الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتوجيه المباشر، وبيان الخطأ وعلاجه. . أو حتى بعزل ذلك الطالب عن بقية زملائه في حال تعذر العلاج، وكونه مؤثرا على باقي زملائه.
[رابعا صفات ينبغي للمعلم أن يتصف بها]
رابعا: صفات ينبغي للمعلم أن يتصف بها وهذه الصفات لا بد من التحلي والاتصاف بها، من قبل المعلم؛ إذا أراد أن يكون له تأثير على طلابه في تربيتهم على الوسطية والاعتدال؛ وكذا علاجه لأي جنوح إلى الغلو أو التفريط من قبلهم.
وبقدر اتصافه بتلك الصفات، أو إهماله لذلك، يكون نجاحه أو إخفاقه في مهمته، وأهم هذه الصفات هي:
(1)
الإخلاص لله تعالى: فالإخلاص هو رأس الأمر وعموده وأساسه، وهو روح الأعمال، وسر قبولها، وبه يكون عون الله وتوفيقه للعبد، وقد قال الله عز وجل:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27](المائدة: 27) . وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5](البينة: 5) .
وقديما قالوا: (إذا خرج الكلام من اللسان لم يتجاوز الآذان، وإذا خرج من القلب دخل القلب بلا استئذان) .
وقالوا: (إنما يعطى الناس على قدر نياتهم) .
يقول ابن القيم رحمه الله: (وقد جرت عادة الله التي لا تبدل، وسنته التي لا تحول، أن يلبس المخلص من المهابة والنور والمحبة في قلوب
الخلق، وإقبال قلوبهم إليه ما هو بحسب إخلاصه ونيته ومعاملته لربه، ويلبس المرائي اللابس ثوبي الزور من المقت والمهانة والبغضة ما هو اللائق به، فالمخلص له المهابة والمحبة، وللآخر المقت والبغضاء) (1) .
(2)
الصبر وسعة الصدر: وذلك يحتاجه كل مسلم في علاقاته مع الناس كل الناس؛ لكن حاجة المعلم الذي يريد تربية طلابه على الاعتدال، وعلاج الغلو فيهم، حاجته إليه آكد وأشد. وذلك أن تغيير الأفكار أصعب من نحت الأحجار، وهذا واقع ملموس ومشاهد، فعلى من يعالج أي انحراف أن يصبر على المُعَالَج؛ وما قد يصدر عنه من اجتهادات غريبة، وآراء عجيبة؛ ربما يستاء من مجرد سماعها؛ فعليه أن يصبر، ويتمالك نفسه، ويوسع صدره، ثم يفند تلك الآراء والاجتهادات بالحجج الدامغة، والأدلة القاطعة، في هدوء لا انفعال فيه، وسكينة لا حدة معها ولا غضب.
ثم إنه من الممكن أن يمتد لسان ذلك الغالي المنحرف بالسوء - حتى على معلمه وأستاذه -، فعندها يتأكد الصبر، حتى لا يضيع علاجه سدى؛ فينبغي للمعلم أن يصبر ولا يقابل الإساءة بمثلها، لأنه إنما يعمل للعلاج وإزالة الداء، لا للصراع والهجاء.
(1) إعلام الموقعين (4 / 200) .
قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ - وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34 - 35](فصلت 34، 35) .
وقال سبحانه - على لسان لقمان وهو يعظ ابنه -: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17](لقمان 17) .
(3)
الرفق والحلم والأناة: قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159](آل عمران: 159) .
وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ» (1) . وقال أنه أيضا: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» (2) . وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُحْرَمُ الرِّفْقَ يُحْرَمُ الْخَيْرَ» (3) .
(1) رواه البخاري (6024) ومسلم (2165) .
(2)
رواه مسلم (2594) .
(3)
رواه مسلم (2592) .
فعلى المعلم أن يتحلى بالرفق والأناة والحلم، فلا يعنف ما وجد للرفق سبيلا؛ وذلك أن من ابتلي بانحراف؛ غلو أو غيره من الأمراض الفكرية، إنما هم جزء من مجتمعنا، وعلى المعلم أن يأخذ بأيديهم بكل رفق وحلم، وأناة ولين.
