الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
(188) }
قَالَ عَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هَذَا فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ مَالٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ بَيِّنة، فَيَجْحَدُ الْمَالَ وَيُخَاصِمُ إِلَى الْحُكَّامِ، وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ آثِمٌ آكِلُ حرامٍ.
وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَير، وَعِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ، وقتَادة، وَالسُّدِّيِّ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيّان، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا تُخَاصمْ وَأَنْتَ تعلمُ أنَّك ظَالِمٌ. وَقَدْ وَرَدَ (1) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَلَا إِنَّمَا أَنَا بَشَر، وَإِنَّمَا يَأْتِينِي الْخِصْمُ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ نَارٍ، فَلْيَحْملْهَا، أَوْ ليذَرْها"(2) . فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُغَيِّرُ الشَّيْءَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَلَا يُحلّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَرَامًا هُوَ حَرَامٌ، وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالًا هُوَ حَلَالٌ، وَإِنَّمَا هُوَ يَلْزَمُ (3) فِي الظَّاهِرِ، فَإِنْ طَابَقَ فِي (4) نَفْسِ الْأَمْرِ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَلِلْحَاكِمِ أجرُه وَعَلَى الْمُحْتَالِ وزْره؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا} [أَيْ: طَائِفَةً](5){مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أَيْ: تَعْلَمُونَ بُطْلَانَ مَا تَدَّعُونَهُ وَتُرَوِّجُونَ فِي كَلَامِكُمْ.
قَالَ قَتَادَةُ: اعْلَمْ -يَا ابْنَ آدَمَ -أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي لَا يُحِل لَكَ حَرَامًا، وَلَا يُحقُّ لَكَ بَاطِلًا وَإِنَّمَا يَقْضِي الْقَاضِي بِنَحْوِ مَا يَرَى (6) وَيَشْهَدُ بِهِ الشُّهُودُ، وَالْقَاضِي بَشَر يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْ قُضي لَهُ بِبَاطِلٍ أَنَّ خُصُومَتَهُ لَمْ تَنْقَض حَتَّى يَجْمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقْضِيَ عَلَى الْمُبْطِلِ لِلْمُحِقِّ بأجودَ مِمَّا قُضِيَ بِهِ لِلْمُبْطِلِ عَلَى الْمُحِقِّ فِي الدُّنْيَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: حُكْمُ الْحَاكِمِ بِطَلَاقِ الزَّوْجَةِ إِذَا شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَا زُورٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَكِنَّهُمَا عَدْلَانِ عِنْدَهُ يُحِلُّهَا لِلْأَزْوَاجِ حَتَّى لِلشَّاهِدَيْنِ وَيُحَرِّمُهَا عَلَى زَوْجِهَا الذِي حَكَمَ بِطَلَاقِهَا مِنْهُ، وَقَالُوا: هَذَا كَلِعَانِ الْمَرْأَةِ، إِنَّهُ يُبِينُهَا مِنْ زَوْجِهَا وَيُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَوْ عَلِمَ الْحَاكِمُ بِكَذِبِهَا لَحَدَّهَا وَلَمَا حَرَّمَهَا وَهَذَا أَوْلَى.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَكَلَ مَالًا حَرَامًا وَلَوْ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَالِ أَنَّهُ يَفْسُقُ، وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ: لَا يَفْسُقُ إِلَّا بِأَكْلِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَمَا زَادَ، وَلَا يَفْسُقُ بِمَا دُونَ ذَلِكَ، وَقَالَ الْجِبَائِيُّ: يَفْسُقُ بِأَكْلِ دِرْهَمٍ فَمَا فَوْقَهُ إِلَّا بِمَا دُونَهُ.
(1) في جـ: "وقد روي".
(2)
صحيح البخاري برقم (2458، 6967) وصحيح مسلم برقم (1713) من حديث أم سلمة رضي الله عنها
(3)
في جـ: "هو ملزم".
(4)
في جـ: "ما في".
(5)
زيادة من جـ، أ.
(6)
في جـ: "على نحو ما ترى".
قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: سَأَلَ الناسُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الْأَهِلَّةِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ [وَالْحَجِّ] (1) } يَعْلَمُونَ بِهَا حِلَّ دَيْنهم، وَعِدَّةَ نِسَائِهِمْ، ووقتَ حَجِّهم.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: بَلَغَنَا أنَّهم قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ خُلِقَتْ الْأَهِلَّةُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} يَقُولُ: جَعَلَهَا اللَّهُ مَوَاقِيتَ لصَوْم الْمُسْلِمِينَ وَإِفْطَارِهِمْ، وَعِدَّةِ نِسَائِهِمْ، ومَحَلّ دَيْنهم.
وَكَذَا رُوي عَنْ عَطَاء، وَالضَّحَّاكِ، وَقَتَادَةَ، وَالسُّدِّيِّ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، نَحْوُ ذَلِكَ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوّاد، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "جَعَلَ اللَّهُ الْأَهِلَّةَ مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ فَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنَّ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا".
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، بِهِ (2) . وَقَالَ: كَانَ ثِقَةً عَابِدًا مُجْتَهِدًا شَرِيفَ النَّسَبِ، فَهُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ؛ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "جعل اللَّهُ الأهلَّة، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ فصُوموا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ أغْمي عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ"(3) . وَكَذَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ كَلَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنه (4)(5) .
وَقَوْلُهُ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ (6) بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانُوا إِذَا أَحْرَمُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أتَوْا الْبَيْتَ مِنْ ظَهْرِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} (7) .
وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: كَانَتِ الْأَنْصَارُ إِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَر لَمْ يَدْخُلُ الرَّجُلُ مِنْ قِبَلِ بَابِهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تُدْعَى الحُمْس، وَكَانُوا يَدْخُلُونَ مِنَ الْأَبْوَابِ فِي الْإِحْرَامِ، وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ وَسَائِرُ الْعَرَبِ لَا يَدْخُلُونَ مِنْ بَابٍ في الإحرام، فبينا رسول الله
(1) زيادة من أ.
(2)
المستدرك (1/423) .
(3)
رواه أحمد في المسند (4/23) من طريق محمد بن جابر به.
(4)
في جـ: "عنهم".
(5)
حديث أبي هريرة رواه البخاري في صحيحه برقم (1909) ومسلم في صحيحه برقم (1081) .
(6)
في أ: "عبد الله".
(7)
صحيح البخاري برقم (4512) .