الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب
آداب الاستعداد لسائر الصلوات
ينبغي أن تستعد لصلاة الظهر قبل الزوال، فتقدم القيلولة إن كان بك قيام في الليل أو سهر في الخير، فإن فيها معونة على قيام الليل كما أن في السحور معونة على صيام النهار، والقيلولة من غير قيام بالليل كالسحور من غير صيام بالنهار.
فإذا قِلت فاجتهد أن تستيقظ قبل الزوال، وتتوضأ وتحضر المسجد وتصلي تحية المسجد وتنتظر المؤذن فتجيبه، ثم تقوم فتصلي أربع ركعات عقب الزوال، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوِّلهن ويقول:((إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح)) (1).
وهذه الأربع قبل الظهر سنة مؤكدة ففي الخبر: ((من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر، وأربع بعدها؛ حَرَّمه الله على النار)) (2).
ثم صلِّ الفرض مع الإمام، ثم صل بعد الفرض ركعتين إن شئت، والأفضل أن تصلي أربع ركعات للخبر المتقدم.
ولا تشتغل إلى العصر إلا بتعلم علم، أو إعانة مسلم، أو قراءة قرآن، أو سعي في معاش لتستعين به على دينك.
ثم صلِّ الفرض مع الإمام، ثم صل بعد الفرض ركعتين إن شئت، والأفضل أن تصلي أربع ركعات للخبر المتقدم.
ولا تشتغل إلى العصر إلا بتعلم علم، أو إعانة مسلم، أو قراءة قرآن، أو سعي في معاش لتستعين به على دينك.
ثم صل أربع ركعات قبل العصر فهي سنة مؤكدة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((رحم الله امرًأ صلى قبل العصر أربعًا)) (3)، فاجتهد أن ينالك دعاؤه صلى الله عليه وسلم.
(1) أخرجه الإمام أحمد (3/ 411)، والترمذي (478)، وفي "الشمائل المحمدية (280) وحسنه، وصححه العلامة أبو الأشبال أحمد شاكر، والعلامة أبو عبد الرحمن ناصر الدين الألباني.
(2)
أخرجه الترمذي (428) وغيره، وقال الترمذي:"حديث حسن صحيح".
(3)
أخرجه الإمام أحمد (5980)، وأبو داود (1271)، والترمذي (430) وحسنه، وصححه ابن خزيمة (1193)، وابن حبان (2453)، وكذا صححه أبو الأشبال رحمه الله.
ثم صل الفرض مع الإمام، ولا تشتغل بعد العصر إلا بمثل ما سبق قبله، ولا ينبغي أن تكون أوقاتك مهملة، فتشتغل في كل وقت بما اتفق كيف اتفق، بل ينبغي أن تحاسب نفسك وترتب أورادك في ليلك ونهارك، وتعيّن لكل وقت شغلاً لا تتعداه، ولا تؤثر فيه سواه، فبذلك تظهر بركة الأوقات.
فأما إذا تركت نفسك سدى مهملاً إهمال البهائم، لا تدري بماذا تشتغل في كل وقت، فينقضي أكثر أوقاتك ضائعًا، وأوقاتك عمرك، وعمرك رأس مالك وعليه تجارتك، وبه وصولك إلى نعيم دار الأبد في جوار الله تعالى، فكل نفس من أنفاسك جوهرة لا قيمة لها؛ إذ لا بدل له فإذا فات فلا عود له.
فلا تكن كالحمقى المغرورين الذين يفرحون كل يوم بزيادة أموالهم مع نقصان أعمارهم، فأي خير في مال يزيد وعمر ينقص؟!
ولا تفرح إلا بزيادة علم أو عمل صالح، فإنهما رفيقاك يصحبانك في القبر حيث يتخلف عنك أهلك ومالك وولدك وأصدقاؤك.
ثم إذا اصفرت الشمس فاجتهد أن تعود إلى المسجد قبل الغروب وتشتغل بالتسبيح والاستغفار، فإن فضل هذا الوقت كفضل ما قبل الطلوع قال الله تعالى:{وَسَبِح بِحَمدِ رَبِك قَبلَ طُلوع الشَمس وَقَبلَ غُروبِها} [طه: 130].
