المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الخامس (في نزول القرآن على سبعة أحرف) - تاريخ القرآن الكريم

[محمد طاهر الكردي]

فهرس الكتاب

- ‌الجدول الاول وفيه بعض الكلمات بحسب رسم المصحف العثماني

- ‌الباب الاول

- ‌(الفصل الاول * في تعريف القرآن وما يتضمنه)

- ‌الفصل الثاني (القرآن في اللوح المحفوظ)

- ‌الفصل الثالث (في انزال القرآن)

- ‌الباب الثاني

- ‌(الفصل الاول في جمع القرآن الكريم)

- ‌الفصل الثاني (في احتياط الصحابة في كتابة القرآن)

- ‌الفصل الثالث (في ضبط وتصحيح المصحف الكريم)

- ‌الفصل الرابع (في ترتيب آيات القرآن وسوره)

- ‌الفصل الخامس (في نزول القرآن على سبعة أحرف)

- ‌الباب الثالث

- ‌(الفصل الاول * في رسم المصحف العثماني وقواعده)

- ‌الفصل الثاني (في اختلاف رسم المصاحف العثمانية)

- ‌الفصل الثالث (في رسم القرآن الكريم هل هو توقيفي ام لا)

- ‌الفصل الرابع (في حكم اتباع رسم المصحف العثماني)

- ‌الفصل الخامس (في معرفة الصحابة لقواعد الاملاء والكتابة)

- ‌الباب الرابع

- ‌(الفصل الاول * فيما لو كتبنا القرآن الكريم بقواعد كتاباتنا)

- ‌الفصل الثاني (فيما لو اتبعنا رسم المصحف العثماني في كتاباتنا)

- ‌الباب الخامس (في ذكر شئ من مرسوم القرآن الكريم)

- ‌(الفصل الاول * في رسم الكلمات الآتية)

- ‌الفصل الثاني (في رسم البسملة، وهمزة نحو ائذا، وتبارك، وألف المد) (وألف التثنية، وما كتب بلام أو لامين وغيرها)

- ‌الفصل الثالث (في ألف التثنية * ورسم صيغ المبالغة، وصيغ المفرد والجمع) (ورسم صاحبكم، واسماء بعض الانبياء، وألف المد)

- ‌الفصل الرابع (في بعض غرائب رسم المصحف العثماني)

- ‌الباب السادس

- ‌(الفصل الاول * فيما ذكره العلماء من التعليلات لبعض مرسوم المصحف العثماني)

- ‌الفصل الثاني (في اختراع النقط والشكل)

- ‌الفصل الثالث (في كتابة المصاحف قديما وحديثا)

- ‌الفصل الرابع (في عدم جواز قراءة القرآن وكتابته بغير العربية)

- ‌الفصل الخامس (في عدد أجزاء القرآن وانصافه وسوره وآياته وحروفه)

الفصل: ‌الفصل الخامس (في نزول القرآن على سبعة أحرف)

‌الفصل الخامس (في نزول القرآن على سبعة أحرف)

روى البخاري في كتاب التفسير عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أقرأنى جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيدة ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف.

وأخرج أبو يعلى في مسنده ان عثمان قال على المنبر اذكر الله رجلا سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال ان القرآن انزل على سبعة احرف كلها شاف كاف لما قام فقاموا حتى لم يحصوا فشهدوا بذلك فقال وانا اشهد معهم رواه جمع من الصحابة يبلغ عددهم واحدا وعشرين صحابيا وقد نص ابو عبيدة على تواتره.

وروي مسلم والبخاري واللفظ له عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال سمعت هشام بن حكيم (1) يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أساوره (2) في الصلاة فتصبرت

(1) هو هشام بن حكيم بن حزام القرشى الاسدي أسلم يوم الفتح ومات قبل ابيه كان من فضلاء الصحابة وخيارهم ممن يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر قال

ابو نعيم استشهد بأجنادين اه من الاستيعاب (واجنادين موضع بالشام من نواحى فلسطين بعضهم يقول انه بلغظ التثنية وبعضهم بلفظ الجمع قاله صاحب معجم البلدان)(2) اساوره أي أثب عليه (*)

ص: 77

حتى سلم فلببته (1) بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة التى سمعتك تقرأ فقال أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت كذبت فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت (2) فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت انى سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التى سمعته يقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك انزلت ثم قال اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التى أقرأنى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك انزلت ان هذا القرآن انزل على سبعة احرف فاقرؤا ما تيسر منه (3) .

