الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة التحقيق
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.
وأَشْهَدُ أنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] .
أما بعد:
فهذا هو كِتَاب تَفْسِير القرآن العظيم، للإمام العلامة، المُفَسِّر، المُؤرِّخ، الحُجَّةِ الحَافِظِ إسْماعيلَ بْنِ عُمَرَ بْنِ ضَوْءِ بْنِ كَثيرٍ القُرَشِيِّ الشَّافِعِيِّ الدّمَشْقِيِّ رحمه الله-أُقَدِّمُه لِقُرَّاء العَرَبِيَّةِ والعَالَم الإسْلامِيِّ، بَعْدَ مُضيِّ قَرْنٍ من الزمان على طبعته الأولَى تقريبًا، كادتْ -خِلال هذه الفَتْرَةِ-أن تُخْفى مَعَالِمُهُ، وتَنمَحِي مُمَيِّزَاتُهُ مِنْ جَرَّاء عَبَثِ الوَرَّاقِين، ومُمَارسَاتِ المتأكِّلِين مِنْ صَحفيّينَ وَكَتْبِيين.
أقدِّمُه بَعْد أن قُمْتُ بِأعْبَاءِ تَحْقِيقِهِ وضَبْط نَصِّهِ، وتَخْرِيجِ أحَادِيثهِ والتَّعْلِيق عَلَيْهِ، عَلَى نَحْوٍ يُيَسِّر الفَائِدةَ مِنْهُ، ويُحقِّقُ رَغْبَةَ أهْل العِلْم الذين طالما تَمَنَّوْا أنْ يُنْشَرَ هَذَا الْكِتَابُ نَشْرَةً عِلْمِيَّةً مُوَثَّقةً، خَالِيةً مِنَ التَّحْريفِ، والسَّقْط والتَّصْحِيفِ.
وتَفْسير ابن كثير رحمه الله-من أعْظَم وأجَلِّ كُتُبِ التفسير، أمْضَى فيه مُؤَلِّفهُ رحمه الله-عُمُراً طويلا وهو يُقلِّبُ فيه بين الفَيْنَةِ والأخرى، مُحَلِّيًا إيَّاه بِفَائِدةٍ تَخْطُر له، أو حكاية قولٍ أزْمَعَ تَحْقِيقهُ.
وقد احْتَوَى تَفْسيرُهُ على الكثير من الأحَاديثِ والآثارِ من مصادر شَتَّى، حتى أتَى على مُسْنَدِ الإمام أحمد فَكَادَ يَسْتَوْعِبه، كما نَقَل عن مصادر لا ذِكْرَ لها في عَالَمِ المخطوطات، كتفسير الإمام أبي بَكْر بن مَرْدُويه، وتفسير الإمام عَبْد بْنِ حُمَيْدٍ، وتفسير الإمام ابن المنْذِر، وغيرها كثير.
كما تَضَمَّنَ تفسيرُ ابن كثير-رحمه الله-بَعْضَ المباحِثِ الفِقْهيَّةِ والمسائل اللُّغَوِيَّةِ، وقد قال الإمام
السُّيُوطِيُّ: لم يُؤلَّف على نَمَطٍ مِثْلُه.
والطَّرِيقةُ التي اتَّبَعَها الحافظُ ابنُ كَثِيرٍ في كِتَابِهِ أن يَذْكُرَ الآيةَ، ثم يَذْكُر مَعْناها العام، ثم يُورِدُ تَفْسيرَها من القُرْآنِ أو من السُّنَّةِ أو من أقوال الصَّحَابِة والتَّابِعينَ، وأحْيانًا يَذْكُرُ كُلَّ ما يَتعلَّقُ بالآيةِ من قَضَايا أو أحْكَامٍ، ويَحْشُد لذلك الأدِلةَ من الكِتَابِ والسُّنةِ، وَيذْكرُ أقْوَالَ المذاهبِ الفِقْهِيَّةِ وأدِلتَهَا والتَّرْجِيحَ بَيْنَها.
وقد أبَانَ الحافظُ ابنُ كَثير عَنْ طَرِيقَتِهِ في مُقدِّمةِ تَفْسِيرِه، قال:"فَإنْ قَالَ قَائِلٌ: فمَا أحْسَنُ طُرُقِ التَّفْسِيرِ؟ فَالْجوابُ: إنَّ أصَحَّ الطُّرُقِ فِي ذَلِكَ أنْ يُفَسَّرَ القرآنُ بالقرآنِ، فَمَا أُجْمِلَ فِي مكَانٍ فإنه قد بُسِطَ في مَوْضِعٍ آخرَ، فإن أعْياكَ فَعَلَيْكَ بالسُّنَّة؛ فَإِنَّهَا شَارِحةٌ للقُرْآنِ وَمُوَضِّحةٌ لَهُ، وحِينَئذٍ إِذَا لَمْ نَجِدِ التفْسِيرَ فِي القُرآنِ وَلَا فِي السُّنةِ رَجَعْنا فِي ذَلِكَ إِلَى أَقْوالِ الصَّحابةِ؛ فَإِنَّهُمْ أدْرَى بِذَلِكَ لِمَا شَاهَدُوا مِنَ القَرائِنِ والأحْوالِ الَّتِي اخْتُصُّوا بِهَا، ولِما لَهُمْ مِنَ الفَهْمِ التَّامِ والعِلْم الصَّحِيح والعَمَلِ الصَّالِحِ، لاسيَّما عُلَماءَهُم وكُبَراءَهُمْ كالأئمَّةِ الأربعةِ الخُلَفاءِ الرّاشِدين، والأئمة المهتدِينَ الْمهدِيِّينَ، وعَبْدَ اللَّهِ بْنِ مَسْعودٍ رضي الله عنهم أجمعين-وإذا لَمْ تَجِدِ التفْسِيرَ فِي القُرآنِ وَلَا فِي السُّنةِ وَلَا وَجَدْتَهُ عنِ الصَّحابةِ فَقَدْ رَجَعَ كَثير مِنَ الأئمةِ فِي ذَلِكَ إِلَى أقوالِ التَّابِعينَ".
طَبَعاتُ الكتابِ:
وقد طُبِعَ هذا التفسيرُ لأوَّلِ مرة في المطْبَعَةِ الأمِيريَّة من سنة 1300 هـ إلى سنة 1302 هـ بهامش تفسير "فَتْح البَيَان" لِصدّيقِ حَسَن خَان، ثم طَبَعهُ الشيخُ رَشِيد رِضَا رحمه الله-ومعه تَفْسيرُ البَغَوِيِّ في تِسْعَةِ مُجلَّداتٍ بأمر جَلالِة الملِكِ عبدِ الْعَزيزِ بْنِ عبدِ الرَّحْمنِ آلِ سُعُود-رحمه الله-من سنة 1343 هـ إلى سنة 1347 هـ، واجْتَهدَ رحمه الله-في تَصحِيحهِ ما اسْتَطَاعَ، ولكن فَاتَهُ الشَّيْءُ الكَثِيرُ.
ثُمَّ تَدَاولتِ المطَابِعُ طَبْعَهُ طبعاتٍ تِجاريَّة، ليس فيها تَصْحِيح ولا تَحْقيقٌ وَلا مُراجَعَةٌ، وإنما اعْتَمَدُوا طَبْعَة "المنار"، فأخذوها بما فيها من أغْلاطٍ، ثم زادوها ما استطاعوا من غَلَط أو تَحْريفٍ.
فَكَانَ انتفاعُ النَّاسِ بهذا التفْسيرِ انتفاعًا قاصرًا؛ لما امتلأتْ بِهِ طَبَعاتُهُ مِنْ غَلَطٍ وَتَحْريفٍ، يَجِبُ معهما أن يُعادَ طَبْعُهُ طبعةً عِلْمِيةً مُحَقَّقةً، ويُرجَعُ فيها إلى النُّسَخِ المخْطُوطةِ منه ما أمْكَنَ، ثم الرجوع إلى مصادر السُّنَّةِ الَّتِي يَنْقِلُ عنها الحافظُ ابْنُ كَثيرٍ، وإلى كُتُبِ رِجَالِ الحديثِ والتَّراجُمِ لتَصْحِيحِ أسْماءِ الرجالِ في الأسانيدِ، وهم شَيءٌ كثيرٌ وعدَدٌ ضَخْمٌ (1) .
حتى جاءت سنة 1390 هـ فَخَرجتْ طَبعةٌ جَديدةٌ لهذا التَّفْسير من دار الشَّعْبِ بتَحْقيقِ الأساتذةِ:
(1) عمدة التفسير للشيخ أحمد شاكر (1/ 6) .
عبد العزيز غُنَيم، ومُحمَّد أحمد عاشور، ومحمد إبراهيم البَنَّا.
لكنهم اعْتَمَدوا على نُسخةِ الأزْهرِ، وهي نسخةٌ قديمةٌ وجَيِّدةٌ، لكن بمقارنتها بِبَقِيَّةِ النُّسَخِ فإنَّهَا يَكْثُر فيها السَّقْطُ والتَّصْحِيفُ (1) .
وقد تَعَقَّبَ الدكتورُ إسماعيلُ عبد العالِ هذه الطَّبْعَة في كتابه "ابن كَثيرٍ ومنْهَجهُ في التَّفْسيرِ"(2) ثُمَّ قَالَ:
"وأرَى مِنْ الواجبِ عَلَى مَنْ يَتصدَّى لتحقيقِ تفسيرِ ابْنِ كثيرِ-تحقيقًا عِلْميا دَقِيقًا سَلِيمًا مِنَ المآخِذ-ألا يَعْتمِد عَلَى نُسْخَةٍ واحِدَةٍ، بل عليه أن يَجْمَعَ كُلَّ النُّسَخِ المخطوطةِ والمطبوعةِ، ويُوازِنَ بينها مع إثباتِ الزِّيادةِ والنَقْصِ، والتَّحريفِ والتَّصحيفِ".
وكُنْتُ مُنْذُ خَمْسِ سَنَواتٍ قد بَدَأتُ الْعَمَلَ عَلَى تَحْقِيقِ هَذَا الْكِتابِ بِجَمْعِ مَخْطوطاتِهِ، وَتَوْثِيقِ نُصُوصِهِ وإصْلاحِ ما وَقَعَ في طَبَعاتهِ السَّابقةِ مِنْ تَحْريفٍ ونَقْصٍ، حتى خَرَجَ في هَيْئةٍ أحْسَبُ أنها أقْرَبُ ما تَكُونُ إلى ما أرَادَهُ المُصَنِّفُ رحمه الله.
وقد سَاعَدنِي في كثيرٍ مِنَ مراحلِ الْعَملِ إخْوةٌ أفَاضِلُ، فَلَهُمْ مِنِّي خَالصُ الدُّعاءِ وجَزِيلُ الشُّكْرِ.
وبعد:
فقد مَرَّتْ عليَّ أثناء الْعَملِ في هذا الكِتابِ سُنونَ شَديدةٌ، اللهُ وحدَهُ بها عَلِيمٌ، قَاسَيتُ فيها شَدائدَ، وواجَهْتُ فيها عَقَباتٍ، إلا أنَّ هِمَّتِي أَبَتْ إلا إتْمامَهُ، ونَفْسِي تَاقتْ إلى التَّشَرُّفِ بخِدْمَتِهِ.
وقد كَابدتُ في هَذا الكتابِ جَهْدِي، وبَذَلْتُ فيه مَالِي، واسْتنفَقْتُ له وَقْتِي، فكَمْ من لَيالٍ أنْفقتُهَا في تَصْويبِ تَحْريفٍ، أو تَقْويمِ تَصْحيفٍ.
أقولُ ذلك ملتمِسًا العُذْرَ مِنْ عالِمٍ سَقَط عَلَى زَلَلٍ، أو قارئٍ وَقَعَ على خَطَأ، فَمِثْلُ هذَا العَمَلِ الكبِيرِ لا بُدَّ أنْ تَظْهرَ فيهِ بَعْضُ الأخطاءِ المطبعيةِ، والأوْهامِ الْيَسِيرةِ، وصَدَقَ المُزَنيُّ رحمه الله-حين قال:"لَوْ عُورضَ كتابٌ سَبْعينَ مرةً لَوُجِدَ فيه خَطَأ، أبَى اللهُ أن يكون صَحِيحًا غَيْر كِتابِهِ"، فالمرْجُو من أهْلِ العِلْمِ أن يُرْسِلُوا لِي ما لَدَيْهِم من مُلاحظاتٍ أو اسْتِدْراكٍ أو تَعْقِيبٍ حتى أتدَاركَ ذلك في الطبعةِ اللاحقةِ إن شَاءَ اللهُ.
ولا أنْسَى في خِتَامِ كَلِمَتي أنْ أرْفَعَ شُكْرِي إلى مَقَامِ والديَّ الَّلذَيْنِ كان لهما الفَضْلُ في تَنْشِئَتِي، وإرْشَادِي إلى العِلْمِ وحُبِّهِ، والاجْتِهادِ فِي طَلَبِهِ:{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا تَبَارًا} [نوح: 28] .
(1) وقد سدت هذه الطبعة فراغًا آنذاك، ولكن يتعين بعد اليوم عدم اعتمادها في دراسة أو قراءة لكثرة ما فيها من السقط والأوهام.
(2)
ص 128.
وأشْكُرُ الأستاذَ الفاضِلَ/ سعد بن صالح الطويل، وكيلَ عِمادةِ شُؤون المكتبات بجَامِعَةِ الإمامِ محمد بن سعود الإسلامية سَابِقًا، والأستاذ الفاضل/ صالح الحجي، مُدِير قِسْمِ المخطوطات بجامعة الملك سُعُود، وأشْكُرُ كُلّ أخٍ ساعدنِي أو شَجَّعنِي لمواصلة طريقِي.
واللهَ أسْألُ أنْ يَنْفعَ به الجميعَ، وأنْ يجْعَلَهُ خالصًا لِوجْهِهِ الْكَرِيم، وأنْ يَكُونَ من الثَّلاث التي يَنْقطِعُ عَمَلُ ابْنِ آدمَ إذا مات إلا مِنْها، وأنْ يكْتُبَ لجميع من أسْهَمَ فيه الأجْرَ والمثوبَةَ، إنه وَلِيُّ ذلك والقادِرُ عليه، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ على نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِه أجْمَعينَ. وكتبه:
سامي بن محمد بن عبد الرحمن بن سلامة
الرياض: 5/ 5/ 1417هـ
القسم الأول
الدراسة
وقد اشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: ترجمة الحافظ ابن كثير.
المبحث الثاني: كتاب تفسير القرآن العظيم.
المبحث الأول
ترجمة الحافظ ابن كثير
1-
نسبه وميلاده:
هو الإمام الحافظ، المحدث، المؤرخ، عماد الدين، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن ضوء بن درع القرشي الدمشقي الشافعي.
ولد بقرية "مِجْدَل" من أعمال بصرى، وهي قرية أمه، سنة سبعمائة للهجرة أو بعدها بقليل.
2-
نشأته:
نشأ الحافظ ابن كثير في بيت علم ودين، فأبوه عمر بن حفص بن كثير أخذ عن النواوي والفزاري وكان خطيب قريته، وتوفى أبوه وعمره ثلاث سنوات أو نحوها، وانتقلت الأسرة بعد موت والد ابن كثير إلى دمشق في سنة (707 هـ) ، وخلف والده أخوه عبد الوهاب، فقد بذل جهدًا كبيرًا في رعاية هذه الأسرة بعد فقدها لوالدها، وعنه يقول الحافظ ابن كثير:"وقد كان لنا شقيقا، وبنا رفيقًا شفوقًا، وقد تأخرت وفاته إلى سنة (750 هـ) فاشتغلت على يديه في العلم فيسر الله منه ما تيسر وسهل منه ما تعسر"(1)
3-
شيوخه:
1-
شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية، رحمه الله.
2-
الحافظ أبو الحجاج يوسف المزي، رحمه الله.
3-
الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي، رحمه الله.
4-
الشيخ أبو العباس أحمد الحجار الشهير بـ "ابن الشحنة".
5-
الشيخ أبو إسحاق إبراهيم الفزاري، رحمه الله.
6-
الحافظ كمال الدين عبد الوهاب الشهير بـ "ابن قاضي شهبة".
7-
الإمام كمال الدين أبو المعالي محمد بن الزملكاني، رحمه الله.
8-
الإمام محيي الدين أبو زكريا يحيى الشيباني، رحمه الله.
9-
الإمام علم الدين محمد القاسم البرزالي، رحمه الله.
10-
الشيخ شمس الدين أبو نصر محمد الشيرازي، رحمه الله.
11-
الشيخ شمس الدين محمود الأصبهاني، رحمه الله.
12-
عفيف الدين إسحاق بن يحيى الآمدي الأصبهاني، رحمه الله.
(1) البداية والنهاية (14/ 32) .
13-
الشيخ بهاء الدين القاسم بن عساكر، رحمه الله.
14-
أبو محمد عيسى بن المطعم، رحمه الله.
15-
عفيف الدين محمد بن عمر الصقلي، رحمه الله.
16-
الشيخ أبو بكر محمد بن الرضى الصالحي، رحمه الله.
17-
محمد بن السويدي، بارع في الطب.
18-
الشيخ أبو عبد الله بن محمد بن حسين بن غيلان، رحمه الله.
19-
الحافظ أبو محمد عبد المؤمن الدمياطي، رحمه الله.
20-
موسى بن علي الجيلي، رحمه الله.
21-
جمال الدين سليمان بن الخطيب، قاضي القضاة.
22-
محمد بن جعفر اللباد، شيخ القراءات.
23-
شمس الدين محمد بن بركات، رحمه الله.
24-
شمس الدين أبو محمد عبد الله المقدسي، رحمه الله.
25-
الشيخ نجم الدين بن العسقلاني.
26-
جمال الدين أبو العباس أحمد بن القلانسي، رحمه الله.
27-
الشيخ عمر بن أبي بكر البسطي، رحمه الله.
28-
ضياء الدين عبد الله الزربندي النحوي، رحمه الله.
29-
أبو الحسن علي بن محمد بن المنتزه، رحمه الله.
30-
الشيخ محمد بن الزراد، رحمه الله.
4-
تلاميذه:
1-
الحافظ علاء الدين بن حجي الشافعي، رحمه الله.
2-
محمد بن محمد بن خضر القرشي، رحمه الله.
3-
شرف الدين مسعود الأنطاكي النحوي، رحمه الله.
4-
محمد بن أبي محمد بن الجزري، شيخ علم القراءات، رحمه الله.
5-
ابنه محمد بن إسماعيل بن كثير، رحمه الله.
6-
الإمام ابن أبي العز الحنفي، رحمه الله.
7-
الحافظ أبو المحاسن الحسَيني، رحمه الله.
5-
مؤلفاته:
أ-في علوم القرآن:
1-
تفسير القرآن العظيم: وسيأتي الكلام عليه في المبحث الثاني إن شاء الله تعالى.
2-
فضائل القرآن: وهو ملحق بالتفسير في النسخة البريطانية، والنسخة المكية، وقد اعتمدت إلحاقه بالتفسير لقرب موضوعه من التفسير؛ ولأن هاتين النسختين هما آخر عهد ابن كثير لتفسيره.
وقد طبعت مفردة بتحقيق الأستاذ محمد البنا في مؤسسة علوم القرآن ببيروت.
ب-في السنة وعلومها:
3-
أحاديث الأصول.
4-
شرح صحيح البخاري.
5-
التكميل في الجرح والتعديل ومعرفة الثقات والمجاهيل: منه نسخة بدار الكتب المصرية برقم (24227) في مجلدين، وهي ناقصة ولديَّ مصورة عنها.
6-
اختصار علوم الحديث: نشر بمكة المكرمة سنة (1353 هـ) بتحقيق الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، ثم شرحه الشيخ أحمد شاكر، رحمه الله، وطبع بالقاهرة سنة (1355 هـ) .
7-
جامع المسانيد والسنن الهادي لأقوم سنن: منه نسخة بدار الكتب المصرية برقم (184) حديث، ونشره مؤخرًا الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، وطبع بدار الكتب العلمية ببيروت.
8-
مُسْنَدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رضي الله عنه.
9-
مسند عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: نشره الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، وطبع بدار الوفاء بمصر.
10-
الأحكام الصغرى في الحديث.
11-
تخريج أحاديث أدلة التنبيه في فقه الشافعية.
12-
تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب: طبع مؤخرًا بتحقيق الكبيسي، ونشر في مكة.
13-
مختصر كتاب "المدخل إلى كتاب السنن" للبيهقي.
14-
جزء في حديث الصور.
15-
جزء في الرد على حديث السجل.
16-
جزء في الأحاديث الواردة في فضل أيام العشرة من ذي الحجة.
17-
جزء في الأحاديث الواردة في قتل الكلاب.
18-
جزء في الأحاديث الواردة في كفارة المجلس.
جـ -في الفقه وأصوله:
19-
الأحكام الكبرى.
20-
كتاب الصيام.
21-
أحكام التنبيه.
22-
جزء في الصلاة الوسطى.
23-
جزء في ميراث الأبوين مع الإخوة.
24-
جزء في الذَّبِيحَةُ الَّتِي لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَا.
25-
جزء في الرد على كتاب الجزية.
26-
جزء في فضل يوم عرفة.
27-
المقدمات في أصول الفقه.
د-في التاريخ والمناقب:
28-
البداية والنهاية: مطبوع عدة طبعات في مصر وبيروت، أحسنها الطبعة التي حققها الدكتور علي عبد الستار وآخرون.
والنهاية مطبوع في مصر بتحقيق أحمد عبد العزيز.
29-
جزء مفرد في فتح القسطنطينية.
30-
السيرة النبوية: مطبوع باسم الفصول في سيرة الرسول بدمشق.
31-
طبقات الشافعية: منه نسخة في شستربيتى بإيرلندا، وقد طبع مؤخرًا في مصر.
32-
الواضح النفيس في مناقب محمد بن إدريس: منه نسخة في شستربيتى بإيرلندا.
33-
مناقب ابن تيمية.
34-
مقدمة في الأنساب.
6-
ثناء العلماء عليه:
كان ابن كثير، رحمه الله، من أفذاذ العلماء في عصره، أثنى عليه معاصروه ومن بعدهم الثناء الجم:
فقد قال الحافظ الذهبي في طبقات شيوخه: "وسمعت مع الفقيه المفتي المحدِّث، ذى الفضائل، عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير البصروي الشافعي.. سمع من ابن الشحنة وابن الزراد وطائفة، له عناية بالرجال والمتون والفقه، خرَّج وناظر وصنف وفسر وتقدم"(1) .
وقال عنه أيضًا في المعجم المختص: "الإمام المفتي المحدِّث البارع، فقيه متفنن، محدث متقن، مفسر نقال"(2) .
(1) طبقات الحفاظ للذهبي (4/ 29) وعمدة التفسير لأحمد شاكر (1/ 25)
(2)
المعجم المختص للذهبي.
وقال تلميذه الحافظ أبو المحاسن الحسيني: "صاهر شيخنا أبا الحجاج المزي فأكثر، وأفتى ودرس وناظر، وبرع في الفقه والتفسير والنحو وأمعن النظر في الرجال والعلل"(1) .
وقال العلامة ابن ناصر الدين: "الشيخ الإمام العلامة الحافظ عماد الدين، ثقة المحدثين، عمدة المؤرخين، علم المفسرين"(2) .
وقال ابن تغري بردي: "لازم الاشتغال، ودأب وحصل وكتب وبرع في الفقه والتفسير والفقه والعربية وغير ذلك، وأفتى ودرس إلى أن توفى"(3) .
وقال ابن حجر العسقلاني: "كان كثير الاستحضار، حسن المفاكهة، سارت تصانيفه في البلاد في حياته، وانتفع الناس بها بعد وفاته"(4) .
وقال ابن حبيب: "إمام روى التسبيح والتهليل، وزعيم أرباب التأويل، سمع وجمع وصنف، وأطرب الأسماع بالفتوى وشنف، وحدث وأفاد، وطارت أوراق فتاويه إلى البلاد، واشتهر بالضبط والتحرير، وانتهت إليه رياسة العلم في التاريخ، والحديث والتفسير"(5) .
وقال العيني: "كان قدوة العلماء والحفاظ، وعمدة أهل المعاني والألفاظ، وسمع وجمع وصنف، ودرس، وحدث، وألف، وكان له اطلاع عظيم في الحديث والتفسير والتاريخ، واشتهر بالضبط والتحرير، وانتهى إليه رياسة علم التاريخ والحديث والتفسير وله مصنفات عديدة مفيدة"(6) .
وقال تلميذه ابن حجي: "أحفظ من أدركناه لمتون الأحاديث، وأعرفهم بجرحها ورجالها وصحيحها وسقيمها، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك، وكان يستحضر شيئا كثيرا من الفقه والتاريخ، قليل النسيان، وكان فقيها جيد الفهم، ويشارك في العربية مشاركة جيدة، ونظم الشعر، وما أعرف أني اجتمعت به على كثرة ترددي إليه إلا واستفدت منه"(7) .
وقال الداودي: "أقبل على حفظ المتون، ومعرفة الأسانيد والتعلل والرجال والتاريخ حتى برع في ذلك وهو شاب"(8) .
7-
وفاته ورثاؤه:
في يوم الخميس السادس والعشرين من شهر شعبان سنة أربع وسبعين وسبعمائة توفي الحافظ ابن كثير بدمشق، ودفن بمقبرة الصوفية عند شيخه ابن تيمية، رحمه الله.
وقد ذكر ابن ناصر الدين أنه "كانت له جنازة حافلة مشهودة، ودفن بوصية منه في تربة شيخ الإسلام ابن تيمية بمقبرة الصوفية".
وقد قيل في رثائه، رحمه الله:
لفقدك طلاب العلوم تأسفوا
…
وجادوا بدمع لا يبير غزير
ولو مزجوا ماء المدامع بالدما
…
لكان قليلا فيك يا بن كثير
(1) ذيل تذكرة الحفاظ للحسيني ص 58، وعمدة التفسير لأحمد شاكر (1/ 26) .
(2)
الرد الوافر.
(3)
النجوم الزاهرة (11/ 123) .
(4)
الدرر الكامنة.
(5)
شذرات الذهب لابن العماد (6/ 232) .
(6)
النجوم الزاهرة (11/ 123) .
(7)
شذرات الذهب لابن العماد (6/ 232) .
(8)
طبقات المفسرين.
المبحث الثاني
كتاب تفسير القرآن العظيم
1-
تاريخ كتابته:
لم يحدد الحافظ ابن كثير، رحمه الله، تاريخ بدايته في كتابة هذا التفسير ولا تاريخ انتهائه منه، لكن ثمة دلائل تدل على تاريخ انتهائه منه، فإنه ذكر عند تفسير سورة الأنبياء شيخه المزي ودعا له بطول العمر مما يفهم منه أنه قد ألف أكثر من نصف التفسير في حياة شيخه المزي المتوفى سنة (742 هـ) .
واقتبس منه الإمام الزيلعي في كتابه تخريج أحاديث الكشاف (2-180) والزيلعي توفي سنة (762 هـ) ، مما يدل على أن كتاب الحافظ ابن كثير انتشر في هذه الفترة.
هذا وتعتبر النسخة المكية أقدم النسخ التي وقعت بأيدينا، وقد جاء بآخرها:"آخر كتاب فضائل القرآن وبه تم التفسير للحافظ العلامة الرحلة الجهبذ مفيد الطالبين الشيخ عماد الدين إسماعيل الشهير بابن كثير، على يد أفقر العباد إلى الله الغني محمد بن أحمد بن معمر المقري البغدادي، عفا الله عنه ونفعه بالعلم، ووفقه للعمل به آمين.... بتاريخه يوم الجمعة عاشر جمادى الآخرة من سنة تسع وخمسين وسبعمائة هلالية هجرية".
2-
أهميته:
يعد تفسير الحافظ ابن كثير، رحمه الله، من الكتب التي كتب الله لها القبول والانتشار، فلا تكاد تخلو منه اليوم مكتبة سواء كانت شخصية أو عامة.
وقد نهج الحافظ ابن كثير فيه منهجًا علميًا أصيلا وساقه بعبارة فصيحة وجمل رشيقة، وتتجلى لنا أهمية تفسير الحافظ ابن كثير، رحمه الله، في النقاط التالية: 1-ذكر الحديث بسنده.
2-
حكمه على الحديث في الغالب.
3-
ترجيح ما يرى أنه الحق، دون التعصب لرأي أو تقليد بغير دليل.
4-
عدم الاعتماد على القصص الإسرائيلية التي لم تثبت في كتاب الله ولا في صحيح سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وربما ذكرها وسكت عليها، وهو قليل.
5-
تفسيره ما يتعلق بالأسماء والصفات على طريقة سلف الأمة، رحمهم الله، من غير تحريف ولا تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل.
6-
استيعاب الأحاديث التي تتعلق بالآية، فقد استوعب، رحمه الله، الأحاديث الواردة في عذاب القبر ونعيمه عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}
وكذا استوعب أحاديث الإسراء والمعراج عند قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} وكذا الأحاديث الواردة في الصلاة على النبي عند قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} وكذا الأحاديث الواردة في فضل أهل البيت عند تفسير قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} وغير هذا كثير (1) .
وقد قال السيوطي في ترجمة الحافظ ابن كثير: "له التفسير الذي لم يؤلف على نمط مثله".
وقال الشوكاني: "وله تصانيف، منها التفسير المشهور وهو في مجلدات، وقد جمع فيه فأوعى، ونقل المذاهب والأخبار والآثار، وتكلم بأحسن كلام وأنفسه، وهو من أحسن التفاسير إن لم يكن أحسنها".
3-
مصادره:
أما مصادر الحافظ ابن كثير في تفسيره فقد سردها الدكتور إسماعيل عبد العال في كتابه " ابن كثير ومنهجه في التفسير" أنقلها هنا حسب ترتيب المواضيع:
أولا الكتب السماوية:
1-
القرآن الكريم.
2-
التوراة، وأشار أنه نقل من نسختين.
3-
الإنجيل.
ثانيا: في التفسير وعلوم القرآن:
أ-في التفسير:
4-
تفسير آدم بن أبي إياس، المتوفى سنة / 220 هـ أو 221 هـ.
5-
تفسير أبي بكر بن المنذر، المتوفى سنة / 318 هـ 0
6-
تفسير ابن أبي حاتم، المتوفى سنة /223 هـ/. (ط) قسم منه.
7-
تفسير أبو مسلم الأصبهاني (محمد بن بحر) ، المتوفى سنة /322 هـ، واسم كتابه:"جامع التأويل لمحكم التنزيل".
8-
تفسير ابن أبي نجيح (عبد الله بن يسار الأعرج المكي مولى ابن عمر) .
9-
تفسير البغوي (أبو محمد الحسن بن مسعود بن محمد الفراء) ، المتوفى سنة 516، واسم كتابه (معالم التنزيل) . (ط) .
10-
تفسير ابن تيمية (تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم) ، المتوفى سنة 728 هـ، وهو جزء في تفسير قوله تعالى:{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} (ط) .
(1) مقدمة الشيخ مقبل الوادعي (ص 5) .
11-
تفسير الثعلبي (أحمد بن محمد بن إبراهيم أبو إسحاق النيسابوري) ، المتوفى سنة 427 هـ (مخطوط) في المكتبة المحمودية.
12-
تفسير الجبائي (أبي علي) المتوفى سنة 303 هـ.
13-
تفسير ابن الجوزي (عبد الرحمن بن علي) ، المتوفى سنة 597 هـ، واسم الكتاب (زاد المسير في علم التفسير) وهو مخطوط بدار الكتب تحت رقم 123 تفسير في أربعة مجلدات. (ط) .
14-
تفسير ابن دحيم (أبي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بن دحيم) ، المتوفى سنة 319 هـ.
15-
تفسير الرازي (محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري أبو عبد الله المشهور بفخر الدين الرازي) ، المتوفى سنة 606 هـ، وكتابه يسمى "التفسير الكبير" المشهور بمفاتيح الغيب. (ط) .
16-
تفسير الزمخشري (جار الله أبي القاسم محمود بن عمر الخوارزمي) ، المتوفى سنة 538 هـ وكتابه يدعى (الكشاف عن حقائق التنزيل، وعيون الأقاويل في وجوه التأويل) . (ط) .
17-
تفسير السدي الكبير، المتوفى سنة 137 هـ-745 م.
18-
تفسير سنيد بن داود، المتوفى سنة 226 هـ.
19-
تفسير شجاع بن مخلد، المتوفى سنة 235 هـ.
20-
تفسير الطبري، المتوفى سنة 310 هـ (ط) .
21-
تفسيرعبد بن حميد، المتوفى سنة 249 هـ.
22-
تفسير عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، المتوفى سنة 182 هـ.
23-
تفسير عبد الرزاق الصنعاني، المتوفى سنة 211 هـ. (ط) .
24-
تفسير ابن عطية العوفي، المتوفى سنة 111 هـ.
25-
تفسير القرطبي (أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي) ، المتوفى سنة 671 هـ، وتفسيره يسمى "الجامع لأحكام القرآن الكريم". (ط) .
26-
تفسير مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وهو جزء مجموع له.
27-
تفسير الماوردي (أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب) ، المتوفى سنة 450 هـ، واسم تفسيره "النكت والعيون".
28-
تفسير ابن مردويه.
29-
تفسير الواحدي (علي بن أحمد بن محمد بن علي أبي الحسن) ، المتوفى سنة 468 هـ. (ط) الوسيط.
30-
تفسير وكيع بن الجراح، المتوفى سنة 197 هـ.
ب-في علوم القرآن:
31-
"البيان" لأبي عمرو الداني (الحافظ أبي عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد المعروف بالداني (371-444 هـ) ، وهو حافظ محدث مفسر، واسم الكتاب "جامع البيان في القراءات السبع" وهو من أحسن مصنفاته يشتمل على نيف وخمسمائة رواية وطريق، قيل: إنه جمع فيه كل مايعلمه في هذا العلم.
32-
"التبيان" لأبي زكريا النواوي (محيي الدين يحيى بن شرف النووي المتوفى سنة 677 هـ) ، أما اسم الكتاب فهو "التبيان في آداب حملة القرآن"، وقد رتب على عشرة أبواب ثم اختصره، وسماه "مختار التبيان"(ط) .
33-
جزء فيمن جمع القرآن من المهاجرين للحافظ ابن السمعاني القاضي أبي سعيد عبد الكريم بن أبي بكر، محمد بن أبي المظفر المنصور التميمي المروزي، المتوفى سنة 512 هـ.
34-
جميع مصاحف الأئمة.
35-
شرح الشاطبية للشيخ شهاب الدين أبي شامة (عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي الدمشقي المتوفى سنة 665 هـ) .
36-
فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام، المتوفى سنة 224 هـ. (ط) .
37-
مصحف أبيّ بن كعب، وهو أحد الأربعة الذين جمعوا القرآن (زيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأبو زيد الأنصاري) ، وقد توفى أبيّ سنة 19 هـ وقيل 20 أو 22 أو 23.
38-
معاني القرآن للزجاج (أبي إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج المتوفى سنة 311 هـ) . (ط) .
39-
الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد القاسم بن سلام. (ط) .
ثالثا: كتب السنة وعلوم الحديث وشروحه:
أ-الكتب الستة مضافًا إليها مسند أحمد بن حنبل:
40-
الجامع الصحيح للإمام البخاري. (ط) .
41-
صحيح مسلم للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، المتوفى سنة (261 هـ-875 م) . (ط) .
42-
سنن أبي داود (سليمان بن الجارود بن الأشعث الأزدي السجستاني) ، المتوفى سنة (275 هـ 889 م) . (ط) .
43-
سنن الترمذي (الجامع) لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سهل الترمذي، المتوفى (279 هـ-892 م) . (ط) .
44-
سنن النسائي (أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي) ، المتوفى سنة 303 هـ، 915 م. (ط) .
45-
سنن ابن ماجه (أبي عبد الله محمد بن يوسف بن ماجه القزويني) ، المتوفى سنة 327 هـ-886 م. (ط) .
46-
مسند الإمام أحمد بن حنبل (أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الذهلي) ، المتوفى 241 هـ-855 م، وصاحب المذهب الحنبلي المشهور. (ط) .
ب-بقية كتب السنة وعلوم الحديث وشروحه:
47-
أحاديث الأصول للحافظ ابن كثير.
48-
الأحوذي في شرح الترمذي للإمام أبي بكر محمد بن العربي، المتوفى سنة 543 هـ، واسم الكتاب (عارضة الأحوذي في شرح الترمذي) . (ط) .
49-
الأسماء والصفات للبيهقي (أبي بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَيْهَقِيُّ) ، المتوفى سنة 453 هـ، والكتاب يتضمن الأحاديث الواردة في أسماء الله تعالى وصفاته وهو مطبوع بمطبعة أنوار أحمدي بالهند سنة 1313 هـ.
50-
الأربعين الطائية لأبي الْفُتُوحِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الطَّائِيُّ الهمداني، المتوفى سنة 555 هـ. وقد ذكر فيه أنه أملى أربعين حديثا من مسموعاته عن أربعين شيخا، كل حديث عن واحد من الصحابة، فذكر ترجمته وفضائله، وأورد عقيب كل حديث بعض ما اشتمل عليه من الفوائد، وشرح غريبه وأتبع بكلمات مستحسنة وسماه (الأربعين في إرشاد السائرين إلى منازل اليقين) .
51-
الأطراف لأبي الحجاج المزي. (ط) باسم تحفة الأشراف.
52-
الأفراد للدارقطني (أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني الشافعي) المولود في دار قطن من محال بغداد (306 هـ-918 م) والمتوفى (385 هـ-995 م) أما اسم الكتاب فهو: (فوائد الأفراد) .
53-
الأمالي لأحمد بن سليمان النجاد (أبي بكر أحمد بن سليمان بن الحسن الحنبلي المعروف بالنجاد، فقيه محدث) ، توفى 348 هـ-960 م، ويبدو أن كتابه هذا هو ما أملاه في دروسه التي كان يعقدها بعد صلاة الجمعة (وكانت له حلقتان في جامع المنصور: حلقة قبل الصلاة للفتوى على مذهب الإمام أحمد، وبعد الصلاة لإملاء الحديث، واتسعت رواياته وانتشرت أحاديثه ومصنفاته، وكان رأسا في الفقه رأسا في الحديث) .
54-
الأنواع والتقاسيم في الحديث لابن حبان (الحافظ محمد بن أحمد بن حبان البستي) المولود في بست من نواحي سجستان بين هراه وغزنة، والمتوفى (354 هـ 965 م)(ط) بترتيب الفارسي.
55-
الثقات لابن حبان. (ط) .
56-
جامع الأصول لابن الأثير (المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري المتوفى 606 هـ) أما الكتاب فهو (جامع الأصول من أحاديث الرسول) جمع فيه ابن الأثير الأصول الستة: البخاري، ومسلم، والموطأ، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وله مختصر يسمى (تيسير الوصول إلى جامع الأصول) لابن الديبع الشيباني، المتوفى سنة 944 هـ وهو مطبوع بالمكتبة التجارية بتحقيق الشيخ حامد الفقي، وبتحقيق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط.
57-
جامع الثوري (سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري) ، المتوفى سنة 161هـ وجامعه يسمى (الجامع الكبير) يجرى مجرى الحديث رواه عنه جماعة منهم يزيد بن أبي حكيم وعبد الله بن الوليد، وله أيضًا (كتاب الجامع الصغير وكتاب الفرائض) .
58-
الجامع لآداب الراوي والسامع: للخطيب البغدادي (أبي أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب) ، البغدادي والمتوفى سنة 463 هـ. (ط) .
59-
جامع المسانيد لابن الجوزي.
60-
الجرح والتعديل لابن أبي حاتم. (ط) .
61-
جزء في الأحاديث التي تنهى عن إتيان النساء في أدبارهن للذهبي.
62-
جزء في الأحاديث الواردة في الاستغفار للدارقطني.
63-
جزء في الأحاديث الواردة في فضل الأيام العشرة من ذي الحجة لابن كثير.
64-
جزء في الأحاديث الواردة في كفارة المجلس لابن كثير.
65-
جزء في حديث الصور لابن كثير أيضًا.
66-
جزء في الرد على حديث السجل لابن كثيركذلك.
67-
الخلافيات للبيهقي. قال السبكي في طبقات الشافعية: (وأما كتاب الخلافيات فلم يسبق إلى نوعه، ولم يصنف مثله، وهو طريقة مستقلة حديثة لا يقدر عليها إلا مبرز في الفقه والحديث قيم بالنصوص) . (ط) .
68-
دلائل النبوة لأبي زرعة الرازي (عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد فروخ الرازي (أبي زرعة) محدث حافظ، توفى (264 هـ-878 م) .
69-
دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني (أحمد بن عبد الله الأصبهاني) ، المتوفى سنة 420 هـ، صاحب حلية الأولياء، وكتابه ذاك ثلاثة أجزاء، ذكر منها مؤلفها الأحاديث الواردة في شأن النبي صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بحياته ونشأته وبعثته وزواجه وغزواته إلخ. وهو مطبوع بمطبعة دائرة المعارف النظامية بحيدر آباد الدكن بالهند سنة 1320 هـ.
70-
دلائل النبوة للبيهقي، وموضوعه كسالفه. (ط) .
71-
السنة للطبراني، (أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني) صاحب المعاجم الثلاثة (الكبير والأوسط والأصغر)(260-360 هـ) .
72-
السنن لأبي بكر بن عاصم (الحافظ أحمد بن عمر الشيباني) ، المتوفى 287 هـ. (ط) .
73-
سنن أبي بكر الأثرم، (من أصحاب أحمد بن حنبل واسمه أحمد بن محمد بن هاني ويكنى أبا بكر) ، له من الكتب كتاب السنن في الفقه على مذهب أحمد وشواهده من الحديث، وكتاب التاريخ وكتاب العلل وكتاب الناسخ والمنسوخ في الحديث.
74-
سنن أبي بكر البيهقي. (ط) .
75-
سنن الدارقطني. (ط) .
76-
سنن سعيد بن منصور الخراساني، المتوفى 227 هـ، وله تفسير كما ذكر الثعلبي في الكشف (ط) قسم منه.
77-
شرح البخاري للحافظ ابن كثير، وهو من الكتب المفقودة.
78-
شرح مسلم للنووي. (ط) .
79-
صحيح ابن خزيمة (محمد بن إسحاق النيسابوري) ، المتوفى سنة 311 هـ. (ط) . قسم منه.
80-
علل الخلال (أبي بكر أحمد بن محمد بن هارون البغدادي الحنبلي المعروف بالخلال) ، المتوفى 311 هـ. (ط) .
81-
المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي (الحافظ أبي محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي) ، المتوفى 0 26 هـ 971 م. (ط) .
82-
المختارة للضياء المقدسي، واسمه "الأحاديث المختارة" يقول ابن كثير في كتابه (اختصار علوم الحديث) :(وقد جمع الشيخ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي في ذلك كتابا سماه (المختارة) ، ولم يتم، وكان بعض الحفاظ من مشايخنا يرجحه على مستدرك الحاكم والله أعلم) ، وعلق الشيخ شاكر على هذا فقال: كأنه يعني شيخه الحافظ ابن تيمية، رحمه الله، وقال السيوطي في اللآلئ:(ذكر الزركشي في تخريج الرافعي أن تصحيحه أعلى مزية من تصحيح الترمذي وابن حبان) وقال ابن كثير في البداية والنهاية: (وهي أجود من مستدرك الحاكم لو كمل) . (ط) قسم منه.
83-
المراسيل لأبي داود. (ط) .
84-
المستخرج على البخاري للحافظ أبي بكر البرقاني (أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي) ، المتوفى 425 هـ.
85-
المستخرج على الصحيحين للضياء المقدسي.
86-
مستدرك الحاكم للنيسابوري (أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن حمد بن نعيم الضبي النيسابوري الشهير بالحاكم وبابن البيع) ، المتوفى 404 هـ، وكتابه يسمى (المستدرك على الصحيحين) ، وفيه يدافع الحاكم عن كثير من الأحاديث التي لم يدخلها البخاري ومسلم في صحيحيهما ويبرهن على أنها مستكملة لشروطهما تمامًا وإن عدلا عن ضمها إلى كتابيهما. (ط) .
87-
مسند أبي بكر البزار (أحمد بن عمرو البصري البزار) ، المتوفى 291 هـ أو 292. (ط) . قسم منه.
88-
مسند أبي بكر الحميدي (الحافظ عبد الله بن الزبير المكي) ، المتوفى 219 هـ. (ط) .
89-
مسند أبي بكر الصديق لابن كثير.
90-
مسند أبي داود الطيالسي، سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي الفارسي مولى بني الزبير المتوفى 202 هـ، وقيل 204 هـ، والكتاب مطبوع بحيدر آباد بالهند سنة 1321هـ.
91-
مسند أبي يعلى الموصلي (الحافظ أحمد بن علي بن المثنى الموصلي) ، المتوفى 307 هـ-918 م. (ط) .
92-
مسند الحارث بن أبي أسامة (أبي محمد الحارث بن محمد بن أبي أسامة التهيمي البغدادي) 186 -282 هـ.
93-
مسند الدارمي (عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي السمرقندي، شيخ مسلم وأبي داود والترمذي) ، المتوفى 255 هـ-869 م، وقد نشر الكتاب في حيدر آباد سنة 1309 هـ، وفي دلهى سنة 1337 هـ.
94-
مسند الشافعي (الإمام الكبير صاحب المذهب المعروف باسمه محمد بن إدريس الشافعي) المولود (150 هـ-767 م) والمتوفى (204 هـ-820 م)(ط) .
95-
مسند ابن عباس رضي الله عنه، الجزء الثاني منه للحافظ أبي يعلى الموصلي.
96-
مسند عبد بن حميد.
97، 98-مسند عمر بن الخطاب للحافظ ابن كثير. (ط) .
99-
المسند الكبير لابن كثير (واسمه جامع المسانيد والسنن الهادي لأقوم سنن) . (ط) .
100-
مسند محمد بن يحيى العبدي (الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده بن الوليد العبدي) ، المتوفى 395 هـ-1005 م.
101-
مسند الهيثم بن كليب (ابن شريح الشاشي أبي سعيد) ، المتوفى 335 هـ-945 م وكتابه يسمى (المسند الكبير في الحديث) في مجلدين. (ط) قسم منه.
102-
مشكل الحديث لأبي جعفر الطحاوي (أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي المصري الطحاوي) ، المتوفي 321، وقيل: 322 هـ. (ط) .
103-
مشكل الحديث لابن قتيبة (عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري أبي محمد) ، 213-276 هـ. (ط) .
104-
مصنف عبد الرزاق الصنعاني. (ط) .
105-
المطولات للطبراني. (ط) .
106-
معجم أبي العباس الدغولي، المتوفى (325 هـ-937 م)(أبي العباس محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله السرخسي الدغولي) .
107-
معجم أبي القاسم البغوي (عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، ويعرف بابن بنت منيع) المتوفى 317 هـ، وله المعجم الكبير والمعجم الصغير وكتاب السنن على مذاهب الفقهاء.
108-
المعجم الكبير للطبراني. (ط) .
109-
الموضوعات لأبي الفرج الجوزي. قال ابن كثير عنه: (وقد صنف الشيخ أبو الفرج الجوزي كتابًا حافلا في الموضوعات غير أنه أدخل فيه ما ليس منه وخرج عنه ما كان يلزمه ذكره فسقط عليه ولم يهتد إليه) . (ط) الصغرى منه.
110-
الموطأ للإمام مالك. (ط) .
111-
نوادر الأصول للترمذي واسم الكتاب كاملا (نوادر الأصول في معرفة أحاديث الرسول) لأبي عبد الله محمد بن علي الحكيم الترمذي. (ط) . مجردا عن الأسانيد.
رابعا: مصادره في الفقه وأصوله:
112-
الأحكام الكبرى للحافظ ابن كثير.
113-
الإرشاد في أصول الفقه لإمام الحرمين الجويني أبي المعالى عبد الملك بن عبد الله بن يوسف المتوفى 478 هـ. (ط) .
114-
الاستذكار لأبي عمر بن عبد البر (يوسف بن عبد البر النمري القرطبي الأندلسي) ، المتوفى 643. (ط) .
