الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَولي الْمَدِينَة والٍ فَدخل عَلَيْهِ ابْن مطيرٍ فَقيل لَهُ هَذَا أشعر النَّاس فَأَرَادَ أَن يختبره وَقد كَانَت سَحَابَة مكفهرّة نشأت وتتابع مِنْهَا الرَّعد والبرق وَجَاءَت بمطرٍ جودٍ فَقَالَ لَهُ صف هَذِه فَقَالَ من الْكَامِل
(مستضحكٌ بلوامعٍ مستعبرٌ
…
بمدامعٍ لم تمرها الأقذاء)
(فَلهُ بِلَا حزنٍ وَلَا بسمرَّةٍ
…
ضحكٌ يراوح بَينه وبكاء)
(كثرت لِكَثْرَة ودقه أطباؤه
…
فَإِذا تحلَّب فاضت الْأَطِبَّاء)
(وكأنَّ بارقه حريقٌ يلتقي
…
ريحٌ عَلَيْهِ وعرفجٌ آلَاء)
(لَو كَانَ من لجج السَّواحل مَاؤُهُ
…
لم يبْق فِي لجج السَّواحل مَاء)
وَمن شعره قَوْله من الطَّوِيل
(فيا عجبا للنَّاس يستشرفونني
…
كَأَن لم يرَوا بعدِي محباً وَلَا قبلي)
)
(يَقُولُونَ لي اصرم يرجع الْعقل كُله
…
وصرم حبيب النَّفس أذهب لِلْعَقْلِ)
(وَيَا عجبا من حبِّ من هُوَ قاتلي
…
كأنِّي أجزيه المودَّة من قَتْلِي)
(وَمن بيِّنات الحبِّ إِن كَانَ أَهلهَا
…
أحبَّ إِلَى قلبِي وعينيَّ من أَهلِي)
وَمن شعر ابْن مطير من الطَّوِيل
(وَقد تعذر الدّنيا فيضحي غنيُّها
…
فَقِيرا ويغنى بعد بؤسٍ فقيرها)
(فَلَا تقرب الْأَمر الْحَرَام فإنِّما
…
حلاوته تفنى وَيبقى مريرها)
(وَكم قد رَأينَا من تكدُّر عيشةٍ
…
وَأُخْرَى صفا بعد اكدرارٍ غديرها)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(مخصَّرة الأوساط زانت عقودها
…
بِأَحْسَن مِمَّا زيَّنتها عقودها)
(وصفرٌ تراقيها وحمرٌ أكفُّها
…
وسودٌ نَوَاصِيهَا وبيضٌ خدودها)
3 -
(ابْن حرّاز)
الْحُسَيْن بن أبي مَنْصُور بن حرَّاز بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء المشدَّدة وَبعد الْألف زايٌ أَبُو عبد الله الهمامي وجيه الدّين وَهُوَ ابْن أُخْت أبي الْغَنَائِم مُحَمَّد بن عَليّ بن الْمعلم الهرثي كَانَ وجيه الدّين يعرف النَّحْو واللغة قَالَ ياقوت فِي مُعْجم الشُّعَرَاء سمعته يَقُول حفظت كتاب سِيبَوَيْهٍ بعد الْمفصل للزمخشري أَقَامَ بِمصْر فِي خدمَة الْكَامِل بن الْعَادِل وصادف عِنْده الْقبُول وَلما سيَّر الْكَامِل وَلَده إِلَى الْيمن ليفتحها نظم وجيه الدّين من الْبَسِيط
(مهما أمرت يواتي أَمرك الْقدر
…
سر بالعساكر مَقْرُونا بهَا الظَّفر)
(لَك العزائم لَا تنبو مضاربها
…
تضاءلت عِنْدهَا الهنديَّة البتر)
(جيَّشت مِنْهَا جيوشاً خلتها سحباً
…
لَهَا الصَّوارم برقٌ والدِّما مطر)
(قد أينعت سمرها مِمَّا ارتوت علقاً
…
كَأَنَّمَا الْهَام فِي أطرافها ثَمَر)
(بديهة الرَّأْي مِنْهَا كلما صدرت
…
بالحزم فَهِيَ لأرباب النُّهى فكر)
ثمَّ ذكر ابْنه فَقَالَ من الْبَسِيط
