الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصة موسى والخضر
وفي قصة موسى والخضر 1 عليهما السلام مسائل:
1 قوله تعالى: (وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا) الآيات: 60-82.
فالأولى: ما يتعلق بجلال الله وعظمته، وفيه مسائل:
الأولى: معرفة سعة العلم لقوله: "ما نقص علمي وعلمك" 1، وهذا من أعظم ما سمعنا من عظمة الله.
الثانية: الأدب مع الله لقوله: "فعتب الله عليه".
الثالثة: الأدب معه أيضا في قوله: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} 2، وقوله:{فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} 3.
الرابعة: معرفة أنواع سعة جود الله تعالى، ومن ذلك العلم اللَّدُنيِّ.
الخامسة: الأدب معه تعالى بمعرفة أن له أسرارا في خلقه تخفى على الأنبياء، فلا ينبغي الغفلة عن هذه المهمة.
السادسة: الأدب معه في تعليق الوعد بمشيئة الله مع العزم.
السابعة: معرفة شيء من عظيم قدرة الله من إحياء الموتى، وجعله سبيل الحوت في الماء طريقا، وغير ذلك; ومعرفة هذه مع الأولى هما اللتان خُلِقَ العالم العلوي والسفلي لأجل معرفتنا بهما.
الثاني: ما يتعلق بأحوال الأنبياء وفيه مسائل:
1 سيأتي هذا من كلام الخضر.
2 سورة الكهف آية: 79.
3 سورة الكهف آية: 82.
الأولى: أن النبي يجوز عليه الخطأ.
الثانية: أنه يجوز عليه النسيان.
الثالثة: فضيلة نبينا صلى الله عليه وسلم بعموم الدعوة لقوله: (موسى بني إسرائيل) .
الرابعة: ما جُبِلَ عليه موسى عليه السلام من الشدة في أمر الله.
الخامسة: أنه لا ينكر إصابة الشيطان للأنبياء بما لا يقدح في النبوة لقوله: {نَسِيَا حُوتَهُمَا} مع قوله: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} 1.
السادسة: ما عليه الإنسان من البشرية ولو كان نبيا. وذلك من أدلة التوحيد، وذلك من وجوه منها قوله:{اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} .
الثالث: مسائل الأصول وفيه مسائل: أعظمها التوحيد، ولكن سبق آنفا فنقول:
الأولى: الدليل على اليوم الآخر، لأن من أعظم الأدلة إحياء الموتى في دار الدنيا.
الثانية: إثبات كرامات الأولياء على القول بعلم نبوة الخضر.
الثالثة: أنه قد يكون عند غير النبي من العلم ما ليس عند النبي.
الرابعة: إذا احتمل اللفظ معاني فأظهرها أولاها كما قال الشافعي.
الخامسة: إثبات الصفات، كما هو مذهب السلف.
الرابع: 2 ما فيها من التفسير:
1 سورة الكهف آية: 63.
2 أي العلم الرابع.
الأولى: أن المذكور هو الخضر، لا كما قال الحرُّ بن قيس 1.
الثانية: أن موسى هو المشهور عليه السلام خلافا لنوف 2:
الثالثة: أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر لهم ألفاظ القرآن كما بلّغها.
1 روى البخاري بسنده عن ابن عباس أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى، قال ابن عباس: هو خضر، فمر بهما أُبَيّ بن كعب فدعاه ابن عباس فقال: إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إلى لقيّه، هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينما موسى في ملإ من بني إسرائيل جاءه رجل فقال: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ قال موسى: لا، فأوحى الله إلى موسى: بلى، عبدنا خضر. فسأل موسى السبيل إليه، فجعل الله له الحوت آية، وقيل له: إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه.. " صحيح البخاري (كتاب العلم) .
2 روى البخاري بسنده عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن نوفا البكالي يزعم أن موسى ليس بموسى إسرائيل، إنما هو موسى آخر، فقال: كذب عدو الله، حدثنا أبيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم: قام موسى النبي خطيبا في بني إسرائيل ، فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال; أنا أعلم، فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى الله إليه: أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك.. " صحيح البخاري (كتاب العلم) .
ونوف هذا هو: نوف بن فضالة البكالي أحد علماء التابعين وإمام دمشق في عهده، توفي حوالي سنة 95 هـ، وكان راويا للقصص، وهو ابن زوجة كعب الأحبار. راجع مثلا: تهذيب التهذيب جـ 10 ص 490.
الرابعة: أن قوله: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} أبلغ من قوله: (ألم أقل) .
الخامسة: أن قوله: {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} 1 المراد سفينة سالمة من العيب.
السادسة: أن غداهما هو الحوت.
