الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فقد قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] أي لآمرهم أن يفردوني بالعبادة. وهذا هو التوحيد الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام من عهد نوح إلى عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
[أقسام التوحيد]
أقسام التوحيد ينقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات.
1 -
توحيد الربوبية: وهو اعتقاد أن الله سبحانه وتعالى خالق العباد ورازقهم، محييهم ومميتهم، مدبّر أمورهم والمتصرف في أحوالهم. فهو
إفراد الله بأفعاله كلها.
وهذا قد أقر به المشركون السالفون، وجميع أهل الملل من اليهود والنصارى والصابئين والمجوس.
ولم ينكر هذا التوحيد إلا الدهرية فيما سلف، وبعض الملاحدة في زماننا.
الدليل على وحدانية الله في ربوبيته: إذا رأيت إبرة، أيقنت أن لها صانعا، فكيف بهذا الكون العظيم الذي يبهر العقول، ويحير الألباب؟ هل وجد بلا موجد، ونظم بلا منظم، وكان كل ما فيه من نجوم وغيوم، وبروق ورعود، وقفار وبحار، وليل ونهار، وظلمات وأنوار، وأشجار وأزهار، وجن وإنس، ومَلك وحيوان، إلى أنواع لا يحصيها العد، ولا يأتي عليها الحصر، هل كان كل ذلك بلا خالق؟
اللهم لا يقول هذا من كان عنده مسكة من عقل، أو ذرة من فهم.
وبالجملة: فالبراهين على ربوبيته لا يأتي عليها العدّ، وصدق الله، إذ قال:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35]
وقال: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: 62]
الدليل على إقرار المشركين بوحدانية الله في الربوبية: وقال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [لقمان: 25] وقال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ - فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: 31 - 32] وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 9] على أن الشرك يعني اتخاذ الشريك، فمع إفرادهم الله بالربوبية إلا أنهم يجعلون معه شريكاً في العبادة، مع أنهم ما كانوا يساوون آلهتهم بالله في كل شيء، بل في المحبة والتعظيم والخضوع والدعاء، لا في الخلق والإيجاد والنفع والضر.
توحيد الربوبية لا يدخل الإنسان في دين الإسلام: من هذا تعلم أيها القارئ الكريم، أن هذا التوحيد لا يدخل الإنسان في دين الإسلام، ولا يعصم دمه وماله، ولا ينجيه في الآخرة من النار، إلا إذا أتى معه بتوحيد الألوهية.
2 -
توحيد الألوهية: وهو توحيد العبودية، أي إفراد الله بالعبادة، لأنه المستحق لأن يعبد لا سواه مهما سمت درجته وعلت منزلته.
وهو التوحيد الذي بُعثت به الرسل إلى أممهم، لأن الرسل عليهم السلام جاءوا مستدلين بتوحيد الربوبية الذي كانت أممهم تعتقده، داعين إلى توحيد الألوهية، كما أخبر الله عنهم في كتابه المجيد.
قال الله مخبراً عن نوح: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ - أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} [هود: 25 - 26]
وقال الله مخبراً عن إبراهيم: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم: 42]
وقال عن هود: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ} [هود: 50]
وقال عن صالح: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [هود: 61]
وقال الله مخبراً عن موسى: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 140]
وقال عن عيسى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [الزخرف: 64]
وأمر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول لأهل الكتاب: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران: 64]
وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21]
وبالجملة: فالرسل كلهم بعثوا بتوحيد الألوهية ودعوة القوم إلى إفراد الله بالعبادة، واجتناب عبادة الطواغيت والأصنام.
كما قال الله. {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]
وستمر بنا آيات أخر من كتاب الله تنهى عن اتخاذ الوسطاء والشفعاء من الملائكة والنبيين والصالحين أولياء ومعبودين من دون الله.
تفسير العبادة العبادة في اللغة معناها: التذلل والخضوع، يقال: طريق معبد أي مذلل.
وفي الشرع، معنى العبادة- كما قال شيخ الإسلام- هي: طاعة الله، بامتثال ما أمر الله به على ألسنة الرسل.