وليتأمل قوله سبحانه لموسى وهارون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى - فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 43 - 44](طه 43، 44) .
ولئن كان مثل ذلك في حق الطاغية الكافر، الذي ادعى لنفسه الربوبية والإلهية من دون الله؛ فلأن يكون الحلم والخطاب اللين مع إخواننا من باب أولى، وهذا هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم، وتلك هي طريقته في دعوته وعلاجه للمشكلات، وتقويمه لكل انحراف أو اعوجاج.
(4)
التعامل بروح الأبوة والأخوة: وينبغي للمعلم كذلك أن يتصف في علاجه لظاهرة الغلو خصوصا، وتعامله مع طلابه عموما، بروح الأبوة المشفقة، والأخوة الحانية، إذ ظاهرة الغلو غالبا ما تستشري بين الشباب خاصة، وهم يتسمون بالحماسة والاندفاع.
فعلى من يتصدى لعلاجهم وتوجيههم أن يكون رقيقا في معاملته، لطيفا في أسلوبه وكلامه، فلا يعنف، ولا يتهكم، ولا يسخر، ولا يسفه، بل يوضح الحقائق، ويزيل اللبس، ويجيب عن الشبهة والإشكال، على ذلك بالحسنى؛ بل: بالتي هي أحسن. فلا يهجم هجوم عدو، ولا يطعن
طعنات مبغض، بل يسعى سعي الوالد المحب والأخ الشفيق؛ لإنقاذ ابنه أو أخيه من الغرق.
(5)
المعايشة للأحداث، وفقه الواقع: وعلى المعلم إن أراد أن يكون ذا تأثير إيجابي على طلابه؛ أن يكون فقيها بواقعه، مدركا لأحداثه الجارية ووقائعه، متحركا مع الناس في الميدان، مخالطا للشباب ومحتكا بهم؛ عارفا بآمالهم وآلامهم، مشاهدا لأفعالهم وتصرفاتهم.
فإنه من خلال ذلك الاحتكاك وتلك المعايشة؛ يدرك المحاسن والفضائل فيزيدها وينميها، ويشجع أصحابها، ويدرك الأخطاء والسلبيات، فيصلحها ويقومها، ويوجه أصحابها وينصحهم بتركها.
فلا يكفي أن يتعرف المعلم على المشكلة من الصحف أو المجلات، أو الإذاعة أو التلفاز، أو غير ذلك من وسائل الإعلام؛ أو حتى سماعها من فلان وفلان من الناس، ثم يقوم بإسقاط ما سمعه على طلابه، ومعاملتهم بحسبه؛ إن هذا خطأ فاحش في معالجة الأمور.
بل لا يكفي أن يراقب مشكلة ما ظهرت له عن بعد، لا؛ بل لا بد من معايشة أصحاب المشكلة، والاحتكاك بهم، ومن ثم معرفة حقيقة ما هم عليه من أخطاء، وما استحدثوه من سلبيات، ثم علاجها بالطريق الأمثل.
(6)
الإنصاف والعدل: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135]
(النساء: 135) .
وقال سبحانه: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 152](الأنعام: 152) . فعلى المعلم أن يكون عادلا فيما يقرره ويحكم به.
أما إن لم يكن المعلم عادلا ومنصفا، وتحامل على طرف دون طرف، ومال مع المائلين، وتأثر بسلطان الترغيب أو الترهيب؛ فعندها: لن يجدي علاجه، ولن يكون له أي تأثير على من انحرف أو جنح إلى الغلو.
وقد قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8](المائدة: 8) .
(7)
أن يكون محلا للثقة: وعلى المعلم أن يكون محل ثقة طلابه، واطمئنانهم إليه؛ وإذا لم تتوافر الثقة في المتصدي للعلاج فلن يصغي إليه أحد، ولن يجدي كلامه، ولن يكون له أي تأثير يذكر على طلابه.