البيانَ وفهماً عالياً عجباً
…
إذا يَنُصُّ حديثاً نصَّ برهانَا
قد زانهُ الله أنْ دانَ الرجالَ لهُ
…
فقد يراهُ رواةُ العلمِ رَيحانَا
ترى الكهُولَ جميعاً عندَ مشهدهِ
…
مستنصتينَ وشيخاناً وشُبَّانا
يضُمُّ عَمْراً إلى الزهريِّ يسندُه
…
وبعدَ عمرٍو إلى الزهريِّ صفوانا
وعبدة وعبيدَ اللهِ ضمهما
…
وابنَ السبيعيَّ أيضاً وابنَ جُدْعَانا
فعنهُمُ عن رسول الله يوسِعُنا
…
علماً وحكماً وتأويلاً وتبيانا (2)
(1) المحدّث الفاصل: 221 - 222 (110)، وانظر: أدب الكتاب: 124، وزهرة الآداب وثمر الألباب:1055.
(2)
المحدّث الفاصل: 224 - 226 (117).
وُرويَ عن الأصمعيِّ أنُّه قالَ يرثي سفيانَ بنَ عيينةَ:
ليبكِ (1) سفيانَ باغي سُنة درستْ
…
ومُستبينُ أثاراتٍ وآثارِ
أمست منازلُهُ وُحْشاً معطلة
…
من قاطنينَ وحُجاجٍ وعُمّارِ
فالشِّعبُ شِعبُ عليٍّ بعدَ بهجتهِ
…
قد ظلَّ منهُ خلاءٌ موحش الدارِ
مَنْ للحديث عن الزهريِّ يُسندُهُ
…
وللأحاديثِ عن عمرِو بن دينارِ
ما قامَ مِنْ بعدهِ من قالَ حدثنا الـ
…
ـزهري في أهلِ بدوٍ أو بإحضارِ
وقد أراهُ قريباً من ثلاثِ منىً
…
قد حُفَّ مجلسه من كُلِّ أقطارِ
بنو المحابرِ والأقلام مُرْهَفَة/256ب/
…
وسا سماتٍ فَرَاهَا كُلُّ نجَّارِ (2)
وأنشد لرجلٍ وَفدَ على يزيدَ بنِ هاورنَ منْ حرّانَ:
أقبلتُ أهوي على حيزوم طافيةٍ
…
في لجةِ اليمِّ لا ألوي على سكنِ
حتى أتيتُ إمامَ النَّاسِ كلِّهم
…
في الدينِ والعلمِ والآثارِ والسننِ
أبغي بهِ اللهَ لا الدنيا وزهرتَها
…
ومن تغنَّى بدينِ الله لم يَهُنِ
يا لذةَ العيشِ لما (3) قلتُ حدَّثنا
…
عوفٌ وبشرٌ عن الشعبيِّ والحسنِ (4)
وأنشدَ في ذمِّ تركِ الروايةِ:
ومن بطونِ كراريس روايتهم
…
لو ناظروا باقلاً يوماً لما غُلبوا
والعلمُ إنْ فاتَهُ إسنادُ مسندهِ
…
كالبيتِ ليسَ لهُ سقفٌ ولا طُنُبُ (5)
(1) الذي في " المحدّث الفاصل ": ((لبيك))، ولا يستقيم بها سياق الكلام، ولعله تصحيف.
(2)
المحدّث الفاصل: 226 - 227 (118).
(3)
في (ف): ((أما))، والمثبت من " المحدّث الفاصل ".
(4)
المحدّث الفاصل: 227 - 228 (119).
(5)
المحدّث الفاصل: 212.
وقالَ بعضُ أصحابنا وأنشدنَاه:
توقفْ ولا تُقدِمْ على العلمِ حادِسَاً
…
فحدسُ الفتى في العلمِ يُبدي المعايبا
فليسَ طلابُ العلمِ بالحدسِ مدركَاً
…
ولو كانَ فهمُ المرءِ كالنجمِ ثاقبَاً
ولكنْ بترحالٍ ورحْلٍ منَ الفتى
…
وانضائِهِ في الحالتينِ الركائبَا
وقضقضةُ الأوجالِ منه ضلوعَهُ
…
وخلخلةِ الأهوالِ منهُ الترائبَا
وإصباحِهِ في المشرقين مشارقاً
…
لِشمسيهما والمغربين مغاربَا (1)
وقالَ سعيدُ بنُ وهب في الإمامِ مالكِ بن أنسٍ:
يَأبى الجوابَ فما يراجعُ هيبةً
…
والسائلونَ نواكسُ الأذقانِ
هديُ التقيِّ وعزُّ سلطانِ الهدى
…
فهوَ العزيزُ وليسَ ذا سلطانِ (2)
انتهى قولُ ابنِ خلادٍ.
وقلتُ أنا:
هذا بتعظيمِ الملوكِ العلمَ لا
…
مثلَ الملوكِ بهذهِ الأزمانِ
قولُهُ: (وهذا مَذْهَبٌ ضَعِيفُ الحجَّةِ)(3)، أي: مذهبُ مَن فَضَّلَ النزولَ.
وعبارُة ابنِ الصّلاح: ((فَكُلَّما زادُوا - أي: الرواةُ (4) - كانَ الاجتهِادُ أكثَرَ، وكانَ الأجْرُ أكثرَ، وهذا مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ، ضعيفُ الحجَّةِ)) (5).
(1) المحدّث الفاصل: 212 - 213.
(2)
المحدّث الفاصل: 247 (155)، وقد تقدم ذكر هذين البيتين.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 60، وهذه عبارة ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ":369.
(4)
ما بين الشارحتين عبارة توضيحية من البقاعي.
(5)
معرفة أنواع علم الحديث: 369.
قولُهُ: (الجماعة التي هي المقصودُ)(1) هذا تشبيهُ شيئينِ بشيئينِ، وهما طريقُ الحديثِ بطريقِ المسجدِ، وصحةُ الحديثِ الذي هو المعنى المقصود منَ الطريقِ بالجماعةِ التي هي جُلُّ المعنى المقصودِ من المسجدِ.
فهذا السالكُ للطريقِ البعيدةِ أقربُ إلى فواتِ الجماعةِ من سالكِ القريبةِ، كما أنَّ الراوي بالسندِ النازلِ أقربُ إلى الوقوعِ في الضعفِ، وفَوات الحديثِ بفواتِ صحتهِ من الراوي بالسندِ العالي؛ لأنَّ كثرةَ الوسائطِ مظنَّةٌ لحصولِ نوعٍ من (2) الضعفِ والعللِ / 257 أ /.
قولُهُ: (عَلَى ما سيأتي)(3)، أي: عن السِّلَفيِّ في أبياتهِ الداليةِ (4) وعن غيرهِ.
قولُهُ: (غير ضعيفٍ)(5) صفةٌ كاشفةٌ لمعنى ((نَظيفٍ)) لا مقيِّدة.
قولُهُ: (ويَغْنَمُ)(6) هو بالغينِ المعجمةِ كالفعلِ المضارعِ من الغنيمةِ (7).
قولُهُ: (فلا التفاتَ إلى هذا العلوِّ لا سِيَّمَا إنْ كانَ فيهِ بعضُ الكذَّابينَ المتأخِّرِينَ مِمَّن ادَّعَى سماعاً من الصحابةِ)(8) السِيّ: بكسرِ السينِ وتشديدِ التحتانيةِ، المثلُ، و ((مَا)) يمكنُ أنْ تكونَ زائدةً، وأنْ تكونَ موصولةً، وأن تكونَ
(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 60.
(2)
في (ف): ((من نوع)) والصواب ما أثبته.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 60.
(4)
ذكر العراقي هذه الأبيات في " شرح التبصرة والتذكرة " 2/ 71.
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 61، وهو من كلام ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ":364.
(6)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 61.
(7)
انظر تعليقنا على " شرح التبصرة والتذكرة " 2/ 61 هامش (1).
(8)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 61.
موصوفةَ المذكورِ بعدَ ((لا سيما)) مخرجٌ مما قبلَها من حيثُ كونُه أولى بحكمهِ فهوَ مستثنى من هذه الحيثيةِ، ويجوزُ جرُّ ما بعدها بإضافةِ ((سيّ)) إليهِ، و ((ما)) زائدةٌ أو نكرةٌ غيرُ موصوفةٍ، والاسمُ بعدَها بدلٌ منها، ويجوزُ رفعُه بقلَّةٍ وهو خبرُ مبتدأ محذوف، و ((ما)) بمعنى الذي، ويُنصبُ الاسمُ بعدَهَا سماعَاً.
