الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أولا المعلم القدوة]
أثر معلم القرآن في تربية طلابه على الاعتدال إن للمعلم عموما، ومعلم القرآن خصوصا؛ الأثر البالغ في توجيه طلابه، والتأثير عليهم سلبا كان أو إيجابا، فالطالب إذا أحب معلمه جعله قدوته الحية، ومثله الأعلى، وقلده في كل ما يأتي ويذر من الأقوال والأفعال، بل: والأفكار والاعتقادات. . وهذا واقع ملموس مشاهد بما يغني عن إيراد أمثلة وشواهد عليه، ولذا أدخل مباشرة في موضوع بحثنا وهو:(أثر معلم القرآن في تربية طلابه على الاعتدال) فأقول:
أولا: المعلم القدوة من البدهيات المعروفة للجميع، أن:(فاقد الشيء لا يعطيه)، وأن:(كل إناء بما فيه ينضح) ، فإذا أردنا من المعلم أن يربي طلابه على الاعتدال فكرا وسلوكا، فلا بد أن يكون المعلم نفسه كذلك؛ وأن يكون هو نفسه قدوة لطلابه، ومثالا حيا لمظاهر الوسطية والاعتدال في دينه ودنياه.
ومما يدلل على أهمية كون المعلم قدوة ما يأتي:
(1)
أن المثال الحي، والقدوة الحسنة، يثيران في نفس الطالب قدرا كبيرا من الإعجاب والاستحسان والتقدير والمحبة، فيميل إلى الخير، ويتطلع لمراتب الكمال، ويسعى لتقليد ذلك المثال، والعمل بمثل عمله ليرتقي في درجات الكمال.
(2)
أن القدوة الحية، المتصفة بالوسطية والاعتدال؛ تعطي الطلاب قناعة بأن التوسط والاعتدال، وعدم الغلو والإفراط، أو الجفاء
والتفريط؛ كل ذلك من الأمور الممكنة التي هي في متناول القدرات الإنسانية، وشاهد الحال أقوى وأبلغ من شاهد المقال.
(3)
أن الطلاب بالنسبة لمعلمهم؛ بل: والمدعوين بالنسبة للداعية، والمرءوسين بالنسبة لرئيسهم، كل أولئك ينظرون إلى معلمهم أو رئيسهم أو الداعية فيهم نظرة دقيقة متفحصة، هي أشبه بالرقابة المجهرية، وهم في ذلك يجعلونه محلا للاتباع والاحتجاج في جليل أمره وحقيره، مما يحتم عليه أن يكون - ولو في الظاهر - قدوة حسنة، ومثالا للكمال والوسطية والاعتدال.
(4)
أن مستويات الفهم للكلام عند الناس متفاوتة، ولكنهم يستوون أمام الرؤية بالعين المجردة، فإيصال المعلومة عن طريق الفعل أبلغ بكثير، وأقوى في التأثير من مجرد القول.
ومما يدل على ذلك ما أورده البخاري في صحيحه باب: الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم ثم ساق الحديث: « (اتَّخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ) فَنَبَذَهُ وَقَالَ: (إِنِّي لَنْ أَلْبَسْهُ أَبَدًا) ، فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ» .
قال ابن بطال: (فدل ذلك على أن الفعل أبلغ من القول)(1) .
وتأمل ما حصل في غزوة الحديبية عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه محرمين بالعمرة، وردهم المشركون عن البيت، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتحلل من عمرتهم، وتأخر الصحابة في تنفيذ الأمر رجاء
(1) البخاري مع الفتح (13 / 274، 275) .
أن يؤذن لهم في القتال، وينصروا على المشركين، ومن ثم يكملوا عمرتهم.
فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سلمة رضي الله عنها، وعليه أمارات الحزن والغضب، بسبب تأخر الصحابة عن الاستجابة لأمره، فأشارت عليه أم سلمة رضي الله عنها بقولها: اخرج إليهم، واذبح واحلق.
وما أن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك ورآه الصحابة؛ إلا وتتابعوا مسرعين في تنفيذ أمره، والاقتداء بفعله.
فهذا المثال وغيره كثير في السنة يدلك على أهمية القدوة الحسنة، وكيف أن لها أعظم الأثر في الاستقامة وسلوك طريق الجادة.
(5)
أنه ورد في الحديث بيان العقوبة الشديدة التي تلحق من يأمر الناس بالخير وينسى نفسه؛ ففي حديث أنس رضي الله عنه مرفوعا:. «أتيت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار، كلما قرضت وفت، فقلت: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون، ويقرءون كتاب الله ولا يعملون به» (1) .
وهذا مما يدلك على خطورة القدوة وعظيم أثرها، فإن انحراف الداعية والمعلم وغيرهما - من الذين هم موضع قدوة - سبب في انحراف كل من تأثروا بهم، أو سمعوا منهم، وتلقوا عنهم.
(1) رواه البيهقي عن أنس مرفوعا، وحسنه الألباني في (صحيح الجامع)(128) .