الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب
آداب الجمعة
اعلم أن الجمعة عيد المؤمنين، وهو يوم شريف خص الله عز وجل به هذه الأمة، وفيه ((ساعة مبهمة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى فيها حاجة إلا أعطاه إياها ما لم يسأل حرامًا)) (1).
فاستعد لها من يوم الخميس بتنظيف الثياب، وانو صوم يوم الجمعة لكن مع الخميس أو السبت؛ إذ جاء في إفرادها نهي (2).
فإذا طلع عليك الصبح فاغتسل؛ فإن ((غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)) (3)، ثم تزين بالثياب البيض فإنها أحب الثياب إلى الله تعالى، واستعمل من الطيب أطيب ما عندك، وبالغ في تنظيف بدنك بالحلق والقص والسواك وسائر أنواع النظافة وتطييب الرائحة.
(1) أخرجه الإمام مالك في "الموطإِ"(1/ 108/15)، والإمام أحمد في "المسند"(2/ 230، 255 - 256، 280، 284، 457، 469، 481، 486، 498)، والبخاري في "صحيحه"(935، 5294، 6400)، ومسلم في "صحيحه"(852)، وابن ماجه (1137) وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. راجع الجزءَ الذي حققه ونشره شيخُنا أبو إسحاق الحويني الأثري (حفظه الله وأمتع المسلمين بطول حياته) الموسومَ بـ"الجزء فيه مِن الفوائد المنتقاة الحسان العوالي من حديث أبي عمرو السمرقندي عن شيوخه" رقم (44) ص137 - 140.
ذلك، وقد اختُلف في هذه الساعة على أكثر من أربعين قولاً، أمثلها عندي -والله أعلم- أنها مخفية في جميع اليوم كما أُخفيت ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان.
والحكمة من ذلك -كما في "فتح الباري"- حث العباد على الاجتهاد في الطلب، واستيعاب الوقت بالعبادة، بخلاف ما لو تحقق الأمر في شيء من ذلك لكان مقتضيًا الاقتصار عليه، وإهمال ما عداه.
راجع "فتح الباري شرح صحيح البخاري"[ج2 - كتاب الجمعة-باب الساعة التي في يوم الجمعة]، و"الترغيب والترهيب" للحافظ المنذري (قدس الله روحه ونور ضريحه" [كتاب الجمعة-الترغيب في صلاة الجمعة والسعي إليها، وما جاء في فضل يومها وساعتها]، و"زاد المعاد في هدي خير العباد" للعلامة الرباني ابن قيم الجوزية رحمه الله [ج1ص388 - 397] ط/مؤسسة الرسالة، ومكتبة المنار الإسلامية.
(2)
راجع "صحيح البخاري"(1984، 1985، 1986)[كتاب الصوم-باب صوم يوم الجمعة]، و"صحيح مسلم"(1143، 1144)[كتاب الصيام-باب كراهة صيام يوم الجمعة منفردًا].
(3)
أخرجه الإمام مالك في "الموطإِ"(1/ 102/4)، ومن طريقه: البخاري (879، 895)، ومسلم (846).
ثم بكِّر إلى الجامع، واسع إليه على الهينة والتؤدة والسكينة؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم:((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)) (1).
ثم إذا دخلت الجامع فاطلب الصف الأول، فإذا اجتمع الناس فلا تتخط رقابهم ولا تمر بين أيديهم وهم يصلون، واجلس بقرب حائط أو أسطوانة حتى لا يمروا بين يديك، ولا تقعد حتى تصلي التحية، ولا تتركها وإن كان الإمام يخطب، وأكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم خاصة.
ومتى خرج الإمام فاقطع الصلاة والكلام واشتغل بجواب المؤذن، ثم استماع الخطبة والاتعاظ بها، ودع الكلام رأسًا في الخطبة ففي الخبر:((إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت)) (2) أي: لأن قوله: أنصت كلام، فينبغي أن ينهى غيره بالإشارة لا باللفظ.
ثم اقتدِ بالإمام كما سبق.
ثم صلِّ بعد الجمعة ركعتين أو أربعًا، وكن حسن المراقبة للساعة الشريفة، فإنها مبهمة في جميع اليوم، ولا تحضر في الجامع مجالس الحِلَق ولا مجالس القُصّاص، بل مجلس العلم النافع وهو الذي يزيد في خوفك من الله تعالى وينقص من رغبتك في الدنيا، فكل علم لا يدعوك من الدنيا إلى الآخرة فالجهل أعود عليك منه، فاستعذ بالله من علم لا ينفع.
(1) أخرجه الإمام مالك في "الموطإِ"(1/ 101/1)، ومن طريقه: البخاري (881)، ومسلم (850).
(2)
أخرجه البخاري (934)، ومسلم (851). ومعنى: لغوت: صارت جمعتك ظهرًا، فقد روى أبو داود (347)، وابن خزيمة (1810) بسند حسن من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما مرفوعًا:" من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته إن كان لها ولبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخط رقاب الناس، ولم يلغ عند الموعظة؛ كان كفارة لما بينهما، ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرًا ".
