الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} [النساء: 23]، فتقييد تحريم الربيبة بكونها في الحجر لا يمنع التحريم، بل تحرم، وإن لم تكن في حجره على قول أكثر
أهل العلم؟
قلنا: هذا صحيح، لكن كون الرسول صلى الله عليه وسلم يعلق الحكم بالأكل والشرب؛ لأن مظهر الأمة بالترف في الأكل والشرب أبلغ منه في مظهرها في غير ذلك، وهذه علة تقتضي تخصيص الحكم بالأكل والشرب، لأنه لا شك أن الذي أوانيه في الأكل والشرب ذهب وفضة، ليس كمثل من يستعملها في حاجات تخفى على كثير من الناس).
مناقشة ما قاله الشيخ العثيمين:
أولا - بيان علل التحريم:
1 -
الخيلاء وكسر قلوب الفقراء:
وقد سبق ذكرها في كلام الشيخ العثيمين، وقال بهذا جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية، والشافعية والحنابلة.
وهذه العلة غير منضبطة فقلوب الفقراء تنكسر بالمراكب الفارهة والملابس الفاخرة والبيوت الواسعة والأطعمة اللذيذة وغير ذلك من المباحات ومع كون هذه الأشياء مما ينكسر بها قلوب الفقراء لم يحرمها الشارع بل هي مباحة - ما لم يكن فيها إسراف -، وعليه فهذه العلة لا يناط بها حكم التحريم.
2 -
التشبه بالأعاجم والكفار (1):
وقد ذكر ابن تيمية أن اتخاذ الحرير وأواني الذهب والفضة فيه تشبه بالكفار فقال في "اقتضاء الصراط المستقيم"(1/ 360): (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» متفق عليه. وعن جبير بن نفير عن عبد الله بن عمرو قال: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال: " إن هذه من ثياب الكفار، فلا تلبسها» رواه مسلم.
(1) انظر أيضا المجموع للنووي (1/ 246).
علل النهي عن لبسها بأنها: من ثياب الكفار، وسواء أراد أنها مما يستحله الكفار بأنهم يستمتعون بخلاقهم في الدنيا، أو مما يعتاده الكفار لذلك.
كما أنه في الحديث قال: إنهم يستمتعون بآنية الذهب والفضة في الدنيا، وهي للمؤمنين في الآخرة، ولهذا كان العلماء يجعلون اتخاذ الحرير وأواني الذهب والفضة تشبها بالكفار).
قال ابن رشد في "البيان والتحصيل"(18/ 540): (جاء النهي عن الأكل والشرب في آنية الفضة والذهب من جهة التشبه بالأعاجم، وكذلك اللجام والسرج المحليان بالفضة والذهب إنما لم يجز الركوب بهما من أجل ذلك
…
).
روى ابن ماجه وغيره من حديث أبي موسى رضي الله عنه مرفوعاً: (جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم تبارك وتعالى إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن)(1) وهذا الحديث صريح في أن أهل الجنة يتمتعون بسائر وجوم استعمال الذهب والفضة وليس الشرب فقط.
قال الشنقيطي في "أضواء البيان"(3/ 225): (هذه الأربعة المذكورة في هذا الحديث، التي هي: الذهب، والفضة، والحرير، والديباج ـ صرح النَّبي صلى الله عليه وسلم أنها للكفار في الدنيا، وللمسلمين في الآخرة. فدل ذلك على أن من استمتع بها من الدنيا لم يستمع بها في الآخرة).
3 -
تضييق النقدين:
قال تقي الدين في " شرح عمدة الفقه"(1/ 114): (لأن ذلك مظنة السرف باستعمال النقدين في غير ما خلقا له والله لا يحب المسرفين، ومظنة الخيلاء والكبر لما في ذلك من امتهانهما، ومظنة الفخر وكسر قلوب الفقراء والله لا يحب كل مختال فخور).
قال الرحيباني في "مطالب أولي النهى"(1/ 55): ((ولا) يباح اتخاذا ولا استعمالا إناء (من ذهب و) لا من (فضة)، لحديث حذيفة مرفوعا «لا تشربوا في
(1) - والحديث صححه الألباني في صحيح ابن ماجه، وصحيح الجامع.
آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة» وعن أم سلمة ترفعه «الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم» متفق عليهما. والجرجرة: صوت وقوع الماء بانحداره في الجوف. وغير الأكل والشرب في معناهما، لأنهما خرجا مخرج الغالب، ولأن في ذلك سرفا وخيلاء، وكسر قلوب الفقراء، وتضييق النقدين) (1).
ولا يقال أن العلة منقوضة بما أذن الشرع في استعماله كالحلي للنساء فالترخيص في ذلك للدليل، وتجويز غيرها وقياسها عليه يؤدي إلى تضييق العلة.
والراجح عندي أن العلة مركبة من كل ما سبق، والعلة تعمم معلولها وعليه فالنهي لا يخص الأكل والشرب فقط بل كل وجوه الاستعمال ولا يخرج عن ذلك إلا ما دلّ عليه الدليل كجواز التحلي بالذهب والفضة للنساء.
- وأما قوله: (ولو كانت حراماً مطلقاً لأَمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بتكسيرها، كما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يدعُ شيئاً فيه تصاوير إلا كسره أو هتكه) فهو استدلال بقياس محل النزاع على التصاوير والتصاليب وهو قياس مع الفارق لظهور مظاهر الشرك والوثنية في الأصل دون الفرع.
- وأما استدلاله بقصة أم سلمة رضي الله عنها فلا دلالة فيه لأمور منها:
1 -
أن العبرة بما روى الراوي لا بما رأى.
2 -
أن هذا اللفظ محل النزاع وهو (فضة) فقد اختلف فيه على اسرائيل الراوي عن عثمان بن عبدالله بن مَوْهَب، فروي عنه مرة بالقاف والمهملة (قصة)، وأخرى بالفاء والموحدة (فضة).
وقد ورد هذا الحديث من غير طريق إسرائيل بلفظ: (فأخرجت لنا صُرَّة) رواه الطبراني (23/ 332) حديث رقم (764) من طريق سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ - وهو ثقة صاحب سُنة - عن عثمان بن عبدالله بن مَوْهَب، قال: دخلنا على أم سلمة، فأخرجت لنا صُرَّة فيها شعر النبي صلى الله عليه وسلم مخضوب بحناء، فقالت:«هذا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم» .
(1) انظر: كشاف القناع (1/ 282).