الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّافِعِي اشْتغل بالفقه على الشَّيْخ بهاء الدّين القفطي وَكَانَ يطالع تَفْسِير ابْن عطيّة كثيرا وَبنى مدرسة بأَسنا ووقف عَلَيْهَا بساتينَه قَالَ الْفَاضِل كمالُ الدّين الأدفوني اتّفق أَن عِنْد انْتِهَاء الْعِمَارَة حضر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين إِلَى أَسنا لزيارة بهاء الدّين القفطي فَسَأَلَهُ مجد الدّين أَن يُلقِيَ الدَّرْس بهَا فَألْقى الشَّيْخ بهَا درساً وَكَانَ شَيخنَا تَاج الدّين الدِّشناوي فِي خدمَة الشَّيْخ من قُوص فَقَالَ لمجد الدّين إِذا فرغ الدَّرْس قل للشَّيْخ يَا)
سَيِّدي بدستور سيّدي آخُذُ الدرسَ فَيبقى ذَلِك إِذْنا من الشَّيْخ فَقَالَ لَا هَذِه مدرستي وَأَقُول لَهُ أَنا هَذَا الَّذِي قلت فيسكتُ أَو يَقُول لَا فيُنقَل عنّي وَكَانَ يدرِّس بهَا وَيعْمل للطَّلَبة طَعَاما طيّباً عَاما وَيَقُول لمن تتّفق غيبته يَا فلَان فاتَك الْيَوْم الْفَوَائِد والموائد
(ارضَ لمن غَابَ عَنْك غَيبَته
…
فَذَاك ذَنبٌ عِقابُهُ فيهِ)
وانتهت إِلَيْهِ رئاسة بَلَده وخطب بأصَفُون وَتُوفِّي بِبَلَدِهِ سنة تسع وَسَبْعمائة
3 -
(أَبُو الْقَاسِم الْكَاتِب)
هبة الله بن عِيسَى أَبُو الْقَاسِم كَاتب مهذّب الدولة عَليّ بن نصر صَاحب البطيحة ووزيره ومدبّر أمره كَانَ كَاتبا سديداً عَاقِلا مترسّلاً فهما وَكَانَ يَفضُل على الأدباء ويُحسِن إِلَى الْعلمَاء مَاتَ سنةَ خمس وَأَرْبَعمِائَة وَبَينه وَبَين أبي الْقَاسِم المغربي مكاتباتٌ وَمن شعره
(أضنّ بليلَى وَهِي عَنّي سخيَّةٌ
…
وتَبخَلُ ليلى بالهوى وأَجُودُ)
(وأعذَلُ فِي ليلَى ولستُ بمُنيةٍ
…
وأعلَمُ أَنِّي مخطىء وأعود)
وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو طَاهِر عَليّ بن الْحسن كنتُ عِنْد أبي الْقَاسِم هبة الله جَالِسا وَإِذا الْخياط قد جَاءَ بدُرّاعةٍ دَبِيقية معلَّمة فعرّضتُ بهَا فَقَالَ أَنا أُعطيك شُقّةً مثلهَا دُرّاعتي واسمي هبة الله وَقد سمعتُ قَول الشَّاعِر
(أيا هبةَ الإلهِ وقَفتُ شعري
…
علَى دُراعةٍ ذهبت قُواها)
(قصدتُ بهَا الصفوفَ إِلَى مُطَرٍّ
…
يُطرِّبها فَقَالَ على حَراها)
(أَرَاهَا فِي يَديك فهاتَ قُل لي
…
إِذا نزلَت تعارى مَن يَرَاهَا)
وَأمر فَدفع إليَّ شقّة دبيقيةً حَسَنَة
3 -
(أَبُو الْقَاسِم الْقطَّان)
هبة الله بن الْفضل بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أَحْمد بن الْفضل بن يَعْقُوب بن يُوسُف بن سَالم أَبُو الْقَاسِم المَتُّوثيّ الْقطَّان الشَّاعِر من
