الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرّابع: التَّداخل بين الصَّحيح والصَّحيح
يكثر التَّداخل بين الأصلين الصَّحيحين؛ وهو يضارع في ذلك ما تقدَّم في التَّداخل بين المعتلّ، والمعتلّ أو المعتلّ والمهموز، أو المعتلّ والصَّحيح. غير أن التقسيم الّذي ينتظم هذا النوع من التَّداخل يختلف عما سبق؛ لأن التَّداخل - هنا - واقع بين كلمتين هما من نوع واحد؛ وهو (الصَّحيح) بخلاف ما سبق؛ فإن التَّداخل فيه كان بين نوعين مختلفين.
فالتقسيم الجامع لما في هذا المبحث من تداخل يقوم على موقعي الحرفين المتداخلين من الميزان؛ وله سِتّ صور؛ وهي:
أ- التَّداخل بين الفاء والفاء (×ع ل - ×ع ل) .
ب- التَّداخل بين الفاء والعين (×ع ل - ف× ل) .
ج- التَّداخل بين الفاء واللاّم (× ع ل- ف ع ×) .
د- التَّداخل بين العين والعين (ف × ل- ف × ل) .
هـ- التَّداخل بين العين واللاّم (ف × ل- ف ع ×) .
و التَّداخل بين اللاّم واللاّم (ف ع ×- ف ع ×) .
ونتناول فيما يلي كل واحدة منها بشيء من التفصيل:
أ- التَّداخل بين الفاء والفاء (× ع ل- × ع ل) :
يكثر التَّداخل في الصَّحيح بين الفاء والفاء، فيما أوله ميم تحتمل الأصالة والزيادة، وثانيه همزة أو ألف؛ كتداخل (م ب د) و (أب د) في
(مأبد) وهو اسم موضع بالسراة؛ كما جاء في قول أبي ذؤيب:
يَمَانِيَةٍ أَحْيَا لها مَظَّ مَأْبَدٍ وآلَ قَرَاسٍ صَوْبُ أَرْمِيَةٍ كُحْلِ1
وقد روي (مأبد) بالتخفيف؛ وهو يحتمل الأصلين:
يجوز أن يكون من (م ب د) ووزنه - حينئذ - (فاعل) ويكون وزن (مأبد)(فأعل) من باب همز غير المهموز كـ (عالم) وقد ذهب إلى مثل هذا ابن سيده2.
ويجوز أن يكون من (أب د) فالميم زائدة، ووزنه - حينئذ (مفعل) .
وقد ذكره ابن منظور في الأصلين3:
ومثل ذلك تداخل (م ر ب) و (أر ب) في (مَأْرِب) وهي: بلاد الأزد في اليمن؛ الّتي أخرجهم منها سيل العرم؛ فقد سمع فيها إبدال الهمزة ألفا، أو التُزِمَ فيها4، وهي تحتمل الأصلين:
يجوز أن تكون من (م ر ب) على وزن (فاعِل) أو (فَأْعِل) على لغة الهمز؛ وهو اختيار ابن سيده5؛ كاختياره في (مَأْبِد) .
ويجوز أن يكون أصلها (أر ب) على زيادة الميم؛ فوزنها - حينئذ
1 ينظر: شرح أشعار الهذليين 1/96.
2 ينظر: اللّسان (أبد) 3/70، و (مبد) 3/395.
3 ينظر: اللّسان (أبد) 3/70، و (مبد) 3/395.
4 ينظر: التّاج (أرب) 1/116.
5 ينظر: التّاج (أرب) 1/212.
- (مَفْعِل) .
وقد ذكرها في الأصلين كلٌّ من ابن منظور1، والفيروزابادي2، والزبيدي3.
ومنه تداخل (م ج ل) و (أج ل) في (المأجل) وهو: مستنقع الماء، وقال بعضهم:(الماجل) بالتخفيف وكسر الجيم؛ فيحتمل الأصلين:
جعله ابن دريد4 من (م ج ل) وتابعه الصغاني5 فالوزن - حينئذ - (فاعِل) و (فَأْعَل) .
وذهب بعضهم إلى أن الأصل (أج ل) فيكون الوزن (مَفْعِلا) .
ومن هؤلاء ابن فارس الّذي رد على ابن دريد بقوله: "وغلط ابن دريد في هذا البناء في موضعين: ذكر أن الماجِل: مستنقعُ الماء؛ وهذا من باب (أَجَلَ) وذكر أن المَجَلَّة: الصحيفة [و] هو من (ج ل ل) 6". أما ابن منظور فذكرها في الموضعين7.
ومن أسباب التَّداخل فيها أنهم اختلفوا في روايتها؛ فبعضهم يهمز
1 ينظر: اللّسان (أرب) 1/212، و (مرب) 1/747.
2 ينظر: القاموس (أرب) 74، و (مرب)174.
3 ينظر: التّاج (أرب) 1/146، و (مرب) 1/476.
4 ينظر: الجمهرة 1/491.
5 ينظر: التكملة (مجل) 5/511.
6 المقاييس 5/299.
7 ينظر: اللّسان (أجل) 11/12، و (مجل) 11/616.
ويفتح الجيم، وبعضهم لا يهمز ويكسرها1.
ومنه - أيضا - (المأصِر) وهو: حبل يلقى في الماء؛ ليمنع السفن عن السير؛ حتّى يؤدّي صاحبها ما عليه من حق السلطان؛ وهو يحتمل الأصلين:
فمن خففه جعله من (م ص ر) ووزنه عنده (فاعِل) .
ومن همزه جعله من (أص ر) ووزنه عنده (مَفْعِل) .
وقد ذكره ابن منظور في الأصلين2.
ومن التَّداخل بين الفاء والفاء، مما أوله ليس بميم، ما وقع بين (أن ر) و (هـ ن ر) في قولهم: هَنَرْتُ الثَّوب، بمعنى: أنرته، أَهَنيره؛ إذا علمته وهو يحتمل الأصلين:
ذهب ابن خالويه إلى أن أصله (أن ر) و (أَهَنِير) في الأصل عنده (أَأَنِير) 3 فيكون وزنه على ما ذكره (أَفَعْيِل) فهو في الأصل (أَأَنِير) فأُعِلَّ بنقل حركة الياء إلى ما قبلها؛ فأصبحت (أَأَنِير) وهو على مذهب من جعل أَهَرَقْتُ الماء أَهَرِيقُهُ من (هرق) 4 وهذا على تقدير أن الأصل (أن ر) وإلا فله في الاعتلال توجيه آخر.