(1) أي اخذته بردائه وهو بفتح اللام وتشديد الباء الاولى (2) وسبب اختلاف قراءتهما كما ذكره ابن حجر في فتح الباري ان عمر حفظ هذه السورة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قديما ثم لم يسمع ما نزل فيها بخلاف ما حفظه وشاهده، ولان هشاما من مسلمة الفتح فكان النبي صلى الله عليه وسلم اقرأه على ما نزل اخيرا فنشأ اختلافهما من ذلك، ومبادرة عمر للانكار محمولة على انه لم يكن سمع حديث انزل القرآن على سبعة احرف الا في هذه الواقعة اه (3) روى البخاري هذا الحديث في كتاب التفسير في باب انزل القرآن على سبعة احرف ورواه ايضا في باب من لم ير بأسا ان يقول سورة البقرة وسورة كذا وكذا في كتاب التفسير، ورواه مسلم في آخر كتاب صلاة المسافرين

وقصرها في فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه عند بيان ان القرآن انزل على سبعة حرف.

ورواه الطبري ايضا في تفسير.

(*)

ص: 78

قال ابن حجر في فتح الباري على صحيح البخاري عند هذا الحديث ما نصه.

" فصل " لم اقف في شئ من طرق حديث عمر على تعيين الاحرف التى اختلف فيها عمر وهشام من سورة الفرقان وقد زعم بعضهم فيما حكاه ابن التين انه ليس في هذه السورة عند القراء خلافء فيما ينقص من خط المصحف سوى قوله وجعل فيها سراجا وقرى سرجا جمع سراج قال وباقى ما فيها من الخلاف لا يخالف خط المصحف قال ابن حجر قلت وقد تتبع أبو عمر بن عبد البر ما اختلف فيه القراء من ذلك من لدن الصحابة ومن بعدهم من هذه السورة فأوردته ملخصا وزدت عليه قدر ما ذكره وزيادة على ذلك وفيه تعقب على ما حكاه ابن التين في سبعة مواضع أو اكثر اه منه ثم ذكر ابن حجر ما ورد من القراءات في سورة الفرقان فراجعه ان شئت فلو نقلناه هنا لطال بنا الكلام اه وفي رواية لابي بن كعب (1) انه قال دخلت المسجد اصلى فدخل

(1) هو ابى بن كعب بن قيس الانصاري النجاري سيد القراء وهو احد فقهاء الصحابة واقرؤهم لكتاب الله تعالى وهو اول من كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة كتب الوحى قبل زيد ومعه ايضا وروانس ان النبي صلى الله عليه وسلم دعا ابيا فقال ان الله امرني ان اقرا عليك قال آلله سمانى لك قال نعم فجعل ابى (*)

ص: 79

رجل فافتتح النحل فقرأ فخالفنى في القراءة فلما انفتل (1) قلت من أقرأك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء رجل فقام وصلى فقرأ فافتتح النحل فخالفنى وخالف صاحبي فلما انفتل قلت من أقرأك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فدخل قلبى من الشك والتكذيب اشد مما كان في الجاهلية فأخذت بأيديهما وانطلقت بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت استقرئ هذين فاستقرأ احدهما فقال أحسنت فدخل قلبى من الشك والتكذيب أشد مما كان في الجاهلية ثم استقرأ الآخر فقال احسنت فدخل صدري من الشك والتكذيب اشد مما كان في الجاهلية فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري بيده فقال اعيذك بالله يا أبى من الشك ثم قال ان جبريل عليه السلام اتانى فقال ان ربك عزوجل يأمرك ان تقرأ القرآن على حرف واحد فقلت اللهم خفف عن امتى ثم عاد فقال ان ربك عزوجل يأمرك ان تقرأ القرآن على حرفين فقلت اللهم خفف عن امتى ثم عاد فقال ان ربك عزوجل يأمرك ان تقرا القرآن على سبعة احرف وأعطاك بكل ردة مسألة الحديث - وفي صحيح مسلم عن ابى بن كعب

يبكى قال انس ونبئت انه قرا عليه لم يكن الذين كفروا، مات ابى سنة اثنين وعشرين فقال عمر اليوم مات سيد المسلمين وقيل مات في خلافة عثمان سنة ثلاثين وقيل غير ذلك اه ملخصا من الاصابة والاستيعاب.

