المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌آداب الرجلين وأما الرجلان: فاحفظهما عن أن تمشي بهما إلى حرام، - بلوغ الغاية من تهذيب بداية الهداية

[وائل حافظ خلف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة فضيلة الشيخجمال الدين مغازي حفظه الله

- ‌مقدمة صاحب التهذيب

- ‌تمهيد

- ‌القسم الأولفيالطاعات

- ‌توطئة

- ‌فصلفي آداب الاستيقاظ من النوم

- ‌بابآداب دخول الخلاء

- ‌بابآداب الوضوء

- ‌بابآداب الغسل

- ‌بابآداب التيمم

- ‌بابآداب الخروج إلى المسجد

- ‌بابآداب دخول المسجد

- ‌بابآداب ما بعد طلوع الشمس إلى الزوال

- ‌بابآداب الاستعداد لسائر الصلوات

- ‌بابآداب النوم

- ‌بابآداب الصلاة

- ‌بابصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌بابآداب الإمامة والقدوة

- ‌بابآداب الجمعة

- ‌بابآداب الصيام

- ‌القسم الثانيالقول فياجتناب المعاصي

- ‌توطئة

- ‌آداب العين

- ‌آداب الأذن

- ‌آداب اللسان

- ‌الأول: الكذب

- ‌الثاني: الخلف في الوعد

- ‌الثالث: الغِيبة

- ‌الرابع: المراء والجدال ومناقشة الناس في الكلام

- ‌الخامس: تزكية النفس

- ‌السادس: اللعن

- ‌السابع: الدعاء على الخلق

- ‌آداب البطن

- ‌آداب الفرج

- ‌آداب اليدين

- ‌آداب الرجلين

- ‌بابالقول في معاصي القلب

- ‌الحسد

- ‌الرياء

- ‌العجب والكبر والفخر

- ‌القسم الثالثالقول فيآداب الصحبة

- ‌آداب الصحبة مع الله تعالى

- ‌آداب العالِم

- ‌آداب المتعلم

- ‌آداب الولد مع الوالدين

- ‌آداب العلاقة بالعوام المجهولين

- ‌آداب العلاقة بالإخوان والأصدقاء

- ‌الوظيفة الأولى: مراعاة شروط الصحبة

- ‌الثانية: حسن الخلق

- ‌آداب العلاقة بالمعارف

- ‌آداب عامة جامعة

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌ ‌آداب الرجلين وأما الرجلان: فاحفظهما عن أن تمشي بهما إلى حرام،

‌آداب الرجلين

وأما الرجلان: فاحفظهما عن أن تمشي بهما إلى حرام، أو تسعى بهما إلى باب سلطان ظالم، فإن المشيَ إلى السلاطين الظلمة من غير ضرورة وإرهاق معصيةٌ كبيرة، فإنه تواضع وإكرام لهم على ظلمهم.

وقد أمر الله تعالى بالإعراض عنهم في قوله تعالى: {وَلا تَركَنوا إِلى الَّذينَ ظَلَموا فَتَمَسَكُم النار} [هود: 113]، وهو تكثير لسوادهم، وإن كان ذلك لسبب طلب مالهم؛ فهو سعى إلى حرام، وقد قال صلى الله عليه وسلم:((من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلطان افتتن، وما ازداد عبد من السلطان قربًا؛ إلا ازداد من الله بعدًا)) (1).

وعلى الجملة فحركاتك وسكناتك بأعضائك نعمة من نعم الله تعالى عليك، فلا تحرك شيئًا منها في معصية الله تعالى أصلاً، واستعملها في طاعة الله تعالى.

واعلم أنك إن قصرت فعليك وباله، وإن شمرت فإليك تعود ثمرته، والله غني عنك وعن عملك، وإنما كل نفس بما كسبت رهينة، وإياك أن تقول: إن الله كريم رحيم يغفر الذنوب للعصاة؛ فإن هذه كلمة حق أريد بها باطل، وصاحبها عاجز متواكل.

