الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السَّابعُ: ما تنَوَّعَ فيه التَّدَاخلُ
ثَمَّةَ تداخل بين الثّلاثيّ والرّباعي جاء في أمثلة متناثرة متنوّعة؛ ليست ممَّا تقدَّم؛ كتداخل (غ ر ق) و (غ ر ن ق) في (الغُرْنَيقِ) ضربٍ من طير الماء؛ وهو يحتمل الأصلين:
فذهب الجوهريّ 1إلى أنّه ثلاثيّ من (غ ر ق) بزيادة النُّون؛ ووزنه -حينئذٍ- (فُعْنَيل) وليس في الصّنعة ما يدلّ على زيادة النُّون؛ فهي - وإن وقعت موقع النُّون الَّتي يجزم بزيادتها لتوسّطها بين أربعة أحرف - ليست هنا من هذا الباب؛ لتحرّكها.
ولكنّ الاشتقاق يسعف الجوهريّ؛ ألا ترى أنّ (الغُرْنَيقَ) من طيور الماء الَّتي تغوص في الماء تارةً وتطفو تارةً؛ فكأنّها تغرق فيه.
وذهب سيبويه 2 إلى أنّه رباعيّ، من (غ ر ن ق) على وزن (فُعْلَيل) وعلى هذا جمهور اللّغوييّن3.
وإن قيل: من أين لهم عدّ النُّون أصلاً، ولا نظير له في بنات الأربعة يقابله، فما ينكر أن تكون زائدة؛ كما في: خُنَثْعَبَة، وكَنَهْبُلٍ، وعُنْصُلٍ، وعُنْظُبٍ؟
1 ينظر: الصِّحاح (غرق) 4/1537.
2 ينظر: الكتاب4/293.
3 ينظر: أدب الكاتب 599، والمحكم6/48، والممتع1/149.
فالقول في ذلك عند ابن سيده: "إنَّ هذه النُّون قد ثبتت في هذه اللّفظة أَنَّى تصرّفت، ثَبَاتَ بقيّة أصول الكلمة؛ وذلك أنّهم يقولون: غُرْنَيقٌ، وغِرْنِيقٌ، وغُرْنُوقٌ، وغُرَانِق، وغَرَوْنَق.
وثبتت - أيضاً - في التّكسير؛ فقالوا: غَرَانِيقُ وغَرَانِقَةٌ. فلمّا ثبتت النُّون في هذه المواضع كلّها، ثبات بقيّة أصول الكلمة؛ حُكِمَ بكونها أصلاً"1.
وأمّا استدلال أبي عليّ الفارسيّ على أصالة النُّون؛ بأنّه قد أُلحق بها (العُلَّيقُ) ولا يلحق إلَاّ بالأصول - فمردود بأمرين:
أحدهما: أنّ (العُلَّيقَ)(فُعَّيْل) وتضعيف العين لا يكون للإلحاق؛ لأنَّ أصل تضعيف العين إنّما هو للفعل؛ نحو: قَطَّع وكَسَّر؛ فهو في الفعل مفيد للمعنى، وكذلك هو في بعض الأسماء؛ نحو: شَرَّابٍ وقَطَّاعٍ وسِكِّيرٍ، ومن ثمَّ لم يجعل التّضعيف للإلحاق؛ لأنَّ الإلحاق صناعة لفظية لا معنويّة -كما قال ابن سيده2.
والآخر: أنّ قوله: إنّه لا يلحق إلاّ بالأصول يخالف ما قرّره العلماء بجواز الإلحاق ببعض الفروع والمزيدات؛ كإلحاقهم (اقْعَنْسَسَ) بـ (احْرَنْجَمَ) و (حَبَونَن) بـ (حَبَوكَرٍ) على نحو ما تقدَّم في الباب الأوّل3.
والرّأي عندي في أصل هذه الكلمة أنّها ثلاثيّة من (غ ر ق) كما
1 المحكم6/48.
2 ينظر: المحكم 6/48.
3 ينظر: ص (226) من هذا البحث.
ذهب الجوهريّ لقوّة الاشتقاق.
ويتداخل الأصلان الثّلاثيّ والرّباعي في (السُّبرُوتِ) من الأرض؛ وهي: القَفْرُ، ويوصف به الرّجل الفقير؛ وهو يحتمل الأصلين:
فمذهب سيبويه1 أنَّه رباعيّ من (س ب رت) على وزن (فُعْلُول) .
وذكر أبو حيَّان أنّه عند غير سيبويه ثلاثيّ من (س ب ر) على وزن (فَعْلُوت)2.
ولعلّهم استدلّوا بقولهم: (السُّبْرُور) في معناه؛ فقد قال الشَّاعر:
تُطْعِمُ المُعْتَفِينَ ممَّا لَدَيها
…
مِنْ جَنَاهَا، والعَائِلَ السُّبْرُورَا3
قال ابن سيده: "فإن صحَّ هذا فتاء سُبْرُوت زائدة"4.
