الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرس جوادٍ فَقَالَ يمدحه
(مَتى يَقُولُوا أَبُو مَرْوَان سيدنَا
…
وخيرُ مَن يُرتجى بَشَر فقد صدَقوا)
(هُوَ الجوادُ قَدِيما كَانَ سابقهم
…
حَتَّى أقرُّوا وَلَو لم يُنزعوا سُبِقوا)
وَكَانَ الوليدُ بن عبد الْملك محسناً إِلَيْهِ فَلَمَّا وَليَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَفد عَلَيْهِ مَعَ الشُّعَرَاء فَلم يُعْطه شَيْئا وَقَالَ مَا أرى للشعراء فِي بَيت المَال حَقًا وَلَو كَانَ لَهُم حق مَا كَانَ لَك لِأَنَّك امْرُؤ نَصْرَانِيّ فَقَالَ
(لَعمري لقد عَاشَ الْوَلِيد حياتَه
…
إمامَ هُدى لَا مستزادٌ وَلَا نَصرُ)
(كَأَن بني مروانَ بعد وَفَاته
…
جلاميدُ لَا تندَى وَإِن بلّها القَطر)
3 -
(الإِمَام أَبُو حنيفَة رضي الله عنه
النُّعْمَان بن ثَابت بن زوُطَى بِضَم الزَّاي وَسُكُون الْوَاو وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة وَبعدهَا ألف مَقْصُورَة اسْم نبطيٌّ ابْن ماه الإِمَام العلَم الْكُوفِي الْفَقِيه مولى بني تَميمِ الله بنِ ثَعْلَبَة ولد سنة ثَمَانِينَ من الْهِجْرَة وَتُوفِّي فِي نصف شَوَّال وَقيل فِي رَجَب وَقيل فِي شعْبَان سنة خمسين وَمِائَة وَرَأى أنس بن مَالك غير مرّة بِالْكُوفَةِ قَالَه بن سعد وروى أَبُو حنيفَة رضي الله عنه عَن عَطاء بن أبي رَباح وَقَالَ مَا رَأَيْت أفضل مِنْهُ وَعَن عَطِيَّة العَوفي ونافعٍ وسلمَة بن كُهيلٍ وَأبي جَعْفَر الباقر وعدي بن ثابتٍ وقَتادة وَعبد الرَّحْمَن بن هُرمز الْأَعْرَج وَعَمْرو بن دِينَار وَمَنْصُور وَأبي الزبير وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَعدد كثير وتفقه بحماد وَغَيره وبرع وساد فِي)
الرَّأْي أهل زَمَانه فِي الْفِقْه والتفريع للمسائل وتصدر للإشغال وَتخرج بِهِ الْأَصْحَاب فَمن تلامذته زُفر بن الهُذيل الْعَنْبَري وَالْقَاضِي أَبُو يُوسُف يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الْأنْصَارِيّ قَاضِي الْقُضَاة ونوح بن أبي مَرْيَم الْمروزِي وَأَبُو مُطِيع الحَكَم بن عبد الله الْبَلْخِي وَالْحسن بن زِيَاد اللؤْلُؤِي وَأسد الدّين بن عَمْرو وَمُحَمّد بن السن وَحَمَّاد بن أبي حنيفَة وخلقٌ وَكَانَ خزازاً يُنفق من كيسه وَلَا يقبل جوائز السُّلْطَان توّرعاً وَله دَار وضِياعٌ ومعاش متسع وَكَانَ معدوداً فِي الأجواد الأسخياء الألبّاء الأذكياء مَعَ الدّين وَالْعِبَادَة والتهجّ وَكَثْرَة التِّلَاوَة وَقيام اللَّيْل رضي الله عنه قَالَ الشَّافِعِي