ورُويَ بالأوجهِ الثلاثةِ قولُ امرئ القيسِ:
…
...
…
...
…
...
…
ولا سِيما يوماً بدَارةِ جُلْجُلِ (1)
وتكلّفوا له وجوهاً: منها تقديرُ فعلٍ نحو: أعني.
وتصرَّفوا في هذه اللفظةِ تصرفاتٍ كثيرةً، لكثرةِ دَوْرِها، فربما حُذفت لامُها، وربما دخلتْ عليه مُخففة، أو مُثقلة مع حذفِ ((لا)) ووجودِها [مع](2) واوٍ كهذا البيت، وهي اعتراضيةٌ؛ لأنَّها معَ ما بعدها بتقديرِ جملةٍ مستقلةٍ نحو: فأنتِ طالقٌ، والطلاقُ البتةُ ثلاثاً.
فمعنى جاءني القومُ لا سيما زيدٌ: لا مثلهُ موجودٌ بين القومِ الجائينَ، أي: أنَّه كانَ أخصَّ بي وأشدَّ إخلاصاً في المجيءِ، وخبرُ ((لا)) - وهي للتبرئةِ - محذوفٌ، وقد يحذفُ بعدها ك: أنا أحبُّ زيداً لا سيما راكباً، أو إن رَكبَ، فيصيرُ من باب الاختصاصِ، أي: أخصُّهُ بالمحبةِ خصوصاً حالَ كونهِ راكباً.
وجوابُ الشّرطِ - إنْ كانَ ما بعدها شرطاً - مدلولٌ خصوصاً.
فتقديرُ ((ما)) هنا على الجر لا مثل كونِ بعض المتأخرينَ، وعلى الرفعِ لا مثل الذي هو كونُ بعضِهِم فيهِ، وعلى تقديرِ الواوِ لا مثل الذي هو معرضٌ عنهُ أو
غيرُ ملتفتٍ إليه إن كانَ إلى آخرهِ وعلى الاختصاصِ.
(1) هذا عجز بيت لأمرئ القيس. وصدره:
ألا رُبَّ يومٍ لي مِنَ البيضِ صالحٍ
انظر: جمهرة أشعار العرب: 148، والصاحبي في فقه اللغة لابن فارس:217.
(2)
ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، والسياق يقتضيه.
وأعرضَ عنهُ خصوصاً إنْ كانَ فيهِ كذا فخصَّهُ بمزيدِ إعراضٍ (1).
قولُهُ: (بعَوالي أَبي هُدْبَةَ)(2) هي كنيةُ إبراهيمَ بن هدبةَ (3) الماضي.
قولُهُ: (ثمانيةُ)(4) فإذا روينا نحنُ من طريقهِ يكونُ أقلُّ / 257 ب / ما بيننا وبينَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أحدَ عشرَ، فإنّا أخذنا عن أصحابِ أصحابهِ.
قولُهُ: (إمام مِنْ أئِمَّةِ الحديثِ)(5) تتمةُ كلامِ ابنِ الصّلاح: ((وإنْ كَثُرَ العددُ مِنْ ذَلِكَ الإمام إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا وُجِدَ ذَلِكَ في إسْنادٍ وُصِفَ بالعُلُوِّ، نُظِرَ إلى قُرْبهِ مِنْ ذَلِكَ الإمامِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ عالياً بالنسْبَةِ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وكلامُ الحاكِمِ يُوهِمُ أنّ القُرْبَ مِنْ رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يُعَدُّ مِنَ العُلُوِّ المطلوبِ أصْلاً وهذا غَلَطٌ مِنْ قائِلِهِ؛ لأنَّ القُرْبَ منهُ صلى الله عليه وسلم بإسْنادٍ نَظِيْفٍ غيرِ ضَعِيْفٍ أوْلَى بذلكَ، ولا يُنازِعُ في هذا مَنْ لهُ مُسْكَةٌ (6) مِنْ مَعرفةٍ، وكأنَّ الحاكِمَ أرادَ بكلامِهِ [ذَلِكَ](7) إثباتَ العُلُوِّ للإسْنادِ بِقُرْبِهِ مِنْ إمامٍ، وإنْ لَمْ يكُنْ قَريباً إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، والإنكارَ عَلَى مَنْ يُراعي في ذَلِكَ مُجَرَّدَ قُرْبِ الإسنادِ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وإنْ كانَ إسناداً
(1) انظر: مغني اللبيب 1/ 122، ومنحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل 1/ 166.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 61، وهذا من كلام الذهبي.
(3)
وهو إبراهيم بن هدبة، أبو هدبة الفارسي ثم البصري، حدث ببغداد وغيرها بالأباطيل.
انظر: تاريخ بغداد 6/ 200، وميزان الاعتدال 1/ 71 (242).
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 61، وهو من كلام الذهبي.
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 62.
(6)
يقال: رجل ذو مُسْكَةٍ، ومُسْكٍ، أي: رأي وعقل يرجع إليه، وفلان لا مسكة له، أي: لا عقل له، ويقال: ما بفلان مسكة، أي: ما به قوة ولا عقل، ويقال: فيه مسكة من
خير، أي: بقية، وليس لأمره مسكة، أي: أثر أو أصل يعول عليه.
انظر: لسان العرب مادة (مسك)، والمعجم الوسيط مادة (مسك).
(7)
ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " معرفة أنواع علم الحديث ".
ضَعِيْفاً، ولهذا مَثَّلَ بحديثِ أبي هُدْبَةَ، ودِينارٍ (1)، [و](2) الأشَجِّ (3) وأشْبَاهِهِمْ، والله أعلم)) (4).
وقالَ الأَنْدَرشيُّ (5) في اختصارِ كتابِ ابنِ الصَّلاحِ (6) في مقدمةِ كتابه
" العُمدةِ " في اختصارهِ لتهذيبِ الكمالِ والأطرافِ للمزيِّ: ((وما أحسنَ قولَ من قالَ: طلبُ العلوِّ من زينةِ الدنيا)).
هذا معَ ما انضمَّ إلى هذا بسببِ ملاحظتهِ من خللٍ كثيرٍ في الصنعةِ، وللالتفاتِ إلى هذا قالَ بعضهم:
إنَّ الروايةَ بالنّزولِ عنِ الثقاتِ الأعدَلِينا
…
خيرٌ من العَالي عن الجُهَّالِ والمستضعفينَا
قولُهُ: (يشيرُ إلى ترجيحِ هذا القِسم عَلَى غيرِهِ)(7)، أي: غيره مما ساواهُ في العددِ، لا ما هو أنزلُ منهُ؛ لأنَّ ذلكَ تحصيلٌ للحاصلِ؛ إذ قد قُررَ في أصلِ المسألةِ رجحانُ العالي على النازلِ، ولا ما هو أعلى منهُ؛ لأنَّهُ خلافُ صريحِ القاعدةِ، فتعيَّنَ
(1) وهو دينار أبو مِكْيَس الحبشي. قال ابن حبان: يروي عن أنس أشياء موضوعة، وقال ابن عدي: ضعيف ذاهب، وقال الذهبي: ذاك التالف المتهم.
انظر: المجروحين 1/ 295، وميزان الاعتدال 2/ 30.
(2)
ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " معرفة أنواع علم الحديث ".
(3)
وهو عثمان بن خطاب، أبو عمرو البلوي المغربي، أبو الدنيا الأشج، طير طرأ على أهل بغداد، وحدَّث بقلةِ حياءٍ بعد الثلاثمئة عن علي بن أبي طالب فافتضح بذلك وكذبه النقاد.
انظر: ميزان الاعتدال 3/ 33.
(4)
معرفة أنواع علم الحديث: 364 - 365، وانظر: محاسن الاصطلاح: 215.
(5)
وهو أحمد بن سعد بن عبد الله العسكري الأندرشي النحوي، نسخ بخطه " تهذيب الكمال "، ثم اختصره، كان ديناً منقبضاً عن الناس، شارك في الفضائل، توفي سنة (750 هـ).
انظر: الدرر الكامنة 1/ 135 (379)، وشذرات الذهب 6/ 166.
(6)
انظر: كشف الظنون 2/ 1162.
(7)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 62.
حملهُ على المساوي الصحيحِ الذي ليسَ فيهِ إمامٌ من هؤلاءِ.
