الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني السيرة النبوية المدمجة ضمن كتب الطبقات والتراجم
مدخل:
قبل البدء بالحديث عن هذا التطور في كتابة السيرة النبوية، وذلك بإدخالها في كتب الطبقات والتراجم، نرى من الضروري التعرض إلى معرفة مدلولي الطبقات والتراجم، وذلك بإعطاء لمحة موجزة عن معانيهما ونشأة الكتابة فيهما والمؤثرات التي أثرت في ظهور هما.
دل مصطلح الطبقة على معان عدة، والذي يهمنا منها هو ما دل على أن (الطبقة) هي الجماعة من الناس الذين يعدلون جماعة مثلهم «1» .
تناول أحد الباحثين هذا المدلول من حيث نشأته وتطوره واستعمالاته في المصنفات التي ترجمت لأعلام المسلمين «2» ، وبحث آخر استعمالات هذا المدلول ومدى عمق جذوره عند المسلمين فخرج بنتيجة مفادها: " وتقسيم الطبقات إسلاميا أصيل فقد يبدو أنه أقدم تقسيم زمني وجد في التفكير التأريخي الإسلامي وليس له أية علاقة بالأصل بطريقة الترتيب تبعا للسنين التي كانت مألوفة في تقاليد التراجم الأغريقية
…
إن تقسيم الطبقات هو نتيجة طبيعية لفكرة (صحابة الرسول) والتي تطورت في أوائل القرن الثاني الهجري للارتباط
(1) ينظر، ابن منظور، لسان العرب، مادة (طبق) ، 10/ 211، الزبيدي، تاج العروس، مادة طبق، 6/ 414.
(2)
ينظر، العمري، مقدمة تحقيق كتاب (الطقات) ، لخليفة بن خياط، مطبعة الاداب، ط 1، 1967، ص 46- 51.
مع نقد علم الحديث للإسناد
…
ومما يؤيد الصلة بين تقسيم الطبقات وعلم الحديث هو اقتصار استعمالها على التراجم، فقد استعمل ترتيب الطبقات في أول الأمر
…
ثم أصبح بالإمكان استعمالها في تصنيف أنواع الرجال خاصة العلماء ثم استعملت على مر الزمن بشكل غير ملائم بتصنيف الأحداث" «3» .
من هذه النتيجة التي توصل إليها روز نثال نجد أن مصطلح الطبقة قد مر بمراحل عدة من الاستعمال في المصنفات التي عرضت تراجم الصحابة والرواة والمحدثين وغيرهم من الأعلام. أما لفظة التراجم فهي كلمة معربة دخيلة وتأريخ دخولها إلى الاستعمال في كتب التراجم فيرجح أنه جرى في أوائل القرن السابع الهجري، في حين انهم كانوا يستعملون لفظة التأريخ في عنوانات كتبهم بدلا من التراجم وذلك في القرون الأولى «4» .
وفن التراجم هو الذي يتناول التعريف بحياة رجل أو أكثر، وهذا الفن على نوعين: ذاتي. والذاتي يتناول فيه الكاتب تأريخ حياته، وثانيهما ما يعرف فيه كاتب أحدا غيره. وفن التراجم قديم عند كثير من الأمم وقد أزدهر ازدهارا عظيما عند المسلمين منذ العصور الإسلامية الأولى، وكانت سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أوائل ما عني به المؤرخون المسلمون منذ نهاية القرن الهجري الأول، وقد ظهرت لديهم كتب في التراجم تعرف بالاخرين «5» ، وهي الكتب
(3) روز نثال، علم التأريخ عند المسلمين، ص 33- 34.
(4)
ينظر، العمد، هاني، دراسات في التراجم والسير، دار عمار، الأردن، ط 1، 1986، ص 12- 15.
(5)
عفيفي، تطور التفكير العلمي عند المسلمين، ص 309.
التي تعرض حياة الأشخاص كالرواة والمحدثين وغيرهم على وفق تسلسل أبجدي «6» .
ونلمس عند أحد الباحثين إيضاحا لما يتداخل بين هذين المصطلحين من معنى مع إعطائه مقياسا للتفرقة بين كتب الطبقات والتراجم، إذ يقول:" وليس هناك فروق بين كتب الطبقات عموما سوى الترتيب، فبينما الأولى رتبت ترتيبا زمنيا طبقة فطبقة، نجد أن كتب التراجم رتبت حسب الألفباء في الأغلب الأعم"«7» .
كان وراء هذا الاتجاه في الكتابة عند المسلمين [كتابة الطبقات والتراجم] عاملان أساسيان هما:
1.
كتابة السيرة والمغازي النبوية، إذ أدى الاهتمام بهما إلى ظهور الحاجة الى جمع المعلومات لمن يرد ذكره من صحابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أثناء عرض سيرته الشريفة، ومتابعة حياة هؤلاء الصحابة (رض) ودورهم في أحداث عصرهم وإسهاماتهم المعرفية والفكرية في نقل السنة ومبادئ الإسلام وتعاليمه للجيل الذي تلاهم، ومن ثم تصنيفهم على وفق أسبقيات معينة كالسبق إلى الإسلام، أو درجة القرابة من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أو بحسب دخولهم البلدان واستيطانهم فيها وغير ذلك مما يجمع الأشخاص في صفة معينة مشتركة تصلح أداة في التقسيم «8»
(6) ينظر، حاطوم، مدخل إلى لتأريخ، ص 276.
(7)
معروف، بشار عواد، مظاهر تأثير علم الحديث في علم التأريخ عند المسلمين، مجلة الأقلام، السنة الأولى، العدد 5، 1965، ص 5.
(8)
ينظر، هوروفتس، المغازي الأولى، ص 131- 132.
2.
تطور ونمو علم الحديث، إذ بمجرد أن مرت القرون على الإسلام متمثلة بعصر الرسالة والعصر الراشدي والأموي والعباسي وما رافق هذه العصور من حوادث وأمور وفرق ومذاهب واتجاهات فكرية، أدت هذه الأمور مجتمعة إلى ظهور حركة الوضع في الحديث النبوي فضلا عن أن بواعث البحث والتمحيص في مسائل التفسير والحديث والنحو هي التي حدت العلماء على تدوين سير الرواة والنظر في أسانيدهم وتراجمهم وأحوالهم حتى أصبح من شروط الاجتهاد في الفقه والتفسير معرفة الأخبار بمتونها وأسانيدها والإحاطة بأحوال النقلة والتحقق من سنوات ولادتهم ووفاتهم واعتماد بعضهم على بعض في الرواية، ومن ثم معرفة مدى صدقهم والطعن الذي وجه إليهم، الأمر الذي أدى إلى ظهور علم الجرح والتعديل الذي اختص بالبحث عن الرواة من حيث ما ورد من شأنهم بما يشينهم أو يمدحهم أو يزكيهم فضلا عن ذكر نماذج من مروياتهم، هذه الأسباب مجتمعة جعلت العلماء يقسمون رواة كل فن إلى طبقات، فنجد من ذلك التراجم للعلماء والأدباء والفقهاء والنحاة والمفسرين والصوفية وغيرهم «9» .
هذه لمحة بسيطة وموجزة عن العوامل والمؤثرات التي أدت إلى ظهور هذه المصنفات في التراث الفكري العربي الإسلامي والتي بينت لنا الاتساع والتطور الذي أحدثه المسلمون في مجال الكتابة العلمية المنهجية ذات البعد الحضاري العميق للإسلام ولرجالاته.
(9) ينظر، عفيفي، تطور الفكر العلمي عند المسلمين، ص 310، العمري، أكرم، بحوث في تدوين السنة المطهرة، ص 41- 92.
كانت هذه المصنفات ذات تنوع في طريقة العرض، ولأجل هذا التنوع أفردنا كل قسم منها على حدة للتركيز في هذه الفكرة وعدم التشتت في إعطاء النتائج المتمخضة عن دراسة هذه المصنفات والاراء التي قيلت فيها:
أولا: كتب الطبقات:
شملت هذه الكتب مصنفات عدة اختلفت بينها من حيث الأشخاص الذين ترجمت لهم في طياتها والذين تشابهوا واشتركوا بصفة معينة أو أكثر لذا سميت هذه المصنفات ب [كتب الطبقات] ، وأقدم من صنف في هذا المجال من العلماء المسلمين هو الهيثم بن عدي (ت 206 هـ) *، إذ صنف كتابين: الأول أسماء (طبقات من روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الصحابة) ، والثاني (تسمية الفقهاء والمحدثين)«10» ، وشاركه في التصنيف محمد بن عمر الواقدي (ت 204 هـ) في كتابه الذي أسماه (الطبقات)«11» ، وقد بقيت نصوص من هذا الكتاب عند تلميذه ابن سعد في كتابه الطبقات «12» .
وقد وصل إلينا قسم من هذه المصنفات، وقد تنوع فيها الحيز الذي شغلته سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من حيث عدد الأوراق، ومع اختلاف بيّن في الأسلوب الذي كتبت فيه هذه المصنفات، وهي بحسب الترتيب التأريخي لها:
(*) هو الهيثم بن عدي بن عبد الرحمن الثعلبي ولد في الكوفة قبل سنة 130 هـ وعاش في واسط ونشأبها وكان من المهتمين والمطلعين على أنساب العرب وقبائلهم فضلا عن تأريخ المسلمين وحوادثهم، ينظر، ابن النديم، الفهرست، ص 12، 14، 50- 54.
(10)
ينظر، المصدر نفسه، ص 144، 146.
(11)
ينظر، المصدر نفسه، ص 144.
(12)
هوروفتس، المغازي الأولى ومؤلفوها، ص 128.
1.
الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد (ت 230 هـ) :
هو محمد بن سعد بن منيع الزهري الهاشمي البصري، ولد في البصرة سنة (118 هـ) ، ثم انتقل إلى بغداد ولازم دار شيخه محمد بن عمر الواقدي، وسمع منه معظم كتبه ودونها عنه حتى أطلق عليه كاتب الواقدي، وقد نال ابن سعد مكانة سامية في نفوس العلماء وحصل على ثقتهم لدقته العلمية وحرصه الشديد على إتباع أساليب المحدثين في كتاباته ورواياته، وتوفي ابن سعد في بغداد سنة (230 هـ)«13» .
خصص ابن سعد حيزا كبيرا من كتابه الطبقات لسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأحواله «14» حتى عدّت هذه السيرة التي تضمنها هذا الكتاب من الأصول المهمة لقدمها وقرب عهدها من عصر الرسالة «15» .
شكل هذا الحيز الكبير حافزا لابن سعد على تبني منهج جديد ومتطور يتناول فيه سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأسلوب مغاير لما ألفته مصنفات عصره، وهذا المنهج قد تمثل بجوانب عدة مهمة أسهمت في بلوغ السيرة مكانة بارزة بين المصنفات الأولى لسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم «16» ، وهذه الجوانب هي:
1.
التقاء نشاط المحدثين والإخباريين والنسابة في كتابة سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وانصهار تجاربهم في هذا المجال ضمن مصنف ابن سعد هذا «17» ، وما ذلك إلا لورود تراجم عديدة للذين شاركوا في حوادث السيرة أو الذين رووا أخبارها،
(13) ينظر، الخطيب البغدادي، تأريخ بغداد، 5/ 321- 322، ابن خلكان، وفيات الأعيان، 4/ 351.