النَّاس فِي الْفِقْه عيالٌ على أبي حنيفَة قَالَ ابْن معِين ثِقَة وَقيل قَالَ لَا بَأْس بِهِ لم يُتهم بكذبٍ ضربه يزِيد بن هُبَيْرَة على الْقَضَاء فَأبى قَالَ أَبُو يُوسُف قَالَ أَبُو حنيفَة عِلمُنا هَذَا رأيٌ وَهُوَ أحسن مَا قَدرنَا عَلَيْهِ فَمن جَاءَنَا بأحسنَ مِنْهُ قبلناه وَقيل صلى بِوضُوء عشَاء الْآخِرَة الصُّبْح أَرْبَعِينَ سنة وَختم الْقُرْآن فِي
رَكْعَة وَقَالَ لَهُ رجل إِنِّي وضعت كتابا على خطك إِلَى فلَان فوهب لي أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم فَقَالَ إِن كُنْتُم تنتفعون بِهَذَا فافعلوه وَقيل إِنَّه ختم الْقُرْآن فِي الْموضع الَّذِي مَاتَ فِيهِ سَبْعَة آلَاف مرّة وردد لَيْلَة كَامِلَة قَوْله تَعَالَى بلِ الساعةُ موعِدهم والساعةُ أدهى وأمرُّ وروى نوح الْجَامِع أَنه سمع أَبَا حنيفَة يَقُول مَا جَاءَ عَن رَسُول صلى الله عليه وسلم فعلى الرَّأْس وَالْعين وَمَا جَاءَ عَن الصَّحَابَة اخترنا وَمَا كَانَ غير ذَلِك فهم رجال وَنحن رجالٌ وَقَالَ وَكِيع سَمِعت أَبَا حنيفَة يَقُول البّولُ فِي النمسجد أحسن من بعض الْقيَاس وَقَالَ ابْن حزم جَمِيع الْحَنَفِيَّة مجمعون على أنّ مَذْهَب أبي حنيفَة ضَعِيف الحَدِيث عِنْده أولى من الْقيَاس والرأي وَقَالَ يحيى الْقطَّان لَا نكذب الله مَا سمعنَا أحسنَ من رَأْي أبي حنيفَة وَقد أَخذنَا أَكثر أَقْوَاله وَنقل الْمَنْصُور أَبَا حنيفَة من الْكُوفَة إِلَى بَغْدَاد وأراده على الْقَضَاء فَأبى فَحلف عَلَيْهِ ليَفعلنّ فَحلف أَبُو حنيفَة أَن لَا يفعل فَقَالَ الرّبيع أَلا ترى أَمِير الْمُؤمنِينَ يحلِف فَقَالَ أَبُو حنيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أقدَرُ مني على كفّارة الْيَمين وأبى الْولَايَة فَأمر بحبسه فِي الْوَقْت وَقيل إِنَّه قَالَ لَهُ اتقِ الله وَلَا ترعى فِي أمانتك إِلَّا من يخَاف الله واللهِ مَا أَنا مَأْمُون الرضى فَكيف أكون مَأْمُون الْغَضَب وَلَو اتجه الحُكم عَلَيْك ثمّ تهدّدَتني أَن تغرِّقني فِي الْفُرَات أَو أَلِىَ الحُكم لَا خترتُ أَن أَغرَّقَ فِي الْفُرَات وَلَك حاشيةٌ يَحْتَاجُونَ إِلَى مَن يُكرِمهم لَك وَلَا أصلح لذَلِك فَقَالَ لَهُ كذبتَ أَنْت تصلح لذَلِك فَقَالَ لَهُ قد حكمتَ لي على نَفسك كَيفَ يحل لَك أَن تُوليَ على أمانتك من هُوَ كذّاب وَقيل توّلى)