ولتغرب عليك الشمس وأنت في الاستغفار، فإذا سمعت الأذان فأجبه، وقل بعده ما ذكرناه لك قبل ذلك.
ثم صل ركعتين؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب))، ثم قال في الثالثة:((لمن شاء)) (1).
ثم صل الفرض مع الإمام، وصل بعده ركعتين فهما راتبة المغرب.
وإن أمكنك أن تنوي الاعتكاف إلى العشاء وتحيي ما بين العشاءين بالصلاة فافعل؛ فقد ورد في فضل ذلك ما لا يحصى، وهي ناشئة الليل لأنه أول نشأته،
(1) أخرجه البخاري (1183، 7368)، وأحمد (5/ 55)، وأبو داود (1281).
وقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله تعالى: {تَتَجافى جُنوبُهُم عَنِ المَضاجِع} [السجدة: 16]: ((نزلت في انتظار هذه الصلاة التي تدعى العَتَمَة)) (1)، وفي رواية:((كانوا يتيقظون ما بين المغرب والعشاء يصلون)) (2).
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصليت معه المغرب، فصلى إلى العشاء (3).
فإذا دخل وقت العشاء فصل ركعتين قبل الفرض؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة))، ثم قال في الثالثة:((لمن شاء)) (4).
ثم صل الفرض وصل الراتبة ركعتين بعده، ثم صل الوتر، وإن شئت أوترت بواحدة، أو بثلاث، أو بخمس، أو بسبع بتشهد واحد وتسليمتين، وإن شئت فأوتر بتسع تجلس في الثامنة للتشهد ثم تأتي بالتاسعة وتجلس للتشهد والتسليم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوتر بثلاث ركعات قرأ فيها سورة: {سبح اسم ربك الأعلى} ، و {قل يأيها الكافرون} ، و {قل هو الله أحد} في ركعة ركعة (5).
(1) الترمذي (3196) وقال: "حسن صحيح"، وعزاه ابن كثير في "تفسيره"(6/ 165) للطبري، وجود إسناده.
(2)
أبو داود (1321)، وراجع "الدر المنثور" للسيوطي، "فتح القدير" للشوكاني في تفسير هذه الآية.
(3)
رواه الترمذي (3781) وحسنه، وصححه ابن خزيمة (1194)، وابن حبان (6960)، وعزاه الحافظ المنذري في "الترغيب" للنسائي، وجود إسناده.
(4)
رواه البخاري (624، 627)، ومسلم (838)، وأحمد (4/ 86، 5/ 54، 56، 57)، وأبو داود (1283)، والترمذي (185)، والنسائي (681)، وابن ماجة (1162). والمعنى: بين كل أذان وإقامة وقت صلاة، والمقصود: صلاة النافلة.
(5)
رواه أحمد (5/ 123)، وأبو داود (1423)، والنسائي (1699، 1700، 1701، 1729، 1730)، وابن ماجة (1171) من حديث أبي ابن كعب رضي الله عنه، وصحح إسناده الحافظ العراقي رحمه الله في "تخريج أحاديث الإحياء".
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بعد التسليم من الوتر: ((سبحان الملك القدوس)) ثلاث مرات، ويرفع صوته بالثالثة (1).
فإن كنت عازماً على قيام الليل فأخر الوتر ليكون آخر صلاتك وترًا (2).
ثم اشتغل بعد ذلك بمذاكرة علم أو مطالعة كتاب، ولا تشتغل باللهو واللعب فيكون ذلك خاتمة أعمالك قبل نومك، فإنما الأعمال بخواتيمها.
(1) رواه أبو داود (1430)، والنسائي (1699، 1701، 1729، 1732،
…
) وفي مواضع أخر، وغيرهما. وصحح إسناده الإمام النووي رحمه الله في "الأذكار".
(2)
راجع "صحيح البخاري"[كتاب الوتر- باب ليجعل آخر صلاته وترًا] حديث رَقْم (998)، و"صحيح مسلم"[كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل] حديث رقم (751).
واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: ((لا وِتْرَانِ في ليلة)) أخرجه الإمام أحمد (4/ 23)، وأبو داود (1439)، والترمذي (470) وحسنه، والنسائي (1679)، وصححه ابنا خزيمة (1101)، وحبان (2449 - إحسان).