1 ينظر: التّهذيب 11/194، والنّهاية 4/300، وشرح النّظم الأوجز 129.
2 ينظر: اللّسان (أصر) 4/24، و (مصر) 5/77.
3 ينظر: ليس في كلام العرب 112.
4 ينظر: اللّسان (هرق) 10/365.
وجعله الأزهري1 من (هـ ن ر) وتابعه ابن منظور2؛ وتقدير ذلك أن الهمزة مبدلة من الهاء، وأحسبه مُعتلاّ؛ فيخرج عما نحن فيه، مثل (أَهَرَقْتُ الماء) ألا تراهم قالوا: أَهَرَاقَتِ السماء ماءها؛ وهي تُهْرِيقُ3؛ لأنهم أبدلوا من الهمزة الهاء، ثم أُلزمت فصارت كأنها من الكلمة نفسها، ثم أدخلوا الألف بعد على الهاء، وتركوا الهاء عوضا عن حركة العين المحذوفة؛ لأن أصل (أَهْرَقَ) أَرْيَقَ"4 ومثله (أَهَنِيرُ) فيكون أصله - حينئذ - (ن ي ر) على ظاهر اللفظ لفقد الاشتقاق، أو (ن ور) حملا على أوسع البابين.
ب - التَّداخل بين الفاء والعين (× ع ل - ف × ل) :
يكثر التَّداخل بين الفاء والعين في الصَّحيح، ولا يخرج ما فيه عن صنفين:
أحدهما: ما في ميم محتملة للأصالة والزيادة.
وثانيهما: ما ليس في أوله ميم.
فمن الأول تداخل (م ل ط) و (ل ط ط) في (المِلْطَاط) وهو: أعلى حرف الجبل، أو صحن الدار، أو ساحل البحر، في حديث عبد الله ابن
1 ينظر: التّهذيب 6/273.
2 ينظر: اللسان (هنز) 5/267.
3 ينظر: الأصول 3/333، 334، والتّاج (هرق) 7/93،94.
4 ينظر: اللّسان (هرق) 10/366.
سعود رضي الله عنه: "هذا المِلْطَاط طريقُ بَقِيَّةِ المؤمنين"1.
وهو يحتمل الأصلين:
جعله الجوهري2 من (ل ط ط) على أن الميم زائدة؛ فوزنه عنده (مِفْعَال) وتابعه الزمخشري3، والفيروزابادي4، واشتقاقه من قولهم: لُطَّ الطريق؛ إذا وُطئ كثيرا؛ كقولهم: مِيتاء للذي أُتِيَ كثيرا من الطرق.
وجعله أبو موسى الأصفهاني من (م ل ط) على تقدير أصالة الميم5 فوزنه - حينئذ (فِعْلال) .
والأصل الأول أرجحُ لقرب الاشتقاق؛ وقد وضعه بعض المعجميين في الأصلين6.
ومن ذلك تداخل (م ل ك) و (ل أك) في الملائكة، جمع (مَلَكٍ) . وقد اختلفوا في أصله7:
1 ينظر: المجموع المغيث 3/226، والفائق 3/316، والنّهاية 4/257.
2 ينظر: الصّحاح (لطط) 3/1156.
3 ينظر: الفائق 3/316.
4 ينظر: القاموس (لطط)885.
5 ينظر: المجموع المغيث 3/226.
6 ينظر: النّهاية (لطط) 4/251، و (ملط) 4/57، واللّسان (لطط) 7/390، و (ملط) 8/408.
7 ينظر: الكتاب 4/379، ومجاز القرآن 1/35، ومعاني القرآن وإعرابه 1/112، والأصول 3/339، والجمهرة 2/981، والخصائص 2/79، والمنصف 2/102، ورسالة الملائكة 6، والأزهية 251، والمقتصد في شرح التّكملة 2/822، والمحكم 7/69، وشرح الشافية للرضي 2/346، والبحر المحيط 1/137، والدر المصون 1/250، ومعجم مفردات الإبدال والإعلال 248.
ذهب الجمهور إلى أن أصله (مَلأَكٌ) من (ل أك) واشتقاقه من قولهم: لأَكَلَه؛ أي: أرسله، فحذفت همزة (مَلأَك) لكثرة الاستعمال وألقيت حركتها على اللاّم، أو خفف تخفيفا بطرح الفتحة علىاللاّم1؛ كما تقول في (مسألة) : مسلة.
ووزن (مَلَك) قبل التخفيف (مَفْعَل) وبعده (مَفَل) وكأنه بمعنى المصدر جعل بمعنى المفعول؛ لأن المصادر تأتي بمعنى المفعول كثيرا2.
واستدلوا على أنه من هذا الأصل بقول الشاعر:
أَلِكْنِي إلى قَوْمِي السَّلامَ رِسَالَةً
…
بآيَةِ ما كَانُوا ضِعَافًا ولا عُزْلا3
فأصله (ألئكني) فخففت الهمزة بأن طرحت كسرتها على اللاّم.
ورده الآخر إلى أصله؛ فقال:
فَلَسْتَ لإِنْسِيٍّ ولَكِنْ لِمَلأَكٍ
…
تَنَزَّلَ من جَوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ4
وبقولهم في جمعه: مَلائِك ومَلائكة؛ فردوا المحذوف إليه.
وقيل: إنه مشتق من (أل ك) فأصله (مَأْلَك) من الأَلُوكة؛ وهي:
1 ينظر: المنصف 2/103.
2 ينظر: شرح الشافية للرضي 2/347.
3 ينظر: الكتاب 1/197، وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/79، والمنصف 2/103.
4 ينظر: المفضليات 294، ومجاز القرآن 1/33، والمنصف 2/102، تهذيب إصلاح المنطق 1/224، والمقتصد في شرح التكملة 2/824.
الرسالة، ثم قلبت اللاّم بالتقديم، فقيل: مَلأَك، وتركت الهمزة لكثرة الاستعمال؛ فقالوا: مَلَك.
