الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
في فضل العرب
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سألتم الحوائج فاسألوا العرب)
(1)
رواه ابن مسعود رضي الله عنه، وفيه لأنها تعظم لثلاث خصال: كرم احسابها، واستحياء بعضها من بعض، والمواساة لله، أي لأنها خصت بهذا دون باقي الأمم. وهو عين الواقع في العصر العربي إن لم يخالطه دخيل أجنبي. وعنه صلى الله عليه وسلم:(من أبغض العرب أبغضه الله) " أي: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون داخلا في بغض العرب.
وبغصه صلى الله عليه وسلم كفر عظيم، وعلى كل حال فإن الله يبغضه لذلك وعنه عليه الصلاة والسلام:(من أحب العرب فبحبي أحبهم) الحديث، وقال صلى الله عليه وسلم:(حب العرب آية الإيمان) الحديث، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وحسبهم بذلك فخرًا بين أعلام الأمم. " قال ابن الكلبي: " في العرب خاصة عشر خصال لم تكن لغيرهم من الأمم، خمس منها في الرأس، وخمس في باقي الجسد الحديث. قلت هي المسماة سنن الفطرة عند الفقهاء، وهي خصال جائت النبوة بها، ونوه الشارع عليه الصلاة والسلام بفضلها، قال: وفي العرب القيافة، ولم تكن في احد غيرهم وهي من عجائب المخلوقات، حيث يفرق القائف بين المرأة
(1)
تخريج هذا الحديث -وسائر أحاديث الكتاب- تجدها في ملحق خاص آخر الكتاب.
والرجل، والأبيض والأسود، والبكر والثيب، بمجرد وضع أقدامهم على الأرض، في أمور عدة. ومنها معرفة الطويل والقصير، والمهزول والسمين، ونحو ذلك فتراه يلحق الابن القصير بالأَب الطويل، وكذا العكس. ويعرف الغريب من الوطني، ليس ذلك إلا للعرب دون باقي الأمم مهما بلغت عقولهم، فإن ذلك أعظم من توليد المواد الكيمياوية، وتركيب المعادن الأرضية، ولله في خلقه أسرار. ولابن المقفع قال لبعض أعيان العز: أي الأمم أعقل؟ " فنظر بعضهم إلى بعض ثم قالوا: لعله أراد أصله وهو فارسي، فجروا بحسب ما تخيل لأحدهم، فقالوا: " فارس "، يقال: ليسوا بذلك، فإنهم ملكوا كثيرًا من الأرض، ووجدوا عظيمًا من الملك، وغلبوا على كثيرًا من الخلق، ولبث فيهم عقد الأمر، فما استنبطوا شيئًا بعقولهم، ولا ابتدعوا شيئًا كباقي انكم في تفوسهم، قالوا: " الروم "، قال: أصحاب صنعة، قالوا: " الصين "، قال: أصحاب طرفة، قالوا: " الهند "، قال: أصحاب فلسفة، قالوا: " السودان "، قال: شر خلق الله، قالوا: " الترك " قال: كلاب مختلسة، قالوا: " الخزر"، قال: بقر سائمة، فقالوا له: يقل، فقال: " العرب ". ثم قال: اما انني ما أردت موافقتكم ولكن إذا فاتني حظي من النسبة فلا يفوتني من المعرفة. أي إذا كنت أنا غير عربي فقد فاتني شرفي بالانتساب إليهم، فلا ينبغي علي أن يفوتتي العلم بأحوال الناس. ثم قال: إن العرب حكمت
على غير مثل لها، ولا آثار أثرت، بل هم أصحاب إبل وغنم، وسكان شعر وأدم، يجود أحدهم بقوته ولا يبالي، ويتفضل بمجهوده، ويشارك في ميسوره ومعسوره، ويصف الشيء بعقله فيكون قدوة، وبفعله فيصير حجة، ويحسن ما شاء فيحسن، ويقبح ما شاء فيقبح، أدبتهم أنفسهم، ورفعتهم هممهم، وأعلتهم قلوبهم وألسنتهم، فلم يزل حباء الله فيهم وحباؤهم في أنفسهم، حتى رفع لهم الفخر، وبلغ بهم أشرف الذكر، وختم لهم بملكهم الدنيا على الدهر، وافتتح دينه وخلافته بهم إلى الحشر، على الخير فيهم ولهم فقال:(إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين).