وقال أيضاً: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. اهـ.
فعلى المسلم أن يفرد ربه بجميع أنواع العبادات، مخلصاً لله فيها، وأن يأتي بها على الوجه الذي سنه رسول الله قولاً أو عملاً. ليس له اختيار في زيادتها ولا نقصها.
شمول العبادة للأنواع الآتية واعلم أن العبادة تشمل الصلاة، والطواف، والحج، والصوم، والنذر، والاعتكاف، والذبح، والسجود، والركوع، والخوف والرهبة، والرغبة، والدعاء، والتوكل، والاستغاثة، والرجاء. . إلى غير ذلك من أنواع العبادات التي شرعها الله في قرآنه المجيد، أو شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسنة الصحيحة القولية أو العملية.
فمن صرف شيئاً منها لغير الله يكون مشركاً، لقوله تعالى:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117]
وقوله: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]
"فأحد" جاءت نكرة في سياق النهي، تعم كل مخلوق، رسولاً كان أو ملكاً أو صالحاً.
أوّل حدوث الشرك: إذا ثبت هذا، فاعلم أن أول ما حدث الشرك في قوم نوح،
ولما أرسل الله إليهم نوحاً يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة تلك الأصنام، عاندوا وأصروا على شركهم، وقابلوا نوحاً بالكفر والتكذيب. وقالوا- كما في القرآن الكريم:{لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23]
في الصحيح عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- في هذه الآية، قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، لمّا هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا، أي صوروهم على صور أولئك الصالحين وسموها بأسمائهم ففعلوا، ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت.
قال الحافظ ابن القيم رحمه الله: قال غير واحد من السلف: لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم.
سبب الشرك الغلو في الصالحين ومن هنا نعلم أن الشرك إنما حدث في بني آدم بسبب الغلو في الصالحين.
ومعنى الغلو: زيادة التعظيم بالقول والاعتقاد، ولهذا قال الله تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ} [النساء: 171]
أي لا تفرطوا في تعظيمه حتى ترفعوه عن منزلته التي أنزله الله، فتنزلوه المنزلة التي لا تنبغىِ إلّا لله.
والخطاب وإن كان لأهل الكتاب، فإنه عام يتناول جميع الأمة، تحذيرا لهم أن يفعلوا بنبيهم، مثلما فعلت النصارى بعيسى واليهود بعزير.
ولهذا ورد في الحديث الصحيح عن عمر بن الخطاب، أن رسول الله كل قال:«لا تُطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبدُ الله ورسوله» .
أي لا تتجاوزوا الحد في مدحي، فتنزلوني فوق منزلتي التي أنزلني الله بها، كما غلت النصارى في عيسى فادعوا فيه الألوهية. وإنما أنا عبد اللهّ ورسوله، فصفوني كما وصفني ربىِ.
ولكن أبَى الجاهلون والمخرفون إلا مخالفة أمر رسول الله، وارتكاب نهيه، فناقضوه أعظم مناقضة، وضاهئوا النصارى في
غلوهم وشركهم، وبنوا القباب والمساجد على أضرحة الأولياء والصالحين، وصلوا فيها- وإن كان لله لكن بقصد التعظيم للمقبورين، وطافوا بقبورهم، واستغاثوا ربهم في كشف الملمات وقضاء الحاجات، ورأوا أن الصلاة في أضرحة الأولياء أفضل من الصلاة في المساجد.
وقد ورد في الحديث الشريف عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت:«لما نُزِل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، فقال- وهو كذلك. "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يُحذّر ما صنعوا: ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً» أخرجه الشيخان.
وجرى منهم الغلو في الشِّعر والنثر ما يطول عَدُّه، حتى جوزوا الاستغاثة بالرسول وسائر الصالحين، في كل ما يستغاث فيه بالله، ونسبوا إليه علم الغيب!! حتى قال بعض الغلاة: لم يفارق الرسول الدنيا حتى علم ما كان وما يكون!! ، وخالفوا صريح القرآن:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59] وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34]