واعلم أن قولك هذا يضاهي قول من يريد أن يكون فقيهًا في علوم الدين من غير أن يدرس علمًا، واشتغل بالبطالة وقال: إن الله كريم رحيم قادر على أن يفيض على قلبي من العلوم ما أفاضه على قلوب أنبيائه وأوليائه من غير

(1) رواه الإمام أحمد (2/ 371) بسند حسن. وانظر "الترغيب والترهيب" [كتاب القضاء وغيره-الترغيب في الامتناع عن الدخول على الظلمة"، "المجمع" (5/ 246). ومعنى الحديث كما في "فيض القدير": "من بدا جفا" أي: من سكن بالبادية صار فيه جفاء الأعراب. "ومن اتبع الصيد غفل" أي: من شغل الصيد قلبه وألهاه صارت فيه غفلة. وقال محشيه: الظاهر أن المراد غفل عن الذكر والعبادة، والظاهر أن الاكتساب بالاصطياد مفضول بالنسبة لبقية المباحات. "ومن أتى أبواب السلطان افتتن. وما ازداد عبد من السلطان قربَا إلا ازداد من الله بعدًا" وذلك لأن الداخل عليهم إما أن يلتفت إلى تنعمهم فيزدري نعمة الله عليه، أو يهمل الإنكار عليهم مع وجوبه فيفسق، فتضيق صدورهم بإظهار ظلمهم وبقبيح فعلهم، وإما أن يطمع في دنياهم وذلك هو السحت.

ص: 98

جهد وتكرار وتعلم!، وهو كقول من يريد مالاً فترك الحراثة والتجارة والكسب وتعطل وقال: إن الله كريم رحيم وله خزائن السموات والأرض، وهو قادر على أن يطلعني على كنز من كنوزه أستغني به عن الكسب فقد فعل ذلك لبعض عباده!، فأنت إذا سمعت كلام هذين الرجلين استحمقتهما وسخرت منهما، وإن كان ما وصفاه من كرم الله تعالى وقدرته صدقًا وحقًا، فكذلك يضحك عليك أرباب البصائر في الدين إذا طلبت المغفرة بغير سعى لها والله تعالى يقول:{وَأَن لَيسَ لِلإِنسان إِلا ما سَعى} [النجم: 39]، ويقول:{إِنَما تُجزونَ ما كُنتُم تَعملون} [الطور: 16]، ويقول:{إنّ الأَبرارَ لَفي نَعيم * وَإنّ الفُجارَ لَفي جَحيم} [الانفطار: 13 - 14].

فإذا لم تكن تترك السعي في طلب العلم والمال اعتمادًا على كرمه؛ فكذلك لا تترك التزود للآخرة ولا تفتر؛ فإن رب الدنيا والآخرة واحد، وهو فيهما كريم رحيم، وليس يزيد له كرم بطاعتك، وإنما كرمه سبحانه وتعالى في أن ييسر لك طريق الوصول إلى الملك المقيم والنعيم الدائم المخلد بالصبر على ترك الشهوات أيامًا قلائل، وهذا نهاية الكرم.

فلا تحدث نفسك بتهويسات البطالين، واقتد بأولي العزم والنهى من الأنبياء والصالحين، ولا تطمع في أن تحصد ما لم تزرع، وليت من صام وصلى وجاهد واتقى غُفر له {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} [المؤمنون: 60].

فهذه جمل مما ينبغي أن تحفظ عنه جوارحك الظاهرة، وأعمال هذه الجوارح إنما تترشح من صفات القلب، فإن أردت حفظ الجوارح فعليك بتطهير القلب فهو تقوى الباطن، والقلب هو المضغة التي إذا صلحت صلح بها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد بها سائر الجسد (1)، فاشتغل بإصلاحه لتصلح به جوارحك، وصلاحه يكون بملازمة المراقبة.

(1) راجع الحاشية رقم (1) من هذا الكتاب.

ص: 99

((واعلم أن مثل القلب كمثل حصن، والشيطان عدو يريد أن يدخل الحصن ويملكه ويستولي عليه، ولا يمكن حفظ الحصن إلا بحراسة أبوابه، ولا يقدر على حراسة أبوابه من لا يدري أبوابه، فحماية القلب من وساوس الشيطان واجب، ولا يتوصل إلى دفع الشيطان إلا بمعرفة مداخله؛ فصارت معرفة مداخله واجبة، ومداخل الشيطان وأبوابه صفات العبد، وهي كثيرة)) (1).

(1)"مختصر منهاج القاصدين".

ص: 100