الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
تحتل السيرة النبوية مكانا بارزا في ثقافة المسلم، لأنها من الأولويات التي ينبغي له معرفتها لفهم المراحل التي مرت بها الدعوة الإسلامية، فضلا عن الإلمام بطبيعة الظروف والارهاصات التي سبقتها وعوامل نشأتها، وإسهام هذه الأمور مجتمعة في تكوين شخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مولده إلى أن ألتحق بالرفيق الأعلى واكتساب هذه الشخصية صفة القداسة والاحترام المطلق عند المسلمين.
ولّدت مكانة سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حافزا لدى المسلمين على توثيق كل صغيرة وكبيرة في حياة هذه الشخصية العظيمة، امتثالا لما أمر الله عباده باتباع رسوله وعدّه القدوة والمثال الذي يجب الاقتداء به، وذلك بقوله سبحانه وتعالى في محكم كتابه وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «1» ، لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ «2» .
لأجل ما تقدم كان التراث الفكري لسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأفعاله وأقواله ثرا، ولثراء هذا التراث قام أحد الباحثين بوضع معجم يتضمن أسماء المصنفات التي كتبت عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأحواله وأفعاله وأقواله ومتعلقاته الأخرى «3» .
(1) سورة الحشر، آية 7.
(2)
سورة الأحزاب، آية 21.
(3)
ينظر، المنجد، صلاح الدين، معجم ما ألف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دار الكتاب الجديد، بيروت، 1982.
دفعني هذا الثراء بالتصنيف في سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأحواله وامتلاء المكتبات العامة والخاصة بهذا التراث إلى أن أتامل ما إذا كان بالإمكان رصد التطور الحاصل في أساليب هذه المصنفات ومناهجها بمختلف صورها والوصول بذلك إلى معيار شمولي يبين المناحي التي كتبت بها سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والجوانب التي خصها المصنفون بالعرض منها دون غيرها من جوانب السيرة الأخرى، أو التركيز في جانب دون آخر، وتشكيل هذه المصنفات مجتمعة الهيكل العام لسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي من خلاله رصدنا التطور الحاصل في كل مصنف من هذه المصنفات وأثره وفعاليته في هذا الهيكل من حيث التجديد في طرح الروايات ومناقشتها أو التوسعة في سرد الأحداث أو اختصارها.
وصلت إلى القناعة بجدوى الشروع برصد التطور الحاصل في كتابة السيرة النبوية بدراسة شاملة تنتهي بنهاية العصر العباسي أسميتها (تطور كتابة السيرة النبوية عند المؤرخين المسلمين حتى نهاية العصر العباسي) ، بعدما وجدت المكتبة العربية تفتقر إلى دراسة أكاديمية من هذا النوع- على حدود إطلاعي المتواضع- وإجابة العديد من الأساتذة المختصين بمثل هذه المواضيع عن افتقار الدراسات الأكاديمية- على حدود علمهم- التي تناولت رصد التطور الحاصل في كتابة السيرة إلى نهاية المدة التي حددتها في هذه الدراسة، فلم تكن هنالك دراسات تناولت هذا الجانب إلا بعض الدراسات التي ناقشت جوانب من مصنفات السيرة في مدة محددة بقرن او قرنين فقط. فمن هذه الدراسات، دراسة المستشرق الألماني يوسف هوروفتس (المغازي الأولى ومؤلفوها) ، ودراسة
الدكتور عبد العزيز الدوري (بحث في نشأة علم التأريخ عند العرب) ، ودراسات أخرى سارت على منوال هاتين الدراستين ولم تخرج من الفلك الذي دارت فيه، وقد أشرنا الى هذه الدراسات في قائمة المصادر والمراجع. ونهج باحثون اخرون إلى أخذ قسم من مصنفات السيرة والمحاور التي تضمنتها هذه المصنفات، مثل دراسة الدكتور عبد العزيز الدوري عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومؤلفها ابن إسحاق التي أكملتها دراسة الدكتور حسن الحكيم التي بين فيها ريادة محمد بن إسحاق في كتابة السيرة النبوية واردافه هذه الدراسة بدراسة أخرى عرض فيها منهج ابن الجوزي في كتابة السيرة النبوية بكتابه (المنتظم) ، وخصص الدكتور محمد فضيل الكبيسي دراسة مستقلة لمحمد بن عمر الواقدي وكتابه المغازي عرض فيها منهجه وموارده في الكتاب، فضلا عن وجود دراسات أخرى تناولت تقويم بعض مصادر السيرة مثل دراسة الدكتور فاروق حمادة (مصادر السيرة وتقويمها) ، ودراسة أخرى سارت على منوالها ولكن لمصنفات محدودة في عصر معين وهي دراسة الأستاذ محمد عطا الله سلمان (مقاصد المؤرخين المسلمين في كتابة التراجم والسير في القرنين الثاني والثالث الهجري) ، فضلا عن وجود دراسات أخرى تناولت مناهج المؤرخين في كتابة الحوادث التأريخية بصورة شمولية مع جعل سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إحدى الفقرات التي تناولتها دراساتهم لهؤلاء المؤرخين، مثل دراسة المستشرق روز نثال (علم التأريخ عند المسلمين) ، ودراسات أخرى أثبتناها في قائمة المصادر والمراجع.