فمن وضع حقهم خسر، ومن أنكر فضلهم خصم. ودفع الحق باللسان أكبت للجنان. انتهى كلام ابن المقفع، وناهيك بالمذكور أدبًا وفصاحة. وله بلاغة وردها من حياض العرب، فشربها بين أقرانه بأكف الأدب.
وجاءت فيهم آثار نبوية، وفي القرآن من صفات العرب ما لا يكون لغيرهم، فقد وصفهم بالكرم العظيم، والصبر الكامل، وذكر عنهم من الخصال ما لم يذكر مثله، أو قريب منه لباقي الأمم
…
وحسبك أنه اختارهم محطا لرحال دينه وحماة لشريعته، وأنصارًا لأوامره، وحفظه لنبيه وجوارًا وأهلًا
لبيته، في عدة خصال، سوف نذكر منها إن شاء الله في ناريخ عمان ما يلائم الغرض.
وهل توجد امة من الأمم تعرف أصولها وفروعها، شعبًا وقبيلة وعمارة وبطنًا وفخذا وفصيلة إلى غير ذلك من بيوتاتها المعروفة، واحوالها المألوفة، ومكارمها العالية، وفضائلها السامية؟ فهم نجوم الأرض، وغيثها الذي تحيا به أجادبها. منها الخلفاءُ الراشدون، ومنها الأئمة المهتدون، وفيها العلماء العاملون، وإن كان يوجد في غيرهم فلهم الحظ الأوفر، ولهم النصيب الأكبر. فيهم الشجاعة التي لا يقاس عليها جاهلية وإسلامًا، ولملوكهم المفاخر التي لا تسامى. وعن ذي الرمة في العرب كلام جامع وذكر واسع، وقد سأل زيادٌ دُغْفَلًا النسابة عن فضائل العرب فقال: الجاهلية لليمن، الإسلام لمضر، والفتنة لربيعة، قال: فأخبرني عن مضر، أي أن خصالها الخاصة بها، فقال: فاخر بكنانة، وكابر بتميم، وحارب بقيس ففيها الفرسان والنجوم، وأما أسد ففيها ذل وكيد. (قال:) وسأل معاوية بن أبي سفيان دغفلًا فقال: ما تقول في بني أسد؟ فقال: عافة قافة فصحاء كافة، قال: فما تقول في بني تميم؟ فقال: حجر خشن، إن صادفته آذاك، وإن تركته أعفاك، قال: فما تقول في خزاعة؟ فقال: جوع وأحاديث، قال: فما تقول في اليمن؟ قال: فيهم مفاخر واسعة. ولليمن ربع البيت " (أي الركن اليماني)
" ومنهم حاتم طي كريم العرب، ومنهم المهلب بن ابي صفرة القايد الكبير " قات " ولا أعدل بالأنصار أحدًا في هذه الخصال الحميدة كلها، فقد جمعوا الكرم والشجاعة والصبر واشياء لا يسعها المقام، قال دغفل: وفي النزار النبي المرسل، والخليفة المؤمل، والكتاب المنزل، وفي الأوس غسيل الملائكة حنظلة بن لراهب، وعاصم بن الأقلح
(1)
الذي حمت لحمه الدَّبْر، وذو الشهادتين خزيمة بن ثابت، والذي اهتز لموته العرش سعد بن معاذ، وفي الخزرج.
الأربعة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت، وأبو زيد، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب سيد القراء، والذي أيده الله بروح القدس حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومناضل عنه.