وأكثر من الدعاء عند طلوع الشمس، وعند الزوال، وعند الغروب، وعند الإقامة، وعند صعود الخطيب المنبر، وعند قيام الناس إلى الصلاة، فيوشك أن تكون الساعة الشريفة في بعض هذه الأوقات.
واجتهد أن تتصدق في هذا اليوم بما تقدر عليه وإن قلَّ، فتجمع بين الصلاة والصيام والصدقة والقراءة والذكر والاعتكاف والرباط، واجعل هذا اليوم من الأسبوع خاصة لآخرتك، فعساه أن يكون كفارة لبقية الأسبوع.
واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: ((خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة: من عاد مريضًا، وشهد جنازة، وصام يومًا، وراح إلى الجمعة، وأعتق رقبة)) (1).
وقال أيضًا: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)) (2).
وقال: ((لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من الطهور ويدهن من دهنه ويمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام؛ إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى)) (3).
وقال: ((من غَسَلَ (4) يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ؛ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها)) (5).
(1) أخرجه أبو يعلى (2/ 1044)، وصححه ابن حبان (2771)، ورمز السيوطي لصحته في "الجامع الصغير"(3962)، وانظر "المجمع"(2/ 169)، و"الصحيحة"(1023).
(2)
أخرجه مسلم (233/ 16) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
أخرجه البخاري (883، 910) من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه، ورواه ابن خزيمة (1803) بنحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وزاد:"غفر له من الجمعة إلى الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام "، وأصله عند مسلم (857).
(4)
قوله: ((غسل)) بالتخفيف - معناه: غَسَلَ رأسه، ((واغتسل)) أي: في بقية جسده، وخص الرأس بالذكر؛ لما كان من عادة العرب من توفير شعورهم وتعاهدهم إياها بالدهن وغيره، فتحتاج إلى مزيد من التعاهد في الغسل، فلذا خصها بالذكر، والتنصيص بالتخصيص دليل العناية.
(5)
أخرجه الإمام أحمد (4/ 9 - 10، 104)، وأبو داود (345)، والترمذي (496) وحسنه، والنسائي (1381، 1384، 1398)، وابن ماجة (1087)، والدارمي (1547)، وصححه ابن خزيمة (1758، 1767)، وابن حبان (2781)، والحاكم.
وقال: ((تحشر الأيام على هيئتها، وتحشر الجمعة زهراء منيرة، أهلها يحفون بها كالعروس تهدى إلى خدرها، تضيء لهم يمشون في ضوئها، ألوانهم كالثلج بياضًا، وريحهم كالمسك، يخوضون في جبال الكافور، ينظر إليهم الثقلان لا يطرقون تعجبًا حتى يدخلون الجنة، لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون)) (1).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أتاني جبريل بمثل المرآة البيضاء فيها نكتة سوداء، قلت: يا جبريل! ما هذه؟ قال: هذه الجمعة، جعلها الله عيدًا لك ولأمتك، فأنتم قبل اليهود والنصارى، فيها ساعة لا يوافقها عبد يسأل الله فيها خيرًا إلا أعطاه إياه. قلت: ما هذه النكتة السوداء؟ قال: هذا يوم القيامة تقوم في يوم الجمعة، ونحن ندعوه عندنا المزيد. قلت: ما يوم المزيد؟ قال: إن الله جعل في الجنة واديًا أفيح (2)، وجعل
فيه كثبانًا من المسك الأبيض، فإذا كان يوم الجمعة ينزل الله فيه فوضعت فيه منابر من ذهب للأنبياء وكراسي من در للشهداء وينزلن الحور العين من الغرف فحمدوا الله ومجدوه. قال: ثم يقول الله: اكسوا عبادي؛ فيكسون. ويقول: أطعموا عبادي؛ فيطعمون. ويقول: اسقوا عبادي؛ فيسقون. ويقول: طيبوا عبادي؛ فيطيبون. ثم يقول: ماذا تريدون؟ فيقولون: ربنا رضوانك. قال: يقول: رضيت عنكم. ثم يأمرهم فينطلقون، وتصعد الحور العين الغرف وهي من زمردة خضراء، ومن ياقوتة حمراء)) (3).
(1) أخرجه الطبراني في "الكبير" كما في "المجمع (2/ 164 - 165)، وابن خزيمة (1730)، والحاكم (1027) وصحح إسناده، وقال الحافظ المنذري رحمه الله: "إسناده حسن، وفي متنه غرابة"، وجود إسناده الألباني في "الصحيحة" (706).
(2)
قوله: "واديًا أفيح" يعني: واسعًا.
(3)
أخرجه أبو يعلى (7/ 4228) واللفظ له وقال المنذري: "رواته رواة الصحيح"، والطبراني في "الأوسط" بنحوه وجود إسناده الإمام المنذري رحمه الله، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله، وراجع "مجمع الزوائد"(2/ 163 - 164)، (10/ 421 - 422).