الْقَضَاء يَوْمَيْنِ فَلم يَأْته أحد فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّالِث أَتَاهُ رجل صفّار وَمَعَهُ آخرُ فَقَالَ الصفّار لي مَعَ هَذَا ددرهمان وَأَرْبَعَة دوانيق ثمن تور صُفر فَقَالَ أَبُو حنيفَة اتَّقِ الله وَانْظُر فِيمَا يَقُول الصفّار قَالَ لَيْسَ لَهُ عليّ شَيْء فَقَالَ أَبُو حنيفَة للصفّار مَا تَقول فَقَالَ استحلِفهُ لي فَقَالَ أَبُو حنيفَة للرجل قل وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَجعل يَقُول فَلَمَّا رَآهُ أَبُو حنيفَة معزّما على أَن يحلف قطع عَلَيْهِ وَأخرج من كُمّه صرة وَأخرج مِنْهَا دِرْهَمَيْنِ ثقيلين وَقَالَ للصفّار هَذَانِ الدرهمان عِوَض بَاقِي تَورك فَنظر الصفار إِلَيْهِمَا وَقَالَ نعم وَأخذ الدرهمين فَلَمَّا بعد يَوْمَيْنِ اشْتَكَى أَبُو حنيفَة ثمَّ مرض سِتَّة أيّام وَمَات رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ يزِيد بن هُبَيْرَة قد ضربه مائَة سوطٍ كلّ يَوْم عشرةَ أسياط وَهُوَ يمْتَنع من ولَايَة ذَلِك فَلَمَّا رَآهُ مُصِراً خلى سَبيله وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل إِذا ذكر ذَلِك بَكَى وترّحم على أبي حنيفَة وَكَانَ أَبُو حنيفَة رَبعً من الرِّجَال وَقيل كَانَ طُوالاً تعلوه سُمرةٌ أحسنَ النَّاس مَنطِقاً وأحلاهم نَغمَة وَرَأى أَبُو حنيفَة فِي مَنَامه كأنّه نَبَش قبر رَسُوله الله صلى الله عليه وسلم فَبعث من سَأَلَ مُحَمَّد بن سِيرِين فَقَالَ ابْن سِيرِين صَاحب هَذِه الرُّؤْيَا يُثوِّر علما لم يسبُقه إِلَيْهِ أحد قبله وَقَالَ الشَّافِعِي قيل لمَالِك هَل رَأَيْت أَبَا حنيفَة قَالَ نعم رَأَيْت رجلا لَو كلمك فِي هَذِه السارية أَن يَجْعَلهَا ذَهَبا لقام بحجته وَقَالَ يحيى بن معِين الْقِرَاءَة عِنْدِي قِرَاءَة حَمْزَة وَالْفِقْه
فقهُ أبي حنيفَة على هَذَا أدركتُ الناسَ وَقَالَ بعض الكرَاميّة
(إِن الَّذين بجهلهم لم يقتدوا
…
فِي الدّين بِابْن كَرام غير كِرام)
(الْفِقْه فقه أبي حنيفَة وَحدَه
…
وَالدّين دينُ مُحَمَّد بن كَرام)
وَقد تقدم هَذَانِ البيتان فِي تَرْجَمَة الشَّيْخ صدر الدّين مُحَمَّد بن عمر بن الْكَيْل وَقَالَ جَعْفَر بن الرّبيع أقمتُ على أبي حنيفَة خمس سِنِين فَمَا رَأَيْت أطول صَمتاً مِنْهُ فَإِذا سُئِلَ عَن الْفِقْه تفتّح وسال كالوادي وَسمعت لَهُ دَويّاً وجَهارةً بالْكلَام وَكَانَ إِمَامًا فِي الْقيَاس وَقَالَ عَليّ بن عَاصِم دخلتُ على أبي حنيفَة وَعِنْده حَجّام يَأْخُذ من شَعره فَقلت للحجام تتَبَّع مَوَاضِع الْبيَاض لَا تَزِد قَالَ ولمَ لَا قَالَ لِأَنَّهُ يكثر قَالَ فتتبع مَوَاضِع السوَاد لَعَلَّه يكثر فحكيتُ لشريكٍ هَذِه الْحِكَايَة فَضَحِك وَقَالَ لَو ترك أَبُو حنيفَة قياسَه لتَركه مَعَ الْحجام وَقَالَ ابْن الْمُبَارك رَأَيْت أَبَا حنيفَة فِي طَرِيق مكّة وشُوِيَ لَهُ فصيلٌ سمينٌ فاشتَهوا أَن يأكلوه بخَل فَلم يَجدوا شَيْئا يصبون فِيهِ الخلّ فتحيروا فرأيته وَقد حفر فِي الرمل حُفرةً وبسَطَ عَلَيْهَا السُفرة وسكب الْخلّ فِي ذَلِك)
الْموضع فَأَكَلُوا الشِّواء بالخل فَقَالُوا لَهُ تحس كل شَيْء فَقَالَ عَلَيْكُم بالشكر فَإِن هَذَا شَيْء أُلهِمتُهُ لكم فضلا من الله عَلَيْكُم وَدعَاهُ الْمَنْصُور يَوْمًا فَقَالَ الرّبيع يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا أَبُو حنيفَة يُخَالف جدَّك كَانَ عبد الله بن عَبَّاس يَقُول إِذا حلف على الْيَمين ثمَّ اسْتثْنى بعد ذَلِك بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ جَازَ الِاسْتِثْنَاء وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز الِاسْتِثْنَاء إِلَّا متّصلاً بِالْيَمِينِ فَقَالَ أَبُو حنيفَة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إنّ الرببع يزْعم أَن لَيْسَ لَك فِي رِقاب جُندِك بَيعة قَالَ وَكَيف قَالَ يحلفُونَ لَك ثمَّ يرجِعون إِلَى مَنَازِلهمْ فيستثنون فتبطُل أَيْمَانهم فَضَحِك الْمَنْصُور وَقَالَ يَا ربيع لَا تعرّض لأبي حنيفَة فَلَمَّا خرج أَبُو حنيفَة قَالَ لَهُ الرّبيع أردتَ أَن تُشِيطَ بدمي قَالَ لَا وَلَكِنَّك أردتَ أَن تشيطَ بدمي فخلصتُك وخلص نَفسِي وان أَبُو الْعَبَّاس الطوسي سيءَ الرأى فِي أبي حنيفَة وَكَانَ أَبُو حنيفَة يعرف ذَلِك فَدخل يَوْمًا على الْمَنْصُور وَكثر النَّاس فَقَالَ الطوسي الْيَوْم أقتل أَبَا حنيفَة فَأقبل عَلَيْهِ وَقَالَ يَا أَبَا حنيفَة إِن أميرَ الْمُؤمنِينَ يَدْعُو الرجل فيأمره بِضَرْب عُنق الرجل لَا يدْرِي مَا هُوَ أفَيَسَعُه أَن يضْرب عنقَه فَقَالَ يَا أَبَا الْعَبَّاس أَمِير الْمُؤمنِينَ يَأْمر بِالْحَقِّ أَو بِالْبَاطِلِ قَالَ بالحقّ قَالَ أَنفِذ الْحق حَيْثُ كَانَ وَلَا تسْأَل عَنهُ ثمَّ قَالَ أَبُو حنيفَة لمن كَانَ قَرِيبا إِن هَذَا أَرَادَ أَن يُوثِقَني فرَبَطته وَقَالَ يزِيد بن الْكُمَيْت كَانَ أَبُو حنيفَة شَدِيد الْخَوْف من الله تَعَالَى فَقَرَأَ بِنَا عَليّ بن الْحسن لَيْلَة فِي الْعشَاء الْآخِرَة إِذا زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا وَأَبُو حنيفَة خَلَفه فَلَمَّا قضى الصَّلَاة وَخرج النَّاس نظرتُ إِلَيْهِ وَهُوَ جَالس يتفكّر ويتنفس فَقلت أقوم لَا يشْتَغل قلبه بِي فَلَمَّا خرجتُ تركت الْقنْدِيل وَلم يكن فِيهِ إِلَّا زيتٌ قَلِيل فَجئْت وَقد طلع الْفجْر وَهُوَ قَائِم