(1)

انفتل أي انصرف من صلاته.

(*)

ص: 80

رواية بهذا المعنى ايضا في آخر كتاب صلاة المسافرين وقصرها في فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه وللطبرى رواية بهذا المعنى عن أبى بن كعب ايضا وروى البخاري عن ابن مسعود (1) رضى الله عنه قال سمعت

رجلا قرأ وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فعرفت في وجهه الكراهية وقال كلا كما محسن ولا تختلفوا فان

(1) هو عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلى اسلم قديما وهاجر الهجرتين وشهد بدرا والمشاهد بعدها ولازم النبي صلى الله عليه وسلم وكان يحمل نعليه قال أبو نعيم كان سادس من أسلم وكان يقول أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة واختلف في وفاته فقيل توفى سنة اثنين وثلاثين وقيل غير ذلك اه ملخصا من الاصابة وينسب إلى امه احيانا فيقال ابن أم عبد وكان يلج على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلبسه نعليه ويمشى امامه ومعه ويستره إذا اغتسل ويوقظه إذا نام وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اذنك على أن يرفع الحجاب وأن تسمع سوادي حتى أنهاك رواه مسلم في كتاب السلام في باب استحباب السلام على الصبيان وكان يعرف في الصحابة بصاحب السواد والسواك وزاد بعضهم والفراش والوساد وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وإلى ما ذكر اشار صاحب نظم عمود النسب بقوله ومن هذيل صاحب السواد * والنعل والفراش والوساد قال الامام النووي في شرحه على صحيح مسلم عند الحديث المذكور السواد بكسر السين المهملة اتفق العلماء على ان المراد به السرار بكسر السين وبالراء المكررة وهو السر والمسارر يقال ساودت الرجل مساودة إذا ساررته اه (*)

ص: 81

من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا.

رواه البخاري في كتاب بدء الخلق في حديث الغار في اول باب منه وللطبرى وللطبراني (1) عن زيد بن أرقم قال جاء رجل إلى

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اقرأني ابن مسعود سورة اقرأنيها زيد واقرأنيها أبى بن كعب فاختلف قراءتهم فبقراءة أيهم آخذ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى إلى جنبه فقال على ليقرأ كل انسان منكم كما علم فانه حسن جميل.

وعن هشام بن على عن زيد بن علقمة النخعي قال: لما خرج عبد الله بن مسعود من الكوفة اجتمع إليه اصحابه فودعهم ثم قال لا تنازعوا في القرآن فانه لا يختلف ولا يتلاشى ولا ينفد بكثرة الرد وان شريعته الاسلام وحدوده وفرائضه فيه واحدة ولو كان شئ من الحرفين ينهى عن شئ يأمر به الآخر كان ذلك الاختلاف ولكنه جامع ذلك كله لا تختلف فيه الحدود والفرائض ولا شئ من شرائع الاسلام ولقد رأيتنا نتنازع فيه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمرنا نقرأ عليه فيخبرنا ان كلنا محسن ولو أعلم أحدا أعلم بما انزل الله على رسوله منى

(1) الطبري هو الامام محمد بن جرير الطبري المولود سنة 224 هجرية والطبراني من اصحاب الحديث (*)

ص: 82

لطلبته حتى ازداد علمه إلى علمي ولقد قرأت من لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة قد كنت علمت انه يعرض عليه القرآن في كل رمضان حتى كان عام قبض فعرض عليه مرتين فكان إذا فرغ اقرأ عليه فيخبرني انى محسن فمن قرأ على قراءتى فلا يدعنها رغبة عنها ومن قرأ على شئ من هذه الحروف فلا يدعنه رغبة عنه (1) فان من جحد بآية جحد به كله اه رواه الطبري في تفسيره وهل اللفظ واحد ام لا يحتاج إلى المراجعة.