وأثر عن الكسائي1 أنه كان يقول بهذا الرأي.
والراجح أنه لا قلب فيه؛ فهو من (ل أك) كما ذهب الجمهور، ولو كان من (أل ك) لظهر في بعض تصاريفه، ولقالوا في جمعه (مَآلكة) وقد جاء الجمع على الأصل (ل أك) وهو (ملائكة) وقد ورد في القرآن الكريم أكثر من سبعين مَرَّة.
على أن بعضهم ذهب إلى أنه من (م ل ك) ووزنه (فَعَل) والهمزة في (مَلأَك) زائدة، ووزنه (فَعْأل) والملائكة عندهم (فَعَائِلة) .
وممن قال بهذا الرأي أبو عبيدة2، وابن كيسان الّذي اشتقه من الملك "لأنه مالك للأمور الّتي جعلها الله إليه"3
والّذي أراه أن ألأصل في ذلك (ل أك) لظهور الهمزة في المفرد في قولهم: (ملأك) وفي الجمع في قولهم: (ملائكة) فحمل (ملأك) على (فَعْأل) بعيد؛ لأن (فَعْأَل) قليل لا يرتكب مثله إلا بظهور اشتقاق: كما في (شَمْأَل)4.
ويُعَضِّد ذلك وجود نظيره في بعض اللغات السامية، ولا زال فعله
1 ينظر: الصّحاح (ملك) 4/1611، ورسالة اللائكة 6.
2 ينظر: مجاز القرآن 1/35.
3 ينظر: شرح الشافية للرضي 2/347.
4 ينظر: شرح الشافية للرضي 2/347.
الثلاثي (لأَكَ) يستعمل في بعضها؛ وهو في الحبشية والسريانية والعبرية (ملأك) على نحو ما تقدم في الكلام عن حسن الاستئناس بالموازنة بين اللغات السامية، في الدراسات اللغوية بعامة، وفي الأصول بخاصة1.
ومن ذلك تداخل (م ع د) و (ع د د) في (مَعَدّ) وهو: اسم قبيلة؛ ويحتمل الأصلين2:
ذهب سيبويه إلى أن أصله (م ع د) وأن وزنه (فَعَلّ) واستدل بقولهم: (تَمَعْدَد) فحمله على (تَفَعْلَلَ) لقلة (تَمَفْعَلَ)3.
وذهب بعضهم4 إلى أن أصله (ع د د) والميم زائدة؛ ووزنه (مَفْعَل) واحتجوا بأن (مَفْعَلا) أكثر من (فَعَلّ) بل الأخير في غاية القلة. أما قولهم: (تَمَعْدَدَ) فهو يشاكل - عند أصحاب الرأي (تَمَكَنَّ) و (تَمَنْدَل) و (تَمَدْرَعَ) و (تَمَغْفَر) وهي (تَمَفْعَلَ) بلا خلاف، فكما توهموا في (مِسْكين) و (مِنْدِيل) أنهما (فِعْلِيل) وفي (مِدْرَعَة) أنها (فِعْلَلَة) وفي (مُغْفُور) أنه (فُعْلُول) للزوم الميم في أوائلها، توهموا في (مَعَدّ) أنه (فَعَلّ) فقالوا: تَمَعْدَدَ5.
1 ينظر: ص (274) من هذا البحث.
2 ينظر: الأصول 3/237، والتكملة للفارسي237، وشرح الملوكي 154، والإيضاح في شرح المفصل2/383، وسفر السعادة1/477.
3 ينظر: الكتاب 4/308.
4 ينظر: شرح الشافية للرضي 2/336.
5 شرح الشافية للرضي 2/336.
وأما الثاني - مما نحن فيه - وهو ما ليس في أوله ميم؛ فمنه تداخل (ت أف) و (أف ف) في (تَئِفَّة) و (تَئِفَّان) في قولهم: جاء على تَئِفَّة ذلك، وتَئِفَّان ذلك؛ أي: على وقته، وربما قالوا: تَفِيئَةٌ1) بمعناه. وقد اختلفوا في أصله2.
ذهب سيبويه إلى أن الأصل (ت أف) ووزن (تَئِفَّة) عنده (فَعِلَّة) و (تَئِفَّان)(فَعِلَاّن) 3 وتابعه في هذا المبرد4.
وجعل الجواليقي (تَئِفَّة)(فَعِلَّة) أيضا وخالف في (تَئِفَّان) فجعله (تَفْعَلَان)5.
ويبدو أن اللبس في وزن هذه الكلمة قديم منذ عهد سيبويه؛ فقد اختلفوا في النقل عنه خلاف ما وصلنا في الكتاب - فقد قال ابن السّرّاج: "وهذا الحرف في بعض النسخ6 قد ذكر في باب التاء، وجعل
1 ينظر: مختصر شرح أمثلة سيبويه 58.
2 ينظر: الكتاب 4/264، والأصول 3/212، وشرح السّيرافي (د/ فائز) 642، والبغداديات 407، والعضديات 208، وشرح المقامات للمطرزي 83 أ، ب، وسفر السعادة 1/175، وشرح الشافية للرضي 2/397، واللّسان (أفف) 9/8، و (تأف) 9/16، والممتع 1/85، والمزهر 2/14.
3 ينظر: الكتاب 4/264، 278.
4 ينظر: البغداديات 407؛ ولم أقف عليه في كتب المبرد المطبوعة.
5 ينظر: مختصر شرح أمثلة سيبويه 58.
6 يعني: نسخ الكتاب لسيبويه.
على مثال: تَفْعِلَة"1.
وزاد الفارسيّ: "قال2: والّذي أخذته عن أبي العَبَّاس3: تَئِفَّة (فَعِلَّة"4.
وذهب أبو علي الفارسي إلى أن أصله (أف ف) ووزنهما (تَفْعِلَة) واستدل على زيادة التاء باشتقاقهم من الكلمة ما تسقط منه في قولهم: أتاني في إفّان ذلك، وأفّان ذلك، وأَفَفِ ذلك وتَئِفّة ذلك5.
فقولهم: (أَفَفٌ) يدل على زيادة التاء في (تَئِفَّة) ويدل على زيادة النون - أيضا - في (تَئِفَّان) .
