الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث: الغِيبة
فاحفظ لسانك عن الغِيبة، والغيبة من كبائر الذنوب، وإثمها عظيم، وخطرها جسيم، وقد سماها الله عز وجل في كتابه مكرًا، فقال (سبحانه):{فلما سمعت بمكرهن} [يوسف: 31].
ومعنى الغيبة: أن تذكر إنساناً بما يكرهه لو سمعه، فأنت مغتاب ظالم وإن كنت صادقاً.
وقد روى الإمام أحمد رحمه الله في "مسنده"(2/ 384، 386)، ومسلم في "صحيحه"(2589)، وأبو داود في "سننه"(4874)، والترمذي في "جامعه"(1934)، والدارمي في "مسنده"(2714)، وأبو يعلى في "مسنده"(6532)، وابن حبان في "صحيحه"(5758، 5759 - إحسان) وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أتدرون ما الغِيبة؟)).
قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: ((ذِكْرُكَ أخاك بما يكره)).
قيل: أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقول؟
قال: ((إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته. وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّهُ)).
وقد روى الحافظ ابن أبي الدنيا رحمه الله في آخر كتاب "الصمت وآداب اللسان" عن التابعي الجليل محمد بن سيرين رحمه الله أنه قال:
((إذا قلت لأخيك مِن خلفه ما فيه مما يكره فهي الغِيبة. وإذا قلت ما ليس فيه فهو البهتان. وظلم لأخيك أن تذكره بأقبح ما تعلم منه وتنسى أحسنه)).
احفظ لسانك أيها الإنسانُ
…
لا يَلْدَغَنَّك إنه ثعبانُ
كم في المقابر مِن قتيل لسانِهِ
…
كانت تهاب لقاءَه الشجعانُ
وإياك وغيبةَ القراء المرائين، وهو: أن تفهم المقصود من غير تصريح، فتقول: أصلحه الله فقد ساءني وغمني ما جرى عليه فنسأل الله تعالى أن يصلحنا وإياه!. فإن هذا جمع بين خبيثين، أحدهما: الغيبة إذا حصل به التفهم، والآخر: تزكية النفس والثناء عليها بالتجريح لغيرك والصلاح لنفسك، ولكن إن كان مقصودك من قولك: أصلحه الله الدعاء، فادع له في السر، وإن اغتممت بسببه، فعلامته أنك لا تريد فضيحته وإظهار عيبه، وفي إظهارك الغم بعيبه إظهار تعييبه، ويكفيك زاجراً عن الغيبة قوله تعالى:{وَلا يَغتَب بَعضُكُم بَعضًا أَيُحِبُ أَحَدُكُم أَن يَأكلَ لَحمَ أخيهِ مَيتًا فَكَرِهتُموه} [الحجرات: 11]؛ فقد شبهك الله بآكل لحم الميتة، فما أجدرك أن تحترز منها.
ويمنعك عن الغيبة أمر لو تفكرت فيه، وهو: أن تنظر في نفسك، هل فيك عيب ظاهر أو باطن؟ وهل أنت مقارف معصية سرًا أو جهرًا؟.
فإذا عرفت ذلك من نفسك فاعلم أن عجزه عن التنزه عما نسبته إليه كعجزك، وعذره كعذرك، وكما تكره أن تفتضح وتُذكر عيوبك فهو أيضًا يكرهه، فإن سترته ستر الله عليك عيوبك، وإن فضحته سلط الله عليك ألسنة حدادًا يمزقون عرضك في الدنيا، ثم يفضحك الله في الآخرة على رؤوس الخلائق يوم القيامة، وإياك أن تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك.
وإن نظرت إلى ظاهرك وباطنك فلم تطلع فيهما على عيب ونقص في دين ولا دنيا، فاعلم أن جهلك بعيوب نفسك أقبح أنواع الحماقة، ولا عيب أعظم من الحمق، ولو أراد الله بك خيرًا لبصرك بعيوب نفسك، فرؤيتك نفسك بعين الرضا غاية غباوتك وجهلك، ثم إن كنت صادقًا في ظنك فاشكر الله - تعالى وتقدس- عليه، ولا تفسده بثلب الناس والتمضمض بأعراضهم، فإن ذلك من أعظم العيوب.
فإن عبت قوماً بالذي فيك مثله
…
فكيف يعيب الناس من هو أعور
وإن عبت قوماً بالذي ليس فيهم
…
فذلك عند الله والناس أكبر
****