الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب الحج]
كتاب الحج الأصل فيه قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]
والاستطاعة أعظم شروطه، وهي: ملك الزاد والراحلة بعد ضرورات الإنسان وحوائجه الأصلية.
ومن الاستطاعة. أن يكون للمرأة محرم إذا احتاجت إلى سفر، وحديث جابر في حج النبي صلى الله عليه وسلم يشتمل على أعظم أحكام الحج، وهو ما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم مكث في المدينة تسع سنين لم يحج ثم أذّن في الناس في العاشرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج. فقدم المدينة بَشَرٌ كثير- كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله- فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال: اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي. فصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء: أهَل بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك
لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. وأهَلَّ الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئاً منه. ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته. قال جابر: لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة. حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن، فطاف سبعاً، فرمل ثلاثا ومشى أربِعاً. ثم نفذ إلى مقام إبراهيم فقرأ:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] فصلى ركعتين، فجعل المقام بينه وبين البيت- وفي رواية أنه قرأ في الركعتين: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ثم رجع إلى الركن واستلمه. ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ. {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] أبدأ بما بدأ الله به. فبدأ بالصفا فرقى عليه، حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحّد الله وكبره، وقال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. لا إله إلّا اللهّ وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ثم دعا بين ذلك- قال مثل هذا ثلاث مرات- ثم نزل ومشى إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا مشى، حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على
الصفا، حتى كان آخر طواف على المروة، فقال: لو أنّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسُق الهدي ولجعلتها عمرة. فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة. فقام سراقة بن مالك بن جعشم، فقال: يا رسول الله: ألِعامِنا هذا أم لأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال: دخلت العمرة في الحج- مرتين-، لا بل لأبد أبد. وقدم علي من اليمن ببُدن للنبي صلى الله عليه وسلم، فوجد فاطمة ممن حل، ولبست صبيغاً واكتحلت، فأنكر ذلك عليها فقالت: إن أبي أمرني بهذا. قال: فكان علي يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشاً على فاطمة للذي صنعت، مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه. فأخبرتهُ أني أنكرت عليها. فقال: صَدَقَتْ صَدَقَتْ. ماذا قلتَ حين فرضتَ الحج؟ قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك. قال: فإن معي الهدي فلا تحل. قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن، والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم: مائة. قال: فحل الناس كلهم، وقصّروا، إلّا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى. فأهلوا بالحج. وركب النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء
والفجر. ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس. وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلَا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية. فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرنة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة. فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له. فأتى بطن الوادي، فخطب الناس، وقال: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميً موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة. لان أول دم أضع من دمائنا: دم ابن ربيعة بن الحارث- كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل- وربا الجاهلية موضوع. وأول رباً أضع من ربانا ربا عباس بن عبد المطلب. فإنه موضوع كله. فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله. واستحللتم فروجهن بكلمة الله. ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه. فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله. وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت، ونصحت. فقال
بأصبعه السبابة- يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد، اللهم اشهد- ثلاث مرات- ثم أذن بلال. ثم أقام فصلى الظهر. ثم أقام فصلى العصر. ولم يصلّ بينهما شيئا ثم ركب حتى أتى الموقف. فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات. وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة. فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلًا حتى غاب القرص وأردف أسامة بن زيد خلفه. ودفع رسول الله صلي الله عليه وسلم، وقد شنق للقصواء الزمام، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله. ويقول بيده اليمنى: أيها الناس، السكينة السكينة، كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة، فصلّى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين. ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع حتى طلع الفجر وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة. ثم ركب القصواء، حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده. فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً. فدفع قبل أن تطلع الشمس. وأردف الفضل بن العباس، حتى أتى بطن محسر. فحرك قليلا. ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى. حتى أتى الجمرة التي عند
الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر. فنحر ثلاثاً وستين بيده، ثم أعطى علياً فنحر ما غبر. وأشركه في هديه. ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر وطبخت. فأكلا من لحمها وشربا من مرقها. ثم ركب رسول الله صلي الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت. فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبد الطلب، يسقون على زمزم. فقال: انزعوا بني عبد المطلب. فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم، فناولوه دلواً فشرب منه» رواه مسلم. وكان صلى الله عليه وسلم يفعل المناسك، ويقول للناس:«خذوا عني مناسككم» فأكمل ما يكون من الحج: الاقتداء فيه بالنبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
ولو اقتصر الحاج على الأركان الأربعة، التي هي: الإحرام، والوقوف بعرفة، والطواف، والسعي، والواجبات، التي هي: الإحرام من الميقات، والوقوف بعرفة إلى الغروب، والمبيت ليلة النحر بمزدلفة، وليالي أيام التشريق بمنى، ورمي الجمار، والحلق أو التقصير: - لأجزأه ذلك.
