الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
(الفرزدق)
هَمام بن غَالب بن صعصعة بن نَاجِية بن عقال بن مُحَمَّد بن سُفْيَان بن مجاشع بن دارم بن مَالك واسْمه عَرف سمى بذلك لجوده وَقيل غَرف بالغين الْمُعْجَمَة وَالرَّاء ابْن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم بن مرّ أَبُو فراسٍ الفرزدق التَّمِيمِي الْمَشْهُور صَاحب جريرٍ كَانَ أَبوهُ غَالب من جِلّة قومه وَمن سَراتهم وكنيته أَبُو الأخطل وَلم يكن بالبادية أحسَنَ دينا من جدّه صعصعة وَلم يُهَاجر وَهُوَ الَّذِي أَحْيَا الوئيدةَ وَبِه افتخر الفرزدق فِي قَوْله
(وجدي الَّذِي مَنَعَ الوائِدات
…
فأحيا الوئيدَ وَلم يُوأَدِ)
قيل إِنَّه أَحْيَا ألفَ مَوءودةٍ وَحمل على ألف فرس وَأم الفرزدق ليلَى بنت حَابِس أُخْت الْأَقْرَع بن حابسٍ وَله مَنَاقِب مَشْهُورَة وَقد تقدم ذكر وَالِده غَالب فِي حرف الْغَيْن مَكَانَهُ وَتقدم أَيْضا ذكر جدّه صعصعة الصَّحَابِيّ فِي حرف الصَّاد فِي مَكَانَهُ والفرزدق لُغزاً لقطعة من الْعَجِين أَو)
الرَّغِيف الضخم لأنّ وَجهه كَانَ ضخماً غليظاً روى عَن عَليّ بن أبي طالبوكأنه مُرسَلٌ وَعَن أبي هُرَيْرَة وَالْحُسَيْن وَابْن عمر وَأبي سعيد والطِّرِماخ الشَّاعِر وروى عَنهُ الْكُمَيْت ومروان الْأَصْغَر وخَالِد الْحذاء وَأَشْعَث بن عبد الْملك والصَّعِق بن ثابتٍ وَابْنه لَبطَةُ بن الفرزدق وحَفيده أَعيَنُ بن لبطة ووفَذَ على الْوَلِيد وَسليمَان ومدحهما قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَلم أرَ لَهُ وِفادةً على عبد الْملك بن مَرْوَان وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ وَفد على مُعَاوِيَة وَلم يصحّ روى مُعَاوِيَة بن عبد الْكَرِيم عَن أَبِيه قَالَ دخلتُ على الفرزدق فَتحَرك فَإِذا فِي رجلَيْهِ قَيدٌ قلتُ ماهذا يَا أَبَا فراس قَالَ حلفتُ أَن لَا أُخرِجَه من رِجلي حَتَّى أحفظ الْقُرْآن وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء حضرتُ الفرزدق وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ فَمَا رأيتُ أحسنَ ثِقَة مِنْهُ بِاللَّه وَتُوفِّي الفرزدق سَنَةَ عشر وَمِائَة وَقيل سنة اثنَتي عَشرة وَقيل سنة أَربع عشرَة وَكَانَ الفرزدق كثير التَّعْظِيم لقبر أَبِيه فَمَا جَاءَهُ أحدٌ واستجار بِهِ إلاّ قَامَ مَعَه وساعده على بُلُوغ غَرَضه وَمن ذَلِك أَن الْحجَّاج لما ولّى تَمِيم بن زيدٍ القُتبي بِلَاد السَّنَد دخل الْبَصْرَة وَجعل يخرِج من أَهلهَا من شَاءَ فَجَاءَت عجوزٌ إِلَى الفرزدق وَقَالَت إنّي استجرتُ بِقَبْر أَبِيك وَأَتَتْ مِنْهُ بحُصيّاتٍ فَقَالَ مَا شأنكِ قَالَت إنّ تميمَ بن زيدٍ خرج بابنٍ لي مَعَه وَلَا قُرَّةَ لعَيْنِي وَلَا كاسبَ عليّ غيرهُ فَقَالَ لَهَا وَمَا اسْم ابنكِ فَقَالَت حُنَيس فَكتب إِلَى تَمِيم مَعَ بعض من شخص