وقولُهُ: (وإنَّهُ المقصودُ من العلُوِّ)(1)، أي: لأنَّ الوصولَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم هو المقصودُ لذاتهِ، وأما العلوُّ إلى غيرهِ فليسَ مقصوداً لذاتِهِ، فهذا أرجحُ منهُ، ويكفي في تفضيلهِ أنَّه الذي إذا أطلقَ لم يفهم غيرُه، وإذا أُريدَ غيرهُ وجبَ عندَ أهلِ الفنِّ تقييدُهُ، فإنَّهُ إنَّما سُمي عُلواً بالنسبةِ إلى ذلكَ الإمامِ.
قولُهُ: (وأَعلى ما يَقعُ
…
) (2) إلخ أصلُ الكلام: أعلى الواقعِ / 258 أ / من الرواةِ - بين الرواةِ الموجودينَ في زماننا وبينَ شيوخِنا ومن [في](3) رتبتِهم - كائنٌ على تفصيلٍ، هو: أن بينَهم وبينَ الأعمشِ كذا، وبينَهم وبينَ غيرهِ كذا.
قولُهُ: (وهشيمٍ)(4) وقعَ في بعضِ النُّسخِ عدُّهُ في الجماعةِ الأولينَ الذين بين الشيوخِ وبينهم ثمانيةٌ، وهو غلطٌ، والنسخةُ المعتمدةُ أنَّهُ في الجماعةِ التي تليها ممن بينهم وبينهم سبعةٌ، فالتعبيرُ في الثاني بثمانيةٍ غلطٌ أيضاً في تلك النسخةِ (5).
قولُهُ: (علوَّ التَنزيلِ)(6)، أي: لسببٍ: أنَّا إذا نَسبْنا إسنادَنَا إلى إسنادِ ذلكَ الكتابِ نَزلنا - في رتبةِ كلِّ راوٍ من رواةِ هذا السندِ - راوياً من رواةِ ذلكَ السندِ حتى نعلمَ هل هو أعلى، أو مساوٍ، أو أنزلُ.
وعبارةُ ابنِ دقيقِ العيدِ عنهُ: ((علوُّ التنزيلِ، وهو الذي يُولعونَ بهِ، وذلك أن تنظرَ إلى عددِ الرجالِ بالنسبةِ إلى غايةٍ: إمَّا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أو إلى بعضِ رواةِ
(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 62.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 62.
(3)
ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، والسياق يقتضيه.
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 62.
(5)
انظر تعليقنا على " شرح التبصرة والتذكرة " 2/ 62 هامش (2).
(6)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 62، وهو من كلام ابن دقيق العيد في " الاقتراح ":269.
الحديثِ، ويُنظر العددُ بالنسبةِ إلى هؤلاءِ الأئمةِ وتلكَ الغايةِ، فَتُنزل بعض الرواةِ منَ الطريقِ التي تُوصلُنا إلى المصنفينَ منزلةَ بعضِ الرواةِ منَ الطريق التي ليستْ من جهتهم)) (1).
قولُهُ: (وقد يكونُ عالياً مطلقاً أَيضاً)(2)، أي: بأنْ يكونَ طريقُهُ إلى أحدِ الكتبِ الستةِ مثلاً كالطريقِ إلى غيرها، لا يوجدُ شيءٌ أعلى من ذلك، أو يكونَ علوُّهُ ليسَ بالنسبةِ إلى نزولِهِ منْ طريقِ أحدِ الستةِ فقطْ، بلْ وإلى غيرِ ذلكَ منَ الطرق، فلا توجدُ طريق أعلى من ذلك.
ففي هذا الاعتبارِ هو أعلى من غيرهِ، وفي الأولِ ليسَ غيرُهُ أعلى منهُ.
وعبارتُهُ في " النكتِ "(3): ((أطلقَ المصنفُ أنّ هذا النوعَ من العلوِّ تابعٌ لنزولٍ وليسَ ذلكَ على إطلاقهِ وإنَّما هو الغالبُ، وقد يكونُ غيرَ تابعٍ لنزولٍ بلْ يكونُ عالياً من حديثِ ذلكَ الإمامِ أيضاً.
مثالُ ذلكَ: حديثُ ابن مسعودٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: ((كانَ على موسى يومَ كَلَّمَهُ اللهُ كساء صوفٍ وجُبَّةُ صوفٍ
…
)) الحديثَ.
رَواهُ التِّرمذيُّ (4) عن علي بنِ حُجرٍ، عَن خَلَفِ بنِ خليفةَ، عَن حميدٍ الأعرَجِ، عَن عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ، عَن ابن مسعود رضي الله عنه. وقد وقعَ لنا عالياً
(1) الاقتراح: 269.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 62.
(3)
التقييد والإيضاح: 258 - 259.
(4)
في " الجامع الكبير "(1734)، وقال عقبه:((هذا حديثٌ غريبٌ لا نعرفه إلا من حديث حميد الأعرج)).
وأخرجه: أبو يعلى (4983)، وابن عدي في " الكامل " 3/ 74، والحاكم في "المستدرك" 1/ 28 و2/ 379 من طريق حميد الأعرج، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن مسعود، به مرفوعاً.
وهو حديث ضعيف جداً؛ لشدة ضعف حميد الأعرج، وهو ابن علي الكوفي.
قال الترمذي: ((وحميد هو: ابن علي الكوفي منكر الحديث)).
وانظر: ميزان الاعتدال 1/ 614.
بدرجتينِ.
أخبَرني بهِ أبو الفتحِ محمدُ بنُ محمدِ / 258 ب / بنِ إبراهيمَ الميدوميُّ (1)،
قالَ: أخبرنا أبو الفرجِ عبدُ اللطيفِ بنُ عبدِ المنعمِ الحرانيُّ (2)، ح.
وأخبرني أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ الأنصاريُّ (3) بقراءتي
عليهِ (4) في الرحلةِ الأولَى، قال: أخبرنا أحمدُ بنُ عبدِ الدّائمِ المقدسيُّ (5) قراءةً عليهِ وأنا حاضرٌ، قالا: أخبرنا عبدُ المنعمِ بنُ عبدِ الوهابِ (6)، قالَ: أخبرنا عليُّ بن
(1) وهو محمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي القاسم بن عنان الميدومي، صدر الدين، أبو الفتح، ولد سنة (664 هـ)، وهو أعلى شيخ عند العراقي من المصريين توفي سنة (754 هـ).
انظر: الدرر الكامنة 4/ 158.
(2)
وهو النجيب عبد اللطيف بن عبد المنعم بن الصيقل، أبو الفرج الحراني الحنبلي التاجر، مسند الديار المصرية، ولي مشيخة دار الحديث الكاملية، توفي سنة (672 هـ).
انظر: العبر 3/ 324، وشذرات الذهب 5/ 336.
(3)
وهو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن سالم بن بركات بن سعد بن بركات الدمشقي الأنصاري العبادي من ولد عبادة بن الصامت المعروف بابن الخباز، أكثر عنه العراقي، وكان صدوقاً مأموناً، محباً للحديث وأهله.
انظر: الدرر الكامنة 3/ 384 (1016)، وشذرات الذهب 6/ 181.
(4)
في " التقييد ": ((بدمشق)).
(5)
تقدمت ترجمته.
(6)
وهو الشيخ الجليل الأمين، مسند العصر، أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن سعد بن صدقة بن خضر بن كليب الحراني الآجري لسكناه في درب الآجر.
قال الذهبي: ((انتهى إليه علو الإسناد، ومتع بحواسه وذهنه، وكان صبوراً محباً للرواية)) توفي سنة (596 هـ).
انظر: الكامل في التاريخ 12/ 159، وسير أعلام النبلاء 21/ 258.
أحمدَ بنِ محمدِ بن بَيَانٍ (1)، قالَ: أخبرنا محمدُ بنُ محمدِ بنِ إبراهيمَ بنِ مخلدٍ (2)، قالَ: أخبرنا إسماعيلُ بنُ محمدٍ الصَّفَّارُ (3)، قالَ: أخبرنا الحسنُ بنُ عرفةَ (4)، قالَ: حدثنا خلفُ بنُ خليفةَ، عن حميدٍ الأعرجِ، [عن عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ](5)، عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((يومَ كلَّمَ اللهُ موسى عليه السلام كانت عليهِ جُبّةُ صوفٍ، وسراويلُ صوفٍ، وكساءُ صوفٍ، وكمّةُ صوفٍ، ونعلاهُ من جلدِ حمارٍ غيرِ ذَكِيٍّ (6))).
فهذا الحديثُ بهذا الإسنادِ لا يقعُ لأحدٍ في هذه الأزمانِ أعلى منهُ على وجهِ الدنيا من حيث العددُ، وهو علوٌّ مطلقٌ ليسَ تابعاً لنزولٍ فإنَّه عالٍ للترمذيِّ أيضاً
(1) وهو الشيخ الصدوق المسند أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن بيان بن الرزاز البغدادي، راوي جزء ابن عرفة، توفي سنة (510 هـ).