(14)
ينظر، الطبقات الكبرى، مج 1/ ق 1/ 1- مج 2/ ق 2/ 98.
(15)
ينظر، هوروفتس، المغازي الأولى ومؤلفوها، ص 128- 132.
(16)
المصدر نفسه، ص 92- 93.
(17)
عباس، إحسان، مقدمة تحقيق كتاب الطبقات لابن سعد، دار صادر، 1967، 1/ 10.
إذ وصف أحد الباحثين هذا العامل في كتابه الطبقات، بأنه:" محور وفلسفة جديدة تدل على معيار الشمولية في فهم التأريخ"«18» .
علل الدوري منحى ابن سعد هذا بأنه أراد تسليط الضوء على تراجم مصنفي كتب الأيام والمغازي والفتوح ومساعدة المحدثين في تحقيق أسانيد الروايات التي ترد إليهم بتقسيم طبقات المحدثين على وفق مدنهم، مما يتبين أن دراسة الحديث في التأريخ قد أخذت في البروز تدريجيا عند العلماء «19» .
أراد ابن سعد من وضعه ترجمة موسعة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في بداية كتابه هذا لتبيان علاقة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بصحابته وأثر هؤلاء في أحداث عصرهم، ومن ثم التعرف إلى من سار على منوالهم من الذين تتلمذوا عليهم وسمعوا منهم، وجعل سير هؤلاء مجتمعة مقياسا تعرف به عدالة وثقة كل راو منهم، وإلا فبماذا نعلل ورود تلك القوائم الهائلة من الأعلام على وفق البلدان وأسماء الصحابة الذين نزلوا في تلك البلدان وأسماء من رووا عنهم من الناس «20» ؛ غير تعرف الخبر الصادق من الخبر الكاذب الذي رواه الرواة وذلك بالاطلاع على علاقة الصحابة واتصالهم بجمهور المسلمين ومعرفة من روى عنهم، لتكون السيرة التي شملها هذا الكتاب العامل المباشر في ظهور تلك التراجم بأسماء الصحابة ومن تلاهم.
(18) ناجي، عبد الجبار، إسهامات مؤرخي البصرة في الكتابة التأريخية حتى نهاية القرن الرابع الهجري، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1990، ص 54.
(19)
ينظر، بحث في نشأة علم التأريخ عند العرب، ص 31- 32.
(20)
ينظر، الطبقات، 2/ 2/ 98- 135، 5/ 1- 143، 6/ 1- 391، 7/ 1/ 1- 119، 2/ 1- 307.
2.
تخصيص فصول مستقلة للجوانب الشخصية من حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، مثل أسمائه وكنيته «21» ، ومقتنياته الخاصة «22» ، فضلا عن عرض الجوانب الروحية لهذه الشخصية المباركة، مثل دلائل نبوته والمعاجز التي بدرت منه فضلا عن ذكر فضائله والسمات التي أتصف بها «23» .
كانت هذه الجوانب التي ذكرها في كتابه هذا مجرد روايات متناثرة هنا وهناك متباعدة في بطون الكتب التي تعرض سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قبل ابن سعد، ولا سيما عند شيخه الواقدي «24» ، ولأجل ذلك عدّ عمله هذا من قبل بعض الباحثين الركيزة الأولى التي وضعت لنشوء المصنفات التي كتبت عن دلائل وأعلام النبوة، وشمائل وأخلاق النبي «25» ، فهو بهذا الأمر قد وضع الخطوط الأخيرة لهيكل السيرة، إذ ذهب أبعد من سابقيه في تنظيم مادته وتبويبها، وفي إعطاء مجموعة أو فى من الوثائق مع إفراد أبواب منفصلة ومتعددة لم تكن معروفة سابقا، مما حدا التواريخ التي تعرض سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعده على أن تتبع الخطة نفسها التي سار عليها ابن سعد في إثبات معلوماته «26» .
3.
التركيز في حوادث عصر الرسالة وتفاصيلها عند عرضه حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وجعل أسبقيات الحوادث على وفق أهميتها، وهذا ما يفسر لنا
(21) ينظر، الطبقات الكبرى، مج 1/ ق 1/ 64، 66.
(22)
ينظر، المصدر نفسه، 1/ 2/ 157- 186، 2/ 2/ 30، 59، 63.
(23)
ينظر، المصدر نفسه، 1/ 2/ 97- 130.
(24)
ينظر، المغازي 1/ 93- 94، 97- 98، 107، 125- 127، 323- 324.
(25)
هوروفتس، المغازي الأولى ومؤلفوها، ص 128، الدوري، بحث في نشأة علم التأريخ عند العرب، ص 32.
(26)
الدوري، المصدر نفسه، ص 32.
تقديمه الحديث عن بعض الحوادث التي حصلت في السنوات الأخيرة من حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على أخرى حصلت قبلها بسنوات عدة «27» ، والذي سهل عمله هذا وجعل ترابط الحوادث عنده غير مبعثر هو انتهاجه المنهج الموضوعي في عرض الحوادث من دون البحث عن أسبقية كل حادثة عن أخرى.
علل أحد الباحثين منحى ابن سعد هذا بالقول: " أنه جعل معلوماته متسلسلة تأريخيا بعض الأحيان وفي أحيان أخرى دأب على تقديم هيكل عام للحدث التأريخي"«28» .
4.
الاستفادة من تجارب شيخه الواقدي في تدوين وكتابة حوادث السيرة «29» ، إذ انصهرت معظم مصنفات شيخه في كتابه، وهذا ما بينته كثرة النقول من الواقدي في كتاب ابن سعد هذا «30» .
فضلا عن ذلك فقد أكدت المصادر التي ترجمت لابن سعد صحة هذا الاحتمال، إذ عدّته أحد الأشخاص الأربعة الذين اجتمعت كتب الواقدي عندهم «31» .
(27) ينظر، الطبقات الكبرى، 1/ 2/ 15- 38، 38- 86.
(28)
ناجي، إسهامات مؤرخي البصرة، ص 55- 56.
(29)
صنف الواقدي مصنفات عدة عن بعض جوانب السيرة والحوادث التي رافقتها، إذ ذكرت العديد من المصادر قوائم بأسماء هذه المصنفات، ينظر، ابن النديم، الفهرست، ص 111، ياقوت الحموي، معجم الأدباء، 18/ 282، الصفدي، الوافي بالوفيات، 4/ 29.
(30)
ينظر، الطبقات الكبرى، 1/ 1/ 47، 82، 147، 2/ 4، 120، 2/ 1/ 23، 90، 129.
(31)
ينظر، الخطيب البغدادي، تأريخ بغداد، 5/ 321، ياقوت الحموي، معجم الأدباء، 2/ 127، ابن خلكان، وفيات الأعيان، 3/ 473، ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب، 2/ 69.
أراد ابن سعد بعمله هذا أن يتمثل المصنفات التي أثارت على صاحبها شكوكا واتهامات كثيرة «32» ، وذلك باخراجها في مصنف يحوي هذه الكتب ويطبق فيه قواعد المحدثين بصرامة شديدة ليتلافى بذلك الأخطاء التي وقع فيها شيخه من حيث تسهله في بعض الأخبار، حتى وصف لأجل ذلك بعبارات مناقضة لما وصف به شيخه الواقدي «33» ، فمن هذه العبارات ما ذكره الخطيب البغدادي في ترجمته لمحمد بن سعد حين قال:" محمد بن سعد عندنا من أهل العدالة، وحديثه يدل على صدقه، فإنه كان يتحرى في كثير من رواياته"«34» .
أدت هذه الصرامة الشديدة من قبل ابن سعد في تطبيق قواعد المحدثين في الرواية وتقيده بالإسناد إلى أن جعل كتابه الطبقات بعامة، والسيرة منه بخاصة غفلا من الملاحظات والاراء الشخصية على ما يورده من حوادث وأسماء أشخاص شاركوا فيها أو رووها «35» ، فكان ابن سعد لأجل ذلك مجرد جامع للأخبار وليس ناقدا لها «36» .
كل هذه الأمور مجتمعة جعلت من السيرة التي ضمنها ابن سعد كتابه الطبقات محل إعجاب العلماء، وإعجاب الباحثين أيضا حينما جعلوها من
(32) ينظر، الخطيب البغدادي، المصدر نفسه، 3/ 12- 18، ابن سيد الناس، عيون الأثر، ص 20- 21.
(33)
ينظر، ابن خلكان، وفيات الأعيان، 3/ 473، الصفدي، الوافي بالوفيات، 3/ 88، ابن حجر، تهذيب التهذيب، 9/ 182.
(34)
تأريخ بغداد، 5/ 322.
(35)
هوروفتس، المغازي الأولى ومؤلفوها، ص 130.
(36)
حاطوم، مدخل إلى التأريخ، ص 237.
السير التي أسهمت إسهاما فاعلا في إرساء القواعد النهائية لما كتب بعدها عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم «37» .
2.
الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر الأندلسى*:
خصص ابن عبد البر حديثه في هذا الكتاب- كما هو واضح في عنوانه- عن تراجم صحابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولكنه قدم قبل الحديث عنهم عرضا موجزا لحياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم «38» ، إذ بين ذلك في مقدمته التي افتتح بها كتابه قائلا:" ونبدأ بذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونقتصر من خبره وسيرته على النكت التي يجب الوقوف عليها ولا يليق بذي علم جهلها وتحسن المذاكرة بها لتتسم الفائدة للعالم الراغب والمتعلم الطالب في التعرف بالمصحوب والمصاحب مختصرا ذلك أيضا مغنيا عما سواه كافيا"«39» .
كانت السيرة التي حواها كتاب الاستيعاب بمثابة مدخل لكتابه عرض فيه سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، للتبرك بها وعدّها غاية عليا يطمح جميع المسلمين إلى الاستنان بها، إذ وضحت عبارته التي ختم بها ذكره لسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هذا الأمر، إذ يقول: " وقد أكثر الناس في ذكر من أدخله في قبره وفي هيأة كفنه وفي صفة خلقه وخلقه وغزواته وسيرة مما لا سبيل في كتابنا هذا إلى ذكره، وإنما
(37) ينظر، هوروفتس، المغازي الأولى ومؤلفوها، ص 128، الدوري، بحث في نشأة علم التأريخ، ص 32، ناجي، إسهامات مؤرخي البصرة، ص 54- 56.
(*) تناولها حياته وإسهاماته في كتابة السيرة بالأندلس في ص 93- 94 من هذه الدراسة.
(38)
ينظر، الاستيعاب، 1/ 25- 47.
(39)
ينظر، المصدر نفسه، 1/ 25.
أجرينا من ذكره صلى الله عليه وآله وسلم هاهنا لمعا يحسن الوقوف عليها والمذاكرة بها تبركا بذكره في أول الكتاب" «40» .
