الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف: 40] على ظاهره، وقطعوه عن بيانه، وزعموا أن ذلك يعنى ألا يحكم البشر وألا يطلب منهم الحكم بشرع الله بين المتخاصمين فنقموا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه حكَّم الحكمين، وهذا - بزعمهم - حكم بغير ما أنزل الله، وقد رد عليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بجملة آيات منها: قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] فأمر الله عز وجل بتحكيم حكمين في أمر امرأة ورجل، قال علي رضي الله عنه:(فأمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم دما وحرمة من امرأة ورجل)(1) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في بيان أول زيغ الخوارج: (كان أول كلمة خرجوا بها قولهم: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف: 40] انتزعوها من القرآن وحملوها على غير محملها)(2) .
[ثالثا التعامل المباشر مع النص والفهم الحرفي له]
ثالثا: التعامل المباشر مع النص والفهم الحرفي له إن فهم الكتاب العزيز والسنة المطهرة يحتاج إلى أمرين:
الأول: معرفة اللغة التي تكلم بها الشارع.
الثاني: معرفة مقصوده من اللفظ.
(1) رواه أحمد (1 / 86 - 87) .
(2)
الفتح (6 / 619) وينظر في هذا الموضوع الشاطبي: الاعتصام (1 / 303) .
وهذا متقرر حتى في فهم كلام الناس أنفسهم؛ فلا بد من معرفة ما عناه المتكلم وقصده.
ويعرف مقصود الشارع سبحانه بمعرفة سنته في الخطاب فتجمع النصوص ليخرج من مجملها بفهم مراد الشارع كما يفهم أيضا المقصود بالرجوع إلى السنة وأقوال الصحابة.
والألفاظ الشرعية وإن كانت عربية في الأصل إلا أنه لا بد من معرفة مراد الشارع الذي نقل تلك الألفاظ عن مدلولاتها الأصلية إلى معان بينها وبين المعنى الأصلي نوع اشتراك إذ (جنس ما دل عليه القرآن ليس من جنس ما يتخاطب به الناس، وإن كان بينهما قدر مشترك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءهم بمعان غيبية لم يكونوا يعرفونها، فإذا عبر عنها بلغتهم كان بين معناه وبين معاني تلك الألفاظ قدر مشترك ولم تكن مساوية بها، بل تلك الزيادة التي هي من خصائص النبوة لا تعرف إلا منه)(1) .
ولقد أعرض الخوارج عن هذا المنهج الرشيد فصاروا إلى الأخذ بظواهر النصوص من غير تدبر ولا نظر في مقاصدها ومعاقدها، فبادروا إلى تفسيرها بمجرد ظاهر اللغة وفهم العربية وبهذا يكثر غلطهم في فهم التنزيل.
ومن أمثلة ذلك: اعتمادهم على قول الله عز وجل {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 81]
(1) ابن القيم: مختصر الصواعق: (2 / 347) .
[البقرة: آية 81] ولو جمع هؤلاء النصوص لفقهوا معنى (السيئة) و (الخطيئة) ذلك أنه عند التأمل في الكتاب العزيز نجد أن السيئة والخطيئة تطلقان على الشرك فما دونه من السيئات والخطايا.
فمن إطلاقها على الشرك قوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} [نوح: 25] وقوله سبحانه: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 81]
ومن إطلاقها على ما دون الشرك قوله سبحانه: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31] وقوله سبحانه على لسان إبراهيم: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 82]
وعليه فليست الآية كما يظهر لأول وهلة من ظاهرها أنها دالة على أن مرتكب السيئة كافر، خصوصا إذا رجعنا إلى الآية المحكمة من مثل قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]