الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - فضول الكلام
الحمد لله الذى أحسن خلق الإنسان وعدّله، وألهمه نور الإيمان فزينه به وجملهُ وعلمه البيان فقدمه به وفضله، وأمده بلسان يترجم به عما حواه القلب وعقله، فاللسان من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه الغريبة، فإنه صغير جرمُهُ عظيم طاعته وجُرمه، إذ لا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللسان وهما غاية الطاعة والعصيان، ومن أطلق عذبة اللسان وأهمله مرخى العنان سلك به الشيطان فى كل ميدان وساقه إلى شفا جرف هارٍ إلى أن يضطره إلى البوار، ولا يكب الناس فى النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، عن معاذ رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" وهل يكب الناس فى النار على وجوههم - أو قال: على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم؟ "(1).
والمراد بحصائد الألسنة: جزاء الكلام المحرم وعقوباته فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات، ثم يحصد يوم القيامة ما زرع، فمن زرع خيراً من قولٍ أو عملٍ حصد الرامة، من زرع عشراً من قول أو عمل حصد الندامة.
وقد وردت الأخبار الكثيرة فى لتحذير من آفات اللسان وبيان خطره.
(1) رواه الترمذى (10/ 87، 88) الإيمان وقال: حسن صحيح وابن ماجه (3973) الفتن، والحاكم (2/ 413) التفسير، وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبى وصححه الألبانى.
فمن ذلك قوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (ق: الآية: 18).
وعن سفيان بن عبد الله الثقفى قال: قلت يارسول الله ما أخوف ما تخاف علىّ؟ قال: " هذا وأخذ بلسانه "(1).
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت يارسول الله ما النجاة؟ قال: " أمسك عليك لسانك
…
" (2).
وقال صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"(3).
وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم فالكلام إما أن يكون خيراً فيكون العبد مأمورا بقوله، وإما أن يكون غير ذلك فيكون مأموراً بالصمت عنه.
وعن أبى هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها فى النار أبعد ما بين المشرق والمغرب "(4).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: " والله الذى لا إله
(1) رواه الترمذى (9/ 249) الزهد وقال حسن صحيح، وابن ماجة (3972) الفتن، والدارمى (2/ 298) الرقاق، والحاكم (2/ 313) وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبى والألبانى.
(2)
رواه الترمذى (9/ 247) الزهد، وأحمد (5/ 259)، وابن المبارك (134) الزهد، وصححه الألبانى لطرقه فى الصحيحة رقم (890).
(3)
رواه البخارى (10/ 445) الأدب، ومسلم (2/ 18) الإيمان، وأبو داود (5032) الأدب، وابن ماجة (3971) الفتن.
(4)
رواه البخارى (11/ 266) الرقاق، ومسلم (18/ 117) الزهد، والترمذى (9/ 195) الزهد بلفظ:" إن الرجل ليتكلم بالكلمة لايرى بها بأساً يهوى بها سبعين خريفاً فى النار " وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
إلا هو ليس شىء أحوج إلى طول سجن من لسانى ".
وكان يقول: "يا لسان قل خيراً تغنم، واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم ".
وعن أبى الدرداء رضي الله عنه قال: " أنصف أذنيك من فيك وإنما جعل لك أذنان وفم واحدٌ لتسمع أكثر مما تتكلم ".
وعن الحسن البصرى: قال: كانوا يقولون: إن لسان المؤمن وراء قلبه فإذا أراد ا، يتكلم بشىء تدبره بقلبه ثم أمضاه، وإن لسان المنافق أمام قلبه، فإذا هم بشىء أمضاه بلسانه ولم يتدبره بقلبه.
فإذا قلت: فهذا الفضل الكبير للصمت ما سببه؟
فاعلم أن سببه كثرة آفات اللسان من الخطأ والكذب والغيبة والنميمة والفحش والمراء وتزكية النفس والخوض فى الباطل والخصومة والفضول والتحريف والزيادة والنقصان وإيذاء الخلق وهتك العورات فهذه آفات كثيرة وهى سياقة إلى اللسان لا تثقل عليه ولها حلاوة فى القلب وعليها بواعث من الطبع ومن الشيطان، فلذلك عظمت فضيلة الصمت، مع ما فيه من جمع الهم، ودوام الوقار والفراغ للفكر والذكر والعبادة، والسلامة من تبعات القول فى الدنيا، ومن حسابه فى الآخرة فقد قال تعالى:{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (ق: الآية: 18).