انظر: الكامل في التاريخ 10/ 523، وسير أعلام النبلاء 19/ 257.
(2)
وهو الشيخ المعمر الصدوق، مسند وقته، أبو الحسن محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد، البغدادي البزاز، قال الخطيب: ((كان صدوقاً
…
))، توفي سنة (419 هـ).
انظر: تاريخ بغداد 3/ 231، وسير أعلام النبلاء 17/ 370 - 371.
(3)
وهو الإمام النحوي الأديب، مسند العراق أبو علي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن صالح البغدادي الصفار، قال الذهبي: ((انتهى إليه علوُّ الإسناد
…
)) توفي سنة (341 هـ).
انظر: تاريخ بغداد 6/ 302، وسير أعلام النبلاء 15/ 440.
(4)
هو الإمام المحدّث الثقة الحسن بن عرفة بن يزيد، أبو علي العبدي البغدادي المؤدب، مسند وقته، قال الذهبي:((انتهى علو الإسناد اليوم، وهو عام خمسة وثلاثين إلى حديث الحسن بن عرفة، كما أنه كان سنة نيف وستين وست مئة أعلى شيء يكون، وكان رحمه الله، صاحب سنة واتباع))، توفي سنة (257 هـ).
انظر: تهذيب الكمال 2/ 139 (1227)، وسير أعلام النبلاء 11/ 547 - 551.
(5)
ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته مما تقدم ومن مصادر التخريج.
(6)
غير ذكي: هو ما زهقت نفسه قبل أن يدركه فيذَكيه. انظر: النهاية 2/ 164.
فإنّ خلفَ بنَ خليفةَ من التابعينَ وأعلى ما يقعُ للترمذيِّ روايتُهُ عن أتباعِ التابعينَ، وأمّا علوُّ طريقنا فأمرٌ واضحٌ فإنّ شيخَنا أبا الفتحِ آخِرُ من رَوَى عن النجيبِ عبدِ اللطيفِ بالسَّماعِ، والنجيبُ آخرُ من رَوَى عن عبدِ المنعمِ بنِ كليبٍ بالسماعِ، وابنُ كليبٍ آخِرُ من رَوَى عن ابنِ بيانٍ، وابنُ بيانٍ آخِرُ من رَوَى عن ابنِ مَخْلدٍ، وابنُ مخلدٍ آخِر من رَوَى عن الصَّفَّارِ، والصَّفَّارُ آخِرُ مَن رَوَى عن ابنِ عرفةَ، وابنُ عرفةَ آخِرُ من رَوَى عن خلفِ بنِ خليفةَ، وخلفُ بنُ خليفةَ آخِرُ من رأى الصحابةَ رضي الله عنهم فهو علوٌ مطلقٌ، والله أعلمُ)).
وهو غيرُ مسلمٍ لهُ.
والصوابُ ما قالَ ابنُ الصّلاحِ (1)، لأنَّ العلوَ منَ الأمورِ النسبيةِ التي لا يتحققُ مفهومها إلا بالنسبةِ إلى شيئينِ، فلولا النُّزولُ ما عُقِلَ معنى العلوِّ، وعلى التَّنَزُّلِ فيكفي في كونِ هذا المثال تابعاً لنزول من جهةِ الشيخِ، أنَّهُ لو رواهُ من طريقِ الترمذيِّ لكانَ إسنادُهُ نازلاً عن إسنادهِ هذا الذي من طريقِ ابنِ عرفةَ بدرجتينِ كما قالَ، وهذا هو الذي أرادهُ ابنُ الصّلاحِ كما أفادَهُ شيخنا فكلامهُ مُطَّرِدٌ لا خللَ فيهِ.
وأمّا مِن جهةِ الترمذيِّ نفسهِ فلا يوصفُ بعلوٍّ ولا نزولٍ / 259 أ / لأنَّهُ مساوٍ لابنِ عرفةَ، وإن اعتبرَ بأسانيدِ الترمذيِّ التي وقعتْ لهُ مطلقاً - ولا يمكن فيها - فخلفٌ شيخُ شيخهِ تابعيٌّ صغيرٌ، وقد روى عن جماعةٍ من أكابرِ التابعينَ (2) كأبيهِ (3)، وكذا شيخهُ في هذا السندِ حميدٌ الأعرجُ، وحفصُ بنُ أخي أنسِ بنِ
(1) معرفة أنواع علم الحديث: 365.
(2)
انظر: ترجمة خلف بن خليفة في " تهذيب الكمال " 2/ 391 (1691).
(3)
وهو خليفة بن صاعد بن برام الأشجعي، والد خلف بن خليفة، روى عن عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر.
انظر: تهذيب الكمال 2/ 398 (1704)، والتقريب (1745).
مالكٍ (1)، وإسماعيلُ بنُ أبي خالدٍ (2)، وأبو مالكٍ سعدُ بنُ طارقٍ الأشجعيُّ (3).
فلو رُويَ هذا الحديثُ عن أحدٍ منهم عن صحابيٍّ لكانَ أعلى من طريقهِ
هذا، ومن ابنِ عرفةَ بدرجةٍ.
وقولُ الشيخِ: ((هو أعلى ما يقع للترمذيِّ روايتُهُ عن أتباعِ التابعينَ)) (4) كلامٌ لا مدخلَ لهُ في المنعِ، فإنَّهُ قد يقعُ لغيرِ الترمذيِّ روايتُه عن التابعينَ، وقد يكونُ ذلكَ للترمذيِّ نفسِهِ، ولم يطّلع عليهِ فيكون أعلى مِن هذا.
وللترمذيِّ في كتابهِ أسانيدُ من غيرِ طريقِ خلفٍ أعلى مِن هذا (5).
(1) وهو حفص بن أخي أنس بن مالك الأنصاري، أبو عمر المدني، روى عن أنس بن مالك، قال أبو حاتم: صالح الحديث، ووثقه الدارقطني.
انظر: تهذيب الكمال 2/ 237 - 238 (1404)، والتقريب (1436).
(2)
إسماعيل بن أبي خالد البجلي الأحمسي، مولاهم، أبو عبد الله الكوفي، رأى أنس وسلمة بن الأكوع، وروى عن عمرو بن حريث المخزومي.
انظر: تهذيب الكمال 1/ 227 (432)، والتقريب (438).
(3)
وهو سعد بن طارق بن أشيم، أبو مالك الأشجعي الكوفي، قال أبو حاتم: صالح الحديث، يكتب حديثه، قال النسائي: ليس به بأس.
انظر: الثقات لابن حبان 4/ 294، وتهذيب الكمال 3/ 121 (2195).
(4)
التقييد والإيضاح: 259.
(5)
أعلى إسناد يقع للترمذي ما كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه ثلاثة رواة، كما صرح بذلك العراقي بقوله:((أعلى ما يقع للترمذي روايته عن أتباع التابعين)) ومثال ذلك ما رواه الترمذي في الجامع الكبير (2260) قال: حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري ابن بنت السدي الكوفي، قال: حدثنا عمر بن شاكر، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يأتي على الناس زمانٌ الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر)).
قال المزي في " تهذيب الكمال " 5/ 358: ((وليس في كتاب الترمذي حديث ثلاثي بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه ثلاثة أنفس غير هذا الحديث
…
)).
وقولُهُ: ((إنَّ خلفَاً آخرُ من رأى الصحابةَ)) (1) لا دخلَ لهُ في العلوِّ أيضاً، فإنَّ العلوَّ يتعلقُ بالروايةِ لا بالرؤيةِ، وهو في روايةِ هذا الحديثِ بينَه وبينَهم اثنانِ، وقد كانَ يمكنُ أن يكونَ بينهُ وبينهم واحدٌ فهو نازلٌ.
ولأجلِ هذا قالَ شيخنا في شرحهِ لكتابهِ " النخبةِ "(2): ((ويقابلُ العلوَّ بأقسامِهِ المذكورةِ النزولُ، فيكونُ كلُّ قسمٍ من أقسامِ العلوِّ يقابلُهُ قسمٌ من أقسامِ النزولِ خلافاً لمن زَعمَ [أنّ] (3) العلوَّ قد يقعُ غيرَ تابعٍ لنزولٍ)).
قولُهُ: (مثالُهُ)(4)، أي: مثالُ العلوِّ النسبيِّ الذي إنَّما سُميَ عالياً بالنسبةِ إلى نزولِ طريقهِ إلى أحدِ أصحابِ الكتبِ الستةِ.