يُصَلِّي وَقد أَخذ بلحية نَفسه وَهُوَ يَقُول يَا من يَجْزِي بمثقال ذَرةٍ خيرا وَخيرا وَيَا من يَجْزِي بمثقال ذَرة شرّاً شرّاً أجِرِ النُّعْمَان عَبدك من النَّار وَمَا يقرب مِنْهَا من سوءٍ وأَدخِله فِي سعَة رحمتك قَالَ فأدّنتُ والقنديل يزهِر وَهُوَ قَائِم فلمّا دخلت قَالَ تُرِيدُ أَن تدخل الْقنْدِيل قلت قد أذّنتُ لصَلَاة الْغَدَاة قَالَ اكتمُ عليّ مَا رأيتَ وَركع رَكْعَتَيْنِ وَجلسَ حَتَّى أُقِيمَت الصَّلَاة وَصلى مَعنا الْغَدَاة على وضوء أوّل اللَّيْل وَقَالَ إِسْمَعِيل بن حَمَّاد بن أبي حنيفَة عَن أَبِيه قَالَ لما مَاتَ أبي سَأَلنَا الْحسن بن عمَارَة أَن يتَوَلَّى غُسله فَفعل فَلَمَّا غسله قَالَ رَحِمك الله وَغفر لَك لم تفطر مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة وَلم تتوسّد يَمِينك فِي اللَّيْل مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة وَقد أَتعبتَ من بعْدك وفضحتَ القراءَ وَقَالَ عبد الله بن رَجَاء كَانَ لأبي حنيفةَ جارٌ بِالْكُوفَةِ إسكافي يعْمل نَهَاره أجمعَ حَتَّى إِذا أجنّه اللَّيْل رَجَعَ إِلَى منزله وَقد حمل)
لَحْمًا فيطبخه أَو سَمَكَة فيشويها ثمَّ لم يزل يشرب حَتَّى إِذا دبّ فِيهِ غّرَّد بصوتٍ وَهُوَ يَقُول
(أضاعوني وأيّ فَتى أضاعوا
…
ليَوْم كريهةٍ وسدادِ ثغرِ)
فَلَا يزَال يشرب ويردد هَذَا الْبَيْت حَتَّى يَأْخُذهُ النّوم وَكَانَ أَبُو حنيفَة يسمع جَلبته كل ليلةٍ ففقد أَبُو حنيفَة صَوته لَيْلَة فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل أَخذه العَسَسُ مُنْذُ لَيَال وَهُوَ مَحْبُوس فصلّى أَبُو حنيفَة الْفجْر وَركب بغلته وَاسْتَأْذَنَ على الْأَمِير فَلَمَّا دخل قَالَ لي جَار إسكافي أَخذه العَسَس مُنْذُ لَيَال يَأْمر الْأَمِير بتخلية سَبيله فَقَالَ نعم وكل من أُخِذ تِلْكَ اللَّيْلَة فتركوا أَجْمَعِينَ وَخرج أَبُو حنيفَة والإسكافي يمشي وَرَاءه فَلَمَّا نزل أَبُو حنيفةَ رضي الله عنه مضى إِلَيْهِ وَقَالَ يَا فتىَ أضعناك فَقَالَ لَا بل حفظتُ ورُعيتُ جَزَاك الله خيرا عَن حُرمة الجِوار ورعاية الْحق وَتَابَ ذَلِك الرجل وَلم يعد إِلَى مَا مَكَان عَلَيْهِ وَلم يكن فِي أَبُو حنيفَة رضي الله عنه مَا يعاب بِهِ غير اللّحن فَمن ذَلِك أَن ابا عَمْرو بن العلاءِ المقرىء النَّحْوِيّ ساله عَن القَتل بالمِثل هَل يوجِب