الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العجب والكبر والفخر
وأما العجب والكبر والفخر: فهو الداء العضال، وهو: نظر العبد إلى نفسه بعين العز والاستعظام، وإلى غيره بعين الذل والاحتقار، ونتيجته على اللسان أن يقول: أنا وأنا (1)، كما قال إبليس اللعين:{أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} [ص: 76].
وثمرته في المجالس: الترفع، والتقدم، وطلب التصدر فيها. وفي المحاورة: الاستنكاف من أن يرد كلامه عليه.
والمتكبر: هو الذي إن وعِظ أنف، أو وَعَظ عنَّف. فكل من رأى نفسه خيرًا من أحد من خلق الله تعالى فهو متكبر.
بل ينبغي لك أن تعلم أن الخيَّر من هو خيَّر عند الله في الدار الآخرة، وذلك غيب، وهو موقوف على الخاتمة، فاعتقادك في نفسك أنك خير من غيرك جهل محض، بل ينبغي ألا تنظر إلى أحد إلا وترى أنه خير منك، وأن الفضل له على نفسك، فإن رأيت صغيرًا قلت: هذا لم يعص الله وأنا عصيته فلا شك أنه خير مني، وإن رأيت كبيرًا قلت: هذا قد عبد الله قبلي فلا شك أنه خير مني.
وإن كان عالمًا قلت: هذا قد أُعطي ما لم أعط، وبلغ ما لم أبلغ، وعلم ما جهلت فكيف أكون مثله؟.
وإن كان جاهلاً قلت: هذا قد عصى الله بجهل وأنا عصيته بعلم، فحجة الله عليَّ آكد وما أدري بم يختم لي وبم يختم له؟ لا أدري عسى أن يسلم ويختم له بخير
(1) قال العلامة ابن القيم رحمه الله في "الزاد": ((وليحذر كل الحذر من طغيان: أنا، ولي، وعندي. فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتلي بها إبليس، وفرعون، وقارون. "أنا خير منه" لإبليس، و "لي ملك مصر" لفرعون، و"إنما أوتيته على علم عندي" لقارون. وأحسن ما وضعت (أنا) في قول العبد: أنا العبد المخطئ، المستغفر، المعترف، ونحو ذلك. و (لي) في قوله: لي الذنب، ولي الجرم، ولي المسكنة، ولي الفقر والذل. و (عندي) في قوله: اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي " اهـ.
العمل، وعسى أن يختم لي بشر العمل؛ فيكون غدًا هو من المقربين، وأنا أكون من المبعدين.
فلا يخرج الكبر من قلبك إلا بأن تعرف أن الكبير من هو كبير عند الله تعالى، وذلك موقوف على الخاتمة وهي مشكوك فيها، فيشغلك خوف الخاتمة عن أن تتكبر مع الشك فيها على عباد الله تعالى، فيقينك وإيمانك في الحال لا يناقض تجويزك التغير في الاستقبال؛ فإن الله مقلب القلوب يهدي من يشاء ويضل من يشاء (1).
فتأمل أيها الراغب في العلم هذه الخصال الثلاث: الحسد، الرياء، الكبر. واعلم أن أعظم الأسباب في رسوخ هذه الخبائث في القلب: طلب العلم لأجل المباهاة والمنافسة، فالعامي بمعزل عن أكثر هذه الخصال، والمتفقه مستهدف لها وهو متعرض للهلاك بسببها، فانظر أي أمورك أهم؟! أتتعلم كيفية الحذر من هذه المهلكات وتشتغل بإصلاح قلبك وعمارة آخرتك؟ أم الأهم أن تخوض مع الخائضين فتطلب من العلم ما هو سبب زيادة الكبر والرياء والحسد والعجب حتى تهلك مع الهالكين؟!
واعلم أن هذه الخصال الثلاث من أمهات خبائث القلوب، ولها مغرس واحد وهو: حب الدنيا والركون إليها، فاعلم أن الدنيا مزرعة للآخرة، فمن أخذ من الدنيا بقدر الضرورة ليستعين بها على الآخرة؛ فالدنيا مزرعته، ومن أراد الدنيا ليتنعم بها؛ فالدنيا مهلكته.
فهذه نبذة يسيرة من ظاهر علم التقوى وهي بداية الهداية. فإن جربت بها نفسك وطاوعتك عليها فعليك بالاستزادة من العلم النافع، لتعرف كيفية الوصول إلى باطن التقوى.
(1) ولمزيد من الفائدة حول خطر الكبر وطريق الخلاص منه: انظر وصية نبي الله نوح صلى الله عليه وسلم لابنه، وكذا وصية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لابنه، ووصية زيد بن أسلم رحمه الله لابنه في كتابي"وصايا الآباء للأبناء".
وإن كنت تطلب العلم من القيل والقال والمراء والجدال؛ فما أعظم مصيبتك! وما أطول تعبك! وما أعظم حرمانك وخسرانك!!. فاعمل ما شئت فإن الدنيا التي تطلبها بالدين لا تسلم لك، والآخرة تُسلب منك، فمن طلب الدنيا بالدين خسرهما جميعًا، ومن ترك الدنيا للدين ربحهما جميعًا.
فهذه جمل الهداية إلى بداية الطريق في معاملتك مع الله تعالى بأداء أوامره واجتناب نواهيه، وأشير عليك الآن بجمل من الآداب لتؤاخذ نفسك بها في مخالطتك مع عباد الله تعالى، وصحبتك معهم في الدنيا.