قولُهُ: (آخرُ مَنْ رواه عن شيخِهِ بالسَّماعِ)(5) مُسَلَّمٌ في غير إسماعيل الصَّفَّارِ، وأمَّا إسماعيلُ فإنَّهُ ليسَ آخرَ من روى عن ابنِ عرفةَ مطلقَاً، نَعَم، هو آخرُ من رَوَى عنهُ جزءهُ المذكورَ، وقد نبهَ الشيخُ على ذلكَ وقيَّدهُ بالجزءِ في بعضِ تصانيفِهِ.
هكذا قالَ شيخُنا.
وقد رأيتهُ أنا مقيداً بذلكَ في بعضِ نسخِ هذا الشرحِ، فإنَّهُ قال:((بالسَّماعِ من الجزءِ المذكورِ)) (6) فكأنَّهُ ألحقَهُ بعدَ قراءةِ شيخنا لهُ عليهِ.
(1) التقييد والإيضاح: 259.
(2)
نزهة النظر: 100.
(3)
ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " نزهة النظر ".
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 62.
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 63.
(6)
وهذه العبارة موجودة في جميع النسخ التي اعتمدنا عليها في تحقيقنا لشرح التبصرة والتذكرة 2/ 63.
قولُهُ: (وعالٍ لنا)(1) هو مسلَّم باعتبارِ أنَّهُ ربما ساوتِ الطريقُ من جهةِ الكتبِ الستةِ / 259 ب / الطريقَ من جهةِ غيرهِا، لكنَّ هذا المثال غيرُ صحيحٍ فإنَّ روايتَهُ لهُ من طريقِ الترمذيِّ كما تقدمَ آنفاً أنزلُ من روايتهِ لهُ منَ الجزءِ.
وتقدّمَ أنَّ هذا مرادُ ابنِ الصلاحِ بالنُّزولِ.
قولُهُ: (والمُصَافَحَاتُ)(2) عبارةُ ابنِ الصّلاحِ عن ذلك: ((وذَلِكَ - أي: النوع (3) - ما اشتهرَ آخِراً مِنَ الموافَقاتِ، والأبدالِ، والمسَاواةِ، والمصافحةِ، وقَدْ كَثُرَ اعْتِناءُ المحدِّثينَ المتأخِّرينَ بهذا النوعِ، ومِمَّنْ وجدْتُ هذا النوعَ في كَلامِهِ أبو بكرٍ الخطيبُ الحافِظُ وبعضُ شُيُوخِهِ، وأبو نَصْرِ بنُ مَاكُوْلا، وأبو عبدِ اللهِ الحميديُّ وغيرُهُمْ مِنْ طَبَقتهِمْ، ومِمَّنْ جاءَ بَعْدَهُمْ)) (4).
قولُهُ: (فَإنْ يَكُنْ فِي شَيْخِهِ)(5)، أي: فَتسبب عن العلوِّ الذي يكونُ للحديثِ بالنسبةِ إلى أحد الأئمةِ، كأصحابِ الكتبِ الستةِ أنّه يقالُ: أنَّ يكونَ الراوي قد وافقَ المصنِّفَ الذي يريد العلوَّ بالنسبةِ إلى روايتهِ من طريقه في شيخِ ذلكَ المصنفِ مع العلوِّ الكائنِ في طريقهِ - التي رَوَى الحديثَ منها من غيرِ طريقِ ذلكَ الإمامِ - على طريقهِ لو رواهُ من طريقِ الإمامِ، فهذا النوعُ هو الموافقةُ.
أو إنْ يكنْ قد وافقهُ في شيخِ شيخهِ، مثلَ الموافقةِ في الأولِ فهذا النوعُ هو البدلُ.
وإنْ يكنْ قد ساواهُ في عددٍ حصلَ لهُ في إسنادِ ذلكَ الحديثِ فكانَ عددُ ما بينهُ فيهِ وبينَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم من الرواةِ كعددِ ما بينَ ذلكَ الإمامِ وبينَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فهو المساواةُ.
(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 63.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 63.
(3)
ما بين الشارحتين عبارة توضيحية من البقاعي.
(4)
معرفة أنواع علم الحديث: 365.
(5)
التبصرة والتذكرة (741).
وحيثُ وقعتِ المراجحةُ بينهُ وبينَ الأصلِ - في قلةِ عددِ الإسنادِ الأصلِ - أنقصَ من عددِ إسنادِ المخرجِ الذي يريدُ أحدَ هذه الأنواعِ، فهذا النوعُ هو المصافحةُ (1).
قولُهُ: (مَعَ عُلُوٍ)(2) لو قالَ: مع العلوِّ كانَ أخفَّ، فإنَّهُ يصيرُ مخبوناً بعدَ أنْ كانَ مخبولاً.
قولُهُ: (سَاوَاهُ عَدَّاً)(3) لو قالَ: ((في عَدٍ حَصَلْ)) وأسقط ((قَدْ)) كانَ أحسنَ.
قولُهُ: (رَاجَحَه)(4) فَاعَلَ - فيه - بمعنى فَعَل نحو: سافَرَ.
قولُهُ: (جزءِ الأَنصاريِّ)(5) قالَ شيخُنا: ((هذا بالنسبةِ إلى الشيخِ، فإنَّ البخاريَّ وقعَ لهُ نازلاً، وأما نحن فوقعَ لنا البخاريُّ عالياً، وجزءُ الأنصاريِّ
/ 260 أ / عن الشيخِ، فالإسنادانِ بالنسبةِ إلينا متساويانِ)).
قولُهُ: (تقعُ موافقةً)(6)، أي: تقعُ الروايةُ لنا حالَ كونها ذاتَ موافقةٍ، أو السندُ حالَ كونهِ ذا موافقةٍ.
قولُهُ: (فسَمَّاهُ موافقةً)(7) الضميرُ المستترُ في ((فَسمَّاهُ)) للناظمِ، يعني: على طريقِ التَّجريدِ، أي: لما قلتُ: أو ((شَيخ شَيخِهِ)) عطفَاً على ((شيخِهِ)) المتعلقِ بـ ((وافقهُ))، علمَ أنَّهُ لا يمتنعُ تسميتُهُ موافقةً مع التقييدِ بشيخِ الشَّيخِ؛ لأنّي كذلكَ
(1) انظر: نزهة النظر: 98 - 100.
(2)
التبصرة والتذكرة (741).
(3)
التبصرة والتذكرة (742).
(4)
التبصرة والتذكرة (743).
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 64.
(6)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 64.
(7)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 64.
استعملتهُ، تقديرُ كلامي: أو وافقَهُ في شيخِ شيخهِ ولو لم يكن ذلكَ سائغَاً لما ساغَ لي تعليقهُ بـ ((وافقَهُ)).
ويجوزُ أنْ يكونَ الضميرُ للنظمِ على الإسنادِ المجازي.
قولُهُ: (قلتُ: وفي كَلامِ غيرِهِ)(1) هو فائدةٌ زائدةٌ، وأمّا أنَّ ذلكَ يردُّ على ابنِ الصلاحِ فلا؛ لتأخر من ذُكِر عنهُ (2)، وابنُ الصلاحِ إنما نفى استعمالَ من تقدمَهُ لذلكَ وهو كذلكَ.
قولُهُ: (أو يَكونُ بينَهُ وبينَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم)(3) ذلكَ الصحابيُّ أم غيرُهُ، وسواءٌ كانَ الراوي عن الصحابيِّ ذلكَ التابعيَّ أو غيرَهُ وكذا دونَهُ.
وأما ما قبلَه (4) فينظر فيهِ إلى المتنِ من روايةِ ذلكَ الصحابيِّ، إنْ كانَ الوصولُ إليهِ، أو من روايةِ التابعيِّ، إنْ كانَ الوصولُ إليهِ، وكذا مَن دونهُ، ولا شكَّ أنَّهُ إذا كانَ مساوياً مع التقييدِ بالصحابيِّ، أو من دونهُ يكونُ أقعدَ في هذا البابِ.
قولُهُ: (إلَاّ بأنْ يَكونَ)(5) تقييدُ الاستثناءِ باليومِ يُفهِمُ أنَّ الحكمَ في المساواةِ في العددِ في هذا الأوانِ يخالفُ ما مضى من الزمانِ في غيرِ القسمِ الذي
ذكرهُ، وهو أنَّ الاعتبارَ في ذلكَ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم لا بمن دونَهُ، وأنَّ اعتبارَ من دونَهُ صلى الله عليه وسلم ما كانَ يتأتَّى إلا في الزمانِ المتقدمِ المقاربِ للأئمةِ، وأمَّا الآنَ فالأسانيدُ مِنَّا إليهم طويلةٌ فتعذَّرَ ذلكَ لذلكَ.