ولما كان التراث الفكري لسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ثرا آليت أن أحصر هذا التراث بمدة محددة جعلتها نهاية العصر العباسي، إذ كان لاختيار نهاية هذا العصر دافع ملموس، تمثل بكون المؤرخين ومصنفي السيرة بخاصة قد استنزفوا معظم الأنماط والمحاور الكتابية في مصنفاتهم إن لم نقل كلها، أشار أحد الباحثين إلى ذلك الأمر حين وصف المصنفات المتأخرة لسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالقول:" إن أكثرها كان جمعا لروايات مختلفة أو قبولا لبعض الأساطير المتأخرة، وربما كان أيضا شرحا لبعض الألفاظ والمناسبات أو نظما لأحداث السيرة أو تلخيصا لها"«4» .
ساعدت هذه الأمور مجتمعة على تكامل فكرة الموضوع والشروع فيه لما له من أهمية بارزة في مجال الدراسات التأريخية من حيث أن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانت أحدى الركائز التي استندت اليها كتابة التأريخ عند المسلمين ودخلت في معظم صورها المتنوعة، فضلا عن ذلك إن هذه الدراسة تعطينا إيضاحا للدوافع التي كتبت من أجلها بعض مصنفات السيرة، وأثر العصر في تطور كتابة كل مصنف من هذه المصنفات، مع تبيان المناهج التي كتبت بها واستقلاليتها بسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو شموليتها لباقي الحوادث الأخرى مع إبراز طبيعة الروايات التي حوتها كل من هذه المصنفات مقارنة بسابقتها من حيث قوة الرواية أو ضعفها ودرجة اعتماد من تأخر عنها، وأقوال العلماء في كل مصنف من هذه المصنفات إن وجد.
(4) عباس، إحسان، فن السيرة، دار الثقافة، بيروت، 1956، ص 16- 17.
ولما كان لكل دراسة مشاقها وصعوباتها فقد تكالبت عليّ صعوبات جمة، كان أهمها بقاء العديد من مصنفات السيرة وجوانبها مخطوطا في خارج القطر مما يصعب الحصول عليه للتكاليف الباهظة في تصويره، والذي خفف من حدة هذه الصعوبة، ان هذه المصنفات كانت من المصنفات المتأخرة التي لم يكن لها أثر يذكر في المصادر التي أتت بعدها، مع وجود مصنفات مشابهة لها في المسلك والمنحى والجانب الذي تناولته من سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد وصلت إلينا كانت أكثر أهمية منها والدليل على ذلك شدة اهتمام العلماء بها قياسا بقريناتها.
وحاولنا عرض هذه المصنفات وإسهاماتها في تطور كتابة السيرة، والصعوبة الأخرى التي واجهتني هي طبيعة البحث نفسه الذي تطلب مني جهدا ووقتا مضاعفا في سبيل إكمال فقراته التي تحتاج إلى قراءة شاملة للكتاب الذي يعرض سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وجوانبها المتعددة حتى أخرج بمحصلة نهائية لكل كتاب أثبتها على شكل نقاط تبين وجهة نظري فيه ومدى إسهامه في تطور كتابة السيرة وذلك بمقارنته مع المصنفات التي سبقته وأثره في المصنفات التي أتت بعده، والصعوبة الكأداء التي يعاني منها كل باحث هي ظروف الحصار الظالم الذي يعانيه شعبنا المناضل وما لحقه من تبعات وصعوبات.