كان للحافز الأخلاقي الذي كتبت به هذه السيرة التي تضمنها هذا الكتاب أثر ملموس في جعل هذه السيرة سيرة تقليدية، إذ لم تظهر فيها أي سمة تطورية ضمن كتب الطبقات، ولكن الذي ساعد على ديمومة هذه السيرة ضمن مثل هذه المصنفات هو اتباعه أسلوبا مبسطا ومنهجا موضوعيا في الكتابة كان من نتائجه أن وضع مصادره في بداية كتابه هذا «41» ، إذ حاكى بذلك المسعودي الذي وضع هو الاخر قائمة بأسماء مصادره التي اعتمد عليها في أول كتبه «42» ، مع الإحالة إلى مصنفاته التي توسع في الحديث بها عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في أكثر من مكان من هذا الكتاب «43» .
كان هذا الكتاب مكملا لكتابه الاخر الدرر الذي صنفه بعده، إذ وضح ذلك بقوله:" وهذا كتاب اختصرت فيه ذكر مبعث النبي وابتداء دعوته وأول الأمر في رسالته ومغازيه وسيرته، لأني ذكرت مولده وحاله في نشأته وعيونا من أخباره في كتاب الصحابة"«44» .
ولأجل هذا كله كانت السيرة التي تضمنها كتاب الاستيعاب مجرد مختصر بسيط لبعض جوانب السيرة والهدف منه الحصول على المثوبة والذكر الطيب والصدقة الجارية.
(40) ينظر، المصدر نفسه، 1/ 47.
(41)
ينظر، المصدر نفسه، 1/ 20- 25.
(42)
ينظر، مروج الذهب، 1/ 9- 10، التنبيه والاشراف، ص 4- 5.
(43)
ينظر، الاستيعاب، 1/ 24- 25، 26، 27، 30، 31، 34، 40.
(44)
الدرر في اختصار المغازي والسير، ص 29.
3.
أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري (ت 630 هـ) *:
ثبت ابن الأثير سيرة موجزة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم افتتح بها هذا الكتاب «45» ، إذ سار على منوال من سبقه في إيراد سيرة موجزة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في صدر الكتب التي ترجمت صحابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وذلك لإكمال الحلقة في التعرض للصاحب والمصحوب، وهذا ما أوضحه ابن الأثير في كتابه هذا الذي يقول في مقدمته التي افتتحها بالقول: " ونبدأ بذكر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبركا باسمه وتشريفا بذكره المبارك لأن معرفة المصحوب ينبغي أن تقدم على معرفة الصاحب وإن كان اظهر من أن يعرف
…
" «46» ، ويختم هذه السيرة قائلا:
" فهذا القدر كاف ولو ربما شرح أحواله على الاستقصاء لكان عدة مجلدات وفي هذا كفاية للمذاكرة والتبرك فلا نطول فيه والسلام"«47» .
كانت هذه السيرة مثل سابقتها التي وردت في الاستيعاب والتي انعدم فيها التطور والتجديد في الكتابة لأن الطابع الذي كتبت فيه ليس طابعا علميا بل كان طابعا عاطفيا وهذا الطابع يكون تقليديا صرفا لأن الموضوع لا نلمس فيه جهدا ملحوظا سوى تطبيق أساليب ومناهج سابقة على موضوع كثرت فيه الكتابات (سيرة الرسول) حتى وصلت حد التخمة في عصره، ولكن الذي لمسناه في هذه السيرة التي ضمنها ابن الأثير في كتابه هذا مخالفة واضحة لما نهجه
(*) تناولنا في الصفحات السابقة من البحث عرض بسيطا لأحوال ابن الأثير الجزري ودوره في كتابة السيرة، ينظر، ص 142- 143 من البحث.
(45)
ينظر، أسد الغاية، 1/ 12- 34.
(46)
ينظر، المصدر نفسه، 1/ 12.
(47)
ينظر، المصدر نفسه، 1/ 34.
من أسلوب في عرض مضامين كتابه الكامل في التأريخ ولا سيما قسم السيرة منه، إذ وضح هذا الاختلاف بنقاط عدة هي:
1.
إن السيرة التي تضمنها كتاب أسد الغابة قد كان الهدف من إثباتها هو هدف أخلاقي القصد منه التبرك بعكس ما أراده في كتابه الكامل الذي خصص فيه حيزا كبيرا لسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم «48» وذلك لأنها شغلت حقبة تأريخية مهمة من تأريخ العالم، ولكنه اعتمد في ذلك على ما كتبه الطبري عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فكانت السيرة التي حواها هذا الكتاب مجرد تهذيب لها «49» .
2.
الاعتماد على موارد لم يعتمد عليها في كتابه الكامل، إذ كان الطبري وما كتبه في تأريخه هو المعول عليه عنده كما وضحته مقالته التي افتتح بها كتابه هذا «50» ، أما في كتابه أسد الغابة فقد عرض مصادره في بداية كتابه والتي لم يظهر فيها أي ذكر لتأريخ الطبري الذي اعتمد عليه في كتابه الكامل، إذ شملت على الصحاح والمسانيد والسنن وكتب المغازي وغيرها «51» ، واعتمد أيضا على روايات شفوية لبعض مشايخه وذلك في مواطن عدة من هذه السيرة «52» ، فضلا عن اعتماده على طريق مخالف للطريق الذي سلكه في كتابه الكامل للوصول إلى سيرة ابن إسحاق، إذ كان طريق الطبري المشهور إلى سيرة ابن إسحاق
(48) ينظر، الكامل في التأريخ، 2/ 239- 3/ 217.
(49)
ينظر، المصدر نفسه، 1/ 5.
(50)
ينظر، المصدر نفسه، 1/ 5.
(51)
ينظر، أسد الغاية، 1/ 8- 11.
(52)
ينظر، المصدر نفسه، 1/ 20، 21، 24، 25، 33.
بوساطة شيخه سلمة بن الفضل «53» ، أما الطريق الذي سلكه ابن الأثير فقد كان بوساطة يونس بن بكير «54» .
بين هذا الأمر استقلالية ابن الأثير في تصنيفه لكتابه أسد الغابة من حيث الموارد والمنهج عن كتابه الكامل في التأريخ ولا سيما قسم السيرة منه، وإن لم يأت بشيء جديد فيه، ولكن الطريقة التي عرض فيها السيرة ضمن مصنفين من مصنفاته جعلنا نعقد مقارنة بين ما كتبه في كل واحد منهما عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
كل هذه الأمور أدت بطبيعة الحال إلى أن تكون ملامح السيرة المثبتة في كل من هذين الكتابين مغايرة للأخرى، وجاءت بعض الروايات مختصرة عن سابقتها التي وردت في كتاب الكامل في التأريخ «55» .
بعد هذه المقارنة بين هذين الكتابين نرى أن كلا منهما لم يرتبط بالاخر ولم يكن مكملا له بل كان كل واحد من هذين الكتابين ولا سيما في قسم السيرة منهما مستقلا عن الاخر، ومن ثم فإن ابن الأثير بتضمينه سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في كتابه هذا قد كان آخر من حاول تضمين سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضمن كتب الطبقات، حتى أن المصادر التي تأخرت عنه والتي كتبت في الموضوع نفسه (الطبقات) قد أغفلت إيراد سيرة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في بدايتها «56» .
(53) ينظر، تأريخ الرسل والملوك، 2/ 3.
(54)
ينظر، أسد الغاية، 1/ 11.
(55)
ينظر، المصدر نفسه، 1/ 15، 20، 22، 23، 24- 25، 27- 28، 29- 30.
(56)
ينظر، ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، 1/ 5.
هذه هي ثلاثة نماذج من كتب الطبقات التي استعرضت سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مصحوبة بتراجم الأشخاص الذين صاحبوه والذين أتوا بعده، مع الإشارة إلى أن هذه الكتب لم تكسب السيرة تطورا يذكر الا اذا عددنا سحب السيرة من كونها مستقلة او ضمن كتب التاريخ العام، ودمجها في كتب تراجم الصحابة نوعا من التطور.
بقي أن نذكر أن كتب الطبقات لم تكن مقتصرة على شريحة كبيرة من الناس متمثلة بصحابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو تابعيهم، بل تعدت ذلك الى التخصص في الترجمة للأئمة الإثني عشر من أهل البيت عليهم السلام ، أو في الترجمة للأصفياء والصالحين، أو في الترجمة للخلفاء الراشدين وخلفاء بني أمية وبني العباس، وكتب الطبقات هذه شملت:
أ. أئمة أهل البيت عليهم السلام :
والتخصص في كتابة ترجمة للأئمة عليهم السلام قد شمل جماعة من المصنفين جعلوا سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في بداية كتبهم، وقد وصلت الينا مصنفات عدة كتبت في هذا الجانب هي:
1.
إعلام الورى بأعلام الهدى للفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 هـ) :
2.
كانت المصنفات التي سبقت مصنف الطبرسي هذا والتي شاركته في الموضوع قد أغفلت كتابة سيرة مستقلة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم «57» ، إذ استغرب الطبرسي من ذلك حتى أوضحت مقدمة كتابه هذا الأمر: " إذ كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الشجرة وهم أغصانها والدوحة وهم افنائها ومنبع العلم وهم عيبته ومعدن الحكم وهم خزانته
…
فهو أولى أن يقدم في الذكر وتبيين آياته الناطقة برسالاته وأعلامه الدالة على نبوته ومعاجزه
…
" «58» ، ولأجل ذلك افتتح كتابه بعرض موسع لسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شغلت حيزا كبيرا منه قياسا بحجم باقي الكتاب الذي خصص للحديث عن حياة الأئمة عليهم السلام «59» ، مع العلم إنه قد أراد اختزالها إلى أقل حد ممكن كما أشار إلى ذلك في مواطن عديدة من هذا الكتاب «60» .
اصبح منحى الطبرسي هذا سنة اتبعها كل من حاول الكتابة والتصنيف في حياة الأئمة وأحوالهم وذلك بالافتتاح بذكر سيرة الرسول وأحواله «61» .
(57) ينظر، الشيخ المفيد، محمد بن محمد النعمان، (ت 412 هـ) ، الإرشاد إلى معرفة حجج الله على العباد، تحقيق، علي أكبر بخاري، المكتبة العلمية، طهران، 1389 هـ، ص 9.
(58)
ينظر، أعلام الورى، ص 11- 12.
(59)
ينظر، المصدر نفسه، ص 12- 154.
(60)
ينظر، المصدر نفسه، ص 27- 30، 31، 41، 46.
(61)
ينظر، ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، 1/ 13- 244، الأربلي، كشف الغمة في معرفة الأئمة، المطبعة الحيدرية، النجف، ط 2، 1972، 1/ 6- 36.
ومن هنا نرى أن الطبرسي بمنحاه هذا قد إتجه إلى إدخال السيرة النبوية في مصنفات لم يسبقه إليها أحد، ونتيجة لعمل الطبرسي الرائد هذا ظهرت في السيرة التي كتبها ملامح تجديدية نستطيع عدّها جوانب تطورية في كتابة السيرة ضمن مصنفات (سير الأئمة) وهذه الملامح أو الجوانب التطورية هي:
1.
