الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأخبار فى الخوف
قال الله تعالى: {ْ إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ماَ آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} (آل عمران: الآية 57 - 61).
وقد روى الترمذى فى جامعه عن عائشة رضى الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقلت: أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرقون؟ فقال: " لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصومون، ويصلون ويتصدقون ويخافون ألا يتقبل منهم، أولئك يسارعون فى الخيرات "(1).
عن أنس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها فقط، فقال:" لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً " فغط أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين، وفى رواية: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شىء فخطب، فقال:" عرضت على الجنة والنار فلم أر كاليوم من الخير والشر ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً " فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه
(1) رواه الترمذى (12/ 4) التفسير وابن ماجه (4198)، والحاكم (2/ 394) التفسير، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى، وفى سنده انقطاع وله شاهد عند ابن جرير، وانظر جامع الأصول (2/ 254) وصححه الألبانى.
غطوا رؤوسهم ولهم خنين " (1).
ومعنى الحديث: لو أنكم علمتم ما أعلمه من عظمة الله عز وجل، وانتقامه ممن يعصيه، لطال بكاؤكم وحزنكم وخوفكم مما ينتظركم، ولما ضحكتم أصلاً، فالقليل هنا بمعنى المعدوم، وهو مفهوم من السياق.
وروت السيدة عائشة رضى الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تغيّر الهواء وهبت ريح عاصفة يتغير ويتردد فى الحجرة ويدخل ويخرج، كل ذلك خوفاً من عذاب الله (2).
وروى عبد الله بن الشخير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل فى الصلاة يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل (3).
ومن تأمل أحوال الصحابة رضى الله عنهم ومن بعدهم من الصالحين من سلف هذه الأمة، وجدهم فى غاية العمل مع غاية الخوف، ونحن جمعنا بين التقصير بل التفريط والأمن.
فهذا الصديق رضي الله عنه يقول: وددت أنى شعرة فى جنب عبد
(1) رواه البخارى (11/ 319) الرقاق، والترمذى (9/ 124) الزهد. والخنين: هوالبكاء مع غنة بانتشار الصوت من الأنف.
(2)
رواه البخارى (6/ 347) بدء الخلق بمعناه ومسلم (6/ 196) الاستسقاء.
(3)
رواه أبو داود (890) الصلاة بلفظ الرحى، والنسائى (3/ 13) والسهو، وأحمد (4/ 25،26) وصححه الألبانى، وقال السيوطى:" أزيز": أى خنين من الجوف وهو صوت البكاء وهو أن يجيش جوفه ويغلى بالبكاء: كأزيز المرجل " وهو بالكسر: الإناء الذى يغلى فيه الماء سواء كان من حديد أو صفيح، أو حجارة أو خزف - هامش (3/ 13) النسائى.
وقال فى المرقاة: وفى الحديث دليل على أن البكاء لا يبطل الصلاة سواء ظهر منه حرفان أم لا واستدل على جواز البكاء فى الصلاة بقوله تعالى: {إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سُجّدا وبُكياً} (مريم 58). عون المعبود (3/ 173).
مؤمن، وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله عز وجل.
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ سورة الطور حتى بلغ: {إنّ عَذابَ ربِكَ لَواقِعٌ} (الطور: الآية 7). بكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه، وقال لابنه وهو يموت: ويحك ضع خدى على الأض عساه يرحمنى ثم قال: ويل أمى لم يغفر لى -ثلاثاً -ثم قضى، وكان يمر بالآية فى ورده بالله تخيفه فيبقى فى البيت أياماً يعاد يحسبونه مريضاً، وكان فى وجهه خطان أسودان من كثرة البكاء.
وقال له ابن عباس: " مصّر لله بك الأمصار، وفتح بك الفتوح وفعل " فقال: " وددت أن أنجو لا أجر ولا وزر ".
وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه كان إذا وقف على القبر يبكى حتى يبل لحيته، قال:" لو أننى بين االجنة والنار ولا أدرى إلى أيتهما أصير لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير ".
وهذا أبو الدرداء رضي الله عنه كان يقول: " لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت، ماأكلتم طعاماً على شهوة، ولا شربتم شراباً على شهوة أبداً، ولا دخلتم بيتاً تستظلون به، ولخرجتم إلى الصعيد تضربون صدوركم وتبكون على أنفسكم، ولوددت أنى شجرة تعضد ثم تؤكل ".
وكان ابن عباس رضي الله عنه أسفل عينيه مثل الشراك البالى من كثرة الدموع.
وقال علىّ -كرم الله وجهه- قد سلّم من صلاة الفجر، وقد علاه كآبة وهو يقلب يده: " لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أر اليوم شيئاً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً صفراً غبراً بين أعينهم أمثال ركب المعزى، قد باتوا سجداً وقياما يتلون كتاب الله، يراوحون بين جباههم
وأقدامهم، فإذا أصبحوا ذكروا الله تمادوا كما يميد الشجر فى يوم الربح، وهملت أعينهم بالدموع حتى يتبل ثيابهم، والله فكأتى بالقوم باتوا غافلين". ثم قام فما رؤى بعد ذلك ضاحكاً حتى ضربه ابن ملجم.
وقال موسى بن مسعود: " كنا إذا جلسنا إلى سفيان كأن النار قد أحاطت بنا لما نرى من خوفه وجزعه ".
ووصف أحدهم الحسن فقال: " كان إذا أقبل فكأنما أقبل من دفن حميمه، وإذا جلس فكأنه أسير أمر بقطع رقبته، وإذا ذكرت النار فكأنها لم تخلق إلا له ".
ورُوى أن زرارة بن أبى أوفى صلّى بالناس الفجر بسورة المدثر، فلما قرأ قوله تبارك وتعالى:{فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} (المدثر: الآية 8 - 9). أخذته شهقة فمات.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن قال: " ابكوا فإن لم تبكو فتباكوا، فوالذى نفسى بيده: لو يعلم العلم أحدكم لصرخ حتى ينقطع صوته، وصلى حتى ينكسر صلبه ".