(سَاق المقانب قد حفَّت بمقتبلٍ
…
عَلَيْهِ ألوية الإقبال تنتثر)
(إِذا رَأَتْهُ وَهُوَ وافى الْمُلُوك بهَا
…
أَلْقَت إِلَيْهِ جنَاح الذُّلِّ تعتذر)
(فَيمسك الْحلم مِنْهُ صوب بادرةٍ
…
إنَّ الْكِرَام يرَوْنَ الْعَفو إِن قدرُوا)
)
قَالَ وجيه الدّين كنت قلت إِن قدرُوا شرطا فَقَالَ الْكَامِل لَا تجْعَل هُنَا شرطا وَلَكِن قل أَن قدرُوا فَأَنا أوردهُ كَمَا أَرَادَ وَهُوَ لعمري أُصِيب لشاكلة الْمَعْنى وأحيز لخصل الْحسن وَأَجَازَهُ عَنْهَا الْكَامِل جَائِزَة سنيةً قَالَ وجيه الدّين اشْتغل عني الْكَامِل مُدَّة بأَخيه الْمُعظم وَنحن فِي نواحي أشموم من نواحي مصر فَكتبت إِلَيْهِ من الْكَامِل
(مولَايَ إنَّ سهاد ليلى والبكا
…
أَمْسَى رَقِيق عناهما إنساني)
(وَزَوَال ذَاك الرِّقِّ مِنْكُم نظرةٌ
…
مَا آن لي أَن تعتقوا أجفاني)
فَلَمَّا وقف الْكَامِل عَلَيْهِمَا قَالَ لينصرف الجامعة وَيُؤذن لَهُ وَقَالَ فيهم أَيْضا من الْكَامِل
(إيهاً بني أَيُّوب أَنْتُم روضةٌ
…
وَأَبُو المظفَّر غيثها المدرار)
(غصنٌ من الْمَعْرُوف يثني عطفه
…
كرمٌ لَهُ الذّكر الْجَمِيل ثمار)
(وكأنَّ مدحي فِيهِ معصم غادةٍ
…
وندى يَدَيْهِ الْغمر فِيهِ سوار)
وودع الْكَامِل يَوْمًا وَقد خرج إِلَى الصَّيْد فَلَمَّا رَجَعَ دخل إِلَيْهِ وأنشده من الْكَامِل
(عتب الغرام عليَّ يَوْم وداعكم
…
إِذْ كَانَ لي صبرٌ على التَّوديع)
(وبجا على خدَّيَّ من ألم الجوى
…
عقدٌ تنظَّم من سقيط دموعي)
(وتولَّعت ريح الصَّبا بصبابتي
…
فسرت بقلبٍ بالغرام ولوع)
(وَرَأى السَّحَاب فضيض دمعي فِيكُم
…
فغدا يجفنٍ للبكاء هموع)
(مَالِي تؤنِّبني العواذل فِيكُم
…
وَجَمِيع شوقي قد أذاب جميعي)
فَقَالَ الْكَامِل لَو قلت ولبعض شوقي قد أذاب جميعي كَانَ أحسن قَالَ فرويته مثل مَا قَالَ
قَالَ وجيه الدّين بَينا أَنا ذَات يَوْم فِي بعض شوارع الْقَاهِرَة إِذا برجلٍ من الصُّوفِيَّة قد لزم بأطواقي فارتعت لَهُ وَقلت وَيلك ماخبرك فَقَالَ أَنْت الْمُدَّعِي الَّذِي يَقُول من الْبَسِيط
(قل للَّذين نأوا هَل عنْدكُمْ خبرٌ
…
بأنَّ ليلِي عَلَيْكُم كلُّه سهر)
(هذي النُّجُوم سلوها فَهِيَ تخبركم
…
هلزار جفني كرىً أَو راقه سحر)
فَقلت أَنا قَائِل ذَلِك وَمَا أنْكرت فِيهِ فَقَالَ وَيحك إنَّ الْجُنَيْد يَقُول وَقد وصفت رجلا
فأطنب ثمَّ قَالَ نعم الرجل هُوَ لَوْلَا أَنه يرتاح فِي الأسحار وَأَنت تَقول مَا راقني سحر فَمَا زلت أخضع لَهُ حَتَّى تركني وَقَالَ خرجت مرّة مَعَ الْكَامِل إِلَى الصَّيْد فَنَهَضَ بِاللَّيْلِ لصيد الطير وَأَمرَنِي بالكون مَعَه فَقلت يَا مَوْلَانَا لَا أحسن الصَّيْد وَلَا أحبه فاعفني فَلم يقبل وَمضى)