وفي العرب البيوتات المشهورة كبيت بني معاوية الأكرمين في كندة، وبيت بني جشم بن بكر في تغلب، وبيت ابن ذي الجدين في بكر، وبيت زرارة بن عدس في تميم، وبيت بني بدر في قيس، وفبهم الأحرز بن مجاهد التغلبي الذي كان أعلم القوم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن العرب:(كنانة جمجمتها، وفيها العينان، وأسد لسانها، وتميم كاهلها"). وقالوا: بيت
(1)
كذا في الأصل الأقلح كما ترى، وإنها هو كما تعلم؛ أبو الأقلح. وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح -واسم أبي الأقلح قيس- بن عصمة بن النعمان، الأنصاري من بني عمرو بن عوف، من كرام الأنصار، ومن أجلاء الصحابة، ومن الشجعان الرماة، استشهد يوم بئر معونة.
تميم بنو عبد الله بن دارم، ومركزه بنو زراره، وبيت قيس فزارة، ومركزه بنو بدر، وبيت بكر بن وائل شيبان ومركزه بنو ذي الجدين.
وقال معاوية بن أبي سفيان للكلبي: أخبرني عن أعز العرب، فقال: حصن بن حذيفة بن بدر، قال: فأخبرني عن أترف بيت في العرب، قال: والله أني لأعرفه وأني لأبغضه، قال ومن هو؟ قال: بيت زرارة بن عدس، قال: فأخبرني عن افصح العرب، فقال: بنو أسد. وقيل: إن أشرف بيت في مضر غير مدافع في الجاهلية، بيت بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
وحضر عند المنذر بن ماء السماء وفود العرب ووجهها دعا ببردي محرق فقال: ليلبس هذين البردين أكرم العرب وأشرفهم حسبًا، وأعزلهم قبيلة، فأحجم الناس، وقام الأحيمر بن خلف بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد بن مناة بن تميم فقال أنا لهما، فائتزر بأحدهما، وارتدى بالأخر فقال له المنذر: وما حجتك فيما أدعيت؟ قال: الشرف من نزار كلها في مضر، ثم في تميم، ثم في سعد، ثم في كعب، ثم قي بهدلة. قال: هذا أنت في أصلك، فكيف أنت في عشيرتك؟ قال: أنا أبو عشرة، وعم عشرة، وأخو عشرة، وخال عشرة. قال: هذا في عشيرتك، فكيف أنت في نفسك؟ فقال: شاهد
العين شاهدي، ثم قام فوضع قدمه في الأرض، فقال: من أزالها فله من الإبل مائة فلم يقم إليه أحد، ولا تعاطى ذلك. ومن بيت بهدله بن عوف، كان الزربقان بن بدر وكان يسمى سعدالكرمين.
" قال:" وفيهم كانت الإفاضة في عطارد بن عوف ابن كعب بن سعد، ثم قي آل حرب بن صفوان بن عطارد، وكان إذا اجتمع الناس أيام منى قي الحج، لم يبرح احد حتى يجوز آل صفوان، ومن ورث ذلك عنهم، ثم تمر الناس إرسال. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أني لاجد نفس ربكم من اليمن) وفي رواية: (إني لأجد نفس الرحمن) الحديث، وعنه صلى الله عليه وسلم:(الإيمان يمان والحكمة يمانية) "، وقال عليه الصلاة والسلام:(الأنصار شعار والناس دثار)، وقال عبد الله بن العباس رضي الله عنهما لبعض اليمن: لكم من السماء نجمها ومن الكعبة ركنها ومن الشرف صميمها، وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبعض جلسائه: مَن أجود العرب؟ قالوا: حاتم طي، قال: فمن فارسها؟ قالوا عمرو بن معد يكرب، قال: فمن شاعرها؟ قالوا: امرؤ القيس بن حجر، قال: فأي سيوفها أقطع؟ قالوا: الصمصامة، قال: كفى بهذا فخرًا لليمن.
وقال أبو عبيدة: ملوك العرب حمير، ومقاولها غسان ولخم، وعددها وفرسانها الأزد، ولسانها مذحج، وريحانتها كندة، وقريشها