(تميمَ بن زيدٍ لَا تكوننَّ حَاجَتي
…
بظهرٍ فَلَا يَعيا عليّ جوابُها)
(وهب لي حنيساً واحتسِب فِيهِ منّةً
…
لعبَرِة أمٍّ لَا يسوغُ شرابُها)
(أَتَتْنِي فعاذَت يَا تميمُ بغالبٍ
…
وبالحفرةِ السافي عَلَيْهَا تُرابُها)
(وقَد عَلِم الأقوامُ أنكَ ماجدٌ
…
وليثٌ إِذا مَا الحربُ شبَّ شِهابها)
فَلَمَّا ورد الْكتاب على تَمِيم شكَّ فِي الِاسْم فَلم يعرف أحُنَيس أم حُبَيش ثمَّ قَالَ انْظُرُوا من لَهُ مثل هَذَا الِاسْم فأُصِيبَ ستةٌ مَا بَين حُنَيس وخبيش فوجّه بهم إِلَيْهِ قَالَ القَاضِي شمس الدّين أَحْمد بن خلكان رَحمَه الله تَعَالَى وَقد اخْتلف أهل الْمعرفَة بالشعر فِي الفرزدق وَجَرِير والمفاضلة بَينهمَا وَالْأَكْثَرُونَ على أَن جَرِيرًا أشعرُ مِنْهُ قلتُ أَنا مَا مَن يُهاجي الفرزدق وَأَبوهُ وجدّهُ كَمَا تقدم ذكرهُما فِي الْفَخر والسُّؤدَد وَيكون جرير وَأَبوهُ على مَا تقدم فِي تَرْجَمَة جرير من الخِسَّة والنَّذالة إِلَّا وَجَرِير أشعر بِلَا شكّ لمقاومته لمثل الفرزدق ومهاجاته ومفاخرته على أنّه قد قيل للمفضّل الضبيّ الفرزدق أشعر أم جرير فَقَالَ الفرزدق قيل لَهُ ولِمَ قَالَ لِأَنَّهُ)
قَالَ بَيْتا هجا بِهِ قبيلتين ومدح قبيلتين وَأحسن فِي ذَلِك فَقَالَ
(عجبتُ لِعجلٍ إِذْ تُهاجي عَبِيدَها
…
كَمَا آلُ يربُوع هَجَوا آلَ دارِم)
فَقيل لَهُ فقد قَالَ جريرٌ
(إِن الفرزدقَ والبَعِيثَ وأُمَّه
…
وَأَبا البعيثِ لشَرُّ مَا إستارِ)
فَقَالَ وأيُّ شَيْء أهوَن من أَن يَقُول إنسانٌ فلَان وَفُلَان وَالنَّاس كلّهم بَنو الفاعلة ومِن فَخر الفرزدق قَوْله
(لَو أَن جميعَ النَّاس كَانُوا بِرَبوة
…
وجِئتُ بجدّي دارمٍ وابنِ دارمِ)
(لظلَّت رقابُ النَّاس خاضعةً لنا
…
سُجواً على أقدامنا بالجماجمِ)
قلت وأزِيدُك أُخرى وَهِي أنّ الفرزدق تفرّغ لِهجاءِ جرير وحدَه وَلم يهجُ غيرَه وَأما جرير فقد هاجى ثَمَانِينَ شاعِراً وَقد أنصف أَبُو الْفرج الإصبهاني حَيْثُ قَالَ فِي كَلَام طويلٍ آخِره أمّا من كَانَ يَميل إِلَى جزالة الشّعْر وفخامته وشدّة أسره فيقدِّمُ جَرِيرًا وَقَالَ يُونُس بن حبيب مَا شهِدت مشهداً قطُّ ذكر فِيهِ جرير والفرزدق فَاجْتمع أهل الْمجْلس على أَحدهمَا وَقَالَ أَيْضا لَوْلَا شعر الفرزدق لذهب ثُلث لغةِ الْعَرَب وَكَانَ جرير قد هجا الفرزدق بقصيدةٍ مِنْهَا
(وكنتَ إِذا نزلتَ بدارِ قومٍ
…
رحَلتَ بخزيَةٍ وتركتَ عارا)
وَاتفقَ بعد ذَلِك أَن الفرزدق نزل بِامْرَأَة من أهل الْمَدِينَة وَجرى لَهُ مَعهَا قَضِيَّة يطول شرحها خُلَاصَة الْأَمر أَنه راودها عَن نَفسهَا بعد أَن كَانَت أضافته وأحسنَت إِلَيْهِ مِمَّا متنعت عَلَيْهِ