الاعتماد على مصادر لم يعتمد عليها سابقوه من كتاب السيرة بعامة، وهذه المصادر تمثلت بالمصنفات التي كتبها إبان بن عثمان البجلي (ت 153 هـ) *، عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأحواله، والتي ذكرتها المصادر التي ترجمت لهم. فالطبرسي بهذا العمل قد حفظ لنا نصوصا من كتب أغفل الذين سبقوه النقل منها في السير التي كتبوها، وكانت هذه النقول من الكثرة بمكان حتى شملت معظم أجزاء السيرة التي افتتح بها الطبرسي كتابه تيمنا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «62» .
ويعدّ اعتماد الطبرسي على تلك المصنفات راجعا إلى أنه أخذ من موارد توافقه في الميول والاتجاهات، فهو بعمله قد اقتبس من مصنفات لم تشتهر عند عموم المسلمين كقريناتها الأخرى لتباين وجهات النظر بين مصنفيها في بعض المسائل التي اختلفت الاراء فيها، وقد وجدت هذه الاراء بعض المواطن لها بين طيات السيرة التي تضمنها هذا الكتاب «63» .
(*) أبان بن عثمان الأحمر الكوفي، أحد الرواة المشهورين عن الائمة جعفر بن محمد الصادق وموسى الكاظم عليهم السلام ، وله كتاب يجمع المبتدا والمبعث والمغازي والوفاة والسقيفة والرّدة، ينظر القهبائي، زكي الدين ابن شرف، مجمع الرجال، اصفهان، 1384 هـ، 1/ 24- 27.
(62)
ينظر، أعلام الورى، ص 14، 20، 21- 24، 42، 47، 48، 49، 58، 65، 66- 71، 79- 82، 91، 138، 140، 142.
(63)
ينظر، المصدر نفسه، ص 31.
مع هذا كله فالطبرسي لم يجعل من هذه المصادر التي اتفقت معه في الاراء والمشارب حكرا على كتابه بل كانت هناك نقول من مصادر أخرى وجدت لها مكانا طيبا في هذا الكتاب «64» .
2.
حوى كتابه على بعض الردود والمحاججات الكلامية مع أصحاب الملل المنكرة للنبوة ولمعاجز الرسول صلى الله عليه وآله وسلم «65» ، حتى اضطر إلى قطع هذه المحاججات والردود- كما أشار إلى ذلك- خوفا من الإطالة في إيرادها إذ قال:" ولو ذهبنا لضبط ما سطره المتكلمون في هذا الباب من الكلام وما فيه من السؤال والجواب لطال به الكتاب وفي ما ذكرناه هاهنا مقنع وكفاية لذوي الألباب"«66» .
هذه هي الجوانب التي لاحظ البحث أنها إضافات أدخلها الطبرسي على كتابة السيرة النبوية جنبا إلى جنب سير الأئمة عليهم السلام .
2.
مناقب آل أبي طالب لأبي جعفر محمد بن علي بن شهر آشوب (ت 588 هـ) :
هو أبو جعفر رشيد الدين السروي من كبار أعلام الشيعة الإمامية وعلمائهم، ومن الذين كان لهم الباع الطويل في علوم القرآن والغريب والنحو حتى قيل فيه: ابن شهر آشوب عند الشيعة كالخطيب البغدادي عند أهل السنة «67» .
(64) ينظر، المصدر نفسه، ص 15، 16، 24- 26، 48، 50، 57، 63، 73، 78، 130.
(65)
ينظر، المصدر نفسه، ص 28- 31.
(66)
ينظر، المصدر نفسه، ص 31.
(67)
ينظر، القمي، عباس، الكنى والألقاب، مطبعة العرفان، صيدا، 1357 هـ، 1/ 321- 322.
صنف ابن شهر آشوب كتابه المناقب على غرار كتاب الطبرسي آنف الذكر بل كان الأخير أحد مصادره «68» ، إذ خصص قسما كبيرا من هذا الكتاب للحديث عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأحواله «69» .
أسهمت هذه السيرة التي تضمنها هذا الكتاب في تطور ملحوظ بكتابة السيرة ضمن كتب سير الأئمة، وذلك للمنحى المغاير الذي إنتهجه في عرضها والذي خالف فيه سابقه الطبرسي عند عرضه لسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، إذ تمثل هذا المنحى بجوانب عدة هي:
1.
إن المقاصد والغايات التي كتب بها ابن شهر آشوب السيرة في كتابه هذا هي مقاصد وأهداف كان وراءها حافز عقائدي تمثل بدحض بعض الاراء والأفكار التي أثيرت على طائفته، فضلا عن تصحيح بعض الأخطاء التاريخية الشائعة في نظره، كما أشار إلى ذلك في مقدمة كتابه التي افتتحها بالقول: " لما رأيت كفر العداة والشراة بأمير المؤمنين ووجدت الشيعة والسنة في إمامته مختلفين وأكثر الناس عن ولاء أهل البيت ناكصين وعن ذكرهم هاربين وفي علومهم طاعنين ولمحبتهم كارهين انتبهت من نومة الغافلين، فصار لي ذلك لطفا في كشف الأحوال والنظر في اختلاف الأقوال
…
فنظرت بعين الأنصاف ورفضت مذهب التعصب في الخلاف وكتب على نفسي أن أميز الشبهة من الحجة والبدعة من السنة وأفرق بين الصحيح والسقيم والحديث والقديم وأعرف الحق من الباطل والمفضول من الفاضل وانصر الحق وأتبعه وأقهر الباطل
(68) ينظر، مناقب آل أبي طالب، 1/ 12.
(69)
ينظر، مناقب آل أبي طالب، 1/ 13- 244.
وأقمعه وأظهر ما كتموا، وأجمع ما فرقوا، واذكر ما أجمع عليه واختلفوا فيه على ما أدته الرواية وأشير إلى ما رواه الخاصة
…
فاستصوبت من عيون كتب العامة والخاصة معا لأنه إذا أتفق المتضادان في النقل على خبر فالخبر حاكم عليهما، وشاهد للمحق في اعتقاده منهما وإذا اعتقدت فرقة خلاف ما روت ودانت بضد ما نقلت وأخبرت" «70» ، فضلا عن وجود بعد أخلاقي وديني في الكتاب وذلك في قوله: " ونظمته للمعادي لا للمعاش، وأدخرته للدين لا للدنيا.
فاسأل الله (تعالى) أن يجعله سبب نجاتي وحط سيئاتي ورفع درجاتي انه سميع مجيب" «71» .
أما الطبرسي فقد كانت غايته أخلاقية بالدرجة الأولى كما وضحت ذلك مقدمة كتابه «72» .
2.
عقد ابن شهر آشوب في بداية كتابه مبحثا مستقلا عرض فيه مصادره التي اعتمد عليها في كتابه «73» ، وهذا يعدّ تبويبا منهجيا متطورا للكتاب وفصوله بعكس ما نهجه الطبرسي حين أورد المصادر جنبا إلى جنب مع الروايات التي أثبتها في كتابه «74» ، علما أن هناك ظاهرة وجدت في بعض المصنفات التأريخية التي كتبت في القرنين الخامس والسادس الهجريين، وهي كتابة ثبت بأسماء
(70) المصدر نفسه، 1/ 2- 6.
(71)
المصدر نفسه، 1/ 13.
(72)
ينظر، إعلام الورى، ص 11- 12.
(73)
ينظر، مناقب آل أبي طالب، 1/ 6- 13.
(74)
ينظر، إعلام الورى، ص 11- 12.
المصادر المعتمدة في بداية الكتب «75» ، واستمرت هذه الظاهرة حتى وقت متأخر «76» .
3.
عرض ابن شهر آشوب في هذه السيرة الأشعار التي قيلت في حوادث السيرة «77» ، إذ أشار في بداية كتابه إلى هذا المنحى قائلا:" ثم وشمت هذه الأخبار بشواهد الأشعار"«78» ، أما الطبرسي فقد كانت الشواهد الشعرية التي ذكرها في سيرته للرسول صلى الله عليه وآله وسلم قليلة اذا ما قورنت بالاشعار التي ذكرها ابن شهر آشوب «79» .
هذه هي أوجه الاختلاف بين منحى كل من ابن شهر آشوب والطبرسي في كتابة السيرة النبوية ضمن كتب سير أئمة أهل البيت عليهم السلام .
لم تقتصر السيرة التي كتبها ابن شهر آشوب على هذه المحاور التقليدية والمألوفة في المصنفات العديدة التي سبقته في الكتابة عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سواء أكانت مستقلة أم مدمجة، بل وجدنا في طياتها منحى تطوريا في كتابة السيرة بعامة نضيفه إلى اوجه الاختلاف التي عرضناها آنفا بين السيرة التي كتبها هو والتي كتبها الطبرسي وقد تمثل هذا المنحى التطوري بجوانب عدة:
(75) ينظر، المسعودي، التنبيه والاشراف، ص 4- 5 ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 20- 25، العظيمي، التأريخ، ورقة، 51- 52.
(76)
ينظر، الكلاعي، الاكتفا في مغازي الرسول، 1/ 2- 7، ابن سيد الناس، عيون الأثر، 2/ 332- 325، الصفدي، الوافي بالوفيات، 1/ 3- 25.
(77)
ينظر، مناقب آل أبي طالب، 1/ 18، 20، 21، 22، 23، 25، 26، 27، 28، 30، 32، 34، 36، 39- 40.
(78)
ينظر، المصدر نفسه، 1/ 13.
(79)
ينظر، إعلام الورى، ص 23، 28، 34، 35، 37، 48، 55، 58، 95، 100- 101.
1.
أورد قصائد الشعراء المتأخرين عن عصر الرسالة الذين صوروا فيها سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأحواله بكثرة مفرطة «80» ، ويعدّ هذا الأمر سابقة لم تألفها المصادر التي سبقته، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على الرغبة في إيراد متابعات الحوادث بالقصائد التي عبرت عن عواطف وأحاسيس قائليها في ما تضمنته تلك الحوادث من أمور حركت هذه العواطف والأحاسيس التي كانت تصف مجرياتها الدقيقة، وقد تباينت تلك القصائد في الطول والقصر، فبعضها يتكون من اربعة أو خمسة أبيات «81» ، في حين تجاوزت الأخرى ذلك بكثير «82» .
استمر هذا المنحى عند المتأخرين عنه إذ أخذوا بتطعيم حوادث السيرة بما قيل في وصفها من شعر لدى المتأخرين عن عصر الرسالة «83» ، وإن لم يكن بالضرورة تأكيد أن ابن شهر آشوب هو أول من اتجه إلى هذا المنحى مع العلم أن المصنفات التي وصلت إلينا عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بمختلف أنماط كتابتها حتى عصر ابن شهر آشوب لم يكن فيها مثل تلك القصائد والأبيات الشعرية.
2.
عقد فصلا مستقلا في هذه السيرة تحدث فيه عن الخصائص التي خص الله بها نبيه الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم من دون الأنبياء والبشر أسماه (فصل في ما خصه الله من اللطائف)«84» ، وهذه الخصائص أو اللطائف لم تكن موجودة
(80) ينظر، مناقب آل أبي طالب، 1/ 20، 25، 30، 32، 48، 50، 57، 69- 70، 72، 78، 79، 82، 84، 88، 91.
