الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقسم الثاني: ما لا يكون التركيب شرطا لإطلاق الاسم ومثاله: البحر والنهر، فإن التركيب ليس شرطا في إطلاق الاسم، ولذلك لو نقص جزء من البحر لا يزول الاسم بل هو باق.
ومعظم المركبات من هذا النوع: (ومعلوم أن اسم الإيمان من هذا الباب؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْلَاهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا: إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» ثم من المعلوم أنه إذا زالت الإماطة ونحوها لم يزل اسم الإيمان)(1) .
ولكن قد يزول اسم الإيمان بزوال جزء أساسي تزول به حقيقة الإيمان كما إذا زالت الشهادتان، أو تركت الصلاة على الراجح من أقوال العلماء. فإذا زال اسم الإيمان زال وصف الإيمان، واعتبار جزء من الأجزاء يزول به حقيقة الإيمان يختلف باختلاف الأحوال، فليس (للإيمان حقيقة واحدة مثل حقيقة مسمى مسلم في حق جميع المكلفين في جميع الأزمان بهذا الاعتبار، مثل حقيقة السواد والبياض؛ بل الإيمان والكفر يختلف باختلاف المكلف، وبلوغ التكليف له وبزوال الخطاب الذي به التكليف ونحو ذلك)(2) .
[خامسا الجهل بمراتب الأحكام]
خامسا: الجهل بمراتب الأحكام يظهر لكل من نال قدرا من الفقه في الدين أن الله عز وجل جعل أحكاما لأفعال العباد، تتدرج هذه الأحكام وتتنوع، فمنها ما هو طلب للفعل المسمى ب (المأمورات) ومنها ما هو طلب للترك وذلك المسمى ب (المنهيات) ومنها ما
(1) ينظر الفتاوى (7 / 514 - 517) .
(2)
شيخ الإسلام ابن تيمية: الفتاوى (7 / 98) .
المكلف مخير فيه بين الفعل والترك وهي (المباحات) ومن جهل الخوارج الجهل بمراتب الأحكام، وأُمثل من ذلك على مراتب المنهيات.
فالمنهيات على مرتبتين: فالله عز وجل إما أن ينهى عن الفعل على سبيل الحتم والإلزام فذلك الحرام، وإما أن ينهى عن الفعل لا على سبيل الحتم والإلزام فذلك المكروه.
والحرام درجات في ذاته، إذ يختلف باعتبارات عدة منها: درجة التحريم فإن أعظم المحرمات: الشرك بالله عز وجل والشرك والكفر متفاوت المراتب فهو على نوعين:
(1)
كفر اعتقادي. (2) كفر عملي.
ويعبر عنهما بالكفر الأكبر والكفر الأصغر أو بالشرك الأكبر والشرك الأصغر.
فالكفر الاعتقادي هو: الموجب للخلود في النار، ويأتي في النصوص مقابلا للإيمان، من مثل قوله تعالى {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} [آل عمران: 86] (آل عمران: 86) .
والكفر العملي هو: الموجب لاستحقاق الوعيد دون الخلود في النار، وهذا النوع يتناول جميع المعاصي؛ لأنها من خصال الكفر وشعبه وخصوصا ما سمي من المعاصي في النصوص كفرا، من مثل قول النبى صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن مسعود:«سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» (1) .
(1) رواه البخاري في صحيحه (7 / 84) كتاب الأدب: باب ما ينهى عن السباب واللعن، وفي (8 / 91) كتاب الفتن: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ومسلم في صحيحه (1 / 81 رقم 64) ، كتاب الإيمان، باب بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر.
فإن الكفر هنا ليس مرادا به الكفر المخرج من الملة بدليل قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] فسماهم مؤمنين مع كونهم متقاتلين (1) .
ثم بعد الكفر تأتي المحرمات، وقد قسمها العلماء على سبيل الإجمال إلى كبائر وصغائر، ودلت بعض النصوص على هذا التقسيم من مثل قوله تعالى:{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم: 32]
وقد أجمع على ذلك السلف: قال ابن القيم رحمه الله: (والذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر بنص القرآن والسنة وإجماع السلف وبالاعتبار)(2) .
وكل واحد من هذه المحرمات يتفاوت؟ فالكفر يتفاوت وبعضه أغلظ من بعض، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:(اعلم أن الكفر بعضه أغلظ من بعض؛ فالكافر المكذب أعظم جرما من الكافر غير المكذب، فإنه جمع بين ترك الإيمان المأمور به وبين التكذيب المنهي عنه، ومن كفر وكذب وحارب الله ورسوله والمؤمنين بيده أو لسانه أعظم جرما ممن اقتصر على مجرد الكفر والتكذيب، ومن كفر وقتل وزنى وسرق وصد وحارب كان أعظم جرما)(3) .
(1) ينظر البخاري: صحيح البخاري مع الفتح (1 / 85) .
(2)
مدارج السالكين (1 / 315) .
(3)
مجموع الفتاوى (20 / 87) .
وللعلم بمراتب الأحكام أثره في الحكم على الناس فالمنهيات مراتب، ومرتكب الحرام ليس كمرتكب المكروه لتفاوت مرتبتي هذين الحكمين، والكافر ليس كالعاصي؛ لتفاوت ما بين حكم العمل الذي هو كفر، والعمل الذي هو معصية، فقد دلت النصوص - مثلا - على أن أهل الكبائر لا يخلدون في النار، وأنهم تحت مشيئة الله، إن شاء عفا عنهم وإن شاء عذبهم حتى يمحصون، ومن تلك النصوص قول الله عز وجل {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فجعل ما دون ذلك الشرك معلقا بمشيئته، ولا يجوز أن يحمل هذا على التائب؛ فإن التائب لا فرق في حقه بين الشرك وغيره، كما قال سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] فهنا عمم وأطلق؛ لأن المراد به التائب، وهناك خص وعلق)(1) .
وأما الخوارج فقد جهلوا هذا، وأعرضوا عن النصوص المبينة لمراتب الأحكام فكفروا مرتكب الكبيرة، قال الإمام ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: (إن أهل السنة متفقون كلهم على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفرا ينقل عن الملة بالكلية، كما قالت الخوارج؛ إذ لو كفر كفرا ينقل عن الملة لكان مرتدا يقتل على كل حال، ولا يقبل عفو ولي القصاص، ولا تجري الحدود في الزنا والسرقة وشرب الخمر، وهذا القول معلوم بطلانه وفساده بالضرورة من دين
(1) رسالة الحسبة: (77) .