الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[رابعا الجهل بحقيقة الإيمان وعلاقته بالأعمال]
رابعا: الجهل بحقيقة الإيمان وعلاقته بالأعمال لقد عرف أهل السنة والجماعة الإيمان بأنه: قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح (1) . قال الإمام البخاري رحمه الله:(لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار، فما رأيت أن أحدا منهم يختلف أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص)(2) .
وقد عقد الإمام الآجري رحمه الله بابا سماه: (القول بأن الإيمان تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح، لا يكون مؤمنا إلا أن يجتمع فيه هذه الخصال الثلاث) . ثم قال رحمه الله: (اعلموا - رحمنا الله وإياكم -: أن الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق، وهو تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح، ثم اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقا، ولا تجزئ معرفة بالقلب ونطق باللسان حتى يكون عمل بالجوارح، فإذا كملت فيه هذه الثلاث الخصال كان مؤمنا. دل على ذلك الكتاب والسنة وقول علماء المسلمين. .)(3) .
(1) ينظر ابن تيمية: العقيدة الواسطية بشرح الهراس: (161) .
(2)
صحيح البخاري مع الفتح (1 / 47) .
(3)
الشريعة (119) .
وهذا الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وقد جاءت الآيات والأحاديث دالة دلالة صريحة على زيادة الإيمان:(وكل نص يدل على زيادة الإيمان فإنه يتضمن الدلالة على نقصه وبالعكس؛ لأن الزيادة والنقصان متلازمان لا يفعل أحدهما بدون الآخر)(1) .
وقد ضل الضالون الغالون من الخوارج وغيرهم في أبواب الأسماء والأحكام بأسباب من جملتها: جهلهم بحقيقة الإيمان، وعلاقته بالأعمال، فقد (قالت الخوارج والمعتزلة: قد علمنا يقينا أن الأعمال من الإيمان فمن تركها فقد ترك بعض الإيمان، وإذا زال بعضه زال جميعه؛ لأن الإيمان لا يتبعض، ولا يكون في العبد إيمان ونفاق، فيكون أصحاب الذنوب مخلدين في النار، إذ كان ليس معهم من الإيمان شيء) (2) .
ومنشأ ضلالهم: (أنهم ظنوا أن الشخص الواحد لا يكون مستحقا للثواب والعقاب، والوعد والوعيد، والحمد والذم، بل إما لهذا وإما لهذا، فأحبطوا جميع حسناته بالكبيرة التي فعلها، وقالوا: الإيمان هو الطاعة، فيزول بزوال بعض الطاعة)(3) .
وقد زعموا أن الإيمان إذا كان مركبا من أقوال وأعمال ظاهرة وباطنة لزم زواله بزوال بعضها كما يزول اسم العشرة عنها إذا زال أحد أفرادها (وهذا هو الأصل الذي تفرعت عنه البدع في الإيمان فإنهم ظنوا أنه متى ذهب بعضه ذهب كله)(4) .
(1) الشيخ: محمد بن عثيمين: فتح رب البرية بتلخيص الحموية (113) .
(2)
شيخ الإسلام ابن تيمية: الفتاوى (13 / 48) .
(3)
شيخ الإسلام ابن تيمية: شرح العقيدة الأصفهانية (137 - 138) .
(4)
شيخ الإسلام ابن تيمية: الفتاوى (7 / 223) .
والصحيح أنه (ليس كل من قام به شعبة من شعب الكفر يصير بها كافرا الكفر المطلق، حتى تقوم به حقيقة الكفر كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير بها مؤمنا حتى يقوم به أصل الإيمان وحقيقته، وفرق بين الكفر المعرف باللام كما في قوله عز وجل «لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ أَوِ الشِّرْكِ إِلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ» (1) وبين كفر منكر الإثبات) (2) .
وقد رد شيخ الإسلام على شبهة الخوارج - هذه - بما ملخصه: أن الحقيقة الجامعة لأمور - سواء كانت في الأعيان أو الأعراض - إذا زال بعض تلك الأمور فقد - يزول سائرها وقد لا يزول، ولا يلزم في زوال بعض الأمور المجتمعة زوال سائرها، سواء سميت مركبة أو مؤلفة، أو غير ذلك وما مثل به الخوارج من العشرة مطابق لهذا، فإن الواحد من العشرة إذا زال لم يلزم زوال التسعة، فإذا زال أحد جزئي المركب فلا يلزم زوال الجزء الآخر، ولكن أكثر ما يقولون: إنه قد زالت الهيئة الاجتماعية، وزال الاسم الذي استحقته الهيئة لذلك الاجتماع والتركيب.
فالمركبات على قسمين: القسم الأول: ما يكون التركيب شرطا لإطلاق الاسم مثل: العشرة، فإن الواحد المكمل لعدد عشرة شرط في إطلاق اسم العشرة على هذه الأعداد.
(1) رواه مسلم (1 / 88 رقم 135) كتاب الإيمان: باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة.
(2)
شيخ الإسلام: الاقتضاء (1 / 70) .