الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال تعالى مخبراً عن رسوله: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف: 188] وقال: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65]
وإذ علمتم أن الشرك حدث بسبب الغلو في الصالحين، وأنه إنما جاءت الرسل من أولهم إلى آخرهم يدعون العباد إلى إفراد الله بالعبادة، لا إلى إثبات أنه خلقهم ونحوه، إذ هم مقرون بذلك كما قررناه وكررناه. [وإن كان ذلك أيضاً جزءا من التوحيد] .
ولذا قالوا: {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [الأعراف: 70] أي لنفرده بالعبادة ونخصه بها من دون أوليائنا.
[أنواع العبادة وأدلتها]
أنواع العبادة وأدلتها ونعلم أن من أنواع العبادة- كما سبق- الركوع والسجود، والطواف والنذر، والذبح والاستغاثة والاستعانة، والحلف والتوكل إلى غير ذلك مما مر. فدليل الركوع والسجود قوله تعالى:
ودليل الصلاة والذبح قوله: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162 - 163]
وقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ - إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 2 - 3] والحديث الصحيح: «لعن الله من ذبح لغير الله» .
ودليل النذر والطواف قوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]
ودليل الحلف، الحديث الوارد عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:«من حلف بغير الله فقد أشرك» . وفي لفظ "فقد كفر".
ودليل الاستغاثة، قوله تعالى. {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال: 9] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه لا يُستغاث بي وإنّما يُستغاث بالله» رواه الطبراني بإسناده.
ودليل الاستعانة، قوله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]
والحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله» .
ودليل الخوف، قوله تعالى:{وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]
ودليل التوكل، قوله تعالى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23]
ودليل الرهبة، قوله تعالى:{وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40]
ودليل الدعاء، قوله تعالى:{وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس: 106]
وهذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم كما ترى- أي لا تدع يا محمد من دون معبودك وخالقك شيئاً لا ينفعك في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يضرك في دين ولا دنيا فإن فعلت: فدعوتها من دون الله، فإنك إذاً من الظالمين أي المشركين بالله. والرسول صلى الله عليه وسلم معصوم من الشرك وكلّ كبائر الذنوب، وإنما هذا تعليم للأمة.
وقوله: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس: 107]
والمستغيث بالمخلوق إنما ينادي ويدعو غير الله، كأن يستغيث قائلاً: يا رسول الله أنقذني من هذه الشدة، أو يا عبد القادر، أو يا دسوقي، أو يا رفاعي، أو يا بدوي. . . إلخ. ولا ريب أن المستغيث بغير الله داخل في عداد الظالمين المشركين.
وكيف يستغيث العاقل المؤمن بغير الله، وهو يقرأ هذه الآيات أو يسمعها؟!
ومنها قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62] بين الله في هذه الآية، أن المشركين من العرب ونحوهم، كانوا يعلمون أنه لا يجيب المضطر ويكشف السوء إلّا الله وحده، فذكر ذلك محتجاً عليهم في اتخاذهم الشفعاء من دونه، ولهذا قال:"أإله مع اللهّ" بالاستفهام الإنكاري، أي ليس إله مع الله يجيب المضطر ويكشف السوء.
الركوع والسجود والنذر لغير الله فالذي يركع أو يسجد لِحَيٍّ أو لميت، أو ينذر لغير الله، كأن ينذر لقبور الأولياء أو الصالحين، أو يذبح لهم، أو للأشجار أو للعيون أو للكهوف أو للمقامات والأضرحة، أو يطوف بقبر نبي أو ولي، كأن يطوف بقبر الرسول، أو بقبر علي بن أبي طالب، أو بقبر الحسن أو الحسين، أو علي بن موسى الرضا، أو عبد القادر الجيلاني، أو البدوي، أو الرفاعي أو زينب أو رقيّة أو يستغيث بهم في الشدائد، كأن يقول: "يا رسول الله أنقذني، يا سول الله فرج عني هذا الكرب، المدد يا عبد القادر يا جيلاني. أو يطلب من غير الله ما لا يقدر عليه إلا الله، كأن يطلب من المخلوق شفاعة عند الله، أو مغفرة للذنوب، أو تحصيلًا للجنة أو نجاةٍ من النار، أو أن يرزقه ولداً، أو أن يطلعه على الغيب، أو نحو ذلك من الأمور التي ليست في قدرة المخلوق أن يفعلها. فإنه يكون بكل فعل من هذه الأفعال مشركاً بالله العظيم شركاً أكبر، لا يغفر الله له إلّا أن يتوب. لقوله تعالى:
أمّا ما كان في إمكان المخلوق الحي، فلا بأس بأن يستعين به، مثل أن يطلب منه أن يعينه في قضاء حاجة، أو إنقاذٍ من غرق أو حريق أو ما سوى ذلك.
الأمر لله وحده والمخلوق عاجز هذا وقد أكثر الله في كتابه المجيد من الآيات الآمرة بعبادته وحده ودعائه وحده. كما قال الله:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21]
وقال الله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: 36]
وقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]
وقال مبيناً عجز تلك الآلهة التي عبدها المشركون من أن تجلب لهم نفعاً، أو تدفع عنهم ضراً، بل ولا تدفع عن نفسها فضلا عن غيرها:
وقال مبيناً أن النفع والضر بيده لا بيد غيره: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس: 107]
وأخبر الله سبحانه وتعالى أنه يبكَت النصارى ويوبخهم على عبادتهم للمسيح:
{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ - مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 116 - 117] فانظروا كيف يتبرأ المسيح من عبّاده النصارى ويقول: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة: 117] !! .
والله يعلم أن المسيح لم يأمر بعبادته، ولا يرضى بذلك،
ولكن يريد الله من هذه الآيات أن يبين للناس أن عبادة المسيح الذي هو من الأنبياء المرسلين لا تجوز، بل ويكون شِرْكاً، فكيف بعبادة غيره من الأولياء، ومن الأشجار، ومن الأحجار والكهوف، والمقامات؟
ألم يسمع دعاة غير الله قول الله مخاطباً لسيد العالمين: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 17]
فإذا كان الضر النازل بالرسول لا يستطيع أن يدفعه، فكيف يستطيع الرسول بل ومن هو دونه أن يدفع ضراً نزل بغيره؟!!
ألم يسمع هؤلاء قول الله العظيم: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 80]
ألم يشرك اليهود والنصارى باتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، كما قال تعالى: