الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول المصنفات التي كتبت في حادثة مولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
أوردت لنا كتب الببليو غرافيا (فهارس الكتب) أسماء مصنفات عدة تناولت حادثة المولد النبوي باستقلالية وانفصال عن باقي الحوادث الأخرى «1» .
ومن ملاحظة أسماء كتّاب هذه المصنفات نجد أنهم لا يمتون بصلة إلى القرون الستة الأولى من تأريخ الإسلام- وهي مدة البحث-، وهذا ما أشار إليه السخاوي في تعداده للمصنفات التي كتبت في هذه الحادثة، اذ ذكر أن كتابة هذه المصنفات قد حصلت في القرون المتأخرة من التأريخ الإسلامي «2» ، وهذا ما أكده أحد الباحثين الذي انتهى إلى القول:" ألف المتأخرون بالمولد الشريف فجعلوا فيه أساطير وجعلوا فيه لونا من العبادة"«3» ، وقد بين ابن خلكان صدق هذه الاراء بأن حادثة المولد قد حصل الاحتفال بها أول مرة في أواسط القرن السابع الهجري واتخذت سنّة متبعة في كل عام يصنف فيها كتاب عن هذه الحادثة، ويقرأ على مسامع الناس مبينا تفاصيل حادثة المولد «4» .
(1) ينظر، حاجي خليفة، كشف الظنون، 2/ 1910- 1911، الكتابي، الرسالة المستطرفة، ص 201- 202، المنجد، معجم ما ألف عن رسول الله، ص 20- 37.
(2)
ينظر، الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التأريخ، ص 164- 165.
(3)
المنجد، مقدمة التحقيق لكتاب مولد الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم لابن كثير الدمشقي، دار الكتاب الجديد، بيروت، ط 1، 1974، ص 8.
(4)
ينظر، وفيات الأعيان، 3/ 121- 123.
ولكن بعض المكتبات احتفظت بنسخ خطية كتب عليها كتاب [مولد النبي] لمحمد بن عمر الواقدي (ت 207 هـ)«5» ، مع العلم أن المصادر التي ذكرت المصنفات التي كتبها الواقدي لم يرد فيها أي ذكر لهذا الكتاب ضمن قائمة مصنفاته «6» ، حفز هذا الأمر عدد من الباحثين على التشكيك في صحة نسبة هذا المصنف إلى الواقدي «7» .
ومن دراسة هذا الكتاب نرى فيه جوانب عدة تدفعنا إلى القول بقطعية عدم صدوره عن الواقدي، وهذه الجوانب هي:
1.
إن أسلوب الكتاب يختلف تماما عن أساليب الكتب المدونة في عصر الواقدي، إذ امتاز أسلوبه بوجود محسنات بديعية في الألفاظ ولا سيما السجع، فمن ذلك: " قالت آمنة لما حملت بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم في أول شهر من حملي وهو شهر رجب الأصم بينما أنا ذات ليلة في لذة المنام إذ دخل عليّ رجل مليح الوجه طيب الرائحة وأنواره لائحة
…
فقلت له من أنت فقال أنا آدم أبو البشر فقلت له ما تريد قال ابشري يا آمنة فقد حملت بسيد البشر وفخر ربيعة ومضر
…
ودخل عليّ رجل فقلت له من أنت فقال أنا شيث فقلت له ما تريد فقال ابشري يا آمنة فقد حملت بصاحب التأويل والحديث
…
ودخل عليّ رجل فقلت له من أنت فقال أنا إدريس فقلت له ما تريد قال ابشري يا آمنة فقد حملت بالنبي الرئيس" «8» ، ويضيف في مكان آخر من الكتاب واصفا فيه حالة
(5) ينظر، مخطوطات التأريخ والتراجم والسير في المتحف العراقي، المؤسسة العام للاثار والتراث، وزارة الثقافة والأعلام، العراق، 1982، ص 419- 420، سزكين، تأريخ التراث العربي، 1/ 472.
(6)
ينظر، ابن النديم، الفهرست، ص 111، ياقوت الحموي، معجم الأدباء، 18/ 277- 282.
(7)
بروكلمان، تأريخ الأدب العربي، 3/ 17، سزكين، تأريخ التراث العربي، 1/ 472.
(8)
مولد النبي، مخطوط في دار صدام للمخطوطات برقم (15221/ 1) ، ورقة 14- 15.
الولادة" فلما ولد صاحب الناموس وحبيب الملك القدوس بدا في حضرة كالعروس بوجه يحكي القمر نورا وشعرا يحكي سواده ديجورا
…
وحاجب حدرت رجته بالمسك تحذيرا وطرف أسنى الجمال به قريرا" «9» .