115-
الإملاء للإمام الشافعي.
116-
الأم للإمام الشافعي. (ط) .
117-
الأموال الشرعية وبيان جهاتها ومصارفها لأبي عبيد القاسم بن سلام. (ط) .
118-
الإيجاز في علم الفرائض لابن اللبان (أبي الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ اللَّبَّانِ المصري) ، المتوفى 402 هـ.
119-
الإيضاح لأبي علي الطبري (أبي علي الحسن بن القاسم الطبري الشافعي) ، المتوفى 305 هـ، واسم الكتاب (الإيضاح في الفروع) .
120-
الحواشي للمنذري (للحافظ عبد العظيم بن عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله المنذري زكي الدين أبي محمد محدث فقيه) .
121-
جزء في تطهير المساجد لابن كثير.
122-
جزء في الذَّبِيحَةُ الَّتِي لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَا.
123-
جزء في فضل يوم عرفة لابن كثير.
124-
جزء في الميراث لابن كثير.
125-
الشامل للصباغ (واسمه الشامل في فروع الشافعية) لأبي نصر عبد السيد بن محمد المعروف بابن الصباغ الشافعي، المتوفى 477 هـ، قال ابن خلكان: وهو من أجود كتب الشافعية وأصحها نقلا.
126-
شرح المهذب للنووي. قال ابن كثير: (اعتنى -النووي-بالتصنيف فجمع شيئًا كثيرًا، منها ما أكمله، ومنها ما لم يكمله، فما كمل شرح مسلم والروضة، والمنهاج، والرياض، والأذكار،
والتبيان، وتحرير التنبيه وتصحيحه وتهذيب الأسماء واللغات وطبقات الفقهاء وغير ذلك. ومما لم يتمه -ولو كمل لم يكن له نظير في بيان: شرح المهذب الذي سماه (المجموع) وصل فيه إلى كتاب الربا فأبدع فيه وأجاد، وأفاد وأحسن الانتقاء وحرر الفقه فيه في المذهب وغيره وحرر الحديث على ما ينبغي. (ط) .
127-
الشرح الكبير للرافعي (أبي القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم القزويني الرافعي) ، المتوفى سنة 623 هـ، وكتابه يسمى:(العزيز في شرح الوجيز) وله أيضًا الشرح الصغير) و (المحرر) و (شرح مسند الشافعي) . (ط) .
128-
الصلاة للمروزي (أبي عبد الله محمد بن نصر المروزي) كان من أشهر المحدثين في زمانه) ، توفى 294 هـ-906 م. (ط) .
129-
الصيام لابن كثير.
130-
العبادة للكامل الهذلي (أبي القاسم يوسف بن علي بن جبارة بن محمد الهذلي المغربي المتوفى 465 هـ-1074 م) .
131-
العدة للرافعي.
132-
فضائل الأوقات للبيهقي.
133-
فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأحمد بن فارس اللغوي، أبي الحسين القزويني، المتوفى (395 هـ-1004) م.
134-
فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم للقاضي إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل الأذري أبي إسحاق، المتوفى 282 هـ-896 م. (ط) .
135-
كتاب جمعه الذهبي في الكبائر. (ط) .
136-
كتاب لابن تيمية فِي إِبْطَالِ التَّحْلِيلِ تَضَمَّنَ النَّهْيَ عَنْ تَعَاطِي الوسائل المفضية إلى كل باطل. (ط) . ضمن الفتاوى.
137-
كشف الغطا في تبيين الصلاة الوسطى للحافظ أبي محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي.
138-
المحلى لابن حزم (أبي محمد بن حزم علي الظاهري) ، المتوفى 456 هـ. (ط) .
139-
المختصر للإمام الشافعي.
140-
مصنف للإمام أبي عبد الله البخاري في مسألة القراءة خلف الإمام. (ط) .
141-
المقدمات لابن كثير.
142-
النهاية للإمام الجويني، واسم الكتاب (نهاية المطلب في دراية المذهب) .
143-
الياسق لجنكيزخان المتوفى (624 هـ) والكتاب عبارة عن أحكام اقتبست من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والإسلام وغير ذلك وكان دستور التتار.
خامسا: في التاريخ والسير والتراجم:
144-
الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر. (ط) .
145-
أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير. (ط) .
146-
أسماء الصحابة للحافظ أبي نعيم الأصبهاني.
147-
الإكليل للهمذاني (أبي محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمذاني اليمني) ، المتوفى سنة 334 هـ، والكتاب يسمى "الأكامل في أنساب حمير وأيام ملوكها" وهو كتاب عظيم الفائدة يتم في عشر مجلدات، ويشتمل على عشرة متون.
148-
البداية والنهاية لابن كثير. (ط) .
149-
تاريخ الخطيب للبغدادي. (ط) .
150-
تاريخ ابن عساكر (علي بن الحسن) ، المتوفى سنة 571 هـ. (مخطوط) .
151-
التاريخ الكبير للإمام البخاري. (ط) .
152-
تاريخ مكة للأزرقي (أبي الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي) ، توفى بعد سنة 244 هـ بقليل. (ط) .
153-
تهذيب الأسماء واللغات للنووي "جمع فيه الأسماء والألفاظ الموجودة في كتب: مختصر أبي إبراهيم المزني، والمهذب، والتنبيه، والوسيط، والوجيز، والروضة، وهو الكتاب الذي اختصرته من شرح الوجيز للإمام أبي القاسم الرافعي". (ط) .
154-
التنوير في مولد السراج المنير للحافظ أبي الخطاب عمر بن دحية (عمر بن الحسن بن علي بن محمد بن دحية الكلبي الأندلسي الظاهري المذهب "مجد الدين-أبي الخطاب-أبي الفضل-أبي حفص"، المحدث الحافظ، المتوفى 632 هـ-1235 م) .
155-
جزء في فتح القسطنطينية للحافظ ابن كثير.
156-
الروض الأنف للسهيلي (عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي) ، المتوفى 581 هـ-1185م، وكتابه يدعى "الروض الأنف الباسم" في شرح السيرة. (ط) .
157-
سيرة عمر بن الخطاب لابن كثير.
158، 159-السيرة لابن كثير (مطولة وموجزة) . (ط) .
160-
سيرة الفقهاء للفقيه يحيى بن إبراهيم بن مزين الطليطلي أبي زكريا من أهل قرطبة بالأندلس.
161-
الشفاء للقاضي عياض اليحصبي، المتوفى (544 هـ-1149 م) . (ط) .
162-
الطبقات الكبرى لابن سعد (أبي عبد الله محمد بن سعد بن منيع) تلميذ الواقدي ومساعده، فلقب من أجل ذلك، كان الواقدي توفي (0 23 هـ 845 م) . (ط) .
163-
معرفة الصحابة لابن منده (أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد المعروف بابن منده، حفيد أبي عبد الله محمد بن يحيى) .
164-
معرفة الصحابة للموصلي (الحافظ أبي يعلى الموصلي) .
165-
مغازي الأموي سعيد بن يحيى الأموي.
166-
مغازي عبد الله بن لهيعة، المتوفى (174 هـ 790م) .
167-
المغازي لمحمد بن إسحاق بن يسار، صاحب السيرة، المتوفى (150 أو؟ هـ) . (ط) قسم منه.
168-
المغازي لموسى بن عقبة بن أبي العباس الأسدي، المتوفى سنة 141 هـ.
169-
(نهاية البداية والنهاية) لابن كثير، وقد ذكره بقوله (كتاب في التحذير من الفتن) . (ط) .
سادسا: في علوم اللغة:
170-
الجمل لابن القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي.
171-
الزاهر لابن الأنباري (أبي بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار المشهور بابن الأنباري المتوفى 228 هـ) . (ط) .
172-
الصحاح لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، المتوفى 393 هـ وقيل: 398 أو 400 هـ. (ط) .
173-
الغريب لأبي عبيد القاسم بن سلام. (ط) .
هذه أربعة كتب في علوم اللغة، منها ما ذكر مرة واحدة "كالزاهر" لابن الأنباري، ومنها ما ذكر كثيرًا كالغريب والصحاح: أما "الجمل" فكان يرجع إليه ابن كثير إذا احتاج إليه في مسألة نحوية أو تركيب لغوي.
سابعا: مصادر في موضوعات مختلفة:
174-
إثبات عذاب القبر للبيهقي.
175-
الأذكار للنسائي.
176-
الأذكار للنووي. (ط) .
177-
الأذكار للمعري (الحسن بن علي بن شبيب بن المحدثين الفقهاء) .
178-
الأذكار وفضائل الأعمال للحافظ ابن كثير.
179-
الأشراف على مذاهب الأشراف للوزير أبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة، المتوفى 560 هـ-1165 م.
180-
الاعتقاد للبيهقي. (ط) .
181-
الأنباه على ذكر أصول القبائل الرواة لابن عبد البر.
182-
الأهوال لابن أبي الدنيا (أبي بكر عبد الله أو عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا القرشي بالولاء) ، المتوفى 281 هـ-894 م. (ط) .
183-
التذكرة للقرطبي. (ط) .
184-
التفكر والاعتبار لابن أبي الدنيا.
185-
التقوى لابن أبي الدنيا.
186-
التوحيد للإمام ابن إسحاق بن خزيمة.
187-
جزء في الإسراء والمعراج للحسن بن عرفة بن يزيد العبدي البغدادي (أبي علي) ، المحدث.
188-
جزء في دخول مؤمن الجن الجنة لابن كثير.
189-
جزء مجموع في الجراد لابن عساكر.
190-
خطبة لمروان بن الحكم.
191-
الخمول والتواضع لابن أبي الدنيا. (ط) .
192-
ذم الطفيليين للخطيب البغدادي.
193-
ذم المسكر لابن أبي الدنيا. (ط) .
194-
الرد على الجهمية للإمام أحمد بن حنبل. (ط) .
195-
الرد على الجهمية للدارمي (عثمان بن سعيد بن خالد التميمي الدارمي (أبي سعيد) المتوفى 280 هـ-894 م) . (ط) .
196-
الزهد لعبد الله بن المبارك، ويكنى أبا عبد الرحمن، المتوفى سنة 181 هـ. (ط) .
197-
السابق واللاحق للخطيب البغدادي.
198-
السِّرِّ الْمَكْتُومِ فِي مُخَاطَبَةِ الشَّمْسِ وَالنُّجُومِ، الْمَنْسُوبَ لأبي عبد الله الرازي.
199-
صفة أهل الجنة للحافظ أبي عبد الله المقدسي.
200-
صفة العرش لمحمد بن عثمان بن أبي شيبة، المتوفى سنة 297 هـ.
201-
صفة النار للحافظ ابن كثير.
202-
العجائب الغريبة للحافظ محمد بن المنذر (أبي عبد الرحمن محمد بن المنذر بن سعيد بن عثمان السلمي المعروف بشكر) .
203-
الفكاهة للزبير بن بكار (أبي عبد الله الزبير بن بكار بن أحمد بن مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير) ، المتوفى 256 هـ-870 م.
204-
القبور لابن أبي الدنيا.
205-
القصد والأمم بمعرفة أصول أنساب العرب لابن عبد البر.
206-
كتاب في الروح للحافظ أبي عبد الله بن منده.
207-
ما قررته المجامع النصرانية سنة 400 هـ نقلا عن سعيد بن بطريق، يعد من علماء النصارى.
208-
مسانيد الشعراء لابن مردويه.
209-
مساوئ الأخلاق (الجزء الثاني منه) لأبي بكر الخرائطي (محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي) ، المتوفى 327 هـ-938 م. (ط) .
210-
المستقصى للحافظ البهائي.
211-
المشهور في أسماء الأيام والشهور للشيخ علم الدين السخاوي. (علي بن محمد بن عبد الرحمن الهمذاني شيخ القراء بدمشق المتوفى 643 هـ) .
212-
المعارف لابن قتيبة. (ط) .
213-
مقدمة في الأنساب لابن كثير.
214-
مقصورة ابن دريد (أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد المتوفى سنة 321 هـ) .
215-
مكارم الأخلاق للخرائطي. (ط) .
216-
النسب للزبير بن بكار. (ط) .
217-
نوادر الأصول للقرطبي.
هذه مصادر ابن كثير، رحمه الله، في تفسيره، ومن خلال هذا العدد الهائل من المصادر يتضح لنا الجهد العظيم الذي بذله الحافظ ابن كثير، رحمه الله، في إخراج كتابه.
4-
رأيه في الإسرائيليات:
الحافظ ابن كثير، رحمه الله له كلمات قوية في شأن الإسرائيليات وروايتها، وتفسيره يعد من الكتب الخالية من الإسرائيليات، اللهم إلا القليل الذي يحكيه ثم ينبه عليه، والنادر الذي يسكت عنه، وقد نبهت عليه في الحاشية.
ومن كلماته في الإسرائيليات (1)
قال في مقدمة تفسيره -بعد أن ذَكر حديثَ "بلّغُوا عنِّي وَلَوْ آيَةً، وحدِّثوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فليتبوأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"-: "وَلَكِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْإِسْرَائِيلِيَّةَ تُذكر لِلِاسْتِشْهَادِ، لَا لِلِاعْتِضَادِ. فَإِنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا علمنا صحتَه مما بأيدينا مما نشهدُ لَهُ بِالصِّدْقِ، فَذَاكَ صَحِيحٌ. وَالثَّانِي: مَا عَلِمْنَا كذبَه بِمَا عِنْدَنَا مِمَّا يُخَالِفُهُ. وَالثَّالِثُ: مَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، لَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَلَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَلَا نؤمِنُ بِهِ وَلَا نُكَذِّبُهُ، وتجوزُ حكايتُه لِمَا تَقَدَّمَ. وغالبُ ذَلِكَ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ تعودُ إِلَى أمرٍ دِينِيٍّ. وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ في مثل هَذَا كَثِيرًا، وَيَأْتِي عَنِ الْمُفَسِّرِينَ خلافٌ بِسَبَبِ ذلك. كما يَذكرون في مثل أَسْمَاءَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَلَوْنَ كَلْبِهِمْ وعِدّتهم، وَعَصَا موسى من أيِّ شجر كَانَتْ؟ وَأَسْمَاءَ الطُّيُورِ الَّتِي أَحْيَاهَا اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ، وَتَعْيِينَ الْبَعْضِ الَّذِي ضُرِبَ بِهِ القتيلُ مِنَ الْبَقَرَةِ، وَنَوْعَ الشَّجَرَةِ الَّتِي كلَّم اللَّهُ مِنْهَا مُوسَى إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَبْهَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ، مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِي تَعْيِينِهِ تَعُودُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ فِي دُنْيَاهُمْ وَلَا دِينِهِمْ. وَلَكِنَّ نقلُ الْخِلَافِ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ. كَمَا قَالَ تَعَالَى:{سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} إلى آخر الآية [الكهف: 22] .
وقال عند تفسير الآية: (50) من سورة الكهف-بعد أن ذكر أقوالا في "إبليس" واسمه ومن أيّ قبيلٍ هو؟! -: "وَقَدْ رُوى فِي هَذَا آثَارٌ كَثِيرَةٌ عَنِ السَّلَفِ، وغالبُها مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الَّتِي تُنقل ليُنْظَر فِيهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِ كَثِيرٍ مِنْهَا، وَمِنْهَا مَا قَدْ يُقْطَع بِكَذِبِهِ، لِمُخَالَفَتِهِ لِلْحَقِّ الَّذِي بأيدينا.
(1) استفدت هذه الكلمات من عمدة التفسير للشيخ أحمد شاكر (1/14- 18) ومن كتاب "ابن كثير وتفسيره" للدكتور إسماعيل عبد العال (ص 228- 232) .
وَفِي الْقُرْآنِ غُنْيَةٌ عَنْ كُلِّ مَا عَدَاهُ مِنَ الْأَخْبَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكَادُ تَخْلُو مِنْ تَبْدِيلٍ وَزِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ، وَقَدْ وُضِعَ فِيهَا أَشْيَاءٌ كَثِيرَةٌ. وَلَيْسَ لَهُمْ مِنَ الْحُفَّاظِ المُتْقِنين الَّذِينَ يَنْفُون عَنْهَا تحريفَ الغَالِين وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، كَمَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَالْعُلَمَاءِ، وَالسَّادَةِ والأتقياء، والبررة وَالنُّجَبَاءِ، مِنَ الْجَهَابِذَةِ النُّقَّادِ، والحُفَّاظ الْجِيَادِ، الَّذِينَ دَوَّنوا الْحَدِيثَ وحَرَّرُوه، وبيَّنوا صحيحَه مَنْ حَسَنه مِنْ ضَعِيفِهِ، مِنْ منكَره وَمَوْضُوعِهِ وَمَتْرُوكِهِ وَمَكْذُوبِهِ، وَعَرَفُوا الوضَّاعِين وَالْكَذَّابِينَ وَالْمَجْهُولِينَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ الرِّجَالِ. كلُّ ذَلِكَ صِيَانَةً لِلْجَنَابِ النَّبَوِيِّ والمقام المحمديّ، خاتم الرسل وسيد البشر، صلى الله عليه وسلم -أَنْ يُنْسَب إِلَيْهِ كذبٌ أَوْ يُحَدَّثَ عَنْهُ بِمَا لَيْسَ مِنْهُ. فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ، وجَعَل جنّاتِ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُمْ. وقد فَعَلَ".
وقال عند تفسير الآيات (51-56) من سورة الأنبياء، بعد إشارته إلى حال إبراهيم، عليه السلام، مع أبيه، ونظره إلى الكواكب والمخلوقات -:"وَمَا قَصَّه كثيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ، فعَامّتُها أحاديثُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَمَا وافقَ مِنْهَا الْحَقَّ مِمَّا بِأَيْدِينَا عَنِ الْمَعْصُومِ قَبِلْناه، لِمُوَافَقَتِهِ الصَّحِيحَ، وما خالف منها شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ردَدْناه، وَمَا لَيْسَ فِيهِ موافقةٌ وَلَا مخالفةٌ، لَا نُصَدِّقُهُ وَلَا نُكَذِّبُهُ، بَلْ نَجْعَلُهُ وَقْفًا. وَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ منها فقد رخَّص كثير من السلف في روايته. وكثيرٌ من ذلك مما لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَلَا حاصلَ لَهُ مِمَّا يُنْتَفَع به في الدّين. ولو كانت فائدتُه تَعُودُ عَلَى المكلَّفين فِي دِينِهِمْ لبيَّنَتْه هَذِهِ الشريعةُ الكاملةُ الشاملةُ. وَالَّذِي نَسْلُكُه فِي هَذَا التَّفْسِيرِ الإعراضُ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ، لِمَا فِيهَا مِنْ تَضْيِيعِ الزَّمَانِ، وَلِمَا اشتَمل عَلَيْهِ كثيرٌ مِنْهَا مِنَ الْكَذِبِ المُرَوَّج عَلَيْهِمْ. فَإِنَّهُمْ لَا تَفْرِقَةَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ صَحِيحِهَا وَسَقِيمِهَا. كَمَا حَرّره الأئمةُ الحُفّاظ المُتْقِنُون مِنْ هَذِهِ الأمة".
وقال عند تفسير الآية: (102) من سورة البقرة: "وَقَدْ رُوي فِي قِصَّةِ هاروتَ وماروتَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعَيْنِ، كَمُجَاهِدٍ والسُّدي وَالْحَسَنِ الْبَصَرِيِّ وَقَتَادَةَ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَالزُّهْرِيِّ والرَّبيع بْنِ أَنَسٍ ومقاتل ابن حَيَّانَ وَغَيْرِهِمْ، وقصَّها خلقٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ. وحاصلُها رَاجِعٌ فِي تَفْصِيلِهَا إِلَى أَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِذْ لَيْسَ فِيهَا حديثٌ مَرْفُوعٌ صَحِيحٌ متّصلُ الْإِسْنَادِ إِلَى الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ الْمَعْصُومِ الذِي لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. وظاهرُ سِيَاقِ الْقُرْآنِ إجمالُ الْقِصَّةِ مِنْ غَيْرِ بسْطٍ وَلَا إطنابٍ فِيهَا، فَنَحْنُ نؤمِن بِمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى، والله أعلم بحقيقة الحال".
وقال في أول سورة ق: "وَقَدْ رُوي عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُمْ قَالُوا: ق، جَبَلٌ مُحيطٌ بِجَمِيعِ الْأَرْضِ، يُقَالُ لَهُ جَبَلُ قَافٍ!!! وَكَأَنَّ هَذَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-مِنْ خُرَافَاتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّتِي أَخَذَهَا عَنْهُمْ بعضُ النَّاسِ، لِمَا رأَى مِنْ جَوَازِ الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ مما لَا يصدَّق وَلَا يُكَذَّب. وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا وأمثالَه وأشباهَه مِنَ اختلاقِ بَعْضِ زَنَادِقَتِهِمْ، يَلْبِسُون بِهِ عَلَى النَّاسِ أمرَ دِينِهِمْ. كَمَا افْتُريَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ -مَعَ جَلَالَةِ قَدْرِ عُلَمَائِهَا وحُفّاظها وَأَئِمَّتِهَا-أحاديثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمَا بالعَهْدِ مِنْ قِدَمٍ. فَكَيْفَ بأمةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مَعَ طُولِ المَدَى، وَقِلَّةِ الحُفَّاظ النُّقَّاد فِيهِمْ، وَشُرْبِهِمُ الْخُمُورَ، وَتَحْرِيفِ علمائِهم الكلمَ عَنْ مَوَاضعه وتبديلِ كُتُب اللَّهِ وآياتِه. وَإِنَّمَا أَبَاحَ الشارعُ الروايةَ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: "وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ" فِيمَا قَدْ يُجَوِّزُه الْعَقْلُ. فَأَمَّا فِيمَا تحِيلُه الْعُقُولُ، ويُحْكَم فيه بالبُطلان، ويَغْلبُ عَلَى الظُّنُونِ كذبُه، فَلَيْسَ مِنْ هذا القبيل".
وقال عند تفسير الآيات (41-44) من سورة النمل -وقد ذكر في قصة ملكة سبأ أثرًا طويلا عن ابن عباس، وَصَفَه بأنه "منكر غريب جدًا"-ثم قال:"والأقربُ فِي مِثْلِ هَذِهِ السِّيَاقَاتِ أَنَّهَا متلقَّاةٌ عن أهل الكتاب، مما وُجد فِي صُحُفهم، كَرِوَايَاتِ كَعْبٍ ووَهْب، سَامَحَهُمَا اللَّهُ فِيمَا نَقَلَاهُ إِلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ أَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنَ الْأَوَابِدِ وَالْغَرَائِبِ وَالْعَجَائِبِ، مِمَّا كَانَ وَمَا لَمْ يَكُنْ، وَمِمَّا حُرِف وبدِّل ونُسِخَ. وَقَدْ أَغْنَانَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ ذَلِكَ بِمَا هُوَ أصحُّ مِنْهُ وأنفعُ وأوضحُ وأبلغُ. ولله الحمد والمنة".
وقال عند تفسير الآية: (46) من سورة العنكبوت-بعد أن رَوَى الحديث: "إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تكذبوهم"-قال: "ثم ليُعلم أن أكثر ما يتحدثون بِهِ غَالِبُهُ كَذِبٌ وَبُهْتَانٌ لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَهُ تَحْرِيفٌ وَتَبْدِيلٌ وَتَغْيِيرٌ وَتَأْوِيلٌ وَمَا أَقَلَّ الصِّدْقَ فيه، ثم ما أقل فائدته".
وقال عند تفسير قوله تعالى: {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه: 18] : "أي مصالح ومنافع وحاجات أخرى غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَدْ تَكَلَّفَ بَعْضُهُمْ لِذِكْرِ شَيْءٍ من تلك المآرب التي أبهمته، فَقِيلَ: كَانَتْ تُضِيءُ لَهُ بِاللَّيْلِ، وَتَحْرُسُ لَهُ الْغَنَمَ إِذَا نَامَ، وَيَغْرِسُهَا فَتَصِيرُ شَجَرَةً تُظِلُّهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لما استنكر موسى، عليه الصلاة والسلام، صَيْرُورَتَهَا ثُعْبَانًا، فَمَا كَانَ يَفِرُّ مِنْهَا هَارِبًا، ولكن كل ذلك من الأخبار الإسرائيلية".
5-
العنوان والتوثيق:
إن صحة نسبة كتاب التفسير للحافظ ابن كثير أمر مقطوع به، ولولا أن الباحثين اعتادوا ذكر هذا الفصل وإلا لما ذكرته لشهرة هذا التفسير.
وممن ذكر هذا التفسير وعزاه لمؤلفه:
1-
الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف.
2-
الحافظ ابن حجر في فتح الباري.
3-
ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية.
4-
السيوطي في الدر المنثور.
5-
الشوكاني في فتح القدير.
6-
الشيخ سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تيسير العزيز الحميد.
7-
الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في فتح المجيد.
وأما عنوانه، فالمشهور "تفسير القرآن العظيم"، وجاء ذلك على طرة النسخة "ط"، وبعض النسخ تسميه:"تفسيرابن كثير".
6-
نسخ الكتاب:
يعتبر تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير من الكتب التي انتشرت في خزائن المكتبات الإسلامية، فقد وجدت نسخه في مكة والرياض ومصر واسطنبول والهند والمغرب وإيرلندا وباريس.
والاختلاف بين هذه النسخ اختلاف كبير، فالنسخ التي في الرياض مثلا يغلب عليها الاختصار وحذف الأسانيد والتصرف في الكتاب، هذا في الغالب فلا يستغرب، أو أقول: لا يعتمد أن توجد نسخة ليس فيها قصة العتبي المذكورة في سورة النساء؛ لأن هذه النسخة حديثة جدًا مع ما ذكرت من المنهج في النسخ الموجودة في نجد وغيرها من النسخ المعتمدة ذكر هذه القصة، وقد نبهت عليها في موضعها.
وكم يجد الباحث نفسه متحيرًا أمام إثبات نص ثبت في نسخة ولم يثبت في الأخرى، لذلك فقد حاولت قدر المستطاع جمع مخطوطات الكتاب لكي تزول هذه العقبة فوقع لي -والحمد لله-قدر منها، وإليك وصفها:
1-
النسخة الأزهرية (هـ) :
وأحيانًا أطلق عليها الأصل.
وهي نسخة محفوظة بمكتبة الأزهر برقم (168) تفسير، وتحتوي على الكتاب كاملا في سبعة مجلدات، وفي المجلد الثالث منها خروم.
وصفها الشيخ أحمد شاكر بأنها: نسخة يغلب عليها الصحة، والخطأ فيها قليل.
وطبعت بدار الشعب سنة (1390 هـ) بتحقيق عبد العزيز غنيم، ومحمد أحمد عاشور، ومحمد إبراهيم البنا.
وبالتتبع فإنها نسخة جيدة، لكنها لا توصف بأنها أصح النسخ، بل غيرها أفضل منها لو كمل. وقد اعتمدت على طبعة دار الشعب المأخوذة عن هذه النسخة لأمرين:
الأول: أني حاولت الحصول على مصورة لهذه النسخة فلم أستطع، فأرسلت إلى المكتبة طلبًا للتصوير، ثم أرسلت الطلب بصورة رسمية عن طريق جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ثم علمت بعد ذلك أن هذا دأب هذه المكتبة، وأخبرت عن طرق لاستخراج المخطوطة من هذه المكتبة لكن هذه الطرق ليست موافقة لعملي.
الثاني: أن عمل الأخوة في طبعة الشعب عمل جيد في إخراج النص حسب ما ورد في المخطوطة، ولهم اجتهادات أصابوا في بعضها وأخطؤوا في بعضها، فأقررتهم على ما أصابوا فيه، ولم أوافقهم على ما أخطئوا فيه، وقد اعتمدت إشاراتهم إلى المخطوطة في الهامش، فاستفدت منها وسلكت في ذلك مسلكًا جيدًا حتى كأن العمل على المخطوطة لا المطبوعة.
الناسخ: محمد بن علي الصوفي.
تاريخ النسخ: فرغ الكاتب من نسخها في العاشر من جمادى الأولى سنة (825 هـ) .
عدد الأوراق: 2195.
2-
نسخة تشستربتي (ط) :
وهي نسخة محفوظة بمكتبة تشستربتي بإيرلندا برقم (3430) ، وتحتوي على الجزء الأول ويبدأ
من أول التفسير وينتهي بتفسير الآية {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية: [البقرة: 218] ، وهو آخر الجزء التاسع من أجزاء المؤلف، وفيها سقط وبها حواش من خط المؤلف وعليها تصحيحات، وهي من مصورات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وهي في غاية الدقة والحسن لو كملت.
الناسخ: أحمد بن محمد بن المحب، المتوفى سنة (776 هـ) ، وله ترجمة في الدرر الكامنة (1\ 244) .
تاريخ النسخ: يظهر أنها كتبت في عهد المؤلف، فيها حواش بخطه، وكاتبها توفى سنة (776 هـ) أي بعد وفاة الحافظ ابن كثير بعامين.
عدد الأوراق: 224 مقاس 18.3 × 26.7 سم.
عدد الأسطر: 27 سطرا.
الخط: نسخ معتاد ممتاز.
3-
نسخة تشستربتي (ب) :
وهي نسخة محفوظة بمكتبة تشستربتي بإيرلندا برقم (4052)، وتحتوي على الجزء الأول -ناقص بشيء يسير من المقدمة-ويبدأ بـ "فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا أَحْسَنُ طُرُقِ التَّفْسِيرِ؟ " وينتهي بتفسير الآية: (47) من سورة البقرة وهي قوله تعالى {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}
بها حواش كثيرة وتصحيحات، والحبر منتشر على بعض الصفحات.
وهي من مصورات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
الناسخ: لم يعرف، والظاهر أنه معاصر للمؤلف.
تاريخ النسخ: كتبت في القرن الثامن تقديرًا، أي: في عهد المؤلف، رحمه الله.
عدد الأوراق: 177 مقاس 15.5 × 22 سم.
عدد الأسطر: 19 سطرا.
الخط: نسخ معتاد جيد.
4-
نسخة الحرم المكي (جـ) :
وهي نسخة محفوظة بمكتبة الحرم المكى بمكة المكرمة برقم (91) وتحتوي على الجزء الأول، ويبدأ بأول التفسير، وينتهي عند قوله تَعَالَى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} الْآيَةَ [النساء: 31] .
وكأن النسخة ملفقة من نسختين، فإن الخط يستمر نسخًا معتادًا إلى الآية (255) من سورة البقرة ثم خط مغاير وهو أقدم من الأول ويستمر إلى الآية المذكورة.
وعلى النسخ أثر البلل في كثير من أوراقه.
الناسخ: لم يعرف.
تاريخ النسخ: جاء بعد تفسير الآية (255) من سورة البقرة وهو نهاية الخط الأول: "وكان الفراغ من نسخ هذا الجزء يوم السبت المبارك في ثمانية وعشرين مضين من شهر جمادى الآخر من شهور سنة ستة وعشرين ومائتين وألف من الهجرة النبوية"، والخط الآخر لعله من خطوط القرن العاشر.
عدد الاوراق: 411 مقاس 29 ×20 سم.
عدد الأسطر: 20-25 سطرًا.
5-
نسخة الحميدية (أ) :
وهي نسخة محفوظة بالمكتبة الحميدية بتركيا، وتحتوي على الكتاب كاملا وخطها دقيق ومزينة بالذهب، وهي حديثة ومنقولة عن نسخة معتمدة.
الناسخ: لم يعرف.
تاريخ النسخ: كتبت سنة (؟) .
عدد الأسطر: 35-40 سطرا.
6-
نسخة الحرم المكي (ف) :
وهي نسخة محفوظة بمكتبة الحرم المكي بمكة المكرمة برقم (91) وتحتوي على تفسير أول سورة النمل إلى نهاية تفسير سورة الأحزاب.
وهي نسخة رديئة وخطها متحد مع خط القسم الثاني من النسخة (ج) ، وبها أثر الرطوبة.
الناسخ: لم يعرف.
تاريخ النسخ: لعله من خطوط القرن العاشر.
عدد الأوراق: 236 مقاس 29 × 20 سم.
عدد الأسطر: 37 سطرًا.
7-
نسخة الحرم المكي (ك) :
وهي نسخة محفوظة بمكتبة الحرم المكي بمكة برقم (91) ، وتبدأ من أول سورة الأعراف، وتنتهي بنهاية تفسير سورة التوبة.
والنسخة جيدة، وعليها تصويبات وتقييدات بالهامش وفيها أثر رطوبة.
الناسخ: لم يعرف.
تاريخ النسخ: كتبت سنة (780 هـ) .
عدد الأوراق: 228 مقاس 27× 18 سم.
عدد الأسطر: 26 سطرًا.
الخط: نسخ معتاد قديم.
8-
نسخة جامعة الرياض (د) :
وهي نسخة محفوظة بجامعة الملك سعود بالرياض برقم (4052) وتبدأ من تفسير الآية: 31 من سورة النساء، وتنتهي بتفسير الآية 36 من سورة التوبة.
وهي نسخة حديثة وخطها مقروء، لكن يغلب عليها الاختصار وحذف الأسانيد.
الناسخ: لم يعرف.
تاريخ النسخ: كتبت في حدود سنة (1155 هـ) أو بعدها بقليل.
عدد الأوراق: 218.
عدد الأسطر: 23 سطرًا.
9-
نسخة الحرم المكي (س) :
وهي نسخة محفوظة بمكتبة الحرم المكي برقم (91) ، وتبدأ بتفسير سورة سبأ وتنتهي بتفسير سورة فصلت.
وهي نسخة مقابلة على أصل المؤلف، كما جاء في آخر ورقة، وعليها أثر البلل في كثير من أوراقها.
الناسخ: محمد بن بهاء الدين عبد الله الشجاعي.
تاريخ النسخ: سنة (769 هـ) .
عدد الأوراق: 178 مقاس: 26 × 18 سم.
عدد الأسطر: 24 سطرًا.
الخط: نسخ معتاد.
10-
نسخة مكتبة الأوقاف ببغداد (م) :
وهي نسخة قديمة، وهي أقدم نسخ التفسير، والموجود منها ثلاثة أجزاء، الجزء الرابع في مكتبة تشستربتي برقم (3143) ، ويبدأ بتفسير سورة الأنعام، وينتهي بتفسير الآية (60) من سورة الأنفال. والجزآن التاسع والعاشر محفوظان بمكتبة الحرم المكي برقم (91) ويبدأ الجزء التاسع بتفسير سورة الشورى وينتهي العاشر بآخر الكتاب، وبذيله كتاب فضائل القرآن، وطرة الجزآن مزخرفة بشكل بديع بالذهب، ومكتوب فيها عنوان الكتاب، وعلى النسخة أثر البلل في كثير من أوراقه.
الناسخ: محمد بن أحمد بن معمر المقري البغدادي.
تاريخ النسخ: سنة (759 هـ) .
عدد الأوراق: المجلد الرابع: 229، والمجلد التاسع: 275، المجلد العاشر: 238 مقاس: 29 × 19 سم.
عدد الأسطر: 21 سطرًا.
الخط: نسخ معتاد واضح.
11-
نسخة آيا صوفيا (و) :
وهي نسخة محفوظة بمكتبة آياصوفيا بتركيا برقم (122) ، وتبدأ بأول الكتاب، وتنتهي بنهاية تفسير سورة آل عمران، وهي نسخة بديعة وقديمة ولو كملت لكانت أصح النسخ.
وقد ذكر بروكلمان في تاريخ الأدب العربي أنها موجودة بعدة أرقام، ففرحت بذلك، وكلفت أحد الأخوة بالبحث عن هذه الأرقام، فزار المكتبة ووجد أن تلك الأرقام هي أرقام لتفسير معالم التنزيل للبغوي، رحمه الله.
وهذه النسخة مقابلة بنسخة مقروءة على المؤلف، رحمه الله.
الناسخ: لم يعرف.
تاريخ النسخ: سنة (806 هـ) .
عدد الأوراق: 418.
عدد الأسطر: 17 سطرًا.
12-
نسخة ولي الدين جار الله (ر) :
وهي نسخة محفوظة بمكتبة ولي الدين جار الله بتركيا، وتبدأ بتفسير سورة آل عمران وتنتهي بتفسير الآية: 95 من سورة المائدة. وهذا هو الجزء الثاني من هذه النسخة.
الناسخ: لم يعرف.
تاريخ النسخ: سنة (837 هـ) .
عدد الأوراق: 330.
عدد الأسطر: 23 سطرًا.
13-
نسخة ولي الدين جار الله (ت) :
وهي نسخة محفوظة بمكتبة ولي الدين جار الله بتركيا، وهي مجلدان: المجلد الرابع: ويبدأ من تفسير سورة التوبة، وينتهي بنهاية تفسير سورة الحج.
المجلد الخامس -هكذا وأظن صوابه السادس-: ويبدأ من تفسير أول القصص حتى آخر سورة الحجرات.
الناسخ: علي بن يعقوب الشهير بابن المخلص.
تاريخ النسخ: سنة (799 هـ) .
عدد الأوراق: المجلد الرابع: 327 والمجلد الخامس: 284.
عدد الأسطر: 25-27 سطرًا.
النسخ المساعدة:
14-
نسخة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية:
وهي محفوظة برقم (3613) ، وتحتوي على أول الكتاب إلى نهاية تفسير سورة آل عمران، وعدد أوراقها:205.
الناسخ: سعد بن كسران.
تاريخ النسخ: النسخة حديثة وتاريخها قريب فيما أظن وهي وقف على أهل بلدة الحريق، قرب الرياض.
15-
نسخة مؤسسة الملك فيصل الخيرية:
وهي نسخة حديثة كتبت سنة 1294 هـ، وتحتوي على أول الكتاب إلى نهاية تفسير سورة آل عمران، وهي مهداة للمؤسسة، وعليها وقف باسم إبراهيم بن عبد اللطيف سنة 1306 هـ. وعدد أوراقها:398.
16-
طبعة دار الراية بتحقيق الشيخ مقبل الوادعي، حفظه الله:
وهي طبعة معتمدة على ما سبقها من الطبعات، والأخطاء فيها كثيرة جدًا.
توزيع النسخ على السور المفسرة السورة النسخ المخطوطة النسخ المساعدة البقرة أهـ طـ ب ج وجامعة الإمام
جامعة الإمام
ط -الوادعي مؤسسة فيصل
مؤسسة فيصل آل عمران أهـ ر ج والنساء أهـ ر د جـ المائدة أهـ ر د الأنعام أهـ م د الأعراف أهـ م د ك الأنفال أهـ م د ك التوبة أهـ ت د ك يونس أهـ ت هود أهـ ت يوسف أهـ ت الرعد أهـ ت إبراهيم أهـ ت الحجر أهـ ت النحل أهـ ت ف الإسراء أهـ ت ف الكهف أهـ ت ف مريم أهـ ت ف طه أهـ ت ف الأنبياء أهـ ت ف الحج أهـ ت ف المؤمنون أهـ ف النور أهـ ف الفرقان أهـ ف الشعراء أهـ ف النمل أهـ ف القصص أهـ ف ت العنكبوت أهـ ف ت الروم أهـ ف ت لقمان أهـ ف ت السجدة أهـ ف ت
تابع توزيع النسخ على السور المفسرة السورة النسخ المخطوطة الأحزاب أهـ ف ت سبأ أهـ ت س فاطر أهـ ت س يس أهـ ت س الصافات أهـ ت س ص أهـ ت س الزمر أهـ ت س غافر أهـ ت س فصلت أهـ ت س الشورى أهـ ت م الزخرف أهـ ت م الدخان أهـ ت م الجاثية أهـ ت م الأحقاف أهـ ت م محمد أهـ ت م الفتح أهـ ت م الحجرات أهـ ت م سور المفصل "من ق إلى الناس" أهـ م فضائل القرآن ط م ج
7-
منهج التحقيق:
1-
إخراج نص التفسير على ما يغلب على الظن أنه نص المؤلف، وذلك بمقابلة النسخ المخطوطة، وإثبات الصحيح من الفروق عند الاختلاف.
2-
بذلت جهدي في تقويم النص بالرجوع إلى مصادر الحديث وكتب الرجال المطبوعة والمخطوطة.
3-
وضعت الزيادات التي تزيد بها نسخة على النسخ الأخرى بين قوسين هكذا [] إذا كان ذلك مستقيمًا مع سلامة النص.
4-
تجنبت ذكر السقط في النسخ إلا عند الحاجة لأن ذلك يحتاج إلى إطالة في الهوامش لكثرة السقط في بعض النسخ.
5-
عزوت الآيات القرآنية الكريمة التي يستشهد بها المؤلف في التفسير بجانبها مع مراعاة ضبطها بالشكل.
6-
خرجت الأحاديث التي ذكرها الحافظ ابن كثير في تفسيره بعزوها إلى أماكنها إن كان الحافظ ذكر مصادرها.
وما كان في الصحيحين أو أحدهما فأكتفي بالعزو إليه، وإن كان في غيرهما ذكرت مواضع ما أشار إليه الحافظ من مصادر وأزيد في ذلك أحيانًا، وقد سلكت طريقة الاختصار في التخريج ما أمكن وموضعه إن شاء الله كتاب في تخريج أحاديث التفسير، كما هي عادة الأئمة، رحمهم الله.
7-
ضبطت بالشكل النصوص النبوية.
8-
ضبطت الأسماء والكنى والأنساب التي يحتاج إلى ضبطها.
9-
شرح بعض المفردات الغريبة.
10-
أحيانًا تدعو الحاجة إلى تعليق أو تعقيب على بعض المواطن في التفسير لبيان خطأ، أو بطلان قصة، أو الإشارة إلى بعض الإسرائيليات ونقدها.
11-
إعادة توزيع النص وإخراجه بشكل يعين القارئ ويسهل عليه المراجعة والقراءة، مع العناية بعلامات الترقيم كالفاصلة والأقواس والخطين للجمل الاعتراضية.
12-
وضع اسم السورة ورقم الآية في أعلى كل صفحة تيسيرًا للقارئ.
13-
قمت بوضع ترجمة مختصرة للمؤلف، ونبذة مختصرة عن الكتاب (1) .
14-
قمت بوضع فهارس عامة للكتاب.
وقد ساعدني في كثير من مراحل هذا العمل أخوة أفاضل سواء في مقابلة النسخ أو في شكل النص أو في تصحيح الملازم، فالله أسأل أن يثيبنا وإياهم ويجزينا وإياهم خير الجزاء.}
(1) وكنت قد وعدت أثناء الكتاب بوضع مبحث يتعلق بالنسخ التفسيرية ودراسة أسانيدها وأعتذر عن هذا الآن، لكني رأيت إخراجه مستقلا لتعلقه بالتفسير المأثور عموما، والله الموفق.
اللوحة الأولى نسخة من "أ"
اللوحة الأولى من نسخة "ف"
اللوحة الأولى من نسخة "ر"
اللوحة الأولى نسخة من "س"
اللوحة الأخيرة من نسخة "س"
اللوحة الأولى من نسخة "ك"
عنوان الجزء الرابع من نسخة "م" المحفوظة بشستربتي
لوحة من نسخة "ت"
لوحة من المجلد الرابع من نسخة "ت"
اللوحة الأولى من المجلد الخامس من نسخة "ت"
لوحة من المجلد الخامس من نسخة "ت"
لوحة من نسخة "د"
عنوان نسخة "ب"
اللوحة الأولى من نسخة "ب"
اللوحة الأولى من نسخة "جـ"
لوحة من نسخة "جـ"
لوحة من نسخة "جـ" وهي بداية اختلاف الخط
إسنادي إلى المصنف
وأسانيدى إلى ابن كثير كثيرة، وهي تمر بعدد من تلاميذه، منها:
ما أرويه عن الشيخ عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، والشيخ عبد الوهاب بن عبد العزيز بن زيد الزيد، كلاهما عن الشيخين: محمد الشاذلي النيفر، وعبد القادر بن كرامة الله النجاري، كلاهما عن الشيخ عمر بن حمدان المحرسي، عن محمد المكي بن مصطفى -المعروف بابن عزوز-عن الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى النجدي، عن الشيخ عبد الرحمن ابن حسن بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، عن جده شيخ الإسلام، عن عبد الله بن إبراهيم بن سيف الفَرضِي النجدي، عن أبي المواهب بن تقي الدين الحنبلي، عن النجم الغزي، عن أبيه البدر محمد بن الرضي محمد الغزي الدمشقي، عن الحافظ السيوطي، عن بهاء الدين أبي البقاء البلقيني، عن ابن الحسباني، عن ابن كثير-رحمه الله.
وأروي عن الفريوائي، والزيد، كلاهما عن الشيخين: حماد بن محمد الأنصاري، وأبي تراب الظاهري، كلاهما عن والد الثاني: الشيخ عبد الحق الهاشمي، عن أحمد بن عبد الله بن سالم البغدادي، عن عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، عن جده شيخ الإسلام، عن عبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي، عن أبي المواهب محمد بن عبد الباقي بن عبد الباقي الحنبلي، عن أبيه، عن المعمر عبد الرحمن البهوتي الحنبلي، عن الجمال يوسف بن زكريا، عن أبيه القاضي زكريا الأنصاري، عن الحافظ ابن حجر، عن ابن الجزري، عن ابن كثير-رحمه الله.
وأروي عن عبد الوهاب الزيد، عن الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الزهراني، عن الشيخ سليمان بن حمدان، عن الشيخ عبد الستار الدهلوي، عن أبي بكر خوقير، عن أحمد بن إبراهيم بن عيسى، عن عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، عن جده شيخ الإسلام، عن محمد حياة السندي، عن عبد الله بن سالم البصري، عن المسند زين العابدين الطبري، عن أبيه، عن الشمس الرملى، عن الحافظ السخاوي، عن الحافظ ابن حجر، عن ابن عنقة البسكري، عن ابن كثير رحمه الله.
وأروي عن عبد الوهاب الزيد، عن الشيخ أبى تراب الظاهري، عن الشيخ أحمد شاكر، عن عبد الستار الدهلوي، عن أبي بكر خوقير، عن أحمد بن إبراهيم بن عيسى، عن عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، عن عبد الرحمن الجبرتي المصري، عن مرتضى الزبيدي، عن عمر بن عقيل الحسيني، عن عبد الله بن سالم البصري، عن عبد الله بن محمد الديري الدمياطي، عن سلطان المزاحي، عن نور الدين علي الزيادي، عن الجمال يوسف بن عبد الله الأرموني، عن الحافظ السيوطي، عن المحب أبي المعالى الطبري، والرضي أبي حامد المخزومي، وأبي بكر المرشدي، كلهم عن الشهاب بن حجي، عن ابن كثير-رحمه الله.
وأروي عن عبد الوهاب الزيد، عن الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد، عن الشيخ حمود
التويجري، عن الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، عن الشيخ سعد بن حمد بن عتيق، عن ابن عيسى، عن عبد الرحمن بن حسن، عن حسن القويسيني، عن داود القلعي، عن أحمد الجوهري، عن عبد الله بن سالم البصري، عن المسند زين العابدين بن عبد القادر الطبري، عن أبيه، عن المعمر عبد الواحد بن إبراهيم الحصاري، عن الحافظ السخاوي، عن الحافظ ابن حجر، عن سعد الدين النواوي، عن ابن كثير رحمه الله.
وأروي عن عبد الرحمن الفريوائي، وعبد الوهاب الزيد، كلاهما عن الشيخ محمد بن عبد الله ابن آدُّ الشنقيطي، عن الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، عن الشيخ علي بن ناصر أبي وادى، عن السيد نذير حسين الدهلوي، عن محمد إسحاق، عن عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي، عن أبيه، عن أبي الطاهر الكردي، عن الصفي أحمد بن محمد بن العجل اليمني، عن يحيى بن مكرم الطبري، عن الحافظ السيوطي، عن ابن مقبل الحلبي، عن ابن اليونانية، عن ابن كثير رحمه الله.