وإلى مثل هذا ذهب الجوهري6.
والرأي ما رآه الفارسي لقوة ما استدل به؛ وهو الاشتقاق؛ والقياس يعضّده - أيضا-؛ لأن (فَعِلّة) و (تَفْعِلَة) – غير المصدر - متساويان في الندرة؛ فإذا تساويا في ذلك رُجِّح الزائد؛ لأن باب الزيادة أوسع؛ والزائد فرع، ولا يستنكر في الفرع أن يجيء على الندرة.
وثمة دليل آخر على زيادة التاء؛ وهو قولهم فيها: (تفيئَة) وهي
1 الأصول 3/212.
2 أي: ابن السراج.
3 يعني المبرد.
4 البغداديات 407.
5 ينظر: البغداديات 407.
6 ينظر: الصّحاح (أفف) 4/1321.
مقلوبة من (تَئِفَّة) فلا تكون التاء فيه مزيدة والبنية؛ كما هي من غير قلب.
قال الزمخشري: "لأن الكلمة مُعَلَّة؛ مع أن المثال من أمثلة الفعل والزيادة من زوائده، والإعلال في مثلها ممتنع؛ ألا ترى أنك لو بنيت مثال: تضرب، أو: تكرم اسمين من البيع لقلت: تَبْيَع، وتُبْيِع من غير إعلال؛ إلا أن تبني مثال تِحْلِئ1؛ فلو كانت التَّفِيئَة (تَفْعِلَة) من: الفَيْئ لخرجت على وزن تَهْيِئَة؛ فهي إذن -لولا القلب (فَعِيلَة) لأجل الإعلال، كما أن يَأْجَجًا (فَعْلَل) لترك الإدغام، ولكن القلب عن التَّئِفّة هو القاضي بزيادة التاء. وبيان القلب أنَّ العين واللاّم - أعني: الفاءين - قدمتا على الفاء - أعني: الهمزة - ثم أبدلت الثانية من الفاءين ياء؛ كقولهم: تَظَنَّيت"2.
ومراده أن (تَفِيْئة) كانت بعد القلب (تَفْفِئَة) على وزن (تَعْلِفَة) ثم قلبت الفاء الثانية ياء للتخفيف؛ فقالوا: (تَفِيئَة) فأعلت بنقل الكسرة إلى ما قبلها؛ فقالوا: (تَفِيئَة) كما أعلت (تَحِيَّة) وأصلها قبل الإعلال (تَحْيِيَة) ولولا قلب الفاء الثانية ياء في (تَفْفِئَة) لأدغم الفاءان؛ فيقال: (تَفِّئة) فتلتبس بـ (فَعِّلة) فاختير قلب الفاء الثانية ياء وإعلالها.
ومن ذلك تداخل (ن ق ض) و (ق ض ض) في قوله تعالى:
1 التحلئ: شعر وجه الأديم، ووسخه، وسواده. ينظر: القاموس (حلا)47.
2 الفائق 3/150.
{فَوَجَدا فيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} 1 وهو يحتمل الأصلين:
ذهب أبو علي الفارسيّ2 إلى أنّ أصله (ن ق ض) من النقض؛ وهو اسم البناء المنقوض؛ إذا هُدِمَ؛ ووزنه عنده (يَفْعَلّ) مثل: يَحْمَرّ.
وذهب الأزهري3 إلى أن أصله (ق ض ض) من (قَضَضْتُ الشيء) إذا دققته؛ ومنه قيل للحصى الصَّغار (قضض) فوزنه - عنده (يَنْفَعِل) والأصل (يَنْقَضِض) فسكنت الضاد الأولى وأدغمت في الثانية.
وعلى هذا الأصل العكبري4، ولكنه اشتقّه من: السُّقُوط؛ وشبهه بانقضاض الطائر.
ج - التَّداخل بين الفاء واللاّم (× ع ل- ف ع×) :
على الرغم من كثرة ما في الصَّحيح من تداخل لم أعثر على مثال واحد للتداخل بين الفاء واللاّم. ولعل ذلك أن يكون بسبب من بعد الفاء عن اللاّم، وخلو الأصل الصَّحيح من حروف العلة الّتي تؤدي إلى التَّداخل كثيراً. وبذلك فإنه بإمكاننا أن يصل إلى نتيجة، وهي أنّه لا يكاد يقع تداخل في أصلين صحيحين بين فاء الكلمة ولامها؛ لبعد ما بينهما.
1 سورة الكهف: الآية 77.
2 ينظر: التّكملة 218.
3 ينظر: التهذيب 8/250.
4 ينظر: التّبيان 2/857.
على أنني مع ذلك لا أقطع بهذا، لاحتمال وجود شيء منه - ولو على سبيل الندرة - في لغة العرب الواسعة، مما لم أقف عليه.
د - التَّداخل بين العين والعين (ف × ل- ف× ل) :
يقع التَّداخل بين العين والعين، ووقوعه غير كثير، ومنه تداخل (ع ت د) و (ع د د) في قوله عز وجل:{وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} 1، وهو يحتمل الأصلين:
يجوز أن يكن الأصل (ع ت د) أي: هيأت من العتاد؛ وهو الشيء الّذي يُهَيَّئُ له.
وإلى ذلك ذهب الأزهري2 ولم يحمله على الإبدال بين (عتد) و (عدد) وعلى ذلك حمله العكبري3- أيضا.
وذهب بعضهم إلى أن العُدَّة إنما هي (العُتْدَة) وأعدّ يعد إنما هو (أعتد يعتد) ولكنهم أدغموا التاء بعد قلبها في الدال4.
وذهب بعضهم5 إلى أن أصله (ع د د) ثم أبدلت الدال تاء؛ فراراً من الإدغام.
1 سورة يوسف الآية 31.
2 ينظر: التّهذيب 2/194، 195.
3 ينظر: التّبيان 2/730.
4 ينظر: التّهذيب 2/194.
5 ينظر: اللّسان (عدد) 3/284.
وإلى هذا ذهب الراغب1، ووضعه ابن منظور2 في الأصلين.
ومثل ما تقدَّم اختلافهم في أصل (أَعْتَدْنا) فهي تحتمل الأصلين المذكورين.