وهناك روايات كثيرة في نزول القرآن على سبعة احرف اكتفينا بما ذكر لان سرد جميعها موجب للتطويل (2) فاختلاف هذه الاحرف انما هو اختلاف ألفاظ وتلاوة لا اختلاف معان موجبة لاختلاف احكامه (مثال ذلك) ما رواه ابن فارس بسنده عن هانئ قال كنت عند عثمان رضى الله عنه وهم يعرضون المصاحف فأرسلني بكتف شاة إلى أبى بن كعب فيها " لم يتسن " و " فأمهل الكافرين " و " لا تبديل

(1) وفى هذا المعنى روى الطبراني عن ابن مسعود ان النبي صلى الله عليه وسلم قال انزل القرآن على سبعة احرف فمن قرأ على حرف منها فلا يتحول إلى غيره رغبة عنه (2) ذكر الامام ابن جرير الطبري كثيرا من الروايات الواردة في نزول القرآن على سبعة احرف في اول تفسيره واطال الكلام فيه (*)

ص: 83

للخلق " قال فدعا بالدواة فمحا احدى اللامين وكتب " لخلق الله " ومحا فأمهل وكتب " فمهل " وكتب " لم يتسنه " ألحق فيها هاء والقراءة في المصاحف على هذا الاصلاح.

ولقد ذهب العلماء في المراد بهذه الاحرف السبعة إلى نحو أربعين قولا ذكرها الامام السيوطي في كتابه الاتقان في علوم القرآن نذكر ملخص ذلك وهو.

المختار منها أن المراد سبع لغات كما صححه البيهقى في الشعب واختلفوا في تعيينها فقال أبو عبيدة قريش وهذيل وثقيف وهوازن وكنانة وتميم واليمن وقيل غير ذلك، وجاء عن ابى صالح عن ابن عباس قال نزل القرآن على سبع لغات (1) منها خمس بلغة العجز من هوازن ويقال لهم علياء هوازن.

قال أبو عبيدة ليس المراد ان كل كلمة تقرأ على سبع لغات بل اللغات السبع مفرقة فيه فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة هوازن وبعضه بلغة اليمن ومعناه ان جبريل عليه السلام كان يأتي في كل عرضة بحرف إلى أن تمت الاحرف السبعة وذلك تخفيف

(1) قال بعضهم الحكمة في نزول القرآن على سبع لغات من أعيان العرب تأليف قلوبهم لما كان فيهم من الحمية العربية ولطلب فهم المراد فافتخر كل بلغته حين شاهدوا نزول القرآن فاستأنس كثير من فصحائهم فكان سبب ايمانه اه (*)

ص: 84

وتيسير على الامة في التكلم بكتابهم كما خفف عنهم في شريعتهم هذا هو المعول عليه اه (1) وقال أبو شامة ظن قوم ان القراءت السبع الموجودة الآن هي التى اريدت في الحديث وهو خلاف اجماع اهل العلم قاطبة وانما يظن ذلك بعض اهل الجهل * وقال مكى بن ابى طالب واما من ظن ان قراءة هؤلاء القراء كعاصم ونافع هي الاحرف السبعة التى في الحديث فقد غلط غلطا عظيما قال ويلزم من هذا ان ما خرج عن قراءة هؤلاء السبعة مما ثبت عن الائمة وغيرهم ووافق خط المصحف لا يكون قرآنا وهو غلط عظيم قال وهذه القراءات التى يقرأ بها اليوم وصحت رواياتها عن الائمة جزء من الاحرف السبعة التى نزل بها القرآن اه من فتح الباري على صحيح البخاري.

وقال ابن قتيبة لم ينزل القرآن الا بلغة قريش (2) واحتج بقوله " وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه " فعلى هذا تكون اللغات السبع

(1) ويدل على هذا ما اخرجه أبو داود من طريق كعب الانصاري ان عمر

كتب إلى ابن مسعود ان القرآن نزل بلسان قريش فأقرئ الناس بلغة قريش لا بلغة هذيل اه وابن مسعود كان من هذيل (2) ومعنى ان القرآن نزل بلغة قريش سبق بيانه في الجمع الثالث عند رواية البخاري فارجع إليه وهو في هامش صحيفة 35 (*)