وأروي عن عبد الرحمن الفريوائي، وعبد الوهاب الزيد، كلاهما عن الشيخ بديع الدين الراشدي السندي، وأبى تراب الظاهري، كلاهما عن أبي الوفاء ثناء الله الأفرتسري، عن السيد نذير حسين، عن محمد إسحاق، عن عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي، عن أبيه، عن أبي الطاهر محمد ابن إبراهيم الكردي، عن أبيه، عن الصفي القشاشي، عن أبي المواهب الشناوي، عن الشمس الرملي، عن الحافظ زكريا الأنصاري، عن الحافظ ابن حجر، عن ابن الحريري، عن ابن كثير رحمه الله.
وأروي عن عبد الوهاب الزيد، عن الشيخ أحمد بن يحيى النجمي، عن الشيخ عبد الله بن محمد القرعاوي، عن الشيخ أحمد الله القرشي، عن السيد نذير حسين، عن عبد الرحمن الكزبري، عن الشيخ مصطفى الرحمتي، عن الشيخ عبد الغني النابلسي، عن النجم الغزي، عن أبيه، عن الحافظ زكريا الأنصاري، عن الحافظ ابن حجر، عن محمد بن سلمان البغدادي -نزيل القاهرة-عن ابن كثير-رحمه الله.
وأروي عن عبد الوهاب الزيد، عن الشيخ عبد المنان بن عبد الحق النورفوري، عن أبي الخير السلفي، عن الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، عن السيد نذير حسين عن محمد عابد السندي، عن عبد الله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، عن أبيه شيخ الإسلام، عن محمد حياة السندي، عن حسن العجيحي، عن أحمد بن محمد بن العجل اليمني، عن يحيى بن مكرم الطبري، عن الحافظ السيوطي، عن الشمس محمد بن محمد العقبي، والنجم أبي القاسم بن عمر بن محمد بن محمد بن محمد بن فهد المكي، كلاهما عن ابن الجزري، عن ابن كثير رحمه الله.
وأروي عن عبد الوهاب الزيد، عن الشيخ محمد حياة السندي السلفي، عن السيد نذير حسين -بالإجازة العامة-عن عبد الرحمن الكزبري، عن الزبيدى، عن المعمر السابق بن عرام، عن البابلي، عن محمد حجازي، عن المعمر محمد بن أركماس الحنفي، عن الحافظ ابن حجر عن محمد الحبتي عن ابن كثير رحمه الله.
(وهذا من أعلى الأسانيد إلى الحافظ ابن كثير رحمه الله .
وأروي عن عبد الوهاب الزيد، عن الشيخ شمس الدين بن محمد أشرف الأفغاني، والشيخ أحمد الله الفيروزفوري، كلاهما عن الحافظ محمد الجوندلوي، عن الحافظ عبد المنان الوزير آبادى، عن حسين بن محسن الأنصاري، عن محمد بن ناصر الحازمي وأحمد بن محمد علي الشوكاني، كلاهما عن والد الثاني الإمام الشوكاني، عن السيد عبد القادر بن أحمد، عن السيد سليمان بن يحيى بن عمر بن مقبول الأهدل، عن أحمد بن محمد الأهدل، عن أحمد النخلي، عن البابلي، عن إبراهيم اللقاني، عن الرملي، عن الحافظ زكريا الأنصاري، عن الحافظ ابن حجر، عن ابن الحسباني عن ابن كثير رحمه الله.
وأروي عن عبد الوهاب الزيد، عن الشيخ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بكر الإحسائي، عن عبد الحي الكتاني، عن حسين بن محسن الأنصاري، عن محمد بن ناصر الحازمي، وأحمد بن محمد بن علي الشوكاني، كلاهما عن والد الثاني الإمام الشوكاني، عن يوسف بن محمد بن علاء الدين المزجاجي، عن أبيه، عن جده عن إبراهيم الكردي، عن أحمد بن محمد المدني، عن الشمس الرملي، عن الحافظ زكريا الأنصاري، عن الحافظ ابن حجر، عن الشهاب بن حجي، عن ابن كثير رحمه الله.
وأروي عن عبد الوهاب الزيد، عن الشيخ القاضي محمد إسماعيل العمراني اليماني، عن القاضي عبد الله حميد عن الشيخ علي السدمي، عن جدِّ العمراني القاضي محمد بن محمد العمراني، عن الإمام الشوكاني، عن السيد عبد القادر الكوكباني، عن عبد الخالق بن أبي بكر المزجاجي، عن أبي طاهر الكردي، عن عبد الله بن سالم البصري، عن الشمس محمد بن علي المكتبي، عن النجم محمد بن البدر الغزي، عن أبيه، عن الحافظ السيوطي، عن ناصر الدين أبي الفتح محمد بن شهاب الدين أحمد بن أبي بكر البوصيري، عن محمد الحبتي، عن ابن كثير رحمه الله.
مُقَدِّمَةُ ابْنِ كَثِيرٍ
(1)
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَوْحَدُ، الْبَارِعُ الْحَافِظُ الْمُتْقِنُ، عِمَادُ الدِّينِ أَبُو الْفِدَاءِ (2) إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْخَطِيبِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ كَثير الْبَصْرَوِيُّ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَرَضِيَ عَنْهُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي افْتَتَحَ كِتَابَهُ بِالْحَمْدِ فَقَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الْفَاتِحَةِ: 2-4]، وَقَالَ تَعَالَى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا * وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا} [الكهف: 1-هـ] ، وَافْتَتَحَ خَلْقه بِالْحَمْدِ، فَقَالَ تَعَالَى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الْأَنْعَامِ: 1] ، وَاخْتَتَمَهُ بِالْحَمْدِ، فَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ مَآلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ:{وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزُّمَرِ: 75] ؛ وَلِهَذَا قَالَ [اللَّهُ](3) تَعَالَى: {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الْقَصَصِ: 70]، كَمَا قَالَ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [سبأ: 1] .
فَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ، أَيْ فِي جَمِيعِ مَا خَلَقَ وَمَا هُوَ خَالِقٌ، هُوَ الْمَحْمُودُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، كَمَا يَقُولُ الْمُصَلِّي:"اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ"(4) ؛ وَلِهَذَا يُلْهَم أَهْلُ الْجَنَّةِ تَسْبِيحَهُ وَتَحْمِيدَهُ كَمَا يُلْهَمون النَّفَس، أَيْ يُسَبِّحُونَهُ وَيَحْمَدُونَهُ عَدَدَ أَنْفَاسِهِمْ؛ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ عَظِيمِ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ، وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، وَتَوَالِي مِنَنه وَدَوَامِ إِحْسَانِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يُونُسَ: 9،10] .
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ رُسُلَهُ {مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النِّسَاءِ: 165] ، وَخَتَمَهُمْ بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الْعَرَبِيِّ الْمَكِّيِّ الْهَادِي لِأَوْضَحِ السُّبُلِ، أَرْسَلَهُ إِلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، مِنْ لَدُنْ بَعْثَتِهِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
(1) بعدها في جـ: "رب يسر ولا تعسر" وفي ط: "رب يسر وأعن يا كريم".
(2)
في جـ: "قال الشيخ العالم العلامة الأوحد الحافظ، المجتهد القدوة، علامة العلماء، وارث الأنبياء، بركة الإسلام، حجة الأعلام، محيي السنة، ومن عظم الله به علينا المنة عماد الدين أبو الفضل".
(3)
زيادة من جـ.
(4)
هذا اقتباس من حديث رواه مسلم في صحيحه برقم (771) من حديث البراء بن عازب، رضي الله عنه.
{قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158]، وَقَالَ تَعَالَى:{لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الْأَنْعَامِ: 19] .
فَمَنْ بَلَغَهُ هَذَا الْقُرْآنُ مِنْ عَرَبٍ وعَجَم، وأسودَ وأحمرَ، وَإِنْسٍ وَجَانٍّ، فَهُوَ نَذِيرٌ لَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هُودٍ: 17] . فَمَنْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ مِمَّنْ ذَكَرْنَا (1) فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ، بِنَصِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى:{فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ} [الْقَلَمِ: 44، 45] .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بُعِثتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ"(2) . قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: الْإِنْسَ وَالْجِنَّ. فَهُوَ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ-رَسُولُ اللَّهِ إِلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ: الْإِنْسُ وَالْجِنُّ، مُبَلِّغًا لَهُمْ عَنِ اللَّهِ مَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْعَزِيزِ الَّذِي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فُصِّلَتْ: 42] .
وَقَدْ أَعْلَمَهُمْ فِيهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ نَدَبهم إِلَى تَفَهُّمه، فَقَالَ تَعَالَى:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النِّسَاءِ: 82]، وَقَالَ تَعَالَى:{كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ} [ص: 29]، وَقَالَ تَعَالَى:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [مُحَمَّدٍ: 24] .
فَالْوَاجِبُ عَلَى الْعُلَمَاءِ الْكَشْفُ عَنْ مَعَانِي كَلَامِ اللَّهِ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ، وَطَلَبُهُ مِنْ مَظَانِّهِ، وتَعلُّم ذَلِكَ وَتَعْلِيمُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آلِ عِمْرَانَ: 187]، وَقَالَ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لَا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آلِ عِمْرَانَ: 77] .
فَذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ الْكِتَابِ قَبْلَنَا بِإِعْرَاضِهِمْ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ، وَإِقْبَالِهِمْ عَلَى الدُّنْيَا وَجَمْعِهَا، وَاشْتِغَالِهِمْ بِغَيْرِ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ اتِّبَاعِ كِتَابِ اللَّهِ.
فَعَلَيْنَا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ-أَنْ نَنْتَهِيَ عَمَّا ذمَّهم اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَأَنْ نَأْتَمِرَ بِمَا أُمِرْنَا بِهِ، مِنْ تَعَلُّم كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ إِلَيْنَا وَتَعْلِيمِهِ، وَتَفَهُّمِهِ وَتَفْهِيمِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نزلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الْحَدِيدِ: 16، 17] . فَفِي ذِكْرِهِ تَعَالَى لِهَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ الَّتِي قَبْلَهَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى كَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، كَذَلِكَ يُلِينُ الْقُلُوبَ بِالْإِيمَانِ بَعْدَ قَسْوَتِهَا مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي، وَاللَّهُ الْمُؤَمَّلُ الْمَسْؤُولُ أن يفعل بنا ذلك، إنه
(1) في جـ: "ذكرناه".
(2)
رواه مسلم في صحيحه برقم (521) من حديث جابر، رضي الله عنه.
جَوَادٌ كَرِيمٌ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا أَحْسَنُ طُرُقِ التَّفْسِيرِ؟
فَالْجَوَابُ: إِنَّ أَصَحَّ الطُّرُقِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُفَسَّر الْقُرْآنُ بِالْقُرْآنِ، فَمَا أُجْمِل فِي مَكَانٍ فَإِنَّهُ قَدْ فُسِّر فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَإِنْ أَعْيَاكَ ذَلِكَ فَعَلَيْكَ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّهَا شَارِحَةٌ لِلْقُرْآنِ وَمُوَضِّحَةٌ لَهُ، بَلْ قَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، رحمه الله: كُلُّ مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ مِمَّا فَهِمَهُ مِنَ الْقُرْآنِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النِّسَاءِ: 105]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نزلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النَّحْلِ: 44]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَمَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النَّحْلِ: 64] .
وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ"(1) يَعْنِي: السُّنَّةَ. وَالسُّنَّةُ أَيْضًا تَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ، كَمَا يَنْزِلُ (2) الْقُرْآنُ؛ إِلَّا أَنَّهَا لَا تُتْلَى كَمَا يُتْلَى الْقُرْآنُ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ، رحمه الله (3) وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذَلِكَ.
وَالْغَرَضُ أَنَّكَ تَطْلُبُ تفسيرَ الْقُرْآنِ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ تجدْه فَمِنَ السُّنَّةِ، كَمَا قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ:"بِمَ تَحْكُمُ؟ ". قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ: "فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ ". قَالَ: بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ. قَالَ: "فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ ". قَالَ: أَجْتَهِدُ بِرَأْيِي. قَالَ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَدْرِهِ، وَقَالَ:"الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وفَّق رَسُولَ رسولِ اللَّهِ لِمَا يَرْضَى رَسُولُ اللَّهِ"(4) وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمَسَانِدِ (5) وَالسُّنَنِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ.
وَحِينَئِذٍ، إِذَا لَمْ نَجِدِ التَّفْسِيرَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ، رَجَعْنَا فِي ذَلِكَ إِلَى أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُمْ أَدْرَى بِذَلِكَ، لِمَا شَاهَدُوا مِنَ الْقَرَائِنِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي اخْتُصُّوا بِهَا، وَلِمَا لَهُمْ مِنَ الْفَهْمِ التَّامِّ، وَالْعِلْمِ الصَّحِيحِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، لَا سِيَّمَا عُلَمَاؤُهُمْ وَكُبَرَاؤُهُمْ، كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رضي الله عنه (6) .
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ (7) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ -: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا نَزَلَتْ آية من (8) كتاب الله إلا وأنا أعلم فِيمَنْ نَزَلَتْ؟ وَأَيْنَ نَزَلَتْ؟ وَلَوْ أَعْلَمُ مَكَانَ أحد أعلم
(1) رواه الإمام أحمد في المسند (4/ 131) وأبو داود في السنن برقم (4604) من حديث المقدام بن معدى كرب، رضي الله عنه.
(2)
في ب: "كما ينزله عليه".
(3)
في ب: "رحمة الله عليه".
(4)
رواه الإمام أحمد في المسند (5/ 230) وأبو داود في السنن برقم (3592) والترمذي في السنن برقم (1328) من طرق عن شعبة عن أبي عون عن الحارث بن عمرو عن ناس من أصحاب معاذ عن معاذ به، وقال الترمذي:"هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل، وأبو عون الثقفي اسمه محمد بن عبيد الله". وللشيخ ناصر الألباني مبحث ماتع بين فيه كلام العلماء في نقد الحديث. انظر: السلسلة الضعيفة برقم (881) .
(5)
في جـ: "المسانيد".
(6)
في ب: "عنهم".
(7)
في ب: "جرير الطبري".
(8)
في ب: "في".
بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي تَنَالُهُ الْمَطَايَا لَأَتَيْتُهُ (1) . وَقَالَ الْأَعْمَشُ أَيْضًا، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا إِذَا تَعَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزْهُنَّ حَتَّى يَعْرِفَ مَعَانِيَهُنَّ، وَالْعَمَلَ بِهِنَّ (2) .
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: حَدَّثَنَا الَّذِينَ كَانُوا يُقْرِئُونَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَقْرِئُونَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَكَانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يَخْلُفُوهَا حَتَّى يَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا مِنَ الْعَمَلِ، فَتَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا (3) .
وَمِنْهُمُ الْحَبْرُ الْبَحْرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَتُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ وَبِبَرَكَةِ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ حَيْثُ قَالَ:"اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ"(4) .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا وَكِيع، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلم قَالَ (5) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ-: نعْم تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ابنُ عَبَّاسٍ (6) . ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ دَاوُدَ، عَنْ إِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ، عَنْ سفيانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْح أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: نِعْمَ التُّرْجُمَانُ لِلْقُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ (7) . ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ بُنْدَار، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْن، عَنِ الْأَعْمَشِ (8) بِهِ كَذَلِكَ.
فَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ قَالَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذِهِ الْعِبَارَةَ. وَقَدْ مَاتَ ابْنُ مَسْعُودٍ، رضي الله عنه، فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ عَلَى الصَّحِيحِ، وعُمِّر بَعْدَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ سِتًّا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَمَا ظَنُّكَ بِمَا كَسَبَهُ مِنَ الْعُلُومِ بَعْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ؟.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ: اسْتَخْلَفَ علِيّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَلَى الْمَوْسِمِ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَرَأَ فِي خُطْبَتِهِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ: سُورَةَ النُّورِ، فَفَسَّرَهَا تَفْسِيرًا لَوْ سَمِعَتْهُ الرُّومُ وَالتُّرْكُ وَالدَّيْلَمُ لَأَسْلَمُوا (9) .
وَلِهَذَا غَالِبُ مَا يَرْوِيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّدِّيُّ الْكَبِيرُ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَكِنْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ يَنْقُلُ عَنْهُمْ مَا يَحْكُونَهُ مِنْ أَقَاوِيلِ أَهْلِ الْكِتَابِ، الَّتِي أَبَاحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ:"بَلِّغوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وحَدِّثوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَج، وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (10) ؛ وَلِهَذَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَ الْيَرْمُوكِ قَدْ أَصَابَ زَامِلَتَيْنِ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَكَانَ يُحَدِّثُ مِنْهُمَا بِمَا فَهِمَهُ
(1) تفسير الطبري (1/ 80) وجابر بن نوح ضعيف لكنه توبع، فرواه البخاري في صحيحه برقم (5002) عن عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش به.
(2)
رواه الطبري في تفسيره (1/ 80) من طريق الحسين بن واقد عن الأعمش به.
(3)
رواه الطبري في تفسيره (1/ 80) من طريق جَرِيرٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السلمي.
(4)
رواه الإمام أحمد في المسند (1/ 266، 314، 327) وأصله في صحيح البخاري برقم (75) .
(5)
في ب: "كذا قال".
(6)
تفسير الطبري (1/ 90) .
(7)
تفسير الطبري (1/ 90) ورواه الحاكم في المستدرك (3/ 537) من طريق سفيان به.
(8)
تفسير الطبري (1/ 90) ورواه أبو خثيمة في العلم برقم (48) من طريق جعفر بن عون به.
(9)
رواه الطبري في تفسيره (1/ 81) والفسوي في تاريخه (1/ 495) من طريق الأعمش به.
(10)
صحيح البخاري برقم (3461) .
مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْإِذْنِ فِي ذَلِكَ.
وَلَكِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْإِسْرَائِيلِيَّةَ تُذْكَرُ لِلِاسْتِشْهَادِ، لَا لِلِاعْتِضَادِ، فَإِنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا عَلِمْنَا صِحَّتَهُ مِمَّا بِأَيْدِينَا مِمَّا يَشْهَدُ لَهُ بِالصِّدْقِ، فَذَاكَ صَحِيحٌ (1) .
وَالثَّانِي: مَا عَلِمْنَا كَذِبَهُ بِمَا عِنْدَنَا مِمَّا يُخَالِفُهُ.
وَالثَّالِثُ: مَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ لَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَلَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَلَا نُؤْمِنُ بِهِ وَلَا نُكَذِّبُهُ، وَتَجُوزُ حِكَايَتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَغَالِبُ ذَلِكَ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ تَعُودُ إِلَى أَمْرٍ دِينِيٍّ؛ وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي هَذَا كَثِيرًا، وَيَأْتِي عَنِ الْمُفَسِّرِينَ خِلَافٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ، كَمَا يَذْكُرُونَ فِي مِثْلِ هَذَا أَسْمَاءَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَلَوْنَ كَلْبِهِمْ، وَعِدَّتِهِمْ، وَعَصَا مُوسَى مِنْ أَيِّ الشَّجَرِ كَانَتْ؟ وَأَسْمَاءَ الطُّيُورِ الَّتِي أَحْيَاهَا اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ، وَتَعْيِينَ الْبَعْضِ الَّذِي ضُرِبَ بِهِ الْقَتِيلُ مِنَ الْبَقَرَةِ، وَنَوْعَ الشَّجَرَةِ الَّتِي كلَّم اللَّهُ مِنْهَا مُوسَى، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَبْهَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ، مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِي تَعْيِينِهِ تَعُودُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ فِي دُنْيَاهُمْ وَلَا دِينِهِمْ. وَلَكِنَّ نَقْلُ الْخِلَافِ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الْكَهْفِ: 22] ، فَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى الْأَدَبِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَتَعْلِيمِ مَا يَنْبَغِي فِي مِثْلِ هَذَا، فَإِنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، ضَعَّفَ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثِ، فَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ إِذْ لَوْ كَانَ بَاطِلًا لَرَدَّهُ كَمَا رَدَّهُمَا، ثُمَّ أَرْشَدَ عَلَى أَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَى عِدَّتِهِمْ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، فَقَالَ فِي مِثْلِ هَذَا:{قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ} فَإِنَّهُ مَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ إِلَّا قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ، مِمَّنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ؛ فَلِهَذَا قَالَ:{فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا} أَيْ: لَا تُجْهِدْ نَفْسَكَ فِيمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، وَلَا تَسْأَلْهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا رَجْمَ الْغَيْبِ. فَهَذَا أَحْسَنُ مَا يَكُونُ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ: أَنْ تَسْتَوْعِبَ الْأَقْوَالَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ، وَأَنْ تُنَبِّهَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْهَا وَتُبْطِلَ الْبَاطِلَ، وَتَذْكُرَ فَائِدَةَ الْخِلَافِ وَثَمَرَتَهُ؛ لِئَلَّا يَطُولَ الْنِزَاعُ وَالْخِلَافُ فِيمَا لَا فَائِدَةَ تَحْتَهُ، فَتَشْتَغِلُ بِهِ عَنِ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ. فَأَمَّا مَنْ حَكَى خِلَافًا فِي مَسْأَلَةٍ وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ أَقْوَالَ النَّاسِ فِيهَا فَهُوَ نَاقِصٌ، إِذْ قَدْ يَكُونُ الصَّوَابُ فِي الَّذِي تَرَكَهُ. أَوْ يَحْكِي الْخِلَافَ وَيُطْلِقُهُ وَلَا يُنَبِّهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْأَقْوَالِ، فَهُوَ نَاقِصٌ أَيْضًا. فَإِنْ صَحَّحَ غَيْرَ الصَّحِيحِ عَامِدًا فَقَدْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ، أَوْ جَاهِلًا فَقَدْ أَخْطَأَ، وَكَذَلِكَ مَنْ نَصَبَ الْخِلَافَ فِيمَا لَا فَائِدَةَ تَحْتَهُ، أَوْ حَكَى أَقْوَالًا مُتَعَدِّدَةً لَفْظًا وَيَرْجِعُ حَاصِلُهَا إِلَى قَوْلٍ أَوْ قَوْلَيْنِ مَعْنًى، فَقَدْ ضَيَّعَ الزَّمَانَ، وَتَكَثَّرَ بِمَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَهُوَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
[قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِذَا سُئِلَ عَنِ الْآيَةِ فِي الْقُرْآنِ قَالَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَكَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، رضي الله عنهما، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ اجْتَهَدَ برأيه](2) .
(1) في جـ: "صحيح للاعتقاد".
(2)
زيادة من ط، ب.
فَصْلٌ
إِذَا لَمْ تَجِدِ التَّفْسِيرَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ وَلَا وَجَدْتَهُ عَنِ الصَّحَابَةِ، فَقَدْ رَجَعَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ إِلَى أَقْوَالِ التَّابِعِينَ، كَمُجَاهِدِ بْنِ جَبْر (1) فَإِنَّهُ كَانَ آيَةً فِي التَّفْسِيرِ، كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: عَرضْتُ الْمُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ، مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ، أُوقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهُ، وَأَسْأَلُهُ عَنْهَا (2) .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا طَلْق بْنُ غَنَّامٍ، عَنْ عُثْمَانَ الْمَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَة قَالَ: رَأَيْتُ مُجَاهِدًا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، وَمَعَهُ أَلْوَاحُهُ، قَالَ: فَيَقُولُ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: اكْتُبْ، حَتَّى سَأَلَهُ عَنِ التَّفْسِيرِ كُلِّهِ (3) . وَلِهَذَا كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ: إِذَا جَاءَكَ التَّفْسِيرُ عَنْ مُجَاهِدٍ فَحَسْبُكَ بِهِ (4) .
وَكَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، وعِكْرِمة مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، ومسروق ابن الْأَجْدَعِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَقَتَادَةَ، وَالضَّحَّاكِ بْنِ مُزاحم، وَغَيْرِهِمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَتُذْكَرُ أَقْوَالُهُمْ فِي الْآيَةِ فَيَقَعُ فِي عِبَارَاتِهِمْ تَبَايُنٌ فِي الْأَلْفَاظِ، يَحْسَبُهَا مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ اخْتِلَافًا فَيَحْكِيهَا أَقْوَالًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ عَنِ الشَّيْءِ بِلَازِمِهِ أَوْ بِنَظِيرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنُصُّ عَلَى الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ، وَالْكُلُّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمَاكِنِ، فَلْيَتَفَطَّنِ اللَّبِيبُ لِذَلِكَ، وَاللَّهُ الْهَادِي.
وَقَالَ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ وَغَيْرُهُ: أَقْوَالُ التَّابِعِينَ فِي الْفُرُوعِ لَيْسَتْ حُجَّةً؟ فَكَيْفَ تَكُونُ حُجَّةً فِي التَّفْسِيرِ؟ يَعْنِي: أَنَّهَا لَا تَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ مِمَّنْ خَالَفَهُمْ، وَهَذَا صَحِيحٌ، أَمَّا إِذَا أَجْمَعُوا عَلَى الشَّيْءِ فَلَا يُرْتَابُ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً، فَإِنِ اخْتَلَفُوا فَلَا يَكُونُ بَعْضُهُمْ حُجَّةً عَلَى بَعْضٍ، وَلَا عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إِلَى لُغَةِ الْقُرْآنِ أَوِ السُّنَّةِ أَوْ عُمُومِ لُغَةِ الْعَرَبِ، أَوْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ.
فَأَمَّا تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ فَحَرَامٌ، لِمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ، رحمه الله، حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى، هُوَ ابْنُ عَامِرٍ الثَّعْلَبِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ، أَوْ بِمَا لَا يَعْلَمُ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ "(5) .
وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُسَدَّد، عَنْ أَبِي عَوَانة، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، بِهِ (6) . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حسن.
(1) في جـ، ط:"جبير".
(2)
رواه الطبري في تفسيره (1/ 90) .
(3)
تفسير الطبري (1/90) .
(4)
رواه الطبري في تفسيره (1/ 91) من طريق أبي بكر الحنفي سمعت سفيان فذكره.
(5)
تفسير الطبري (1/ 77) .
(6)
سنن الترمذي برقم (2952) وسنن النسائي الكبرى برقم (84 80) وسنن أبي داود برقم (3652)، والحديث مداره على عبد الأعلى بن عامر قال أبو زرعة: ضعيف، وتركه ابن مهدي.
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ -أَيْضًا-عَنْ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيِّ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، بِهِ مَرْفُوعًا (1) . وَلَكِنْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ المُلائِي، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَوَقَفَهُ (2) . وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ بَكْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ (3) فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ العَنْبَرِي، حَدَّثَنَا حَبَّان بْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ أَخُو حَزْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الجَوْني، عَنْ جُنْدب؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:" مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ "(4) .
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُدَ، والترمذي، والنسائي من حديث سهيل بن أبي حَزْمٍ القُطعي، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي سُهَيْلٍ (5) .
وَفِي لَفْظٍ لَهُمْ: "مَنْ قَالَ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِرَأْيِهِ، فَأَصَابَ، فَقَدْ أَخْطَأَ" أَيْ: لِأَنَّهُ قَدْ تَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَسَلَكَ غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ، فَلَوْ أَنَّهُ أَصَابَ الْمَعْنَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكَانَ قَدْ أَخْطَأَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ الْأَمْرَ مِنْ بَابِهِ، كَمَنْ حَكَمَ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَإِنْ وَافَقَ حُكْمُهُ الصَّوَابَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، لَكِنْ يَكُونُ أَخَفَّ جُرْمًا مِمَّنْ أَخْطَأَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَكَذَا سَمَّى اللَّهُ القَذَفة كَاذِبِينَ، فَقَالَ:{فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النُّورِ: 13] ، فَالْقَاذِفُ كَاذِبٌ، وَلَوْ كَانَ قَدْ قَذَفَ مَنْ زَنَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا لَا يَحِلُّ لَهُ الْإِخْبَارُ بِهِ، وَلَوْ كَانَ أَخْبَرَ بِمَا يَعْلَمُ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلِهَذَا تَحَرَّج جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ عَنْ تَفْسِيرِ مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ، كَمَا رَوَى شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي مَعْمَر، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، رضي الله عنه: أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي؟ إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ (6) .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ (7) بْنُ يَزِيدَ، عَنِ العَوَّام بْنِ حَوْشَب، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِي؛ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصَّدِيقَ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ:{وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عَبَسَ: 31]، فَقَالَ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي؟ إِذَا أَنَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ. مُنْقَطِعٌ (8) .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَيْضًا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخطاب قرأ على المنبر:
(1) تفسير الطبري (1/ 77) .
(2)
تفسير الطبري (1/ 78) ورواه وكيع عن عبد الأعلى فوقفه، رواه ابن أبي شيبة في المصنف (10/ 512) .
(3)
تفسير الطبري (1/ 78) .
(4)
تفسير الطبري (1/ 79) .
(5)
سنن أبي داود برقم (3652) وسنن الترمذي برقم (2953) وسنن النسائي الكبرى برقم (8086)
(6)
رواه الطبري في تفسيره (1/ 78) .
(7)
في ب: "محمود".
(8)
فضائل القرآن (ص 227) ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (10/ 513) عن محمد بن عبيد عن العوام بن حوشب به.
{وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عَبَسَ: 31]، فَقَالَ: هَذِهِ الْفَاكِهَةُ قَدْ عَرَفْنَاهَا، فَمَا الْأَبُّ؟ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَهُوَ التَّكَلُّفُ يَا عُمَرُ (1) .
وَقَالَ عَبْد بْنُ حُمَيْد: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه، وَفِي ظَهْرِ قَمِيصِهِ أَرْبَعُ رِقَاعٍ، فَقَرَأَ:{وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} فَقَالَ: مَا الْأَبُّ؟ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا لَهُوَ التَّكَلُّفُ (2) فَمَا عَلَيْكَ أَلَّا تَدْرِيَهُ (3) .
وَهَذَا كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمَا، رضي الله عنهما، إِنَّمَا أَرَادَا اسْتِكْشَافَ عِلْمِ كَيْفِيَّةِ الْأَبِّ، وَإِلَّا فَكَوْنُهُ نَبْتًا مِنَ الْأَرْضِ ظَاهِرٌ لَا يُجْهَلُ، لِقَوْلِهِ:{فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا} الْآيَةَ [عَبَسَ: 27، 28] .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّة، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَة: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ آيَةٍ لَوْ سُئِلَ عَنْهَا بَعْضُكُمْ لَقَالَ فِيهَا، فَأَبَى أَنْ يَقُولَ فِيهَا (4) . إِسْنَادُهُ (5) صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ {يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} [السَّجْدَةِ: 5]، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَمَا {يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [الْمَعَارِجِ: 4] ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إِنَّمَا سَأَلْتُكَ لِتُحَدِّثَنِي. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمَا يَوْمَانِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِمَا. فَكَرِهَ أَنْ يَقُولَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا يَعْلَمُ (6) .
وَقَالَ -أَيْضًا-ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ -يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ-حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّة، عَنْ مَهْدي بْنِ مَيْمُونٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: جَاءَ طَلْق بْنُ حَبِيبٍ إِلَى جُنْدُب بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَسَأَلَهُ عَنْ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: أحرِّج عَلَيْكَ إِنْ كُنْتَ مُسْلِمًا إِلَّا مَا قمتَ عَنِّي، أَوْ قَالَ: أَنْ تُجَالِسَنِي (7) .
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: إِنَّهُ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ: إِنَّا لَا نَقُولُ فِي الْقُرْآنِ شَيْئًا (8) .
وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: إِنَّهُ كَانَ لَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِي الْمَعْلُومِ مِنَ الْقُرْآنِ (9) .
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّة، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عن آية من القرآن فقال: لا
(1) فضائل القرآن (ص 227) ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (10/ 512) عن يزيد به، ورواه الحاكم في المستدرك (2/ 514) من طريق يزيد عن حميد بِهِ، وَقَالَ:"صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يخرجاه".
(2)
في جـ: "التكلف يا عمر".
(3)
ورواه ابن سعد في الطبقات (3/ 327)، ورواه البخاري في صحيحه برقم (7293) عن سليمان بن حرب به مختصرًا ولفظه:"نهينا عن التكلف".
(4)
تفسير الطبري (1/ 86) .
(5)
في ب: "إسناد".
(6)
فضائل القرآن (ص 228) .
(7)
تفسير الطبري (1/ 86) .
(8)
رواه الطبري في تفسيره (1/ 85) من طريق ابن وهب عن مالك به.
(9)
رواه الطبري في تفسيره (1/ 86) من طريق ابن وهب عن مالك به.
تَسْأَلْنِي عَنِ الْقُرْآنِ، وَسَلْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، يَعْنِي: عِكْرِمَةَ (1) .
وَقَالَ ابْنُ شَوْذَب: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، قَالَ: كُنَّا نَسْأَلُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ، فَإِذَا سَأَلْنَاهُ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ سَكَتَ، كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْ (2) .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: لَقَدْ أدركتُ فُقَهَاءَ الْمَدِينَةِ، وَإِنَّهُمْ ليعظِّمون الْقَوْلَ فِي التَّفْسِيرِ، مِنْهُمْ: سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَنَافِعٌ (3) .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَة، قَالَ: مَا سَمِعْتُ أَبِي تَأوَّل آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ قَطُّ (4) .
وَقَالَ أَيُّوبُ، وَابْنُ عَوْن، وَهِشَامٌ الدَّسْتوائِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: سَأَلْتُ عبَيدة السَّلْمَانِيَّ، عَنْ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَقَالَ: ذَهَبَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْلَمُونَ فِيمَ أُنْزِلَ (5) الْقُرْآنُ؟ فاتَّق اللَّهَ، وَعَلَيْكَ بِالسَّدَادِ (6) .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إِذَا حَدَّثْتَ عَنِ اللَّهِ فَقِفْ، حَتَّى تَنْظُرَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ (7) .
حَدَّثَنَا هُشَيْم، عَنْ مُغيرة، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَتَّقُونَ التَّفْسِيرَ وَيَهَابُونَهُ (8) .
وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفْر، قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَاللَّهِ مَا مِنْ آيَةٍ إِلَّا وَقَدْ سَأَلْتُ عَنْهَا، وَلَكِنَّهَا الرِّوَايَةُ عَنِ اللَّهِ عز وجل (9) .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: اتَّقُوا التَّفْسِيرَ، فَإِنَّمَا هُوَ الرِّوَايَةُ عَنِ اللَّهِ (10) .
فَهَذِهِ الْآثَارُ الصَّحِيحَةُ وَمَا شَاكَلَهَا عَنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ مَحْمُولَةٌ عَلَى تَحَرُّجِهِمْ عَنِ الْكَلَامِ فِي التَّفْسِيرِ بِمَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ؛ فَأَمَّا مَنْ تَكَلَّمَ بِمَا يَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ لُغَةً وَشَرْعًا، فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ هَؤُلَاءِ وَغَيْرِهِمْ أَقْوَالٌ فِي التَّفْسِيرِ، وَلَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِيمَا عَلِمُوهُ، وَسَكَتُوا عَمَّا جَهِلُوهُ، وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ؛ فَإِنَّهُ كَمَا يَجِبُ السُّكُوتُ عَمَّا لَا عِلْمَ له به، فكذلك يجب القول فيما
(1) رواه الطبري في تفسيره (1/ 87) وابن أبي شيبة في المصنف (10/ 511) من طريق محمد بن جعفر عن شعبة به.
(2)
رواه الطبري في تفسيره (1/ 86) عن العباس بن الوليد عن أبيه عن ابن شوذب به.
(3)
تفسير الطبري (1/ 85) .
(4)
فضائل القرآن (ص 229) .
(5)
في جـ: "نزل".
(6)
رواه الطبري في تفسيره (1/ 86) من طريق ابن علية عن أيوب وابن عون به.
(7)
فضائل القرآن (ص 229) .
(8)
فضائل القرآن (ص 229) ورواه أبو نعيم (4/ 222) من طريق جرير عن المغيرة به.
(9)
رواه الطبري في تفسيره (1/ 87) من طريق سعيد بن عامر عن شعبة به.
(10)
فضائل القرآن (ص 229) .
سُئِلَ عَنْهُ مِمَّا يَعْلَمُهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آلِ عِمْرَانَ: 187]، وَلِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ مِنْ طُرُقٍ:"مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ، ألْجِم يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ"(1) .
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ:
حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمة، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِيِّ، حَدَّثَنِي هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُفَسِّرُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا آيًا تُعد، عَلَّمَهُنَّ إيَّاه جِبْرِيلُ، عليه السلام. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ الْطَرَسُوسِيِّ، عَنْ مَعْن بْنِ عِيسَى، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ هِشَامٍ، بِهِ. (2) .
فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ غَرِيبٌ، وَجَعْفَرٌ هَذَا هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ الْقُرَشِيُّ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يُتَابَعُ فِي حَدِيثِهِ، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْفَتْحِ الْأَزْدِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
وتكلَّم عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ مِمَّا لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِالتَّوْقِيفِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، مِمَّا وَقَّفَهُ عَلَيْهَا جِبْرِيلُ. وَهَذَا تَأْوِيلٌ صَحِيحٌ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ؛ فَإِنَّ مِنَ الْقُرْآنِ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ، وَمِنْهُ مَا يَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ، وَمِنْهُ مَا تَعْلَمُهُ الْعَرَبُ مِنْ لُغَاتِهَا، وَمِنْهُ مَا لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِي جَهْلِهِ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُؤَمَّل، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ [عَنِ الْأَعْرَجِ] (3) قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: التَّفْسِيرُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: وَجْهٌ تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ مِنْ كَلَامِهَا، وَتَفْسِيرٌ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ، وَتَفْسِيرٌ يَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ، وَتَفْسِيرٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ (4) .
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ فِي حَدِيثٍ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ:
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَرْبَعَةِ (5) أَحْرُفٍ: حَلَالٌ وَحَرَامٌ، لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِالْجَهَالَةِ بِهِ. وَتَفْسِيرٌ تفسره [العرب، وتفسير
(1) جاء من حديث أبي هريرة، ومن حديث أنس، وأبي سعيد الخدري، رضي الله عنهم. أما حديث أبي هريرة، فرواه أحمد في المسند (2/ 263) وأبو داود في السنن برقم (3658) والترمذي في السنن برقم (2649) وابن ماجة في السنن برقم (261) من طريق علي ابن الحكم عن عطاء عن أبي هريرة، وقال الترمذي:"حديث حسن". وأما حديث أنس، فرواه ابن ماجة في السنن برقم (264) من طريق يوسف بن إبراهيم عن أنس، وقال البوصيري في الزوائد (1/ 117) :"هذا إسناد ضعيف". وأما حديث أبي سعيد، فرواه ابن ماجة في السنن برقم (265) من طريق محمد بن داب عن صفوان بن سليم عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أبي سعيد، وقال البوصيري في الزوائد (1/ 118) :"هذا إسناد ضعيف".
(2)
تفسير الطبري (1/ 84) ورواه أبو يعلى في مسنده (8/ 23) من طريق معن القزاز عن فلان بن محمد بن خالد، عن هشام بن عروة به، ورواه البزار في مسنده برقم (2185)"كشف الأستار" عن محمد بن المثنى، عن محمد بن خالد بن عثمة، عن حفص -أظنه ابن عبد الله- عن هشام عن أبيه به.
(3)
زيادة من نسخة مساعدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
(4)
تفسير الطبري (1/ 75) .
(5)
في هـ، ب:"سبعة" والمثبت من جـ، والطبري.
تُفَسِّرُهُ] (1) الْعُلَمَاءُ. وَمُتَشَابِهٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عز وجل، وَمَنِ ادَّعَى عِلْمَهُ سِوَى اللَّهِ فَهُوَ كَاذِبٌ" (2) .
وَالنَّظَرُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ فِي إِسْنَادِهِ هُوَ مِنْ جِهَةِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ؛ فَإِنَّهُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ؛ لَكِنْ قَدْ يَكُونُ إِنَّمَا وَهِمَ فِي رَفْعِهِ. وَلَعَلَّهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(1) زيادة من جـ، والطبري.
(2)
تفسير الطبري (1/ 76) .
كِتَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ، رحمه الله:
كَيْفَ نُزُولُ الْوَحْيِ وَأَوَّلُ مَا نَزَلَ:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُهَيْمِنُ الْأَمِينُ الْقُرْآنُ، أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ قَالَا لَبِثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا (1) .
ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ، رحمه الله، كِتَابَ "فَضَائِلِ الْقُرْآنِ" بَعْدَ كِتَابِ التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ التَّفْسِيرَ أَهَمُّ وَلِهَذَا بَدَأَ بِهِ، [وَنَحْنُ قَدَّمْنَا الْفَضَائِلَ قَبْلَ التَّفْسِيرِ وَذَكَرْنَا فَضْلَ كُلِّ سُورَةٍ قَبْلَ تَفْسِيرِهَا لِيَكُونَ ذَلِكَ بَاعِثًا عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ وَفَهْمِهِ وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ](2) .
وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ الْمُهَيْمِنِ إِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ الْبُخَارِيُّ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي الْمَائِدَةِ بَعْدَ ذِكْرِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ: {وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [الْمَائِدَةِ: 48] . قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ، رحمه الله:
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ -يَعْنِي ابْنَ أَبِي طَلْحَةَ-عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} قَالَ: الْمُهَيْمِنُ: الْأَمِينُ. قَالَ: الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ (3) . وَفِي رِوَايَةٍ: شَهِيدًا عَلَيْهِ (4) . وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} قَالَ: مُؤْتَمَنًا (5) . وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وَقَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ. وَأَصْلُ الْهَيْمَنَةِ: الْحِفْظُ وَالِارْتِقَابُ، يُقَالُ إِذَا رَقَب الرَّجُلُ الشَّيْءَ وَحَفِظَهُ وَشَهِدَهُ: قَدْ هَيْمَنَ فُلَانٌ عَلَيْهِ، فَهُوَ يُهَيْمِنُ هَيْمَنَةً وَهُوَ عَلَيْهِ مُهَيْمِنٌ، وَفِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى: الْمُهَيْمِنُ، وَهُوَ الشَّهِيدُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَالرَّقِيبُ: الْحَفِيظُ بِكُلِّ شَيْءٍ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَسْنَدَهُ الْبُخَارِيُّ: أَنَّهُ، عليه السلام، أَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا، فَهُوَ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ دُونَ مُسْلِمٍ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَحْيَى وَهُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهَا (6) .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ عَنْ دَاوُدَ بن أبي هند، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ ذلك في عشرين سنة، ثم
(1) صحيح البخاري برقم (4978، 4979) .
(2)
جاء في م: "فجرينا على منواله وسننه مقتدين به" وما أثبته من ط، جـ.
(3)
تفسير الطبري (10/ 379) ط. المعارف.
(4)
تفسير الطبري (10/ 377) ط. المعارف.
(5)
رواه الطبري في تفسيره (10/ 378) ط. المعارف.
(6)
سنن النسائي الكبرى برقم (7977) .
قَرَأَ {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنزلْنَاهُ تَنزيلا} [الْإِسْرَاءِ: 106] . هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ (1) . أَمَّا إِقَامَتُهُ بِالْمَدِينَةِ عَشْرًا فَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَأَمَّا إِقَامَتُهُ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ فَالْمَشْهُورُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ، عليه الصلاة والسلام، أُوحِيَ إِلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً عَلَى الصَّحِيحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَذَفَ مَا زَادَ عَلَى الْعَشْرَةِ اخْتِصَارًا فِي الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَثِيرًا مَا يَحْذِفُونَ الْكُسُورَ فِي كَلَامِهِمْ، أَوْ أَنَّهُمَا إِنَّمَا اعْتَبَرَا قَرْنَ جِبْرِيلَ، عليه السلام، بِهِ عليه السلام. فَإِنَّهُ (2) قَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنَّهُ قُرِنَ بِهِ، عليه السلام، مِيكَائِيلُ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ، يُلْقِي إِلَيْهِ الْكَلِمَةَ وَالشَّيْءَ، ثُمَّ قُرِنَ بِهِ جِبْرِيلُ.
وَوَجْهُ مُنَاسَبَةِ هَذَا الْحَدِيثِ بِفَضَائِلِ الْقُرْآنِ: أَنَّهُ ابْتُدِئَ بِنُزُولِهِ فِي مَكَانٍ شَرِيفٍ، وَهُوَ الْبَلَدُ الْحَرَامُ، كَمَا أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنٍ شَرِيفٍ وَهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فَاجْتَمَعَ لَهُ شَرَفُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ؛ وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ إِكْثَارُ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ ابْتُدِئَ نُزُولُهُ فِيهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ جِبْرِيلُ يُعَارِضُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في كُلِّ سَنَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَمَّا كَانَ فِي السَّنَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا عَارَضَهُ بِهِ مَرَّتَيْنِ تَأْكِيدًا وَتَثْبِيتًا.
وَأَيْضًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ مَكِّي وَمِنْهُ مَدَنِيٌّ، فَالْمَكِّيُّ: مَا نَزَلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَالْمَدَنِيُّ: مَا نَزَلَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، سَوَاءٌ كَانَ بِالْمَدِينَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ أَيِّ الْبِلَادِ كَانَ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ عَرَفَةَ. وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى سُوَرٍ أَنَّهَا مِنَ الْمَكِّيِّ وَأُخَرَ أَنَّهَا مِنَ الْمَدَنِيِّ، وَاخْتَلَفُوا فِي أُخَرَ، وَأَرَادَ بَعْضُهُمْ ضَبْطَ ذَلِكَ بِضَوَابِطَ فِي تَقْيِيدِهَا عُسْرٌ وَنَظَرٌ، وَلَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ سُورَةٍ فِي أَوَّلِهَا شَيْءٌ مِنَ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فَهِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، كَمَا أَنَّ كُلَّ سُورَةٍ فِيهَا:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فهي مدنية وما فيها: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذَا وَمِنْ هَذَا، وَالْغَالِبُ أَنَّهُ مَكِّيٌّ. وَقَدْ يَكُونُ مَدَنِيًّا كما في البقرة {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (3) [البقرة: 20] ، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأرْضِ حَلالا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الْبَقَرَةِ: 168] .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا مَنْ سَمِعَ الْأَعْمَشَ يُحَدِّثُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلْقَمَةَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فَإِنَّهُ أُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ، وَمَا كَانَ {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} فَإِنَّهُ أُنْزِلَ بِمَكَّةَ (4) . ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي الملَيْح، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْران، قَالَ: مَا كَانَ فِي القرآن: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} وَ {يَابَنِي آدَمَ} فَإِنَّهُ مَكِّيٌّ، وَمَا كان:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فَإِنَّهُ مَدَنِيٌّ (5) .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ بَعْضَ السُّوَرِ نَزَلَ مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً بِالْمَدِينَةِ وَمَرَّةً بِمَكَّةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَثْنِي مِنَ الْمَكِّيِّ آيَاتٍ يَدَّعِي أَنَّهَا مِنَ الْمَدَنِيِّ، كَمَا فِي سُورَةِ الْحَجِّ وَغَيْرِهَا.
وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ الصَّحِيحُ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن
(1) فضائل القرآن (ص 222) ورواه الحاكم في المستدرك (2/ 222) من طريق يزيد بن هارون به، وقال:"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
(2)
في ط: "فكأنه".
(3)
في م: "اتقوا" وهو خطأ.
(4)
فضائل القرآن (ص 222) .
(5)
فضائل القرآن (ص 222) .
صالح، عن معاوية بن صالح بن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَالنِّسَاءِ، وَالْمَائِدَةِ، وَالْأَنْفَالِ، وَالتَّوْبَةِ، وَالْحَجِّ، وَالنُّورِ، وَالْأَحْزَابِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا، وَالْفَتْحِ، وَالْحَدِيدِ، وَالْمُجَادَلَةِ، وَالْحَشْرِ، وَالْمُمْتَحِنَةِ، وَالْحَوَارِيُّونَ، وَالتَّغَابُنِ، وَ {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} و {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ} وَالْفَجْرِ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} وَ {إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وَ {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} وَ {إِذَا زُلْزِلَتِ} وَ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} وَسَائِرُ ذَلِكَ بِمَكَّةَ (1) .
