المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

زهدت ". قال الحسن البصرى: " أدركت أقواماً وصحبت طوائف، ما - تزكية النفوس

[أحمد فريد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌1 - الإخلاص والمتابعة

- ‌أ - الإخلاص

- ‌بعض الآثار عن الإخلاص

- ‌فضل النيّة

- ‌ب - متابعة السنّة

- ‌2 - فضل العلم والعلماء

- ‌3 - أنواع القلوب وأقسامها

- ‌1 - القلب الصحيح:

- ‌2 - القلب الميت:

- ‌3 - القلب المريض:

- ‌‌‌علامات مرض القلبوصحته

- ‌علامات مرض القلب

- ‌علامات صحة القلب:

- ‌أسباب مرضُ القلبِ

- ‌4 - سموم القلب الأربعة

- ‌1 - فضول الكلام

- ‌2 - فضول النظر

- ‌3 - فضول الطعام

- ‌4 - فضول المخالطة

- ‌أحدهما:

- ‌القسم الثانى:

- ‌القسم الثالث:

- ‌القسم الرابع:

- ‌5 - أسباب حياة القلب وأغذيته النافعة

- ‌1 - ذكر الله وتلاوة القرآن

- ‌2 - الإستغفار

- ‌3 - الدعاء

- ‌آداب الدعاء

- ‌4 - الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌5 - قيام الليل

- ‌6 - الزهد فى الدنيا وبيان حقارتها

- ‌درجات الزهد

- ‌أضرار حب الدنيا

- ‌7 - أحوال النفس ومحاسبتها

- ‌النفس المطمئنة:

- ‌النفس اللوامة

- ‌النفس الأمارة بالسوء:

- ‌محاسبة النفس

- ‌فوائد محاسبة النفس

- ‌8 - الصبر والشكر

- ‌أ - الصبر

- ‌فضائله:

- ‌معنى الصبر وحقيقتة

- ‌أقسام الصبر باعتبار متعلقه

- ‌الأخبار الواردة فى فضيلة الصبر

- ‌ب - الشكر

- ‌9 - التوكل

- ‌10 - محبة الله عز وجل

- ‌11 - الرضا بقضاء الله عز وجل

- ‌12 - الخوف والرجاء

- ‌أ - الرجاء

- ‌أخبار الرجاء

- ‌ب - الخوف

- ‌فضيلة الخوف

- ‌الأخبار فى الخوف

- ‌13 - التوبة

- ‌التوبة النصوح

- ‌أسرار التوبة ولطائفها

- ‌14 - فهرس المراجع

الفصل: زهدت ". قال الحسن البصرى: " أدركت أقواماً وصحبت طوائف، ما

زهدت ".

قال الحسن البصرى: " أدركت أقواماً وصحبت طوائف، ما كانوا يفرحون بشىء من الدنيا أقبل، ولا يأسفون على شىء منها أدبر، ولهى كانت فى أعينهم أهون من التراب، كان أحدهم يعيش خمسين سنة أو ستين سنة لم يُطوَ له ثوبٌ، ولم يُنصب له قدرٌ، ولم يجعل بينه وبين الارض شيئاً، ولا أمَرَ مَنْ فى بيته بصنعة طعام قط، فإذا كان الليل، فقيام على أقدامهم يفترشون وجوههم، تجرى دموعهم على خدودهم يناجون ربهم فى فكاك رقابهم، كانوا إذا عملوا الحسنة دأبوا فى شكرها، وسألوا الله أن يقبلها، وإذا عملوا السيئة أحزنتهم، وسألوا الله أن يغفرها، فلم يزالوا على ذلك، ووالله: ما سلموا من الذنوب ولا نجوا إلا بالمغفرة، فرحمة الله عليهم ورضوانه ".

‌درجات الزهد

الدرجة الأولى

أن يزهده فى الدنيا وهو لها مُشتَهٍ، وقلبه إليها مائل، ونفسه إليها ملتفتة، ولكن يجاهدها ويكفيها، وهذا يسمى: متزهد.

الدرجة الثانية:

الذى يترك الدنيا طوعاً لاستحقاره إياها، بالاضافة غلى ما طمع فيه، ولكنه يرى زهده، ويلتفت إليه، كالذى يترك درهماً لأجل درهمين.

الدرحة الثالثة:

أن يزهد فى الدنيا طوعاً، ويزهد فى زهده، فلا يرى أنه ترك شيئا فيكون كمن ترك خَزَفَةَ وأخذ جوهرةٌ.

ص: 56

ويمثل صاحب هذه الدرجة بمن منعه من الدخول على الملك كلبُ على بابه، فألقى إليه لقمة من خبز فشغله بها، ودخل على الملك، ونال القرب منه فالشيطان كلبٌ على باب الله عز وجل، يمنع الناس من الدخول، مع أن الباب مفتوح والحجاب مرفوعٌ، والدنيا كلقمة فمن تركها لينال عز الملك فكيف يلتفت إليها.

ص: 57

ذم الدنيا

اعلم أن الذم الوارد فى الكتاب والسنّة ليس راجعا إلى زمانها الذى هو الليل والنهار المتعاقبان إلى يوم القيامة، فإن الله عز وجل جعلهما خلفة لمن أراد أن يذّكر أو أراد شُكوراً.

وورد فى الأثر: " إن هذا الليل والنهار خزانتان فانتظروا ماتصنعون فيهما ".

وقال مجاهد: " ما من يوم إلا يقول: ابن آدم: قد دخلت، عليك اليوم ولن أرجع إليك بعد اليوم فانظر ماذا تعمل فى، فإذا انقضى طوى، ثم يختم عليه فلا يفك حتى يكون الله هو الذى يقضيه يوم القيامة ".

وأنشد بعضهم:

إنما الدنيا إلى الجنة والنار طريقٌ

والليالى متجرُ الإنسان والأيام سوقٌ

فالوقت هو رأس مال العبد، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة فى الجنة "(1).

فانظر إلى مُضَيع الساعات كم يفوته من النخيل.

وكان أحد الصالحين إذا أثقل الناس فى الجلوس عنده يقول: "أما تريدون أن تقوموا، إن ملك الشمس يجرها لا يفتر ".

وقال رجل لأحد العلماء: " قف أكلمك " قال: " أوقف الشمس ".

(1) تقدم تخريجه ص (39).

ص: 58

وكذلك ليس ذم الدنيا راجعاً إلى مكان الدنيا وهو الأرض، وما أودع فيها من جبال وبحار وأنهار ومعادن، فإن ذلك كله من نعم الله على عباده، لما لهم فيها من المنافع، والاعتبار، والاستدلال على وحدانية الصانع سبحانه، وقدرته وعظمته، وإنما الذم راجع إلى أفعال بنى آدم الواقعة فى الدنيا، لأن غالبها واقع على غير الوجه الذى تحمد عاقبته، كما قال عز وجل:{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ والأولاد َ} (الحديد: من الآية: 20).

وانقسم بنو آدم فى الدنيا إلى قسمين:

أحدهما: من أنكر أن للعباد داراً بعد الدنيا للثواب، والعقاب، هؤلاء هم الذين قال الله فيهم:{إَنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (يونس: الآية: 7 - 8).

وهؤلاء همهم التمتع فى الدنيا واغتنام لذاتها قبل الموت كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعام وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} (محمد: من الآية: 12).

والقسم الثانى: من يقر بدار بعد الموت للثواب والعقاب، وهم المنتسبون إلى المرسلين، وهم منقسمون إلى ثلاثة أقسام: ظالم لنفسه ومقتصد، وسابق بالخيرات بإذن الله.

والظالم لنفسه: هم الأكثرون، وأكثرهم واقف مع زهرة الدنيا وزينتها، فأخذها من غير وجهها، واستعملها فى غير وجهها، وصارت الدنيا أكبر همّه، بها يرضى، وبها يغضب، ولها يوالى، وعليها يعادى، وهؤلاء أهل اللعب واللهو والزينة، وإن كانوا يؤمنون بالآخرة إيماناً مجملاً فهم لم يعرفوا المقصود من الدنيا، ولا أنها منزلة يتزود فيها لما بعدها.

والمقصتد: من أخذ الدنيا من وجوهها المباحة، وأدى واجبها، وأمسك

ص: 59

لنفسه الزائد على الواجب يتوسع به فى التمتع بشهوات الدنيا، وهؤلاء لا عقاب عليهم فى ذلك إلا أنه ينقص درحاتهم كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لولا أن تنقص من حسناتى لخالفتكم فى لين عيشكم ولكن سمعت الله عيّر قوماً فقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} (الأحقاف: من الآية: 20).

وأما السابق بالخيرات بإذن الله: فهم الذين فهموا المراد من الدنيا وعملوا بمقتضى ذلك، فعلموا أن الله إنما أسكن عبادة فى الدار ليبلوهم أيهم أحسن عملاً كما قال تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (الكهف: الآية: 7).

يعنى: أزهد فى الدنيا وأرغب فى الآخرة، ثم قال تعالى:{وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} (الكهف: الآية: 8).

فاكتفى السابقون منها بما يكفى المسافر من الزاد، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم:" مالى وللدنيا، ما أنا فى الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها "(1).

ووصى ابن عمر رضي الله عنه، صلى الله عليه وسلم:" كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل "(2).

ومتى نوى من تناول شهواته المباحة التقوى على طاعة الله كانت شهواته له طاعة يثاب عليها، كما قال معاذ رضي الله عنه:" إنى لأحتسب نومتى كما أحتسب قومتى ".

(1) رواه الترمذى (9/ 223) الزهد وقال: حسن صحيح، والحاكم (4/ 301) الرقاق، وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبى، ورواه أحمد (1/ 391) وصححه الألبانى فى الصحيحة بشاهده رقم (439).

(2)

تقدم تخريجه ص (23).

ص: 60

قال سعيد بن جبير: " متاع الغرور ما يلهيك عن طلب الآخرة، وما لم يلهك فليس بمتاع الغرور ولكن متاع بلاغ إلى ما هو خير منه ".

وقال يحيى بن معاذ: " كيف لا أحب دنيا قُدر لى فيها قوت أكتسب به حياة، أدرك به طاعة، أنال بها الجنة ".

وسُئل أبو صفوان الرعينى: ما هى الدنيا التى ذمها الله فى القرآن والتى ينبغى للعاقل أن يتجنبها؟، فقال:" كل ما أصبت فى الدنيا تريد به الدنيا فهو مذموم، وكل ماأصبت منا تريد به الآخرة فليس منها ".

وقال الحسن: " نعمت الدار الدنيا كانت للمؤمن، وذلك أنه عمل قليلاً وأخذ زاده منها للجنة، وبئست الدار كانت للكافر والمنافق، وذلك أنه ضيع لياليه وكان زاده منها إلى النار ".

قال عون بن عبد الله: " الدنيا والآخرة فى القلب ككفتى الميزان ما ترجح إحداهما تخف الأخرى ".

وقال وهب: " إنما الدنيا والآخرة كرجل له امرأتان إذا أرضى إحداهما أسخط الأخرى ".

وقال أبو الدرداء: " لئن حلفتم لى على رجل أنه أزهدكم لأحلفن لكم أنه خيركم ".

وقال رجل للتابعين: " لأنتم أكثر عملاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنهم كانوا خيراً منكم، كانوا أزهد فى الدنيا ".

ص: 61