الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصاحب الفائق. قلت: وهو أقوى في النظر. وعنه أنه نجس ، ونص عليه في ثوب المتطهر. قال في الرعاية الكبرى: وفيه بعد) (1).
الأدلة والمناقشة
(2):
الأدلة على أنه نجس:
الدليل الأول:
ما رواه أبو داود (1/ 18)(70)، وأحمد (2/ 433)، وغيرهما من طريق محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا يبل أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة).
ووجه الاستدلال:
ووجه الاستدلال أنه صلى الله عليه وسلم قرن بين النهي عن البول والاغتسال في الماء الدائم، فكما أن البول ينجسه فكذلك الاغتسال (3).
المناقشة:
أولا - هذا الحديث بهذا اللفظ غير محفوظ، فإسناده وإن كان جيدا ومحمد بن عجلان صدوقا إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة، وقد خالف جماعة من الحفاظ من أصحاب أبي هريرة في سياقه للحديث ومنهم: همام بن منبه، محمد بن سيرين، وعبدالرحمن بن هرمز الأعرج، وحميد بن عبدالرحمن الحميري، في لفظه ولفظه عندهم:(لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه) متفق عليه وهذا لفظ ابن هرمز عند البخاري. والنهي في هذا الحديث أخص من حديث الباب، وسيأتي الكلام على مفهوم هذا الحديث وبيان حكم الاغتسال من غير أن يبول في الماء الدائم.
والكلام ليس في ثبوت النهي عن البول في الماء الدائم بمفرده، أو الاغتسال فيه من الجنابة بمفرده، وإنما الكلام على جمع الحدثين في حديث واحد على نحو
(1) انظر المغنى (1/ 28).
(2)
انظر موسوعة الطهارة للدبيان (1/ 187) وما بعدها.
(3)
انظر المغني (1/ 29).
الرواية المذكورة وانفراد ابن عجلان بها ومخالفته الثقات فيه يدل على أنه لم يحفظه كما قال البيهقي (1).
ثانيا - وعلى فرض ثبوته فإنه لا يلزم من اقتران البول مع الاغتسال التسوية بينهما في الحكم وذلك لضعف دلالة الاقتران فقد قال تعالى: (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)[الأنعام: 141] فالأكل غير واجب والإيتاء واجب، وعليه فلا يلزم من اقتران البول والاغتسال التسوية بينهما في الحكم وذلك لأن البول نجس نجاسة حسية بالاتفاق، وقوله صلى الله عليه وسلم:(المؤمن لا ينجس) يدل على طهارة بدن المؤمن، وأن الحدث الناتج عن الاغتسال معنويا فافترقا.
أضف إلى أنه ليس في الحديث ما يدل على أن النهي عن البول أو الاغتسال في الماء الراكد لتنجيسه، بل قد يكون في البول سدا للذريعة؛ لأن البول ذريعة للتنجيس بتكرره فيتغير بذلك الماء ويصير نجسا، وفي الاغتسال يكون النهي لكي لا يصير مستخبثا بتوارد الاستعمال فيبطل نفعه، وإنما قلنا ذلك إعمالا لما يأتي من الأدلة على طهارته.
الدليل الثاني:
استدلوا بأنه يسمى طهارة والطهارة لا تكون إلا عن نجاسة إذ تطهير الطاهر لا يعقل (2).
المناقشة:
وأجيب بأن الطهارة المقصودة من التطهر إنما هي طهارة معنوية من الذنوب والمعاصي، وأما الحدث فهو شيء معنوي فكما أنه لا يتنجس به البدن فلا يتنجس به الماء، ولذلك لما اعتبر أبو هريرة حدثه نجاسة بين له النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن لا ينجس.
ويجاب أيضا بقطع الملازمة المذكورة من كون الطهارة لا تكون إلا عن نجاسة وذلك بأن تجديد الوضوء والأغسال المستحبة سماها الشرع طهارة وليست عن
(1) نقله عنه النووي وانظر المجموع (1/ 152).
