المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌6 - الزهد فى الدنيا وبيان حقارتها - تزكية النفوس

[أحمد فريد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌1 - الإخلاص والمتابعة

- ‌أ - الإخلاص

- ‌بعض الآثار عن الإخلاص

- ‌فضل النيّة

- ‌ب - متابعة السنّة

- ‌2 - فضل العلم والعلماء

- ‌3 - أنواع القلوب وأقسامها

- ‌1 - القلب الصحيح:

- ‌2 - القلب الميت:

- ‌3 - القلب المريض:

- ‌‌‌علامات مرض القلبوصحته

- ‌علامات مرض القلب

- ‌علامات صحة القلب:

- ‌أسباب مرضُ القلبِ

- ‌4 - سموم القلب الأربعة

- ‌1 - فضول الكلام

- ‌2 - فضول النظر

- ‌3 - فضول الطعام

- ‌4 - فضول المخالطة

- ‌أحدهما:

- ‌القسم الثانى:

- ‌القسم الثالث:

- ‌القسم الرابع:

- ‌5 - أسباب حياة القلب وأغذيته النافعة

- ‌1 - ذكر الله وتلاوة القرآن

- ‌2 - الإستغفار

- ‌3 - الدعاء

- ‌آداب الدعاء

- ‌4 - الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌5 - قيام الليل

- ‌6 - الزهد فى الدنيا وبيان حقارتها

- ‌درجات الزهد

- ‌أضرار حب الدنيا

- ‌7 - أحوال النفس ومحاسبتها

- ‌النفس المطمئنة:

- ‌النفس اللوامة

- ‌النفس الأمارة بالسوء:

- ‌محاسبة النفس

- ‌فوائد محاسبة النفس

- ‌8 - الصبر والشكر

- ‌أ - الصبر

- ‌فضائله:

- ‌معنى الصبر وحقيقتة

- ‌أقسام الصبر باعتبار متعلقه

- ‌الأخبار الواردة فى فضيلة الصبر

- ‌ب - الشكر

- ‌9 - التوكل

- ‌10 - محبة الله عز وجل

- ‌11 - الرضا بقضاء الله عز وجل

- ‌12 - الخوف والرجاء

- ‌أ - الرجاء

- ‌أخبار الرجاء

- ‌ب - الخوف

- ‌فضيلة الخوف

- ‌الأخبار فى الخوف

- ‌13 - التوبة

- ‌التوبة النصوح

- ‌أسرار التوبة ولطائفها

- ‌14 - فهرس المراجع

الفصل: ‌6 - الزهد فى الدنيا وبيان حقارتها

‌6 - الزهد فى الدنيا وبيان حقارتها

الزهد: هوانصراف الرغبة عن الشىء إلى ماهو خير منه، وأما العلم المثمر لهذه الحال فهو العلم بكون المتروك حقيراً بالإضافة إلى المأخوذ فما عرف أن ما عند الله باقٍ، وأن الآخرة خير وأبقى كما أن الجوهر خير وأبقى من الثلج، فالدنيا كالثلج الموضوع فى الشمس لايزال فى الذوبان إلى الانقراض، والآخرة كالجوهر الذى لافناء له، وبقدر اليقين بالتفاوت بين الدنيا والآخرة تقوى الرغبة فى البيع، وقد مدح القرآن الزهد فى الدنيا وذم الرغبة فيها.

فقال تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (الأعلى: الآية: 16 - 17).

وقال تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} (الأنفال: من الآية: 67).

وقال تعالى: {وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَاّ مَتَاعٌ} (الرعد: من الآية: 26).

والأحاديث فى ذم الدنيا وزبيان حقارتها عند الله كثيرة جداً.

عن جابر رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم مرّ بالسوق والناس كنفتيه، فمر بجدى أسك ميت فتناوله فاخذ بأذنه، فقال:" أيكم يحب أن هذا له بدرهم " فقالوا: ما نحب أنه لنا بشىء وما نصنع به؟ قال: " أتحبون أنه لكم " قالوا: والله لو كان حياً كان عيباً فيه أنه أسكّ فكيف وهو ميت؟

ص: 52

فقال: " والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم "(1).

وعن المستورد بن شداد الفهرى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " ما الدنيا فى الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه فى اليم فلينظر بم يرجع"(2).

وعن سهل بن سعد عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء "(3).

فالزهد: هو الإعراض عن الشىء لاستقلاله، واحتقاره، وارتفاع الهمة عنه، يقال: شىء زهيد أى قليل حقير.

قال يونس بن ميسرة: " ليس الزهادة فى الدنيا بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة فى الدنيا أن تكون بما فى يد الله أوثق منك بما فى يدك، وأن تكون حالك فى المصيبة وحالك إذا لم تصب بها سواء وأن يكون مادحكم وذامّكم فى الحق سواء ".

ففسر الزهد فى الدنيا بثلاثة أشياء كلها من أعمال القلوب لامن أعمال الجوارح، ولهذا كان أبو سليمان يقول: لاتشهد لأحد بالزهد.

