الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
لا يخفى على كل أديب أريب، أن علم الأَنساب من العلوم التي يحرص على اقتنائها أولو الأَلباب، وأَنها من الأُمور التي تتعلق بها أشياء كثيرة من معاني أحكام الشريعة الإسلامية، كالأَنكحة، من الولاية والكفاءَة والتحريم، وكالعقل، والموارثة، وغير ذلك مما يطول ذكره، قد حضّ الشارع على حفظ الأنساب، وحرَّم انتساب المَرْءِ إلى غير عشيرته، فمن لم يحفظ نَسَبَهُ لم يعرف نِسْبَتَهُ، ولعله ينتسب إلى قبيلة أخرى، للجهل بمعرفة أصل نسبه، فلهذا يجب صرف العناية إلى معرفة الأنساب، لكي يتمكن من الانتساب على الأمر الصواب، قال الله تعالى:(ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ)
(1)
والنسب من أعظم الأواصر الجامعة بين الناس، ومع ذلك فإننا لم نجد كتابًا جامعًا لأنساب قبائل عُمَان، على كثرتها وشهرتها، وذلك لصرف عناية علمائها وهممهم إلى ما هو الأَهمّ، ومن معرفة أصول الدين، وأحكام الحلال والحرام.
(1)
سورة الأحزاب، الآية 5.
وما ذكره العلامة العَوتَبِي في تاريخه من أنساب قبائل عمان، لم يكن شاملًا لجميعها، بل ولا لأكثرها، وكذلك صاحب (كشف الغمّة)، لم يستوعب ذكر الأنساب، ولم يأت به على الوجه المراد، ثم لم يتعرض لذلك أحد من المؤلفين من بعدهم، حتى أتاح الله الكريم لهذا الشأن العظيم رغبة أخينا العلامة الجليل الباحث النبيل الشيخ سالم بن حمود بن شامس السِّيابي السَّمَائلي، فصرف عنايته إلى مطالعة الأنساب، ومراجعة الشيوخ، وكلّ من يعلم أن له إلمامًا ولو بالشيء اليسير من هذا الفن، حتى تَسَنَّى له إبراز هذا التأليف، الذي جمع به من نسب قبائل عمان كل لفيف، فهو أول كتاب برز من مخبَّآتِ إلى عالم الظهور، مُسْتَقِلٍّ في إيضاح أنساب القبائل العمانية، من العدنانية والقحطانية، وقد بذل المؤلِّف جهده في تطبيق هذه الأَنساب، وإلحاق بعض القبائل ببعض، مع بيان بعض مآثر القبائل وآثارها وذكر فضل بعض مشاهير القبيلة، وعلمائها، وخيارها.
وسوف يكون هذا السفر الجليل مع صغر حجمه مرجعًا لأهل عُمان في معرفة قبائلها، وأنسابها، ومفاخرها، وأحسابها.
وهو مع هذا كأنموذجِ من كتابه (العنوان الكافل بتاريخ عُمَان) وقد نوَّه به في مواضع من كتابه هذا، وأحال إليه كثيرًا من أحوال عمان، وذكر أخبارها، وتراجم أعيان رجالها.
وقد كنت أكبر مشجِّع له في إتمام هذا الكتاب، الخاص بذكر الأنساب، إجابة مني لما طلبه إليَّ صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن سعيد بن غَبَّاش -نزيل قطر حالًا والقاضي السابق برأس الخيمة، ثم بالخُبَر للحكومة السعودية- فإنه ما زال يكتب إِلي أَن أُرسل إليه شيئًا من أنساب قبائل عمان، أَو كتاب العَوتَبي في التاريخ والأنساب
(1)
فرأيت الكتاب المذكور لا يطفئ غلته ولا يروي صداه، وأَنا لم يكن لديَّ من المصادر الكافية في هذا الشأن، فكان من حسن الصُدف والحظ، أَن اجتمعت بأخينا العلامة مؤلف هذا الإسعاف، فذكرت له ما طلبه المذكور، فأَخبرني بأَنَّه قد شرع في جمع هذه القبائل في سِفر مفرد، ولكنَّه صار يقدّم فيه رجلًا ويؤخر أخرى، فأَلححت عليه بأن يتمَّه، إسعافًا لطلب المذكور، فوعدني ثم ماطلني بالوفاء، ولست ألومه على ذلك، لأَن وضع هذا التأليف على هذا النسق، مع قلّة المادة وقلة المراجع الكافية، أَمر ليس بالهيّن، ولكني لم أقبل له عذرًا، ولم أترك له مُتَأَخَّرًا، وكان قدري عنده عظيمًا، فلم يسعه خلافي، ولم ير إلا إِسعافي، فأَرسله إِليّ في هذه الأيام، وطلب مني له التنقيح والتصحيح والإِتمام، ولكن بضاعتي في هذا الفنّ مزجاة، وليس عندي
(1)
للشيخ أبي مسلم العوتبي الصحاري. واسم كتابه: "موضّح الأنساب" ولا يزال مخطوطًا. (ص).