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَنِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ مَشْهُورٌ، وَهُوَ أَحَدُ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْهُ التَّفْسِيرَ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَدَنِيِّ سُوَرًا فِي كَوْنِهَا مَدَنِيَّةً نَظَرٌ، وَفَاتَهُ الْحُجُرَاتِ وَالْمُعَوِّذَاتِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: أُنْبِئْتُ أَنَّ جِبْرِيلَ، عليه السلام، أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ، فَجَعَلَ يَتَحَدَّثُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ هَذَا؟ " أَوْ كَمَا قَالَ، قَالَتْ: هَذَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، فَلَمَّا قَامَ قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا حَسِبْتُهُ إِلَّا إِيَّاهُ، حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُخبر خَبر جِبْرِيلَ. أَوْ كَمَا قَالَ، قَالَ أَبِي: فَقُلْتُ لِأَبِي عُثْمَانَ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. وَهَكَذَا رَوَاهُ أَيْضًا فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ النَّرْسِيِّ، وَمُسْلِمٌ فِي فَضَائِلِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ حَمَّادٍ [وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى](2) كُلُّهُمْ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بِهِ (3) .
وَالْغَرَضُ مِنْ إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ هَاهُنَا أَنَّ السَّفِيرَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلُ عليه السلام وَهُوَ مَلَكٌ كَرِيمٌ ذُو وَجَاهَةٍ وَجَلَالَةٍ وَمَكَانَةٍ كَمَا قَالَ: {نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشُّعَرَاءِ: 193، 194]، وَقَالَ تَعَالَى:{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} الْآيَاتِ [التَّكْوِيرِ: 19-22] . فَمَدَحَ الرَّبُّ تبارك وتعالى عَبْدَيْهِ وَرَسُولَيْهِ جِبْرِيلَ وَمُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَسَنَسْتَقْصِي الْكَلَامَ عَلَى تفسير هذا الكتاب (4) فِي مَوْضِعِهِ إِذَا وَصَلْنَا إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ الثِّقَةُ.
وَفِي الْحَدِيثِ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ لِأُمِّ سَلَمَةَ، رضي الله عنها -كَمَا بَيَّنَهُ مُسْلِمٌ رحمه الله-لِرُؤْيَتِهَا لِهَذَا الْمَلَكِ الْعَظِيمِ، وَفَضِيلَةٌ أَيْضًا لِدِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّ جِبْرِيلَ، عليه السلام، كَانَ كَثِيرًا مَا يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى صُورَةِ دِحْيَةَ وَكَانَ جَمِيلَ الصُّورَةِ، رضي الله عنه، وَكَانَ مِنْ قَبِيلَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الْكَلْبِيِّ، كُلُّهُمْ يُنْسَبُونَ إِلَى كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ وَهُمْ قَبِيلَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ، وَقُضَاعَةُ قِيلَ: إِنَّهُمْ مِنْ عَدْنَانَ، وَقِيلَ: مِنْ قَحْطَانَ، وَقِيلَ: بَطْنٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، وَاللَّهُ أعلم.
(1) فضائل القرآن (ص 221) .
(2)
زيادة من جـ، م.
(3)
صحيح البخاري برقم (4980) ، (3634) ، وصحيح مسلم برقم (2451) .
(4)
في جـ. "المكان".
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بن سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (1) صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(2) .
وَرَوَاهُ أَيْضًا فِي [كِتَابِ](3) الِاعْتِصَامِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ جَمِيعًا، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ -وَاسْمُهُ كَيْسَانُ الْمَقْبُرِيُّ-بِهِ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْقُرْآنِ الْمَجِيدِ عَلَى كُلِّ مُعْجِزَةٍ أُعْطِيَهَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَعَلَى كُلِّ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ: مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ مَا آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، أَيْ: مَا كَانَ دَلِيلًا عَلَى تَصْدِيقِهِ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ وَاتَّبَعَهُ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْبَشَرِ، ثُمَّ لَمَّا مَاتَ الْأَنْبِيَاءُ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ مُعْجِزَةٌ بَعْدَهُمْ إِلَّا مَا يَحْكِيهِ أَتْبَاعُهُمْ عَمَّا شَاهَدَهُ فِي زَمَانِهِ، فَأَمَّا الرَّسُولُ الْخَاتَمُ لِلرِّسَالَةِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّمَا كَانَ مُعْظَمُ مَا آتَاهُ اللَّهُ وَحَيًا مِنْهُ إِلَيْهِ مَنْقُولًا إِلَى النَّاسِ بِالتَّوَاتُرِ، فَفِي كُلِّ حِينٍ هُوَ كَمَا أَنْزَلَ، فَلِهَذَا قَالَ:"فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا"، وَكَذَلِكَ وَقَعَ، فَإِنَّ أَتْبَاعَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ لِعُمُومِ رِسَالَتِهِ وَدَوَامِهَا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَاسْتِمْرَارِ مُعْجِزَتِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ:{تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الْفُرْقَانِ: 1]، وَقَالَ تَعَالَى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الْإِسْرَاءِ: 88]، ثُمَّ تَقَاصَرَ مَعَهُمْ إِلَى عَشْرِ سُوَرٍ مِنْهُ فَقَالَ:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هُودٍ: 13] ثُمَّ تَحَدَّاهُمْ إِلَى أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ فَعَجَزُوا، فَقَالَ:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يُونُسَ: 38] ، وَقَصَرَ التَّحَدِّيَ عَلَى هَذَا الْمَقَامِ فِي السُّوَرِ (4) الْمَكِّيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا وَفِي الْمَدَنِيَّةِ أَيْضًا كَمَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، حَيْثُ يَقُولُ تَعَالَى:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [الْبَقَرَةِ: 23، 24] فَأَخْبَرَهُمْ بِأَنَّهُمْ عَاجِزُونَ عَنْ مُعَارَضَتِهِ بِمِثْلِهِ، وَأَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا، وَهَذَا وَهُمْ أَفْصَحُ الْخَلْقِ وَأَعْلَمُهُمْ بِالْبَلَاغَةِ وَالشِّعْرِ وَقَرِيضِ الْكَلَامِ وَضُرُوبِهِ، لَكِنْ جَاءَهُمْ من الله مالا قِبَلَ لِأَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِيَّةِ مِنَ الْكَلَامِ الْفَصِيحِ الْبَلِيغِ، الْوَجِيزِ، الْمُحْتَوِي عَلَى الْعُلُومِ الْكَثِيرَةِ الصَّحِيحَةِ النَّافِعَةِ، وَالْأَخْبَارِ الصَّادِقَةِ عَنِ الْغُيُوبِ الْمَاضِيَةِ وَالْآتِيَةِ، وَالْأَحْكَامِ الْعَادِلَةِ وَالْمُحْكَمَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا} [الْأَنْعَامُ: 115] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْوَرِ قَالَ: قُلْتُ: لَآتِيَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَأَسْأَلَنَّهُ عَمَّا سَمِعْتُ الْعَشِيَّةَ [قَالَ](5) فَجِئْتُهُ بَعْدَ الْعِشَاءِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قال: ثم
(1) في جـ: "رسول الله".
(2)
صحيح البخاري برقم (4981) ، (7274) .
(3)
زيادة من جـ.
(4)
في جـ، ط:"السورة".
(5)
زيادة من جـ، ط
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " "أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أُمَّتُكَ مُخْتَلِفَةٌ بَعْدَكَ". قَالَ:"فَقُلْتُ لَهُ: فَأَيْنَ المَخْرَج يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: فَقَالَ: "كِتَابُ اللَّهِ بِهِ يَقْصِم اللَّهُ كلَّ جَبَّارٍ، مَنِ اعْتَصَمَ بِهِ نَجَا، وَمَنْ تَرَكَهُ هَلَكَ، مَرَّتَيْنِ، قَوْلٌ فَصْل وَلَيْسَ بِالْهَزْلِ، لَا تُخْلِقُهُ الْأَلْسُنُ، وَلَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ، فِيهِ نَبَأُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَفَصْلُ مَا بَيْنَكُمْ، وَخَبَرُ مَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ"" هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (1) . وَقَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، عَنْ أَبِي الْمُخْتَارِ الطَّائِيِّ، عَنِ ابْنِ أَخِي الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، قَالَ: مَرَرْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ يَخُوضُونَ فِي الْأَحَادِيثِ فَدَخَلْتُ علَى علِيّ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَا تَرَى النَّاسَ قَدْ خَاضُوا فِي الْأَحَادِيثِ؟ قال: أو قد فَعَلُوهَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ" فَقُلْتُ: مَا المَخْرج مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وحُكْم مَا بَيْنَكُمْ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بالهَزْل، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمه اللَّهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، هُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِس بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَق عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا:{إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} [الْجِنِّ: 1، 2] ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدق، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أجِر، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَل، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ". خُذْهَا إِلَيْكَ يَا أَعْوَرُ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، وَإِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ وَفِي حَدِيثِ الْحَارِثِ مَقَالٌ (2) .
قُلْتُ: لَمْ يَنْفَرِدْ بِرِوَايَتِهِ حَمْزَةُ بْنُ حَبِيبٍ الزَّيَّاتُ، بَلْ قَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، فَبَرِئَ حَمْزَةُ مِنْ عُهْدَتِهِ، عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفَ الْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّهُ إِمَامٌ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْحَدِيثُ، مَشْهُورٌ مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ، بَلْ قَدْ كَذَّبَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ جِهَةِ رَأْيِهِ وَاعْتِقَادِهِ، أَمَّا إِنَّهُ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ فِي الْحَدِيثِ فَلَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقُصَارَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ، رضي الله عنه، وَقَدْ وَهِم بَعْضُهُمْ فِي رَفْعِهِ، وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ لَهُ شَاهِدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ الْإِمَامُ الْعَلَمُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِهِ فَضَائِلُ الْقُرْآنِ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَقْظَانِ، حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّوْرِيُّ أَوْ غَيْرُهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَجَرِيُّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَتَعْلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حَبْلُ اللَّهِ عز وجل، وَهُوَ النُّورُ الْمُبِينُ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ، عِصْمَة لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ، وَنَجَاةٌ لِمَنْ تَبِعَهُ، لَا يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ، لَا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبُ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلَا يَخْلَق عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، فَاتْلُوهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَأْجُرُكُمْ عَلَى تِلَاوَتِهِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ لَكُمْ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ عَشْرٌ، وَلَامٌ عَشْرٌ، وَمِيمٌ عَشْرٌ"(3) . وَهَذَا غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رَوَاهُ محمد بن فضيل عن أبي إسحاق
(1) المسند (1/ 91) .
(2)
سنن الترمذي برقم (2906) .
(3)
فضائل القرآن (ص 21) ورواه الحاكم في المستدرك (1/ 555) من طريق الهجري به.
الْهَجَرِيِّ، وَاسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَهُوَ أَحَدُ التَّابِعِينَ، وَلَكِنْ تَكَلَّمُوا فِيهِ كَثِيرًا.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: لَيِّنٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْأَزْدِيُّ: رفَّاع كَثِيرُ الْوَهْمِ. قُلْتُ: فَيُحْتَمَلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنْ يَكُونَ وَهِمَ فِي رَفْعِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَيْضًا: حَدَّثَنَا حجاج عن إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَا يَسْأَلُ عَبْدٌ عَنْ نَفْسِهِ إِلَّا الْقُرْآنَ، فَإِنْ كَانَ يُحِبُّ الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (1) .
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ (2) شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ اللَّهَ تَابَعَ الْوَحْيَ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ حَتَّى تَوَفَّاهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ الْوَحْيُ، ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ محمد هذا -وهو الناقد-وحسن الْحُلْوَانِيِّ وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ ابن مَنْصُورٍ الْكَوْسَجِ، أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ الزُّهْرِيِّ بِهِ (3) .
وَمَعْنَاهُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَابَعَ نُزُولَ الْوَحْيِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ كُلَّ وَقْتٍ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَلَمْ تَقَعْ فَتْرَةٌ بَعْدَ الْفَتْرَةِ الْأُولَى الَّتِي كَانَتْ بَعْدَ نُزُولِ الْمَلَكِ أَوَّلَ مَرَّةٍ بِقَوْلِهِ:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [الْعَلَقِ: 1] فَإِنَّهُ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ بَعْدَهَا حِينًا يُقَالُ: قَرِيبًا مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ حَمِيَ الْوَحْيُ وَتَتَابَعَ، وَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ نَزَلَ بعد تلك الفترة {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ} [الْمُدَّثِّرِ: 1، 2] .
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: حَدَّثَنَا أَبُو نَعِيمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدُبًا يَقُولُ: اشْتَكَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ، مَا أَرَى شَيْطَانَكَ إِلَّا تَرَكَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضُّحَى: 1-3](4) .
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَيْضًا، وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ (5) عَنْ سُفْيَانَ -وَهُوَ الثَّوْرِيُّ-وَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، بِهِ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الضُّحَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَالْمُنَاسَبَةُ فِي ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالَّذِي قَبْلَهُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى له برسوله عناية
(1) فضائل القرآن (ص 21) .
(2)
في ط، جـ:"أبى".
(3)
صحيح البخاري برقم (4982) وصحيح مسلم برقم (3016) .
(4)
صحيح البخاري برقم (4983) .
(5)
صحيح البخاري برقم (1152، 4950، 4951) وصحيح مسلم برقم (1797) وسنن الترمذي برقم (3345) وسنن النسائي الكبرى برقم (11681) .
عَظِيمَةٌ وَمَحَبَّةٌ شَدِيدَةٌ، حَيْثُ جُعِلَ الْوَحْيُ مُتَتَابِعًا عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْطَعْهُ عَنْهُ؛ وَلِهَذَا إِنَّمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مُفَرَّقًا لِيَكُونَ ذَلِكَ فِي أَبْلَغِ الْعِنَايَةِ وَالْإِكْرَامِ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ، رحمه الله: نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ، قُرْآنًا عَرَبِيًّا، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ (1) عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: فَأَمَرَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنْ يَنْسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ لَهُمْ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدٌ فِي عَرَبِيَّةٍ مِنْ عَرَبِيَّةِ الْقُرْآنِ، فَاكْتُبُوهَا بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا (2) .
هَذَا الْحَدِيثُ قِطْعَةٌ مِنْ حَدِيثٍ سَيَأْتِي قَرِيبًا وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ وَمَقْصُودُ الْبُخَارِيِّ مِنْهُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، وَقُرَيْشٌ خُلَاصَةُ الْعَرَبِ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بْنِ خَلَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: لَا يُمْلِي فِي مَصَاحِفِنَا هَذِهِ إِلَّا غِلْمَانُ قُرَيْشٍ أَوْ غِلْمَانُ ثَقِيفٍ. وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ (3) . وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا هَوْذَةُ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَضَالَةَ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَكْتُبَ الْإِمَامَ أَقْعَدَ لَهُ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَالَ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي اللُّغَةِ فَاكْتُبُوهَا بِلُغَةِ مُضَرَ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَةِ رَجُلٍ مِنْ مُضَرَ صلى الله عليه وسلم (4) وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزَّمَرِ: 28]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشُّعَرَاءِ: 192 -195]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النَّحْلِ: 103]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَاْعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} الْآيَةَ [فُصِّلَتْ: 44] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ، رحمه الله، حَدِيثَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَيْتَنِي أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي سَأَلَ عَمَّنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَهُوَ مُتَمَطِّخٌ بِطِيبٍ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، وَقَالَ: فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَاعَةً ثُمَّ فَجَأَهُ الْوَحْيُ، فَأَشَارَ عُمَرُ إِلَى يَعْلَى أَيْ: تَعَالَ، فَجَاءَ يَعْلَى، فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فَإِذَا هُوَ مُحْمَرُّ الْوَجْهِ يَغِطُّ كَذَلِكَ سَاعَةً، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ:"أَيْنَ الَّذِي سَأَلَنِي عَنِ الْعُمْرَةِ آنِفًا؟ " فَذَكَرَ أَمْرَهُ بِنَزْعِ الْجُبَّةِ وَغَسْلِ الطِّيبِ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ (5) مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ (6) وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَلَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ، وَلَا يَكَادُ، وَلَوْ ذُكِرَ فِي التَّرْجَمَةِ الَّتِي قَبْلَهَا لَكَانَ أَظْهَرَ وأبين، والله أعلم.
(1) في جـ: "سفيان".
(2)
صحيح البخاري برقم (4984) .
(3)
المصاحف (ص 17) .
(4)
المصاحف (ص 17) .
(5)
ط، جـ:"الجماعة".
(6)
صحيح البخاري برقم (4985) ، وبرقم (1847، 1789) وصحيح مسلم برقم (1180) وسنن أبي داود برقم (1819، 1820) وسنن الترمذي برقم (836) وسنن النسائي (5/ 130) .
جَمْعُ الْقُرْآنِ
قَالَ الْمُؤَلِّفُ، رحمه الله (1) فَائِدَةً جَلِيلَةً حَسَنَةً: ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ؛ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ. فَقِيلَ لَهُ: مَنْ أَبُو زَيْدٍ؟ قَالَ: أَحَدُ عُمُومَتِي. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ؛ أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ.
قُلْتُ: أَبُو زَيْدٍ هَذَا لَيْسَ بِمَشْهُورٍ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ قَدِيمًا، وَقَدْ ذَكَرُوهُ فِي أَهْلِ بَدْرٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ. وَمَعْنَى قَوْلِ أَنَسٍ: "وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ". يَعْنِي مِنَ الْأَنْصَارِ سِوَى هَؤُلَاءِ، وَإِلَّا فَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ جَمَاعَةٌ كَانُوا يَجْمَعُونَ الْقُرْآنَ كالصديق، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ، رحمه الله: قَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ لِيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لِيَؤُمَّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ" " (2) فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الصِّدِّيقُ أَقْرَأَ الْقَوْمِ لَمَا قَدَّمَهُ عَلَيْهِمْ. نَقَلَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ زَنْجُوَيْهِ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الصِّدِّيقِ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ.
وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي أَوَائِلِ تَفْسِيرِهِ عَنِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ أَنَّهُ قَالَ -بَعْدَ ذِكْرِهِ حَدِيثَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ هَذَا-: فَقَدْ ثَبَتَ بِالطُّرُقِ الْمُتَوَاتِرَةِ أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَتَمِيمٌ الدَّارِيُّ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. فَقَوْلُ أَنَسٍ:"لَمْ يَجْمَعْهُ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ" يَحْتَمِلُ لَمْ يَأْخُذْهُ تَلَقِّيًا مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ تَلَقَّى بَعْضَهُ عَنْ بَعْضٍ. قَالَ: وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الرِّوَايَاتُ بِأَنَّ الْأَئِمَّةَ الْأَرْبَعَةَ جَمَعُوا الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَجْلِ سَبْقِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَإِعْظَامِ الرَّسُولِ لَهُمْ (3) .
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي ابْنَ مَسْعُودٍ وَسَالِمًا مَوْلَى أبي حذيفة، وهما ممن جمع القرآن (4) . [نقلت هذه من على ظهر الجزء الأول من أجزاء المؤلف](5) .أ. هـ.
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ -مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ-فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عِنْدَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَانِي، فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ استَحَرَّ بقُرَّاء الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ. فَقُلْتُ لِعُمَرَ: كَيْفَ نَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ عُمَرُ: هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ. قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شاب عاقل لا نتهمك، وقد
(1) في م: "قال المؤلف، رحمه الله، فيما وجد على ظهر الجزء الأول من تفسيره" وسيأتي هذا في ط في آخر الفائدة.
(2)
رواه مسلم في صحيحه برقم (672) من حديث عقبة بن عمرو، رضي الله عنه.
(3)
تفسير القرطبي (1/ 57) .
(4)
تفسير القرطبي (1/ 57) .
(5)
زيادة من ط.
كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ، فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، رضي الله عنهما. فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ العُسُب واللِّخَاف وَصُدُورِ الرِّجَالِ، وَوَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ غَيْرِهِ:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ} [التَّوْبَةِ: 128] حَتَّى خَاتِمَةَ بَرَاءَةٌ، فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ، رضي الله عنهم (1) .
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ هَذَا [الْحَدِيثَ](2) فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ، وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ (3) .
وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ وَأَجَلِّ وَأَعْظَمِ مَا فَعَلَهُ الصِّدِّيقُ، رضي الله عنه، فَإِنَّهُ أَقَامَهُ اللَّهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَقَامًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ بَعْدَهُ، قَاتَلَ الْأَعْدَاءَ مِنْ مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَالْمُرْتَدِّينَ، وَالْفُرْسِ وَالرُّومِ، وَنَفَّذَ الْجُيُوشَ، وَبَعَثَ الْبُعُوثَ وَالسَّرَايَا، وَرَدَّ الْأَمْرَ إِلَى نِصَابِهِ بَعْدَ الْخَوْفِ مِنْ تَفَرُّقِهِ وَذَهَابِهِ، وَجَمَعَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ مِنْ أَمَاكِنِهِ الْمُتَفَرِّقَةِ حَتَّى تَمَكَّنَ الْقَارِئُ مِنْ حِفْظِهِ كُلِّهِ، وَكَانَ هَذَا مِنْ سِرِّ قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الْحِجْرِ: 9] فَجَمَعَ الصِّدِّيقُ الْخَيْرَ وَكَفَّ الشُّرُورَ، رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ. وَلِهَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْهُمْ وَكِيع وَابْنُ زَيْدٍ وَقَبِيصَةُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير عن عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الْمَصَاحِفِ أَبُو بَكْرٍ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ (4) . إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الَّذِي جَمَعَ الْقُرْآنَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: خَتَمَهُ (5) . صَحِيحٌ أَيْضًا. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه، هُوَ الَّذِي تَنَبَّهَ لِذَلِكَ لَمَّا اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ، أَيِ اشْتَدَّ الْقَتْلُ وَكَثُرَ فِي قُرَّاءِ الْقُرْآنِ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، يَعْنِي: يَوْمَ الْيَمَامَةِ، يَعْنِي يَوْمَ قِتَالِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَأَصْحَابِهِ وَمِنْ بَنِي حَنِيفَةَ بِأَرْضِ الْيَمَامَةِ فِي حَدِيقَةِ الْمَوْتِ، وَذَلِكَ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ الْتَفَّ مَعَهُ مِنَ الْمُرْتَدِّينَ قَرِيبٌ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ، فَجَهَّزَ الصِّدِّيقُ لِقِتَالِهِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي قَرِيبٍ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَلْفًا، فَالْتَقَوْا مَعَهُمْ (6) فَانْكَشَفَ الْجَيْشُ الْإِسْلَامِيُّ لِكَثْرَةِ مَنْ فِيهِ مِنَ الْأَعْرَابِ، فَنَادَى الْقُرَّاءُ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ: يَا خَالِدُ، يَقُولُونَ: مَيِّزْنَا مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَعْرَابِ فَتَمَيَّزُوا (7) مِنْهُمْ، وَانْفَرَدُوا، فَكَانُوا قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ، ثُمَّ صَدَقُوا الْحَمْلَةَ، وَقَاتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَجَعَلُوا يَتَنَادَوْنَ: يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَلَمْ يَزَلْ ذلك دأبهم حتى فتح الله
(1) صحيح البخاري برقم (4986) .
(2)
زيادة من جـ.
(3)
صحيح البخاري برقم (4679، 4989) والمسند (1/ 10) وسنن الترمذي برقم (3103) وسنن النسائي الكبرى برقم (7995) .
(4)
رواه أبو عبيد في فضائل القرآن (ص 156) وابن أبي داود في المصاحف (ص 11) .
(5)
المصاحف (ص 12) .
(6)
في جـ: "بهم".
(7)
في جـ: "فميزوا".
عَلَيْهِمْ ووَلَّى جَيْشُ الْكُفَّارِ (1) فَارًّا، وَأَتْبَعَتْهُمُ السُّيُوفُ الْمُسْلِمَةُ فِي [أَقْنِيَتِهِمْ](2) قَتْلًا وَأَسْرًا، وَقَتَلَ اللَّهُ مُسَيْلِمَةَ، وَفَرَّقَ شَمْلَ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى الْإِسْلَامِ، وَلَكِنْ قُتِلَ مِنَ الْقُرَّاءِ يَوْمَئِذٍ قَرِيبٌ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ، رضي الله عنهم، فَلِهَذَا أَشَارَ عُمَرُ عَلَى الصِّديق بِأَنْ يَجْمَعَ الْقُرْآنَ؛ لِئَلَّا يَذْهَبَ مِنْهُ شَيْءٌ بِسَبَبِ مَوْتِ مَنْ يَكُونُ يَحْفَظُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مَوَاطِنِ الْقِتَالِ، فَإِذَا كُتِبَ وَحُفِظَ صَارَ ذَلِكَ مَحْفُوظًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ حَيَاةِ مَنْ بَلَّغَهُ أَوْ مَوْتِهِ، فَرَاجَعَهُ الصِّدِّيقُ قَلِيلًا لِيَثْبُتَ فِي الْأَمْرِ، ثُمَّ وَافَقَهُ، وَكَذَلِكَ رَاجَعَهُمَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ ثُمَّ صَارَا (3) إِلَى مَا رَأَيَاهُ، رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ، وَهَذَا الْمَقَامُ مِنْ أَعْظَمِ فَضَائِلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَلاد، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَقِيلَ: كَانَتْ مَعَ فُلَانٍ فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ، فَأَمَرَ بِالْقُرْآنِ فَجُمِعَ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَهُ فِي الْمُصْحَفِ (4) .
هَذَا مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، وَمَعْنَاهُ: أَشَارَ بِجَمْعِهِ فَجُمِعَ؛ وَلِهَذَا كَانَ مُهَيْمِنًا عَلَى حِفْظِهِ وَجَمْعِهِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ (5) حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ طَلْحَةَ الليثي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، أَنَّ عُمَرَ لَمَّا جَمَعَ الْقُرْآنَ كَانَ لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ (6) .
وَذَلِكَ عَنْ أَمْرِ الصِّدِّيقِ لَهُ فِي ذَلِكَ، كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ يَوْمَئِذٍ فَرِقَ أَبُو بَكْرٍ، رضي الله عنه، أَنْ يَضِيعَ، فَقَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: فَمَنْ جَاءَكُمَا بِشَاهِدَيْنِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَاكْتُبَاهُ (7) . مُنْقَطِعٌ حَسَنٌ.
وَلِهَذَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ، يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ [التَّوْبَةِ: 128، 129] ، مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَفِي رِوَايَةٍ: مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهَادَتَهُ بِشَهَادَتَيْنِ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ غَيْرِهِ فَكَتَبُوهَا عَنْهُ لِأَنَّهُ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهَادَتَهُ بِشَهَادَتَيْنِ فِي قِصَّةِ الْفَرَسِ الَّتِي ابْتَاعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْأَعْرَابِيِّ، فَأَنْكَرَ الْأَعْرَابِيُّ الْبَيْعَ، فَشَهِدَ خُزَيْمَةُ هَذَا بِتَصْدِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمْضَى شَهَادَتَهُ وَقَبَضَ الْفَرَسَ مِنَ الْأَعْرَابِيِّ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ (8) وَهُوَ مَشْهُورٌ، وَرَوَى أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَمْلَاهَا عَلَيْهِمْ مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ (9) .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو (10) بن طلحة الليثي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ يحيى
(1) في جـ: "الكفر".
(2)
في ط: "أخفيتهم".
(3)
في ط: "صاروا".
(4)
المصاحف (ص 16) .
(5)
في جـ: "الظاهر".
(6)
المصاحف (ص 17) .
(7)
المصاحف (ص 12) .
(8)
سنن أبي داود برقم (3607) وسنن النسائي (7/ 302) .
(9)
رواه أحمد في المسند (5/ 134) من طريق عمر بن شقيق عن أبي جعفر به.
(10)
في ط: "عمر".
ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ؛ أَنَّ عُثْمَانَ شَهِدَ بِذَلِكَ أَيْضًا (1) .
وَأَمَّا قَوْلُ زَيْدِ [بْنِ ثَابِتٍ](2)"فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ العُسُب واللِّخاف وَصُدُورِ الرِّجَالِ" وَفِي رِوَايَةٍ: "مِنَ الْعُسُبِ والرِّقَاع وَالْأَضْلَاعِ، وَفِي رِوَايَةٍ: "مِنَ الْأَكْتَافِ وَالْأَقْتَابِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ".
أَمَّا العُسُب فَجَمْعُ عَسِيبٍ. قَالَ أَبُو النَّصْرِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادٍ الْجَوْهَرِيُّ: وَهُوَ مِنَ السَّعَفِ فُوَيْقَ الكَرَب لَمْ يَنْبُتْ عَلَيْهِ الْخُوصُ، وَمَا نَبَتَ عَلَيْهِ الْخُوصُ فَهُوَ السَّعَفُ.
واللِّخاف: جَمْعُ لَخْفَة وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْحِجَارَةِ مُسْتَدَقَّةٌ، كَانُوا يَكْتُبُونَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْعُسُبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا يُمْكِنُهُمُ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ مِمَّا يُنَاسِبُ مَا يَسْمَعُونَهُ مِنَ الْقُرْآنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ أَوْ يَثِقُ بِحِفْظِهِ، فَكَانَ يَحْفَظُهُ، فَتَلَقَّاهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ هَذَا مِنْ عَسِيبِهِ، وَمِنْ هَذَا مِنْ لِخَافِهِ، وَمِنْ صَدْرِ هَذَا، أَيْ مِنْ حِفْظِهِ، وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى أَدَاءِ الْأَمَانَاتِ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْدَعَهُمْ ذَلِكَ لِيُبَلِّغُوهُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ كَمَا قَالَ [الله] (3) تعالى:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [الْمَائِدَةِ: 67] ، فَفَعَلَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، مَا أُمِرَ بِهِ؛ وَلِهَذَا سَأَلَهُمْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يوم عرفة على رؤوس الْأَشْهَادِ، وَالصَّحَابَةُ أَوْفَرُ مَا كَانُوا مُجْتَمِعِينَ، فَقَالَ:"إنكم مسؤولون عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ (4) ؟ ". فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغت وأدَّيت وَنَصَحْتَ، فَجَعَلَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَيَنْكُبُهَا عَلَيْهِمْ وَيَقُولُ:"اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ (5) . وَقَدْ أَمَرَ أُمَّتَهُ أَنْ يُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ وَقَالَ: "بَلِّغوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً"(6) يَعْنِي: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدِكُمْ سِوَى آيَةٍ وَاحِدَةٍ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى مَنْ وَرَاءَهُ، فبلَّغوا عَنْهُ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، فَأَدَّوُا الْقُرْآنَ قُرْآنًا، وَالسُّنَّةَ سُنَّةً، لَمْ يَلْبِسُوا هَذَا بِهَذَا؛ وَلِهَذَا قَالَ عليه الصلاة والسلام:"مَنْ كَتَبَ عَنِّي سِوَى الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ"(7) أَيْ: لِئَلَّا يَخْتَلِطَ بِالْقُرْآنِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ: أَلَّا يَحْفَظُوا السُّنَّةَ وَيَرْوُوهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَلِهَذَا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْقُرْآنِ مِمَّا أَدَّاهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ إِلَّا وَقَدْ بَلَّغُوهُ إِلَيْنَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، فَكَانَ الَّذِي فَعَلَهُ الشَّيْخَانِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، رضي الله عنهما، مِنْ أَكْبَرِ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَأَعْظَمِهَا، مِنْ حِفْظِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ فِي الصُّحُفِ؛ لِئَلَّا يَذْهَبَ مِنْهُ شَيْءٌ بِمَوْتِ مَنْ تَلَقَّاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ كَانَتْ تِلْكَ الصُّحُفُ عِنْدَ الصِّدِّيقِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ، ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ بَعْدَهُ مَحْرُوسَةً مُعَظَّمَةً مُكَرَّمَةً، فَلَمَّا مَاتَ كَانَتْ عِنْدَ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، رضي الله عنها، حَتَّى أَخَذَهَا مِنْهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، رضي الله عنه، كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ الْبُخَارِيُّ، رحمه الله: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ شهاب، عن
(1) رواه ابن أبي داود في المصاحف (ص 17) .
(2)
زيادة من م.
(3)
زيادة من م.
(4)
في ط، جـ:"مجيبون".
(5)
صحيح مسلم برقم (1218) .
(6)
رواه البخاري في صحيحه برقم (3461) من حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، رضي الله عنهما.
(7)
رواه مسلم في صحيحه برقم (2299) من حديث أبي سعيد، رضي الله عنه.
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنهما وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّامِ فِي فَتْحِ أَرْمِينِيَّةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَدْرِكْ هَذِهِ الْأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ اخْتِلَافَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ، فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلَاثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا أُنْزِلَ بِلِسَانِهِمْ. فَفَعَلُوا، حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي مَحَلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: فَقَدْتُ آيَةً مِنَ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهَا، الْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الْأَحْزَابِ: 23] ، فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ (1) .
وَهَذَا -أَيْضًا-مِنْ أَكْبَرِ مَنَاقِبِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رضي الله عنه، فَإِنَّ الشَّيْخَيْنِ سَبَقَاهُ إِلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ أَنْ يَذْهَبَ مِنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى قِرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِئَلَّا يَخْتَلِفُوا فِي الْقُرْآنِ، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (2) بْنِ مَسْعُودٍ شَيْءٌ مِنَ التَّغَضُّبِ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ كَتَبَ الْمَصَاحِفَ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِغَلِّ مصاحفهم لما أمر عثمان بحرقه ماعدا الْمُصْحَفَ الْإِمَامَ، ثُمَّ رَجَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى الْوِفَاقِ حَتَّى قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنه: لَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُثْمَانُ لَفَعَلْتُهُ أَنَا. فَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ (3) أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، رضي الله عنهم، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الدِّينِ، وَهُمُ الْخُلَفَاءُ الَّذِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي "(4) . وَكَانَ السَّبَبُ فِي هَذَا حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، رضي الله عنه لَمَّا (5) كَانَ غَازِيًا فِي فَتْحِ أَرْمِينِيَّةَ وَأَذْرَبِيجَانَ، وَكَانَ قَدِ اجْتَمَعَ هُنَاكَ أَهْلُ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَجَعَلَ حُذَيْفَةُ يَسْمَعُ مِنْهُمْ قِرَاءَاتٍ عَلَى حُرُوفٍ شَتَّى، وَرَأَى مِنْهُمُ اخْتِلَافًا وَافْتِرَاقًا، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى عُثْمَانَ أَعْلَمَهُ وَقَالَ لِعُثْمَانَ: أَدْرِكْ هَذِهِ الْأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ اخْتِلَافَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.
وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مُخْتَلِفُونَ فِيمَا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْكُتُبِ، فَالْيَهُودُ بِأَيْدِيهِمْ نُسْخَةٌ مِنَ التَّوْرَاةِ، وَالسَّامِرَةُ يُخَالِفُونَهُمْ فِي أَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ وَمَعَانٍ أَيْضًا، وَلَيْسَ فِي تَوْرَاةِ السَّامِرَةِ حَرْفُ الْهَمْزَةِ وَلَا حَرْفُ الْيَاءِ، وَالنَّصَارَى -أَيْضًا-بِأَيْدِيهِمْ تَوْرَاةٌ يُسَمُّونَهَا الْعَتِيقَةَ وهي مخالفة لنسختي اليهود والسامرة، وأما
(1) صحيح البخاري برقم (4987، 4988) .
(2)
في ط، جـ:"عبد الرحمن".
(3)
في ط، جـ:"الأربعة".
(4)
رواه أحمد في المسند (4/ 126) وأبو داود في السنن برقم (07 46) والترمذي في السنن برقم (2676) وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
(5)
في ط، جـ:"فإنه".
الْأَنَاجِيلُ الَّتِي بِأَيْدِي النَّصَارَى فَأَرْبَعَةٌ: إِنْجِيلُ مُرْقُسَ، وَإِنْجِيلُ لُوقَا وَإِنْجِيلُ مَتَّى، وَإِنْجِيلُ يُوحَنَّا، وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ -أَيْضًا-اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَهَذِهِ الْأَنَاجِيلُ الْأَرْبَعَةُ كُلٌّ مِنْهَا لَطِيفُ الْحَجْمِ مِنْهَا مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَرَقَةً بِخَطٍّ مُتَوَسِّطٍ، وَمِنْهَا مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ إِمَّا بِالنِّصْفِ أَوْ بِالضِّعْفِ، وَمَضْمُونُهَا سِيرَةُ عِيسَى وَأَيَّامُهُ وَأَحْكَامُهُ وَكَلَامُهُ وَفِيهِ شَيْءٌ قَلِيلٌ مِمَّا يَدَّعُونَ أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ، وَهِيَ مَعَ هَذَا مُخْتَلِفَةٌ، كَمَا قُلْنَا، وَكَذَلِكَ التَّوْرَاةُ مَعَ مَا فِيهَا مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ، ثُمَّ هُمَا مَنْسُوخَانِ بَعْدَ ذَلِكَ بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ الْمُطَهَّرَةِ.
فَلَمَّا قَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ ذَلِكَ أَفْزَعَهُ وَأَرْسَلَ إِلَى حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تُرْسِلَ إِلَيْهِ بِالصُّحُفِ الَّتِي عِنْدَهَا مِمَّا جَمَعَهُ الشَّيْخَانِ لِيَكْتُبَ ذَلِكَ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ، وَيُنْفِذَهُ إِلَى الْآفَاقِ، وَيَجْمَعَ النَّاسَ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِهِ وَتَرْكِ مَا سِوَاهُ، فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ وَأَمَرَ عُثْمَانُ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ وَهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ، أَحَدُ كُتَّابِ الْوَحْيِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ الْقُرَشِيُّ الْأَسَدِيُّ، أَحَدُ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ وَنُجَبَائِهِمْ عِلْمًا وَعَمَلًا وَأَصْلًا وَفَضْلًا وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ، وَكَانَ كَرِيمًا جَوَادًا مُمَدَّحًا، وَكَانَ أَشْبَهَ النَّاسِ لَهْجَةً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْقُرَشِيُّ الْمَخْزُومِيُّ، فَجَلَسَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ يَكْتُبُونَ الْقُرْآنَ نُسَخًا، وَإِذَا اخْتَلَفُوا فِي وَضْعِ الْكِتَابَةِ عَلَى أَيِّ لُغَةٍ رَجَعُوا إِلَى عُثْمَانَ، كَمَا اخْتَلَفُوا فِي التَّابُوتِ أَيَكْتُبُونَهُ بِالتَّاءِ وَالْهَاءِ، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إِنَّمَا هُوَ التَّابُوهُ وَقَالَ الثَّلَاثَةُ الْقُرَشِيُّونَ: إِنَّمَا هُوَ التَّابُوتُ فَتَرَاجَعُوا (1) إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: اكْتُبُوهُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ.
وَكَانَ عُثْمَانُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-رَتَّبَ السُّوَرَ فِي الْمُصْحَفِ، وَقَدَّمَ السَّبْعَ الطِّوَالَ وَثَنَّى بِالْمِئِينَ؛ وَلِهَذَا رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ، عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ، عَنْ يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: مَا حَمَلَكُمْ أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى الْأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي وَإِلَى بَرَاءَةٌ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ، فَقَرَنْتُمْ بينها ولم تكتبوا بينها سَطْرَ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، وَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ؟ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ وَهُوَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ السُّوَرُ ذَوَاتُ الْعَدَدِ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ دَعَا بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ فَيَقُولُ: ضَعُوا هَذِهِ الْآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ فَيَقُولُ: ضَعُوا هَذِهِ الْآيَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَكَانَتِ الْأَنْفَالُ مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ بَرَاءَةُ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ، وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا، وَحَسِبْتُ أَنَّهَا مِنْهَا وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" فَوَضَعْتُهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ (2) .
(1) في ط: "فترافعوا".
(2)
تفسير الطبري (1/ 102) وسنن أبي داود برقم (786) وسنن الترمذي برقم (3086) وسنن النسائي الكبرى برقم (8007) ويزيد الفارسي مجهول وقد انفرد بهذا الحديث.
فَفُهِمَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ تَرْتِيبَ الْآيَاتِ وَالسُّوَرِ أَمْرٌ تَوْقِيفِيٌّ مُتَلَقَّى عَنِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَّا تَرْتِيبُ السُّوَرِ فَمِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رضي الله عنه؛ وَلِهَذَا لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ إِلَّا مُرَتَّبًا؛ فَإِنْ نَكَّسَهُ أَخْطَأَ خَطَأً كَبِيرًا. وَأَمَّا تَرْتِيبُ السُّوَرِ فَمُسْتَحَبٌّ اقْتِدَاءً بِعُثْمَانَ، رضي الله عنه، وَالْأَوْلَى إِذَا قَرَأَ أَنْ يَقْرَأَ مُتَوَالِيًا كَمَا قَرَأَ، عليه الصلاة والسلام، فِي صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين وتارة بسبح وهل أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ، فَإِنْ فَرَّقَ جَازَ، كَمَا صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قرأ في العيد بقاف واقتربت السَّاعَةُ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ (1) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: الم السجدة، وهل أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ (2) .
وَإِنْ قَدَّمَ بَعْضَ السُّوَرِ عَلَى بَعْضٍ جَازَ أَيْضًا، فَقَدْ رَوَى حُذَيْفَةُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ الْبَقَرَةَ ثُمَّ النِّسَاءَ ثُمَّ آلَ عِمْرَانَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (3) .
وَقَرَأَ عُمَرُ فِي الْفَجْرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ ثُمَّ بِيُوسُفَ. ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ رَدَّ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، فَلَمْ تَزَلْ عِنْدَهَا حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيْهَا مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ يَطْلُبُهَا فَلَمْ تُعْطِهِ حَتَّى مَاتَتْ، فَأَخَذَهَا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَحَرَّقَهَا لِئَلَّا يَكُونَ فِيهَا شَيْءٌ يُخَالِفُ الْمَصَاحِفَ الَّتِي نَفَّذَهَا عُثْمَانُ إِلَى الْآفَاقِ، مُصْحَفًا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، وَمُصْحَفًا إِلَى الْبَصْرَةِ، وَآخَرَ إِلَى الْكُوفَةِ، وَآخَرَ إِلَى الشَّامِ، وَآخَرَ إِلَى الْيَمَنِ، وَآخَرَ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، وَتَرَكَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُصْحَفًا، رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيِّ، سَمِعَهُ يَقُولُهُ (4) . وَصَحَّحَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُ إِنَّمَا نَفَّذَ إِلَى الْآفَاقِ أَرْبَعَةَ مَصَاحِفَ. وَهَذَا غَرِيبٌ، وَأَمَرَ بِمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ مَصَاحِفِ النَّاسِ أَنْ يُحْرَقَ لِئَلَّا تَخْتَلِفَ قِرَاءَاتُ النَّاسِ فِي الْآفَاقِ، وَقَدْ وَافَقَهُ الصَّحَابَةُ فِي عَصْرِهِ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا نَقَمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أولئك الرهط الذين تمالؤوا عليه وقتلوه، قاتلهم الله، وفي ذلك جُمْلَةِ مَا أَنْكَرُوهُ مِمَّا لَا أَصْلَ لَهُ، وَأَمَّا سَادَاتُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ نَشَأَ فِي عَصْرِهِمْ ذَلِكَ مِنَ التَّابِعِينَ، فَكُلُّهُمْ وَافَقُوهُ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَابْنُ مَهْدِيٍّ وغُنْدَر عن شعبة، عن عَلْقَمة بن مَرْثَد، عن رَجُلٍ، عَنْ سُوَيد بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ عَلِيٌّ حِينَ حَرَقَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ: لَوْ لَمْ يَصْنَعْهُ هُوَ لَصَنَعْتُهُ (5) .
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَان، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ (6) عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ مُتَوَافِرِينَ حِينَ حَرَّقَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ فَأَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ، أَوْ قَالَ: لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَحَدٌ (7) . وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن كثير، حدثنا ثابت بن عمارة
(1) صحيح مسلم برقم (891) .
(2)
صحيح البخاري برقم (891) وصحيح مسلم برقم (880) .
(3)
صحيح مسلم برقم (772) .
(4)
المصاحف لابن أبي داود (ص 43) .
(5)
رواه ابن أبي داود في المصاحف (ص19) .
(6)
في جـ: "أبي مصعب".
(7)
المصاحف (ص19) .
الْحَنَفِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ غُنَيْمَ بْنَ قَيْسٍ الْمَازِنِيَّ قَالَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى الْحَرْفَيْنِ جَمِيعًا، وَاللَّهِ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَكْتُبِ الْمُصْحَفَ، وَأَنَّهُ وُلِدَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ كُلَّمَا أَصْبَحَ غُلَامٌ، فَأَصْبَحَ لَهُ مِثْلُ مَالِهِ. قَالَ: قُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا الْعَنْبَرِ، وَلِمَ؟ قَالَ: لَوْ لَمْ يكتب عثمان المصحف لطفق الناس يقرؤون الشِّعْرَ (1) .
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْلَّهِ، حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَز قَالَ: لَوْلَا أَنَّ عُثْمَانَ كتب القرآن لألفيت الناس يقرؤون الشِّعْرَ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُولُ: خَصْلَتَانِ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لَيْسَتَا لِأَبِي بَكْرٍ وَلَا لِعُمَرَ: صَبْرُهُ نَفْسَهُ حَتَّى قُتِلَ مَظْلُومًا، وَجَمْعُهُ النَّاسَ عَلَى الْمُصْحَفِ (2) .
وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَدْ قَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدِ (3) بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ عُثْمَانُ بِالْمَصَاحِفِ -يَعْنِي بِتَحْرِيقِهَا-سَاءَ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَقَالَ: مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يغلَّ مُصْحَفًا فَلْيَغْلُلْ، فَإِنَّهُ مَنْ غلَّ شَيْئًا جَاءَ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَقَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَبْعِينَ سُورَةً وَزَيْدٌ صَبِيٌّ، أَفَأَتْرُكُ مَا أَخَذْتُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (4) .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، حدثنا سعيد بن سليمان (5) حدثتا ابْنُ (6) شِهَابٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آلِ عِمْرَانَ: 161] ، غُلُّوا مَصَاحِفَكُمْ، وَكَيْفَ تَأْمُرُونِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَى قِرَاءَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَإِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَيَأْتِي مَعَ الْغِلْمَانِ لَهُ ذُؤَابَتَانِ، وَاللَّهِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ إِلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ فِي أَيِّ شَيْءٍ نَزَلَ، وَمَا أَحَدٌ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي، وَمَا أَنَا بِخَيْرِكُمْ، وَلَوْ أَعْلَمُ مَكَانًا تَبْلُغُهُ الْإِبِلُ أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي لَأَتَيْتُهُ. قَالَ أَبُو وَائِلٍ: فَلَمَّا نَزَلَ عَنِ (7) الْمِنْبَرِ جَلَسْتُ فِي الْحِلَقِ، فَمَا أَحَدٌ يُنْكِرُ مَا قَالَ (8) . أَصْلُ هَذَا مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ (9) وَعِنْدَهُمَا: وَلَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ. وَقَوْلُ أَبِي وَائِلٍ: "فَمَا أَحَدٌ يُنْكِرُ مَا قَالَ"، يَعْنِي: مِنْ فَضْلِهِ وَعِلْمِهِ وَحِفْظِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا أَمْرُهُ بغَلّ الْمَصَاحِفِ وَكِتْمَانِهَا، فَقَدْ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. قَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ الشَّامَ فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: كُنَّا نَعُدُّ عَبْدَ اللَّهِ جَبَانًا (10) فَمَا بَالُهُ يُوَاثِبُ الْأُمَرَاءَ (11) . وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: بَابُ رِضَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِجَمْعِ عُثْمَانَ الْمَصَاحِفَ بَعْدَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعِجْلِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَسَّانَ الْعَامِرِيِّ، عَنْ فُلفُلة الْجُعْفِيِّ قَالَ: فَزِعْتُ فِيمَنْ فزع إلى عبد الله في
(1) المصاحف (ص 19) .
(2)
المصاحف (ص 19) .
(3)
في جـ: "عمير".
(4)
المصاحف (ص 21) .
(5)
في جـ: "سلمان".