(2)
انظر لمغني (1/ 29).
نجاسة حسية ولا معنوية.
الأدلة على أنه طاهر:
الدليل الأول:
ما رواه البخاري (1/ 81)(186) من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال في صلح الحديبية: (وإذا توضأ النبي صلى الله عليه وسلم كادوا يقتتلون على وضوئه).
وجه الاستدلال:
وتقاتلهم على وضوء النبي دل على طهارته وبركته، ولو كان نجسا لما تقاتلوا عليه وقد سبق تعريف النجس لغة بأنه ما يستقذره ذو الطبع السليم (1).
الدليل الثاني:
ما رواه البخاري (1/ 82)(191)، ومسلم (3/ 1234) (1616) عن جابر رضي الله عنه قال:(جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض لا أعقل فتوضأ وصب علي من وضوئه فعقلت) الحديث.
وجه الاستدلال:
صب النبي صلى الله عليه وسلم عليه من هذا الوضوء دليل على عدم نجاسته فمن المقرر أنه لا يجوز التداوي بالنجاسات ولا تلطيخ المسلم بها.
فإن قالوا: يحمل هذا على الخصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره.
قلنا: بأن الخصوصية لا تثبت بالاحتمال كما أن النظر يدل على مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته في تطهره من الحدث الأكبر والأصغر، ولو كان الماء المستعمل من النبي صلى الله عليه وسلم في طهارته طاهرا دون غيره لكان لا عن حدث، وقد روى البخاري (1/ 106) (186) عن أبي هريرة قال:(أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياما فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب فقال لنا: (مكانكم)، ثم رجع فاغتسل ثم خرج
(1) انظر: الإنصاف (1/ 26)، كشاف القناع (1/ 29)، مطالب أولي النهى (1/ 27).
إلينا ورأسه يقطر فكبر فصلينا معه).
الدليل الثالث:
ما ثبت من أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل وهو وزوجاته من إناء واحد تختلف أيديهما فيه.
وجه الاستدلال:
أنه هذا الماء لا يسلم غالبا من وقوع رشاش فيه ولو كان نجسا لتنجس الماء به لقلته.
الدليل الرابع:
ما رواه البخاري (1/ 109)(281)، ومسلم (1/ 282) (371) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا:(المؤمن لا ينجس).
وجه الاستدلال:
نص النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن لا ينجس فبدنه طاهر والأصل في الماء الطهارة فطاهر لاقى طاهرا فيكون الناتج طاهرا.
إلى غير ذلك من الأدلة التي تدل على طهارة الماء المستعمل.
الأدلة على أنه ليس بطهور:
الدليل الأول:
ما رواه مسلم (1/ 236)(283) عن أبي السائب أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب فقال كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال يتناوله تناولا).
وجه الاستدلال:
قال الزركشي في "شرحه على مختصر الخرقي"(1/ 13): (فلولا أن الغسل فيه لا يجزئ، وأن طهوريته تزول لم ينه عن ذلك).
المناقشة:
أولا - العلة غير منصوصة والجزم بأنها لخروجه عن الطهورية تحكم بلا دليل، والأولى أن تكون العلة النهي عن الاغتسال فيه لئلا يصير مستخبثا بتوارد الاستعمال فيبطل نفعه.
والدليل على أنه لا يصير مستعملا فهم أبو هريرة للحديث وقوله بأن يجوز أن يتناول منه للاغتسال أو الوضوء كما ورد في بعض طرق الحديث فدل على أن غمسه يده فيه للتناول بنية رفع الحدث لا تخرج الماء عن طهوريته. (1)
الدليل الثاني:
احتجوا بما روي عن السلف بتكميل الطهارة بالتيمم عند قلة الماء لا بما تساقط من طهروهم.