(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 64.
(2)
ذكر جمال الدين الظاهري والذهبي: أن اسم الموافقة والبدل يطلقان مع عدم العلو، فإن علا قالوا: موافقة عالية أو بدلاً عالياً. فذكر المؤلف هنا أن كلام الظاهري والذهبي ليس فيما يرد على كلام ابن الصلاح. لأنهما تأخرا عن ابن الصلاح.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 64.
(4)
في (ف): ((قبلها))، ولعل المثبت أكثر موافقة للسياق.
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 64.
قولُهُ: (حدَيثُ النَهيِّ عَنْ نِكاحِ المتْعَةِ)(1) مثالٌ لما النظرُ فيهِ إلى الصحابيِّ فمن دونهُ إلى الشيخِ الذي تلاقيا فيه بالنسبةِ إلى الروايةِ الأولى.
ومثالٌ لما النظرُ فيه إلى المتنِ مع قطعِ النظرِ عنِ الصحابيِّ فمن دونهُ، فإنَّ الروايةَ الأولى من حديثِ سبرةَ (2) / 260 ب / والثانيةَ من حديثِ عليٍّ (3) رضي الله عنهما، وكذا الرواةُ عن كلٍّ منهما غيرُ الرواةِ عن (4) الآخرِ.
قولُهُ: (الفَارفَانيةُ)(5) بفائينِ وراءٍ مهملةٍ.
(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 64.
(2)
حديث سبرة أخرجه: عبد الرزاق (14041)، والحميدي (847)، وأحمد 3/ 404، والدارمي (2201)، ومسلم 4/ 131 (1406)(19) و (20) و4/ 132 (1406)(21) و (22) و4/ 133 (1406)(23) - (27) و4/ 134 (1406)(28)، وأبو داود (2072) و (2073)، وابن ماجه (1962)، والنسائي 6/ 126 وفي " الكبرى "، له (5541) - (5546) و (5550)، وابن الجارود (699)، وأبو يعلى (939)، والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 3/ 25، وابن حبان (4147) و (4148)
و (4150)، والبيهقي 7/ 203 من طريق الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه سبرة أنه قال: أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة. فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر
…
فذكر الحديث.
(3)
أخرجه: مالك في " الموطأ "(1560) برواية الليثي، والبخاري 5/ 172 (4216) و7/ 123 (5523)، ومسلم 4/ 134 (1407)(29) و (30) و (31) و (32) و6/ 63 (1407)(22) من طريق الزهري، عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي، عن أبيهما، أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لابن عباس:((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية)).
(4)
في (ف): ((غير))، والمثبت أصوب، والله أعلم.
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 65. وهي نسبة إلى فارفان - قرية من قرى أصبهان - بفتح الفاء، وسكون الألف والراء، وفتح الفاء الثانية، وسكون الألف الثانية وفي آخرها نون. كذا قيدت في " الأنساب " 3/ 425 و" اللباب " 2/ 159، وذكر الذهبي في " سير أعلام النبلاء " 21/ 482: أنها بفاءين، وكذا ذكر الزكي المنذري في " التكملة لوفيات النقلة " 2/ 1132،
إلا أن ياقوت الحموي =
قولُهُ: (بَدلاً)(1)، أي: فوقعَ السّندُ لنا ذا بدلٍ، وكذا الموافقةُ.
قولُهُ: (خيَّاط السُّنَّة)(2) نقلَ عن شيخنا أنَّهُ قالَ: ((ويمكنُ أنْ يكونَ على حذفِ مضافٍ، تقديرُهُ: خياط أهلِ السُّنَّةِ، بأنْ كانَ يخيطُ لهم ملبوسَهُم)).
قولُهُ: (كأنَّ شيخَنا سَاوَى)(3) إنْ قيلَ: كانَ ينبغي الجزمُ بحقيقةِ المساواةِ؛ لأنَّ عددَ الإسنادينِ واحدٌ، قيلَ: إنما جاءَ التشبيهُ من جهةِ اعتبارِ ذلكَ الإسنادِ الخاصِّ والزمانِ، فكأنَّ شيخنا كانَ في زمانِ النسائيِّ، ورَوى هذا الحديثَ عن شيخهِ فصاعداً فساواهُ في سندهِ الذي رَوى هذا الحديثَ بهِ.
وأمَّا الآن فإنَّما ساواهُ في عدِّ ما بينه وبينَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا المتنِ، من غيرِ اعتبارِ أنْ يكونَ الإسنادُ واحداً.
قولُهُ: (وأمَّا المصَافحةُ فَهوَ)(4)، أي: وقوعُها.
= في " معجم البلدان " 4/ 228 قيدها بكسر الراء المهملة، مثله في " مراصد الاطلاع " 3/ 1013.
والفارفانية هذه: هي الشيخة الجليلة مسندة أصبهان عفيفة بنت أبي أحمد بن عبد الله بن محمد ابن عبد الله بن حسن بن مهران، أم هانئ الأصبهانية، انتهى إليها علوُّ الإسناد، توفيت سنة
(606 هـ).
انظر: سير أعلام النبلاء 21/ 482، وشذرات الذهب 5/ 19 - 20.
(1)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 66.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 66. وخياط السنة هو: زكريا بن يحيى بن إياس بن سلمة بن حنظلة بن قرة السجزي، أبو عبد الرحمان، المعروف بخياط السنة، وثقه النسائي وغيره، توفي سنة (289 هـ).
انظر: تهذيب الكمال 3/ 28 - 29 (1983)، والتقريب (2028).
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 66.
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 66.
وعبارةُ ابنِ الصلاحِ عنها: ((فهيَ أنْ تَقَعَ هذهِ المساواةُ - التي وصفناها -، لشَيخِكَ لا لكَ فيقع ذَلِكَ لكَ مُصَافحَةً، إذْ يَكُونُ كَأَنَّكَ لَقِيْتَ مُسْلِماً في ذَلِكَ الحديثِ وصَافحتَهُ بهِ، لِكَوْنكَ قدْ لَقِيْتَ شَيْخَكَ المساوي لِمُسْلِمٍ، فإنْ كانتْ المساواةُ لِشَيْخِ شَيْخِكَ، كانتِ المصَافَحةُ لِشَيْخِكَ، فَتَقُولُ: كأنَّ شَيْخِي سَمِعَ مُسْلِماً وصَافَحَهُ، وإنْ كانَ المسَاواةُ لِشَيْخِ شَيْخِ شَيْخِكَ، فالمصَافَحةُ لِشَيْخِ شَيْخِكَ فتَقولُ فيها: كأنَّ شَيْخَ (1) شَيْخِي سَمِعَ مُسْلِماً وصَافَحَهُ. ولكَ أنْ لا تَذكرَ في ذَلِكَ نِسْبَةً بلْ تَقُولُ: كأنَّ فُلاناً سَمِعَهُ مِنْ مُسْلِمٍ، مِنْ غيرِ أنْ تَقُولَ فيهِ: شَيْخِي، أو شَيْخُ شَيْخِي. ثُمَّ لا يخفَى عَلَى المتأَمِّلِ أنَّ في المساواةِ والمصَافَحةِ الواقِعَتَينِ لكَ، لا يَلْتَقِي إسْنادُكَ وإسْنادُ مُسْلِمٍ أو نحوِهِ إلا بَعيداً عَنْ شَيْخِ مُسْلِمٍ، فيلْتَقِيانِ في الصحابيِّ أو قَرِيْباً منهُ، فإنْ كَانتِ المصَافَحَةُ التي تَذْكُرُها ليستْ لكَ بلْ لِمَنْ فَوقَكَ مِنْ رِجالِ إسْنادِكَ، أمْكَنَ التِقَاءُ الإسْنادَيْنِ فيها في شَيْخِ مُسْلِمٍ أو أشْباهِهِ، وداخَلَتِ (2) المصَافَحةُ حِيْنَئذٍ الموافقةُ، فإنَّ مَعْنَى الموافقةِ راجِعٌ إلى مُسَاواةٍ ومصَافَحةٍ مَخْصُوصَةٍ / 261 أ / إذْ حاصِلُها أنَّ بعضَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ رواةِ إسْنادِكَ العاِلي سَاوَى أو صَافَحَ مُسْلِماً، أو البخَارِيَّ لِكَونِهِ سَمِعَ ممَّنْ سَمِعَ مِنْ شَيْخِهِما مَعَ تَأَخُّرِ طَبَقَتِهِ عَنْ طَبَقَتِهِما.