(81)
ينظر، المصدر نفسه، 1/ 20، 25، 30، 32، 48، 50، 72، 79، 82، 128.
(82)
ينظر، المصدر نفسه، 1/ 57، 85، 215- 216.
(83)
ينظر، ابن عربي، محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار، 1/ 44، ابن سيد الناس، عيون الأثر، 2/ 297، 298- 299، الصفدي، الوافي بالوفيات، 1/ 56، 57، 60، 62، 63، 71، 74، 89، 92، 94.
(84)
ينظر، مناقب آل أبي طالب، 1/ 213- 226.
في المصنفات التي سبقته بهذه الاستقلالية، واللطائف تعني الاتحافات الربانية التي حبا بها الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم في الرفق والعمل والبر والتكرمة والتحفي «85» .
وهذا الشروع الجديد من نوعه من قبل ابن شهر آشوب كان أحد العوامل التي ساعدت على ظهور كتابات مستقلة في هذا الجانب (خصائص الرسول)«86» .
3.
تقسيمه لمعجزات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على أقسام متعددة هي:
أ/ معجزات أقوال «87» .
ب/ معجزات أفعال «88» .
ج/ معجزات ذاتية في نفسه «89» .
وهذا التقسيم لم يكن مألوفا عند من أحصى تلك المعجزات سواء أكان إحصاؤه في مصنفات السيرة المستقلة، أم المدمجة في الكتب الأخرى، أم في أحد جوانبها المستقلة، حيث كانت هذه المصنفات عند إيرادها هذه المعجزات تحصيها على وفق أسبقيتها الزمنية مدمجة مع دلائل وأعلام نبوته، أو تقسيم هذه الدلائل على وفق الحوادث، كما أشارت إلى ذلك المصنفات التي اختصت بهذا الجانب من سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم «90» .
(85) ينظر، ابن منظور، لسان العرب، (مادة لطف) ، 12/ 261.
(86)
ينظر، ص 225- 229 من هذه الدراسة.
(87)
ينظر، مناقب آل أبي طالب، 1/ 107- 115.
(88)
ينظر، المصدر نفسه، 1/ 115- 123.
(89)
ينظر، المصدر نفسه، 1/ 123- 127.
(90)
ينظر، ص 207- 224 من هذه الدراسة.
شكل هذا الاهتمام بالجانب الروحي والإعجازي في سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عند ابن شهر آشوب حيزا كبيرا في كتابه هذا ولا سيما في قسم السيرة منه «91» ، مما يبين أثر هذا الجانب ومكانته عند ابن شهر آشوب وطبيعة نظرته إلى شخصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأحواله.
هذه هي الجوانب التي أضفاها ابن شهر آشوب على كتابة السيرة ضمن كتب الطبقات مما شكلت نقطة تحول بارزة في كتابة السيرة النبوية ضمن هذه الكتب.
ب. طبقة الأصفياء والصالحين والزهاد:
كان للدافع الأخلاقي الدور الفعال عند العلماء بعامة، والمؤرخين بخاصة ولا سيما في الاتجاه إلى الكتابة في توثيق حياة الأصفياء والصالحين في مصنف يحوي تراجمهم، وهذا ما وضحته مقدمات هذه المصنفات التي سنتناولها على وفق أسبقيتها الزمنية، مع تبيان أثر هذا الحافز في كتابتها وابتداء بعضها بسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك لكون شخصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القدوة والمثال لجميع شخصيات المسلمين بوصفه الأسوة الحسنة امتثالا لما أمرهم الله سبحانه وتعالى لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ «92» ، ولأجل هذا الدافع كانت هذه المصنفات فاقدة لأي طابع تطوري عند كتابتها لسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضمن صحائفها التي شملت مصنفات عدة هي:
(91) ينظر، مناقب آل أبي طالب، 1/ 70- 150.
(92)
سورة الأحزاب، آية 21.
1.
صفة الصفوة لعبد الرحمن بن الجوزي (ت 597 هـ) :
أوضحت مقدمة ابن الجوزي لهذا الكتاب أثر العامل الأخلاقي في كتابتها، حين بين فيها سبب إدخاله السيرة ضمن هذه الكتب، إذ خص هذا الكتاب منها بحيز كبير افتتحه بها «93» ، إذ وضح هذا العامل بالقول:" ولما سميت كتابي هذا بير افتتحه بها «93» ، إذ وضح هذا العامل بالقول: " ولما سميت كتابي هذا صفة الصفوة رأيت أن افتتحه بذكر نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فانه صفوة الخلق وقدوة العالم «94» ، ثم يؤكد دافعه الأخلاقي في مكان آخر بالقول:" إن كتابنا هذا إنما وضع لمداواة القلوب وإصلاحها"«95» .
لم يكن في هذه السيرة التي تضمنها هذا الكتاب أي تطور ملحوظ، إذ كانت الجوانب التي تطرق لها مألوفة في معظم المصنفات التي عرضت سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم «96» ، ومن ثم فقد كانت هذه السيرة مجرد إعادة وتكرار لما كتب سابقا.
(93) ينظر، صفوة الصفوة، 1/ 46- 234.
(94)
المصدر نفسه، 1/ 32.
(95)
المصدر نفسه، 1/ 33.
(96)
ينظر، المصدر نفسه، 1/ 91، 104، 117، 151، 165، 167، 171، 172، 175، 177، 180.
أنباء نجباء الأنباء لمحمد بن ظفر الصقلي (ت 565 هـ) :
ضمن ابن ظفر كتابه هذا سيرة موجزة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في بدايته «97» ، معللا ذلك بالقول: " افتتحته بكر سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بالتيمن بذكر والتشرف بالإيماء إلى شرف قدره
…
إذ هو الواسطة الثمينة والفريدة الكريمة التي أقر الله بها عين ابن آدم والصفوة من بعده" «98» .
بينت هذه المقدمة الدور الذي لعبه الحافز الأخلاقي في مفتتح كتابه هذا، حين كانت سيرته هي الأخرى مجرد عرض بسيط لبعض الحوادث الرئيسة «99» .
لم يقتصر هذا الحافز على المصنفات التي كتبت في المدة قيد الدراسة بل وجدنا أحد المتأخرين وهو علي بن صدقة السرميني (ت 821 هـ) قد حفزه هذا العامل الأخلاقي على تضمين سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مصنفه الذي تحدث فيه عن أخلاق العباد وذكر الأعلام الذين تساموا في أخلاقهم وتصرفاتهم «100» ، حيث وضح أثر هذا العامل بقوله: " استخرت الله
…
العليم في جمع أوراق أذكر فيها طرفا من أخبار السلف الصالحين وابتدأ فيه بذكر النبي العربي وهو أولى من غيره بالذكر ومن بعده
…
فلعل الله برحمته ومنه فضله يشركني لذلك في الأجر معهم ويدخلني بينهم وإن لم أكن منهم ولا سيما وأني أحبهم والمرء مع من أحبه" «101» .
(97) ينظر، أنباء نجباء الأنباء، مطبعة التقدم، مصر، 1328 هـ، ص 5- 9.
(98)
ينظر، أنباء نجباء الأنباء، ص 5- 6.
(99)
ينظر، المصدر نفسه، ص 6، 7، 8، 9.
(100)
ينظر، درة الأبكار في وصف الصفوة الأخيار، مخطوط مصور في مكتبة الحكيم العامة، رقم (101) ، تأريخ، ورقة 3- 8.
(101)
المصدر نفسه، ورقة 3.
هذه هي المصنفات التي جعلت من الحافز أو الدافع الأخلاقي مقصدا لها في إدخال السيرة النبوية ضمن كتب الأصفياء والصالحين والتي لم نجد فيها أي تطور لكتابة السيرة لأن هدفها قد أنصب على تهذيب النفوس التي انغمست في المعاصي وتركت العلم بأخبار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته وطريقة عيشهم.
ج. طبقة الخلفاء:
هذه طبقة أخرى خصها المؤرخون بالتصنيف في مصنفات مستقلة يتحدثون فيها عن كل واحد منهم، إذ أسمى حاجي خليفة هذا النوع من التصنيف ب [علم تأريخ الخلفاء]، وعرفه بقوله:" وهو من فروع التواريخ وقد أفرد بعض العلماء تأريخ الخلفاء الأربعة وبعضهم ضم معهم الأمويون والعباسيون لاشتمال على مزيد الاعتبار وقد سبق ما صنفوا منه"«102» .
أدخل معظم مصنفي هذه الكتب سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في بدايتها وذلك لإكمال الحلقة المفقودة بوجود الخليفة وغياب المستخلف، وكانت السير التي تضمنتها مصنفات طبقة الخلفاء عبارة عن تكرار وإعادة لما ذكر في مصنفات سابقة عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه المصنفات التي وصلت إلينا هي:
(102) ينظر، كشف الظنون، 1/ 333.
1.
تأريخ الخلفاء لأبي عبد الله محمد بن ماجه (ت 273 هـ) *:
هو أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني مصنف السنن والتأريخ والتفسير والتراجم «103» .
صنف ابن ماجه كتابه هذا ابتداء بعصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وانتهاء بعصر المستكفي العباسي «104» ، وأمتاز هذا الكتاب بالاقتضاب والاختصار باستعراض الحوادث التي ذكرها بين هذين العصرين ومن ضمنها سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التي لم تشغل منه سوى ورقات قليلة جدا أشار فيها إلى الحوادث المهمة التي وقعت في عصر الرسالة «105» ، وهذا الاختصار الشديد لم يدع ابن ماجه أن يظهر أي اثر أو منحى تطوري في هذا الكتاب ولا سيما في قسم السيرة منه، بل كان مجرد عرض سريع لأسماء الخلفاء الذين تولوا إمرة المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
2.
مختصر تأريخ الخلفاء لأبي محمد إسماعيل بن علي بن إسماعيل الخطي (ت 350 هـ) :
كان هذا المصنّف من العلماء البارزين في عصره الذين سكنوا بغداد ودرسوا فيها، برع في معرفة أيام الناس وأخبار الخلفاء، وكان يتحرى الصدق في إيراد أخبارهم كما أشارت إلى ذلك الكتب التي ترجمت له «106» .
(*) قام محمد مطيع الحافظ بتحقيق هذا الكتاب وإصداره بطبعتين الأولى في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق في عددها المرقم 43 لسنة 1976 والثانية بشكل مستقل في مؤسس الرسالة بيروت عام 1979.
(103)
ينظر، الذهبي، تذكرة الحفاظ، 2/ 189- 190، ابن حجر، تهذيب التهذيب، 5/ 530- 532.
(104)
ينظر، تأريخ الخلفاء، مجلة مجمع اللغة العربية، ص 19- 59.
(105)
ينظر، المصدر نفسه، ورقة 19- 21.
(106)
ينظر، الصفدي، الوافي بالوفيات، 1/ 50، مصطفى، التأريخ العربي والمؤرخون، 1/ 418.