(6)
في ط، جـ:"أبو".
(7)
في جـ: "من".
(8)
المصاحف (ص 23) .
(9)
صحيح البخاري برقم (5000) وصحيح مسلم برقم (2462) .
(10)
في المصاحف: "حنانا".
(11)
المصاحف (ص 25) .
الْمَصَاحِفِ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِنَّا لَمْ نَأْتِكَ زَائِرِينَ، وَلَكِنَّا جِئْنَا حِينَ رَاعَنَا هَذَا الْخَبَرُ، فَقَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّكُمْ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ، عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ -أَوْ حُرُوفٍ-وَإِنَّ الْكِتَابَ قَبْلَكُمْ كَانَ يَنْزِلُ -أَوْ نَزَلَ-مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ (1) . وَهَذَا الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ، رحمه الله، عَلَى رُجُوعِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِيهِ نَظَرٌ، مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ رُجُوعٌ عَمَّا كَانَ يَذْهَبُ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَمِّي، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد قَالَ: قَامَ عُثْمَانُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: [يَا](2) أَيُّهَا النَّاسُ عَهْدُكُمْ بِنَبِيِّكُمْ مُنْذُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَنْتُمْ تَمْتَرُونَ فِي الْقُرْآنِ، وَتَقُولُونَ: قِرَاءَةُ أُبَيٍّ وَقِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ الرَّجُلُ: وَاللَّهِ مَا تُقِيمُ قِرَاءَتَكَ، وَأَعْزِمُ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَمَا جَاءَ بِهِ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْوَرَقَةِ وَالْأَدِيمِ فِيهِ الْقُرْآنُ حَتَّى جَمْعَ مِنْ ذَلِكَ كَثْرَةً، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَدَعَاهُمْ رَجُلًا رَجُلًا فَنَاشَدَهُمْ: لَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَلَّهُ عَلَيْكَ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ عُثْمَانُ قَالَ: مَنْ أكتَبُ النَّاسِ؟ قَالُوا: كَاتِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ. قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ أَعْرَبُ؟ قَالُوا: سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ. قَالَ عُثْمَانُ: فليمْل سَعِيدٌ، وَلْيَكْتُبْ زَيْدٌ. فَكَتَبَ زَيْدٌ مَصَاحِفَ فَفَرَّقَهَا فِي النَّاسِ، فَسَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ (3) قَدْ أَحْسَنَ (4) . إِسْنَادُهُ (5) صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ عُثْمَانُ أَنْ يَكْتُبَ الْمَصَاحِفَ جَمَعَ لَهُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ، فِيهِمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: فَبَعَثُوا إِلَى الرَّبْعَةِ الَّتِي فِي بَيْتِ عُمَرَ فَجِيءَ بِهَا، قَالَ: وَكَانَ عُثْمَانُ يَتَعَاهَدُهُمْ، وَكَانُوا إِذَا تدارؤوا فِي شَيْءٍ أَخَّرَهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: فَقُلْتُ لِكَثِيرٍ -وَكَانَ فِيهِمْ فِيمَنْ يَكْتُبُ-: هَلْ تَدْرُونَ لِمَ كَانُوا يُؤَخِّرُونَهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: فَظَنَنْتُ ظَنًّا أَنَّمَا كَانُوا يُؤَخِّرُونَهَا لِيَنْظُرُوا أَحْدَثَهُمْ عَهْدًا بِالْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ فَيَكْتُبُونَهَا عَلَى قَوْلِهِ (6) . صَحِيحٌ أَيْضًا.
قُلْتُ: الرَّبْعَةُ هِيَ الْكُتُبُ الْمُجْتَمِعَةُ، وَكَانَتْ عِنْدَ حَفْصَةَ، رضي الله عنها، فَلَمَّا جَمَعَهَا عُثْمَانُ، رضي الله عنه، فِي الْمُصْحَفِ، رَدَّهَا إِلَيْهَا، وَلَمْ يُحَرِّقْهَا فِي جُمْلَةِ مَا حَرَّقَهُ مِمَّا سِوَاهَا، إِلَّا أَنَّهَا هِيَ بِعَيْنِهَا الَّذِي كَتَبَهُ، وَإِنَّمَا رَتَّبَهُ، ثُمَّ إِنَّهُ كَانَ قَدْ عَاهَدَهَا عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا إِلَيْهَا، فَمَا زَالَتْ عِنْدَهَا حَتَّى مَاتَتْ، ثُمَّ أَخَذَهَا مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ فَحَرَّقَهَا وَتَأَوَّلَ فِي ذَلِكَ مَا تَأَوَّلَ (7) عُثْمَانُ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عبد الله:
(1) المصاحف (ص 25) .
(2)
زيادة من جـ، ط.
(3)
في ط، جـ:"يقول".
(4)
المصاحف (ص 31) .
(5)
في جـ، ط:"إسناد".
(6)
المصاحف (ص 33) .
(7)
في ط: "أول".
أَنَّ مَرْوَانَ كَانَ يُرْسِلُ إِلَى حَفْصَةَ يَسْأَلُهَا الصُّحُفَ الَّتِي كُتِبَ مِنْهَا الْقُرْآنُ، فَتَأْبَى حَفْصَةُ أَنْ تُعْطِيَهُ إِيَّاهَا. قَالَ سَالِمٌ: فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ حَفْصَةُ وَرَجَعْنَا مِنْ دَفْنِهَا أَرْسَلَ مَرْوَانُ بِالْعَزِيمَةِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لَيُرْسِلَنَّ إِلَيْهِ بِتِلْكَ الصُّحُفِ، فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَأَمَرَ بِهَا مَرْوَانُ فَشُقِّقَتْ، وَقَالَ مَرْوَانُ: إِنَّمَا فَعَلْتُ هَذَا لِأَنَّ مَا فِيهَا قَدْ كُتِبَ وَحُفِظَ بِالْمُصْحَفِ، فَخَشِيتُ إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ (1) أَنْ يَرْتَابَ فِي شَأْنِ هَذِهِ الصُّحُفِ مُرْتَابٌ أَوْ يَقُولَ: إِنَّهُ كَانَ شَيْءٌ مِنْهَا لَمْ يُكْتَبْ (2) . إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ (3) عَنْ خَارِجَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي شَأْنِ آيَةِ الْأَحْزَابِ وَإِلْحَاقِهِمْ إِيَّاهَا فِي سُورَتِهَا، فَذِكْرُهُ (4) لِهَذَا بَعْدَ جَمْعِ عُثْمَانَ فِيهِ نَظَرٌ، وَإِنَّمَا هَذَا كَانَ حَالَ جَمْعِ الصِّدِّيقِ الصُّحُفَ كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ:"فَأَلْحَقْنَاهَا (5) فِي سُورَتِهَا مِنَ الْمُصْحَفِ" وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُلْحَقَةً فِي الْحَاشِيَةِ فِي الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ. فَهَذِهِ الْأَفْعَالُ (6) مِنْ أَكْبَرِ الْقُرُبَاتِ الَّتِي بَادَرَ إِلَيْهَا الْأَئِمَّةُ الرَّاشِدُونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، رضي الله عنهما، حَفِظَا عَلَى النَّاسِ الْقُرْآنَ، جَمَعَاهُ لِئَلَّا يَذْهَبَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَعُثْمَانُ، رضي الله عنه، جَمَعَ قِرَاءَاتِ النَّاسِ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ وَوَضَعَهُ عَلَى الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي عَارَضَ بِهَا جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ رَمَضَانَ مِنْ عُمْرِهِ، عليه الصلاة والسلام، فَإِنَّهُ عَارَضَهُ بِهِ عَامَئِذٍ مَرَّتَيْنِ؛ وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِفَاطِمَةَ ابْنَتِهِ لَمَّا مَرِضَ:"وَمَا أَرَى ذَلِكَ إِلَّا لِاقْتِرَابِ أَجَلِي". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (7) .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا، رضي الله عنه، أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ الْقُرْآنَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُرَتَّبًا بِحَسَبِ نُزُولِهِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا كَمَا رَوَاهُ (8) ابْنُ أَبِي دَاوُدَ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَقْسَمَ عَلِيٌّ أَلَّا يَرْتَدِيَ بِرِدَاءٍ إِلَّا لِجُمْعَةٍ حَتَّى يَجْمَعَ الْقُرْآنَ فِي مُصْحَفٍ فَفَعَلَ، فَأَرْسَلَ، إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، رضي الله عنه، بَعْدَ أَيَّامٍ: أَكَرِهْتَ إِمَارَتِي يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهُ إِلَّا أَنِّي أَقْسَمْتُ أَلَّا أَرْتَدِيَ بِرِدَاءٍ إِلَّا لَجُمُعَةٍ. فَبَايَعَهُ ثُمَّ رَجَعَ (9) . هَكَذَا رَوَاهُ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَذْكُرِ الْمُصْحَفَ أَحَدٌ إِلَّا أَشْعَثُ (10) وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ (11) وَإِنَّمَا رَوَوْا (12) حَتَّى أَجْمَعَ الْقُرْآنَ، يَعْنِي أُتِمُّ حِفْظَهُ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلَّذِي يَحْفَظُ الْقُرْآنَ: قَدْ جَمَعَ الْقُرْآنَ.
قُلْتُ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ أَظْهَرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ عَلِيًّا لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ مُصْحَفٌ عَلَى مَا قِيلَ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ قَدْ تُوجَدُ مَصَاحِفُ عَلَى الْوَضْعِ الْعُثْمَانِيِّ، يُقَالُ: إِنَّهَا بِخَطِّ عَلِيٍّ، رضي الله عنه، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ فِي بَعْضِهَا: كَتَبَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَهَذَا لَحْنٌ مِنَ الْكَلَامِ (13) ؛ وعلي،
(1) في جـ: "الزمان".
(2)
المصاحف (ص 32) .
(3)
رواه ابن أبي داود في المصاحف (ص 37) عن الزهري.
(4)
في جـ: "فذكر".
(5)
في طـ، جـ:"وألحقناها".
(6)
في جـ: "الآيات".
(7)
صحيح البخاري برقم (6285، 6286) وصحيح مسلم برقم (2450) .
(8)
في جـ: "روى".
(9)
المصاحف (ص 16) .
(10)
في جـ: "الأشعث".
(11)
في جـ، طـ:"وهو ابن الحرث".
(12)
في جـ، طـ:"رواه".
(13)
وقد ذكر "كوركيس عواد" في كتابه "أقدم مخطوطات في العالم" بعض هذه المصاحف وأماكنها وأرقامها في إيران وطاشقند، ولا يشك عاقل أنها ليست من خط علي، رضي الله عنه.
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ هُوَ أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ عِلْمَ النَّحْوِ، فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو الْأَسْوَدِ ظَالِمُ بْنُ عَمْرٍو الدُّؤَلِيُّ، وَإِنَّهُ قَسَّمَ الْكَلَامَ إِلَى اسْمٍ وَفِعْلٍ وَحَرْفٍ، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أُخَرَ تَمَّمَهَا أَبُو الْأَسْوَدِ بَعْدَهُ، ثُمَّ أَخَذَهُ النَّاسُ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ فَوَسَّعُوهُ وَوَضَّحُوهُ، وَصَارَ عِلْمًا مُسْتَقِلًّا.
وَأَمَّا الْمَصَاحِفُ الْعُثْمَانِيَّةُ الْأَئِمَّةُ فَأَشْهَرُهَا الْيَوْمَ الَّذِي فِي الشَّامِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ عِنْدَ الرُّكْنِ شَرْقِيَّ الْمَقْصُورَةِ الْمَعْمُورَةِ بِذِكْرِ اللَّهِ، وَقَدْ كَانَتْ قَدِيمًا بِمَدِينَةِ طَبَرِيَّةَ ثُمَّ نُقِلَ مِنْهَا إِلَى دِمَشْقَ فِي حُدُودِ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَقَدْ رَأَيْتُهُ كِتَابًا عَزِيزًا جَلِيلًا عَظِيمًا ضَخْمًا بِخَطٍّ حَسَنٍ مُبِينٍ قَوِيٍّ بِحِبْرٍ مُحْكَمٍ فِي رَقٍّ أَظُنُّهُ مِنْ جُلُودِ الْإِبِلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، زَادَهُ اللَّهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا (1) .
فَأَمَّا عُثْمَانُ، رضي الله عنه، فَمَا يُعْرَفُ أَنَّهُ كَتَبَ بِخَطِّهِ هَذِهِ الْمَصَاحِفَ، وَإِنَّمَا كَتَبَهَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي أَيَّامِهِ، رُبَّمَا وَغَيْرُهُ، فَنُسِبَتْ إِلَى عُثْمَانَ لِأَنَّهَا بِأَمْرِهِ وَإِشَارَتِهِ، ثُمَّ قُرِئَتْ عَلَى الصَّحَابَةِ بَيْنَ يَدَيْ عُثْمَانَ، ثُمَّ نَفَذَتْ إِلَى الْآفَاقِ، رضي الله عنه، وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ، حَدَّثَنَا قُرَيْشُ (2) بْنُ أَنَسٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي (3) أُسَيْدٍ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ الْمِصْرِيُّونَ عَلَى عُثْمَانَ ضَرَبُوهُ بِالسَّيْفِ عَلَى يَدِهِ فَوَقَعَتْ عَلَى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الْبَقَرَةِ: 137]، فَمَدَّ يَدَهُ فَوَقَعَتْ: وَاللَّهِ إِنَّهَا لَأَوَّلُ يَدٍ خَطَّتِ الْمُفَصَّلَ (4) .
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ، فَقَالَ لِي: ذَهَب. يُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الْمُصْحَفِ الَّذِي كَتَبَهُ بِيَدِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَهُ عَنِ الْمُصْحَفِ الَّذِي تَرَكَهُ فِي الْمَدِينَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْتُ: وَقَدْ كَانَتِ الْكِتَابَةُ فِي الْعَرَبِ قَلِيلَةً جَدًا، وَإِنَّمَا أَوَّلُ مَا تَعَلَّمُوا ذَلِكَ مَا (5) ذَكَرَهُ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ بِشْرَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ أُكَيْدِرَ دُومَةَ تَعَلَّمَ الْخَطَّ مِنَ الْأَنْبَارِ، ثُمَّ قَدِمَ مَكَّةَ فَتَزَوَّجَ الصَّهْبَاءَ بِنْتَ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ أُخْتَ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ فَعَلَّمَهُ حَرْبَ بْنَ أُمَيَّةَ وَابْنَهُ سُفْيَانَ، وَتَعَلَّمَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَتَعَلَّمَهُ مُعَاوِيَةُ مِنْ عَمِّهِ سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَقِيلَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ تَعَلَّمَهُ مِنَ الْأَنْبَارِ قَوْمٌ مِنْ طَيِّئٍ مِنْ قَرْيَةٍ هُنَاكَ يُقَالُ لَهَا: بَقَّةُ، ثُمَّ هَذَّبُوهُ وَنَشَرُوهُ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَتَعَلَّمَهُ النَّاسُ. وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَأَلْنَا الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَيْنَ تَعَلَّمْتُمُ الْكِتَابَةَ؟ قَالُوا: مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ. وَسَأَلْنَا أَهْلَ الْحِيرَةِ: مِنْ أَيْنَ تَعَلَّمْتُمُ الْكِتَابَةَ؟ قَالُوا: مِنْ أَهْلِ الْأَنْبَارِ (6) .
قُلْتُ: وَالَّذِي كَانَ يَغْلِبُ عَلَى زَمَانِ السَّلَفِ الْكِتَابَةُ الْمَكْتُوفَةُ ثُمَّ هَذَّبَهَا أبو علي مقلة الوزير، وصار
(1) ذكر "كوركيس عواد" في كتابه المتقدم ذكره (ص 34) أن مصحفا في متحف الآثار الإسلامية بتركيا مكتوب على الرق كتب في آخره، أنه مصحف عثمان، رضي الله عنه، وهو في هذا المتحف برقم (457) .
(2)
في جـ: "يونس".
(3)
في طـ، جـ:"أبى".
(4)
لم أجد هذا الأثر والذي بعده في المصاحف.
(5)
في ط، جـ:"كما".
(6)
المصاحف (ص 9) .
لَهُ فِي ذَلِكَ مَنْهَجٌ وَأُسْلُوبٌ فِي الْكِتَابَةِ، ثُمَّ قَرَّبَهَا عَلِيُّ بْنُ هِلَالٍ الْبَغْدَادِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْبَوَّابِ وَسَلَكَ النَّاسُ وَرَاءَهُ. وَطَرِيقَتُهُ فِي ذَلِكَ وَاضِحَةٌ جَيِّدَةٌ. وَالْغَرَضُ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَمَّا كَانَتْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لَمْ تُحْكَمْ جَيِّدًا، وَقَعَ فِي كِتَابَةِ الْمَصَاحِفِ اخْتِلَافٌ فِي وَضْعِ الْكَلِمَاتِ مِنْ حَيْثُ صِنَاعَةِ الْكِتَابَةِ لَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَصَنَّفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، وَاعْتَنَى بِذَلِكَ الْإِمَامُ الْكَبِيرُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، رحمه الله، فِي كِتَابِهِ فَضَائِلُ الْقُرْآنِ (1) وَالْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، رحمه الله، فَبَوَّبَا عَلَى ذَلِكَ (2) وَذَكَرَ قِطْعَةً صَالِحَةً هِيَ مِنْ صِنَاعَةِ الْقُرْآنِ، لَيْسَتْ مَقْصِدَنَا هَاهُنَا؛ وَلِهَذَا نَصَّ الْإِمَامُ مَالِكٌ، رحمه الله، عَلَى أَنَّهُ لَا تُوضَعُ الْمَصَاحِفُ إِلَّا عَلَى وَضْعِ كِتَابَةِ الْإِمَامِ، وَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ غَيْرُهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي الشَّكْلِ وَالنَّقْطِ فَمِنْ مُرَخِّصٍ وَمِنْ مَانِعٍ، فَأَمَّا كِتَابَةُ السُّوَرِ وَآيَاتِهَا وَالتَّعْشِيرُ وَالْأَجْزَاءُ وَالْأَحْزَابُ فَكَثِيرٌ (3) فِي مَصَاحِفَ زَمَانِنَا، وَالْأَوْلَى اتِّبَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ذِكْرُ كُتَّاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَأَوْرَدَ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ زَيْدِ ابن ثَابِتٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ لَهُ: وَكُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ فِي (4) جَمْعِهِ لِلْقُرْآنِ (5) وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَأَوْرَدَ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي نُزُولِ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النِّسَاءِ: 95](6) وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمْ يَذْكُرِ الْبُخَارِيُّ أَحَدًا مِنَ الْكِتَابِ فِي هَذَا الْبَابِ سِوَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَهَذَا عَجَبٌ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ لَهُ حَدِيثٌ يُورِدُهُ سِوَى هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَوْضِعُ هَذَا فِي كِتَابِ السِّيرَةِ عِنْدَ ذِكْرِ كتَّابه عليه السلام.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ، رحمه الله:
(1) فضائل القرآن (ص 237- 243) .
(2)
المصاحف (ص 145- 176) .
(3)
في ط، جـ:"فكثر".
(4)
في جـ: "من".
(5)
صحيح البخاري برقم (4989) .
(6)
صحيح البخاري برقم (4990) .
أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عَقِيلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ وَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ "(1) .
وَقَدْ رَوَاهُ -أَيْضًا-فِي بَدْءِ الْخَلْقِ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ، وَمُسْلِمٌ -أَيْضًا-مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ بِنَحْوِهِ (2) وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ بِهِ (3) ثُمَّ قَالَ الزُّهْرِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّ تِلْكَ السَّبْعَةَ الْأَحْرُفَ إِنَّمَا هِيَ فِي الْأَمْرِ الَّذِي يَكُونُ وَاحِدًا لَا تَخْتَلِفُ فِي حَلَالٍ وَلَا فِي حرام.
(1) صحيح البخاري برقم (4991) .
(2)
في جـ: "نحوه".
(3)
صحيح البخاري برقم (3219) وصحيح مسلم برقم (819) وتفسير الطبري (1/ 29) .
وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ حَيْثُ قَالَ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ حميد الطويل، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: مَا حَاكَ فِي صَدْرِي شَيْءٌ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، إِلَّا أَنَّنِي قَرَأْتُ آيَةً وَقَرَأَهَا آخَرُ غَيْرَ قِرَاءَتِي فَقُلْتُ: أَقْرَأَنِيهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فأمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقْرَأْتَنِي آيَةَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ:"نَعَمْ"، وَقَالَ الْآخَرُ: أَلَيْسَ تُقْرِأُنِي آيَةَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: "نَعَمْ". فَقَالَ: "إِنَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ أَتَيَانِي فَقَعَدَ جِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِي وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِي، فَقَالَ جِبْرِيلُ: اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، فَقَالَ مِيكَائِيلُ: اسْتَزِدْهُ، حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ وَكُلُّ حَرْفٍ شَافٍ كَافٍ"(1) .
وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ -وَهُوَ ابْنُ هَارُونَ-وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ كِلَاهُمَا عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ بِنَحْوِهِ (2) . وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَمَحْمُودُ (3) بْنُ مَيْمُونٍ الزَّعْفَرَانِيُّ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ كُلُّهُمْ عَنْ حُمَيْدٍ بِهِ (4) . وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ" فَأَدْخَلَ بَيْنَهُمَا عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ (5) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، رحمه الله: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَقَرَأَ قِرَاءَةً أَنْكَرْتُهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ دَخَلَ آخَرُ فَقَرَأَ قِرَاءَةً سِوَى قِرَاءَةِ صَاحِبِهِ، فَقُمْنَا جَمِيعًا، فَدَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا قَرَأَ قِرَاءَةً أَنْكَرْتُهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ دَخَلَ هَذَا فَقَرَأَ قِرَاءَةً غَيْرَ قِرَاءَةِ صَاحِبِهِ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"اقْرَآ"، فَقَرَآ، فَقَالَ:"أَصَبْتُمَا". فَلَمَّا قَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي قَالَ، كَبُر عَلَيَّ وَلَا إِذَا كُنْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا رَأَى الَّذِي غَشِيَنِي ضَرَبَ فِي صَدْرِي فَفَضَضْتُ عَرَقًا، وَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى [رَسُولِ] (6) اللَّهِ فَرَقًا فَقَالَ:"يَا أُبَيُّ، إِنَّ رَبِّي أَرْسَلَ إِلَيَّ أَنِ اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ أَنِ اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ، فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ أَنِ اقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، وَلَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ مَسْأَلَةٌ تَسْأَلُنِيهَا". قَالَ: "قُلْتُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي، وَأَخَّرْتُ الثَّالِثَةَ لِيَوْمٍ يَرْغَبُ إِلَيَّ فِيهِ الْخَلْقُ حَتَّى إِبْرَاهِيمُ عليه السلام". وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ بِهِ (7) .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قال
(1) فضائل القرآن (ص201) .
(2)
سنن النسائي الكبرى برقم (7986) .
(3)
في ط، جـ:"محمد".
(4)
رواه الطبري في تفسيره (1/ 33) .
(5)
تفسير الطبري (1/ 34) .
(6)
زيادة من جـ.
(7)
المسند (5/ 127) وصحيح مسلم برقم (820) .
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، فَقُلْتُ: خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي، فَقَالَ (1) اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ رَبِّ خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي، فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ كُلُّهَا شافٍ كافٍ"(2) .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَقْرَأُ فِي سُورَةِ النَّحْلِ قِرَاءَةً تُخَالِفُ قِرَاءَتِي، ثُمَّ سَمِعْتُ آخَرَ يَقْرَؤُهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَانْطَلَقْتُ بِهِمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَيْنِ يَقْرَآنِ فِي سُورَةِ النَّحْلِ فَسَأَلْتُهُمَا: مَنْ أَقْرَأَكُمَا (3) ؟ فَقَالَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: لَأَذْهَبَنَّ بِكُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ خَالَفْتُمَا مَا أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَحَدِهِمَا:"اقْرَأْ". فَقَرَأَ، فَقَالَ:"أَحْسَنْتَ" ثُمَّ قَالَ لِلْآخَرِ: "اقْرَأْ". فَقَرَأَ، فَقَالَ:"أَحْسَنْتَ". قَالَ أُبِيٌّ: فَوَجَدْتُ فِي نَفْسِي وَسْوَسَةَ الشَّيْطَانِ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهِي، فَعَرَفَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَجْهِي، فَضَرَبَ يَدَهُ فِي صَدْرِي ثُمَّ قَالَ:"اللَّهُمَّ أَخْسِئِ (4) الشَّيْطَانَ عَنْهُ، يَا أُبِيُّ، أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، فَقُلْتُ: رَبِّ، خَفِّفْ عَنِّي، ثُمَّ أَتَانِي الثَّانِيَةَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ (5) فَقُلْتُ: رَبِّ، خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي، ثُمَّ أَتَانِي الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: مِثْلَ ذَلِكَ وَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَانِي الرَّابِعَةَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، وَلَكَ بِكُلِ رَدَّةٍ مسألة، فقلت: يارب، اللهم اغفر لأمتي، يارب، اغْفِرْ لِأُمَّتِي، وَاخْتَبَأْتُ الثَّالِثَةَ شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(6) . إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
قُلْتُ: وَهَذَا الشَّكُّ الَّذِي حَصَلَ لِأُبَيٍّ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ هُوَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، السَّبَبُ الَّذِي لِأَجْلِهِ قَرَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِرَاءَةَ إِبْلَاغٍ وَإِعْلَامٍ وَدَوَاءٍ لِمَا كَانَ حَصَلَ لَهُ سُورَةَ {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} إِلَى آخِرِهَا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:{رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [الْبَيِّنَةِ: 2، 3] ، وَهَذَا نَظِيرُ تِلَاوَتِهِ سُورَةَ الْفَتْحِ حِينَ أُنْزِلَتْ مَرْجِعَهُ، عليه السلام، مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَذَلِكَ لِمَا كَانَ تَقَدَّمَ لَهُ مِنَ الْأَسْئِلَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِأَبِي (7) بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رضي الله عنهما، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الْفَتْحِ: 27] .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان عِنْدَ أَخْبَاةِ بَنِي غِفَارٍ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، قَالَ:"أَسْأَلُ اللَّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، فَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ". ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ القرآن على حرفين. قال:
(1) في ط، جـ:"قال".
(2)
تفسير الطبري (1/ 37) .
(3)
في ط، جـ:"أقرأهما".
(4)
في جـ: "أذهب".
(5)
في طـ، جـ:"حرف واحد".
(6)
تفسير الطبري (1/ 41) .
(7)
في ط، جـ:"ثم لأبى".
"أَسْأَلُ اللَّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، فَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ". ثُمَّ جَاءَهُ الثَّالِثَةَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ قَالَ: "أَسْأَلُ اللَّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ". ثُمَّ جَاءَهُ الرَّابِعَةَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَأَيُّمَا حَرْفٍ قرؤوا عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابُوا (1) .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ بِهِ، وَفِي لفظٍ لِأَبِي دَاوُدَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أُبَيُّ، إِنِّي أُقْرِئْتُ الْقُرْآنَ فَقِيلَ لِي: عَلَى حَرْفٍ أَوْ حَرْفَيْنِ؟ فَقَالَ الْمَلَكُ الَّذِي مَعِي: قُلْ عَلَى حَرْفَيْنِ. قُلْتُ: عَلَى حَرْفَيْنِ. فَقِيلَ لِي: عَلَى حَرْفَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ؟ فَقَالَ الْمَلَكُ الَّذِي مَعِي: قُلْ عَلَى ثَلَاثَةٍ. قُلْتُ: عَلَى ثَلَاثَةٍ. حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ مِنْهَا إِلَّا شَافٍ كَافٍ إِنْ قُلْتَ: سَمِيعًا عَلِيمًا، عَزِيزًا حَكِيمًا، مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ"(2) .
وَقَدْ رَوَى ثَابِتُ بْنُ قَاسِمٍ نَحْوًا مِنْ هَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (3) وَمِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رضي الله عنه، نَحْوَ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ أُبَيٍّ قَالَ: لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ عِنْدَ أَحْجَارِ الْمِرَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِجِبْرِيلَ:"إِنِّي بُعِثْتُ إِلَى أُمَّةِ أُمِّيِّينَ فِيهِمُ الشَّيْخُ العاسي، والعجوز الكبيرة، والغلام، فقال: مرهم فليقرؤوا الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ"(4) .
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُود، عَنْ زِرٍّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، بِهِ (5) وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ جِبْرِيلَ عِنْدَ أَحْجَارِ الْمِرَاءِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ (6) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ؟ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَقِيتُ جِبْرِيلَ عِنْدَ أَحْجَارِ الْمِرَاءِ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، إِنِّي أُرْسِلْتُ إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيَّةٍ؛ الرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةُ، وَالْغُلَامُ، وَالْجَارِيَةُ، وَالشَّيْخُ الْفَانِي، الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ كِتَابًا قَطُّ فَقَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ"(7) .
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا وَكِيع وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ رِبْعى بْنِ حِراش: حَدَّثَنِي مَنْ لَمْ يَكْذِبْنِي -يَعْنِي حُذَيْفَةَ-قَالَ: لَقِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ عند أحجار المراء
(1) تفسير الطبري (1/ 40) .
(2)
صحيح مسلم برقم (820) وسنن أبي داود برقم (1478) وسنن النسائي (2/ 153) .
(3)
ورواه أحمد في المسند (2/ 232، 440) من طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أبي هريرة، رضي الله عنه.
(4)
المسند (5/ 132) ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (739)"موارد" من طريق زائدة به مثله.
(5)
سنن الترمذي برقم (2944) .
(6)
فضائل القرآن لأبي عبيد (ص 202) .
(7)
المسند (5/ 391، 400) .
فقال: إن أمتك +يقرؤون الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَمَنْ قَرَأَ مِنْهُمْ عَلَى حَرْفٍ فَلْيَقْرَأْ كَمَا عَلِمَ، وَلَا يَرْجِعُ عَنْهُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إِنَّ فِي أُمَّتِكَ الضَّعِيفَ، فَمَنْ قَرَأَ عَلَى حَرْفٍ فَلَا يَتَحَوَّلُ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ رَغْبَةً عَنْهُ (1) . وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي مَعْنَاهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى السُّدِّيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ -يَرْفَعُهُ-قَالَ:"أَتَانِي مَلَكَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: اقْرَأْ. قَالَ: عَلَى كَمْ؟ قَالَ: عَلَى حَرْفٍ. قَالَ: زِدْهُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ"(2) . وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ إِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ عَنِ العَوَّام بْنِ حَوْشَب، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ: أَتَى أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِرَاءَةِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ (3) .
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيع عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ بِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنِ الْعَوَّامِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، عَنْ أُبَيٍّ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلَيْنِ، فَذَكَرَهُ (4) .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ فُلَانٍ الْعَبْدِيِّ -قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: ذَهَبَ عَنِّي اسْمُهُ-عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: رُحْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَتُ رَجُلًا يَقْرَأُ فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: اسْتَقْرِئْ هَذَا. قَالَ: فَقَرَأَ، فَقَالَ:"أَحْسَنْتَ". قَالَ: قُلْتُ: إِنَّكَ أَقْرَأْتَنِي كَذَا وَكَذَا! فَقَالَ: "وَأَنْتَ قَدْ أَحْسَنْتَ". فَقُلْتُ: قَدْ أَحْسَنْتَ قَدْ أَحْسَنْتَ. قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِي ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْ أبيٍّ الشَّكَّ". قَالَ: فَفِضْتُ عَرَقًا، وَامْتَلَأَ جَوْفِي فَرَقًا. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ الْمَلَكَيْنِ أَتَيَانِي، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، وَقَالَ الْآخَرُ: زِدْهُ. قَالَ: قُلْتُ: زِدْنِي. فَقَالَ (5) اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ، حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ فَقَالَ: اقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ"(6) .
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ حجاج، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن شُتَيْرٍ (7) الْعَبْدِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ (8) عَنْ أُبَيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِ ذَلِكَ (9) وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَر، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، عن أبيّ بن كعب بنحوه (10) .
(1) المسند (5/ 385، 401) .
(2)
تفسير الطبري (1/ 30) .
(3)
سنن النسائي الكبرى برقم (10506) .
(4)
فضائل القرآن لأبي عبيد (ص 201) .
(5)
في ط، جـ:"قال".
(6)
تفسير الطبري (1/ 32) .
(7)
في فضائل أبي عبيد: "صقير".
(8)
في ط، جـ:"حدد".
(9)
فضائل القرآن (ص 202) .
(10)
سنن أبي داود برقم (1477) .
فَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ الْخُزَاعِيَّ شَاهِدٌ عَلَى ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" أَتَانِي جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، عليهما السلام، فَقَالَ جِبْرِيلُ: اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ مِيكَائِيلُ: اسْتَزِدْهُ، فَقَالَ: اقْرَأْ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ، مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِآيَةِ عَذَابٍ (1) أَوْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ "(2) .
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي كُرَيب، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ كَقَوْلِكَ: هَلُمَّ وَتَعَالَ (3) .
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ سَمُرَةَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْز وَعَفَّانُ كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ ". إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ (4) .
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ -لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، مِرَاءٌ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ -ثَلَاثَ مَرَّاتٍ-فَمَا عَلِمْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ ". وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ أَبِي ضَمْرَةَ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ بِهِ (5) .
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَمِّ أَيُّوبَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ أَبِي يَزِيدَ -عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَمِّ أَيُّوبَ-يَعْنِي امْرَأَةَ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّةِ-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، أَيَّهَا قَرَأْتِ جَزَاكِ (6) "(7) . وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَبِي جُهَيْمٍ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَعِيدٍ مَوْلَى الْحَضْرَمِيِّ (8) وَقَالَ غَيْرُهُ: عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي جُهَيْمٍ الْأَنْصَارِيِّ؛ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، كِلَاهُمَا يزعم أنه تلاقاها مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَشَيَا جَمِيعًا حَتَّى أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ أَبُو جُهَيْمٍ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فلا
(1) في ط، جـ:"ما لم تختم آية رحمة بعذاب".
(2)
المسند (5/ 41) .
(3)
تفسير الطبري (1/ 42) .
(4)
المسند (5/ 16) .
(5)
المسند (2/ 300) وسنن النسائي الكبرى برقم (8093) .
(6)
في ط: "أجزأه".
(7)
المسند (6/ 433، 462) .
(8)
في فضائل أبي عبيد: "مولى ابن الحضرمي".
تُمَارُوا، فَإِنَّ مِرَاءً فِيهِ كُفْرٌ" (1) . هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى الشَّكِّ (2) وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى الصَّوَابِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، أَخْبَرَنِي بُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي أَبُو جُهَيْمٍ؛ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَقَالَ هَذَا: تَلَقَّيْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ هَذَا: تَلَقَّيْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " الْقُرْآنُ يُقْرَأُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَلَا تُمَارُوا فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّ مِرَاءً فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ " (3) . وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ -أَيْضًا-وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ بُسْرِ (4) بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ -مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ-أَنَّ رَجُلًا قَرَأَ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو -يَعْنِي ابْنَ الْعَاصِ-: إِنَّمَا هِيَ كَذَا وَكَذَا، بِغَيْرِ مَا قَرَأَ الرَّجُلُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: هَكَذَا أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [فَخَرَجَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم](5) حَتَّى أَتَيَاهُ، فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَأَيُّ ذَلِكَ قَرَأْتُمْ أَصَبْتُمْ، فَلَا تَمَارُوا فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّ مِرَاءً فِيهِ كُفْرٌ "(6) . وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الْخُزَاعِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ بُسْرِ (7) بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِهِ نَحْوَهُ، وَفِيهِ:"فَإِنَّ الْمِرَاءَ فِيهِ كُفْرٌ أَوْ إِنَّهُ الْكُفْرُ بِهِ (8) ". وَهَذَا -أَيْضًا-حَدِيثٌ جَيِّدٌ (9) .
حَدِيثٌ آخَرُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" كَانَ الْكِتَابُ الْأَوَّلُ نَزَلَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَعَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ وَعَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ: زَاجِرٌ، وَآمِرٌ، وَحَلَالٌ، وَحَرَامٌ، وَمُحْكَمٌ، وَمُتَشَابِهٌ، وَأَمْثَالٌ، فَأَحِلُّوا حَلَالَهُ، وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ، وَافْعَلُوا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ، وَانْتَهُوا عَمَّا نُهِيتُمْ عَنْهُ، وَاعْتَبِرُوا بِأَمْثَالِهِ، وَاعْمَلُوا بِمُحْكَمِهِ، وَآمِنُوا بِمُتَشَابِهِهِ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ من عند ربنا"(10) . ثم رواه عن أبي كُرَيْب عَنِ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ كَلَامِهِ (11) وَهُوَ أَشْبَهُ (12) . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(1) فضائل القرآن (ص 202) .
(2)
قال الشيخ أحمد شاكر في حاشيته على الطبري (1/ 44) : "قوله: على الشك، إنما للحديث طريقان: الأول: إسماعيل بن جعفر يرويه عن يزيد عن مسلم بن سعيد، وسليمان يرويه عن يزيد عن بسر - أخو مسلم، فأشار أبو عبيد أثناء الإسناد إلى الرواية الأخرى دون أن يذكر إسنادهما".
(3)
المسند (4/ 170) .
(4)
في جـ: "بشر".
(5)
زيادة من جـ، طـ.
(6)
فضائل القرآن (ص 202) .
(7)
في جـ: "بشر".
(8)
في ط: "آية الكفر".
(9)
المسند (4/ 204) .
(10)
تفسير الطبري (1/ 68) .
(11)
تفسير الطبري (1/ 69) .
(12)
قال الشيخ أحمد شاكر: "وهو الصحيح، حيث صرح بذلك الطبري بقوله: وروى عن ابن مسعود من قبله، أما الإسناد السابق فقد قال ابن عبد البر: حديث لا يثبت؛ لأنه من رواية أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ ابْنِ مسعود، ولم يلق ابن مسعود".
فَصْلٌ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَدْ تَوَاتَرَتْ (1) هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا عَنِ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ إِلَّا مَا حَدَّثَنِي عَفَّانُ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ"(2) .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا نَرَى الْمَحْفُوظَ إِلَّا السَّبْعَةَ لِأَنَّهَا الْمَشْهُورَةُ، وَلَيْسَ مَعْنَى تِلْكَ السَّبْعَةِ أَنْ يَكُونَ الْحَرْفُ الْوَاحِدُ يُقْرَأُ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ، وَهَذَا شَيْءٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَلَكِنَّهُ عِنْدَنَا أَنَّهُ نَزَلَ سَبْعَ لُغَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ، فَيَكُونُ الْحَرْفُ الْوَاحِدُ مِنْهَا بِلُغَةِ قَبِيلَةٍ وَالثَّانِي بِلُغَةٍ أُخْرَى سِوَى الْأُولَى، وَالثَّالِثُ بِلُغَةٍ أُخْرَى سِوَاهُمَا، كَذَلِكَ إِلَى السَّبْعَةِ، وَبَعْضُ الْأَحْيَاءِ أَسْعَدُ بِهَا وَأَكْثَرُ حَظًّا فِيهَا مِنْ بَعْضٍ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي أَحَادِيثَ تَتْرَى، قَالَ: وَقَدْ رَوَى الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعِ لُغَاتٍ، مِنْهَا خَمْسٌ بِلُغَةِ الْعَجُزِ مِنْ هَوَازِنَ (3) .
قال أبو عبيد: والعجز هُمْ بَنُو أَسْعَدَ (4) بْنِ بَكْرٍ، وَجُشَمُ بْنُ بَكْرٍ، وَنَصْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَثَقِيفٌ هُمْ عُلْيَا (5) هَوَازِنَ الَّذِينَ قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: أَفْصَحُ الْعَرَبِ عُلْيَا هَوَازِنَ وَسُفْلَى تَمِيمٍ يَعْنِي دَارِمَ. وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ: لَا يُمْلِي فِي مَصَاحِفِنَا إِلَّا غِلْمَانُ قُرَيْشٍ أَوْ ثَقِيفٍ (6) .
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَاللُّغَتَانِ الْأُخْرَيَانِ: قُرَيْشٌ وَخُزَاعَةُ رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَكِنْ لَمْ يَلْقَهُ (7) .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَحَدَّثَنَا هُشَيْم عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ كَانَ يُسْأَلُ عَنِ الْقُرْآنِ فَيُنْشِدُ فِيهِ الشِّعْرَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي: أَنَّهُ كَانَ يَسْتَشْهِدُ بِهِ عَلَى التَّفْسِيرِ (8) . حَدَّثَنَا هُشَيْم عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ أَوْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الِانْشِقَاقِ: 17]، قَالَ: مَا جَمَعَ وَأَنْشَدَ: قَدِ اتَّسَقْنَ لَوْ يَجِدْنَ سَائِقًا (9)
حَدَّثَنَا هُشَيْم، أَنْبَأَنَا (10) حُصَيْنٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النَّازِعَاتِ: 14]، قَالَ: الْأَرْضُ، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصلت: عندهم لحم بحرٍ ولحم ساهرة (11)
(1) في جـ: "تواردت".
(2)
فضائل القرآن (ص 203) ورواه من طريق البيهقي في السنن الكبرى (2/ 385) .
(3)
فضائل القرآن (ص 204) .
(4)
في ط: "سعد".
(5)
في ط: "علياء".
(6)
فضائل القرآن (ص 204) .
(7)
تفسير الطبري (1/ 66) .
(8)
فضائل القرآن (ص 205) .
(9)
فضائل القرآن (ص 206) .
(10)
في ط، جـ:"عن".
(11)
فضائل القرآن (ص 206)، وكتب بين قوسين: وفيها لحم ساهر وبحر وما فاهوا به لهم مقيم
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ لَا أَدْرِي مَا {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} [فَاطِرٍ: 1] ، حَتَّى أَتَانِي أَعْرَابِيَّانِ يَخْتَصِمَانِ فِي بِئْرٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فَطَرْتُهَا. يَقُولُ: أَنَا ابْتَدَأْتُهَا (1) . إِسْنَادٌ جَيِّدٌ أَيْضًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، رحمه الله، بَعْدَ مَا أَوْرَدَ طَرَفًا مِمَّا تَقَدَّمَ: وَصَحَّ وَثَبَتَ أَنَّ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ أَلْسُنِ الْعَرَبِ الْبَعْضُ مِنْهَا دُونَ الْجَمْعِ (2) إِذَا كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ أَلْسِنَتَهَا وَلُغَاتِهَا أَكْثَرُ مِنْ سَبْعٍ بِمَا يَعْجَزُ عَنْ إِحْصَائِهِ ثُمَّ قَالَ: وَمَا بُرْهَانُكَ عَلَى مَا قُلْتَهَ دُونَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَا قَالَهُ مُخَالِفُوكَ، مِنْ أَنَّهُ نَزَلَ بِأَمْرٍ وَزَجْرٍ، وَتَرْغِيبٍ وَتَرْهِيبٍ، وَقَصَصٍ وَمَثَلٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ فَقَدْ عَلِمْتَ قَائِلَ ذَلِكَ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخِيَارِ الْأَئِمَّةِ؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ لَمْ يَدَّعُوا أَنَّ تَأْوِيلَ الْأَخْبَارِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، هُوَ مَا زَعَمْتَ أَنَّهُمْ قَالُوهُ فِي الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ، الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ دُونَ غَيْرِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ لِقَوْلِنَا مُخَالِفًا، وَإِنَّمَا أَخْبَرُوا أَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، يَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ نَزَلَ عَلَى (3) سَبْعَةِ أَوْجُهٍ، وَالَّذِي قَالُوا مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالُوا، وَقَدْ رَوَيْنَا بِمِثْلِ الَّذِي قَالُوا مِنْ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْ أَنَّهُ نَزَلَ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، كَمَا تَقَدَّمَ. يَعْنِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ (4) .
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالْأَبْوَابُ السَّبْعَةُ مِنَ الْجَنَّةِ هِيَ الْمَعَانِي الَّتِي فِيهَا مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وَالْقَصَصِ وَالْمُثُلِ، الَّتِي إِذَا عَمِلَ بِهَا الْعَامِلُ وَانْتَهَى إِلَى حُدُودِهَا الْمُنْتَهِي، اسْتَوْجَبَ بِهَا الْجَنَّةَ.
ثُمَّ بَسَطَ الْقَوْلَ فِي هَذَا بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الشَّارِعَ رَخَّصَ لِلْأُمَّةِ التِّلَاوَةَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، ثُمَّ لَمَّا رَأَى الْإِمَامُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، رضي الله عنه، اخْتِلَافَ النَّاسِ فِي الْقِرَاءَةِ، وَخَافَ مِنْ تَفَرُّقِ كَلِمَتِهِمْ -جَمَعَهُمْ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ هَذَا الْمُصْحَفُ الْإِمَامُ، قَالَ: وَاسْتَوْثَقَتْ لَهُ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ بِالطَّاعَةِ، وَرَأَتْ أَنَّ فِيمَا فَعَلَهُ مِنْ ذَلِكَ الرُّشْدَ وَالْهِدَايَةَ، وَتَرَكَتِ الْقِرَاءَةَ الْأَحْرُفَ السِّتَّةَ الَّتِي عَزَمَ عَلَيْهَا إِمَامُهَا الْعَادِلُ في تركها طاعة منها له، ونظر مِنْهَا لِأَنْفَسِهَا وَعَنْ بُعْدِهَا مِنْ سَائِرِ أَهْلِ مِلَّتِهَا، حَتَّى دَرَسَتْ مِنَ الْأُمَّةِ مَعْرِفَتُهَا، وَتَعَفَّتْ آثَارُهَا، فَلَا سَبِيلَ الْيَوْمَ لِأَحَدٍ إِلَى الْقِرَاءَةِ بِهَا لِدُثُورِهَا وَعَفْوِ آثَارِهَا. إِلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ قَالَ مَنْ ضَعُفَتْ مَعْرِفَتُهُ: وَكَيْفَ جَازَ لَهُمْ تَرْكُ قِرَاءَةٍ أَقْرَأَهُمُوهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَهُمْ بِقِرَاءَتِهَا؟ قِيلَ: إِنَّ أَمْرَهُ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَمْرَ إِيجَابٍ وَفَرْضٍ، وَإِنَّمَا كَانَ أَمْرَ إِبَاحَةٍ وَرُخْصَةٍ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِهَا لَوْ كَانَتْ فَرْضًا عَلَيْهِمْ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْ تِلْكَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ عِنْدَ مَنْ يَقُومُ بِنَقْلِهِ الْحُجَّةَ، وَيَقْطَعُ خَبَرُهُ الْعُذْرَ، وَيُزِيلُ الشَّكَّ مِنْ قِرَاءَةِ الْأُمَّةِ، وَفِي تَرْكِهِمْ نَقْلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ بِهَا مُخَيَّرِينَ. إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَمَّا مَا كَانَ مِنَ اخْتِلَافِ الْقِرَاءَةِ فِي رَفْعِ حَرْفٍ وَنَصْبِهِ وَجَرِّهِ وَتَسْكِينِ حَرْفٍ وَتَحْرِيكِهِ، وَنَقْلِ حَرْفٍ إِلَى آخر مع اتفاق
(1) فضائل القرآن (ص 206) .
(2)
في ط: "الجميع".
(3)
في طـ، جـ:"من".
(4)
تفسير الطبري (1/ 47) .
الصُّورَةِ فِي مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " أُمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ " بِعَزْلٍ؛ لِأَنَّ الْمِرَاءَ فِي مِثْلِ هَذَا لَيْسَ بِكُفْرٍ، فِي قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ أَوْجَبَ صلى الله عليه وسلم بِالْمِرَاءِ فِي الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الْكُفْرَ، كَمَا تَقَدَّمَ (1) .