اقتضت طبيعة البحث تقسيمه على أربعة فصول ومقدمة وخاتمة، وذلك بحسب طبيعة البحث والخطة التي فرضتها المادة التي توفرت بين أيدينا، تناول الفصل الأول من هذا البحث المدلول اللفظي للسيرة مع ذكر المصادر الأولى والجهود المبكرة لكتابتها، وقسمناه على مبحثين خصص المبحث الأول للتعريف
بلفظة السيرة واشتراكها بلفظة المغازي واستقلالية هذه اللفظة بسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أما المبحث الثاني فقد عرض المصادر الأولى للسيرة النبوية وإرداف هذه المصادر بعرض سريع للجهود المبكرة في تدوين هذه السيرة ابتداء من كتابات الصحابة ومدونات التابعين حتى ظهور أول سيرة شاملة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
أما الفصل الثاني فقد كرس لدراسة المصنفات التي كتبت عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من مولده إلى التحاقه بالرفيق الأعلى بشمولية واستقلال عن باقي المصنفات التي ضمنت سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضمن مواضيعها، إذ قسمنا هذا الفصل على مبحثين بحسب طبيعة هذه المصنفات. تناول المبحث الأول المصنفات التي عرضت سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بإسهاب وتوسع، أما المبحث الثاني فقد خصص للمصنفات التي عرضت هذه السيرة باختصار واقتضاب.
لتنوع الصور التي كتبت بها سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ودخولها في معظم الجوانب التي كتب بها المؤرخون جعلنا الفصل الثالث للحديث عن طبيعة المصنفات التي دخلت فيها سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصبحت جزء لا يتجزء منها، وهذا ما جعل هذا الفصل ينقسم هو الاخر على مبحثين فقد كان المبحث الأول مكرسا لعرض المصنفات التي كتبت في التأريخ العام، والتي حوت سيرة شاملة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مضامينها واثر هذه المصنفات في تطور كتابة السيرة وذلك بما أكسبته لها من مناهج وأساليب لم تعرفها المحاولات الأخرى التي قام بها المؤرخون حين ضمنوا السيرة النبوية في مصنفات أخرى أو خصصوا مصنفا
مستقلا لها، الأمر الذي جعل هذا المبحث من أثرى مباحث هذا الفصل، بل ومباحث فصول الرسالة جميعها من حيث كمية المصنفات التي عرضت فيه فضلا عن تباين هذه المصنفات بعضها مع البعض الاخر في الطرح والأسلوب لأحداث السيرة والحيز المخصص لها في كل مصنف من هذه المصنفات، أما المبحث الثاني فقد بين التطور الحاصل في كتابة سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضمن كتب الطبقات والتراجم، وطبيعة هذا التطور قياسا بسابقيه، أو ما تزامن معه من تطورات في كتابة السيرة.
أما الفصل الرابع فقد كان من أوسع فصول الرسالة لطبيعة التطور الذي طرأ على كتابة السيرة والذي تمثل بظهور التصنيف الموضوعي والمستقل للعديد من جوانب السيرة باجتزاء واستقلالية عن باقي المصنفات التي عرضت سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأحواله بشمولية، ولتنوع الجوانب التي كتبت بها هذه المصنفات كان هذا الفصل ثريا في مباحثه إذ حوى ستة مباحث كان الأول منها مخصصا للحديث عن المصنفات التي كتبت عن حادثة مولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبينا فيه وضع وزيف بعض المصنفات التي كتبت عن هذه الحادثة قبل القرن السابع الهجري، أما المبحث الثاني فقد كرس للحديث عن المصنفات التي كتبت عن ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه ومتعلقيه، وطبيعة تنوع هذه المصنفات وإسهامها في تطور كتابة السيرة، أما المبحث الثالث فقد عرض المصنفات التي كتبت في مغازي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وطبيعة هذه المصنفات ومدى فعاليتها وديمومتها طوال العصر العباسي، أما المبحث الرابع فقد كان مخصصا للحديث عن المصنفات التي
كرسها أصحابها لذكر ووصف أخلاق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وشمائله، مع تبيان أثر المحدثين ودورهم في كتابة مثل هذه المصنفات التي كانت فرزة من أبواب كتب الحديث ومضامينها، وتناول المبحث الخامس المصنفات التي كتبت عن أعلام ودلائل النبوة وتثبيتها، وإظهار الدور الذي لعبه المتكلمون في إيجاد مثل هذه المصنفات التي اجتزئت من كتب علم الكلام لتكون أكثر فعالية في مواجهة الدعاوى المنحرفة في إنكار النبوات والمعجزات، أما المبحث السادس فقد خصص للتعريف بالمصنفات التي كتبت عن الخصائص التي اختص بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من بين الأنبياء والبشر مع عرض للمصادر التي اعتمدتها هذه المصنفات وتبيان تأخر هذا الاتجاه في كتابة هذا الجانب من سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
ختمنا هذه الدراسة بعرض سريع لأهم النتائج والمحصلات التي خرجنا بها مع إرداف هذا العرض ببعض التوصيات التي إن حظيت بالقبول فلعلها ترفد التراث الفكري لسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والدراسات العلمية له، وتفسح المجال أكثر للباحثين أن يخوضوا غمار هذا التراث ويتناولوه بدراسات أوسع واشمل.