السابعة: أن قوله: {عَجَباً} أي لموسى 2 وفتاه.
الثامنة: أنه لا يجوز تفسير القرآن بما يؤخذ من الإسرائيليات، وإن وقع فيه من وقع.
التاسعة: أن السلف يشددون في ذلك تشديدا عظيما، لقوله:(كذب عدو الله) .
العاشرة: أن الوعد على العمل الصالح ليس مختصا بالآخرة، بل يدخل فيه أمور الدنيا حتى في الذريّة بعد موت العامل.
الخامس: آداب العالم والمتعلم: ففيه مسائل:
الأولى: تسمية التلميذ الخادم فتى.
الثانية: أن تلك الخدمة مما يرفع الله بها كما رفع 3 يوشع.
الثالثة: تعلم العالم ممن دونه.
الرابعة: اتخاذ ذلك نعمة يبادر إليها، لا نقمة يبغضها.
الخامسة: التعلم بعد الرياسة.
1 سورة الكهف آية: 79.
2 في س "موسى".
3 هو يوشع بن نون فتى موسى وتابعه، وقد ورد ذكره في الحديث السابق.
السادسة: الرحلة في طلب العلم.
السابعة: رحلة الفاضل إلى المفضول.
الثامنة: ركوب البحر لطلب العلم.
التاسعة: شروط الشيخ على المتعلم.
العاشرة: التزام المتعلم للشروط.
الحادية عشرة: الاعتذار بالنسيان.
الثانية عشرة: قبول الاعتذار.
الثالثة عشرة: أدب المتعلم لقوله: {هَلْ أَتَّبِعُكَ} إلى آخره.
الرابعة عشرة: قبول نصيحة الشيخ لعلمه منك ما لا تعلمه من نفسك، وإن كنت أفضل منه.
الخامسة عشرة: أن من المسائل ما لا يجوز السؤال عنه.
السادسة عشرة: أن من المسائل ما لا ينبغي للمسؤول أن يجيب فيها.
السابعة عشرة: إعفاء المعلم مما يكره.
الثامنة عشرة: مفارقة المتعلم إذا خالف الشرط.
التاسعة عشرة: احتمال المشاق في طلب العلم لقوله: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} 1.
السادس: ما فيها من مسائل الفقه:
الأولى: عمل الإنسان في مال الغير بغير إذنه إذا خاف عليه الهلاك.
الثانية: ليس من شروط الجواز خوف الهلاك، بل قد يجوز للإصلاح لقصة الجدار.
1 سورة الكهف آية: 62.
الثالثة: أنه ليس من شروط المسكين في الزكاة أنه لا مال له.
الرابعة: أنه استدل بها على أنه أحسن حالا من الفقير.
الخامسة: أنه لا بأس بالسؤال في بعض الأحوال، لقوله:{اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} .
السادسة: أن من لم يُعْطَ يتعز بهذه القصة. وكم ممن هان على الناس وهو جليل عند الله، وقد قيل:
وإن رُددت فما في الرد منقصةٌ عليك قد رد موسى قبل والخضر.
السابعة: أن الإجارة تجوز بغير بعض الشروط التي شرط بعض الفقهاء.
الثامنة: أنه يجوز أخذ الأجرة على العمل الذي لا يكلف، خلاف ما توهمه بعضهم.
التاسعة: الترحم على الأنبياء، وأنه لا يغضّ من قدرهم، بل هو من السنّة.
العاشرة: أن تمني العلم ليس من التمني 1 المذموم.
1 هذه والتي قبلها مأخوذة من الحديث السابق: حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم في ختامه يرحم الله موسى، لوددنا لو صبر حتى يقصَّ علينا من أمرهما. وقد ورد فيه أيضا أنهما لما ركبا السفينة جاء عصفور فوقع على حرفها "فنقره نقرة أو نقرتين في البحر، فقال الخضر: يا موسى، ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كنقرة هذا العصفور في البحر".
الحادية عشرة: أن السلام ليس من خصائص هذه الأمة.
الثانية عشرة: كيف الجواب إذا سئل: أي الناس أعلم؟
الثالثة عشرة: خطأ من قال بخلوّ الأرض من مجتهد.
الرابعة عشرة: التعزي باختيار الله وحسن الظن به فيما تكره النفوس.
الخامسة عشرة: الخوف من مكر الله عند النعم.
السادسة عشرة: أن قوله: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} 1 لا يعدّ من الشكوى.
السابعة عشرة: الفرق بين المسألة المأمور بها والمنهي عنها; وإن كان فاعلها معذورا بل مأجورا.
الثامنة عشرة: سفر الاثنين من غير ثالث للحاجة.