ومن التَّداخل بين العين والعين في الصَّحيح ما وقع بين (ق ق ز) و (ق ز ز) في (القَاقُوزَة) و (القَاقزَّة) وهي: المشربة.
ذهب الصَّغَاني3 إلى أنَّ أَصلها (ق ق ر) فَوَزْنُ (القَاقُوزَةِ)(فَاعُولة) و (القَاقُزَّةِ)(فَاعُلَّة) وهو الظَّاهر في أصلها.
وذهب الجَوْهَري إلى أنَّها من (ق ز ز) 4 والأوَّلُ أقرب؛ لأنَّ (قَاقُوزَة) على هذا الأصل تحتمل أَحْدَ وَزنين: وهما (فَافُولَة) و (فَافُوعَة) الأوَّل على تقدير حذف العَيْنِ وهي الزَّاي والثاني على تقدير حذف اللاّم وهي الزَّاي - أيضاً - وهما غَريبان. وثَمَّةَ احتمالٌ؛ وهو: أن تكون القافُ الثانية مُبدلة من الزاي الأولى؛ وهو وَجهٌ ضعيف؛ لأنَّه لم يُعهد الإبدال بين القاف والزَّاي.
ومن ذلك تداخل (ص ن ت) و (ص ت ت) في (الصِّنتيت) وَصْفٍ للسَّيِّد الكريم، وهو يَحتمل الأصلين:
1 ينظر: المفردات 324.
2 ينظر: اللّسان (عتد) 3/279، و (عدد) 3/284.
3 ينظر: التكملة (قزز) 3/293.
4 ينظر: الصحاح (قزز) 3/891.
ذهب الأزهريُّ1 إلى أنَّ أصله (ص ن ت) فيكون وزنه (فِعْلِيلاً) أو (فِعْلِيتا) كالوجهين في (حِلْتِيتٍ) وتابعه ابن منظور2
ويرى أبو حَيَّان3 أنَّ النُّون زائدةٌ؛ أصله (ص ت ت) ووزنه (فِنْعِيلاً) .
ومثله (صِنْدِيدٌ) في معناه وأصله.
ومن ذلك تداخل (ع ن ب) و (ع ب ب) في (العُنْبَبِ) للماء الكثير؛ وهو يحتمل الأصلين:
ذهب سِيبَوَيهِ إلى أنَّ أصله (ع ن ب) ووزنه (فُعْلل) كُرِّرَت الباء للإلحاق4.
ويرى الأزْهَرِيُّ أنَّ أصله (ع ب ب) وأنَّ النون زائدة ووزنه (فُنعَل) واشتقاقه من العَبِّ؛ لأنه الماء5. والاشتقاق يؤيّد الأزهَريَّ، والقياس في صَفِّ سيبويه؛ لأنه جعله من باب (قُعْدَدٍ) .
هـ - التَّداخل بين العَيْنِ واللاّم (ف×ل-ف ع×) :
1 ينظر: التهذيب 12/155.
2 ينظر: اللسان (صنت) 2/57.
3 ينظر: الارتشاف 1/100.
4 ينظر: الكتاب 4/277.
5 ينظر: التهذيب 1/117.
َقَعُ التَّداخل بين العَيْنِ واللاّم في الصَّحيح، وممَّا جاء منه تداخل (ع ن س) و (ع س ل) في (العَنسَلِ) وهو: الذِّئبُ أو الثَعْلَبُ، وقيل: النَّاقة السريعة، وهو يحتمل الوجهين:
ذهب سيبويه إلى أنَّ النُّونَ زائدة، وأنَّه مشتقٌّ من العُسُولِ، وهو العَدْوُ السَّريع المُضطرب، واستدل بقولهم: العَسَلان1 وهو عَدْوُ الذِّئبِ، ومنه قول الشاعر:
عَسَلانَ الذِّئبِ أَمْسَى قَارِباً
…
بَرَدَ اللَّيلُ عَلَيهِ فَنَسَلْ2
وهذا مذهب ابن جِنِّي3، وابن يَعِيشَ4، وابن عُصْفُور5 - أيضاً.
وذهب محمَّد بن حَبِيبَ6 إلى أنَّ أصله (ع ن س) وأنَّ اللاّم زائدةٌ؛ فيكون وزنه عنده (فَعْلَل) بزيادة اللاّم الأخيرة؛ فلو بنيت على وزنه من (ضَرَبَ) لَقُلْتَ: (ضَرْبَلَ) ومن خَرَجَ لَقُلْتُ (خَرْجَلَ) وقد ذهب بها وفق
1 ينظر: الكتاب 4/320.
2 هو: النابغة الجعدي، كما في ديوانه 90، ونسب لغيره. ينظر: مجاز القرآن 2/42، والجمهرة 2/842، والاشتقاق لابن دريد 227، والأضداد للأنباري 271، وشرح المفضليات 755، والإبدال لأبي الطّيّب اللغوي 2/320، وسرّ الصّناعة 1/324.
3 ينظر: الخصائص 2/47، وسرّ الصناعة 1/324.
4 ينظر: شرح الملوكي 212.
5 ينظر: الممتع 1/215.
6 وهو، محمد بن حبيبَ البغدادي: و ((حبيب)) اسم أمه، وكان عالماً بالنسب وأخبار العرب، مكثراً من رواية اللغة (توفي سنة 245هـ) . ينظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/277، وإنباه الرواة 3/119، وتلخيص ابن مكتوم 207.
مذهبهم في زيادتها في (عَبْدَلٍ) و (زَيْدَلٍ) .
وكان ابن جِنِّي يُضَعّف قَوْلَ ابن حَبيبَ؛ ويَرُدُّهُ بقوله: (والّذي ذهب إليه سيبويه هو القول؛ لأنَّ زيادة النُّون ثانية أكثر من زيادة اللاّم؛ ألا ترى إلى كثرة باب: قُنْبَرٍ، وعُنْصَلٍ، وقِنْفَخْرٍ، وقِنعاسٍ، وقِلَّةِ بابِ، ذلك وأُولالِكَ.
ويلزم على ذلك أن تكون اللاّم في: فَلَندَعٍ زائدة، ويُجعل وزنه (فَلنعَل) لأنَّه الملتوي الرِّجل؛ فهوَ من الفَدْعِ؛ وهذا بعيدٌ) 1.