وأجيب بما قاله الشوكاني في "النيل"(1/ 28): (أنه لا يكون حجة إلا بعد تصحيح النقل عن جميعهم ولا سبيل إلى ذلك لأن القائلين بطهورية المستعمل منهم كالحسن البصري والزهري والنخعي ومالك والشافعي وأبي حنيفة في إحدى الروايات عن الثلاثة المتأخرين ونسبه بن حزم إلى عطاء وسفيان الثوري وأبي ثور وجميع أهل الظاهر وبأن المتساقط قد فني لأنهم لم يكونوا يتوضؤون إلى إناء والملتصق بالأعضاء حقير لا يكفي بعض عضو من أعضاء الوضوء وبأن سبب الترك بعد تسليم صحته عن السلف وإمكان الانتفاع بالبقية هو الاستقذار وبهذا يتضح عدم خروج المستعمل عن الطهورية وتحتم البقاء على البراءة الأصلية لاسيما بعد اعتضادها بكليات وجزئيات من الأدلة كحديث خلق الماء طهورا وحديث مسحه صلى الله عليه وسلم رأسه بفضل ماء كان بيده وغيرهما).
الدليل الثالث:
قال البهوتي في " كشاف القناع"(1/ 32): (لأنه أزال به مانعا من الصلاة أشبه ما لو أزال به النجاسة أو استعمل في عبادة على وجه الإتلاف أشبه الرقبة في الكفارة).
(1) وثمة مناقشات أخرى للحديث لا تخلو من نظر، كقولهم بأن النهي يشمل الماء الكثير والقليل، أو قولهم أن النهي عن الاغتسال وليس فيه ذكر للنية فلو اغتسل لا لرفع الحدث لشمله النهي والمانعين يقولون يجوز له الاغتسال لا لرفع الحدث، والجواب عن هاتين الشبهتين: أما الماء الكثير فقد خرج بحديث القلتين، وأما اشتراط النية فالعموم في قوله (لا يغتسل) يتجه للعهد وهو الاغتسال الشرعي المعروف الذي يشترط له النية.
المناقشة:
وهذا استدلال منهم بمحل النزاع، وللمخالف أن يطعن في هذه الأقيسة وإثبات الفرق بين الأصل والفرع.
فمثلا لا يصح قياس المانع من الصلاة وهو شيء معنوي على النجاسة وهي حسية، كما أنه لا يصح قياسه على الرقبة؛ لأن الرقبة تصير بالعتق حرة بخلاف الماء المتنازع في سلب طهوريته بالاستعمال كما أن العبد لو رجع على الكفار وغنمه المسلمون لرجع للرق مرة أخرى فلا يصح القياس.
الأدلة على أنه طهور:
الدليل الأول:
الأصل في المياه المطلقة الطهورية ولا ينتقل عن هذا الأصل إلا بدليل يدل على نجاستها أو سلبها الطهورية ولم يثبت عندنا دليل في خروج الماء المستعمل عن طهوريته.
الدليل الثاني: ما سبق ذكره من أدلة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل نسائه من الجنابة، وهذا الماء لا يسلم من تطاير رشاش إليه وتناول ونحو ذلك، وقد علل النبي اغتساله من هذا الماء بقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد (6/ 330) من حديث ميمونة رضي الله عنها مرفوعا:(الماء ليس عليه جنابة أو لا ينجسه شيء) وله شواهد يصح بها يدل على أنه لا ينتقل إليه الحدث.
الدليل الثالث:
روى أبو داود (1/ 32)(130) وغيره عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من فضل ماء كان في يده) حسنه ابن حجر (1).
وجه الاستدلال:
أن هذا الماء المتبقي في يده صلى الله عليه وسلم ماء مستعمل في إزالة
(1) وفي الباب أدلة أخرى لا تثبت وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسل اللمع الباقية في جسده بالبلل الموجود في شعره أو لحيته أو بعصر شعره عليها.