ويوجدُ في كَثيرٍ مِنَ العوالي المخرَّجةِ - لِمَنْ تَكَلَّمَ أوَّلاً في هذا النوعِ وطَبَقَتِهِم المصافَحَاتُ مَعَ الموافَقَاتِ والأبدالِ لما ذَكَرْناهُ (3))) (4).
قولُهُ في شرحِ قولِهِ: (ثُمَّ عُلُوُّ قِدَمِ الْوَفَاِة)(5) مثالُهُ قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ما أرويهِ
(1) في (ف): ((لشيخ))، والمثبت من " معرفة أنواع علم الحديث ".
(2)
في (ف): ((ودخلت))، والمثبت من " معرفة أنواع علم الحديث ".
(3)
في (ف): ((ذكرنا))، والمثبت من " معرفة أنواع علم الحديث ".
(4)
معرفة أنواع علم الحديث: 366.
(5)
التبصرة والتذكرة (744).
عن شيخٍ أخبرني بهِ، عن واحدٍ، عن البيهقيِّ الحافظِ، عن الحاكمِ أبي عبدِ اللهِ الحافظِ، أعلى من روايتي لذلكَ، عن شيخٍ أخبرني بهِ، عن واحدٍ، عن أبي بكر بن خلفٍ (1)، عن الحاكمِ، وإنْ تَساوى الإسنادانِ في العددِ لتقدمِ وفاةِ البيهقيِّ على وفاةِ ابن خلفٍ؛ لأنَّ البيهقيَّ ماتَ سنةَ ثمانٍ وخمسينَ وأربعِمئةٍ، وماتَ ابنُ خلفٍ سنةَ سبعٍ وثمانينَ وأربعِمئةٍ)) (2).
قولُهُ: (عَلَى مَنْ بَعْدَهُ)(3) هما ابنُ خطيبِ المزَّةِ (4) والفخرُ (5).
قولُهُ: (الخَليليّ)(6) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((ورُوِّينا عن أبي يعلى بنِ عبدِ اللهِ الخليليِّ (7) الحافظِ قالَ: ((قد يكونُ الإسنادُ يعلو على غيرِهِ، بتقدُّمِ موتِ راويهِ، وإن كانا متساويين في العددِ)) (8). ومثّلَ ذلكَ من حديثِ نفسهِ بمثلِ ما ذكرنَاهُ. ثمَّ إنَّ هذا الكلام في العلوِّ المنبني على تقدمِ الوفاةِ المستفادِ من نسبةِ شيخٍ إلى شيخٍ، وقياس راوٍ براوٍ)) (9).
(1) وهو الإمام أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله بن عمر بن خلف الشيرازي، ثم النيسابوري، مسند وقته، توفي سنة (487 هـ).
انظر: سير أعلام النبلاء 18/ 478، وشذرات الذهب 3/ 379.
(2)
معرفة أنواع علم الحديث: 367.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 67.
(4)
وهو شهاب الدين عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى الموصلي، ثم الدمشقي كان فاضلاً ديناً، ثقة، توفي سنة (687 هـ).
انظر: العبر 3/ 364، وشذرات الذهب 5/ 401.
(5)
وهو ابن البخاري. تقدمت ترجمته.
(6)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 68.
(7)
في " معرفة أنواع علم الحديث ": ((أبي يعلى الخليل)).
(8)
إلى هنا انتهى كلام الخليلي في " الإرشاد " 1/ 179.
(9)
معرفة أنواع علم الحديث: 367.
قولُهُ: (عَنْ ابنِ جَوْصَا: إسنادُ خَمسينَ)(1) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وأمَّا العلوُّ المستفادُ من مجرَّدِ تقدُّمِ وفاةِ شيخكَ، من غيرِ نظرٍ إلى قياسهِ براوٍ آخرَ، فقد حدَّهُ بعضُ أهلِ [هَذَا] (2) الشأنِ بخمسينَ سنة، وذلكَ فيما رويناهُ عن أبي عليٍّ الحافظِ النيسابوريِّ قالَ:((سمعتُ أحمدَ بنَ عميرٍ الدمشقيَّ - وكانَ من أركانِ الحديثِ - يقولُ: إسنادُ خمسينَ [سنةً] (3) - من موتِ الشيخِ - إسنادُ علوٍّ (4).
وفيما يُروى عَنْ أبي عبدِ اللهِ بنِ مَنْدَه الحافِظِ، قالَ: إذا مَرَّ عَلَى الإسنادِ ثَلاثونَ سَنَةً فهوَ عالٍ (5). وهذا أوسَعُ مِنَ الأوَّلِ)) (6). انتهى.
وابنُ عميرٍ الذي ذكرَهُ ابنُ الصلاحِ هو ابنُ جَوْصَا بالجيمِ والصادِ المهملةِ الذي ذكرهُ الشيخُ زينُ الدينِ وهو أحمدُ بنُ عميرِ بنِ يوسفَ بنِ موسى بنِ جَوْصَا الحافظُ شيخُ الشامِ، توفي في جمادى الأولى سنةَ عشرينَ وثلاثِمئةٍ (7) /.
261 ب / وقالَ ابنُ دقيقِ العيدِ في مثالِ قِدَم الوفاةِ: ((كما إذا روى شيخٌ من شيوخنا حديثاً عن شيخٍ قديمِ الوفاةِ كالحافظِ أبي الحسنِ المقْدِسيِّ (8) عن السلفيِّ،
(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 68.
(2)
ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف) وأثبته من " معرفة أنواع علم الحديث ".
(3)
ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف) وأثبته من " معرفة أنواع علم الحديث ". وفي " تاريخ دمشق ": ((بخمسين سند)).
(4)
رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " 5/ 189.
(5)
انظر: إرشاد طلاب الحقائق 2/ 535.
(6)
معرفة أنواع علم الحديث: 367 - 368.
(7)
انظر ترجمته في: تاريخ دمشق 5/ 186، وسير أعلام النبلاء 15/ 15، وشذرات الذهب 2/ 285. وانظر: تعليقنا على " شرح التبصرة والتذكرة " 2/ 68 هامش (2).
(8)
هو الشيخ الإمام المفتي الحافظ علي بن المفضل بن علي بن مفرج بن حاتم بن حسن بن جعفر، شرف الدين أبو الحسن بن القاضي الأنجب أبي المكارم المقدسي، ثم الإسكندراني المالكي، له كتاب " الصيام " و" الأربعون في طبقات الحفاظ "، توفي سنة (611 هـ).
انظر: سير أعلام النبلاء 22/ 66، وشذرات الذهب 5/ 47 - 48.
وروينا نحنُ ذلكَ الحديثَ عمَّن تأخرت وفاتهُ كابنِ بنتِ السِّلفي (1)، فإنَّ المقدسيَّ توفي سنةَ إحدى عشرةَ وستمئةٍ، وتوفي السِّبطُ سنةَ إحدَى وخمسينَ، فالعددُ بالنسبةِ إلى السِّلَفي واحدٌ، إلاّ أنَّ الأولَ أقدمُ، فهذا يَعُدُّونَهُ علوَّاً، ويُثبتونَ له مَزِيَّةً في
الروايةِ.
ومِنَ الناسِ مَنْ يَعُدُّ العلوَّ هو الإتقان والضبط وإنْ كان نازلاً في العددِ، وهذا علوٌّ معنويٌّ، والأولُ صوريٌّ، ورعايةُ الثاني - إذا تعارضا - أولى)) (2).
قولُهُ: (آخرَ مَنْ كانَ يَرويه)(3)، أيْ: عن ابنِ الزبيديِّ (4).
قولُهُ في قوله: (ثُمَّ عُلُوُّ قِدمِ السَّمَاعِ): (كَالأَنْوَاعِ)(5)، أي: أنواعهِ كالأنواعِ المذكورةِ في العلوِّ، فهي: موافقةٌ وبدلٌ بنزولٍ.
وأمَّا تصويرُ المساواةِ والمصافحةِ بالنزولِ ففيهِ نظرٌ.
قولُهُ: (والصِّحَّةُ العُلُوُّ)(6)، أي: فإذا وجدتِ الصحةُ لم يُعدَل عنها، سواء كانت معَ نزولٍ أم لا، فإنها هي العلوُّ، للوثوقِ بذلكَ السندِ لا قربَ الرجالِ الخَالي
(1) وهو الشيخ المسند المعمر أبو القاسم عبد الرحمان بن الحاسب مكي بن عبد الرحمان بن أبي سعيد بن عتيق، جمال الدين الطرابلسي ثم الإسكندراني سبط الحافظ السلفي، توفي سنة
(651 هـ).