ويُقوي مذهب سيبويه - أيضاً - الاشتقاق؛ لقولهم: عَسَلَ الثعلب الطَّريقَ؛ وعليه قول الشاعر:
لَدْنٌ بِهْزِّ الكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنَهُ
…
فِيهِ كَمَا عَسَلَ الطَّريقَ الثَّعْلَبُ2
وقول الآخر:
واللهِ لَولَا وَجَعٌ في العُرْقُوب
…
لَكُنْتُ أَبْقَى عَسَلاً مِنَ الّذيب3
ويؤيدهُ - أيضاً - قولهم: فُلانٌ أَخبث من أبي عِسْلَةَ، يعني الذئب4.
ومن ذلك تداخل (ج ذ ب) و (ج ب ذ) في قولهم: جَبَذَ الحَبْلَ ونحوه؛ وهو يحتمل الأصلين:
1 سر الصناعة 1/324.
2 هو: ساعدة بن جُؤية؛ كما في: شرح أشعار الهذليين 3/1120.
3 ينظر: اللسان (عسل) 11/446.
4 ينظر: اللسان (عسل) 11/447.
ذهب ابن جِنِّي 1 إلى أنَّ (ج ب ذ) أصلٌ مستقلٌ؛ وليس مقلوباً عن (جَذَبَ) لأنَّهما جميعاً يتصرّفان تصرّفا واحداً؛ نحو: جَبَذَ يَجْبِذُ جَبْذًا؛ فهو: جَابذٌ، والمفعول: مَجْبُوذٌ، ويقولون في جَذَبَ: جَذَبَ يَجْذِبُ جَذْبًا، فهو: جَاذِبٌ والمفعول: مَجْذُوبٌ.
قال ابن جِنِّي: "فإن جعلت -مع هذا- أحدهما أصلاً لصاحبه فَسَدَ ذلك؛ لأنَّك لو فعلته لم يكن أحدهما أسعد بهذه الحال من الآخر؛ فإذا وقفت الحال بينهما؛ ولم يُؤثر بالمَزِيَّة أحدهما وجب أن يتوازنا، وأن يُمثَّلا بصفحتيهما معاً"2.
وعلى هذا المذهب ابن سيده3 وأبو حيَّان4.
وأصل (جَبَذَ) على هذا الأصل (فَعَلَ) .
وذهب ابن فارس إلى أنَّ الأصل (ج ذ ب) حين قال: (الجيمُ والباءُ والذَّالُ ليس أصلاً؛ لأنَّه كلمةٌ واحدةٌ مقلوبةٌ. يقال: جَبَذْتُ الشَّيء، بمعنى جَذَبْتُهُ)5.
وأخذ الجوهريُّ بهذا الرَّأي، ونصَّ على أنَّ (جَبَذَ) مقلوب من
1 ينظر: الخصائص 2/69.
2 الخصائص 2/70.
3 ينظر: اللسان (جبذ) 3/478.
4 ينظر: الارتشاف 1/125.
5 ينظر: المقاييس 1/501.
(جَذَبَ) 1 وعلى هذا الرَّأي يكون وزن (جَبَذَ)(فَلَعَ) .
1 ينظر: الصحاح (جذب) 1/97.
و - التَّداخل بين اللاّم واللاّم (ف ع× ف ع×) :
يَكثُرُ التَّداخل في الصَّحيح بين اللاّم واللاّم في نوعين:
الأوَّل: ما آخِره نونٌ مسبوقة بألف زائدة قبلها مُضَعَّف.
الثاني: ما آخره همزةٌ مسبوقة بألف زائدة قبلها مضعف.
وتعود كثرة التَّداخل في النَّوعين إلى كثرة ما في اللغة من النَّوعين؛ ولأنَّ طبيعة البناء في الثُّلاثِيِّ المنتهي بنون أو همزة مسبوقتين بألف زائدة وقبلها حرفٌ مضعف تُؤَدِّي - إن عدم الاشتقاق - إلى احتمال أن تكون لام الكلمة ما بعدَ الألف النُّون أو الهمزة؛ فيكون التضعيف قبل الألف واقعاً على عين الكلمة، وتحتمل -أيضاً- أنَّ اللاّم أحدُ الحرفين المضعفين قبل الألف؛ وهو الحرف الثاني المتحرك؛ فتكون النون أو الهمزة زائدتين. وفيما يلي نأتي على تفصيل الكلام عن ذلك من خلال بعض الأمثلة:
أوَّلاً- ما آخره نونٌ:
في هذا النَّوع ثلاثة أوزان تتداخل مع ثلاثة أوزان أخرى؛ وهي:
1-
(فَعْلان) و (فَعَّال) .
2-
(فِعْلان) و (فِعَّال) .
3-
(فُعْلان) و (فُعَّال) .
أمَّا (فَعْلان) و (فَعَّال) فمنه تداخل (ح س س) و (ح س ن) في
(حَسَّان) وهو اسم رجلٍ؛ يحتمل الأصلين1:
يجوز أن يكون أصله (ح س س) من الحَسِّ؛ فلا ينصرف؛ لأنَّه (فَعْلَان) .
ومَن صَرَفه فإنَّ أصله عنده: (ح س ن) من: الحُسْنِ، ووزنه (فَعَّال) .
ومثله (طَحَّان) عَلَمٌ، فيحتمل أن يكون (فَعَّالاً) من: الطَّحْنِ؛ فيكون مَصروفاً، ويحتمل أن يكون (فَعْلان) من: الطَّحِّ والطَّحَّاء، وهو الممتد من الأرض2؛ فلا ينصرف.
وقال ابن بَرِّي: "لا يكون الطَّحَّان مصروفاً إلَاّ من الطَّحن، ووزنه (فَعَّال) ولو جعلته من: الطَّحَّاء - لكان قياسه: طَحْوان؛ لا طَحَّان؛ فإن جَعَلْتَهُ من: الطَّحِّ كان وزنه (فَعْلان) لا فَعَّال"3.
ومن ذلك (جَدَّان) وهو: اسم رجلٍ؛ فإن جُعل (فَعَّالا) فهو من (ج د ن) وإن جُعل على (فَعْلان) فهو من (ج د د)4.