القَود أَو لَا فَقَالَ لَا كَمَا هُوَ قَاعِدَة أبي حنيفَة فِي مذْهبه خلافًا للشَّافِعِيّ فَقَالَ لع أَبُو عَمْرو ولوقتله بِحجر المنجنيق فَقَالَ لَهُ وَلَو قَتله بأبا قُبيس يَعْنِي الْجَبَل المطلّ على مَكَّة وَقد اعتذر النَّاس لَهُ وَقَالُوا قَالَ ذَلِك على لُغَة من يعرب الحروفَ الستةَ على أَنَّهَا مقصورةٌ وَمِنْه قَول الْقَائِل
(إِن أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا
…
قد بلغا فِي الْمجد غايتاها)
وَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك يمدَح الإِمَام
(رأيتُ أَبَا حنيفةَ كلَّ يومٍ
…
يَزيدُ نَبالةً وَيزِيد خُبرا)
(ويَنطِقُ بالصَواب ويَصطَفيه
…
إِذا مَا قَالَ أهل الهُجر هُجرا)
وَقَالَ فِيهِ أَيْضا
(رأيتُ أَبَا حنيفَة حِين يُؤتَى
…
ويُطلَبُ عِلمُه بَحرا غَزيرا)
(يقايس من يقايسه بلُبٍّ
…
فَمن ذَا تجعلونَ لَهُ نظيرا)
(كفانا فَقد حمادٍ وَكَانَت
…
مُصيبتُنا بِهِ أمرا كَبِيرا)
(فردّ شماتة الْأَعْدَاء عنّا
…
وأبدَى بعده علما كثيرا)
(إِذا مَا المشكلات تدافَعَتها
…
رجال الْعلم كَانَ بهَا بَصيرًا)
وَقَالَ فِيهِ أَيْضا)
(لقد زانَ لبلادَ ومَن عَلَيْهَا
…
غمامُ الْمُسلمين أَبُو حنيفَه)
(بآثارٍ وفقهٍ مَعَ حديثٍ
…
كآيات الزَبُور على صحيفه)
(فَمَا هِيَ فِي المَشرِقَين لَهُ نظيرٌ
…
وَلَا فِي المغربين وَلَا بكوفَه)
(رأيتُ العائبين لَهُ سفاها
…
خِلافَ الْحق مَعَ حُجَج ضعيفَه)
(يبيتُ مشمرا سَهَرَ اللَّيَالِي
…
وَصَامَ نَهَاره لله حَيفَه)
(وصان لسانَه عَن كل إفكٍ
…
وَمَا زَالَت جوارِ حُه عفيفه)
(يعِفّ عَن المَحارِم والمَلاهي
…
ومَرضاة الْإِلَه لَهُ وظيفَه)
(فَمن كَأبي حنيفَة فِي نداه
…
لأهل الفَقر فِي السّنة الجحيفة)
(وَكَيف يحلّ أَن يؤذَى فقيهٌ
…
لَهُ فِي الدّين آثارٌ شريفه)
(وَقد قَالَ ابْن غدريسٍ مقَالا
…
صَحيحَ النَقل فِي حكمٍ لطيفه)
(بأنّ الناسَ فِي فِقهٍ عِيالٌ
…
على فقه الإِمَام أبي حنيفَه)
وَقَالَ غَسَّان بن مُحَمَّد التَّمِيمِي
(وضع القياسَ أَبُو حنيفَة كلَّه
…
فَأتى بأوضَحِ حُجة وقياسِ)
(وبَنَى على الْآثَار رأسَ بِنائِه
…
فَأَتَت قواعدُه على الأساس)
(والناسُ يتِبعون فِيهَا قولَه
…
لمّا استبان ضياؤُه للنَّاس)
وَفِي أبي حنيفَة رضي الله عنه يَقُول مساور
(إِذا مَا الناسُ يَوْمًا قايسونا
…
من الفُتيا بآبدة طريفه)
(أتيناهمِ بِمِقياسٍ صحيحٍ
…
تِلادٍ من طِراز أبي حنيفَه)
(إِذا سَمِعَ الْفَقِيه بهَا وعاها
…
وأثبتَها بخيرٍ فِي صَحيفَه)
فَأَجَابَهُ بعض أَصْحَاب الحَدِيث