الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(6)
أن جميع الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله وسلامه، كانوا قدوة حسنة لأقوامهم، ولهذا قال شعيب صلى الله عليه وسلم لقومه:{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88](هود: 88) .
ولأجل هذا الذي تقدم وغيره، ينبغي على المعلم - إن أراد أن يؤثر في طلابه حقا أن يكون هو نفسه قدوة حية لهم في الوسطية والاعتدال، والرحمة واللين، والحكمة وجمال الأخلاق والطباع.
[ثانيا التوجيه المباشر والغير مباشر]
ثانيا: التوجيه بنوعيه المباشر وغير المباشر (1) التوجيه المباشر: وهو ما يقوم به المعلم من النصيحة المباشرة لطلابه، وشرح وسطية هذا الدين لهم، وتحذيرهم من الغلو أو الإجحاف. . ووعظهم بسلوك الطريق المستقيم. . إلخ.
وهنا ينبغي على المعلم أن يستغل المناسبات والفرص، ويوجه طلابه من خلالها ففي أثناء التسميع مثلا؛ أو تصحيح مقرر الحفظ أو المراجعة.
وكلما مر الطالب على آية من الآيات التي تدعو للوسطية والاعتدال، وتنهى عن الجنوح والغلو - وما أكثرها -؛ فإن على المعلم أن يستغل ذلك الموقف، ببيان معنى الآية، والانطلاق من خلالها لعرض سماحة الإسلام، ووسطيته، وكمال منهجه وتمامه، ورحمته بالناس وحرصه عليهم. . إلخ.
ومن أمثلة تلك الآيات:
قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143](البقرة: 143) . وقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153](الأنعام: 153) . وقوله سبحانه: {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} [طه: 81](طه: 81) . وقوله سبحانه: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء: 171](النساء: 171) . وقوله سبحانه: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77](المائدة: 77) . وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185](البقرة: 185) . وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28](النساء: 28) . وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78](الحج: 78) .
إلى غير ذلك من الآيات.
(2)
التوجيه غير المباشر: ويكون بوسائل وأساليب يصعب حصرها؛ فليس هو الخطاب المباشر للطالب من أستاذه ومعلمه؛ سواء بوعظ أو نصيحة أو تعليم، لا؛ وإنما هو أسلوب مختلف تماما: فقد يكون عن طريق الصحبة والمخالطة، وقد يكون عن طريق قصة تذكر فيها إشارة لموضع الخلل وعلاج له، وقد تكون عن طريق التعريض والتلميح من بعيد:(ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا) ، وقد يكون بالكناية أو المداراة أو غيرها من أساليب لا حصر لها.
والتوجيه غير المباشر أبلغ بكثير جدا من التوجيه المباشر، إذا أحسن استغلاله وتطبيقه؛ وسبب ذلك: أن الطالب يشعر أنه اكتسب هذه المعلومة أو هذه الخبرات أو المعارف باستقلالية تامة، من غير إلزام من أحد أو إكراه، إنه يشعر بحريته التامة في التعلم والاكتشاف؛ فلا يشعر باستعلاء من أحد بفضل علم أو تقدم خبرة عليه.
فالتوجيه غير المباشر يتخطى ويتفادى التصادم مع كثير من العقبات النفسية المختلفة، وذلك أن إحساس النفس بالاستقلالية والاستعلاء، لا تسمح في كثير من الأحيان بقبول توجيه مباشر آت من الآخرين. ولنأخذ أمثلة لذلك من العهد النبوي، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يعالج بعض الأخطاء عن طريق التعريض دون التصريح بفاعل الخطأ، أو
النصح المباشر له.
فمثلا: عندما جاء النفر الثلاثة وسألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فكأنهم تقالوها، وقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل ولا أنام، وقال الآخر: لا أتزوج النساء، وقال الثالث: أصوم ولا أفطر، أو: لا آكل اللحم. وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بمقالتهم، فقام صلى الله عليه وسلم وخطب الناس وقال:«ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، أما إني أتقاكم لله وأخشاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني» (1) .
فانظر كيف عالج النبي صلى الله عليه وسلم؛ المعلم الأول هذا الجنوح إلى الغلو، بذلك الأسلوب الحكيم، والتوجيه غير المباشر، وفيه من الفوائد إضافة إلى ما تقدم ذكره: أنه علاج ليس لأولئك النفر الثلاثة فحسب، وإنما علاج لظاهرة الغلو التي قد تكون موجودة عند آخرين، لكنهم لم يأتوا لبيت النبوة، ولم يتحدثوا بما في نفوسهم كما فعل أولئك النفر الثلاثة؛ فكون التوجيه جاء عاما، وعلى الملأ، وبتوجيه غير مباشر دون تعرض للأشخاص؛ كل ذلك جعله من أبلغ وسائل العلاج وأفضله، وأعلاه وأتمه.
ومن أمثلة ذلك: وصاله صلى الله عليه وسلم الصيام في رمضان، ولشدة محبة أصحابه له وتأسيهم بفعله، واصل بعضهم الصيام كذلك. فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال:«ما بال رجال يواصلون، إنكم لستم مثلي. أما والله! لو تماد لي الشهر لواصلته وصلا يدع المتعمقون تعمقهم» (2) .
(1) رواه مسلم في كتاب النكاح.
(2)
رواه مسلم، كتاب الصوم، باب النهي عن الوصال في الصوم (2 / 775) .