الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولقد أمر الله عز وجل بأوامر هي من شعب الإيمان، ونهى عن أمور هي من شعب الكفر، وليس كل من ترك شعبة من شعب الإيمان زال إيمانه و (ليس كل من قام به شعبة من شعب الكفر يصير كافرا الكفر المطلق حتى تقوم به حقيقة الكفر، كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير بها مؤمنا، حتى يقوم به أصل الإيمان وحقيقته)(1) .
ففي الناس إذا قوم تركوا شيئا من شعب الإيمان أو فعلوا شيئا من شعب الكفر (الكبائر) ومعهم من الإيمان ما يمنع خلودهم في النار، فليسوا من المنافقين أو المرتدين وليسوا من المؤمنين حقا، فصاروا في مرتبة الفسق أو ما يسميه بعض العلماء: الفاسق الملي (2) .
وأما الخوارج فإنهم يكفرونه بالمعصية، ويحكمون عليه بالخلود في النار لجهلهم بمراتب الناس ومسائل الأسماء والأحكام في ضوء نصوص الشريعة.
* * *
[أسباب غلو الخوارج المنهجية]
[أولا عدم الجمع بين الأدلة]
وأما في الجانب المنهجي فقد ضل الخوارج لأسباب منها:
أولا: عدم الجمع بين الأدلة إن من سمات هذا الدين التي أبان عنها القرآن الكريم: اتساقه وتصديق بعضه بعضا، وعدم تناقضه؛ لأنه واحد المصدر:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]
(1) شيخ الإسلام: الاقتضاء (1 / 208) .
(2)
ينظر شيخ الإسلام: الفتاوى: (7 / 478 - 479) .
والنظر في آيات الكتاب العزيز والسنة المطهرة وفقهها وتدبر ما فيها يظهر القارئ على ذلك الاتساق، فالتدبر إذا وقع صدّق القرآن بعضه بعضا في فهم القارئ كما هو مصدق بعضه بعضا في واقع الأمر. وإذا أعرض الإنسان عن التدبر ولم يأخذ بالقرآن كله وضرب الأدلة بعضها ببعض اختلفت عليه فكان ذلك سببا في انحرافه عن الحق.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مبينا أصلا جامعا في رد ما تنازع فيه الناس من فهم النصوص: (والمقصود هنا ذكر أصل جامع تبنى عليه معرفة النصوص، ورد ما تنازع فيه الناس إلى الكتاب والسنة، فإن الناس كثر نزاعهم في مواضع في مسمى الإيمان والإسلام لكثرة ذكرهما، وكثرة كلام الناس فيهما، والاسم كلما كثر التكلم فيه فتكلم به مطلقا، ومقيدا بقيد آخر في موضع آخر كان هذا سببا لاشتباه بعض معناه، ثم كلما كثر سماعه كثر من يشتبه عليه ذلك. ومن أسباب ذلك أن يسمع بعض الناس بعض موارده ولا يسمع بعضه، ويكون ما سمعه مقيدا بقيد أوجبه اختصاصه بمعنى، فيظن معناه في سائر موارده كذلك، فمن اتبع علمه حتى عرف مواقع الاستعمال عامة، وعلم مأخذ الشبه أعطى كل ذي حق حقه، وعلم أن خير الكلام كلام الله، وأنه لا بيان أتم من بيانه، وأن ما أجمع عليه المسلمون من دينهم الذي يحتاجون إليه أضعاف ما تنازعوا فيه)(1) .
(1) الفتاوى (7 / 356 - 357) .
ولقد كان عدم الجمع بين الأدلة، والاقتصار على بعضها وضرب القرآن بعضه ببعض سببا من أسباب انحراف الفرق ومنهم الخوارج. يتضح هذا من النظر في استدلالاتهم. واعتبر ذلك بالنظر إلى هاتين المجموعتين من النصوص: 1- يقول الله عز وجل: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 14] وقال: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن: 23] 2 - يقول الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [النساء: 13] ويقول سبحانه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71]
فهاتان مجموعتان من النصوص يلحق بهما ما في معناهما: تسمى الأولى: نصوص الوعيد. وتسمى الثانية: نصوص الوعد.
وقد صار فهم هذه النصوص سببا لانحراف طائفتين: الخوارج والمرجئة.
فالخوارج أخذوا بعموم آيات الوعيد وقالوا: المعصية الواحدة كافية للخلود في النار.
والمرجئة أخذوا بعموم نصوص الوعد وقالوا: الإيمان هو التصديق، ولا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
وبهذا المنهج يتعارض القرآن وينقض بعضه بعضا، والحق جمع هذه النصوص وفهمها بمجموعها و:(لا ريب أن الكتاب والسنة فيهما وعد ووعيد. . . والعبد عليه أن يصدق بهذا وبهذا، لا يؤمن ببعض ويكفر ببعض، فهؤلاء (المشركون) أرادوا أن يصدقوا بالوعد، ويكذبوا بالوعيد.
والحرورية والمعتزلة: أرادوا أن يصدقوا بالوعيد دون الوعد، وكلاهما أخطأ.
والذي عليه أهل السنة والجماعة: الإيمان بالوعد والوعيد فكما أن ما توعد الله به العبد من العقاب قد بين سبحانه أنه بشروط: بأن لا يتوب، فإن تاب تاب الله عليه، وبأن لا يكون له حسنات تمحو ذنوبه، فإن الحسنات يذهبن السيئات، وبأن لا يشاء الله أن يغفر له: ف {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]
فهكذا الوعد له تفسير وبيان، فمن قال بلسانه: لا إله إلا الله وكذب الرسول فهو كافر باتفاق المسلمين، وكذلك إن جحد شيئا مما أنزل الله. فلا بد من الإيمان بكل ما جاء به الرسول، ثم إن كان من أهل الكبائر فأمره إلى الله إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، فإن ارتد عن الإسلام ومات مرتدا كان في النار، فالسيئات تحبطها الردة، ومن كان له حسنات وسيئات فإن الله لا