وَبلغ الْخَبَر عمر بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ يَوْمئِذٍ وَالِي الْمَدِينَة فَأمر بإخراجهِ من الْمَدِينَة فَلَمَّا أُخرج أركب نَاقَة ليَنفُوَه فَقَالَ قَاتل اللهُ ابْن المراغة كَأَنَّهُ شَاهد هَذَا الْحَال حَتَّى قَالَ وكُنتَ إِذا نزلتَ بدارِ قومٍ البيتَ وَمن شعر الفرزدق لما كَانَ بِالْمَدِينَةِ
(هما دلّيلاني من ثمانينَ قامةً
…
كَمَا انقضَّ بازٍ أقتمُ الرأسِ كاسِرُه)
(فَلَمَّا استوَت رجلايَ فِي الأَرْض قَالَتَا
…
أحّيٌّ فيُرجى أم قتيلٌ نُحاذِرُه)
(فَقلت ارفعا الأسبابَ لَا يشعروا بهَا
…
وأقبلتُ فِي أَسبَاب ليلٍ احادره)
(أُحاذر بوّابَينِ قد وُكِّلَا بِنَا
…
وأسوَدَ من ساجٍ تَصِرُّ مَسامره)
فَقَالَ جرير لما بلغه ذَلِك
(لقد ولدت أُمُّ الفرزدق شَاعِرًا
…
فَجَاءَت بِوَزوَارٍ قصيرِ القوادِمِ)
)
(يوصِّلُ حَبلَيه إِذا جَنَّ ليلُه
…
ليرقَى إِلَى جارته بالسلالم)
(تدليتَ تَزني من ثمانينَ قامةً
…
وقَصَرَت عَن بَاعَ العُلا والمكارم)
(هُوَ الرجسُ يَا أهلَ الْمَدِينَة فاحذَروا
…
مداخلَ رجسٍ بالخبيثات عَالم)
(لقد كَانَ إخراجُ الفرزدق عنكمُ
…
طهُورا لِما بَين الْمصلى وواقم)
فَأجَاب الفرزدق عَنْهَا بقصيدة طَوِيلَة مِنْهَا
(وإنّ حَراماً أَن أسُبَّ مُقاعساً
…
بآبائيَ الشمِّ الكِرام الخضارمِ)
(ولكنَّ نَصفاً لَو سَبَبتُ وسبَّني
…
بَنو عبد شمسٍ من منافٍ وهاشمِ)
(أُولَئِكَ أمثالي فجئني بمثلهم
…
وأَعتَدُّ أَن أهجو كليباً بدارم)
ولمّا سمع أهل الْمَدِينَة أَبْيَات الفرزدق الْمَذْكُورَة أَولا جَاءُوا إِلَى مَرْوَان بن الحكم وَهُوَ وَالِي الْمَدِينَة من قبل مُعَاوِيَة فَقَالُوا مَا يصلح هَذَا الشّعْر بَين أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقد أوجب على نَفسه الحدَّ فَقَالَ مَرْوَان لست أحدُّه لَكِن أكتب إِلَى من يحده وَأمر أَن يُخرَجَ من الْمَدِينَة وأجَّله ثلاثةَ أَيَّام لذَلِك فَلذَلِك يَقُول الفرزدق
(توعّدني وأَجَّلني ثَلَاثًا
…
كَمَا وُعِدَت لمهلِكها ثمودُ)
ثمَّ كتب مَرْوَان إِلَى عَامله كتابا يَأْمُرهُ أَن يحدّه ويسجُنه وأوهمه أَنه كتب لَهُ بجائزة ثمَّ نَدم مَرْوَان على مَا فعل فوجّه عَنهُ سفيراً وَقَالَ إِنِّي قد قلتُ شعرًا فأسمعه
(قُل للفرزدق والسَّفاهة كاسِمها
…
إِن كنت تاركَ مَا أمرتُك فاجلِسِ)
(ودَعِ المدينةَ إِنَّهَا محبوبةٌ
…
واقصِد لمكّةَ أَو لبيت المقدِسِ)
(وَإِن اجتنيتَ من الْأُمُور عَظِيمَة
…
فَخُذَن لِنفسِك بالعظيم الأكيس)
فَلَمَّا وقف الفرزدق عَلَيْهَا فطِنَ لما أَرَادَ مَرْوَان فَرمى الصَّحِيفَة وَقَالَ
(مَرْوَان إِن مطيتي محبوسة
…
ترجو الحباء وربها لم ييأس)
(وحبوتني بِصَحِيفَة مخبوءة
…
يخْشَى عَليّ بهَا حباء النقرس)
(الق الصَّحِيفَة يَا فرزدق لَا تكن
…
نكداً مثل صحيفَة المظمس)