ومثله (حَرَّان) وهو: اسم بَلَدٍ؛ فإنَّه يحتمل الأصلين (ح ر ر) و (ح ر ن) والوَزْنَينِ (فَعَّال) و (فَعْلَان)5.
ومثل ذلك (غَسَّان) و (هَتَّان) و (قَبَّان) و (سَمَّان) .
وأمَّا (فِعْلَان) و (فِعَّال) فمنه تداخل (ز م م) و (ز م ن) في (زِمَّان)
1 ينظر: المقتضب 3/336، وشرح المفصل لابن يعيش 9/155، وشرح الشافية للرّضيّ 2/376.
2 ينظر: المقتضب 4/13.
3 اللسان (طحن) 13/265.
4 ينظر: التكملة للصغاني (جدن) 6/206.
5 ينظر: اللسان (حرر) 4/185.
وهو: اسم رجل، يَحتمل أن يكون من باب (زَمَمْتُ النَّاقَةَ) أي: عَلَّقْتُ عليها الزِّمام؛ فيكون على وزن (فِعْلان) .
ويحتمل أن يكون على (فِعَّال) من (الزَّمَنِ) وهو: الوقت.
والأصل الأوَّل أعلى عند ابن جِنِّي1؛ لأنَّ قياس مذهب سيبويه2 أنَّ ما فيه حرفان ثانيهما مُضَعَّف وبعدهما ألفٌ ونون، يُحمل على زيادة الألف والنُّون ما لم يُعرف اشتقاقه.
ومن ذلك (حِطَّان) وهو: التَّيس؛ فهو يحتمل الأصلين (ح ط ط) على وزن (فِعْلان) و (ح ط ن) على وزن (فِعّال) .
وذهب ابن دريد3 إلى أنَّه (فِعْلَان) .
وجعله ابن منظور في (ح ط ن) وأشار إلى الاحتمالين4.
ومنه (إِبَّان) كل شيء؛ وهو وقته وأوانه؛ فإنه يحتمل الأصلين:
جعله بعضهم من (أب ب) من قولهم: أَبَّ لكذا؛ إذا تهيَّأ له وعزم عليه؛ كأنَّه يقول: أتاني في تهيُّوء ذلك5؛ فهو -حينئذ (فِعْلان) .
وجعله الجوهريُّ مشتقا من (أب ن)6.
ومنه تداخل الأصلين في (عِدَّان فرعون) فإنه يحتمل الأصلين. وقد ذكر ذلك الأزهري بقوله: (من جعل عِدَّان (فِعْلانا) فهو من العَدِّ
1 ينظر: المبهج 35.
2 ينظر: الكتاب 3/218.
3 ينظر: الاشتقاق 226.
4 ينظر: اللسان (حطن) 13/124.
5 ينظر: البغداديات 408.
6 ينظر: الصحاح (أبن) 5/2066.
والعِدادِ ومن جعله (فِعْلالا) فهو من: عَدَن) 1.
والأقرب عنده أنَّه من العَدِّ؛ لأنَّه جُعل بمعنى: الوقت.
وأمَّا (فُعَّال) و (فُعْلان) فيتداخل منه (ر ب ب) و (ر ب ن) في (رُبَّان) كُلِّ شيء؛ وهو مُعظَمُه وجَماعَتُه، ورُبَّان السفينة الّذي يقودها؛ وهو يحتمل الأصلين، والأقرب عند الصَّغانيِّ (ر ب ن) لقولهم: تَرَبَّن فُلانٌ2؛ أي: صار رُبَّانَ سفينةٍ.
ومن: (الدُّكَّان) وهي: الدَّكَّة المَبْنِيَّة للجلوس عليها؛ وهو يحتمل الأصلين (د ك ك) و (د ك ن)3.
فمن اشتقه من قولهم: (دَكَنْتُ الشيء أَدْكُنُهُ دَكْنًا) إذا نَضَدْتُ بعضه فوق بعض؛ فأصله عنده (د ك ن) ووزنه (فُعَّال) وهو محكي عن ابن دريد4.
ومن اشتقَّه من: الدَّكِّ، لقولهم: أَكَمَةٌ دَكَّاء؛ إذا كانت منبسطة، فهو عنده من (د ك ك) ووزنه (فُعلان) .
ومن ذلك تداخل (ر م م) و (ر م ن) في (رُمَّان) وهو الفاكهة المعروفة؛ وقد اختلفوا في أصله5:
1 التهذيب 2/219، 220.
2 ينظر: التكملة (ربن) 6/237.
3 ينظر: المصنف 1/135.
4 ينظر: الجمهرة 2/680.
5 ينظر: الكتاب 3/218، وما ينصرف 37، والمنصف 1/134، والمحتسب 1/87، وشرح الشافية الكافبة 4/2045، وشرح الشافية للرّضي 2/388، وشرح المراديّ 5/255.
وذهب الأخفش2 وابن مالك3 إلى أنَّ أصله (ر م ن) واستدل ابن مالك بثبوت النون في قولهم: (مَرْمَنةٌ) للبقعة الكثيرة الرُّمَّان؛ وكان يرى أنَّه لو كانت النُّون فيه زائدة لقالوا: (أرضٌ مَرَمَّةٌ) لا (مَرْمَنةٌ) .
وليس بعيداً أن يكون ذلك على قاعدة توهم أصالة الحرف الزَّائد.
ومنه (دُرَّانَةُ) من أسماء النِّساء؛ فهو يحتمل الأصلين (د ر ن) و (د ر ر) .
قال الأزهريُّ: (النُّون في دُرَّانة إن كانت أصلية فهي (فُعْلالَة)[هكذا] من الدَّرَنِ.
فإن كانت غير أصلية فهي (فُعْلانة) مِنَ: الدُّرِّ أو الدَّرِّ؛ كما قالوا: قُرَّان مِنَ: القُّرِّ، أو مِنَ: القَرِينِ) 4.
ولعلَّ الأزهريَّ وَهِم رحمه الله حين قال: إنَّها (فُعْلالَة) مِنَ: الدَّرَنِ؛ لأنَّ قياس وزنها إن كانت مشتقة من (الدَّرَنِ) أن يكون (فُعَّالَة) ولا وجه لـ (فُعْلالة) .
