الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محاسبة النفس
علامة استيلاء النفس الأمارة بالسوء على قلب المؤمن محاسبتها والتضييق عليها وسؤالها عن كل قول وعمل.
قال الحسن: " المؤمن قوام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خف الحساب يوم القيامة لى قوم حاسبوا أنفسهم فى الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر على غير محاسبة ".
إن المؤمن يفاجئه الشىء ويعجبه فيقول: والله إنى لأشتهيك، وإنك لمن حاجتى، ولكن والله ما من حيلة إليك، هيهات حيل بينى وبينك ويفرط منه الشىء فيرجع إلى نفسه فيقول: ما أردت إلى هذا؟! ما لى ولهذا؟ ّ والله لا أعود إلى هذا أبداً. إن المؤمنين قوم أوقفهم القرآن وحال بين هلكتهم، إن المؤمن أسير فى الدنيا يسعى فى فكاك رقبته، لا يأمن شيئاً حتى يلقى الله، يعلم أنه مأخوذ عليه فى سمعه، وفى بصره، وفى لسانه، وفى جوارحه، مأخوذ عليه فى ذلك كله.
قال مالك بن دينار: " رحم الله عبداً قال لنفسه: ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثم ذمها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله عز وجل، فكان لها قائداً ".
فحق على الحازم المؤمن بالله وباليوم الآخر أن لايغفل عن محاسبة نفسه، والتضييق عليها فى حركاتها وسكناتها، وخطراتها، فكل نفس من انفاس العمر جوهرة نفيسة، يمكن أن يشترى بها كنزاً من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبد الآباد، فإضاعة هذه الأنفاس، أو اشتراء صاحبها بها مما يجلب هلاكه
خسران عظيم لا يسمح بمثله إلا أجهل الناس وأحمقهم وأقلهم عقلاً، وإنما يظهر له حقيقة هذا الخسران يوم التغابن، قال تعالى:{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} (آل عمران: من الآية 30).
ومحاسبة النفس نوعان: نوع من قبل العلم ونوع بعده:
أما النوع الأول: فهو أن يقف عند أول همّه وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانهُ على تركه.
قال الحسن رحمه الله: " رحم الله عبداً وقف عند همه، فإن كان لله أمضاه، وإن كان لغيره تأخر "
وشرح بعضهم هذا فقال: إذا تحركت النفس لعمل من الأعمال، وهمّ به العبد، وقف أولاً ونظر: هل ذلك العلم مقدور عليه، أو غير مقدور، ولا مستطاع، فإن لم يكن مقدور لم يقدم عليه، وإن كان مقدوراً عليه وقف وقفة أخرى، ونظر: هل فعلهُ خير له من تركه، أم تركه خير له من فعله، فإن كان الثانى تركه ولم يقدم عليه، وإن كان الأول وقف وقفة ثالثة: هل الباعث عليه إرادة وجه الله عز وجل وثوابه، أم إرادة الجاه والثناء والمال من المخلوق، فإن كان الثانى لم يقدم، وإن أفضى به إلى مطلوبه، لئلا تعتاد النفس الشرك، ويخف عليها العمل لغير الله، فبقرد ما يخف عليها ذلك يثقل عليها العمل لله تعالى حتى يصير أثقل شىء عليها، وإن كان الأول وقف وقفة أخرى: ونظر هل هو معان عليه وله أعوان يساعدونه وينصرونه إذا كان العمل محتاج إلى ذلك أم لا؟ فإن لم يكن له أعوان أمسك عنه كما أمسك النبى صلى الله عليه وسلم عن الجهاد بمكة حتى صار له شوكة وأنصار، وإن وجده معاناً عليه فليقدم عليه فإنه منصور بإذن الله، ولا يفوت النجاح إلا من فوت خصلة من هذه الخصال، وإلا فمع اجتماعها
لا يفوته النجاح، فهذه أربعة مقامات يحتاج العبد إلى محاسبة نفسه عليها قبل العمل.
والنوع الثانى: محاسبة النفس بعد العمل وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله تعالى، فلم توقعها على الوجه الذى ينبغى وحق الله فى الطاعة ستةأمور هى:: الإخلاص فى العمل، والنصيحة لله فيه، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وشهود مشهد الإحسان، وشهود منة الله عليه، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كله، فيحاسب نفسه هل وفى هذه المقامات حقها؟ وهل اتى بها فى هذه الطاعة؟.
الثانى: أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيراً له من فعله.
الثالث: أن يحاسب نفسه على أمر مباح لم فعله، وهل أراد به الله تعالى والدار الآخرة فيكون رابحاً، أو أراد به الدنيا وعاجلها، فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به.
وآخر ما عليه الإهمال، وترك المحاسبة، والاسترسال، وتسهيل الأمور وتمشيتها، فإن هذا يؤول به إلى الهلاك، وهذه حال أهل الغرور، يغمض الواحد عينيه عن العواقب ويتكل على العفو، فيهمل محاسبة نفسه والنظر فى العاقبة، وإذا فعل ذلك سهل عليه مواقعة الذنوب وأنس بها وعسر عليه فطامها.
وجماعُ ذلك أن يحاسب نفسه أولاً على الفرائض فإن تذكر فيها نقصاً تداركه إما بقضاء أو إصلاح، ثم يحاسبها على المناهى فإن عرف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبة والاستغفار، والحسنات الماحية ثم يحاسب نفسه على الغفلة، فإن كان قد غفل عما خُلق له تداركه بالذكر والإقبال على الله تعالى، ثم يحاسبها بما تكلم به، أو مشت به رجلاه، أو بطشت يداه،