ص: 85

في بطون قريش وبذلك جزم أبو على الاهوازي، وقال ايضا في كتاب المشكل ان الله امر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يقرئ كل امة بلغتهم وما جرت به عادتهم فالهذلي يقرأ عتى حين وغيره حتى حين والاسدي يعلمون وتعلمون وتسود وجوه وألم إعهد اليكم بكسر حرف المضارعة والتميمى يهمز والقرشي لا يهمز والآخر يقرأ قيل لهم وغيض الماء باشمام الضم مع الكسر وهذا يقرأ عليهم وفيهم بضم الهاء وهكذا وكل ذلك ثابت بالوحى المنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم قال ابن قتيبة ولو اراد كل فريق من هؤلاء ان ينزل عن لغته وما جرى عليه اعتياده طفلا ويافعا وكهلا لاشتد ذلك عليه وعظمت المحنة فيه ولا يمكنه الا بعد رياضة للنفس طويلة وتذليل للسان وقطع للعادة فأراد الله برحمته ولطفه ان يجعل له متسعا في اللغات ومتصرفا في الحركات كتيسيره عليهم في الدين اه وهذه اللغات والقراءة بها كانت موجودة ومعمولا بها إلى عهد عثمان رضى الله عنه فلما اختلطت قبائل العرب وعرف كل لغة الآخر وسهل على كل قبيلة النطق بلغة القبيلة الاخرى وحدث في عهده رضى الله عنه ما يدعو إلى حمل الناس على القراءة بلغة واحدة أمر رضى الله عنه بجمع القرآن وكتابته وقراءته بلغة واحدة.

اه كل ذلك من كتاب الاتقان للسيوطي رحمه الله ومن غيره

ص: 86

وفي نهاية القول المفيد.

قال المحقق ابن الجزرى ولازلت أستشكل هذا الحديث (أي حديث ان هذا القرآن انزل على سبعة أحرف الخ) وافكر فيه وأمعن النظر من نحو نيف وثلاثين سنة حتى فتح الله على بما يمكن أن يكون صوابا ان شاء الله تعالى وذلك انى تتبعت القراءات صحيحها وضعيفها وشاذها فإذا هي يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه لا يخرج عنها وذلك - إما في الحركات بلا تغيير في المعنى والصورة نحو البخل باثنين ويحسب بوجهين - أو بتغيير في المعنى فقط نحو فتلقى آدم من ربه كلمات - واما في الحروف بتغيير في المعنى لا في الصورة نحو تبلوا وتتلوا وعكس ذلك نحو بسطة وبصطة - أو بتغييرهما نحو اشد منكم ومنهم - واما في التقديم والتأخير نحو فيقتلون ويقتلون - أو في الزيادة والنقصان نحو ووصى وأوصى - فهذه سبعة أوجه لا يخرج الاختلاف عنها اه كلامه (1)

(1) فمعنى قوله نحو البخل باثنين أي بقراءتين كآية " ويأمرون الناس بالبخل " في سورة النساء فقد قرئ بالبخل بضم الباء وسكون الخاء وقرئ بفتحهما، ومعنى قوله ويحسب بوجهين اي قرئ بفتح السين وكسرها كآية " يحسب أن ماله أخلده " ومعنى قوله أو بتغيير في المعنى فقط نحو " فتلقى آدم من ربه كلمات " أي قرئ برفع آدم على انه فاعل ونصب كلمات على انه مفعول به وقرئ بالعكس أي بنصب آدم على انه مفعول وبرفع كلمات على انه فاعل، ومعني قوله نحو تبلوا وتتلوا أي قرئ تعالى " هنالك تبلوا كل نفس ما اسلفت " بيونس بالتاء ثم بالباء قبل اللام وقرئ (*)

ص: 87

وقد حمل ابن قتيية وغيره العدد المذكور في حديث انزل القرآن

على سبعة احرف على الوجوه التى يقع بها التغاير في سبعة اشياء ذكرها مفصلا ابن حجر في فتح الباري على صحيح البخاري عند الكلام على هذا الحديث فراجعه ان شئت فانا لم ننقلها منه خوف التطويل وقد استوفى ابن حجر رحمه الله شرح هذا الحديث في فتح الباري ينبغى مطالعته فانه مبحث مهم ولا يبعد ان يكون هذا الحديث متشابها يفوض معناه إلى الله تعالى كما ذهب إليه بعض العلماء وذلك لامرين - الاول - كثرة اختلاف العلماء في معناه حتى بلغ نحو اربعين قولا - الثاني - ورود احاديث كثيرة في هذا المعنى بعبارات مختلفة (منها) قوله صلى الله عليه وسلم أقرأنى جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى

تتلوا بتاءين، ومعنى قوله نحو اشد منكم ومنهم اي قرئ قوله تعالى " كانوا هم اشد منهم قوة " بغافر اشد منهم واشد منكم، ومعنى قوله واما في التقديم والتأخير نحو فيقتلون ويقتلون اي قرئ قوله تعالى " يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون " بالتوبة الاول بالبناء للمعلوم والثانى للمجهول وقرئ بالعكس اه اخذنا هذا البيان مشافهة عن الصالح المبارك الشيخ احمد التيجى عمدة قراء الحجاز بمكة المشرفة اطال الله حياته ونفع به الامة آمين قال السيوطي في الاتقان قلت ومن امثلة التقديم والتأخير قراءة الجمهور " كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار " وقرأ ابن مسعود على قلب كل متكبر جبار اه (*)

ص: 88

إلى سبعة احرف، رواه الشيخان ولمسلم برواية اخري، وللترمذي من وجه آخر انه صلى الله عليه وسلم قال يا جبريل انى بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز

والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذى لم يقرأ كتابا قط الحديث (ومنها) انزل القرآن من سبعة ابواب على سبعة احرف كلها شاف كاف رواه الطبراني (ومنها) انزل القرآن على سبعة احرف فمن قرأ على حرف منها فلا يتحول إلى غيره رغبة عنه رواه الطبراني (ومنها) انزل القرآن على عشرة احرف بشير ونذير وناسخ ومنسوخ وعظة ومتشابه ومثل ومحكم وحلال وحرام رواه السجزى في الابانة (ومنها) انزل القرآن على ثلاثة أحرف رواه احمده وغيره (ومنها) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند أضاءة بنى غفار (1) فأتاه جبريل عليه السلام فقال ان الله عزوجل يأمرك ان تقرئ أمتك القرآن على حرف قال اسأل الله معافاته ومغفرته وان امتى لا تطيق ذلك ثم اتاه الثانية فقال ان الله عز وجل يأمرك ان تقرئ امتك القرآن على حرفين قال اسأل الله معافاته ومغفرته وان امتى لا تطيق ذلك ثم جاءه الثالثة فقال ان الله عزوجل يأمرك ان تقرئ امتك القرآن على ثلاثة احرف فقال اسأل الله معافاته ومغفرته وان امتى لا تطيق ذلك ثم جاءه الرابعة فقال ان الله عزوجل

(1) أضاءة هي بفتح الهمزة وبضاد معجمة ماء مستنقع كالغدير بالمدينة (*)

ص: 89

يأمرك ان تقرئ امتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرؤا عليه فقد أصابوا رواه النسائي في سننه * فإذا أمعنت النظر في هذه الاحاديث ظهرت لك منها جملة معان فتأمل جيدا.

والحقيقه التى لا تنكر انه لولا عثمان رضى الله عنه جمع الامة على مصحف واحد وعلى حرف واحد لذهب المسلمون اليوم في القرآن الكريم كل مذهب، ولاختلفت القرءآت لديهم كل الاختلاف، ولوجد اعداء

الدين مسلكا سهلا لايقاع الشك والدسيسة في قلوب ضعاف المسلمين وجهالهم، وإذا وقع الاختلاف والتكذيب في عهده رضى الله عنه فكيف بنا اليوم وقد بدأ الاسلام يعود غريبا فجزى الله صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاسلام والمسلمين خير الجزاء ووفقنا لاتباع مسلكهم القويم ومنهجهم المستقيم آمين ولننقل هنا نص ما ذكره الامام محمد بن جرير الطبري المولود سنة أربع أو خمس وعشرين ومائتين في تفسيره بعد أن بين وجهة حمل عثمان الناس على مصحفه وهو (فان قال) بعض من ضعفت معرفته وكيف جار لهم ترك قراءة أقرأهموها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم بقرائتها (قيل) ان أمرهم بذلك لم يكن أمر ايجاب وفرض وانما كان أمر اباحة ورخصة.

