الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صريحا في قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21](الأحزاب: 21)، قال ابن حزم:((من أراد خير الآخرة وحكمة الدنيا وعدل السيرة والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها واستحقاق الفضائل بأسرها فليقتد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليستعمل أخلاق سيرته ما أمكنه)) (1) .
[ثانيا الوسائل المانعة]
ثانيا: الوسائل المانعة ((وهي الوسائل التي تحول دون فاعلية الرغبة في الأخلاق السيئة وتعطل الإرادة والاستعداد لفعلها)) (2) فهي طرق وقاية وعلاج لما يطرأ على الأخلاق من عوامل الانحراف والانحلال الخلقي الذي يعتور النفس بسبب الهوى أو الشيطان أو غيرهما.
ولا ريب أن تلك الوسائل من الأساليب الناجعة في مجال التربية الأخلاقية، لما لها من سلطة على كبح الجرم الخلقي، وتهذيب السلوك، فإن كان ثمة مكنة من التوبة من قبل الفاعل فذلك مقصد أسمى من مقاصد العقوبة في الإسلام مهما كانت ضخامة الذنب، وإن لم يكن فإن العبرة قائمة لمن بعدها.
وإذا كنا بصدد ندوة أثر القرآن الكريم في تحقيق الوسطية ودفع الغلو؛ فمن المناسب التنبيه إلى أن معاقبة الغلاة والمبتدعة إحدى وسائل العلاج التي تضمنتها آيات الحدود والقصاص والتعزير، وهي كثيرة جدا، والعقوبة لهذا الصنف من الناس تختلف بحسب نوع الجرم الذي ربما يصل
(1) الأخلاق والسير ص 109.
(2)
انظر الأخلاق بين النظرية والتطبيق ص 84.
بغلوه إلى حد الكفر، وقد يعاقب بالقصاص حين يقتل مسلما معصوم الدم (1) وبهذا يتبين أن الغلو قد يصل إلى درجة الإفساد في الأرض، فحينئذ ينطبق عليه قول الله تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] ويلحظ في هذه الآية أنها تناولت أنواعا من العقوبات، فمنها ما يقع على الجسد، وذلك في أول الآية وهو التقتيل أو الصلب أو التقطيع، ومنها عقوبات نفسية وذلك بالخزي الذي يلحق بهم، ومنها عقوبات اجتماعية تأديبية وذلك بالنفي، ومنها عقوبات أخروية {وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] نسأل الله العافية، ولما كانت العقوبة أحد المقاصد الأخلاقية التي جاء القرآن الكريم ليؤكد عليها ضمن أجزيته الإصلاحية لذلك نجد أن الدعوة إلى التوبة تعقب ذكر تلك العقوبات لتفتح طريقا إلى العودة، وذلك ما نجده عقب هذه الآية وأمثالها، حيث يقول الله تعالى بعد آية الحرابة المذكورة آنفا {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 34]
(1) مشكلة الغلو في الدين للدكتور عبد الرحمن اللويحق.