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ الْبُخَارِيُّ، رحمه الله: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا عَقِيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عبدٍ الْقَارِئَ حَدَّثَاهُ (2)" أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يقرأنيها رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَبَصَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ فَلَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: كَذَبْتَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرْسِلْهُ، اقْرَأْ يَا هِشَامُ"، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ"، ثُمَّ قَالَ: "اقْرَأْ يَا عُمَرُ"، فَقَرَأْتُ الْقِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ. إِنَّ القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ " (3) .
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ -أَيْضًا-وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ (4) وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -أَيْضًا-عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ، عَنْ عُمَرَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ (5) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:" قَرَأَ رَجُلٌ عِنْدَ عُمَرَ فَغَيَّرَ عَلَيْهِ فَقَالَ: قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيَّ قَالَ: فَاجْتَمَعَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَرَأَ الرَّجُلُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: "قَدْ أَحْسَنْتَ". قَالَ: فَكَأَنَّ عُمَرَ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عُمَرُ، إِنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ صَوَابٌ، مَا لَمْ يُجْعَلْ عَذَابٌ مَغْفِرَةً أَوْ مَغْفِرَةٌ عَذَابًا " (6) .
وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ. وَحَرْبُ بْنُ ثَابِتٍ هَذَا يُكَنَّى بِأَبِي ثَابِتٍ، لَا نَعْرِفُ أَحَدًا جَرَّحَهُ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى هَذِهِ السَّبْعَةِ الْأَحْرُفِ وَمَا أُرِيدَ مِنْهَا عَلَى أَقْوَالٍ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ فَرَحٍ الْأَنْصَارِيُّ الْقُرْطُبِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي مُقَدِّمَاتِ تَفْسِيرِهِ: وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمِرَاءِ بِالْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ قَوْلًا ذَكَرَهَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ الْبَسْتِيُّ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْهَا خَمْسَةَ أقوال.
(1) تفسير الطبري (1/ 49) .
(2)
في ط، جـ:"أخبراه".
(3)
صحيح البخاري برقم (4992) .
(4)
المسند (1/ 24) وصحيح البخاري برقم (2419) وصحيح مسلم برقم (818) وسنن أبي داود برقم (1475) وسنن النسائي (2/ 150) وسنن الترمذي برقم (2943) .
(5)
المسند (1/ 40) .
(6)
المسند (4/ 30) .
قُلْتُ: ثُمَّ سَرَدَهَا الْقُرْطُبِيُّ، وَحَاصِلُهَا مَا أَنَا مَوْرِدُهُ مُلَخَّصًا:
فَالْأَوَّلُ-وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، وَأَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ، وَالطَّحَاوِيُّ-: أَنَّ الْمُرَادَ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ مِنَ الْمَعَانِي الْمُتَقَارِبَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ نَحْوُ: أَقْبِلْ وَتَعَالَ وَهَلُمَّ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَأَبَيْنُ مَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: اقْرَأْ عَلَى حَرْفٍ، فَقَالَ مِيكَائِيلُ: اسْتَزِدْهُ فَقَالَ: اقْرَأْ عَلَى حَرْفَيْنِ، فَقَالَ مِيكَائِيلُ: اسْتَزِدْهُ، حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ، فَقَالَ: اقْرَأْ فَكُلٌّ شَافٍ كَافٍ إِلَّا أَنْ تَخْلِطَ آيَةَ رَحْمَةٍ بِآيَةِ عَذَابٍ، أَوْ آيَةَ عَذَابٍ بِآيَةِ رَحْمَةٍ، عَلَى نَحْوِ هَلُمَّ وَتَعَالَ وَأَقْبِلْ وَاذْهَبْ وَأَسْرِعْ وَعَجِّلْ.
وَرُوِيَ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الْحَدِيدِ: 13] : "لِلَّذِينَ آمَنُوا أَمْهِلُونَا""لِلَّذِينَ آمَنُوا أَخِّرُونَا""لِلَّذِينَ آمَنُوا ارْقُبُونَا"، وَكَانَ يَقْرَأُ:{كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} [الْبَقَرَةِ: 20] : "مَرُّوا فِيهِ ""سَعَوْا فِيهِ". قَالَ الطَّحَاوِيُّ. وَغَيْرُهُ: وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ رُخْصَةً أَنْ يَقْرَأَ النَّاسُ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعِ لُغَاتٍ، وَذَلِكَ لَمَّا كَانَ يَتَعَسَّرُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ التِّلَاوَةُ عَلَى لُغَةِ قُرَيْشٍ، وَقَرَأَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِالْكِتَابَةِ وَالضَّبْطِ وَإِتْقَانِ الْحِفْظِ وَقَدِ ادَّعَى الطَّحَاوِيُّ وَالْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ رُخْصَةً فِي أَوْلِ الْأَمْرِ، ثُمَّ نُسِخَ بِزَوَالِ الْعُذْرِ وَتَيْسِيرِ الْحِفْظِ وَكَثْرَةِ الضَّبْطِ وَتَعَلُّمِ الْكِتَابَةِ.
قُلْتُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا كَانَ الَّذِي جَمَعَهُمْ عَلَى قِرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، رضي الله عنه، أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ الْمَأْمُورِ بِاتِّبَاعِهِمْ، وَإِنَّمَا جَمَعَهُمْ عَلَيْهَا لِمَا رَأَى مِنَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْقِرَاءَةِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى تَفَرُّقِ الْأُمَّةِ وَتَكْفِيرِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَرَتَّبَ لَهُمُ الْمَصَاحِفَ الْأَئِمَّةَ عَلَى الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي عَارَضَ بِهَا جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في آخِرِ رَمَضَانَ مِنْ عُمْرِهِ، عليه الصلاة والسلام، وعزم عليهم ألا يقرؤوا بِغَيْرِهَا، وَأَلَّا يَتَعَاطَوُا الرُّخْصَةَ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ فِيهَا سَعَةٌ، وَلَكِنَّهَا أَفْضَتْ إِلَى الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ، كَمَا أَلْزَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثَةِ الْمَجْمُوعَةِ حِينَ تَتَابَعُوا فِيهَا وَأَكْثَرُوا مِنْهَا، قَالَ: فَلَوْ أَنَّا أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ، فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ. وَكَانَ كَذَلِكَ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ زِيَارَةُ الْبَيْتِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَقَدْ كَانَ أَبُو مُوسَى يُفْتِي بِالتَّمَتُّعِ فَتَرَكَ فُتْيَاهُ اتِّبَاعًا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَسَمْعًا وَطَاعَةً لِأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ جَمِيعَهُ يُقْرَأُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، وَلَكِنَّ بَعْضَهُ عَلَى حَرْفٍ وَبَعْضَهُ عَلَى حَرْفٍ آخَرَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ يُقْرَأُ بَعْضُهُ بِالسَّبْعِ لُغَاتٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [الْمَائِدَةِ: 60] وَ {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} [يُوسُفَ: 12] . قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَبُو عُبَيْدٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَبَعْضُ اللُّغَاتِ أسعدُ بِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَقَالَ الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيُّ: وَمَعْنَى قَوْلِ عُثْمَانَ: إِنَّهُ نَزَلَ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، أَيْ: مُعْظَمُهُ، وَلَمْ يُقَمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَهُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ كُلَّهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يُوسُفَ: 2]، وَلَمْ يَقُلْ: قُرَشِيًّا. قَالَ: وَاسْمُ الْعَرَبِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْقَبَائِلِ تَنَاوُلًا وَاحِدًا، يَعْنِي حِجَازَهَا وَيَمَنَهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ
عَبْدِ الْبَرِّ، قَالَ: لِأَنَّ غَيْرَ لُغَةِ قُرَيْشٍ مَوْجُودَةٌ فِي صَحِيحِ الْقِرَاءَاتِ بِتَحْقِيقِ الْهَمَزَاتِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا لَا تَهْمِزُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا كُنْتُ أَدْرِي مَا مَعْنَى: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} [فاطر: 1]، حتى سمعت أعربيا يَقُولُ لِبِئْرٍ ابْتَدَأَ حَفْرَهَا: أَنَا فَطَرْتُهَا.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ لُغَاتِ الْقُرْآنِ السَّبْعَ مُنْحَصِرَةٌ فِي مُضَرَ عَلَى اخْتِلَافِ قَبَائِلِهَا خَاصَّةً؛ لِقَوْلِ عُثْمَانَ: إِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَةِ (1) قُرَيْشٍ، وَقُرَيْشٌ هُمْ بَنُو النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ النَّسَبِ، كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ.
الْقَوْلُ الرَّابِعُ -وَحَكَاهُ الْبَاقِلَّانِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ-: أَنَّ وُجُوهَ الْقِرَاءَاتِ تَرْجِعُ إِلَى سَبْعَةِ أَشْيَاءَ، مِنْهَا مَا تَتَغَيَّرُ حَرَكَتُهُ وَلَا تَتَغَيَّرُ صُورَتُهُ وَلَا مَعْنَاهُ مِثْلُ:{وَيَضِيقُ صَدْرِي} [الشُّعَرَاءِ: 13] وَ "يضيقَ"، وَمِنْهَا مَا لَا تَتَغَيَّرُ صُورَتُهُ وَيَخْتَلِفُ مَعْنَاهُ مِثْلَ:{فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سَبَأٍ: 19] وَ "باعَدَ بَيْنَ أَسْفَارِنَا"، وَقَدْ يَكُونُ الِاخْتِلَافُ فِي الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى بِالْحَرْفِ مِثْلَ:{نُنْشِزُهَا} [الْبَقَرَةِ: 259]، وَ"نَنشُرُها" (2) أَوْ بِالْكَلِمَةِ مَعَ بَقَاءِ الْمَعْنَى [مِثْلَ] (3) {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [الْقَارِعَةِ: 5] ، أَوْ "كَالصُّوفِ الْمَنْفُوشِ" أَوْ بِاخْتِلَافِ الْكَلِمَةِ بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ مِثْلَ:{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [ق: 19] ، أَوْ "سَكْرَةُ الْحَقِّ بِالْمَوْتِ"، أَوْ بِالزِّيَادَةِ مِثْلَ "تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً أُنْثَى"، "وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ"(4) . "فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ لَهُنَّ غَفُورٌ".
الْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ مَعَانِي الْقُرْآنِ وَهِيَ: أَمْرٌ، وَنَهْيٌ، وَوَعْدٌ، وَوَعِيدٌ، وَقَصَصٌ، وَمُجَادَلَةٌ، وَأَمْثَالٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَا تُسَمَّى حُرُوفًا، وَأَيْضًا فَالْإِجْمَاعُ أَنَّ التَّوْسِعَةَ لَمْ تَقَعْ فِي تَحْلِيلِ حَلَالٍ (5) وَلَا فِي تَغْيِيرِ شَيْءٍ مِنَ الْمَعَانِي، وَقَدْ أَوْرَدَ الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيُّ فِي هَذَا حَدِيثًا، ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَتْ هَذِهِ هِيَ الَّتِي أَجَازَ لَهُمُ القراء (6) بها (7) .
(1) في جـ: "بلسان".
(2)
في جـ: "ينشرها".
(3)
زيادة من ط.
(4)
كذا في جـ، ط.
(5)
في جـ: "حرام".
(6)
في جـ: "القراءة".
(7)
تفسير القرطبي (1/ 42- 47) .
فَصْلٌ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِنَا كَالدَّاوُدِيِّ وَابْنِ أَبِي صُفْرَةَ وَغَيْرِهِمَا: هَذِهِ الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ الَّتِي تُنْسَبُ لِهَؤُلَاءِ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ لَيْسَتْ هِيَ الْأَحْرُفَ السَّبْعَةَ الَّتِي اتَّسَعَتِ الصَّحَابَةُ فِي الْقِرَاءَةِ بِهَا، وَإِنَّمَا هِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنَ السَّبْعَةِ وَهُوَ الَّذِي جَمَعَ عَلَيْهِ عُثْمَانُ الْمُصْحَفَ. ذَكَرَهُ ابْنُ النَّحَّاسِ وَغَيْرُهُ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَدْ سَوَّغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ قِرَاءَةَ الْآخَرِ وَأَجَازَهَا، وَإِنَّمَا اخْتَارَ الْقِرَاءَةَ الْمَنْسُوبَةَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ رَآهَا أَحْسَنَ وَالْأَوْلَى (1) عِنْدَهُ. قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي هَذِهِ الْأَمْصَارِ عَلَى الِاعْتِمَادِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ فِيمَا رَوَوْهُ وَرَأَوْهُ مِنَ الْقِرَاءَاتِ، وَكَتَبُوا فِي ذَلِكَ مُصَنَّفَاتٍ وَاسْتَمَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى الصَّوَابِ وَحَصَلَ مَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ مِنْ حِفْظِ الكتاب (2) .
قال البخاري، رحمه الله:
(1) في م: "وأولى".
(2)
تفسير القرطبي (1/ 46) .
تَأْلِيفُ الْقُرْآنِ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قال: وأخبرني يوسف ابن مَاهَكَ قَالَ: إِنِّي لَعِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، رضي الله عنها، إِذْ جَاءَهَا عِرَاقِيٌّ فَقَالَ: أَيُّ الْكَفَنِ خَيْرٌ؟ قَالَتْ: وَيْحَكَ! وَمَا يَضُرُّكَ، قَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَرِينِي مُصْحَفَكِ، قَالَتْ: لِمَ؟ قَالَ: لَعَلِّي أُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ، قَالَتْ: وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ، إِنَّمَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ، نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: وَلَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ، لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لَا تَزْنُوا، لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ:{بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [الْقَمَرِ: 46] ، وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ، قَالَ: فَأَخْرَجَتْ لَهُ الْمُصْحَفَ فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِ (1) . وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ (2) وَالْمُرَادُ مِنَ التَّأْلِيفِ هَاهُنَا تَرْتِيبُ سُوَرِهِ. وَهَذَا الْعِرَاقِيُّ سَأَلَ أَوَّلًا عَنْ أَيِّ الْكَفَنِ خَيْرٌ، أَيْ: أَفْضَلُ، فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، رضي الله عنها، أَنَّ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَنِيَ بِالسُّؤَالِ عَنْهُ وَلَا الْقَصْدِ لَهُ وَلَا الِاسْتِعْدَادِ، فَإِنَّ فِي هَذَا تَكَلُّفًا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، وَكَانُوا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يَصِفُونَ أَهْلَ الْعِرَاقِ بِالتَّعَنُّتِ فِي الْأَسْئِلَةِ، كَمَا سَأَلَ بَعْضُهُمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: انْظُرُوا أَهْلَ الْعِرَاقِ، يَسْأَلُونَ عَنْ دَمِ الْبَعُوضَةِ، وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم! (3) . وَلِهَذَا لَمْ تُبَالِغْ مَعَهُ عَائِشَةُ، رضي الله عنها، فِي الْكَلَامِ لِئَلَّا يَظُنَّ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مُهِمٌّ، وَإِلَّا فَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ، فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ "(4) وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنَ الْوَجْهَيْنِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: كُفِّنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ (5) . وَهَذَا مُحَرَّرٌ فِي بَابِ الْكَفَنِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ.
ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ تَرْتِيبِ الْقُرْآنِ فَانْتَقَلَ إِلَى سُؤَالٍ كَبِيرٍ، وَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ، أَيْ: غَيْرَ مُرَتَّبِ السُّوَرِ. وَكَأَنَّ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ، رضي الله عنه، إِلَى الْآفَاقِ بِالْمَصَاحِفِ الْأَئِمَّةِ الْمُؤَلَّفَةِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ الْمَشْهُورِ الْيَوْمَ، وَقَبْلَ الْإِلْزَامِ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلِهَذَا أَخْبَرَتْهُ: إِنَّكَ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّ سُورَةٍ بَدَأْتَ، وَأَنَّ أَوَّلَ سُورَةٍ نَزَلَتْ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ،
(1) صحيح البخاري برقم (3993) .
(2)
سنن النسائي الكبرى برقم (7987) .
(3)
رواه البخاري في صحيحه برقم (3753) .
(4)
حديث ابن عباس في المسند (1/ 231، 247) وسنن أبي داود برقم (3878) وسنن النسائي (8/ 149) وسنن الترمذي برقم (994) وسنن ابن ماجة برقم (1472) ، وحديث سمرة في المسند (5/ 20) وسنن الترمذي برقم (2811) وسنن النسائي (8/ 205) .
(5)
صحيح البخاري برقم (1264) وصحيح مسلم برقم (941) .
وَهَذِهِ إِنْ لَمْ تَكُنِ "اقْرَأْ" فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتِ اسْمَ جِنْسٍ لِسُوَرِ الْمُفَصَّلِ الَّتِي فِيهَا الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ، ثُمَّ لَمَّا انْقَادَ النَّاسُ إِلَى التَّصْدِيقِ أُمِرُوا وَنُهُوا بِالتَّدْرِيجِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا وَهَذَا مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ: أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ أَوِ السُّوَرَ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ لَيْسَ الْبُدَاءَةُ بِهَا فِي أَوَائِلَ الْمَصَاحِفِ، مَعَ أَنَّهَا مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ، وَهَذِهِ الْبَقَرَةُ وَالنِّسَاءُ مِنْ أَوَائِلِ مَا فِي الْمُصْحَفِ، وَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ فِي الْمَدِينَةِ وَأَنَا عِنْدَهُ.
فَأَمَّا تَرْتِيبُ الْآيَاتِ فِي السُّوَرِ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ رُخْصَةٌ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ تَوْقِيفِيٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا لَمْ تُرَخِّصْ لَهُ فِي ذَلِكَ، بَلْ أَخْرَجَتْ لَهُ مُصْحَفَهَا، فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ عَائِشَةَ: لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّ سُورَةٍ بَدَأْتَ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ بَعْضَ السُّوَرِ أَوْ أَخَّرَ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ، عليه السلام، قَرَأَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بِالْبَقَرَةِ ثُمَّ النِّسَاءِ (1) ثُمَّ آلِ عِمْرَانَ (2) . وَقَدْ حَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ الرَّدِّ أَنَّهُ قَالَ: فَمَنْ أَخَّرَ سُورَةً مُقَدَّمَةً أَوْ قَدَّمَ أُخْرَى مُؤَخَّرَةً كَمَنْ أَفْسَدَ نَظْمَ الْآيَاتِ وَغَيَّرَ الْحُرُوفَ وَالْآيَاتِ (3) وَكَانَ مُسْتَنَدُهُ اتِّبَاعَ مُصْحَفِ عُثْمَانَ، رضي الله عنه، فَإِنَّهُ مُرَتَّبٌ عَلَى هَذَا النَّحْوِ الْمَشْهُورِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ترتيب السور فيه منه ما هو رجع إِلَى رَأْيِ عُثْمَانَ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي سُؤَالِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَهُ فِي تَرْكِ الْبَسْمَلَةِ فِي أول براءة، وذكره الأنفال من الطول، وَالْحَدِيثُ فِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَقَوِيٍّ. وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى تَرْتِيبِ الْقُرْآنِ بِحَسَبِ نُزُولِهِ.
وَلَقَدْ حَكَى الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيُّ: أَنَّ أَوَّلَ مُصْحَفِهِ كَانَ: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْأَكْرَمِ" وَأَوَّلَ مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ثُمَّ الْبَقَرَةُ، ثُمَّ النساء على ترتب مُخْتَلِفٍ، وَأَوَّلَ مُصْحَفِ أُبَيٍّ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ} ثُمَّ النِّسَاءُ، ثُمَّ آلُ عِمْرَانَ، ثُمَّ الْأَنْعَامُ، ثُمَّ الْمَائِدَةُ، ثُمَّ كَذَا عَلَى اخْتِلَافٍ شَدِيدٍ، ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ فِي الْمُصْحَفِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ مِنَ اجْتِهَادِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَكَذَا ذَكَرَهُ مَكِّيٌّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ بَرَاءَةٌ قَالَ: فَأَمَّا تَرْتِيبُ الْآيَاتِ وَالْبَسْمَلَةِ فِي الْأَوَائِلِ فَهُوَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ بِلَالٍ يَقُولُ: سُئِلَ رَبِيعَةُ: لِمَ قُدِّمَتِ الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ، وَقَدْ نَزَلَ قَبْلَهُمَا بِضْعٌ وَثَمَانُونَ سُورَةً؟ فَقَالَ: قُدِّمَتَا وَأُلِّفَ الْقُرْآنُ عَلَى عِلْمٍ مِمَّنْ أَلَّفَهُ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى الْعِلْمِ بِذَلِكَ، فَهَذَا مِمَّا يُنْتَهَى إِلَيْهِ وَلَا يُسْأَلُ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: إِنَّمَا أُلِّفَ الْقُرْآنُ عَلَى مَا كَانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (4) .
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ: إِنَّا نَجِدُ (5) تَأْلِيفَ سُوَرِهِ فِي الرَّسْمِ وَالْخَطِّ خَاصَّةً وَلَا يُعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا منهم
(1) في جـ: "بالنساء".
(2)
رواه مسلم في صحيحه برقم (772) .
(3)
تفسير القرطبي (1/ 60) .
(4)
ذكره القرطبي في تفسيره (1/ 59، 60) .
(5)
في ط، جـ:"إنما يجب".
قَالَ: إِنَّ تَرْتِيبَ ذَلِكَ وَاجِبٌ فِي الصَّلَاةِ وَفِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَدَرْسِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ الْكَهْفَ قَبْلَ الْبَقَرَةِ، وَلَا الْحَجَّ قَبْلَ (1) الْكَهْفِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ عَائِشَةَ: وَلَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ. وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ السُّورَةَ فِي رَكْعَةٍ، ثُمَّ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى بِغَيْرِ السُّورَةِ الَّتِي تَلِيهَا.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ يُقْرَأَ الْقُرْآنُ مَنْكُوسًا (2) . وَقَالَا إِنَّمَا ذَلِكَ مَنْكُوسُ الْقَلْبِ، فَإِنَّمَا عَنَيَا بِذَلِكَ مَنْ يَقْرَأُ السُّورَةَ مَنْكُوسَةً فَيَبْتَدِئُ بِآخِرِهَا إِلَى أَوَّلِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ مَحْذُورٌ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا آدَمُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي بني إسرائيل والكهف ومريم وطه وَالْأَنْبِيَاءِ: إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي (3) . انْفَرَدَ الْبُخَارِيُّ بِإِخْرَاجِهِ وَالْمَرَادُ مِنْهُ ذِكْرُ تَرْتِيبِ هَذِهِ السُّوَرِ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ كَالْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ، وَقَوْلُهُ:"مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ" أَيْ: مِنْ قَدِيمِ مَا نَزَلَ، وَقَوْلُهُ:"وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي" أَيْ: مِنْ قَدِيمِ مَا قَنِيتُ وَحَفِظْتُ. وَالتَّالِدُ فِي لُغَتِهِمْ: قَدِيمُ الْمَالِ وَالْمَتَاعِ، وَالطَّارِفُ حَدِيثُهُ وَجَدِيدُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ: سَمِعَ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: تَعَلَّمْتُ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى} قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (4) . وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ قِطْعَةٌ مِنْ حَدِيثِ الْهِجْرَةِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى} مَكِّيَّةٌ نَزَلَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا عبْدَان، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَقَدْ عَلِمْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي (5) كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأهن اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ وَدَخَلَ مَعَهُ عَلْقَمَةُ، وَخَرَجَ عَلْقَمَةُ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: عِشْرُونَ سُورَةً مِنْ أَوَّلِ الْمُفَصَّلِ عَلَى تَأْلِيفِ ابْنِ مَسْعُودٍ، آخِرُهُنَّ مِنَ الْحَوَامِيمِ حم الدخان وعم يَتَسَاءَلُونَ.
وَهَذَا التَّأْلِيفُ الَّذِي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِتَأْلِيفِ عُثْمَانَ، رضي الله عنه، فَإِنَّ الْمُفَصَّلَ فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ، رضي الله عنه، مِنْ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ إِلَى آخِرِهِ وَسُورَةِ الدُّخَانِ، لَا تَدْخُلُ فِيهِ بِوَجْهٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الله ابن أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ عَنْ جَدِّهِ أَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنْتُ فِي الْوَفْدِ الَّذِينَ أَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْمُرُ مَعَهُمْ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَمَكَثَ عَنَّا لَيْلَةً لَمْ يَأْتِنَا، حَتَّى طَالَ ذَلِكَ عَلَيْنَا بَعْدَ الْعِشَاءِ. قَالَ: قُلْنَا: مَا أَمْكَثَكَ عَنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "طَرَأَ عَلَيَّ حِزْبٌ مِنَ الْقُرْآنِ، فَأَرَدْتُ أَلَّا أَخْرُجَ حَتَّى أَقْضِيَهُ ". قَالَ: فَسَأَلْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَصْبَحْنَا، قَالَ: قُلْنَا: كَيْفَ تحزبون القرآن؟
(1) في ط، جـ:"بعد".
(2)
في جـ: "مقلوبا".
(3)
صحيح البخاري برقم (4994) .
(4)
صحيح البخاري برقم (4995) .
(5)
في ط: "الذي".
قَالُوا: نُحَزِّبُهُ ثَلَاثَ سُوَرٍ، وَخَمْسَ سُوَرٍ، وَسَبْعَ سُوَرٍ، وَتِسْعَ سُوَرٍ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ سُورَةً، وَثَلَاثَ عَشْرَةَ سُورَةً، وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ مِنْ قَافٍ حَتَّى يُخْتَمَ (1) .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يعلى الطائفي به (2) وهذا إسناد حسن.
(1) المسند (4/ 9) .
(2)
سنن أبي داود برقم (1393) وسنن ابن ماجة برقم (1345) .
فَصْلٌ
فَأَمَّا نَقْطُ الْمُصْحَفِ وَشَكْلُهُ، فَيُقَالُ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ أَمَرَ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، فَتَصَدَّى لِذَلِكَ الْحَجَّاجُ وَهُوَ بِوَاسِطٍ، فَأَمَرَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ وَيَحْيَى بْنَ يَعْمُرَ فَفَعَلَا ذَلِكَ، وَيُقَالُ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ نَقَطَ الْمُصْحَفَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ مُصْحَفٌ قَدْ نَقَطَهُ لَهُ يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ (1) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا كِتَابَةُ الْأَعْشَارِ عَلَى الْحَوَاشِي فَيُنْسَبُ إِلَى الْحَجَّاجِ أَيْضًا، وَقِيلَ: بَلْ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ الْمَأْمُونُ، وَحَكَى أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَ التَّعْشِيرَ فِي الْمُصْحَفِ، وَكَانَ يَحُكُّهُ (2) وَكَرِهَ مُجَاهِدٌ ذَلِكَ أَيْضًا.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِهِ بِالْحِبْرِ، فَأَمَّا بِالْأَلْوَانِ الْمُصَبَّغَةِ فَلَا. وَأَكْرَهُ تَعْدَادَ آيِ السُّوَرِ فِي أَوَّلِهَا فِي الْمَصَاحِفِ الْأُمَّهَاتِ، فَأَمَّا مَا يَتَعَلَّمُ فِيهِ الْغِلْمَانُ فَلَا أَرَى بِهِ بأسا.
وقال قتادة: بدؤوا فَنَقَطُوا، ثُمَّ خَمَّسُوا، ثُمَّ عَشَّرُوا. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: أَوَّلَ مَا أَحْدَثُوا النَّقْطَ عَلَى الْبَاءِ وَالتَّاءِ وَالثَّاءِ، وَقَالُوا: لَا بَأْسَ بِهِ، هُوَ نُورٌ لَهُ، أَحْدَثُوا نُقَطًا عِنْدَ آخِرِ الْآيِ، ثُمَّ أَحْدَثُوا الْفَوَاتِحَ وَالْخَوَاتِمَ.
وَرَأَى إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فَاتِحَةَ سُورَةِ كَذَا، فَأَمَرَ بِمَحْوِهَا وَقَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا تَخْلِطُوا بِكِتَابِ اللَّهِ مَا لَيْسَ فِيهِ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: ثُمَّ قَدْ أَطْبَقَ الْمُسْلِمُونَ فِي ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْآفَاقِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ فِي الْأُمَّهَاتِ وَغَيْرِهَا.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ، رحمه الله: كَانَ جِبْرِيلُ يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
قَالَ مَسْرُوقٌ عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ، رضي الله عنها، أَسَرَّ إِلَيَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ وَأَنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَلَا أُرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجَلِي. هَكَذَا ذَكَرَهُ مُعَلَّقًا وَقَدْ أَسْنَدَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (3) .
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ الله،
(1) رواه ابن أبي داود في المصاحف (ص 160) .
(2)
رواه أبو عبيد في فضائل القرآن (ص 240) .
(3)
صحيح البخاري (9/ 43)"فتح".
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَأَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ "، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1) وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ الصَّحِيحِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْحِكَمِ وَالْفَوَائِدِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:" كَانَ يُعْرَضُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنُ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَعُرِضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، وَكَانَ يَعْتَكِفُ كُلَّ عَامٍ عَشْرًا فَاعْتَكَفَ عِشْرِينَ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ ".
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ -وَهُوَ ابْنُ عَيَّاشٍ -عَنْ أَبِي حُصِينٍ، وَاسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمٍ، بِهِ (2) . وَالْمُرَادُ مِنْ مُعَارَضَتِهِ لَهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ: مُقَابَلَتُهُ عَلَى مَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، لِيُبْقِيَ مَا بَقِيَ، وَيُذْهِبَ مَا نُسِخَ تَوْكِيدًا، أَوِ اسْتِثْبَاتًا وَحِفْظًا؛ وَلِهَذَا عَرَضَهُ فِي السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ عُمْرِهِ، عليه السلام، عَلَى جِبْرِيلَ مَرَّتَيْنِ، وَعَارَضَهُ بِهِ جِبْرِيلُ كَذَلِكَ؛ وَلِهَذَا فَهِمَ، عليه السلام، اقْتِرَابَ أَجَلِهِ، وَعُثْمَانُ، رضي الله عنه، جَمَعَ الْمُصْحَفَ الْإِمَامَ عَلَى الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ، وَخُصَّ بِذَلِكَ رَمَضَانُ مِنْ بَيْنِ الشُّهُورِ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِيحَاءِ كَانَ فِيهِ؛ وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ دِرَاسَةُ الْقُرْآنِ وَتَكْرَارُهُ فِيهِ، وَمِنْ ثَمَّ اجْتِهَادُ الْأَئِمَّةِ فِيهِ فِي تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، كَمَا تَقَدَّمَ ذكرنا لذلك.
(1) صحيح البخاري برقم (4997) وصحيح مسلم برقم (2308) .
(2)
صحيح البخاري برقم (4998) وسنن أبي داود برقم (2466) وسنن النسائي الكبرى برقم (7992) وسنن ابن ماجة برقم (1769) .
الْقُرَّاءُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ: ذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: لَا أَزَالُ أُحِبُّهُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:" خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَالِمٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ "، رضي الله عنهم (1) .
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ بِهِ (2) .
وَأَخْرَجَاهُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ -أَيْضًا-مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وائلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ بِهِ (3) . فَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ اثْنَانِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَقَدْ كَانَ سَالِمٌ هَذَا مِنْ سَادَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ يَؤُمُّ النَّاسَ قَبْلَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَدِينَةِ، وَاثْنَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَهُمَا سَيِّدَانِ كَبِيرَانِ، رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: خَطَبَنَا
(1) صحيح البخاري برقم (4999) .
(2)
صحيح البخاري برقم (3806، 3758) وصحيح مسلم برقم (2464) وسنن النسائي الكبرى برقم (7996) .
(3)
صحيح البخاري برقم (3760) وصحيح مسلم برقم (2464) وسنن الترمذي برقم (3810) وسنن النسائي الكبرى برقم (7997) .
عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنِّي مِنْ أَعْلَمِهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَمَا أَنَا بِخَيْرِهِمْ. قَالَ شَقِيقٌ: فَجَلَسْتُ فِي الْحِلَقِ أَسْمَعُ مَا يَقُولُونَ، فَمَا سَمِعْتُ رَادًّا يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ (1) .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كُنَّا بِحِمْصَ، فَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ سُورَةَ يُوسُفَ فَقَالَ رَجُلٌ: مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ، فَقَالَ: قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَحْسَنْتَ" وَوَجَدَ مِنْهُ رِيحَ الْخَمْرِ، فَقَالَ: أَتَجْتَرِئُ أَنْ تُكَذِّبَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَتَشْرَبَ الْخَمْرَ؟! فَجَلَدَهُ الْحَدَّ (2) .
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا أُنْزِلَتْ (3) سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ نَزَلَتْ، وَلَا أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ فِيمَنْ نَزَلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي تَبْلُغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ (4) .
وَهَذَا كُلُّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ، وَهُوَ مِنْ إِخْبَارِ الرَّجُلِ بِمَا يَعْلَمُ عَنْ نَفْسِهِ مَا قَدْ يَجْهَلُهُ غَيْرُهُ، فَيَجُوزُ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ يُوسُفَ لَمَّا قَالَ لِصَاحِبِ مِصْرَ:{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يُوسُفَ: 55]، وَيَكْفِيهِ مَدْحًا وَثَنَاءً قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ"، فَبَدَأَ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى حَرْفِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ "(5) . وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ مُطَوَّلًا وَفِيهِ قِصَّةٌ (6) وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَصَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ (7) وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي مُسْنَدِ عُمَرَ (8) وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ -أَيْضًا-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:" ومن أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ "(9) وَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَكَانَ يُعْرَفُ بِذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ: أبيّ بن كعب، ومعاذ بن
(1) صحيح البخاري برقم (5000) .
(2)
صحيح البخاري برقم (5001) .
(3)
في جـ: "ما نزلت".
(4)
صحيح البخاري برقم (5002) .
(5)
فضائل القرآن (ص 225) .
(6)
المسند (1/ 25، 26) .
(7)
سنن الترمذي برقم (169) وسنن النسائي الكبرى برقم (8256) .
(8)
مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه للمؤلف (ص 171- 173) وقال: "وهذا الحديث لا يشك أنه محفوظ، وهذا الاضطراب لا يضر صحته، والله أعلم".
(9)
المسند (2/ 446) .
جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ (1) .
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: تَابَعَهُ الْفَضْلُ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ (2) .
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ وَثُمَامَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ: أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ. قَالَ: وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ (3) .
فَهَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ مِنَ الصَّحَابَةِ سِوَى هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ فَقَطْ، وَلَيْسَ هَذَا هَكَذَا، بَلِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ جَمَعَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَيْضًا، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ: لَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ مِنَ الْأَنْصَارِ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَ الْأَرْبَعَةَ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَفِي الثَّانِيَةِ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ: أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، وَكُلُّهُمْ مَشْهُورُونَ إِلَّا أَبَا زَيْدٍ هَذَا، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: اسْمُهُ قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ زَعْوَاءَ بْنِ حَرَامِ بْنِ جُنْدَبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ (4) .
وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيَّةَ مِنَ الْأَوْسِ. وَقِيلَ: هُمَا اثْنَانِ جَمَعَا الْقُرْآنَ، حَكَاهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهَذَا بَعِيدٌ وَقَوْلُ الْوَاقِدِيِّ أَصَحُّ لِأَنَّهُ خَزْرَجِيٌّ؛ لِأَنَّ أَنَسًا قَالَ: وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ، وَهُمْ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ (5) وَكَانَ أَحَدَ عُمُومَتِي. وَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ: افْتَخَرَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، فَقَالَتِ الْأَوْسُ: مِنَّا غَسِيلُ الْمَلَائِكَةِ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ، وَمِنَّا الَّذِي حَمَتْهُ الدبُرُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمِنَّا الَّذِي اهْتَزَّ لِمَوْتِهِ الْعَرْشُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَمِنَّا مَنْ أُجِيزَتْ شَهَادَتُهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ.
فَقَالَتِ الْخَزْرَجُ: مِنَّا أَرْبَعَةٌ جَمَعُوا الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ.
فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ الْوَاقِدِيِّ، وَقَدْ شَهِدَ أَبُو زَيْدٍ هَذَا بَدْرًا، فِيمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ: قُتِلَ أَبُو زَيْدٍ قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ يَوْمَ جِسْرِ (6) أَبِي عُبَيْدَةَ عَلَى رَأْسِ خَمْسَ عَشْرَةَ (7) مِنَ الْهِجْرَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ (8) مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ أَنَّ الصِّدِّيقَ، رضي الله عنه، قَدَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ (9) إِمَامًا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، مَعَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ "(10) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ لَمَا قدّمه عليهم. هذا مضمون ما قرره
(1) صحيح البخاري برقم (5003) وصحيح مسلم برقم (2465) .
(2)
في جـ: "أنس بن مالك".
(3)
صحيح البخاري برقم (5004) .
(4)
انظر: الإصابة (3/ 240) .
(5)
في ط: "الألفاظ".
(6)
في ط: "خيبر".
(7)
في ط: "عشرة سنة".
(8)
في ط: "أنه".
(9)
في جـ، ط:"زمنه".
(10)
رواه مسلم في صحيحه برقم (672) من حديث أبي مسعود الأنصاري.
الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَشْعَرِيُّ، وهذا التقرير لا يُدفع ولاشك (1) فِيهِ، وَقَدْ جَمَعَ الْحَافِظُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي ذَلِكَ جُزْءًا، وَقَدْ بَسَطْتُ تَقْرِيرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ مُسْنَدُ الشَّيْخَيْنِ، رضي الله عنهما. وَمِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَقَدْ قَرَأَهُ فِي رَكْعَةٍ -كَمَا سَنَذْكُرُهُ-وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يُقَالُ: إِنَّهُ جَمَعَهُ عَلَى تَرْتِيبِ مَا أُنْزِلَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا. وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا مِنْ آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أَيْنَ نَزَلَتْ (2) ؟ وَفِيمَ نَزَلَتْ؟ وَلَوْ عَلِمْتُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ تَبْلُغُهُ الْمَطِيُّ لَذَهَبْتُ إِلَيْهِ. وَمِنْهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، كَانَ مِنَ السَّادَاتِ النُّجَبَاءِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَتْقِيَاءِ وَقَدْ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا. وَمِنْهُمُ الْحَبْرُ الْبَحْرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ (3) صلى الله عليه وسلم وَتُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مَرَّتَيْنِ، أَقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ وَأَسْأَلُهُ عَنْهَا. وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكة، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَكِيمِ بْنِ صَفْوَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَمَعْتُ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُ بِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"اقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ". وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ (4) .
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: عليٌّ أَقْضَانَا، وأُبيّ أَقْرَأُنَا، وَإِنَّا لَنَدع مِنْ لحنِ أُبيٍّ، وأُبيّ يَقُولُ: أَخَذْتُهُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَا أَتْرُكُهُ لِشَيْءٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [الْبَقَرَةِ: 106](5) .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ الْكَبِيرَ قَدْ يَقُولُ الشَّيْءَ يَظُنُّهُ صَوَابًا وَهُوَ خَطَأٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُرَدُّ إِلَّا قَوْلَ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ، أَيْ: فَكُلُّهُ مَقْبُولٌ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فَضْلَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهَا، وَسَنَذْكُرُ فَضْلَ كُلِّ سُورَةٍ عِنْدَهَا ليكون ذلك أنسب. ثم قال:
(1) في ط: "ولا يشك".
(2)
في طـ: "أنزلت".
(3)
في ط: "الرسول".
(4)
سنن النسائي الكبرى برقم (64 80) وسنن ابن ماجة برقم (1346) .
(5)
صحيح البخاري برقم (5005) .
نُزُولُ السَّكِينَةِ وَالْمَلَائِكَةِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ الْحُضَيْرِ قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَفَرَسُهُ مَرْبُوطَةٌ عِنْدَهُ، إِذْ جَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ، ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتْ (1) فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ، ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَانْصَرَفَ، وَكَانَ ابْنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا، فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ، فَلَمَّا اجْتَرَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَرَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فقال:" اقرأ يا بن حضير، اقرأ يا بن حُضَيْرٍ". قَالَ: فَأَشْفَقْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّة، فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ، فَخَرَجْتُ حَتَّى لا أراها قال:"أو تدري (2) مَا ذَاكَ؟ ". قَالَ: لَا قَالَ: "الْمَلَائِكَةُ دَنَتْ لصوتك، ولو قرأت لأصبحت
(1) في جـ، ط:"فجالت الفرس".
(2)
في ط: "وتدري".
يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لَا تَتَوَارَى مِنْهُمْ ". قَالَ ابْنُ الْهَادِ: وَحَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أسيد بن الحضير (1) .
هَكَذَا أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مُعَلَّقًا، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيَّ الْمَدَنِيَّ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ لَمْ يُدْرِكْ أُسَيْدًا لِأَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ عِشْرِينَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رضي الله عنهما. ثُمَّ فِيهِ غَرَابَةٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ قَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ وَلَمْ أَرَهُ بِسَنَدٍ مُتَّصِلٍ عَنِ اللَّيْثِ بِذَلِكَ، إِلَّا مَا ذَكَرُهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ رَوَاهُ عَنِ اللَّيْثِ كَذَلِكَ (2) .
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن صالح ويحيى بن بُكيْر، عن اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ، ثُمَّ قَالَ:[قَالَ](3) ابْنُ الْهَادِ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ بِهَذَا (4) .
وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ [عَبْدِ](5) الْحَكَمِ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ مَنْصُورٍ، كِلَاهُمَا عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عن أبي سعيد، عَنْ أُسَيْدٍ، بِهِ (6) . وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ كَذَلِكَ أَيْضًا، فَجَمَعَ بَيْنَ الْإِسْنَادَيْنِ. وَرَوَاهُ فِي الْمَنَاقِبِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الرِّبَاطِيِّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ بَيْنَمَا هُوَ لَيْلَةً يَقْرَأُ فِي مِرْبَدِهِ، الْحَدِيثَ. وَلَمْ يَقُلْ: عَنْ أُسَيْدٍ، وَلَكِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ عَنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (7) .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ: أَنَّهُ كَانَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِهِ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَسَنُ الصَّوْتِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ نَحْوَهُ (8)
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَمَا أَنَا أَقْرَأُ الْبَارِحَةَ بِسُورَةٍ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى آخِرِهَا سمعت
(1) صحيح البخاري برقم (5018) .
(2)
انظر: تحفة الأشراف للمزي (1/ 72) .
(3)
زيادة من ط.
(4)
فضائل القرآن (ص 26) .
(5)
زيادة من ط.
(6)
سنن النسائي الكبرى برقم (8074) .
(7)
سنن النسائي الكبرى برقم (8244) .
(8)
فضائل القرآن (ص 27) .
وَجْبَةً مِنْ خَلْفِي، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ فَرَسِي تُطْلَقُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"اقْرَأْ أَبَا عَتِيكٍ"[مَرَّتَيْنِ](1) قَالَ: فَالْتَفَتُّ إِلَى أَمْثَالِ الْمَصَابِيحِ مِلْءَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"اقْرَأْ أَبَا عَتِيكٍ". فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَمْضِيَ فَقَالَ: "تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ نَزَلَتْ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ مَضَيْتَ لَرَأَيْتَ الْأَعَاجِيبَ" " (2) .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعَ الْبَرَاءَ يَقُولُ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ لَيْلَةً إِذْ رَأَى دَابَّتَهُ تَرْكُضُ، أَوْ قَالَ: فَرَسَهُ يَرْكُضُ، فَنَظَرَ فَإِذَا مِثْلُ الضَّبَابَةِ أَوْ مِثْلُ الْغَمَامَةِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:" تِلْكَ السَّكِينَةُ نَزَلَتْ لِلْقُرْآنِ، أَوْ تَنَزَّلَتْ عَلَى الْقُرْآنِ "(3) . وَقَدْ أَخْرَجَهُ صَاحِبَا الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ (4) . وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ أُسَيْدُ بْنُ الحضير، رضي الله عنه، فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِصِنَاعَةِ الْإِسْنَادِ، وَهَذَا مِنْ أَغْرَبِ تَعْلِيقَاتِ الْبُخَارِيِّ، رحمه الله، ثُمَّ سِيَاقٌ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ عَلَيْهِ مِنْ نُزُولِ السَّكِينَةِ وَالْمَلَائِكَةِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ.
وَقَدِ اتَّفَقَ نَحْوُ هَذَا الَّذِي وَقَعَ لِأُسَيْدِ بْنِ الْحُضَيْرِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ عَمِّهِ جَرِيرِ بْنِ زَيْدٍ (5) أَنَّ أَشْيَاخَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَدَّثُوهُ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قِيلَ لَهُ: أَلَمْ تَرَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ لَمْ تَزَلْ دَارُهُ الْبَارِحَةَ تُزْهِرُ مَصَابِيحَ؟ قَالَ: "فَلَعَلَّهُ قَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ". قَالَ: فَسُئِلَ ثَابِتٌ فَقَالَ: قَرَأْتُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ (6) .
وَفِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ الصَّحِيحِ: " مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وحَفَّتْهم الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (7) .
وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الْإِسْرَاءِ: 78]، وَجَاءَ فِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَشْهَدُهُ. وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ:" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، فَيَعْرُجُ إِلَيْهِ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: أَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وتركناهم وهم يصلون " (8) .
(1) زيادة من ط.
(2)
فضائل القرآن (ص227) .
(3)
مسند الطيالسي برقم (714) .
(4)
صحيح البخاري برقم (3614) وصحيح مسلم برقم (795) .
(5)
في ط، م:"يزيد".
(6)
فضائل القرآن (ص 27) .
(7)
صحيح مسلم برقم (2699) .
(8)
صحيح البخاري برقم (555) وصحيح مسلم برقم (632) .
مَنْ قَالَ: لَمْ يَتْرُكِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ شَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ: أَتَرَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ. قَالَ: وَدَخَلْنَا عَلَى محمد بن الْحَنَفِيَّةِ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ.
تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ (1) وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ، عليه السلام، مَا تَرَكَ مَالًا وَلَا شَيْئًا يُورَثُ عَنْهُ، كَمَا قَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَخُو جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً وَلَا شَيْئًا (2) . وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ: " إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ "(3) . وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَإِنَّمَا تَرَكَ مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَالسُّنَّةُ مُفَسِّرَةٌ لَهُ وَمُبَيِّنَةٌ وَمُوَضِّحَةٌ لَهُ، فَهِيَ تَابِعَةٌ لَهُ، وَالْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} الْآيَةَ [فَاطِرٍ: 32] ، فَالْأَنْبِيَاءُ، عليهم السلام، لَمْ يُخْلَقُوا لِلدُّنْيَا يَجْمَعُونَهَا وَيُوَرِّثُونَهَا، إِنَّمَا خُلِقُوا لِلْآخِرَةِ يَدْعُونَ إِلَيْهَا وَيُرَغِّبُونَ فِيهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ "(4) وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ هَذِهِ الْمَحَاسِنَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، رضي الله عنه، لَمَّا سُئِلَ عَنْ مِيرَاثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَ عَنْهُ بِذَلِكَ، وَوَافَقَهُ عَلَى نَقْلِهِ عَنْهُ، عليه السلام، غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ؛ مِنْهُمْ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَغَيْرُهُمْ، وَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ -أَيْضًا-عَنْهُ عليه السلام؟ رضي الله عنهم أجمعين.
(1) صحيح البخاري برقم (5019) .
(2)
رواه البخاري في صحيحه برقم (2739، 4461) .
(3)
رواه أبو داود في السنن برقم (3641) وابن ماجة في السنن برقم (223) وابن حبان في صحيحه برقم (80)"موارد".
(4)
رواه البخاري في صحيحه برقم (3093) ومسلم في صحيحه برقم (1758) .
فَضْلُ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ
حَدَّثَنَا هُدْبة بْنُ خَالِدٍ أَبُو خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأتْرُجة، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ. وَالَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالتَّمْرَةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا "(1) . وَهَكَذَا رَوَاهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مَعَ بَقِيَّةِ الْجَمَاعَةِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ (2) .
وَوَجْهُ مُنَاسَبَةِ الْبَابِ لِهَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ طِيبَ الرَّائِحَةِ دَارَ مَعَ الْقُرْآنِ وُجُودًا وَعَدَمًا، فَدَلَّ عَلَى شَرَفِهِ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنَ الْكَلَامِ الصَّادِرِ مِنَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أجل من خلا
(1) صحيح البخاري برقم (5020) .