الخ (ويسأل بعضهم) لم لم تكن الاحرف الستة موجودة وقد

ص: 90

انزلت من عند الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم وهو اقرأها اصحابه فأن نسخت فرفعت فما الدليل عليه وان نسيتها الامة وتركتها فذلك تضييع ما قد أمروا بحفظه (فأجاب الامام ابن جرير الطبري) على هذه الاسئلة بقوله: لم تنسخ الاحرف الستة فترفع ولا ضيعتها الامة وهى مأمورة بحفظها ولكن الامة أمرت بحفظ القرآن وخيرت في قراءته وحفظه بأى تلك الاحرف السبعة شاءت وضرب لها مثلا في الفقه وهو إذا حنث موسر في يمين فله أن يختار كفارة من ثلاث كفارات إما بعتق أو إطعام أو كسوة فكذلك الامة أمرت بحفظ القرآن وقراءته وخيرت في قراءته بأى الاحرف السبعة شاءت فرأت لعلة من العلل أوجبت عليها الثبات على حرف واحد قراءته بحرف واحد ورفض

القراءة بالاحرف الستة الباقية ولم تحظر قراءته بجميع حروفه على قارئه بما اذن له في قراءته به ثم أورد الطبري أنباء ما قد حدث في أيام أبى بكر وعثمان عن جمع المصحف اه.

ولا يخفى أن جواب ابن جرير سديد * قال أبو شامة وقد اختلف السلف في الاحرف السبعة التى نزل بها القرآن هل هي مجموعة في المصحف الذى بأيدى الناس اليوم أو ليس فيه الاحرف واحد منها مال الباقلانى إلى الاول وصرح الطبري وجماعة بالثاني وهو المعتمد اه من فتح الباري

ص: 91

وسبب اختلاف القراءات السبع وغيرها كما قال ابن هشام ان الجهات التى وجهت إليها المصاحف كان بها من حمل عنه اهل تلك الجهة وكانت المصاحف خالية من النقط والشكل قال فثبت أهل كل ناحية على ما كانوا تلقوه سماعا عن الصحابة بشرط موافقة الخط وتركوا ما يخالف الخط امتثالا لامر عثمان الذى وافقه عليه الصحابة لما رأوا في ذلك من الاحتياط للقرآن فمن ثم نشأ الاختلاف بين قراءة الامصار مع كونهم متمسكين بحرف واحد من السبعة اه من فتح الباري على صحيح البخاري فوائد اختلاف القراءات نزول القرآن بالاحرف السبعة لا يؤدى إلى التناقض في الاحكام الشرعية واصول الدين وفي الحلال والحرام والامر والنهى، فالاختلاف الواقع بين هذه الاحرف انما هو اختلاف ألفاظ وتلاوة فقط وتؤخذ منه جملة فوائد (منها) بيان حكم مجمع عليه كقراءة سعد بن ابى وقاص وغيره " وله اخ أو اخت من أم " فان هذه القراءة تبين ان المراد بالاخوة

هنا الاخوة للام " ومنها " ترجيح حكم اختلف فيه كقراءة " أو تحرير رقبة مؤمنة في كفارة اليمين " ففيها ترجيح لاشتراط الايمان كما ذهب إليه الشافعي وغيره ولم يشترطه أبو حنيفة " ومنها " الجمع بين حكمين

ص: 92

مختلفين كقراءة يطهرن ويطهرن بالتخفيف والتشديد فينبغي الجمع بينهما وهو ان الحائض لا يقربها زوجها حتى تطهر بانقطاع حيضها وتطهر بالاغتسال " ومنها " ايضاح حكم يقتضى الظاهر خلافه كقراءة " فامضوا إلى ذكر الله " فان قراءة فاسعوا يقتضى ظاهرها المشى السريع وليس كذلك فكانت القراءة الاخرى موضحة لذلك " ومنها " تفسير ما لعله لا يعرف كقراءة " كالصوف المنفوش "" ومنها " ما هو حجة لترجيح قول بعض العلماء كقراءة " أو لمستم النساء " إذ اللمس يطلق على الجس والمس (ومنها) ما هو حجة لاهل الحق ودفع لاهل الزيغ كقراءة " وملكا كبيرا " بكسر اللام (1) وردت عن ابن كثير وغيره وهى من اعظم الدليل على رؤية الله تعالى في الدار الاخرة وقد قيل وخير ما فسرته بالوارد إلى غير ذلك - اه من اجابة شيخ المقارئ المصرية لاسئلتنا التى كنا بعثناها إليه من مكة المشرفة وسنذكر منها في هذا الكتاب ما يناسب كل مقام وفصل ان شاء الله تعالى.

(1) من آية " وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا " بسورة الانسان (*)

ص: 93