أَوْلَاد المحدّثين كَانَ الْغَالِب على شعره الهجاء وثلب النَّاس وهجا الأكابر والأعيان وَكَانَ النَّاس يَتَّقُونَ لسانَه سمع الحَدِيث فِي صِباه من وَالِده وَمن أبي طَاهِر أَحْمد بن الْحسن الْكَرْخِي وَأبي الْفضل أَحْمد بن الْحسن بن خيرون وَالْحُسَيْن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن طَلْحَة النِّعالي وَالْحُسَيْن بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن أَيُّوب العُكبري وَغَيرهم وعُمّر وَسمع من الْحفاظ وَالْأَئِمَّة وَكَانَ عسِراً فِي الرِّوَايَة)
سيّىء الْأَخْلَاق كريهَ الملقَى عَبوساً مُبغَّضاً روى عَنهُ ابْن الْأَخْضَر وَأَبُو الْفتُوح بن الحُصري وثابت بن مُشرَّفٍ الْأَزجيّ وُلد سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي فِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَخمسين وَخَمْسمِائة وَكَانَ حَاضر الْجَواب وَيعرف الطبّ والكحل وَهُوَ الَّذِي شهّر الحيص بَيص بِهَذَا اللقب وَمن شعره
(يَا باعثاً طيفَه مِثَالا
…
مَا لكَ فِي الْحسن من مِثَال)
(وَإِنَّمَا كَانَ ذَاك عِشقا
…
بعث خيال إِلَى خيال)
وَمن شعره
(ومُدامة مَرَحَت وَقد مُزِجَت لمن
…
شربَ العُقار فسادَه بصلاحه)
(يستنفذ الهموم من يَد فكره
…
قَسراً فروحٍ مُديمها فِي راحه)
(لم يحتجّ الساقي عَشِيَّة صبها
…
فِي كأسه لَيْلًا إِلَى مِصباحه)
(فَصباحه كمسائه سُكراً بهَا
…
ومساؤه من نورها كصباحه)
(وقداحُهُ قد فَازَ حِين أراقَها
…
من لهوِه إِلَّا بِريقٍ فِي أقداحِه)
وَمِنْه
(يَا من هجرت فَمَا تُبالي
…
هَل ترجع دولة الوِصال)
(مَا أطمعُ يَا عَذابَ قلبِي
…
أَن ينعَم فِي هَوَاك بالي)
(الطرفُ كَمَا عهدتَّ باكٍ
…
والجسمُ كَمَا ترَاهُ بالي)
(مَا ضرَّك أَن تعلِّليني
…
فِي الوَصلِ بموعد مُحال)
(أهَواكِ وأنتِ حَظُّ غَيْرِي
…
يَا قاتلتي فَمَا احتيالي)
وَكَانَت لِابْنِ الْقطَّان مَعَ الحيص بيص وقائع وَله فِيهِ أهاجِيّ خرج الحيص بيص لَيْلَة من دَار الْوَزير شرف الدّين ابي الْحسن عَليّ بن طرادٍ الزَّيْنَبِي فنبح عَلَيْهِ جَروُ كلبٍ وَكَانَ متقلّداً سَيْفا فوكزه بعَقب السَّيْف فَمَاتَ فَبلغ ذَلِك ابْن الْفضل الْمَذْكُور فنظم أبياتاً وكتبها فِي ورقة وعلقها فِي عنق كلبة لَهَا أجرٍ ورتب مَعهَا من طَردَها وَأَوْلَادهَا إِلَى بَاب دَار الْوَزير كالمستغيثة فاُخذتِ الورقة من عُنقها وعُرِضَت على الْوَزير فَإِذا هِيَ