وقد نقله ابن منظور5 على ما فيه، ولعله سها عن إصلاحه، أو التَّنبيه عليه.
1 ينظر: الكتاب 3/218.
2 ينظر: شرح الشافية للرضي 2/388.
3 ينظر: شرح الكافية الشافية 4/2045.
4 التهذيب 14/93.
5 ينظر: اللسان (درن) 13/154.
(ثانياً) : ما آخره همزة:
منه تداخل (ص د د) و (ص د أ) في (صَدَّاءَ) وهو: اسم بئر في قَوْلِ الشَّاعر:
وإنِّي وتِهْيَامِي بِزَيْنَبَ كالّذي
…
يُطالِبُ مِن أَحْوَاضِ صَدَّاءَ مَشْرَبَا1
وهي تحتمل الأصلين:
يجوز أن تكون (فَعْلاء) من (ص د د) فكأنَّها تَصُدُّ طالبها.
ويجوز أن تكون (فَعّالا) من (ص د أ) وأنَّه لذلك وضعها ابن منظور في المهموز2، وقد يقال:(عَيْنٌ صَدآءُ) أي: عَذْبَةُ الماء، وفي المثل:(ماءٌ ولا كَصَدْآءَ)3.
ويحتمل أصلاً ثالثاً؛ وهو المعتلّ (ص د ي) 4 ووزنها -حينئذ (فَعَّال) أيضاً- فيكون اشتقاقها من: صَدَا يَصْدُو أو صَدِيَ يَصْدَى؛ وهو: شدَّة العَطَشِ، والأصل الأخير -أعني: المعتلّ- ليس ممّا نحن فيه هنا.
ومن ذلك تداخل (ك ل أ) و (ك ل ل) في (كَلَاّء) وهو: مَرْفَأُ السُّفن؛ فيحتمل الأصلين:
ذهب سيبويه5 إلى أنَّه (فَعّال) مثل (جَبَّار) من (ك ل أ) لأنَّه يَكْلأُ السُّفن من الرِّيحِ.
1 ينظر: اللسان (صدأ) 1/109.
2 ينظر: اللسان (صدأ) 1/109.
3 ورد هذا المثل بالصيغتين: صدّاء وصدآء. ينظر: الأمثال لأبي عبيد 135، وجمهرة الأمثال 2/241، والمستقصى في أمثال العربية 2/339.
4 ينظر: تهذيب اللغة 12/230، واللسان (صدأ) 1/109.
5 ينظر: الكتاب 4/257.
وهو عند ثَعْلَبٍ (فَعْلاء) مِن (ك ل ل) لأنَّ الرِّيحَ تَكِلُّ فيه فلا يَنْخَرِقُ1، وقيل2: إنَّه من (كَلَّ) إذا تَعِبَ.
وقولُ سيبويه أَرْجَحُ؛ لأنَّهم ذكروا أنَّ الكَلَاّءَ مُذَكَّرٌ لا يُؤنِّثُه أحدٌ مِنَ العرب3.
وبتداخل في (الثُّفَاءِ) وهو حبُّ الرَّشاد أصلان (ث ف أ) و (ث ف ف) وهو يحتملهما؛ فيجوز أن يكون (فُعَّالا) 4 مَن (ث ف أ) أو (فُعْلَاء) من (ث ف ف) والأوَّل أرجح؛ لأنَّ (ث ف ف) أصلٌ مهملٌ.
ومنه (الدُّبَّاء) وهو: القَرْعُ، وواحدها: دُبَّاءةٌ؛ وهو يحتمل الأصلين:
ذهب الهَرويُّ5 إلى أنَّه (فُعْلاء) من (د ب ب) وتابعه ابن الأثير6 ومُوَفَّق الدِّين البغداديُّ7.
ويَرى الزَّمخشريُّ أنَّه (فُعال) ولامهُ همزةٌ؛ آخذاً بظاهر اللَّفظ، ومستدلاً بأنَّه لا يُعرف انقلاب لامِهِ عن واوٍ أو ياءٍ8.
ويحتمل (القِثَّاءُ) الأصلين (ق ث أ) من قولهم: أَقْثَأَ القَوْمُ؛ إذا كثُرَ عندهم القِثَّاءُ؛ فوزنه -حينئذ (فِعّال) .
1 ينظر: اللسان (كلأ) 1/146.
2 ينظر: شرح المفصل لابن يعيش 6/127.
3 ينظر: اللسان (كلأ) 1/146.
4 ينظر: اللسان (ثقأ) 14/14.
5 ينظر: الغريبين 2/277.
6 ينظر: النهاية 2/98.
7 ينظر: المجرد للغة الحديث 1/492.
8 ينظر: الفائق 1/407.
ويجوز أن يكون وزنه (فِعْلَاء) من (ق ث ث) .
وقد أجاز ابن عَقِيلٍ1 الأصلين؛ ولكنَّه ذكَرَ أنَّ وزنه على احتمال أصالة الهمزة (فِعْلال) 2 وهو غير مستقيم كما ترى، وقياس وزنه (فِعَّال) .
1 ينظر: المساعد 4/65.
2 وقع في المساعد شيء من الخلل في ثلاثة أوزان، وذاك أن ابن عقيل –رحمه الله ذكر أن قثّاء وحنّان وقُوباء وعِقيان تحتمل زيادة الحرف الأخير، فتكون أوزانها (فِعْلاء) و (فِعْلان) و (فُعلاء) و (فِعْلان) على التوالي؛ وهذا مستقيم. ثم ذكر أن أوزانها على الاحتمال الآخر، وهو أصالة الحرف الأخير بعد الألف:(فِعْلان) و (فِعّال) و (فُعَّال) و (فعلال)(هكذا بدون ضبط) فواحد من هذه الأربعة على قياس الوزن؛ وهو الثاني، والثلاثة الباقية ليس على قياس الوزن، وصوابها على التوالي:(فِعّال) وهو وزن قِثَّاء و (فَعّال) وهو وزن حَنّان وقد ذكر على الصّواب و (فُوْعال) مثل طُومار وهو وزن قُوباء و (فِعْيال) مثل جِرْيَال وهو وزن عِقْيَان.
ولعلّ الخلل في هذه الأوزان وقع من النسّاخ أو من الطّباعة.