وأثبتنا في نهاية أوراق هذه الدراسة ثبتا بالمصادر والمراجع التي اعتمدنا عليها، التي كان من أهمها (السيرة النبوية) التي كتبها محمد بن إسحاق (ت 151 هـ) وهذبها عبد الملك بن هشام (ت 218 هـ) ، وكتاب (المغازي) لمحمد ابن عمر الواقدي (ت 207 هـ) ، و (الطبقات الكبرى) لمحمد بن سعد (ت 230 هـ) ، وكتاب (تأريخ الرسل والملوك) لمحمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ) ، إذ كان البحث يعول عليها كثيرا في استشهاداته ومقارناته
فضلا عن كون هذه المصنفات قد كانت المصادر الرئيسة التي اعتمدت عليها معظم إن لم نقل كل المصنفات التي كتبت عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وجوانبها المختلفة.
استعنا في ترجمة مصنفي كتب السيرة وجوانبها بالعديد من كتب التراجم التي تباينت هي الأخرى في مقدار المعلومات التي أثبتتها عن هؤلاء المصنفين، إذ كان في طليعة هذه الكتب كتاب (تأريخ بغداد) للخطيب البغدادي (ت 463 هـ) ، و (معجم الأدباء) لياقوت الحموي (ت 626 هـ) ، و (وفيات الأعيان) لابن خلكان (ت 681 هـ) ، و (تذكرة الحفاظ) للذهبي (ت 748 هـ) ، و (البداية والنهاية) لابن كثير الدمشقي (ت 774 هـ) ، و (تهذيب التهذيب) لابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) ، فضلا عن العديد من كتب التراجم التي اجملناها في قائمة المصادر والمراجع.
ولما كان بعض التراث الفكري لسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مفقودا، استعنا بكتب البيبلو غرافيا (فهارس الكتب) للإشارة الى هذا التراث المفقود، وكان في طليعة هذه الكتب كتاب (الفهرست) لابن النديم (ت 381 هـ) ، وكتاب (الاعلان بالتوبيخ لمن ذم التأريخ) للسخاوي (ت 902 هـ) ، وكتاب (كشف الظنون) لحاجي خليفة (ت 1067 هـ) ، وكتاب (هدية العارفين) للبغدادي، وكتاب (معجم ما ألف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للدكتور صلاح الدين المنجد، فضلا عن مصنفات أخرى عرضت قسما من هذا التراث أجملناها في قائمة المصادر والمراجع، لأنها لم تكن بأهمية هذه المصنفات التي عرضناها آنفا.
كان للدراسات الحديثة التي كتبها الباحثون دور فعال في رفد هذه الرسالة بما توصلوا إليه من نتائج أغنت البحث والباحث عن مراجعة العديد من المصنفات واستقرائها، ومن أهم هذه الدراسات، دراسة المستشرق الالماني يوسف هور وفتس (المغازي الأولى ومؤلفوها) ، ودراسة الدكتور عبد العزيز الدوري (بحث في نشأة علم التأريخ عند العرب) ، إذ كانت هاتان الدراستان في طليعة هذه الدراسات لأن كل واحدة منها حوت بحثا معمقا للجذور الأولى لكتابة السيرة النبوية، وتداخلاتها مع المصنفات الأخرى، ثم دراسة المستشرق فرانتز روز نثال (علم التأريخ عند المسلمين) التي أعانتنا كثيرا في فهم المراحل التي مرت بها الكتابة التأريخية وأنماطها وطبيعة هذه الأنماط، وقد أكملت هذه الدراسة دراسة الدكتور شاكر مصطفى (التأريخ العربي والمؤرخون) التي كانت هي الأخرى منارا نستضيء به لمعرفة المصنفات التأريخية ومراحل كتابتها، فضلا عن دراسات أخرى كانت أضيق أفقا من هذه الدراسات السابقة لا نحسارها بعصر أو مكان معين أو شخصية مؤرخ، أثبتناها في قائمة المصادر والمراجع.
وانهي مقدمتي بتأكيد إحدى حقائق التكوين وهي أن الله تعالى قضى لكل كتاب أن يتطرق إليه النقص إلا كتابه المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وما بذلته في هذه الدراسة كان جل وسعي، فإن أصبت فتوفيق من الله وإن أخطأت فهذا شأن البشر، رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ «5» .
(5) سورة البقرة، آية 286.