ويتداخل في (الكَوْكَبِ) وهو ضرب من النّجوم في السماء- خمسة أصول ثلاثة ثلاثيّة ورباعيّان:
فيرى الجمهور5 أنّه من (ك ك ب) ووزنه (فَوْعَل) من باب ما جاء عينه من جنس فائه؛ كـ (دَدَن) إلَاّ أنّه فُرِّق بين الفاء والعين في
1 ينظر: الكتاب4/318.
2 ينظر: الارتشاف1/105.
3 ينظر: اللّسان (سبر) 4/342.
4 ينظر: اللّسان (سبر) 4/342.
5 ينظر: الأصول3/209، والخصائص2/56، والصحاح (ككب) 1/213، والمقتصد في شرح التكملة2/786، والممتع1/82، والبحر المحيط4/162، والدّر المصون5/11.
(كَوْكَبٍ) بحرف علّةٍ زائد.
ونظيره (قَوْقَل) وهو: ذَكَرُ القَطَا؛ فأصله (ق ق ل) و (لَوْلَب) إن كان عربيّاً- وهو: استدارة الماء عند فم الصُّنْبُور؛ فإنّه من (ل ل ب) .
وذهب الأصمعيّ إلى أنّه ثلاثيّ من (وك ب) وقد صُدِّر بكاف زائدة1، وذكر الأزهريّ أنّه من هذا الأصل عند حذَّاق النّحوييّن2.
وكان الصَّغانيّ3يرى ذلك؛ ووزنه حينئذٍ (كَفْعَل) وهذا مردود بأنّ الكاف ليست من حروف الزّيادة، وأمّا قولهم: هِنْدِيٌّ وهِنْدِكِيٌّ فهو من باب: سَبِطٍ وسِبَطْرٍ؛ أي أنّهما أصلان. وإلى ذلك ذهب أبو حيّان في ردِّه على الصَّغانيّ؛ لحكايته ما نقل عن الأصمعيّ حين قال: "وليت شعري من حذَّاق النّحوييّن الّذين تكون الكاف عندهم من حروف الزّيادة في أوّل الكلمة؟
فأمّا قولهم: هِنْدِيٌّ وهِنْدِكِيٌّ في معنى واحدٍ؛ وهو المنسوب إلى الهند؛ قال الشَّاعر:
وَمَقْرَبَةٌ دُهْمٌ وَكُمْتٌ كَأَنَها
…
طَمَاطِمُ يُوفُونَ الوِفَازَ4هَنَادِكُ5
فخرّجه أصحابنا على أنّ الكاف ليست زائدة؛ لأنّه لم يثبت زيادتها
1 ينظر: التهذيب10/402.
2 ينظر: التهذيب 10/402.
3 ينظر: التكملة (ككب) 1/261.
4 الوِفاز: المرتفع من الأرض. ينظر: اللّسان (وفز) 5/430.
5 البيت لكُثيّر، كما في ديوانه347، وفيه اختلاف لايضرّ بالشّاهد.
في موضع من المواضع فيحمل عليه؛ وإنّما هو من باب: سَبِطٍ وسِبَطْرٍ"1.
ويجوز أن تكون تلك الكاف سرت لبعض العرب من لغة الحبش؛ فإنّهم يدخلون الكاف - مشوبة بالياء - في النِّسَب 2.
وذهب الرّاغب الأصبهانيّ إلى أنّ أصله (ك ب ب) إذ ذكرها في (كَبَّ) 3وظاهر قياسه أنّ الواو زائدة والكاف الثّانية في (كَوْكَبٍ) بدل من إحدى الباءين، وهذا غريب جدّاً -كما قال السَّمين4.
وذهب الخليل إلى أنّه رباعي من (ك وك ب) 5فوزنه - حينئذٍ (فَعْلَل) لوضعه في الرّباعيّ؛ وهو فهم الأزهريّ6. ويردّه أنّ الواو لا تكون أصلاً في بنات الأربعة؛ كما تقرّر في الأصول7.
وذهب بعض المستشرقين - ومنهم بروكلمان8وبرجشتراسر9 - إلى أنّه في الأصل (كَبْكَب)(kabkab) كما في الأصول السّاميّة، وأنّه لم يبق على حاله إلاّ في الأمهَرِيَّة؛ فالكوكب فيها:(kabkib) وهو في
1 ينظر: البحر المحيط4/162.
2 ينظر: البحر المحيط 4/162،163.
3 ينظر: المفردات695.
4 ينظر: الدّر المصون5/11.
5 ينظر: العين5/433.
6 ينظر: التهذيب10/402.
7 ينظر: الممتع1/292.
8 ينظر: فقه اللغات السامية74.
9 ينظر: التطور النّحوي97.
الأكَدِيَّةِ: (kakkabu) وفي العبريّةِ: (kokab) وهو أقرب إلى العربيّة- وفي السّريانيّة: (kawkba) وفي الحبشية: (kokab) .
وقارب بعض علماء العربيّة القدامى بين (الكَوْكَبَةِ) و (الكَبْكَبَةِ) في المعنى؛ فقد قال البندنيجيّ: (الكَبْكَبَة: الجماعة من النّاس. والكَوْكَبَةُ: مثلها) 1فكأنّها عنده من التّرادف.
1 ينظر: التقفية208.