أحدها: أن يكون العبد بما فى يد الله أوثق منه بما فى يد نفسه، وهذا ينشأ من صحة اليقين وقوته، قيل لأبى حازم الزاهد: ما مالك؟ قال:

(1) رواه مسلم (18/ 93) الزهد، وأبو داود (184) الطهارة، وقوله:" والناس كنفتيه " أى حوله وفيه أدب سير طلاب العلم مع العالم، وقوله:" أسك " أى صغير الأذنين.

(2)

رواه مسلم (18/ 93) الجنة وصفة نعيمها، والترمذى (9/ 199) الزهد، ابن ماجه (4108).

(3)

رواه الترمذى (9/ 198) الزهد، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبى: زكريا ضعفوه، وقال الألبانى: والصواب أن الحديث صحيح لغيره فإن له شواهد تقويه وانظر شواهده فى الصحيحة رقم 943.

ص: 53

" مالان لا أخشى معهما الفقر: الثقة بالله، واليأس مما فى أيدى الناس ".

وقيل له: أما تخاف الفقر؟ فقل: " أنا أخاف الفقر ومولاى له ما فى السموات، وما فى الأرض، وما بينهما، وما تحت الثرى؟ ".

قال الفضيل: أصل الزهد: الرضى عن الله عز وجل.

وقال: القنوع هو الزاهد، وهو الغنى، فمن حقق اليقين، وثق بالله فى أموره كلها، ورضى بتدبيره له، وانقطع عن التعلق بالمخلوقين رجاءاً وخوفاً، ووضعه ذلك من طلب الدنيا بالأسباب المكروهة، ومن كان كذلك كان زاهداً حقاً، وكان من أغنى الناس، وإن لم يكن له شىء من الدنيا، كما قال عمار رضي الله عنه: كفى بالموت واعظاً، وكفى باليقين غنى، وكفى بالعبادة شغلاً ".

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: " اليقين أن لا تُرضى الناس بسخط الله، ولا تحسد أحداً على رزق الله، ولا تلم أحداً على مالم يؤتك الله، فإن رزق الله لا يسوقه حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره، فإن الله يقسطه، وعلمه، وحكمته، جعل الروح والفرح فى اليقين والرضى، وجعل الهم والحزن فى السخط والشك ".

الثانى: أن يكون العبد إذا أصيب بمصيبة فى دنياه: من ذهاب مال، أو ولد، أو غير ذلك، أرغب فى ثواب ذلك مما ذهب منه من الدنيا أن يبقى له، وهذا أيضاً ينشأ من كمال اليقين.

قال علىّ كرم الله وجهه: " من زهد فى الدنيا هانت عليه المصيبات ". وقال بعض السلف: لولا مصائب الدنيا لوردنا الآخرة من المفاليس.

الثالث: أن يستوى عند العبد مادحه وذامه فى الحق، وإذا عظمت الدنيا

ص: 54

فى قلب العبد اختار المدح وكره الذم، وربما حمله ذلك على ترك كثير من الحق خشية الذم، على فعل كثير من الباطل رجاء المدح.

فمن استوى عنده حامده وذامه فى الحق دلّ على سقوط منزلة المخلوقين من قلبه وامتلاه من محبة الحق، وما فيه رضى مولاه، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه:" اليقين أن لا ترضى الناس بسخط الله ".

وقد مدح الله عز وجل الذين يجاهدون فى سبيله، ولا يخافون لومة لائم، وقد ورد عن السلف روايات أخرى فى تفسير الزهد.

قال الحسن: " الزاهد الذى إذا رأى أحداً قال: هو أزهد منى ". وسئل بعضهم - أظنه الإمام أحمد - عمن معه مال هل يكون زاهداً؟ قال: " إن كان لايفرح بزيادته ولا يحزن بنقصه فهو زاهد ".

وقال إبراهيم بن أدهم: " الزهد ثلاثة أقسام: فزهد فرض، وزهد فضل، وزهد سلامة ".

فأما الزهد الفرض: فالزهد فى الحرام، والزهد الفضل: فالزهد فى الحلال، الزهد السلامة: فالزهد فى الشبهات.

وكل من باع الدنيا بالآخرة فهو زاهد فى الدنيا، وكل من باع الآخرة بالدنيا فهو زاهد أيضاً، ولكن فى الآخرة.

قال رجل لإحد الصالحين: ما رأيت أزهد منك، قال: أنت أزهد منى لقد زهدت فى دنيا لا بقاء لها، ولا وفاء، وأنت زهدت فى الآخرة، فمن أزهد منك؟.

ولكن العادة جارية على تخصيص اسم الزهدعلى الزهد فى الدنيا، الزهد يكون فيما هو مقدور عليه ولذا قيل لابن المبارك: يازاهد، قال: " الزاهد هو عمر بن عبد العزيز إذ جائته الدنيا راغمة فتركها وأما أنا ففى ماذا

ص: 55