(يَا أهل بَغْدَاد إنّ الحيصَ بيصَ أَتَى
…
بفعلة أكسبته الخِزي فِي البلدِ)
(هُوَ الجبانُ الَّذِي أبدى تَشاجُعَه
…
على جُرَيّ ضَعِيف الْبَطْش والجلَد)
)
(وَلَيْسَ فِي يَده مالٌ يَدَيْهِ بِهِ
…
وَلم يكن ببواءٍ عَنهُ فِي القَوَد)
(فأنشدت جعدَةٌ مِن بعدِ مَا احتسبَت
…
دمَ الأُبيلَق عِنْد الْوَاحِد الصَّمد)
(تَقول للنَّفس تأساءً وتَعزيةً
…
إِحْدَى يَدَيَّ أصابتني وَلم تُرِد)
(كِلاهما خلَفٌ من فَقدِ صاحبِهِ
…
هَذَا أخي حِين أَدعوه وَذَا وَلدي)
وَهَذَانِ البيتان تضمينٌ من أَبْيَات الحماسة وَحضر الحَيص بَيص لَيْلَة عِنْد الْوَزير فِي شهر رَمَضَان على السماط فَأخذ ابْن الْفضل قَطاة مشوية وقدمها إِلَى الحيص بيص فَقَالَ الحيص بيص للوزير يَا مَوْلَانَا هَذَا الرجل يُؤْذِينِي فَقَالَ الْوَزير وَكَيف ذَلِك قَالَ لِأَنَّهُ يُشِير إِلَى قَول الشَّاعِر
(تَميمٌ بِطرفِ اللؤم أهدَى من القطا
…
وَلَو سَلكَت سَبل المكارم ضَلّت)
وَكَانَ الحيص بيص تميميَّا وَدخل ابْن الْفضل يَوْمًا على الْوَزير الْمَذْكُور وَعِنْده الحيص بيص فَقَالَ قد عملتُ بَيْتَيْنِ لَا يُمكن أَن يُعمل لَهما ثالثٌ فَقَالَ الْوَزير وَمَا هما فأنشده
(زار الخَيالُ بَخيلاً مِثلَ مُرسله
…
فَمَا شَفائِيَ مِنْهُ الضَمُّ والقُبَلُ)
(مَا زارني قَطُّ إلاّ كي يوافقَني
…
على الخيال فينفيه ويَرتحل)
فَالْتَفت الْوَزير إِلَى الحيص بيص وَقَالَ مَا تَقول فِي دَعْوَاهُ فَقَالَ إِن أعادهما سمع الْوَزير لَهما ثَالِثا فَقَالَ الْوَزير أعدهما فأعادهما فَوقف الحيص بيص لُحَيظةً ثمَّ قَالَ
(وَمَا درَى أَن نومي حيلةٌ نُصِبت
…
لِطَيفِه حِين أَعيا اليَقَظَةَ الحِيَلُ)
فَاسْتحْسن الْوَزير مِنْهُ ذَلِك وهجا ابْن الْفضل قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين الزَّيْنَبِي بقصيدة كَافِيَة فسيّر إِلَيْهِ أحد الغلمان فَأحْضرهُ وصفعه وحبسه فطال حَبسُه فَكتب إِلَى مجد الدّين بن الصاحب أُستاذ دَار الْخَلِيفَة
(إِلَيْك أظلُّ مجدَ الدّين أَشْكُو
…
بلَاء حَلَّ لستُ لَهُ مُطِيقَا)
(وقوما بلّغوا عنّي مُحالاً
…
إِلَى قَاضِي الْقُضَاة النّدب شِيقا)
(فأحضرني بِبَاب الحُكم خَصمٌ
…
غليظٌ جرّني كُمّاً وزريقا)
(وأخفق نعلَهُ بالصَّفع رَأْسِي
…
إِلَى أَن أوجس القلبَ الخَفوقا)
(على الْخصم الأداءِ وَقد صفِعنا
…
إِلَى أَن مَا تهدّينا الطريقا)
(فيا مولَايَ هَب ذَا الإفكَ حَقًا
…
أيحبَسُ بعد مَا استوفى الحقوقا)