هذا هو الأسلوب الذي كتب به هذا المصنف الذي قطعت الدراسات التي تناولت مناهج المؤرخين وأساليبهم بأن استعمال المحسنات البديعية لم تظهر في الكتابة العربية بعامة، والتاريخية منها بخاصة إلا في قرون متأخرة «10» ، مع العلم أن إحدى الدراسات قد تناولت منهج الواقدي بالبحث، فكان الأسلوب الذي وصفت به كتابات الواقدي مختلفا تماما عن أسلوب هذا الكتاب «11» ، فضلا عن هذا كله فان هذا الأسلوب السجعي في الكتابة قد اتسم ب: " الابتعاد عن الحقائق والدقة، فإذا التزم السجع فلا بد من إضافة جملة قد تكون مجرد تكرار قلما تعين على توضيح صورة الشخصية أو الحادثة، وبذلك تشغل حيزا واسعا ربما كان بالإمكان تخصيصه لحقائق الأخبار
…
وبالإجمال فان استخدام السجع إذا كان قد أضفى إلى الكتابة التأريخية جاذبية في نظر القارئ المثقف فانه لم يساهم بشيء في تعميق الفهم التأريخي، كما وان استخدام السجع لم ينتج شكلا جديدا في جوهره من أشكال العرض التأريخي
…
وبالتالي لم يكن السجع أسلوبا ملائما في بحث التأريخ بصورة حية" «12» .
(9) المصدر نفسه، ورقة 23- 24.
(10)
ينظر، روز نثال، علم التأريخ عند المسلمين، ص 241- 255، جب، دراسات في حضارة الإسلام، ص 153.
(11)
ينظر الكبيسي، محمد فضيل، منهج الواقدي في كتابة المغازي، ص 121- 148.
(12)
روز نثال، علم التأريخ عند المسلمين، ص 246.
كان هذا الأسلوب في الكتابة نقطة ضعف تسجل ضد صحة نسبة هذا الكتاب إلى الواقدي لعدم توافق الأسلوب مع العصر الذي يدعّى كتابته فيه.
2.
وجود نمط شعري لم يكن مألوفا في عصر الواقدي ظهر بين أوراق هذا الكتاب، إذ وجدت العديد من المقطوعات الشعرية التي يطلق عليها المدائح النبوية «13» ، وهي من الأنماط الشعرية التي برع فيها شعراء القرون المتأخرة «14» .
3.
إغفال المصادر التي اعتمدت على مصنفات الواقدي ورواياته في السيرة لأي اقتباس أو نص من هذا الكتاب، مع العلم أن المصادر قد أجمعت على أن محمد بن سعد كان أحد الأربعة الذين استقر عندهم علم الواقدي ومصنفاته «15» ، فلم يورد ابن سعد أي نص في كتاب الطبقات وفي قسم السيرة منه بخاصة، ولا سيما في حادثة المولد، بل نقل روايات عدة عن الواقدي في هذه الحادثة لم تكن أية واحدة منها موجودة في هذا الكتاب «16» .
هذه هي الأدلة التي تغلق الباب أمام كل الاحتمالات التي قد تحاول إثبات نسبة هذا الكتاب إلى الواقدي. وتدفعنا هذه الادلة الى القول إن هذا الكتاب من نتاجات أحد القصاصين في القرون المتأخرة.
تنبه أحد الباحثين إلى ظاهرة نسبة بعض المصنفات إلى الواقدي وهو منها براء، إذ انتهى إلى القول بعد أن استعرض أحد الكتب المنسوبة إليه [فتوح المغرب] ودحض هذه النسبة ب: " ولكن مؤلفات الواقدي لم تصل إلينا جميعا
(13) ينظر، مولد النبي، ورقة 2، 3، 6، 7، 9.
(14)
ينظر، صالح، مخيمر، المدائح النبوية بين الصرصري والبوصيري، دار الهلال، بيروت، ط 1، 1986، ص 15.
(15)
ينظر، الخطيب البغدادي، تأريخ بغداد، 5/ 321، ياقوت الحموي، معجم الأدباء، 2/ 127، 7/ 55، ابن خلكان، وفيات الأعيان، 3/ 473.
(16)
ينظر، الطبقات الكبرى، 1/ 1/ 63- 64.
والذي تثبت نسبته إليه هي مغازي الرسول، بينما يشك في أن تكون فتوح الشام له بينما ما عدا ذلك مما وصل إلينا مستقلا أو منقولا في كتب المتأخرين فيشك في أصالته بل وفي صحة نسبته إليه" «17» .
بقي لنا أن نذكر أن إحدى الدراسات قد قالت إن ابن دحية الكلبي هو صاحب أول مصنف في حادثة مولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم «18» ، وسلم هذا المصنف من عوادي الدهر، ولكننا لم نستطع الاطلاع عليه لأنه ما زال مخطوطا في بعض المكتبات العالمية «19» ومن هذا نرى أن الكتابات في حادثة مولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التي نسبت لمؤرخين متقدمين قد انتابها بعض الغموض من حيث صحة نسبتها إلى مؤلفيها، إذ كان القصاص بحسب ما يصفهم الصالحي قد اسهموا إسهاما فعالا في نشر أخبار حادثة المولد من دون تتبع منهم ودراية بما يقولون ومن ثم أدرجها المتأخرون عنهم في كتبهم «20» .
(17) عبد الحميد، سعد زغلول، فتح العرب للمغرب بين الحقيقة والاسطورة الشعبية، مجلة كلية الاداب، جامعة الاسكندرية، مج 16، عدد 3، 1962، ص 8.
(18)
السندوبي، حسن، تأريخ الاحتفال بالمولد النبوي، مطبعة السنة المحمدية، 1948، ص 123.
(19)
ينظر، المنجد، معجم ما ألف عن رسول الله، ص 23.
(20)
ينظر، سبل الهدى والرشاد (السيرة الشامية) ، 1/ 395.