عرض الخطي في كتابه هذا سيرة موجزة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ورقات يسيرة «107» ، كان الهدف من إيجازها تسهيل مهمة حفظها وكتابه المختصر الذي يقول في مقدمته: " هذا كتاب مختصر من كتاب تأريخ الخلفاء وتأريخ أقامتهم وأعمارهم وصفاتهم
…
فإن ذلك في الكتاب الكبير مرسوم وأسقطته ها هنا ليقرب متناوله ويسهل حفظه" «108» ، إذ بينت هذه المقدمة أن هذا الكتاب مختصر لكتاب أوسع صنفه في هذا المجال مما يدل على أن السيرة التي حوته كانت أوسع بكثير من هذه السيرة التي تضمنها كتابه المختصر، ومع هذا الاختصار فإن هذه السيرة قد حوت في طياتها بعض الجوانب التي بينت شخصية الخطي في كتابه، وهذه الجوانب هي:
1.
التصريح بالقول إن الهدف من تصنيف هذا الكتاب هو إيجاد مجموع بسيط يسهل حفظه «109» ، فكان الحافز على تصنيف هذا الكتاب حافزا علميا خالف به معظم المصنفات السابقة التي عرضت سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضمنها.
2.
استعمال الإسناد في ذكر حوادث السيرة ومتعلقاتها «110» ، وذلك حرصا منه على تدقيق الروايات ونقلها وتسهيل مهمة من يأتي بعده ويطلع على كتابه في أن يتبين مواطن الضعف والقوة في ذكر الأسانيد، ولا سيما قسم السيرة منه، إذ غفل باقي كتابه عن أي سلسلة للسند، وقد صرح في مقدمة كتابه مبينا ذلك بالقول:" ولا أكرر من الأسانيد في ذلك ما يطول عليّ به الكتاب ولا أدع تقييده منها بما لابد منه"«111» ، وأردف بعد ما انتهى من عرض سيرة
(107) ينظر، مختصر تأريخ الخلفاء، مخطوط مصور في مكتبة المجمع العلمي العراقي، برقم (322) ، تأريخ، ورقة 2- 6.
(108)
ينظر، المصدر نفسه، ورقة 2.
(109)
ينظر، مختصر تاريخ الخلفاء، ورقة 2.
(110)
ينظر، الصدر نفسه، ورقة 2- 6.
(111)
ينظر، المصدر نفسه، ورقة 2.
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في كتابه قائلا: " كل ما أذكره الان في هذا الكتاب بغير إسناد إلى خلافة معاوية بن أبي سفيان،
…
ثم يتغير الإسناد
…
وما أذكره عن أبي معشر بغير إسناد كله" «112» .
وهذا ما افتقدته المصنفات التي كتبت في ضوء منحاه نفسه، إذ أغفلت معظمها أسانيد الروايات التي وردت فيها، وكما لا حظنا وسنلا حظ من عرضنا لهذه المصنفات التي كتبت في هذا الجانب.
أعطانا هذا الأمر عرضا للمصادر المكتوبة التي اعتمد عليها الخطي في كتابه هذا ولا سيما في قسم السيرة منه فضلا عن اعتماده على روايات شفوية لم يعتمد في نقلها على كتاب «113» .
3.
الاهتمام بالتوثيق التأريخي للحوادث باليوم والشهر والسنة «114» .
هذه هي الجوانب التي اتصفت بها السيرة النبوية في هذا الكتاب عن باقي الكتب التي تناولت تأريخ الخلفاء باستقلالية، وإن كانت الحوادث التي عرضها قد اتصفت بها مصنفات قبله، ولكن هذه المصنفات- كما لا حظنا- اختلفت معه في الموضوع الذي طرحته، مما نستدل به على أن الخطي كان له دور في تطور كتابة السيرة ضمن كتب تواريخ الخلفاء حصرا، وذلك حين أدخل المناهج المتبعة في المصنفات التي تمتاز بالشمولية والتفصيل في ذكر الحوادث، مع
(112) ينظر، المصدر نفسه، ورقة 6.
(113)
ينظر، المصدر نفسه، ورقة 2، 4، 6.
(114)
ينظر، المصدر نفسه، ورقة 2، 3، 4، 5، 6.
العلم أن هذا الكتاب- كما أشار مصنفه في مقدمته- عبارة عن مختصر لكتاب أشمل وأكبر من هذا الذي بين أيدينا «115» .
3.
عنوان المعارف وذكر الخلائف للصاحب بن عباد (ت 385 هـ) *:
هو الصاحب كافي الكفاة إسماعيل بن عباد الشاعر الأديب والنحوي البارع الذي كان أعجوبة زمانه تولى الوزارة لأمراء البويهيين واجتمع بحضرته من العلماء والشعراء ما لم يجتمع لغيره «116» ، صنف الصاحب بن عباد هذا الكتاب وضم فيه عرضا مبسطا للخلفاء الذين خلفوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى عصره «117» ، مع تخصيص حيز بسيط فيه لسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم «118» .
كان الدافع من تصنيف هذا الكتاب دافعا علميا تمثل بجواب عن أحد الأسئلة التي طرحها أحد تلاميذه عليه في معرفة نسب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأحواله، وهذا ما بينته مقدمته التي يقول فيها: " قد اسعفتك بالمجموع الذي التمسته في نسب النبي صلى الله عليه وآله وبنيه وبناته وأعماله وعماته وجمل من غزواته، وسائر ما يتصل بذلك من مولده ومدفنه وهجرته وتسمية أفراسه ونوقه وسيفه ودرعه، واثبت ذلك من خوطب بالخلافة على النسق وغير مرتب للمفضول
(115) ينظر، مختصر تأريخ الخلفاء، ورقة 2.
(*) قام الشيخ محمد حسن آل ياسين بتحقيق هذا الكتاب سنة 1966، وطبع في بغداد.
(116)
تنظر، ترجمة الثعالبي، يتيمة الدهر، 3/ 169- 170، ياقوت الحموي، معجم الأدباء، 6/ 257.
(117)
ينظر، عنوان المعارف، ص 7- 48.
(118)
ينظر، المصدر نفسه، ص 7- 11.
على الفاضل
…
بعد أن آثرت الاختصار الذي طلبته والإيجاز الذي حاولته" «119» .
من هذا نرى أن السيرة التي تضمنها هذا المصنف قد كتبت لغايات علمية ولكنها من الاختصار بمكان إذ لم تظهر فيها أي ملامح تطورية في كتابة السيرة تختلف في مضمونها ونسقها وأسلوبها عن مصنفات عرضت سيرة الرسول قبله، فكانت الأخبار التي وردت فيها معدومة من ذكر أي نقد أو تحليل أو مناقشة مما يبين أن الصاحب بن عباد قد ذكرها على أنها من المسلمات التي لم يختلف عليها أحد، فلم يكن عرضها إلا للتذكير بها.
4.
الأنباء في تأريخ الخلفاء لمحمد بن علي بن محمد العمراني (ت 580 هـ) :
انتهت محاولات محقق هذا الكتاب في البحث المضني عن ترجمة لهذا المصنف بالفشل «120» ، ووصلت محاولاتي أيضا إلى النتيجة نفسها بعد أن كررت المحاولة في الحصول على ترجمة مهما يكن حجمها عن شخصية هذا المصنف.
سار العمراني في كتابه هذا على نهج من سبقه في كتابة سيرة موجزة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم يفتتح بها مصنفا يحوي أسماء الخلفاء الذين تولوا خلافة المسلمين بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى عصر المؤلف «121» .
(119) عنوان المعارف، ص 7.
(120)
ينظر، السامرائي، قاسم، مقدمة التحقيق لكتاب الأنباء، المعهد الهولندي للاثار المصرية، لا يدن، 1973، ص 6.
(121)
ينظر، الأنباء، ص 44- 47.
كانت هذه السيرة التي حواها هذا الكتاب كمثيلاتها من السير النبوية التي استعرضتها المصنفات التي سبقته في هذا الجانب إذ امتازت بالاختصار في عرض المعلومات، وهذا ما بينته مقدمة الكتاب التي تقول: " فإني ذاكر في كتابي هذا طرفا من أخبار الدولة القاهرة العباسية
…
وأبتدأ بذكر سيد البشر والشفيع يوم العرض الأكبر ثم بعده للأئمة الأربعة ثم من أفضى إليه الأمر بعدهم
…
ونبدأ بمن بدأ الله بذكره وفضله على سائر خلقه وهو سيد المرسلين وخاتم النبيين أبو القاسم محمد (صلوات الله عليه وسلامه) وأنا أذكر نسبه ومولده وأزواجه وحواريه ومواليه وخدمه وعماله" «122» .
هذه هي مضامين السيرة التي ضمنها العمراني كتابه والتي لم نلمس فيها أي تطور وتجديد في كتابة السيرة النبوية ضمن هذا النوع من المصنفات، بل كانت مجرد عرض لحوادث وروايات تتفق في منحاها وفحواها مع المصادر التي سبقتها.
5.
بلغة الظرفاء في ذكرى تواريخ الخلفاء لعلي بن محمد بن أبي السرور الروحي (كان حيا سنة 648 هـ) :
كان هذا الكتاب كسابقيه يعرض في بدايته سيرة موجزة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم تناول فيها جوانب من حياته الشريفة «123» ، ولكن الميزة التي امتازت بها هذه السيرة المقتضبة هي أنها كانت أكثر عمقا ودقة في ترتيب وتوثيق الحوادث من
(122) ينظر، الإنباء في تاريخ الخلفاء، ص 43.
(123)
ينظر، بلغة الظرفاء، مطبعة النجاح، مصر، ط 1، 1909، ص 2- 8.
التي سبقتها، فمع الاهتمام بالتوثيق التأريخي للحوادث بالشهر والسنة «124» ، وذكره لمصادره التي اعتمد عليها في إيراده لأخباره «125» ، قسم مراحل السيرة على وفق الحوادث الكبرى التي حصلت فيها، إذ كانت المرحلة الأولى متضمنة حياة الرسول من مولده إلى أن هاجر إلى المدينة «126» ، والمرحلة الثانية تضمنت حياة الرسول من مقدمه إلى المدينة حتى انتقاله إلى الرفيق الأعلى «127» ، وبتقسيمه السيرة النبوية إلى هاتين المرحلتين حرزت هذه السيرة الموجزة ضمن هذه المصنفات السبق والريادة في هذا المجال وإن كان هذا التقسيم معمولا به عند من سبقه ولكن ليس في مثل هذه المصنفات «128» .
هذه هي الميزة الوحيدة التي امتازت بها هذه السيرة التي تضمنها هذا الكتاب والتي كانت بمجملها مشابهة لما ورد في المصنفات التي سبقتها من حيث الحوادث التي عرضت فيها.
وبهذا الكتاب ينتهي عرضنا للمصنفات التي كتبت في تواريخ الخلفاء أو طبقتهم والتي تضمنت سيرة موجزة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، مع اتصاف هذه المصنفات بعوامل مشتركة بينها، وهي:
1.
الاقتضاب والاختصار في عرض حوادث السيرة ومتعلقاتها.
(124) ينظر، المصدر نفسه، ص 4- 7.
(125)
ينظر، المصدر نفسه، ص 3، 7، 8.