وأتى سعيد بن الْعَاصِ الْأمَوِي وَعِنْده الْحسن وَالْحُسَيْن رضي الله عنهما وَعبد الله بن جَعْفَر فَأخْبرهُم الْخَبَر فَأمر لَهُ كل وَاحِد بِمِائَة دينارٍ وراحلة وتوجَّه إِلَى الْبَصْرَة فَقيل لمروان أخطأتَ فِيمَا فعلتَ فَإنَّك عرّضتَ عرضك لشاعر مُضَرَ فوجَّه إِلَيْهِ رَسُولا وَمَعَهُ مائَة دِينَار)
وراحلة خوفًا من هجائه صَعِدَ الْوَلِيد بن عبد الْملك المنبَر فَسمع صوتَ ناقوسٍ فَقَالَ مَا هَذَا قيل البِيعة فَأمر بهدمها وَتَوَلَّى بعض ذَلِك بِيَدِهِ فَكتب إِلَيْهِ ملك الرّوم إِن هَذِه الْبيعَة قد أقرّها من كَانَ قبلك فَإِن كَانُوا أَصَابُوا فقد أخطأتَ وَإِن كنتَ أصبتَ فقد أخطأوا فَقَالَ الْوَلِيد من يجِيبه فَقَالَ الفرزدق يكْتب إِلَيْهِ وَدَاوُد وَسليمَان إِذا يحكمانِ فِي الحَرث إِذْ نَفَشَت فِيهِ غَنَمُ الْقَوْم وكُنا لحُكمهم شاهِدين ففهَّمناها سليمانَ وكلاًّ آتِيَا حكما وعلماً الْآيَة وَكَانَ يَقُول الفرزدق خير السّرقَة مَا لَا يُقطَع فِيهِ يَعْنِي بذلك سَرقَة الشّعْر وَدخل الفرزدق مَعَ فتيانٍ من آل الْمُهلب فِي بِركة يتبرَّدون فِيهَا وَمَعَهُمْ ابْن أبي علقمةَ الماجن فَجعل يتلفت إِلَى الفرزدق وَيَقُول دَعوني حَتَّى أنكحه فَلَا يهجونا أبدا وَكَانَ الفرزدق من أجبنِ النَّاس فَجعل يستغيث وَيَقُول وَيْلكُمْ لَا يمسّ جلده جلدي فَيبلغ ذَلِك جَرِيرًا فيوجبُ عليّ أَنه قد كَانَ مِنْهُ إليّ الَّذِي يَقُول فَلم يزل يناشدهم حَتَّى كفوه عَنهُ ورَكِب الفرزدق يَوْمًا بغلَته ومَرَّ بِنِسوَةٍ فلمّا حاذاهنّ لم تتمالك البغلة ضرطاً فضحكن مِنْهُ فَالْتَفت إليهنّ وَقَالَ لَا تضحكن فَمَا حَملتنِي أُنثى إلاّ ضرطت فَقَالَت إِحْدَاهُنَّ فَقَالَت إِحْدَاهُنَّ مَا حملك أككثر من أمّك فأراها قد قاست مِنْك ضراطاً عَظِيما فحرّك بغلتَه وهرب وَقَالَ مَا أعياني جوابٌ قطّ كَمَا أعياني جَوَاب دهقانٍ مرَّةً قَالَ لي أَنْت الفرزدق الشَّاعِر قلت نعم قَالَ إِن هجوتني تُخرِب ضيعتي قلت لَا قَالَ فتموت عيشونة ابْنَتي فَقلت لَا قَالَ فرجلي إِلَى عنقِي فيحر أُمّك فَقلت وَيلك لم تركتَ رَأسك قَالَ حَتَّى أنظر أيّ شَيْء تصنع الزَّانِيَة ولمّا اسْتعْمل الْحجَّاج الْخِيَار بن سَبرة الْمُجَاشِعِي على عمان كتب إِلَيْهِ الفرزدق يستهدي جَارِيَة فَكتب الْخِيَار إِلَيْهِ
(كتبتَ إليّ تستهدي الْجَوَارِي
…
لقد أنعَظتَ من بلدٍ بعيد)
(فلولا أَن أُمَّك كَانَ عمَي
…
أَبَاهَا كنتُ أخرس بالنشيدِ)
وَسمع الفرزدق رجلا يقْرَأ وَالسَّارِق والسارقة فاقطَعوا أَيْدِيهِمَا جَزَاء بِمَا كسبنا نكَالاً من الله وَالله غفورٌ رحيمٌ فَقَالَ اقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا وَالله غفورٌ رَحِيم أينبغي أَن يكون هَذَا هَكَذَا فَقيل لَهُ إِنَّمَا عزيزٌ حَكِيم فَقَالَ هَكَذَا يَنْبَغِي أَن يكونَ وَقَالَ قد علم الناسُ أَنِّي فحلُ