انظر: سير أعلام النبلاء 23/ 278، وشذرات الذهب 5/ 253.
(2)
الاقتراح: 270.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 68، وفيه: ((كان آخر من يرويه
…
)).
(4)
وهو الشيخ الإمام الفقيه الكبير، مسند الشام، سراج الدين أبو عبد الله الحسين بن أبي بكر المبارك بن محمد بن يحيى بن مسلم الرَّبعِي الزبيدي. مدرس مدرسة الوزير عون الدين بن هبيرة، كان إماماً، ديناً، خيراً، متواضعاً، صادقاً، توفي سنة (631 هـ).
انظر: سير أعلام النبلاء 22/ 357، وشذرات الذهب 5/ 144.
(5)
التبصرة والتذكرة (746).
(6)
التبصرة والتذكرة (747).
عن الصحةِ فإنَّهُ ليسَ بعلوٍّ لعدمِ الوثوقِ، فلا فرقَ حينئذٍ بينَ أنْ تقولَ هذا إسنادٌ عالٍ أو صحيحٌ، فإنَّكَ [إن](1) أطلقتَ ذلكَ عُرفَ أنك تريدُ العلوَّ، سواءٌ عبرتَ عنهُ بالصحةِ أو بالعلوِّ.
وقد مرَّ كلامُ ابنِ دقيقِ العيدِ آنفاً.
قولُهُ في شرحهِ: (المتأخِّرُ أرجحَ)(2) عبارةُ ابنِ الصلاحِ تخالفُهُ فإنَّه قالَ: ((فإِذا تساوى السندُ إليهِما في العَدَدِ، فالإسنادُ إلى الأوَّلِ الذي تقدّمَ سماعُهُ أَعلى، فهذِهِ أنواعُ العُلوِّ عَلَى الاستقصاءِ والإِيضاحِ الشَافي)) (3). انتهى.
والذي قالهُ الشيخُ حسنٌ، فإنَّهُ بيَّنهُ على معنىً شريفٍ، وهو: النظرُ في حالِ الشيخِ عندَ السماعينِ، فإنْ كانَ متساوياً رجحنا الأولَ، وإنْ كان متقارباً رجحنا ما كانت حالهُ فيهِ أعلى سواءٌ كانَ متأخراً أو متقدماً.
وكذا حالُ السامعِ، فقد يكونُ من سمعَ متقدِّماً متيقِّظاً ضابطاً إلى غيرِ ذلكَ من الصفاتِ المرجِّحةِ، ومن سمعَ متأخراً / 262 أ / قاصراً عن درجتهِ، فيأتي من ذلكَ أنواعٌ بالنظرِ إلى حالِ السامعِ وحالِ الشيخِ مقتضيةً للترجيحِ، فقد يتَّفقُ حالُ الشيخِ والسامعِ في الترجيحِ وعدمهِ، وقد يختلفُ فيحصلُ لكلِ واحدٍ مقتضى للترجيحِ فيأتي الاجتهادُ حينئذٍ في الأنسبِ.
قولُهُ: (مالكٍ، لِمَعنىً فيهِ)(4) هو تصريحُ مالكٍ بالتحديثِ.
قولُهُ: (تَفْصيلاً مبيناً)(5) رأيتُ بخطِّ بعضِ أصحابنا الحلبيينَ أنَّ المصنفَ ألحقَ ((مبيناً)) بعد قراءةِ شيخنا الحافظِ برهانِ الدينِ عليهِ. انتهى.
(1) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، والسياق يقتضيه.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 69.
(3)
معرفة أنواع علم الحديث: 368.
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 69، وهو من كلام ابن طاهر.
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 70، وهذا من كلام ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث:369.
ولم أرَهَا أنا فيما رأيتهُ من نسخِ ابنِ الصلاحِ (1) فلم أدْرِ لم زادهَا؟!
قولُهُ: (عَنْ وكيعٍ قالَ: الأَعمشُ أحبُّ)(2) أخرجهُ السِّلَفيُّ في كتابهِ " شرطِ القراءةِ على الشيوخِ "، من طريقِ محمدِ بنِ إسحاقَ بنِ خزيمةَ النيسابوريِّ، قال: ((سمعتُ عبدَ اللهِ بنَ هاشمٍ الطوسيَّ يقولُ: كنا عندَ وكيعٍ فقالَ: الأعمشُ
…
فذكرهُ)) (3).
وكذا أخرجَ قول ابنِ المباركِ (4).
قولُهُ: (عَنْ فقيهٍ)(5) عن شيخنا أنهُ قالَ: إنَّ لابنِ حبانَ تفصيلاً حسناً وهو: أنَّ النظرَ إنْ كانَ للسندِ فالشيوخُ، وإنْ كان للمتنِ فالفقهاءُ (6).
قولُهُ: (عِندَ النظرِ والتَحقيقِ)(7) ورَوى السِّلفيُّ عن يحيى بن معينٍ قالَ:
(1) إذ هي في " معرفة أنواع علم الحديث ": ((تفصيلاً مفهماً)).
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 70.
(3)
أخرجه: الرامهرمزي في " المحدّث الفاصل ": 238 (139)، والحاكم في " معرفة علوم الحديث": 11، والبيهقي في " المدخل إلى السنن الكبرى ": 94 - 96 (14)
و (15)، والخطيب في " الكفاية ": 436 من طريقين عن وكيع قال: ((الأعمش أحب إليكم، عن أبي وائل، عن عبد الله؟ أو سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله؟ فقلنا: الأعمش، عن أبي وائل أقرب. فقال: الأعمش، عن أبي وائل شيخٌ، وسفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة فقيه، عن فقيه، عن فقيه، عن فقيه
…
)). انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 70 - 71.
(4)
قول ابن المبارك هو: ((ليس جودة الحديث قرب الإسناد بل جودة الحديث صحة الرجال)).
أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 296 (1308).
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 71، وهو من قول وكيع المتقدم.
(6)
انظر: الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 1/ 159.
(7)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 71، وهو من كلام السلفي.
((الحديثُ النزولُ [عن ثبتٍ] (1) خيرٌ من علوٍّ عن غيرِ ثبتٍ)) (2).
قالَ: وأنشدهُ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ زفر في معناه:
علمُ النزولِ اكتبوهُ فهو ينفعكم
…
وتَرْكُكُم ذاكم ضَرْبٌ مِن العَنَت
إنَّ النزولَ إذا ما كَانَ عَنْ ثبتٍ
…
أعلى لكم مِنْ علو غَيرِ ذي ثَبَتِ (3)
قولُهُ: (نِظامِ الملْكِ)(4) قال ابن كثير: ((وهَذَا اصطلاحٌ [خَاصٌّ] (5)، وماذا يَقولُ إذَا صَحَّ الإسنادَانِ، وهَذَا أقْرَبُ رِجَالاً؟!)) (6).
قولُهُ: (مِنْ نَظمهِ)(7) قالَ بعضُ أصحابنا: رأيتُ بخطِّ السِّلفيِّ أنَّهُ نظمَ هذهِ الأبيات (8) جنزة، قال في "القاموس" (9):((وجَنْزَةُ -أَي: بجيمٍ ونونٍ وزاي - (10): أعْظَمُ بَلَدٍ بأرَّانَ وقرية (11) بأصْبَهَان، منْ أحدِهمَا أبو الفَضْلِ الجَنْزَويُّ)).
(1) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " الجامع لأخلاق الراوي ".
(2)
أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 38 (121).
(3)
أخرج الخطيب هذين البيتين في " الجامع لأخلاق الراوي ": 39 (134)، ونسبهما لأبي بكر ابن الأنباري.
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 71، وهو من كلام السلفي أيضاً، ونظام الملك هذا هو الوزير الكبير نظام الملك، قوام الدين أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، أنشأ المدرسة الكبرى ببغداد، وأخرى بنيسابور، وأخرى بطوس توفي سنة (485 هـ).
انظر: الكامل في التاريخ 10/ 204، وسير أعلام النبلاء 19/ 94.
(5)
ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " اختصار علوم الحديث ".
(6)
اختصار علوم الحديث 2/ 452 وبتحقيقي: 224.
(7)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 71.
(8)
بعد هذا في (ف) كلمة غير واضحة.
(9)
القاموس المحيط مادة (جنز).
(10)
ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي.
(11)
رسمت في (ف): " وقر"، وفي القاموس المحيط:"ة بأصبهان" والرمز (ة) يعني: قرية.