والفرق بين ترك الركن في الحج، وترك الواجب: أن تارك الركن لا يصح حجه حتى يفعله على صفته الشرعية، وتارك الواجب: حجه صحيح. وعليه إثم ودم لتركه.
ويخير من يريد الإحرام بين التمتع، وهو أفضل، والقران، والإفراد.
فالتمتع هو: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج من عامِه، وعليه هدي إن لم يكن من حاضري المسجد الحرام.
والإفراد هو: أن يحرم بالحج من الميقات مفرداً.
والقران: أن يحرم بهما معاً، أو يحرم بالعمرة، ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها. ويضطر المتمتع إلى هذه الصفة إذا خاف فوات الوقوف بعرفة لو اشتغل بعمرته، وإذا حاضت المرأة أو نفست وعرفت أنها لا تطهر قبل وقت الوقوف بعرفة.
والمفرد والقارن فعلهما واحد. وعلى القارن هدي دون المفرد.
ويجتنب المحرم جميع محظورات الإحرام: من حلق الشعر، وتقليم الأظفار، والطيب، ومن لبس المخيط وتغطية رأسه إن كان رجلاً وكذلك يحرُم على المحرم: قتل صيد البر الوحشي المأكول والدلالة عليه والإعانة على قتله. وأعظم محظورات الإحرام: الجماع. لأن تحريمه مغلظ، مفسد للنسك موجب لفدية بدنة.
وأما فدية الأذى، إذا غطى رأسه، أو لبس المخيط، أو غطت المرأة وجهها، أو لبست القفازين، أو استعمال الطيب: فيخير بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة.
وإذا قتل الصيد خير بين ذبح مثله- إن كان له مثل من النَّعَم. وبين تقويم المثل بمحل الإتلاف، فيشتري به طعاما فيطعمه " لكل مسكين مد بر، أو نصف صاع من غيره، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً.
وأما دم المتعة والقران: فيجب فيه ما يجزئ في الأضحية، فإن لم يجد صام عشرة أيام، ثلاثة في الحج، ويجوز أن يصوم
أيام التشريق منها، وسبعة إذا رجع وكذا حكم من ترك واجباً، أو وجبت عليه الفدية لمباشرة.
وكل هدي أو إطعام يتعلق بحرم أو إحرام: فلمساكين الحرم من مقيم وآفاقي.
ويجزئ الصوم بكل مكان.
ودم النسك- كالمتعة والقران والهدي- المستحب: أن يأكل منه ويهدي ويتصدق.
والدم الواجب لفعل المحظور، أو ترك الواجب- ويسمى دم جبران- لا يأكل منه شيئاً، بل يتصدق بجميعه؛ لأنه يجري مجرى الكفارات.
وشروط الطواف مطلقاً: النية، وأن يبدأ من الحَجَر. ويسن له أن يستلمه ولقبله. فإن لم يستطع أشار إليه، ويقول عند ذلك:"بسم الله، الله أكبر"، وبين الركنين:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] وأن يجعل البيت عن يساره، ويكمل الأشواط السبعة، وأن يتطهر من الحدث والخبث. وليس للطواف ذِكْر معين غير ما تقدم.
والطهارة في سائر الأنساك- غير الطواف- سنة غير واجبة، وقد ورد في الحديث:«الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام» .
ويسن له أن يضطبع في طواف القدوم: بأن يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن وطرفه على عاتقه الأيسر، وأن يرمل في الثلاثة أشواط الأوائل منه ويمشي في الباقي. وكل طواف سوى هذا لا يسن فيه رمل ولا اضطباع، ويذكر الله بما شاء.
وشروط السعي: النية، وتكميل السبعة، والابتداء من الصفا.
والمشروع: أن يكثر الإنسان في طوافه وسعيه وجميع مناسكه من ذكر الله ودعائه، لقوله صلى الله عليه وسلم:«إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله» (1) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لما فتح الله على رسوله مكة قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين. وإنها لم تحل لأحد كان قبلي. وإنما
(1) وسنده ضعيف.