التاسعة عشرة: أن الخضر معروف في ذلك الزمان لقوله: لمّا عرفوه حملوه بغير نول. 2.
العشرون: أن احتمال المنّة في مثل هذا لا بأس به.
الحادية والعشرون: شكره نعمة الخلق.
السابع: المنثور والجامع.
الأولى: القصة بجملتها من أعجب ما سمع; ولا يعرف في نوعها مثلها.
الثانية: عين الحياة وما لله من الأسرار في بعض المخلوقات.
1 سورة الكهف آية: 62.
2 ورد هذا أيضا في الحديث السابق المشار إليه، وهو في صحيح البخاري (كتاب العلم) . النول: جعل السفينة وثمن ركوبها.
الثالثة: ما ابتلي به موسى عليه السلام مما لا يحتمل، مع وعده الصبر وتعليقه بالمشيئة.
الرابعة: نسيان الفتى الحوت في ذلك اليوم وتلك الليلة وبعض اليوم الثاني، مع أنه لم يكلف إلا ذلك، ومع أنه زادُهما يُحمل، على الظهر.
الخامسة: الآية العظيمة في الماء 1 لما صار طاقا، حتى قيل إن هذا لم يقع إلا له منذ خلقت الدنيا.
السادسة: أن الشيطان يتسلط تسلطا لا يعرف، لكونه تسلط على يوشع بالنسيان العجيب.
السابعة: الفرق بين العبودية الخاصة والعبودية العامة.
الثامنة: الرد على منكري الأسباب لأنه سبحانه قادر على إنجاء السفينة، وتثبيت أبوي الغلام، وإخراج أهل الكنز له بدون ما جرى.
التاسعة: الرد على من قال: إن موسى لا يجوز له السكوت لأنه اعتذر بالنسيان، ولأنه لا يعد من نفسه ترك واجب.
العاشرة: الحكم بالظاهر لقوله عليه السلام: {نَفْسًا زَكِيَّةً} .
الحادية عشرة: تسمية المدينة قرية.
الثانية عشرة: التأويل في كلام الله وكلام العرب غير ما يريد المتأخرون.
1 ورد في بعض الآثار: روي أن الماء انجاب عن مسلك الحوت، فصار طاقة مفتوحة فدخلها موسى حتى انتهى إلى الخضر، راجع: فتح الباري جـ 1 ص 154.
الثالثة عشرة: أن المال قد يكون رحمة 1 من الله وإن كان مكنوزا.
الرابعة عشرة: أن فائدة طلب العلم للرشد.
الخامسة عشرة: نصيحة المعلم للمتعلم إذا أراد السؤال عمّا لا يحتمله.
السادسة عشرة: أن ذلك الممنوع قد يكون أفضل ممن يعرف ذلك.
السابعة عشرة: أن الكلام قد يقتصر فيه على المتبوع لقوله: {فَانْطَلَقَا} كما قيل في قوله: {اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً} 2.
فيها خمس مسائل:
الأولى: كون الله فرض على نبيه أن يخبرنا عن نفسه الخبر الذي تصديقه في قوله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} 4.
الثانية: فرض عليه إخبارنا بتوحيد الألوهية، وإلا فتوحيد الربوبية لم ينكره الكفار الذين كَذَّبوه وقاتلوه.
الثالثة: تعظيمه بقوله {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} 5، كما تقول لمن خالفك: كلامي مع من يدَّعي أنه من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
الرابعة: أن من شروط الإيمان بالله واليوم الآخر أن لا يشرك بعبادة
1 في س "رحمة الله".
2 سورة البقرة آية: 38.
3 سورة الكهف آية: 110.
4 سورة ال عمران آية: 128.
5 سورة الكهف آية: 110.
ربه أحدا، ففيه التصريح بأن الشرك في العبادة ليس 1 في الربوبية، وفيه الرد على من قال: أولئك يستشفعون بالأصنام، ونحن نستشفع بالصالحين، لأنه قال:{وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} 2، فليس بعد هذا بيان.
وافتتح الآية بذكر براءة النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أقرب الخلق إلى الله وسيلة، وختمها بقوله:{أَحَدًا} :
واعلم رحمك الله أنه لا يعرف هذه الآية المعرفة التي تنفعه إلا من يميز بين توحيد الربوبية وتوحيد 3 الألوهية تمييزا تاما، وأيضا يعرف ما عليه غالب الناس، إما طواغيت ينازعون الله في توحيد الربوبية الذي لم يصل شرك المشركين إليه، وإما مصدق لهم تابع لهم، وإما رجل شاك لا يدري ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يميز بين دين الرسول ودين النصارى، والله أعلم.
1 في س وفي 516-86 "ليست".
2 سورة الكهف آية: 110.
3 في س "وبين توحيد".