(2)
صحيح البخاري برقم (5059، 5427) وصحيح مسلم برقم (797) وسنن أبي داود برقم (4830) وسنن الترمذي برقم (2865) وسنن النسائي (8/ 124، 125) وسنن ابن ماجة برقم (214) .
مِنَ الْأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَمَغْرِبِ الشَّمْسِ، وَمَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى الْعَصْرِ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى، ثُمَّ أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ مِنَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ بِقِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، قَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً! قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ شِئْتُ " (1) .
تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ: أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ مَعَ قِصَرِ مُدَّتِهَا فضلَتْ الْأُمَمَ الْمَاضِيَةَ مَعَ طُولِ مُدَّتِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آلِ عِمْرَانَ: 110] .
وَفِي الْمُسْنَدِ وَالسُّنَنِ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ "(2) . وَإِنَّمَا فَازُوا بِهَذَا بِبَرَكَةِ الْكِتَابِ الْعَظِيمِ الَّذِي شَرَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى كُلِّ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ، جَعَلَهُ مُهَيْمِنًا عَلَيْهِ، وَنَاسِخًا لَهُ، وَخَاتَمًا لَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ نَزَلَتْ إِلَى الْأَرْضِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَهَذَا الْقُرْآنُ نَزَلَ مُنَجَّمًا بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ لِشِدَّةِ الِاعْتِنَاءِ بِهِ وَبِمَنْ أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ، فَكُلُّ مَرَّةٍ كَنُزُولِ كِتَابٍ مِنَ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَعْظَمُ الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَالْيَهُودُ اسْتَعْمَلَهُمُ اللَّهُ مِنْ لَدُنْ مُوسَى إِلَى زَمَانِ عِيسَى، وَالنَّصَارَى مِنَ ثَمَّ إِلَى أَنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ اسْتَعْمَلَ أُمَّتَهُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَهُوَ الْمُشَبَّهُ بِآخِرِ النَّهَارِ، وَأَعْطَى اللَّهُ الْمُتَقَدِّمِينَ قِيرَاطًا قِيرَاطًا، وَأَعْطَى هَؤُلَاءِ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، ضِعْفَيْ مَا أَعْطَى أُولَئِكَ، فَقَالُوا: أَيْ رَبَّنَا، مَا لَنَا أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ أَجْرًا؟ فَقَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أَيِ: الزَّائِدُ عَلَى مَا أَعْطَيْتُكُمْ أُؤْتِيهِ من أشاء كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 28، 29] .
(1) صحيح البخاري برقم (5021) .
(2)
المسند (5/ 3) وسنن الترمذي برقم (3001) وسنن ابن ماجة برقم (4287، 4288) وقال الترمذي: "حديث حسن".
الْوَصَايَا بِكِتَابِ اللَّهِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْول، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّف قَالَ:" سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى: أَوْصَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: لَا. فَقُلْتُ: كَيْفَ كُتِبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةُ، أُمِرُوا بِهَا وَلَمْ يُوصِ؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ، عز وجل "(1) .
وَقَدْ رَوَاهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مَعَ بَقِيَّةِ الْجَمَاعَةِ، إِلَّا أَبَا دَاوُدَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ بِهِ (2) وَهَذَا نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ "، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْوَصِيَّةُ فِي أَمْوَالِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ} [الْبَقَرَةِ: 180] . وَأَمَّا هُوَ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا يُورَثُ عَنْهُ، وإنما ترك ماله صدقة جارية من
(1) صحيح البخاري برقم (5022) .
(2)
صحيح البخاري برقم (2740،4460) وصحيح مسلم برقم (1634) وسنن الترمذي برقم (2119) وسنن النسائي (6/ 0 24) وسنن ابن ماجة برقم (2696) .
بَعْدِهِ، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى وَصِيَّةٍ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يوصِ إِلَى خَلِيفَةٍ يَكُونُ بَعْدَهُ عَلَى التَّنْصِيصِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ كَانَ ظَاهِرًا مِنْ إِشَارَتِهِ وإيمائه إلى الصديق؛ ولهذا لما هَمَّ بِالْوَصِيَّةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ:"يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ "(1) وَكَانَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَوْصَى النَّاسَ بِاتِّبَاعِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:
{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [الْعَنْكَبُوتِ: 51] .
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ لِشَيْءٍ، مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ "، وَقَالَ صَاحِبٌ لَهُ: يُرِيدُ يَجْهَرُ بِهِ فَرُدَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ (2) . قَالَ سُفْيَانُ: تَفْسِيرُهُ: يَسْتَغْنِيَ بِهِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ (3) وَمَعْنَاهُ: أَنَّ اللَّهَ مَا اسْتَمَعَ لِشَيْءٍ كَاسْتِمَاعِهِ لِقِرَاءَةِ نَبِيٍّ يَجْهَرُ بِقِرَاءَتِهِ وَيُحَسِّنُهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي قِرَاءَةِ الْأَنْبِيَاءِ طِيبُ الصَّوْتِ لِكَمَالِ خَلْقِهِمْ وَتَمَامِ الْخَشْيَةِ، وَذَلِكَ هُوَ الْغَايَةُ فِي ذَلِكَ.
وَهُوَ، سبحانه وتعالى، يَسْمَعُ أَصْوَاتَ الْعِبَادِ كُلِّهِمْ بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ، كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ، رضي الله عنها: سُبْحَانَ اللَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ (4) . وَلَكِنَّ اسْتِمَاعَهُ لِقِرَاءَةِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَعْظَمُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} الْآيَةَ [يُونُسَ: 61] ، ثُمَّ اسْتِمَاعُهُ لِقِرَاءَةِ أَنْبِيَائِهِ أَبْلَغُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ الْعَظِيمُ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَ الْأَذْنَ هَاهُنَا بِالْأَمْرِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ:"مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ" أَيْ: يَجْهَرَ بِهِ، وَالْأَذْنُ: الِاسْتِمَاعُ؛ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى:{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الأرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الِانْشِقَاقِ: 1-5] أَيْ: وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَسْتَمِعَ أَمْرَهُ وَتُطِيعَهُ، فَالْأَذْنُ هُوَ الِاسْتِمَاعُ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَلَّهُ أَشَدُّ أَذَنًا إِلَى الرَّجُلِ (5) الْحَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ [يَجْهَرُ بِهِ] (6) مِنْ صَاحِبِ الْقَيْنَةِ إِلَى قَيْنَتِهِ "(7) .
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالتَّغَنِّي: يَسْتَغْنِي بِهِ، فَإِنْ أَرَادَ: أَنَّهُ يَسْتَغْنِي عَنِ الدُّنْيَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ الَّذِي تَابَعَهُ عَلَيْهِ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ وَغَيْرُهُ، فَخِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ مُرَادِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَسَّرَهُ بَعْضُ رُوَاتِهِ بِالْجَهْرِ، وَهُوَ تحسين القراءة والتحزين بها (8) .
(1) رواه البخاري في صحيحه برقم (7217) ومسلم في صحيحه برقم (2387) من حديث عائشة، رضي الله عنها.
(2)
صحيح البخاري برقم (5023، 5024) .
(3)
صحيح مسلم برقم (792) وسنن النسائي (2/ 180) .
(4)
رواه النسائي في السنن (6/ 168) ورواه البخاري في صحيحه برقم (7385) معلقا.
(5)
في ط، جـ:"أذنا الرجل".
(6)
زيادة من ابن ماجة.
(7)
سنن ابن ماجة برقم (1340) .
(8)
نقل الحافظ ابن حجر في الفتح (9/ 70) عن ابن الجوزي أربعة أقوال في معنى يتغنى: تحسين الصوت، الاستغناء، التحزن كما قال الشافعي، التشاغل به. قال: وحكى ابن الأنباري قولا خامسا وهو التلذذ والاستحلاء.
قَالَ حَرْمَلَةُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: مَعْنَاهُ: يَسْتَغْنِي بِهِ، فَقَالَ لِيَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ هُوَ هَكَذَا، وَلَوْ كَانَ هَكَذَا لَكَانَ يَتَغَانَى بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ يَتَحَزَّنُ وَيَتَرَنَّمُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ حَرْمَلَةُ: وَسَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُولُ: يَتَرَنَّمُ بِهِ، وَهَكَذَا نَقَلَ الْمُزَنِيُّ وَالرَّبِيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ، رحمه الله.
وَعَلَى هَذَا فَتَصْدِيرُ الْبُخَارِيِّ الْبَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الْعَنْكَبُوتِ: 51] ، فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ ذُكِرَتْ رَدًّا عَلَى الَّذِينَ سَأَلُوا عَنْ آيَاتٍ تَدُلَّ عَلَى صِدْقِهِ، حَيْثُ قَالَ:{وَقَالُوا لَوْلا أُنزلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} الْآيَةَ [الْعَنْكَبُوتِ: 50، 51] . وَمَعْنَى ذَلِكَ: أو لم يَكْفِهِمْ آيَةٌ دَالَّةٌ عَلَى صِدْقِكَ إِنْزَالُنَا الْقُرْآنَ عَلَيْكَ وَأَنْتَ رَجُلٌ أُمِّيٌّ {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [الْعَنْكَبُوتِ: 48] أَيْ: وَقَدْ جِئْتَ فِيهِ بِخَبَرِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فَأَيْنَ هَذَا مِنَ التَّغَنِّي بِالْقُرْآنِ وَهُوَ تَحْسِينُ الصَّوْتِ بِهِ أَوْ الِاسْتِغْنَاءُ بِهِ عَمَّا عَدَاهُ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا، فَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، تَصْدِيرُ الْبَابِ بِهَذِهِ الْآيَةِ الكريمة فيه نظر (1) .
(1) قال الحافظ ابن حجر في الفتح (9/ 68) : "أشار بهذه الآية إلى ترجيح تفسير ابن عيينة: يتغنى: يستغني كما سيأتي في هذا الباب عنه، وأخرجه أبو داود عن ابن عيينة ووكيع جميعًا، وقد بين إسحاق بن راهويه عن ابن عيينة أنه استغناء خاص، وكذا قال أحمد عن وكيع: يستغني به عن أخبار الأمم الماضية، وقد أخرج الطبري وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ قال: جاء ناس من المسلمين بكتب وقد كتبوا فيها بعض ما سمعوه من الْيَهُودُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "كفى بقوم ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم" فنزل: (أو لم يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ) . وقد خفى وجه مناسبة تلاوة هذه الآية على كثير من الناس كابن كثير، فنفى أن يكون لذكرها وجه، على أن ابن بطال مع تقدمه قد أشار إلى المناسبة فقال: قال أهل التأويل في هذه الآية، فذكر أثر يحيى بن جعدة مختصرًا قال: فالمراد بالآية: الاستغناء عن أخبار الأمم الماضية، وليس المراد الاستغناء الذي هو ضد الفقر، قال: وإتباع البخاري الترجمة بالآية يدل على أنه يذهب إلى ذلك. وقال ابن التين: يفهم من الترجمة: أن المراد بالتغني الاستغناء؛ لكونه أتبعه الآية التي تضمن الإنكار على من لم يستغن بالقرآن على غيره، فحمله على الاكتفاء به وعدم الافتقار إلى غيره، وحمله على ضد الفقر من جملة ذلك".
فَصْلٌ
فِي إِيرَادِ أَحَادِيثَ فِي مَعْنَى الْبَابِ وَذِكْرِ
أَحْكَامِ التِّلَاوَةِ بِالْأَصْوَاتِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ قَبَاثِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا وَنَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ نَتَدَارَسُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ:" تَعَلَّمُوا كِتَابَ اللَّهِ وَاقْتَنُوهُ ". قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: "وَتَغَنَّوْا بِهِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْمَخَاضِ مِنَ الْعُقُلِ"(1) .
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مثل ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:"وَاقْتَنُوهُ وَتَغَنَّوْا بِهِ"(2) وَلَمْ يَشُكَّ، وَهَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ فِي فضائل
(1) فضائل القرآن (ص 29) .
(2)
فضائل القرآن (ص 29) .
الْقُرْآنِ، مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ بِهِ (1) وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ قَبَاثِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ عُقْبَةَ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ: خَرَجَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى السَّلَامِ عَلَى الْقَارِئِ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ الْمُهَاصِرِ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ، لَا تَوَسَّدُوا الْقُرْآنَ، وَاتْلُوهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَتَغَنُّوهُ وَاقْتَنُوهُ، وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"(2) وَهَذَا مُرْسَلٌ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: "تَغَنُّوهُ": يَعْنِي: اجْعَلُوهُ غَنَاءَكُمْ مِنَ الْفَقْرِ، وَلَا تَعُدُّوا الْإِقْلَالَ مِنْهُ فَقْرًا. وَقَوْلُهُ:"وَاقْتَنُوهُ"، يَقُولُ: اقْتَنُوهُ، كَمَا تَقْتَنُونَ الْأَمْوَالَ: اجْعَلُوهُ مَالَكُمْ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى بن حمزة، عن الأوزاعي، حدثني إسماعيل ابن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" لَلَّهُ أَشَدُّ أَذَنًا إِلَى الرَّجُلِ الْحَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ مِنْ صَاحِبِ الْقَيْنَةِ إِلَى قَيْنَتِهِ"(3) .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَذَا الْحَدِيثُ بَعْضُهُمْ يَزِيدُ فِي إِسْنَادِهِ يَقُولُ: عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مَوْلَى فَضَالَةَ عَنْ فَضَالَةَ، وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مَيْسَرَةَ مَوْلَى فَضَالَةَ عَنْ فَضَالَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"لَلَّهُ أَشَدُّ أَذَنًا إِلَى الرَّجُلِ الْحَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ [يَجْهَرُ بِهِ] (4) مِنْ صَاحِبِ الْقَيْنَةِ إِلَى قَيْنَتِهِ "(5) . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي: الِاسْتِمَاعَ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ " أَيْ: مَا اسْتَمَعَ.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكة، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا السَّائِبُ قال: قال لي سعد: يا بن أَخِي، هَلْ قَرَأْتَ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: غَنِّ بِهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:" غَنُّوا بِالْقُرْآنِ، لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُغَنِّ بِالْقُرْآنِ، وَابْكُوا، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَى الْبُكَاءِ فَتَبَاكَوْا "(6) .
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكة، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَهِيك، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ "(7) .
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أبي
(1) المسند (4/ 146) وسنن النسائي الكبرى برقم (8034) .
(2)
فضائل القرآن (ص 29) .
(3)
فضائل القرآن (ص 77، 78) .
(4)
زيادة من ابن ماجة.
(5)
سنن ابن ماجة برقم (1340) .
(6)
وفي إسناده محمد بن حميد الرازي وهو متروك.
(7)
سنن أبي داود برقم (1469، 1470) .
وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نَزَلَ بِحَرْفٍ، فَإِذَا قَرَأْتُمُوهُ فَابْكُوا، فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا، وَتَغَنَّوْا بِهِ، فَمَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِهِ فَلَيْسَ مِنَّا "(1) .
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيع، حَدَّثَنَا سَعِيدُ (2) بْنُ حَسَّانٍ الْمَخْزُومِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَهِيكٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ "(3) . [قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي: يَسْتَغْنِي بِهِ](4) .
وَرَوَاهُ (5) أَيْضًا عَنِ الْحَجَّاجِ وَأَبِي النَّضْرِ، كِلَاهُمَا عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَعَنْ سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ بِهِ (6) . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ كَلَامٌ طَوِيلٌ يَتَعَلَّقُ بِسَنَدِهِ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْوَرْدِ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكة، يَقُولُ: قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ: مَرَّ بِنَا أَبُو لُبَابة فاتَّبعناه حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا رَجُلٌ رَثُّ الْبَيْتِ، رَثُّ الْهَيْئَةِ، فَانْتَسَبْنَا لَهُ، فَقَالَ: تُجَّارٌ كَسَبَةٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:" سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ ". قَالَ: فَقُلْتُ لِابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَرَأَيْتَ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَسَنَ الصَّوْتِ قَالَ: يُحَسِّنْهُ مَا اسْتَطَاعَ. تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ (7) .
فَقَدْ فُهِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ السَّلَفَ، رضي الله عنهم، إِنَّمَا فَهِمُوا مِنْ التَّغَنِّي بِالْقُرْآنِ: إِنَّمَا هُوَ تَحْسِينُ الصَّوْتِ بِهِ، وَتَحْزِينُهُ، كَمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ، رحمهم الله، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ -أَيْضًا-مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجة، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ "(8) .
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ طَلْحَةَ وَهُوَ ابْنُ مُصَرِّفٍ بِهِ (9) .
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ عَنْ طَلْحَةَ (10) وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ.
وَقَدْ وَثَّقَ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْسَجَةَ هَذَا، وَنَقَلَ الْأَزْدِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَنْهُ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمْ أَرَهُمْ يَحْمَدُونَهُ (11) .
(1) سنن ابن ماجة برقم (1337) وقال البوصيري في الزوائد (1/ 434) : "هذا إسناد فيه أبو رافع واسمه إسماعيل بن رافع، ضعيف متروك".
(2)
في ط، م:"سفيان".
(3)
المسند (5/ 172) .
(4)
زيادة من جـ، ط.
(5)
في ط: "ورواه أحمد".
(6)
المسند (1/ 175، 179) .
(7)
سنن أبي داود برقم (1471) .
(8)
سنن أبي داود برقم (1468) .
(9)
سنن النسائي (2/ 179) وسنن ابن ماجة برقم (1342) .
(10)
سنن النسائي (2/ 179) .
(11)
وانظر: تهذيب الكمال للمزي (17/ 322) وابن حجر رحمه الله اختار توثيقه في التقريب.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: نَهَانِي أَيُّوبُ أَنْ أُحَدِّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ: "زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ". قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا كَرِهَ أَيُّوبُ فِيمَا نَرَى، أَنْ يَتَأَوَّلَ النَّاسُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الرُّخْصَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الألحان المبتدعة، فلهذا أنهاه أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ (1) .
قُلْتُ: ثُمَّ إِنَّ شُعْبَةَ رَوَى الْحَدِيثَ مُتَوَكِّلًا عَلَى اللَّهِ، كَمَا رُوي لَهُ، وَلَوْ تُرِكَ كُلُّ حَدِيثٍ بِتَأَوُّلٍ مُبْطِلٍ لَتُرِكَ مِنَ السُّنَّةِ شَيْءٌ كَثِيرٌ، بَلْ قَدْ تَطَرَّقُوا إِلَى تَأْوِيلِ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ وَحَمَلُوهَا عَلَى غَيْرِ مَحَامِلِهَا الشَّرْعِيَّةِ الْمُرَادَةِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
وَالْمَرَادُ مِنْ تَحْسِينِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ: تَطْرِيبُهُ وَتَحْزِينُهُ وَالتَّخَشُّعُ بِهِ، كَمَا رَوَاهُ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ بَقِيّ بْنُ مَخْلَد، حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، حَدَّثَنَا طلحة بن يحيى بن طلحة، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ قِرَاءَتَكَ الْبَارِحَةَ". قُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَمِعُ قِرَاءَتِي لَحَبَّرْتُهَا لَكَ تَحْبِيرًا. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بِهِ وَزَادَ: " لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ "(2) . وَسَيَأْتِي هَذَا فِي بَابِهِ حَيْثُ يَذْكُرُهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْغَرَضُ أَنَّ أَبَا مُوسَى قَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَسْتَمِعُ لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ تَعَاطِي ذَلِكَ وَتَكَلُّفِهِ، وَقَدْ كَانَ أَبُو مُوسَى كَمَا قَالَ، عليه السلام، قَدْ أُعْطِيَ صَوْتًا حَسَنًا كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مَعَ خَشْيَةٍ تَامَّةٍ وَرِقَّةِ أَهْلِ الْيَمَنِ الْمَوْصُوفَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا مِنَ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ إِذَا رَأَى أَبَا مُوسَى قَالَ: ذَكِّرْنَا رَبَّنَا يَا أَبَا مُوسَى، فَيَقْرَأُ عِنْدَهُ (3) .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، أُنْبِئْتُ عَنْهُ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ قَالَ: كَانَ أَبُو مُوسَى يُصَلِّي بِنَا، فَلَوْ قُلْتُ: إِنِّي لَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ صنجٍ قَطُّ، وَلَا بربطٍ قَطُّ، وَلَا شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ صَوْتِهِ (4) .
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (5) الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَابِطٍ الْجُمَحِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:" أَبْطَأْتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً بَعْدَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ جِئْتُ فَقَالَ: "أَيْنَ كُنْتِ؟ ". قُلْتُ: كُنْتُ أَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِكَ لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَ قِرَاءَتِهِ وَصَوْتِهِ مِنْ أَحَدٍ، قَالَتْ: فَقَامَ فَقُمْتُ مَعَهُ حَتَّى اسْتَمَعَ لَهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: "هَذَا سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مِثْلَ هَذَا" "(6) . إِسْنَادٌ جَيِّدٌ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ في المغرب بالطور، فما
(1) فضائل القرآن (ص 81) .
(2)
صحيح مسلم برقم (793) .
(3)
فضائل القرآن (ص 79) .
(4)
فضائل القرآن (ص 79) . وقال الحافظ ابن حجر: "سنده صحيح".
(5)
في جـ: "عثمان".
(6)
سنن ابن ماجة برقم (1338) .
سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا أَوْ قَالَ: قِرَاءَةً مِنْهُ. وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ: فَلَمَّا سَمِعْتُهُ قَرَأَ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطُّورِ: 35] ، خِلْتُ أَنَّ فُؤَادِي قَدِ انْصَدَعَ (1) . وَكَانَ جُبَيْرٌ لَمَّا سَمِعَ هَذَا بعدُ مُشْرِكًا عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، وَإِنَّمَا قَدِمَ فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى بَعْدَ بَدْرٍ، وَنَاهِيكَ بِمَنْ تُؤَثِّرُ قِرَاءَتُهُ فِي الْمُشْرِكِ الْمُصِرِّ عَلَى الْكُفْرِ! وَكَانَ هَذَا سَبَبَ هِدَايَتِهِ وَلِهَذَا كَانَ أَحْسَنُ الْقِرَاءَةِ مَا كَانَ عَنْ خُشُوعِ الْقَلْبِ، كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: أَحْسَنُ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ أَخْشَاهُمْ لِلَّهِ (2) .
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَيُّ النَّاسِ أَحْسَنُ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: "الَّذِي إِذَا سَمِعْتَهُ رَأَيْتَهُ يَخْشَى اللَّهَ" "(3) .
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مُتَّصِلًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صوتا بالقرآن الذي إذا سمعتوه يَقْرَأُ حَسِبْتُمُوهُ يَخْشَى اللَّهَ "(4) وَلَكِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ هَذَا، وَهُوَ وَالِدُ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَشَيْخَهُ ضَعِيفَانِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْغَرَضُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ شَرْعًا إِنَّمَا هُوَ التَّحْسِينُ بِالصَّوْتِ الْبَاعِثِ عَلَى تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ وَتَفَهُّمِهِ وَالْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ وَالِانْقِيَادِ لِلطَّاعَةِ، فَأَمَّا الْأَصْوَاتُ بِالنَّغَمَاتِ الْمُحْدَثَةِ الْمُرَكَّبَةِ عَلَى الْأَوْزَانِ وَالْأَوْضَاعِ الْمُلْهِيَةِ وَالْقَانُونِ الْمُوسِيقَائِيِّ، فَالْقُرْآنُ يُنَزَّهُ عَنْ هَذَا وَيُجَلُّ وَيُعَظَّمُ أَنَّ يُسْلَكَ فِي أَدَائِهِ هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدْ جَاءَتِ السُّنَّةُ بِالزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الْعَلَمُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، رحمه الله:
حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ بَقِيَّة بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ مَالِكٍ الْفَزَارِيِّ: سَمِعْتُ شَيْخًا يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اقرؤوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ وَأَصْوَاتِهَا، وَإِيَّاكُمْ وَلُحُونَ أَهْلِ الفسق وأهل الكتابيين، وَيَجِيءُ قَوْمٌ مِنْ بَعْدِي يُرَجِّعُونَ بِالْقُرْآنِ تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ وَالرَّهْبَانِيَّةِ وَالنَّوْحِ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، مَفْتُونَةٌ قُلُوبُهُمْ وَقُلُوبُ الَّذِينَ يُعْجِبُهُمْ شَأْنُهُمْ "(5) .
حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ زَاذَانَ أَبِي عُمَرَ، عَنْ عُلَيْمٍ قَالَ:" كُنَّا عَلَى سَطْحٍ وَمَعَنَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قال يَزِيدُ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: عَابِسٌ الْغِفَارِيُّ، فَرَأَى النَّاسَ يَخْرُجُونَ فِي الطَّاعُونِ فَقَالَ: مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: يَفِرُّونَ مِنَ الطَّاعُونِ، فَقَالَ: يَا طَاعُونُ خُذْنِي، فَقَالُوا: تَتَمَنَّى الْمَوْتَ وَقَدْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ"؟ فَقَالَ: إِنِّي أُبَادِرُ خِصَالًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَفُّهُنَّ عَلَى أُمَّتِهِ: "بَيْعُ الْحُكْمِ، وَالِاسْتِخْفَافُ بِالدَّمِ، وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ، وَقَوْمٌ يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ يُقَدِّمُونَ أَحَدَهُمْ لَيْسَ بِأَفْقَهِهِمْ وَلَا أَفْضَلِهِمْ إِلَّا ليغنيهم
(1) صحيح البخاري برقم (765، 4854) وصحيح مسلم برقم (463) .
(2)
فضائل القرآن (ص 80) .
(3)
فضائل القرآن (ص 80) .
(4)
سنن ابن ماجة برقم (1339) .
(5)
فضائل القرآن (ص 80) وقال الذهبي في ترجمة حصين بن مالك في الميزان (1/ 553) : "تفرد عنه بقية، ليس بمعتمد، والخبر منكر".
[بِهِ](1) غِنَاءً " وَذَكَرَ خَصْلَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ (2) .
وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَابِسٍ الْغِفَارِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ نَحْوَهُ. وَحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ بِهَذِهِ الْأَلْحَانِ الَّتِي أَحْدَثَ النَّاسُ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ (3) .
هَذِهِ طُرُقٌ حَسَنَةٌ فِي بَابِ التَّرْهِيبِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحْذُورٌ كَبِيرٌ، وَهُوَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ الَّتِي يُسْلَكُ بِهَا مَذَاهِبَ الْغِنَاءِ، وَقَدْ نَصَّ الْأَئِمَّةُ، رحمهم الله، عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ، فَأَمَّا إِنْ خَرَجَ بِهِ إِلَى التَّمْطِيطِ الْفَاحِشِ الَّذِي يَزِيدُ بِسَبَبِهِ حَرْفًا أَوْ يَنْقُصُ حَرْفًا، فَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَخْنَسِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ "(4) .
ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ لِأَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا عَلَى ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ فِيهِ، فَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْوَرْدِ عَنْهُ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ، وَرَوَاهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَاللَّيْثُ عَنْهُ عَنْ أَبِي نَهِيك عَنْ سَعْدٍ، وَرَوَاهُ عَسْل بْنُ سُفْيَانَ عَنْهُ، عَنْ عَائِشَةَ (5) وَرَوَاهُ نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عمر عنه، عن ابن الزبير (6) .
(1) زيادة من ط.
(2)
فضائل القرآن (ص 81) والخصلتين هما: إمرة السفهاء، وكثرة الشرط.
(3)
فضائل القرآن (ص 81) .
(4)
مسند البزار برقم (2332)"كشف الأستار".
(5)
رواه البزار في مسنده برقم (2334)"كشف الأستار" والحاكم في المستدرك (1/ 570) وقال الحاكم: "إسناده شاذ".
(6)
رواه البزار في مسنده برقم (2335)"كشف الأستار".
اغْتِبَاطُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " لَا حَسَدَ إِلَّا فِي (1) اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْكِتَابَ فَقَامَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَرَجُلٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يَتَصَدَّقُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ "(2) .
انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَاتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ (3) ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ ذَكْوان، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ"، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ، "وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ"، فَقَالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ" (4) .
وَمَضْمُونُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ: أَنَّ صَاحِبَ الْقُرْآنِ فِي غِبْطَةٍ وَهُوَ حَسَنُ الْحَالِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يكون شديد
(1) في جـ، ط:"على".
(2)
صحيح البخاري برقم (5025) .
(3)
صحيح البخاري برقم (7529) وصحيح مسلم برقم (815) .
(4)
صحيح البخاري برقم (5026) .
الِاغْتِبَاطِ بِمَا هُوَ فِيهِ، وَيُسْتَحَبُّ تَغْبِيطُهُ بِذَلِكَ، يُقَالُ: غَبَطَهُ يغبِطه غَبْطًا: إِذَا تَمَنَّى مَا هُوَ فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْحَسَدِ المذموم وَهُوَ تَمَنِّي زَوَالِ نِعْمَةِ الْمَحْسُودِ عَنْهُ، سَوَاءٌ حَصَلَتْ لِذَلِكَ الْحَاسِدِ أَوْ لَا وَهَذَا مَذْمُومٌ شَرْعًا، مهلكٌ، وَهُوَ أَوَّلُ مَعَاصِي إِبْلِيسَ حِينَ حَسَدَ آدَمَ، عليه السلام، عَلَى مَا مَنَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْكَرَامَةِ وَالِاحْتِرَامِ وَالْإِعْظَامِ. وَالْحَسَدُ الشَّرْعِيُّ الْمَمْدُوحُ هُوَ تَمَنِّي مِثْلِ حَالِ ذَلِكَ الَّذِي هُوَ عَلَى حَالَةٍ سَارَّةٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ عليه السلام:"لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ "، فَذَكَرَ النِّعْمَةَ الْقَاصِرَةَ وَهِيَ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالنِّعْمَةَ الْمُتَعَدِّيَةَ وَهِيَ إِنْفَاقُ الْمَالِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ "، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فَاطِرٍ: 29] ، وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِهِ: كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، فَكَانَ فِي كِتَابِهِ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَخْنَسِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تَنَافُسَ بَيْنَكُمْ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَيَتَّبِعُ مَا فِيهِ، فَيَقُولُ رَجُلٌ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ أَعْطَانِي مِثْلَ مَا أَعْطَى فُلَانًا فَأَقُومُ (1) كَمَا يَقُومُ بِهِ، وَرَجُلٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ وَيَتَصَدَّقُ، فَيَقُولُ رَجُلٌ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ أَعْطَانِي مِثْلَ مَا أَعْطَى فُلَانًا فَأَتَصَدَّقُ بِهِ" (2) . وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا مَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَادَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيِّ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "ثَلَاثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ، فَأَمَّا الثَّلَاثُ الَّتِي أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ: فَإِنَّهُ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ بِهَا عِزًّا، وَلَا يَفْتَحُ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ لَهُ بَابَ فَقْرٍ، وَأَمَّا الَّذِي أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فهو يتقي فيه ربه ويصل رحمه، ويعمل لِلَّهِ فِيهِ حَقَّهُ"، قَالَ: "فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مَالٌ عَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ" قَالَ: "فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعمل لِلَّهِ فِيهِ حَقَّهُ، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٌ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يقول: لو كان لي مال لفعلت بِعَمَلِ فُلَانٍ". قَالَ: "هِيَ نِيَّتُهُ فَوِزْرُهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ " (3) .
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا وَكِيع، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَثَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَثَلُ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَعْمَلُ بِهِ فِي مَالِهِ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ مَالِ هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِيهِ يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ، وَرَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كان لي مثل
(1) في ط، م:"فيقوم به".
(2)
المسند (4/ 105) .
(3)
المسند (4/ 231) .
هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَهُمَا في الوزر سواء". إسناد صحيح (1)
(1) المسند (4/ 230) .
خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهال، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَد، سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ". وَأَقْرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ، رضي الله عنه، حَتَّى كَانَ الْحَجَّاجُ قَالَ:
وَذَاكَ الَّذِي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا (1) .
وَقَدْ أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ هَذَا الْحَدِيثَ سِوَى مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ عَلْقَمة بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ السُّلَمِيُّ رحمه الله (2) .
وَحَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ "(3) .
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طرقٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ (4) كَمَا رَوَاهُ شُعْبَةُ وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِيهِ، وَهَذَا الْمَقَامُ مِمَّا حُكِمَ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِيهِ عَلَى شُعْبَةَ، وَخَطَّأَ بُنْدَار يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ فِي رِوَايَتِهِ ذَلِكَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَالَ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ مِنْ أَصْحَابِ سُفْيَانَ عَنْهُ، بِإِسْقَاطِ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، وَرِوَايَةُ سُفْيَانَ أصحُ فِي هَذَا الْمَقَامِ الْمُتَعَلِّقِ بِصِنَاعَةِ الْإِسْنَادِ، وَفِي ذِكْرِهِ طُولٌ لَوْلَا الْمَلَالَةُ لَذَكَرْنَاهُ، وَفِيمَا ذُكِرَ كِفَايَةٌ وَإِرْشَادٌ إِلَى مَا تُرِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْغَرَضُ أَنَّهُ، عليه الصلاة والسلام، قَالَ:" خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ " وَهَذِهِ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّبِعِينَ لِلرُّسُلِ، وَهُمُ الكُمل فِي أَنْفُسِهِمُ، الْمُكَمِّلُونَ لِغَيْرِهِمْ، وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّفْعِ الْقَاصِرِ وَالْمُتَعَدِّي، وَهَذَا بِخِلَافِ صِفَةِ الْكُفَّارِ الْجَبَّارِينَ الَّذِينَ لَا يَنْفَعُونَ، وَلَا يَتْرُكُونَ أَحَدًا مِمَّنْ أَمْكَنَهُمْ أَنْ يَنْتَفِعَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} [النَّحْلِ: 88]، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الْأَنْعَامِ: 26] ، فِي أَصَحِّ قَوْلَيِ (5) الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذَا، وَهُوَ أَنَّهُمْ يَنْهَوْنَ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ الْقُرْآنِ مَعَ نَأْيِهِمْ وَبُعْدِهِمْ عَنْهُ، فَجَمَعُوا بَيْنَ التَّكْذِيبِ وَالصَّدِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا} [الْأَنْعَامِ: 157] ، فَهَذَا شَأْنُ (6) الْكُفَّارِ، كَمَا أَنَّ شَأْنَ خِيَارِ الْأَبْرَارِ أَنْ يَكْمُلَ فِي نَفْسِهِ وَأَنْ يَسْعَى فِي تَكْمِيلِ غَيْرِهِ كَمَا قَالَ عليه السلام:" خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ "، وَكَمَا قَالَ [اللَّهُ] (7) تَعَالَى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33] ،
(1) صحيح البخاري برقم (5027) .
(2)
سنن أبي داود برقم (1452) وسنن الترمذي برقم (2907) وسنن النسائي الكبرى برقم (8037) وسنن ابن ماجة برقم (311) .
(3)
صحيح البخاري برقم (5028) .
(4)
سنن الترمذي برقم (2908) وسنن النسائي الكبرى برقم (8038) وسنن ابن ماجة برقم (312) .
(5)
في جـ: "قول".
(6)
في ط، جـ:"شأن شرار".
(7)
زيادة من ط.
فَجَمَعَ بَيْنَ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْأَذَانِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الدَّعْوَةِ مِنْ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا يُبتغى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، وَعَمِلَ هُوَ فِي نَفْسِهِ صَالِحًا، وَقَالَ قَوْلًا صَالِحًا، فَلَا أَحَدَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ هَذَا. وَقَدْ كَانَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ الْكُوفِيُّ -أَحَدُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ ومشايخهم-من رَغِبَ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَقَعَدَ يُعَلِّمُ النَّاسَ فِي (1) إِمَارَةِ عُثْمَانَ إِلَى أَيَّامِ الْحَجَّاجِ قَالُوا: وَكَانَ مِقْدَارُ ذَلِكَ الَّذِي مَكَثَ فِيهِ يُعَلِّمُ الْقُرْآنَ سَبْعِينَ سَنَةً، رحمه الله، وَآتَاهُ اللَّهُ مَا طَلَبَهُ وَدَامَهُ. آمِينَ.
قَالَ (2) الْبُخَارِيُّ، رحمه الله: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:" أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَقَالَ: "مَا لِي فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ". فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا قَالَ: ["أَعْطِهَا ثَوْبًا"، قَالَ: لَا أَجِدُ، قَالَ: "أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ"، فَاعْتَلَّ لَهُ، فَقَالَ] (3) "مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ". قَالَ: كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: "قَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ " (4) .
وَهَذَا الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ أَنَّ الَّذِي قَصَدَهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ تَعَلَّمَ (5) الَّذِي تَعَلَّمَهُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعَلِّمَهُ تِلْكَ الْمَرْأَةَ، وَيَكُونَ ذَلِكَ صَدَاقًا لَهَا عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مِثْلُ هَذَا صَدَاقًا؟ أَوْ هَلْ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ؟ وَهَلْ هَذَا كَانَ خَاصًّا بِذَلِكَ الرَّجُلِ؟ وَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:"زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ"؟ أَبِسَبَبِ مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ كَمَا قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: نُكْرِمُكَ بِذَلِكَ أَوْ بِعِوَضِ مَا مَعَكَ، وَهَذَا أَقْوَى، لِقَوْلِهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ:"فَعَلِّمْهَا"(6) وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ الْبُخَارِيُّ هَاهُنَا وَتَحْرِيرُ بَاقِي الْخِلَافِ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَالْإِجَارَةِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
(1) في جـ: "من".
(2)
في جـ: "ثم قال".
(3)
زيادة من جـ.
(4)
صحيح البخاري برقم (5029) .
(5)
في جـ: "يعلمها".
(6)
في جـ: "فتعلمها".
الْقِرَاءَةُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ
إِنَّمَا أَفْرَدَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ (1) حَدِيثَ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، الْحَدِيثَ الَّذِي تَقَدَّمَ الْآنَ، وَفِيهِ أَنَّهُ، عليه السلام، قَالَ لِرَجُلٍ:"فَمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ ". قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَكَذَا، لِسُوَرٍ عَدَّدَهَا. قَالَ:"أَتَقْرَؤُهُنَّ (2) عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ"(3) .
وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ مِنَ الْبُخَارِيِّ، رحمه الله، مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ أَفْضَلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَكِنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مِنَ الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى التِّلَاوَةِ وَالنَّظَرِ فِي الْمُصْحَفِ وَهُوَ عِبَادَةٌ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، وَكَرِهُوا أَنْ يَمْضِيَ عَلَى الرَّجُلِ يَوْمٌ لَا يَنْظُرُ فِي مُصْحَفِهِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى فَضِيلَةِ التِّلَاوَةِ في المصحف بما رواه الإمام العلم (4)
(1) في جـ: "هذا الوجه".
(2)
في جـ: "أتقرأ".
(3)
صحيح البخاري برقم (5030) .
(4)
في جـ: "العالم".
أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ (1) فَضَائِلِ الْقُرْآنِ حَيْثُ قَالَ:
حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ سَلِيمِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "فَضْلُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ نَظَرًا على من يقرأه ظَهْرًا، كَفَضْلِ الْفَرِيضَةِ عَلَى النَّافِلَةِ"(2) وَهَذَا الْإِسْنَادُ ضَعِيفٌ (3) فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ يَحْيَى هُوَ الصَّدَفِيُّ أَوِ الْأَطْرَابُلْسِيُّ، وَأَيَّهُمَا كَانَ فَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَدِيمُوا النَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ (4) .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زيد، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ نَشَرَ الْمُصْحَفَ فَقَرَأَ فِيهِ (5) .
وَقَالَ حَمَّادٌ أَيْضًا: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا اجتمع إليه إخوانه نشروا المصحف، فقرؤوا، وَفَسَّرَ لَهُمْ (6) . إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِذَا رَجَعَ أَحَدُكُمْ مِنْ سُوقِهِ فَلْيَنْشُرِ الْمُصْحَفَ وَلْيَقْرَأْ (7) . وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ خَيْثَمة: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ فَقَالَ: هَذَا جُزْئِي الَّذِي أَقْرَأُ بِهِ اللَّيْلَةَ (8) .
فَهَذِهِ الْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مَطْلُوبٌ لِئَلَّا يُعَطَّلَ الْمُصْحَفُ فَلَا يُقْرَأُ مِنْهُ، وَلَعَلَّهُ قَدْ يَقَعُ لِبَعْضِ الْحَفَظَةِ نِسْيَانٌ فَيَتَذَكَّرُ مِنْهُ، أَوْ تَحْرِيفُ كَلِمَةٍ أَوْ آيَةٍ أَوْ تَقْدِيمٌ أَوْ تَأْخِيرٌ، فَالِاسْتِثْبَاتُ أَوْلَى، وَالرُّجُوعُ إِلَى الْمُصْحَفِ أَثْبَتُ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ، فَأَمَّا تَلْقِينُ الْقُرْآنِ فَمِنْ فَمِ الْمُلَقِّنِ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى كَمَالِ الْأَدَاءِ، كَمَا أَنَّ الْمُشَاهَدَ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّنْ يَحْفَظُ مِنَ الْكِتَابَةِ فَقَطْ يَكْثُرُ تَصْحِيفُهُ وَغَلَطُهُ، وَإِذَا أَدَّى الْحَالُ إِلَى هَذَا مُنِعَ مِنْهُ إِذَا وَجَدَ شَيْخًا يُوقِفُهُ عَلَى لَفْظِ (9) الْقُرْآنِ، فَأَمَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَمَّنْ يُلَقِّنُ فَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، فَيَجُوزُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ مَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ الرَّفَاهِيَةِ، فَإِذَا قَرَأَ فِي الْمُصْحَفِ -وَالْحَالَةُ هَذِهِ-فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ قَدْ يُحَرِّفُ بَعْضَ الْكَلِمَاتِ عَنْ لَفْظِهَا عَلَى لُغَتِهِ وَلَفْظِهِ، فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عُبَيْدٍ:
حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ؛ أَنَّ رَجُلًا صَحِبَهُمْ فِي سَفَرٍ قَالَ: فَحَدَّثَنَا حَدِيثًا مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا رَفَعَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَرَأَ فَحَرَّفَ أو أخطأ كتبه الملك كما أنزل "(10) .
(1) في ط: "كتابه".
(2)
فضائل القرآن (ص 46) .
(3)
في ط: "وهذا الإسناد فيه ضعف".
(4)
فضائل القرآن (ص 46) وقال ابن حجر: "إسناده صحيح".
(5)
فضائل القرآن (ص 46) .
(6)
فضائل القرآن (ص 47) .
(7)
فضائل القرآن (ص 46) .
(8)
فضائل القرآن (ص 47) .
(9)
في طـ: "ألفاظ".
(10)
فضائل القرآن (ص 47) .
وَحَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ (1) عَنْ بُكَيْرِ (2) بْنِ الْأَخْنَسِ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: إِذَا قَرَأَ الْأَعْجَمِيُّ وَالَّذِي لَا يُقِيمُ الْقُرْآنَ كَتَبَهُ الْمَلَكُ كَمَا أُنْزِلَ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْمَدَارُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْخُشُوعِ فِي الْقِرَاءَةِ، فَإِنْ كَانَ الْخُشُوعُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ عَلَى ظَهْرِ الْقَلْبِ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ النَّظَرِ فِي الْمُصْحَفِ (3) فَهُوَ أَفْضَلُ فَإِنِ اسْتَوَيَا فَالْقِرَاءَةُ نَظَرًا أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَثْبَتُ وَتَمْتَازُ بِالنَّظَرِ فِي الْمُصْحَفِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ (4) رحمه الله، فِي التِّبْيَانِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ السَّلَفِ وَفِعْلَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ.
تَنْبِيهٌ:
إِنْ كَانَ الْبُخَارِيُّ، رحمه الله، أَرَادَ بِذِكْرِ (5) حَدِيثِ سَهْلٍ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمُصْحَفِ، فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ ذَلِكَ الرَّجُلَ كَانَ لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ وَيَعْلَمُ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم منه، فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التِّلَاوَةَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ أَفْضَلُ مُطْلَقًا فِي حَقِّ مَنْ يُحْسِنُ وَمَنْ لَا يُحْسِنُ، إِذْ لَوْ دَلَّ هَذَا لَكَانَ ذِكْرُ حَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتِلَاوَتُهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ -لِأَنَّهُ أُمِّيٌّ لَا يَدْرِي الْكِتَابَةَ-أَوْلَى مِنْ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ بِمُفْرَدِهِ.
الثَّانِي: أَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ إِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ اسْتِثْبَاتِ أَنَّهُ يَحْفَظُ تِلْكَ السُّوَرَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ؛ لِيُمْكِنَهُ تَعْلِيمُهَا لِزَوْجَتِهِ، وَلَيْسَ الْمَرَادُ هَاهُنَا: أَنَّ هَذَا أَفْضَلُ مِنَ التِّلَاوَةِ نَظَرًا، وَلَا عَدَمِهِ (6) وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أعلم.
(1) في جـ: "النسائي".
(2)
في جـ: "بكر".
(3)
في ط: "المصحف أكثر".
(4)
في ط: "النواوي".
(5)
في ط: "بذكره".
(6)
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (9/ 78) بعد أن ذكر كلام الحافظ ابن كثير هنا: "ولا يرد على البخاري شيء مما ذكر؛ لأن المراد بقوله: باب القراءة عن ظهر قلب، مشروعيتها أو استحبابها، والحديث مطابق لما ترجم به، ولم يتعرض لكونها أفضل من القراءة نظرا، وقد صرح كثير من العلماء أن القراءة من المصحف نظرا أفضل من القراءة عن ظهر قلب".
اسْتِذْكَارُ الْقُرْآنِ وَتَعَاهُدُهُ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ المعقَّلة، إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ " هَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ [بِهِ](1) . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (2) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا (3) مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَثَلُ الْقُرْآنِ إِذَا عَاهَدَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ فَقَرَأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ لَهُ إِبِلٌ، فَإِنْ عَقَلَهَا حَفِظَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَ عِقَالَهَا ذَهَبَتْ، فَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ ". أَخْرَجَاهُ، قَالَهُ (4) ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي جَامِعِ الْمَسَانِيدِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ (5) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ،
(1) صحيح البخاري برقم (031 5) وصحيح مسلم برقم (789) وسنن النسائي (2/ 154) .
(2)
المسند (2/ 35) .
(3)
في ط: "أخبرنا".
(4)
في جـ: "قال".
(5)
صحيح مسلم برقم (789) .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " بِئْسَ مَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ نُسِيَ، وَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَشَدُّ تفصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعم "(1) .
تَابَعَهُ بِشْرٌ. هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ شُعْبَةَ.
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ بِهِ (2) وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ (3) .
وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ مِثْلَهُ. وَتَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدَةَ، عَنْ شَقِيقٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (4) وَهَكَذَا أَسْنَدَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ (5) وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنْ عَبْدَةَ (6) وَهُوَ ابْنُ أَبِي لُبَابة بِهِ (7) . وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُثْمَانَ وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ جَرِيرٍ بِهِ (8) وَسَتَأْتِي رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ لَهُ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ بِهِ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ بِهِ، فَقَدْ رَوَاهُ هَؤُلَاءِ عَنْ مَنْصُورٍ بِهِ مَرْفُوعًا فِي رِوَايَةِ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ (9) وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْقُوفًا (10) وَهَذَا غَرِيبٌ وَفِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى (11) فَإِنَّمَا هُوَ نَسِي بِالتَّخْفِيفِ (12) .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُوَ أَشَدُّ تَفصِّيا مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا ". وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ برادٍ (13) الْأَشْعَرِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ بِهِ (14) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ:
(1) صحيح البخاري برقم (5032) .
(2)
سنن الترمذي برقم (4922) .
(3)
سنن النسائي (2/ 154) .