بسفنه وَمن مَعَه وَتَرَكَنِي وَأمر رجلا من الحرس أَن يكون مني بِحَيْثُ أَن يرى مَا يكون مني
فمنت فَلَمَّا انْتَبَهت لم أر أحدا البتَّة فَقلت من الْبَسِيط إِن كُنْتُم قد ولتعم بالجفاء وسسلمتم لي الهمَّ تسليمي إِلَى الحرس
(فكلُّ ماءٍ سرت فِيهِ مراكبكم
…
دمعي وكلُّ هواءٍ مزعجٍ نَفسِي)
وَقَالَ وَقع بيني وَبَين أَوْلَاد الشَّيْخ وَاقع أوجب تركي لَهُم بعد ودٍّ أكيد فشكوني إِلَى الْكَامِل
فتنكَّر لي وتنمَّر وَعَبس وَقَالَ مَا لي أرى فَخر الدّين عتْبَان عَلَيْك قلت لسوء مُعَامَلَته لي فَقلت إِن رسم مَوْلَانَا السلطات خلَّد الله ملكه أَن أكون جليس بَيْتِي وأنقطع عَن الْخدمَة فعلت ذَلِك دَاعيا لأيامه فَإِنِّي عَاجز عَن مداراة هَؤُلَاءِ فَقَالَ لَا أكلِّفك هَذَا وَلَكِن آمُر الغلمان أَنهم مَتى رأوك أخذُوا نعالك قَالَ فهوَّنت ذَلِك وَقلت مَا عَسى أَن يبلغ بِي إِذا ثمَّ أَمرنِي بالملازمة فَجعلت أجيء فَكَمَا يَقع عليَّ عين الغلمان أخذُوا نَعْلي من رجْلي فَأدْخل إِلَيْهِ مرّة حافياً وَمرَّة بخفافي وَقد تنجَّست بالطين فَإِذا أردْت أَن أَطَأ الْبسَاط نَادَى السُّلْطَان وَمن حَضَره لَا تنجِّس الْبسط فَدخلت إِلَيْهِ يَوْمًا وأنشدته من الْكَامِل
(مولَايَ إنَّك قد قتلت حواسدي
…
لَو يعلمُونَ بِأَحْسَن الألطاف)
(مَا إِن أمرت بخلع نَعْلي دَائِما
…
إِلَّا لتجعلني كبشر الحافي)
قَالَ فتبسّم وَقَالَ نعم أحسناً إِلَيْك ورفعناك إِلَى هَذِه الدرجَة فاشكرنا إِذْ جعلناك مثل ذَلِك الرجل الصَّالح وَلم يغيِّر شَيْئا ثمَّ دخلت يَوْمًا وَقد رشُّوا الطَّرِيق بِالْمَاءِ فملأت خفافي بالطين وَصَاح الغلمان لَا تدس الْبسط فتقدمت وأنشدت من السَّرِيع
(يَا ملك الدُّنْيَا وَمن حازها
…
بعدله والبذل والباس)
(أَمرتنِي أَن لَا أَطَأ حافياً
…
بساطك المغتصَّ بِالنَّاسِ)
(قلي مَا أصنع فِي قدرتي
…
أجعَل رجليَّ على راسي)
قَالَ فتبسّم وَلم يغيِّر شَيْئا فعجزت وَقصرت حيلتي وَجعلت أَحْلف لَهُ أَن ذَلِك بلغ مني مبلغا عَظِيما وَلَقِيت مِنْهُ شدّةً وأسأله الْعَفو فَلَا يزيدني على الضحك فشكوت ذَلِك إِلَى الصّلاح الإربلي الشَّاعِر فَقَالَ عِنْدِي لَك حِيلَة إِن شكرتها لي علَّكمتكها فَقلت مَا أشكرني لما يذهب عني هَذِه الوصمة فَقَالَ إِذا دخلت على السُّلْطَان فقع على نَعله وخذها بمنديلك وَقل يَا مَوْلَانَا إنَّ نَعْلي قد استجارت بِهَذِهِ النَّعْل كَمَا أَن صَاحبهَا ملك الْمُلُوك قَالَ فَفعلت ذَلِك)
فَضَحِك حَتَّى اسْتلْقى وَقَالَ بحياتي من علَّمك هَذَا قلت صَلَاح الدّين قَالَ قد علمت أَنَّهَا من فعلاته وأعفاني وَمن شعره من الْكَامِل