(126)
ينظر، المصدر نفسه، ص 4- 6.
(127)
ينظر، المصدر نفسه، ص 6- 7.
(128)
ينظر، ص من هذه الدراسة.
2.
عدم وجود طابع تجديدي وتطوري في كتابة هذه السير ضمن هذه الكتب عدى التطور الذي اشتركت كلها فيه والذي تضمن ابتداء مصنفاتهم بعرض موجز لسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم استكمالا لمناحي الكتاب بالتعرض للخليفة والمستخلف.
3.
أغفل المصنفون المتأخرون مرويات أصحاب كتب تواريخ الخلفاء عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم يدرجوها ضمن مصنفاتهم، وذلك لأنها لا تمثل سوى تكرار وإعادة لما ذكرته مصادر أخرى، ولأجل ذلك لم نجد نقولا عنها في المصادر التي عرضت سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للذين تأخروا عن كتابة هذه المصنفات.
4.
إن الغاية التي من اجلها أدخلت السيرة النبوية في معظم هذه المصنفات غاية منهجية فرضتها طبيعة تلك الكتب ومضامينها، ومن دون هذه الغاية تعدّ هذه الكتب أو المصنفات ناقصة لو أغفلت إيراد سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو شيئا منها حتى لو كان عرضا موجزا ومقتضبا، لأن الكتاب سيصبح مفتقرا للسبب أو الحجة التي من أجلها استخلف أي واحد من الخلفاء الذين ترجمت لهم هذه الكتب؛ فكيف يذكر الخليفة من دون أن يذكر شخص المستخلف وهو الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؟.
هذه هي العوامل المشتركة التي اتصفت بها السير التي كتب في المصنفات التي تتحدث عن طبقة الخلفاء وسني حكمهم، والتي كان إدخالها في هذه المصنفات جانبا تطوريا في كتابة السيرة النبوية عند المؤرخين المسلمين.
ثانيا: كتب التراجم:
اتجه عديد من المؤرخين إلى توثيق حياة الأشخاص والأعلام الذين يختلفون صناعة وطبقة وعصرا ومكانا، ولكنهم يتفقون في صفة واحدة تجمعهم ألا وهي صفة الجدارة والاستحقاق بأن يترجم لهم وتدون سيرهم «129» .
ضمن بعض المؤرخين من مصنفي هذه التراجم سيرة موجزة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في بداية مصنفاتهم التي تمثلت في الكتب الاتية:
1.
التأريخ الكبير لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 هـ) :
أفرد البخاري في بداية كتابه التأريخ الكبير سيرة موجزة للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم تيمنا بذكره «130» ، مردفا هذه السيرة بأسماء المحمدين من الأعلام الذين ترجم لهم وذلك تبركا باسم نبينا صلى الله عليه وآله وسلم.
إن هذه الطريقة في الابتداء بسيرة الرسول وبأسماء المحمدين في بداية الكتاب اتخذها العلماء الذين أتوا بعده سنّة في كتبهم، إذ سار النووي (ت 676 هـ) على هذه السنّة التي سنها البخاري الذي عدّ الرائد في هذه الفكرة إذ قال النووي في مقدمته:" وابتدأ فيه بمن اسمه أحمد كما فعل أبو عبد الله البخاري والعلماء بعده رضي الله عنهم لشرف اسم النبي (ص) "«131» ، ونجد أن مصنفات عديدة في كتب التراجم سارت على هذا المنوال في تقديم الذين
(129) ينظر، حسن، محمد عبد الغني، التراجم والسير، دار المعارف، مصر، ط 2، 1969، ص 40.
(130)
ينظر، التأريخ، 1/ 1/ 5- 11.
(131)
النووي، تهذيب الأسماء واللغات، 1/ 4.
تسموا باسم النبي (ص) في بداية الكتاب، ومن ثم يوردون باقي الأسماء بحسب تسلسل الحروف الأبجدية «132» .
كسب البخاري بعمله هذا تطورا ملحوظا في كتابة السيرة النبوية، حين جعلها ضمن كتب التراجم أولا، واتخاذ عمله من قبل معظم الذين أتوا بعده سنة بتقديم اسم النبي في بداية الأعلام الذين يترجمون لهم ثانيا.
كانت هذه السيرة الموجزة التي كتبها البخاري قد انحصر وجودها في غاية واحدة هي التبرك والتيمن بالاستفتاح باسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
لم يقتصر البخاري على إدخال السيرة النبوية ضمن هذا الكتاب فحسب بل جعلها في مصنف آخر من مصنفاته «133» وقد عرض فيه جوانب محدودة من حياته الشريفة أردفها بأسماء من توفي من أصحابه في سنوات البعثة الشريفة ولا سيما بعد هجرته إلى المدينة «134» .
إن كتابة أسماء من توفي من الصحابة في سنوات السيرة يعدّ نقلة نوعية وتطورا في كتابة السيرة النبوية لأن الذين سبقوه لم ترد عندهم هذه الحالة على هذه الهيأة من التخصص والتفرد، هذا من جانب، ومن جانب آخر كانت هذه الظاهرة تمهيدا لما نهجه ابن الجوزي في كتابه المنتظم حين خصص عنوانات مستقلة في كل سنة يعرض حوادثها ويذكر فيها من توفي بها من الأعلام
(132) ينظر، الخطيب البغدادي، تأريخ بغداد، 1/ 213، الصفدي، الوافي بالوفيات، 1/ 55.
(133)
ينظر، التأريخ الصغير، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند، 1361 هـ، 1/ 1- 13.
(134)
ينظر، المصدر نفسه، 1/ 10- 13.
ولا سيما في قسم السيرة منه «135» ، وإن لم يشر ضمنا إلى الحافز الذي دفعه إلى ذكر هؤلاء الأعلام مع كل سنة.
هذه هي الجوانب التي أكسبها البخاري لكتابة السيرة النبوية ضمن كتب التراجم من جهة وكتب السيرة الأخرى من جهة ثانية.
2.
كتاب الثقات لابن حبان البستي (ت 354 هـ) :
هو أبو حاتم محمد بن حبان البستي أحد الحفاظ الكبار وأحد المصنفين المجتهدين في الحديث وعلم الرجال والفقه، تولى القضاء في بلدته التي نسب إليها إلى أن توفاه الله (سنة 354 هـ) بعد أن ترك مصنفات عدة في الحديث والرجال، كانت محط أنظار العلماء على مدى العصور التي تلته «136» .
كان السيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مكان رحب في مصنف ابن حبان، إذ كتب سيرة متكاملة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم الكريم من مولده إلى أن توفاه الله وذلك بإسهاب وتفصيل «137» ، وخصص له في مصنف آخر من مصنفاته حيزا بسيطا عرضها فيه بإيجاز «138» .
كان لإسهاب ابن حبان في حديثه عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضمن كتابه هذا أثر فعال في وجود سمات تطورية في هذا الكتاب، وهذه السمات هي:
(135) ينظر، المنتظم، مج 2، ورقة 143، مج 3، ورقة 29، 51، 65، 67، 82، 116.
(136)
ينظر، الصفدي، الوافي بالوفيات، 2/ 317- 318، ابن كثير، البداية والنهاية، 11/ 259، ابن حجر، لسان الميزان، 5/ 112.
(137)
ينظر، الثقات، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند، ط 1، 1973، 1975، 1/ 14- 2/ 151.
(138)
ينظر، مشاهير علماء الأمصار، ص 3- 4.
1.
اختيار الرواة الثقات وإثبات مروياتهم عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من دون تسامح منهم في جمع كل ما يتصل بالسيرة من أخبار وإن كانت ضعيفة على حد قول قسم من مصنفيها «139» ، وهذا ما أوضحته عبارته التي افتتح بها كتابه هذا والتي يقول فيها: " ولا أذكر في هذا الكتاب
…
إلا الثقات الذين يجوز الاحتجاج بخبرهم
…
فكل ما أذكره في هذا الكتاب فهو صدوق يجوز الاحتجاج بخبره" «140» .
كان هذا المنحى من قبل ابن حبان في كتابه هذا يستهدف أمرين: الأمر الأول عدّ شخص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو ثقة الثقات لأنه المصدر الثاني الذي تؤخذ منه الأحكام وذلك بوساطة الأحاديث التي يتحدث بها أو الأفعال التي يقوم بها، إذ وضح هذا الأمر في قوله: " ولا سبب إلى معرفة صحة الأخبار وسقيها إلا بمعرفة تأريخ من ذكر اسمه من المحدثين
…
" «141» ، والأمر الثاني: هو جعل سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نموذجا يطبق عليه الروايات التي صرح بها الثقات من الرواة.
شكل نهج ابن حبان هذا إنعطافة كبيرة في كتابة السيرة النبوية، وذلك باستحداث منهج في اختيار الروايات التي تكتب في سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، من قبل رواة ثقات لا ترقى إليهم الشبهات وهو نهج لم يكن مألوفا عند من سبقه من الذين عرضوا سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأحواله من المؤرخين.
(139) ينظر، البيهقي، دلائل النبوة، 1/ 69، العراقي، عبد الرحيم بن الحسين، (ت 805 هـ) ، الدرر السنية في سيرة خير البرية، مخطوط في دار صدام للمخطوطات برقم (13697) ، ورقة 2.
(140)
الثقات، 1/ 11- 13.
(141)
المصدر نفسه، 1/ 3.
2.
الاهتمام بإيراد الأعمال العسكرية للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعدم الاكتراث بالجوانب الشخصية والروحية من حياته صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا الأمر راجع إلى إتباع ابن حبان المنهج الحولي في كتابة حوادث السيرة ولا سيما الحوادث التي وقعت بعد الهجرة مباشرة «142» ، إذ لم يرد في حوادث هذه السنوات التي تلت هجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أي ذكر لهذه الجوانب التي طالما خصص لها المصنفون الذين سبقوه قسما من مصنفاتهم التي تحدثوا فيها عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم «143» ، ولأجل ذلك انحصرت الجوانب الشخصية لسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في القسم الخاص من حياته الشريفة قبل الهجرة وذلك في أماكن متفرقة من هذا القسم، ومتداخلة مع الروايات التي وردت فيه «144» .
3.
تضمين سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سلسلة نسبه الشريف مشفوعة بذكر أمهاته وجداته من قبل أمه وأبيه «145» ، مع ذكر تضارب بعض الاراء في هذا الأمر من حيث صحة هذه الأسماء ودقتها «146» ، مبينا ذلك بالقول:" نسبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تصح إلى عدنان وما وراء عدنان فليس عندي منه شيء صحيح اعتمد عليه غير أني اذكر اختلافه فيه بعضهم لبعض من ليس ذلك من صناعته"«147» .
(142) ينظر، الثقات، 1/ 131، 144، 237، 249، 280، 2/ 1، 17، 119، 129.
(143)
ينظر، ابن سعد، الطبقات، 1/ 1/ 113، ق 2/ 14- 184، البلاذري، أنساب الأشراف، 1/ 467- 538، الطبري، تأريخ الرسل والملوك، 3/ 169- 183.
(144)
ينظر، الثقات، 1/ 37، 38- 40، 42- 45، 99- 106.