ما رامه مني، إلا أني لم أَستطع أَن أُخيب أَمله، فأدخلت في الكتاب زيادات لا تخلو من فوائد، فبعض الزيادات أَلحقتها بنفس الكتاب وجعلتها مع كلام المؤلف بحيث يحسبها الواقف عليها كأنها منه وإِنما دعاني لذلك، تفويضه لي في كتابة ما أَراه من زيادة أَو تغيير، وبعض تلك الزيادات جعلتها كالحاشية للكتاب مميزة عنه في حواشِيَ مَعنونة بلفظة قَوْله.
ومع كثرة اجتهاده وبذله وسعه في تخريج أنساب هذه القبائل العمانية، فقد أَهمل جملة من قبائلها المشهورة، كقبائل النعيم المشهورين بعمان، ولعلَّه اكتفى بما ثبت لهم من النسب في قبائل نجد، المذكورة في الكتاب الحافل ببيان القبائل النجدية، ولا شك أن هذه القبيلة من صميم قبائل العرب المعروفة، وفيها شعوب كثيرة تنضم إليها نسبًا وحلفًا، كالصلوف والخواطر وغيرهم، وقبيلة الشوامس وتسمى في بلاد الظاهر آل بوشامس، وبعضها في داخلية عمان مثل بلد فنجا من وادي سمائل وغيرها، وهي قبيلة مشهورة وفيها من رجال الفضل والبطولة جملة غير منكورة، وكذلك قبيلة بَنِي حِيَا فهي من أشهر القبائل كرمًا وحلمًا ونجدة، وأكثر هذه القبيلة في بلد ضنك، وبها الشيخ أحمد بن محمد اليحيايي، الذي يضرب به المثل في الجود والوفاء والإِصلاح بعمان، وبعضها ببلد بهلا من جوف عمان، وبعضها في بلد السيب من باطنة عمان، وما
أَظنه أَضرب عن ذكر هذه القبائل وغيرها ممن لم يذكره منها، إلا سهوًا وغفلة، وعسى أَن ينتبه لها فيذكرها استدراكًا، عفا الله عنه وجزاه عنا خيرًا، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
إبراهيم بن سعيد العبري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يقول في كتابه العزيز: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)
(1)
، وصلى اللهُ على سيدنا محمد القائل لأصحابه:(تعلموا من الأنساب ما تعرفون به أصولكم وتصلون به أرحامكم، ولا تكونوا كنبط السواد، يسأل أحدهم فيقال له: ممن أنت؟ فيقول من قرية كذا)، وسلم عليه ما تليت أحاديثه الغرا، وسيره الزَّهرا، وعرفت بين العالمين أوامره ونواهيه فجاءت تترى، وعلى آله الحافظين لسياق أنسابهم، والآخذين بسلاسل سلالاتهم وآدابهم، وعلى أتباعه المدوِّنين لآثارهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه رسالة جمعت فيها من أنساب أهل عمان ما أمكنني جمعه، وسردت فيها من ذلك ما أمكنني سرده، إسعافًا لرغبة الطالب، وإن كان غير مرتب على وتيرة التصنيف، ولا مؤلف على طريقة التأليف، ولكنه مجموع تمكن مراجعته عند الحاجة إليه، وقد جعلته القسم الثالث من العنوان، وخصصته باسم:" إِسعاف الأَعيان في أَنساب أَهل عمان"، وأسال الله التوفيق لكل خير، والعون على كل مأمول، ونقدِّمه بـ:
(1)
سورة الحجرات الآية 13.