الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث السيرة النبوية المدمجة ضمن المصنفات التأريخية
مدخل:
أرسى المسلمون في مطلع القرن الثالث الهجري الأسس والثوابت الأولى للكتابة التأريخية المنسقة والمرتبة الخاضعة لمنهج دقيق «1» . كانت السيرة النبوية إحدى الفقرات التي شملتها الكتابة التأريخية، إذ تشعبت المحاور التي دخلت فيها السيرة النبوية ضمن المصنفات التي شملها هذا التطور، إذ لم يقتصر المهتمون بكتابة السيرة على إفراد مصنفات مستقلة لها حسب، بل حاولوا إدخالها في مصنفات أعم وأشمل من جعلها في مصنف مستقل. يشعر القارئ لهذه المصنفات بأن السيرة النبوية تتسم بالانعزالية والاجتزاء عن باقي الحوادث التأريخية سواء التي سبقتها ام التي لحقتها هذا من جانب، ومن جانب آخر حاول بعض هؤلاء المهتمين بسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جعلها القدوة والمثال لباقي الشخصيات التي سارت ضمن فلكها فضلا عن كون هذه الشخصية الأساس أو المنهل الذي نهلت منه باقي الشخصيات وبنت عليه أسسها سواء أكانوا خلفاء أم علماء أسهموا في إكمال رسالة الإسلام، فكانت سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حافزا للمصنفين
(1) جب، دراسات في حضارة الإسلام، ص 153، مرجليوث، دراسات عن المؤرخين العرب، ص 115.
الذين كتبوا في هذه الجوانب «2» ، إن دل هذا الأمر على شيء إنما يدل على عدّ حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مرحلة انتقالية أو حقبة حضارية وّلدت نوعا من الشعور الجماعي لدى المسلمين بعامة، والعرب بخاصة إلى عد أنفسهم أمة واحدة لها تأريخ مشترك، فضلا عن عدّ مرحلة الدعوة الإسلامية النقلة النوعية لهم بعد ما كانوا قبل ذلك أقواما وقبائل شتى ينتمي كل فرد منهم بولائه إلى قومه وقبيلته «3» .
ولأجل هذا كله تنوعت الاتجاهات التي أدخل المؤرخون فيها سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضمن مصنفاتهم، فضلا عن جعلها ضرورة لازمة عند معظمهم، وهذا يعدّ تطورا ملحوظا وجوهريا في كتابة السيرة، ولم يقتصر هذا الأمر على ذلك حسب، بل تعداه إلى الإسهام في تطور كتابة السيرة ضمن هذه المصنفات وتأثيرها في باقي المصنفات الأخرى المخالفة لها في الأسلوب والمنهج وطريقة العرض، حيث تطورت كتابة السيرة لأجل ذلك تطورين: تطور أفقي شمل إدخال السيرة ضمن مصنفات جامعة وغير مقتصرة على جانب واحد، وتطور عمودي باستعمال المناهج والمناحي التي اتبعها المؤرخون في هذه المصنفات، وجعل سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضمن المحاور التي شملتها تلك المناهج والمناحي.
(2) ينظر، الدوري بحث في نشأة علم التأريخ عند العرب، ص 57.
(3)
ينظر، المدني، التأريخ العربي ومصادره، 2/ 174، 190- 191.