الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب - الشكر
الشكر: هو الثناء على المنعم بما أولاكه من معروف.
وشكر العبد يدور على ثلاثة أركان - لايكون شكراً إلا بمجموعهما - وهى: الاعتراف بالنعمة باطناً، والتحدث بها ظاهراً والاستعانة بها على طاعة الله، فالشكر يتعلق بالقلب واللسان، والجوارح، لاستعمالها فى طاعة المشكور وكفها عن معاصيه.
وقد قرن الله سبحانه وتعالى الشكر بالإيمان، وأخبر أنه لا غرض له فى عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا بهه، فقال تعالى:{مَّا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ} (النساء: من الآية 147)
وأخبر سبحانه عن أهل الشكر هم المخصوصون بمنته عليهم من بين عبادة فقال عز وجل: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاء مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} (الأنعام: الآية 53)
وقسم الناس إلى شكور وكفور، فأبغض الأشياء إليه الكفر وأهله، وأحب الأشياء إليه الشكر وأهله، قال تعالى:{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (الإنسان: الآية 3)
وقال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم: الآية 7)
فعلق سبحانه المزيد بالشكر، والمزيد منه لا نهاية له كما لا نهاية لشكره،
وقد وقف الله سبحانه كثيراً من الجزاء على المشيئة.
كقوله تعالى: {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء} (التوبة: من الآية 28)
وقال فى المغفرة: {وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء} (المائدة: من الآية 40)
وقال فى التوبة: {وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن يَشَاء} (التوبة: من الآية 15)
وأطلق جزاء الشكر إطلاقاً حيث ذكره كقوله تبارك وتعـ، الى:{وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ِ} (آل عمران: من الآية 145)
ولما عرف عدو الله إبليس قدر مقام الشكر، وأنه من أجل المقامات وأعلاها، يجعل غايته أن يسعى فى قطع الناس عنه، فقال:{ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (الأعراف: من الآية 17)
ووصف سبحانه الشاكرين بأنهم قليل من عباده فقال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (سبأ: من الآية 13)
وثبت فى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم: أنه قام حتى تفطرت قدماه فقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: " أفلا أكون عبداً شكوراً "(1).
وعنه صلى الله عليه وسلم قال: " ان الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها "(2).
فكان هذا الجزاء العظيم الذى هو أكبر أنواع الجزاء كما قال تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ} (التوبة: من الآية 72).
(1) رواه البخارى (3/ 41) التهجد. ومسلم (17/ 162) صفات المنافقين، والترمذى (2/ 204، 205)، والنسائى (3/ 219) قيام الليل.
(2)
رواه مسلم (17/ 51) الذكر والدعاء، والترمذى (8/ 9) الأطعمة.
فى مقابلة شكره بالحمد والشكر قيد النعم وسبب المزيد، قال عمر ابن عبد العزيز:" قيدوا نعم الله بشكر الله" وذكر ابن أبى الدنيا عن علىّ بن أبى طالب رضي الله عنه أنه قال لرجل من همذان: " أن النعمة موصولة بالشكر والشكر يتعلق بالمزيد، وهما مقرونان فى قرن، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد ".
وقال الحسن: أكثروا من ذكر هذه النعم، فإن ذكرها شكر، وقد أمر الله نبيه أن يحدث بنمعمة ربه فقال:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (الضحى: الآية 11).
والله تعالى يحب أن يرى أثرُ نعمته على عبده، فإن ذلك شكرها بلسان الحال.
وكان أبو المغيرة إذا قيل له: كيف أصبحت يا أبا محمد؟ قال: " أصبحنا مغرقين فى النعم، عاجزين عن الشكر، يتحبب إلينا ربنا وهو غنىٌ عنا، ونتمقت إليه ونحن إليه محتاجون ".
وقال شريح: " ما أصيب عبدٌ بمصيبة إلا كان لله عليه فيها ثلاث نعم: ألا تكون كانت فى دينه، وألا تكون أعظم مما كانت، وأنها لابد كائنة فقد كانت ".
وقال يونس بن عبيد: قال رجل لأبى تميمة، كيف أصبحت؟ قال:" أصبحت بين نعمتين لا أدرى أيتها أفضل: ذنوب سترها الله علىّ فلا يستطيع أن يعيرنى بها أحد، ومودة قذفها الله فى قلوب العباد لا يبلغه، اعملى ".
وعن سفيان فى قوله تبارك وتعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} (القلم: من الآية 44).
قال: يسبغ عليهم النعم ويمنعهم الشكر، وقال غير واحد،:" كلما أحدثوا ذنبا أحدث لهم نعمة ".
قال رجل لآبى حازم: ما شكر العينين يا أبا حازم؟ فقال: إنى رأيت بهما خيراً أعلنته، وإن رأيت بها شراً سترته.
قال فما شكر الأذنين؟ قال: إن سمعت بهما خيراً وعيته، وإن سمعت بهما شراً دفعته.
قال: فما شكر اليدين؟ قال لا تأخذ بهما ما ليس لهما، ولا تمنع حقاً لله هو فيهما.
قال: فما شكر البطن؟ أن يكون أسفله طعاما وأعلاه علماً.
قال: فما شكر الفرج: قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِين فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُون} (المؤمنون: الآية 5 - 7).
قال: فما شكر الرجلين؟ قال: إن علمت ميتاً تغبطه استعملت بهما عمله، وإن مقته رغبت عن عمله وأنت شاكرالله.
وأما من شكر بلسانه، ولم يشكر بجميع أعضائه، فمثله كمثل رجل له كساء فأخذ بطرفه ولم يلبسه، فما ينفعه ذلك من الحر، والبرد، والثلج، والمطر.
وكتب بعض العلماء إلى أخ له: أما بعد فقد أصبح بنا من نعم الله مالا نحصيه من كثرة ما نعصيه، فما ندرى أيهما نشكر، أجميل ما يَسّر، أم قبيح ما ستر؟!.