(145)
ينظر، المصدر نفسه، 1/ 26- 32.
(146)
ينظر، المصدر نفسه، 1/ 22- 26.
(147)
المصدر نفسه، 1/ 22.
مع كل هذه الإضافات التي أوجدها ابن حبان لكتابة السيرة ضمن كتب التراجم بخاصة وكتب السيرة بعامة فانها بقيت رهينة هذا الكتاب إذ لم تتعد إلى غيره، اذ لم نجد في مصنفات السيرة التي تلته أي اقتباس منه أو سلوك نهج مقارب لنهج ابن حبان في كتابة السيرة وليس هذا حسب، بل اغفل هذا الأمر أيضا من اتبع خطى ابن حبان في كتابة مصنف يخصص لذكر الثقاة من الرواة، إذ وجدنا ابن شاهين (ت 385 هـ) * قد أغفل كتابه ذكر سيرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بدايته عندما سرد أسماء الثقاة الذين نقل عنهم العلم «148» ، وإن هذا الأمر قد يكون ناشئا من طغيان كتب السيرة التي سبقته ورواجها بين الناس حتى قيل في وصف أحدها: من أراد كتابة السيرة فهو عيال على ابن إسحاق «149» ، فضلا عن ذلك فقد كان لانصهار هذه السيرة في مصنف خصص لعرض أسماء الثقاة من الرواة أثر ملموس في عدم الاقتباس من هذه السيرة، إذ انصبت جهود العلماء على تتبع آراء وأسماء الذين أوردهم ابن حبان في كتابه من الثقاة الذين يجوز الاحتجاج بروايتهم من دون النظر إلى ما سبقها وهي (سيرة الرسول) ، إذ كان لديهم شعور يعدّ ذكر ابن حبان لسيرة الرسول في بداية كتابه تبركا وتيمنا بالاستفتاح بذكر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأحواله.
هذه هي الجوانب التي لمسناها في هذا الكتاب والتي بينت المسلك الذي انتهجه ابن حبان في عرضه سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضمن كتب التراجم.
(*) ابن شاهين أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان البغدادي، الحافظ العلم والمحدث المفسر، ولد سنة 297 هـ، وأسهم إسهامة فعالة في رواية الحديث ونشره وفي تفسير القرآن، ينظر، الخطيب البغدادي، تأريخ بغداد، 11/ 265- 267، الذهبي، تذكرة الحفاظ، 3/ 987، ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 316.
(148)
ينظر، ابن شاهين، تأريخ أسماء الثقات، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1986، ص 47- 256.
(149)
ينظر، الخطيب البغدادي، تأريخ بغداد، 1/ 219.
1.
تهذيب الأسماء واللغات لمحيي الدين بن شرف النووي (ت 676 هـ) :
هو الفقيه المحدث يحيى بن شرف بن مرسي بن حسن النووي الدمشقي الشافعي الحافظ اللغوي المشارك بالعلوم الأخرى، ومن الذين لهم الباع الطويل في الكتابة والتصنيف «150» .
خصص النووي في بداية كتابه هذا حيزا ذكر فيه عرضا موجزا لسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم «151» ، مقتفيا بذلك أثر من سبقه تيمنا وتبركا بذكر سيرة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم يفتتح بها كتابه، إذ بين هذا الأمر في مقالته:" ومقصودي في تشريف الكتاب بتصدير لبعض أحوال المصطفى صلى الله عليه وسلم والحبيب المجتبى [لأنه] خيرة العالم وخاتم النبيين وإمام المتقين وسيد المرسلين هادي الأمة ونبي الرحمة وزاده فضلا وشرفا لديه"«152» .
انتهج النووي كسابقيه منحى الاختصار في ذكر تفاصيل السيرة التي كان الهدف من كتابتها التبرك والتيمن، الأمر الذي جعله يختصرها إلى هذا المقدار، إذ أوضح هذا الأمر بالقول:" واعلم أن أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيره وما أكرمه الله به وما افاضه على العالمين من آثاره صلى اله عليه وسلم غير محصور ولا يمكن استقصائها لا سيما في هذا الكتاب الموضوع بالإشارة إلى نبذ من عيون الأسماء وما يتعلق بها وفيما ذكرته تنبيها على ما تركته"«153» .
لأجل ذلك كانت هذه السيرة التي تضمنها كتاب النووي هذا تقليدية ومفتقرة للتجديد والتطور، باستثناء عقده فصلا مستقلا للحديث عن خصائص
(150) ينظر، الذهبي، تذكرة الحفاظ، 4/ 250، السبكي، طبقات الشافعية، 5/ 167، اليافعي، مرآة الجنان، 2/ 182- 183.
(151)
ينظر، تهذيب الأسماء واللغات، 1/ 20- 44.
(152)
المصدر نفسه، 1/ 37.
(153)
المصدر نفسه، 1/ 37.
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الأحكام وغيرها «154» ، إذ عدّ النووي نفسه عمله هذا قفزة نوعية في كتابة السيرة، إذ يقول مبينا هذا الأمر: " وهذا فصل نفيس وعادة أصحابنا يذكرونه في أول كتاب النكاح لأن خصائصه صلى الله عليه وسلم في النكاح أكثر من غيره وقد جمعتها في الروضة مستقصيا لها ولله الحمد، وهذا الكتاب لا يحتمل بسطها وأشير فيه إلى مقاصدها مختصرة إن شاء الله «155» ، وبعمله هذا أسهم إسهاما جادا في إيجاد منحى توثيقي بين كتب الفقه والحديث من جهة وكتب المؤرخين من جهة أخرى في ما يخص سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأحواله خلالها.
كانت هذه السيرة التي كتبها النووي مشابهة لمثيلاتها من السير التي كتبت في مصنفات التراجم من حيث عدم اعتماد المهتمين بالسيرة على مثل هذه الكتب، إذ لم يقتبسوا أي نص من نصوصها ولم يناقشوا أية رواية وردت فيها، باستثناء تعليق السخاوي (ت 902 هـ) عمّا أورده النووي من ذكر لأعداد خدام النبي ومواليه «156» ، إذ عدّد موالي النبي وخدامه بنحو (130) نفس من الأرقاء: من الرجال (70) ومن النساء (30) ومن الخدم الأحرار نحو (30) نفسا «157» .
وفي ختام الحديث عن تطور كتابة السيرة ضمن كتب الطبقات والتراجم نرى أن المصنفات التي كتبت في هذه المحاور قد إنعدم في معظمها التجديد والتطوير، بسبب من الأهداف والدوافع التي من أجلها صنفت هذه الكتب والتي تركزت في مجرد عرض سيرة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم مفتتحتا إياها من أجل التبرك
(154) ينظر، المصدر نفسه، 1/ 38- 44.
(155)
المصدر نفسه، 1/ 37- 38.
(156)
ينظر، تهذيب الأسماء واللغات، 1/ 33.
(157)
ينظر، موالي النبي وخدامه، مخطوط في مكتبة الأوقاف العامة، بغداد، رقم (9696- 9699 مجاميع) ، ورقة 4.
والتيمن بذكر اسمه الشريف عند ذكر أسماء الأعلام الذين يترجم لهم في هذه الكتب.
ولأجل ذلك نرى أن اثر هذه المصنفات محدود في تطور كتابة السيرة، لا من ناحية جعل سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضمن هذه المصنفات الذي هو تطور بحد ذاته، بل من ناحية عدم وجود لمسات تجديد في وجهة نظر كل واحد من هؤلاء المصنفين، لأنهم في أثناء عرضهم سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضمن مصنفاتهم لم يكونوا يريدون أن يثبتوا حجة ما، أو يناقشوا الروايات، أو أن يضيفوا أسلوبا مغايرا لما اعتادوه، بل كان عرضهم سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مجرد عرض أولي وبسيط لا يتجاوز تكرار ما ذكرته المصنفات السابقة؛ وهذا الأمر قد أشار إليه أحد الباحثين في قوله:" وإذا كان من الحق أن نقول ن كتاب التراجم لم يعنوا بالنقد والتحليل والتعليل في ترجمة الرجال أكثر مما عنوا في سرد أخبارهم وذكر آثارهم ونقلهم بعضهم عن بعض حتى تشابهت العبارات في مصادر الترجمة"«158» . وإذا كان ثمة تطور يذكر فهو في إدخال السيرة النبوية الشريفة ضمن كتب تخصصت في مجال الطبقات والتراجم للصحابة والتابعين والأصفياء والصالحين والخلفاء و
…
الخ لا غير.
وكانت هنالك مصنفات أخرى أدمجت السيرة النبوية ضمن مباحث كتبها، ولكن هذه المصنفات لم تكن مصنفات تأريخية بالدرجة الأولى بل كانت على قسمين: القسم الأول: كتب الحديث، إذ خصص بعض المحدثين قسما من كتبهم للحديث عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأحواله «159» ، والقسم الثاني: كتب
(158) حسن التراجم والسير، ص 6.
(159)
ينظر، البخاري، الصحيح، 2/ 166- 118، 3/ 2- 65، مسلم، الصحيح، 15/ 26- 118، الترمذي، الصحيح، 13/ 94- 124.
الثقافة العامة* التي تعد من ضمن كتب الأدب «160» ، إذ حوت بعض هذه الكتب سيرة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم متباينة من حيث الحجم والكم «161» .
وهذا ما بين أن المؤرخين لم يكونوا وحدهم هم الذين ادخلوا سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مصنفاتهم بل تبعهم في ذلك بعض العلماء الذين حوت كتبهم هي الأخرى عرضا لسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، الأمر الذي شكل تطورا ملحوظا في
كتابتها من جانب، وتعريف الأجيال بالترابط الصميمي بين كتب السيرة والنتاجات الفكرية الأخرى للمسلمين من حيث إن السيرة النبوية الشريفة تمثل الانعطافة المهمة في تأريخهم الحضاري من جانب آخر.
(*) وهي الكتب التبي تعنى بتسجيل الأخبار والحكايات التي تصلح للاسمار وتحقق المتعة للقراء فهي تعنى بكل غريب وطريف من الروايات وتمتاز بتناولها للمواضيع بالسطحية والاستطراد بحيث أن المؤلف ينتقل في كتابه من حديث إلى مقطوعة شعرية إلى حكمة أو خطبة ومن نبذة تاريخية إلى بحث للحيوان أو النبات، ينظر، الطرابيشي، أمجد، نظرة في حركة التأليف عند العرب، مطبعة الجامعة، دمشق، 1956، العلي، صالح أحمد، تأريخ العلماء وفهارس المصنفات في المصادر العربية، مجلة المجمع العلمي العراقي، بغداد، 1983، مج 34، ج 1/ 27.
(160)
ينظر، بروكلمان، تأريخ الأدب العربي، 3/ 92- 150.
(161)
ينظر، ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم، (ت 281 هـ) ، المعارف، ص 117- 166، ابن عبد ربه الأندلسي، أحمد بن علي، (ت 488 هـ) ، العقد الفريد، تحقيق أحمد أمين وآخرون، مطبعة لجنة التأليف والترجمة، القاهرة، 1944، 4/ 249- 255.