(4)
صحيح البخاري (9/ 79)"فتح".
(5)
صحيح مسلم برقم (790) .
(6)
في جـ: "عبيدة".
(7)
سنن النسائي الكبرى برقم (10560) .
(8)
صحيح مسلم برقم (790) .
(9)
صحيح البخاري برقم (5039) وسنن النسائي الكبرى برقم (8042) .
(10)
سنن النسائي الكبرى برقم (10564) .
(11)
مسند أبي يعلى (9/ 69) .
(12)
قال القرطبي: معنى التثقيل: أنه عوقب بوقوع النسيان عليه التفريط في معاهدته واستذكاره. ومعنى التخفيف: أن الرجل ترك غير ملتفت إليه، وهو كقوله تعالى:(نسوا الله فنسيهم)[التوبة: 67] أي: تركهم في العذاب أو تركهم من الرحمة.
(13)
في جـ: "بردة".
(14)
صحيح البخاري برقم (5033) وصحيح مسلم برقم (791) .
سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم](1)" تَعَلَّمُوا كِتَابَ اللَّهِ، وَتَعَاهَدُوهُ وَتَغَنَّوْا بِهِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْمَخَاضِ فِي الْعُقُلِ "(2) .
وَمَضْمُونُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ التَّرْغِيبُ فِي كَثْرَةِ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَاسْتِذْكَارِهِ وَتَعَاهُدِهِ؛ لِئَلَّا يُعَرِّضَهُ حَافِظُهُ لِلنِّسْيَانِ (3) فَإِنَّ ذَلِكَ خَطَرٌ كَبِيرٌ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ فَائِدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " ما من أمير عشرة إلا وَيُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولًا لَا يَفُكُّهُ عَنْ ذَلِكَ الْغُلِّ إِلَّا الْعَدْلُ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَنَسِيَهُ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَلْقَاهُ وَهُوَ أَجْذَمُ "(4) .
هَكَذَا رَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، كَمَا رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (5) . وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنِ ابْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ فَائِدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقِصَّةِ نِسْيَانِ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الرَّجُلَ الْمُبْهَمَ (6) .
وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ فَوَهِمَ فِي إِسْنَادِهِ، وَرَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِيسَى بْنِ فَائِدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَقَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ فائد، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ أَمِيرِ عَشَرَةٍ إِلَّا يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولًا لَا يَفُكُّهُ مِنْهَا إِلَّا عَدْلُهُ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ "(7) .
وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، فَفِيهِ اخْتِلَافٌ، لَكِنَّ هَذَا فِي بَابِ التَّرْهِيبِ مقبول -والله أعلم-لاسيما إِذَا كَانَ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ.
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: حُدثت عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ وَالْبَعْرَةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَكْبَرَ مِنْ آيَةٍ أَوْ سُورَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أُوتِيَهَا رَجُلٌ فَنَسِيَهَا ". قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وحُدّثت عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ أَكْبَرَ ذَنْبٍ تُوَافِي بِهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ سُورَةٌ مِنْ كتاب الله أوتيها رجل فنسيها "(8) .
(1) زيادة من ط، والمسند.
(2)
المسند (4/ 146) .
(3)
في ط: "إلى النسيان".
(4)
المسند (5/ 385) .
(5)
رواه أبو عبيد في الفضائل (ص 103) من طريق جرير، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (10/ 478) من طريق ابن فضيل.
(6)
سنن أبي داود برقم (1474) .
(7)
المسند (5/ 323) .
(8)
فضائل القرآن (ص 103) .
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي، فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا "(1) .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَذَاكَرْتُ بِهِ الْبُخَارِيَّ فَاسْتَغْرَبَهُ، وَحَكَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ أَنَّهُ أَنْكَرَ سَمَاعَ الْمُطَّلِبِ مِنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْآدَمِيُّ (2) عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ أَدْخَلَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 124-126] ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا -وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُرَادُ جَمِيعُهُ-فَهُوَ بَعْضُهُ، فَإِنَّ الْإِعْرَاضَ عَنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَتَعْرِيضَهُ لِلنِّسْيَانِ وَعَدَمَ الِاعْتِنَاءِ بِهِ فِيهِ تَهَاوُنٌ كَثِيرٌ وَتَفْرِيطٌ شَدِيدٌ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ عليه السلام:"تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ"، وَفِي لَفْظٍ:" اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ ".
التَّفَصِّي: التَّخَلُّصُ يُقَالُ: تَفَصَّى فُلَانٌ مِنَ الْبَلِيَّةِ: إِذَا تَخَلَّصَ مِنْهَا، وَمِنْهُ: تَفَصَّى النَّوَى مِنَ التَّمْرَةِ: إِذَا تَخَلَّصَ مِنْهَا، أَيْ: إِنَّ الْقُرْآنَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الصُّدُورِ مِنَ النَّعَمِ إِذَا أُرْسِلَتْ مِنْ غَيْرِ عِقَالٍ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ-: إِنِّي لَأَمْقُتُ الْقَارِئَ أَنْ أَرَاهُ سَمِينًا نَسِيًّا لِلْقُرْآنِ (3) .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ يَقُولُ: مَا مِنْ أَحَدٍ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشُّورَى: 30] ، وَإِنَّ نِسْيَانَ الْقُرْآنِ مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ (4) .
وَلِهَذَا قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَغَيْرُهُ: يُكره لِرَجُلٍ أَنْ يَمُرَّ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا لَا يَقْرَأُ فِيهَا الْقُرْآنَ، كَمَا أَنَّهُ يُكره لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، كَمَا سَيَأْتِي هَذَا، حَيْثُ يَذْكُرُهُ الْبُخَارِيُّ بَعْدَ هَذَا، وَكَانَ الْأَلْيَقُ أَنْ يُتْبِعَهُ هَذَا الْبَابَ، وَلَكِنْ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا قوله:
(1) سنن أبي داود برقم (461) وسنن الترمذي برقم (2916) ومسند أبي يعلى (7/ 253) .
(2)
في جـ: "الأموى".
(3)
فضائل القرآن (ص 104) وفيه انقطاع بين النخعي وابن مسعود.
(4)
فضائل القرآن (ص 104) .
الْقِرَاءَةُ عَلَى الدَّابَّةِ
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي أَبُو إِيَاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ، رضي الله عنه،
قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَى رَاحِلَتِهِ سُورَةَ الْفَتْحِ "(1) .
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ سِوَى ابْنِ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِيَاسٍ، وَهُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ بِهِ (2) وَهَذَا -أَيْضًا-لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعَاهُدِ الْقُرْآنِ وَتِلَاوَتِهِ سَفَرًا وَحَضَرًا، وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ إِذَا لَمْ يَتْلُهُ الْقَارِئُ فِي الطَّرِيقِ، وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الطَّرِيقِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ أَذِنَ فِي ذَلِكَ، وَعَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ [قَالَ](3) سَأَلْتُ مَالِكًا عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي فِي آخِرِ اللَّيْلِ، فَيَخْرُجُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَقَدْ بَقِيَ مِنَ السُّورَةِ الَّتِي كَانَ يَقْرَأُ فِيهَا شَيْءٌ، فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ الْقِرَاءَةَ تَكُونُ فِي الطَّرِيقِ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: تُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ: فِي الْحَمَّامِ، وَفِي الْحُشُوشِ، وَفِي الرَّحَى وَهِيَ تَدُورُ. وَخَالَفَهُ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ: أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَكْحُولٍ وَقَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَمَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، رحمهم الله، أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْحَمَّامِ تُكْرَهُ وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فِي الْحُشُوشِ فَكَرَاهَتُهَا ظَاهِرَةٌ، وَلَوْ قِيلَ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ صِيَانَةً لِشَرَفِ الْقُرْآنِ لَكَانَ مَذْهَبًا، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فِي بَيْتِ الرَّحَى وَهِيَ تَدُورُ فَلِئَلَّا يَعْلُوَ غَيْرُ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ، وَالْحَقُّ يَعْلُو وَلَا يُعلى، والله أعلم.
(1) صحيح البخاري برقم (5034) .
(2)
صحيح مسلم برقم (794) وسنن أبي داود برقم (1467) والشمائل للترمذي برقم (302) وسنن النسائي الكبرى برقم (8062) .
(3)
زيادة من ط.
تَعْلِيمُ الصِّبْيَانِ الْقُرْآنَ
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ الْمُفَصَّلَ هُوَ الْمُحْكَمُ، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ وَقَدْ قَرَأْتُ الْمُحْكَمَ (1) .
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْم، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَمَعْتُ الْمُحْكَمَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقلت له: وَمَا الْمُحْكَمُ؟ قَالَ: "الْمُفَصَّلُ"(2) .
انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ تَعَلُّمِ الصِّبْيَانِ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَ عَنْ سِنِّهِ حِينَ مَوْتِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ كَانَ جَمَعَ الْمُفَصَّلَ، وَهُوَ مِنَ الْحُجُرَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَعُمْرُهُ آنَذَاكَ عَشْرُ سِنِينَ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مَخْتُونٌ (3) . وَكَانُوا لَا يَخْتِنُونَ الْغُلَامَ حَتَّى يَحْتَلِمَ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَجَوَّزَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِذِكْرِ الْعَشْرِ، وَتَرْكِ ما زاد عليها من
(1) صحيح البخاري برقم (5035) .
(2)
صحيح البخاري برقم (5036) .
(3)
صحيح البخاري برقم (6299) .
الْكَسْرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيمِهِمُ الْقُرْآنَ فِي الصِّبَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ، بَلْ قَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا أَوْ وَاجِبًا؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ إِذَا تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ بَلَغَ وَهُوَ يَعْرِفُ مَا يُصَلِّي بِهِ، وَحِفْظُهُ فِي الصِّغَرِ أَوْلَى مِنْ حِفْظِهِ كَبِيرًا، وَأَشَدُّ عُلُوقًا بِخَاطِرِهِ وَأَرْسَخُ وَأَثْبَتُ، كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ حَالِ النَّاسِ، وَقَدِ اسْتَحَبَّ بَعْضُ السَّلَفِ أَنْ يُتْرَكَ الصَّبِيُّ فِي ابْتِدَاءِ عُمْرِهِ قَلِيلًا لِلَّعِبِ، ثُمَّ تُوَفَّرُ هِمَّتُهُ عَلَى الْقِرَاءَةِ، لِئَلَّا يُلْزَمَ أَوَّلًا بِالْقِرَاءَةِ فَيَمَلَّهَا وَيَعْدِلَ عَنْهَا إِلَى اللَّعِبِ، وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ تَعْلِيمَهُمُ الْقُرْآنَ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ مَا يُقَالُ لَهُ، وَلَكِنْ يُتْرَكُ حَتَّى إِذَا عَقِلَ وَمَيَّزَ عُلِّمَ قَلِيلًا قَلِيلًا بِحَسَبِ هِمَّتِهِ وَنُهْمَتِهِ وَحِفْظِهِ وَجَوْدَةِ ذِهْنِهِ، وَاسْتَحَبَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه، أَنْ يُلَقَّنَ خَمْسَ آيَاتٍ خَمْسَ آيَاتٍ، رُوِّينَاهُ عَنْهُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ (1) .
(1) مسند الفاروق للمؤلف (1/ 170) .
نِسْيَانُ الْقُرْآنِ
وَهَلْ يَقُولُ: نَسِيتُ آيَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:
{سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى * إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الْأَعْلَى:6، 7]
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَقْرَأُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: " يَرْحَمُهُ اللَّهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا مِنْ سُورَةِ كَذَا ".
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ هِشَامٍ وَقَالَ: أَسْقَطْتُهُنَّ مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا. انْفَرَدَ بِهِ أَيْضًا. تَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَعَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ (1) .
وَقَدْ أَسْنَدَهُمَا الْبُخَارِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَمُسْلِمٌ مَعَهُ فِي عَبْدَةَ (2) .
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، قَالَتْ:" سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَقْرَأُ فِي سُورَةٍ بِاللَّيْلِ فَقَالَ: "يَرْحَمُهُ اللَّهُ، فَقَدْ (3) أَذْكَرَنِي آيَةَ كَذَا وَكَذَا كُنْتُ أُنْسِيتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا ". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ (4) .
الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " بِئْسَ مَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّى " وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ مَنْصُورٍ بِهِ (5) . وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَفِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى:"فَإِنَّمَا هُوَ نُسِيَ "، بِالتَّخْفِيفِ، هَذَا لَفْظُهُ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ -وَالَّذِي قَبْلَهُ-دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُصُولَ النِّسْيَانِ لِلشَّخْصِ لَيْسَ بنقصٍ لَهُ إذا كان
(1) صحيح البخاري برقم (5037) .
(2)
صحيح البخاري برقم (6335) وصحيح مسلم برقم (788) .
(3)
في جـ، ط:"قد".
(4)
صحيح البخاري برقم (5038) وصحيح مسلم برقم (788) .
(5)
صحيح البخاري برقم (5039) وصحيح مسلم برقم (790) وسنن النسائي الكبرى برقم (8042) .
بَعْدَ الِاجْتِهَادِ وَالْحِرْصِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَدَبٌ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ حُصُولٍ ذَلِكَ، فَلَا يَقُولُ: نَسِيتُ آيَةَ كَذَا، فَإِنَّ النِّسْيَانَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْعَبْدِ، وَقَدْ يَصْدُرُ عَنْهُ أَسْبَابُهُ مِنَ التَّنَاسِي وَالتَّغَافُلِ وَالتَّهَاوُنِ الْمُفْضِي إِلَى ذَلِكَ، فَأَمَّا النِّسْيَانُ نَفْسُهُ فَلَيْسَ بِفِعْلِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ:"بَلْ هُوَ نُسِيَ"، مَبْنِيٌّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَأَدَبٌ -أَيْضًا-فِي تَرْكِ إِضَافَةِ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ أَسْنَدَ النِّسْيَانَ إِلَى الْعَبْدِ فِي قَوْلِهِ:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الْكَهْفِ: 24] وَهُوَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، مِنْ بَابِ الْمَجَازِ السَّائِغِ بِذِكْرِ الْمُسَبِّبِ وَإِرَادَةِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ إِنَّمَا يَكُونُ عَنْ سَبَبٍ قَدْ يَكُونُ ذَنْبًا، كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِهِ لِيُذْهِبَ الشَّيْطَانَ عَنِ الْقَلْبِ كَمَا يَذْهَبُ عِنْدَ النِّدَاءِ بِالْأَذَانِ، وَالْحَسَنَةُ تُذْهِبُ السَّيِّئَةَ، فَإِذَا زَالَ السَّبَبُ لِلنِّسْيَانِ انْزَاحَ، فَحَصَلَ الذِّكْرُ لِشَيْءٍ بِسَبَبِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاللَّهُ أعلم.
مَنْ لَمْ يَرَ بَأْسًا أَنْ يَقُولَ:
سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَسُورَةُ كَذَا وَكَذَا
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ (1) حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنْ عَلْقَمَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " الْآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، مَنْ قَرَأَ بِهِمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ "(2) .
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وَصَاحِبَا الصَّحِيحِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَلْقَمَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيِّ الْبَكْرِيِّ (3) .
الْحَدِيثُ الثَّانِي: مَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ المِسْوَر وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عبدٍ الْقَارِئِ، كِلَاهُمَا عَنْ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ [بْنِ حِزَامٍ](4) يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ
…
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَمَا سَيَأْتِي (5) .
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: مَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:" سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَارِئًا يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: "يَرْحَمُهُ اللَّهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً، كُنْتُ أَسْقَطْتُهُنَّ مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا " (6) .
وَهَكَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ مِنَ الْوَادِي وَيَقُولُ: هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ (7) . وَكَرِهَ بَعْضُ السَّلَفِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَوْا إِلَّا أَنْ يُقَالَ: السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُثْمَانَ أنه قال: إذا نزل شيء من
(1) في جـ: "عتاب".
(2)
صحيح البخاري برقم (5040) .
(3)
صحيح البخاري برقم (4008، 5051، 5008) وصحيح مسلم برقم (807، 808) وسنن أبي داود برقم (1397) وسنن الترمذي برقم (2881) وسنن النسائي الكبرى برقم (8018، 8019) وسنن ابن ماجة برقم (1368، 1369) .
(4)
زيادة من ط، جـ.
(5)
صحيح البخاري برقم (5041) .
(6)
صحيح البخاري برقم (5042) .
(7)
صحيح البخاري برقم (1747) وصحيح مسلم برقم (1296) .
الْقُرْآنِ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " اجْعَلُوا هَذَا فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا "، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا أَحْوَطُ وَأَوْلَى، وَلَكِنْ قَدْ صَحَّتِ الْأَحَادِيثُ بِالرُّخْصَةِ فِي الْآخَرِ، وَعَلَيْهِ عملُ النَّاسِ الْيَوْمَ فِي تَرْجَمَةِ السُّوَرِ فِي مَصَاحِفِهِمْ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
التَّرْتِيلُ فِي الْقِرَاءَةِ
وَقَوْلُ اللَّهِ (1) عز وجل: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} [الْمُزَّمِّلُ: 4]، وَقَوْلُهُ:{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الْإِسْرَاءِ: 106] ، يُكْرَهُ أَنْ يُهَذَّ كَهَذِّ الشِّعْرِ، يُفَرَّقُ: يُفَصَّلُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:{فَرَقْنَاهُ} فَصَّلْنَاهُ.
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ [وَهُوَ ابْنُ حَيَّانَ الْأَحْدَبُ](2) عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: غَدَوْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ رَجُلٌ: قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ الْبَارِحَةَ، فَقَالَ: هَذًّا كهذِّ الشِّعْرِ، إِنَّا قَدْ سَمِعْنَا الْقِرَاءَةَ، وَإِنِّي لَأَحْفَظُ الْقِرَاءَاتِ الَّتِي كَانَ يَقْرَأُ بِهِنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثمان عَشَرَةَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ، وَسُورَتَيْنِ مِنْ آلِ حم (3) .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخ، عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ وَاصِلٍ -وَهُوَ ابْنُ حَيَّانَ الْأَحْدَبِ-عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِهِ (4) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ مِخْراق، عَنْ عَائِشَةَ أنه ذكر لها أن ناسا يقرؤون الْقُرْآنَ فِي اللَّيْلِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَتْ: أولئك قرؤوا ولم يقرؤوا، كُنْتُ أَقُومُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ التَّمَامِ، فَكَانَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ، فَلَا يَمُرُّ بِآيَةٍ فِيهَا تَخَوُّفٌ إِلَّا دَعَا اللَّهَ وَاسْتَعَاذَ، وَلَا يَمُرُّ بِآيَةٍ فِيهَا اسْتِبْشَارٌ إِلَّا دَعَا اللَّهَ وَرَغِبَ إِلَيْهِ (5) .
الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [الْقِيَامَةِ: 16] : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِيهِ وَالَّذِي قَبْلَهُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَرْتِيلِ الْقِرَاءَةِ وَالتَّرَسُّلِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ هَذْرَمة وَلَا سُرْعَةٍ مُفْرِطَةٍ، بَلْ بِتَأَمُّلٍ وَتَفَكُّرٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ (6) سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وارْقَ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها "(7) .
(1) في جـ، ط:"وقوله".
(2)
زيادة من جـ.
(3)
صحيح البخاري برقم (5043) .
(4)
صحيح مسلم برقم (822) .
(5)
المسند (6/ 92) .
(6)
في ط: "عن".
(7)
المسند (2/ 192) .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَرَأَ عَلْقَمَةُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَكَأَنَّهُ عَجَّلَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، رَتِّلْ فَإِنَّهُ زَيْنُ الْقُرْآنَ. قَالَ: وَكَانَ عَلْقَمَةُ حَسَنَ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ (1) .
وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي سَرِيعُ الْقِرَاءَةِ وَإِنِّي أَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي ثَلَاثٍ فَقَالَ: لَأَنْ أَقْرَأَ الْبَقَرَةَ (2) فِي لَيْلَةٍ فَأَدَّبَّرَهَا وَأُرَتِّلَهَا أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أَقْرَأَ كَمَا تَقُولُ (3) .
وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ شُعْبَةَ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ حَمَّادٍ: أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ أَجْمَعَ هَذْرَمَةً (4) .
ثُمَّ قال البخاري، رحمه الله:
(1) فضائل القرآن (ص 74) .
(2)
في جـ: "القرآن".
(3)
فضائل القرآن (ص 74) .
(4)
فضائل القرآن (ص 74) .
مَدُّ الْقِرَاءَةِ
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: كَانَ يَمُدُّ مَدًّا (1) .
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ، مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ بِهِ (2) وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: كَانَتْ مَدًّا، ثُمَّ قَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. يَمُدُّ بِسْمِ اللَّهِ، وَيَمُدُّ بِالرَّحْمَنِ، وَيَمُدُّ بِالرَّحِيمِ. انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (3) وَفِي مَعْنَاهُ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ أبي مُلَيْكَة، عن يعلى بن مَملك، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّهَا نَعَتَتْ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِرَاءَةً مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا (4) .
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خَالِدٍ الرَّمْلِيِّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، كِلَاهُمَا عَنْ قُتَيْبَةَ، كُلُّهُمْ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ بِهِ (5) . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكة، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته؛ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. وَهَكَذَا.
(1) صحيح البخاري برقم (5045) .
(2)
سنن أبي داود برقم (1465) وسنن النسائي (2/ 179) والشمائل للترمذي برقم (308) وسنن ابن ماجة برقم (1353) .
(3)
صحيح البخاري برقم (5046) .
(4)
فضائل القرآن (ص 74) .
(5)
المسند (6/ 300) وسنن أبي داود برقم (1466) وسنن النسائي (2/ 181) وسنن الترمذي برقم (2923) .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ (1) . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ، يَعْنِي: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكة لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَك، كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. التَّرْجِيعُ
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِيَاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ -أَوْ جَمَلِهِ-وَهِيَ تَسِيرُ بِهِ، وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ قِرَاءَةً لَيِّنَةً وَهُوَ يُرَجِّعُ (2) .
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الدَّابَّةِ وَأَنَّهُ مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَفِيهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَأَمَّا التَّرْجِيعُ: فَهُوَ التَّرْدِيدُ فِي الصَّوْتِ كَمَا جَاءَ -أَيْضًا-فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ جَعَلَ يَقُولُ: (آآ آ) ، وَكَانَ ذَلِكَ صَدَرَ مِنْ حَرَكَةِ الدَّابَّةِ تَحْتَهُ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ التِّلَاوَةِ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَفْضَى إِلَى ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الزِّيَادَةِ فِي الْحُرُوفِ، بَلْ ذَلِكَ مُغْتَفَرٌ لِلْحَاجَةِ، كَمَا يُصَلِّي عَلَى الدَّابَّةِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ، مَعَ إِمْكَانِ تَأْخِيرِ ذَلِكَ الصَّلَاةِ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. حُسْنُ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" يَا أَبَا مُوسَى، لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ "(3) وَهَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكِنْدِيِّ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْحِمَّانِيِّ (4) -وَاسْمُهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ-وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى (5) وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى تَحْسِينِ الصَّوْتِ عِنْدَ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ: مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ، وَذَكَرْنَا هُنَا أَحْكَامًا كَافِيَةً عَنْ إِعَادَتِهَا هَاهُنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَ الْقُرْآنَ مِنْ غَيْرِهِ
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عبيدة، عن عبد الله قال:" قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ". قُلْتُ: عَلَيْكَ أَقْرَأُ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟! قَالَ: "إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي" ".
وَقَدْ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا ابْنُ مَاجَهْ، مِنْ طُرُقٍ عَنِ الْأَعْمَشِ (6) وَلَهُ طُرُقٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا وَبَسْطُهَا، وقد
(1) فضائل القرآن (ص 75) وسنن أبي داود برقم (4001) وسنن الترمذي برقم (2927) .
(2)
صحيح البخاري برقم (5047) .
(3)
صحيح البخاري برقم (5048) .
(4)
سنن الترمذي برقم (3855) .
(5)
صحيح مسلم برقم (793) .
(6)
صحيح البخاري برقم (5049) وصحيح مسلم برقم (800) وسنن أبي داود برقم (3668) وسنن النسائي الكبرى برقم (8075) وسنن الترمذي برقم (3025) .
تَقَدَّمَ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بن يحيى بن طلحة، عن أبي بردة، عَنْ أَبِي مُوسَى: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: "يَا أَبَا مُوسَى، لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ". فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَسْتَمِعُ قِرَاءَتِي لحَبَّرْتها لَكَ تَحْبِيرًا.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: كَانَ عُمَرُ إِذَا رَأَى أَبَا مُوسَى قَالَ: ذَكِّرْنَا رَبَّنَا يَا أَبَا مُوسَى. فَيَقْرَأُ عِنْدَهُ.
وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: كَانَ أَبُو مُوسَى يُصَلِّي بِنَا، فَلَوْ قُلْتُ: إِنِّي لَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ صَنْجٍ قَطُّ وَلَا بَرْبَطٍ قَطُّ، وَلَا شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ صَوْتِهِ. قول المقريء لِلْقَارِئِ: حَسْبُكَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:" قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْرَأْ عَلَيَّ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟! قَالَ: "نَعَمْ"، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النِّسَاءِ: 41] ، قَالَ: "حَسْبُكَ الْآنَ" [فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ](1)(2) .
أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ، مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ بِهِ (3) ووجه الدلالة ظاهر، وكذا الحديث الآخر:" اقرؤوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا ". فِي كَمْ يُقْرَأُ الْقُرْآنُ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [الْمُزَّمِّلِ: 20]
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ لِيَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: نَظَرْتُ كَمْ يَكْفِي الرَّجُلَ مِنَ الْقُرْآنِ فَلَمْ أَجِدْ سُورَةً أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ. فَقُلْتُ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ. قَالَ سُفْيَانُ: أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، أَخْبَرَهُ عَلْقَمَةُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، فَلَقِيتُهُ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ (4) .
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ جَمَعَ الْبُخَارِيُّ فِيمَا بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وَعَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ سَمِعَهُ أَوَّلًا مِنْ عَلْقَمَةَ، ثُمَّ لَقِيَ أَبَا مَسْعُودٍ وَهُوَ يَطُوفُ فَسَمِعَهُ مِنْهُ، وَعَلِيٌّ هَذَا هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَشَيْخُهُ هُوَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَمَا قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شُبْرُمَةَ -فَقِيهُ الْكُوفَةِ فِي زَمَانِهِ-اسْتِنْبَاطٌ حَسَنٌ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ فِي السُّنَنِ:" لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَثَلَاثِ آيَاتٍ "(5) وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ -أَعْنِي حَدِيثَ أَبِي مَسْعُودٍ-أصح وأشهر وأخص، ولكن وجه مناسبته
(1) زيادة من ط.
(2)
صحيح البخاري برقم (5050) .
(3)
صحيح مسلم برقم (800) وسنن أبي داود برقم (3668) وسنن النسائي الكبرى برقم (8078) والشمائل للترمذي برقم (306) .
(4)
صحيح البخاري برقم (5051) .
(5)
كذا قال الحافظ ابن كثير، ولم أقع عليه في السنن الأربعة، وقد رواه ابن عدي في الكامل (5/ 29) من طريق عمر بن يزيد المدائني عن عطاء عن ابن عمر، رضي الله عنه، مرفوعا بلفظ:"لا تجزئ في المكتوبة إلا بفاتحة الكتاب وثلاث آيات فصاعدا". والمدائني منكر الحديث كما قال ابن عدي.
لِلتَّرْجَمَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (1) .
وَالْحَدِيثُ الثَّانِي أَظْهَرُ فِي الْمُنَاسَبَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَنْكَحَنِي أَبِي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ، فَكَانَ يَتَعَاهَدُ كِنّتَه فَيَسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا فَتَقُولُ: نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا، وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُنْذُ أَتَيْنَاهُ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:" "الْقَنِي بِهِ"، فَلَقِيتُهُ بَعْدُ، فَقَالَ: "كَيْفَ تَصُومُ؟ ". قُلْتُ: كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: "وَكَيْفَ تَخْتِمُ؟ ". قُلْتُ: كُلَّ لَيْلَةٍ. قَالَ: "صُمْ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةً، وَاقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ": قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْجُمُعَةِ". قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذلك. قال: "أفطر يومين وصوم يَوْمًا". قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمِ دَاوُدَ، صِيَامُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ، وَاقْرَأْ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً"، فَلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم! وَذَلِكَ أَنِّي كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ، فَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ السَّبْعَ مِنَ الْقُرْآنِ بِالنَّهَارِ وَالَّذِي يَقْرَأُ يَعْرِضُهُ بِالنَّهَارِ لِيَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَقَوَّى أَفْطَرَ أَيَّامًا وَأَحْصَى وَصَامَ مِثْلَهُنَّ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا فَارَقَ عَلَيْهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي ثَلَاثٍ وَفِي خَمْسٍ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى سَبْعٍ " (2) .
وَقَدْ رَوَاهُ فِي الصَّوْمِ، وَالنَّسَائِيُّ -أَيْضًا-عَنْ بُنْدَار عَنْ غُنْدَر، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ حُصَيْنٍ، كِلَاهُمَا عَنْ مُجَاهِدٍ بِهِ (3) .
ثُمَّ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ (4) -عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: قَالَ: وَأَحْسَبُنِي قَالَ: سَمِعْتُ أَنَا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:" قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ". قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ: "فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ" "(5) . فَهَذَا السِّيَاقُ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي أَقَلَّ مِنْ سَبْعٍ، وَهَكَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ:
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ وَعُمَرُ بْنُ طَارِقٍ وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ لَهِيعة، عَنْ حَبَّانَ بْنِ وَاسِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" يَا رَسُولَ اللَّهِ، فِي كَمْ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ فَقَالَ: "فِي كُلِّ خَمْسَ عَشْرَةَ". قَالَ: إِنِّي أَجِدُ فِيَّ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: "فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ" (6) .
وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ذَكْوَانَ -رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ-قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَقُولُ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ من
(1) قال الحافظ ابن حجر في الفتح (9/ 95) : "وقد خفيت مناسبة حديث أبي مسعود بالترجمة على ابن كثير، والذي يظهر أنها من جهة أن الآية المترجم بها تناسب ما استدل به ابن عيينة من حديث أبي مسعود، والجامع بينهما أن كلا من الآية والحديث يدل على الاكتفاء بخلاف ما قال ابن شبرمة".
(2)
صحيح البخاري برقم (5052) .
(3)
صحيح البخاري برقم (1978) وسنن النسائي (4/ 209، 210) .
(4)
في ط: "أبي هريرة".
(5)
صحيح البخاري برقم (5053) وصحيح مسلم برقم (1159) : وسنن أبي داود برقم (1388) لكنه عند أبي داود من طريق أبان العطار عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبراهيم عن أبي سلمة، والله أعلم.
(6)
فضائل القرآن (ص 87) .
الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ (1) .
وَعَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَيُّوبَ: سَمِعْتُ أَبَا قِلابة، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ قَالَ: كَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ ثَمَانٍ.
وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: كَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِ ثَمَانٍ.
وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ يَخْتِمُهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ، وَحَدَّثَنَا هُشَيْم، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ سَبْعٍ (2) .
وَحَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ الْأَسْوَدُ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِ سِتٍّ، وَكَانَ عَلْقَمَةُ يَخْتِمُهُ فِي كُلِّ خَمْسٍ (3) .
فَلَوْ تُرِكْنَا وَمُجَرَّدَ هَذَا لَكَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ جَلِيًّا، وَلَكِنْ دَلَّتْ أَحَادِيثُ أَخْرَجُوهَا (4) عَلَى جَوَازِ قِرَاءَتِهِ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ، كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابن لَهِيعة، حدثنا حبان ابن وَاسِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيِّ؛ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي ثَلَاثٍ؟ قَالَ:"نَعَمْ". قَالَ: فَكَانَ يَقْرَؤُهُ حَتَّى تُوُفِّيَ (5) .
وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ حَسَنٌ، فَإِنَّ حَسَنَ بْنَ مُوسَى الْأَشْيَبَ ثِقَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَى جَلَالَتِهِ رَوَى لَهُ الْجَمَاعَةُ وَابْنُ لَهِيعة، إِنَّمَا يُخْشَى مِنْ تَدْلِيسِهِ وَسُوءِ حِفْظِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ هَاهُنَا بِالسَّمَاعِ، وَهُوَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْعُلَمَاءِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي زَمَانِهِ، وَشَيْخُهُ حَبَّانُ بْنُ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ وَأَبُوهُ، كِلَاهُمَا مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ، وَالصَّحَابِيُّ لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَهَذَا عَلَى شَرْطِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، رحمه الله، عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ (6) عَنِ ابْنِ لَهِيعة، عَنْ حَبَّانَ بْنِ وَاسِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ:" يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي ثَلَاثٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِنِ اسْتَطَعْتَ" ". قَالَ: فَكَانَ يَقْرَؤُهُ كَذَلِكَ حَتَّى تُوُفِّيَ (7) .
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قتادة، عن يزيد بن عبد الله بن الشِّخِّيرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ ".
وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ بِهِ (8) . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْغَرَقِ، عَنِ الطِّيِّبِ بْنِ سُلَيْمَانَ، حدثتنا عمرة بنت
(1) فضائل القرآن (ص 87) .
(2)
فضائل القرآن (ص 88) .
(3)
فضائل القرآن (ص 88) .
(4)
في ط: "أخر".
(5)
لم أقع عليه في المطبوع من المسند، وقد ذكره الحافظ ابن حجر في أطراف المسند (2/ 465) .
(6)
في طـ: "بكير".
(7)
فضائل القرآن (ص 88) .
(8)
فضائل القرآن (ص 89) والمسند (2/ 165، 189) وسنن أبي داود برقم (1394) وسنن الترمذي برقم (2949) وسنن النسائي الكبرى برقم (8067) وسنن ابن ماجة برقم (1347) .
عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ (1) .
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَفِيهِ ضَعْفٌ، فَإِنَّ الطَّيِّبَ بْنَ سُلَيْمَانَ هَذَا بَصْرِيٌّ، ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلَيْسَ هُوَ بِذَاكَ الْمَشْهُورِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ كَرِهَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقَ وَابْنِ رَاهَوَيْهِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْخَلَفِ -أَيْضًا-قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقْرَأَ الْقُرْآنُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ (2) . صَحِيحٌ.
وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمة، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ:[قَالَ](3) عَبْدُ اللَّهِ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ فَهُوَ رَاجِزٌ. وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ شعبة، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَهُ سَوَاءً (4) .
وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ذَكْوَان، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ فِي ثَلَاثٍ (5) . إِسْنَادُهُ صَحِيحُ.
وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ مَرْفُوعًا: "اقرؤوا الْقُرْآنَ، وَلَا تَغْلُوا فِيهِ، وَلَا تَجْفُوَا عَنْهُ، وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ، وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ"(6) .
فَقَوْلُهُ: "لَا تَغْلُوا فِيهِ" أَيْ: لَا تُبَالِغُوا فِي تِلَاوَتِهِ بِسُرْعَةٍ فِي أَقْصَرِ مُدَّةٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُنَافِي التَّدَبُّرَ غَالِبًا؛ وَلِهَذَا قَابَلَهُ بِقَوْلِهِ:"وَلَا تجفوا عنه" أي: لا تتركوا تلاوته.
(1) فضائل القرآن (ص 88، 89) .
(2)
فضائل القرآن (ص 89) .
(3)
زيادة من ط.
(4)
فضائل القرآن (ص 89) .
(5)
فضائل القرآن (ص 90) .
(6)
المسند (3/ 428) من طريق زيد بن سلام عن جده عن أبي راشد عن عبد الرحمن بن شبل به مرفوعا، وقال الحافظ ابن حجر:"سنده قوي".
فَصْلٌ
وَقَدْ تَرَخَّصَ جَمَاعَةٌ (1) مِنَ السَّلَفِ فِي تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ؛ مِنْهُمْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رضي الله عنه.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ خَصيفة، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُثْمَانَ التَّيْمِيَّ عَنْ صَلَاةِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدٍ (2) فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ عَنْ صَلَاةِ عُثْمَانَ، رضي الله عنه، فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: لَأُعْلِيَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى الْحَجَرِ، فَقُمْتُ، فَلَمَّا قُمْتُ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ مُقَنَّعٍ يَزْحَمُنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَتَأَخَّرْتُ عَنْهُ، فَصَلَّى فَإِذَا هُوَ يَسْجُدُ سُجُودَ الْقُرْآنِ، حَتَّى إِذَا قُلْتُ: هَذِهِ هَوَادِي الْفَجْرِ، أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ لَمْ يصل غيرها (3) . وهذا إسناد
(1) في ط: "جماعات".
(2)
في ط: "عبيد الله".
(3)
فضائل القرآن (ص 90) .
صَحِيحٌ.
قَالَ (1) وَحَدَّثَنَا هُشَيْم، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَتْ نَائِلَةُ بِنْتُ الْفُرَافِصَةِ الْكَلْبِيَّةُ حَيْثُ دَخَلُوا عَلَى عُثْمَانَ لِيَقْتُلُوهُ: إِنْ يَقْتُلُوهُ أَوْ يَدَعُوهُ، فَقَدْ كَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ بِرَكْعَةٍ يَجْمَعُ فِيهَا الْقُرْآنَ. وَهَذَا حَسَنٌ أَيْضًا (2) .
وَقَالَ -أَيْضًا-: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ (3) .
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ شُعْبَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ قَالَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ فِي الْبَيْتِ -يَعْنِي الْكَعْبَةَ (4) .
وَحَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ، طَافَ بِالْبَيْتِ أُسْبُوعًا، ثُمَّ أَتَى الْمَقَامَ فَصَلَّى عِنْدَهُ فَقَرَأَ بِالطِّوَلِ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ أُسْبُوعًا، ثُمَّ أَتَى الْمَقَامَ فَصَلَّى عِنْدَهُ فَقَرَأَ بِالْمِئِينَ، ثُمَّ طَافَ أُسْبُوعًا، ثُمَّ أَتَى الْمَقَامَ فَصَلَّى عِنْدَهُ فَقَرَأَ بِالْمَثَانِي، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ أُسْبُوعًا ثُمَّ أَتَى الْمَقَامَ فَصَلَّى عِنْدَهُ فَقَرَأَ بَقِيَّةَ الْقُرْآنِ (5) .
وَهَذِهِ كُلُّهَا أَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ، وَمِنْ أَغْرَبِ مَا هَاهُنَا: مَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْر، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، أَنَّ سُلَيْمَ بْنَ عِتْرٍ التُّجِيبِيَّ كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيُجَامِعُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ قَالَتِ امْرَأَتُهُ: رَحِمَكَ اللَّهُ، إِنْ كُنْتَ لَتُرْضِي رَبَّكَ وَتُرْضِي أَهْلَكَ، قَالُوا: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَخْتِمُ الْقُرْآنَ، ثُمَّ يُلِمُّ بِأَهْلِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ، وَيَعُودُ فَيَقْرَأُ حَتَّى يَخْتِمَ ثُمَّ يُلِمُّ بِأَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ، وَيَعُودُ فَيَقْرَأُ حَتَّى يَخْتِمَ، ثُمَّ يُلِمُّ بِأَهْلِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ، وَيَخْرُجُ إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ (6) .
قُلْتُ: كَانَ سُلَيْمُ بْنُ عِتْرٍ تَابِعِيًّا جَلِيلًا ثِقَةً نَبِيلًا وَكَانَ قَاضِيًا بِمِصْرَ أَيَّامَ مُعَاوِيَةَ وَقَاصَّهَا، ثُمَّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: رَوَى عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعَنْهُ ابْنِ زَحْرٍ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ قَالَ: كَانَ سُلَيْمُ بْنُ عِتْرٍ مِنْ خَيْرِ التَّابِعِينَ (7) .
وَذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي تَارِيخِ مِصْرَ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
وَعَنْ مَنْصُورٍ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ الْأَزْدِيُّ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ.
وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كَانَ أَبِي يَحْتَبِي فَمَا يَحِلُّ حَبْوَتَهُ حَتَّى يَخْتِمَ الْقُرْآنَ.
قُلْتُ: وَرُوِيَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ: أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ فِيمَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَيَخْتِمُ أُخْرَى فِيمَا
(1) في ط: "ثم قال".
(2)
فضائل القرآن (ص 91) .
(3)
فضائل القرآن (ص 91) .
(4)
فضائل القرآن (ص 91) .
(5)
فضائل القرآن (ص 91) .
(6)
فضائل القرآن (ص 91) .
(7)
الجرح والتعديل (4/ 211، 212) .
بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَكَانُوا يُؤَخِّرُونَهَا قَلِيلًا.
وَعَنِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، رحمه الله: أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ خَتْمَتَيْنِ، وَفِي غَيْرِهِ خَتْمَةً.
وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيِّ -صَاحِبِ الصَّحِيحِ-: أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ فِي اللَّيْلَةِ وَيَوْمِهَا مِنْ رَمَضَانَ خَتْمَةً.
وَمِنْ غَرِيبِ هَذَا وَبَدِيعِهِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ الصُّوفِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّيْخَ أَبَا عُثْمَانَ الْمَغْرِبِيَّ يَقُولُ: كَانَ ابْنُ الْكَاتِبِ يَخْتِمُ بِالنَّهَارِ أَرْبَعَ خَتْمَاتٍ، وَبِاللَّيْلِ أَرْبَعَ خَتْمَاتٍ.
وَهَذَا نَادِرٌ جِدًّا. فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنَ الصَّحِيحِ عَنِ السَّلَفِ مَحْمُولٌ إِمَّا عَلَى أَنَّهُ مَا بَلَغَهُمْ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مِمَّا تَقَدَّمَ، أَوْ أَنَّهُمْ كانوا يفهمون ويتفكرون فيما يقرؤونه مَعَ هَذِهِ السُّرْعَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِهِ التِّبْيَانُ بَعْدَ ذِكْرِ طَرَفٍ مِمَّا تَقَدَّمَ: (وَالِاخْتِيَارُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، فَمَنْ كَانَ لَهُ بِدَقِيقِ الْفِكْرِ لَطَائِفُ وَمَعَارِفُ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى قَدْرٍ يُحَصِّلُ لَهُ كَمَالَ فَهْمِ مَا يَقْرَؤُهُ، وَكَذَا مَنْ كَانَ مَشْغُولًا بِنَشْرِ الْعِلْمِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى قَدْرٍ لَا يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ إِخْلَالٌ بِمَا هُوَ مُرْصَدٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ فَلْيَسْتَكْثِرْ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ إِلَى حَدِّ الْمَلَلِ والهَذْرَمة)(1) .
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ، رحمه الله:
(1) التبيان (ص 76) .
الْبُكَاءُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ
وَأَوْرَدَ فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْرَأْ عَلَيَّ". قُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: "إِنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي". قَالَ: فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ، حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ:{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النِّسَاءِ: 41]، قَالَ لِي:"كُفَّ أَوْ أَمْسِكْ"، فَرَأَيْتُ عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ " (1) .
وَهَذَا مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ. مَنْ رَاءَى بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ
أَوْ تَأكَّل بِهِ أَوْ فَجَرَ بِهِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمة، عَنْ سُوَيد بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ (2) عَلِيٌّ، رضي الله عنه:" سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّميَّة، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قتلهم يوم القيامة" (3) .
(1) صحيح البخاري برقم (5055) .
(2)
في ط: "عن".
(3)
صحيح البخاري برقم (5057) .
وَقَدْ رُوِيَ فِي مَوْضِعَيْنِ آخَرَيْنِ، وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طُرُقٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ (1) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عملهم، ويقرؤون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ فِي النَّصْلِ (2) فَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَنْظُرُ فِي الْقِدْحِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَتَمَارَى فِي الْفُوقِ "(3) .
وَرَوَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَمُسْلِمٌ -أَيْضًا-وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بِهِ (4) .
حَدَّثَنَا مُسَدَّد بْنُ مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كَالْأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَالْمُؤْمِنُ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كَالتَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ أَوْ خَبِيثٌ وَرِيحُهَا مُرٌّ "(5) .
وَرَوَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَعَ بَقِيَّةِ الْجَمَاعَةِ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ قَتَادَةَ بِهِ (6) .
وَمَضْمُونُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ التَّحْذِيرُ مِنَ الْمُرَاءَاةِ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرَبِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ:" وَاعْلَمْ أَنَّكَ لَنْ تَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ بِأَعْظَمَ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ "(7) يَعْنِي: الْقُرْآنَ.
وَالْمَذْكُورُونَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَأَبِي سَعِيدٍ هُمُ الْخَوَارِجُ، وَهُمُ الَّذِينَ لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، وَقَدْ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى:" يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ قِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ، وَصَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ ". ومع هذا أمر بقتلهم لأنهم مراؤون فِي أَعْمَالِهِمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ لَا يَقْصِدُ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُمْ أَسَّسُوا أَعْمَالَهُمْ عَلَى اعْتِقَادٍ غَيْرِ صَالِحٍ، فَكَانُوا فِي ذَلِكَ كَالْمَذْمُومِينَ فِي قَوْلِهِ:{أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التَّوْبَةِ: 109] ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ وَتَفْسِيقِهِمْ وَرَدِّ رِوَايَتِهِمْ، كَمَا سَيَأْتِي [تَفْصِيلُهُ](8) فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ الله.
(1) صحيح البخاري برقم (3611، 6930) وصحيح مسلم برقم (1066) وسنن أبي داود برقم (4767) وسنن النسائي (7/ 119) .
(2)
في ط: "السهم".
(3)
صحيح البخاري برقم (5058) .
(4)
صحيح البخاري برقم (3610، 6933) وصحيح مسلم برقم (1064) وسنن النسائي الكبرى برقم (8560) .
(5)
صحيح البخاري برقم (5059) .
(6)
صحيح البخاري برقم (5427، 7560) وصحيح مسلم برقم (797) وسنن أبي داو د برقم (4830) وسنن الترمذي برقم (2865) وسنن النسائي (8/ 124) وسنن ابن ماجة برقم (214) .
(7)
رواه أحمد في المسند (5/ 268) والترمذي في السنن برقم (2911) مِنْ طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ زيد بن أرطأة عن أبي أمامة به مرفوعا، وقال التِّرْمِذِيُّ:"هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ".
(8)
زيادة من ط.
وَالْمُنَافِقُ الْمُشَبَّهُ بِالرَّيْحَانَةِ الَّتِي لَهَا الرِّيحُ ظَاهِرٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ هُوَ الْمُرَائِي بِتِلَاوَتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا} [النِّسَاءِ: 142] .
ثم قال البخاري: اقرؤوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ جندب بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:" اقرؤوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا [عَنْهُ] (1) "(2) .
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَحْرٍ الْفَلَّاسُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ جُنْدُب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " اقرؤوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا [عَنْهُ] (3) "(4) .
تَابَعَهُ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْد وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبَانُ.
وَقَالَ غُنْدَر: عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدُبا. قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ عُمَرَ قَوْلَهُ. وَجُنْدَبٌ أَصَحُّ وَأَكْثَرُ (5)(6) .
وَقَدْ رَوَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَمُسْلِمٌ كِلَاهُمَا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ بِهِ (7) وَمُسْلِمٌ -أَيْضًا-عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ أَبِي قُدَامَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ بِهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ -أَيْضًا-عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَبَّانَ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَبَانَ الْعَطَّارِ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ بِهِ مَرْفُوعًا (8) .
وَقَدْ حَكَى الْبُخَارِيُّ: أَنَّ أَبَانَ وَحَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ لَمْ يَرْفَعَاهُ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُوسَى الْأَعْوَرِ النحوي، عن أبي عمران به.
(1) زيادة من ط والبخاري.
(2)
صحيح البخاري برقم (5060) .
(3)
زيادة من البخاري.
(4)
صحيح البخاري برقم (5061) .
(5)
في النسخ: "أكثر وأصح" والتصويب من البخاري.
(6)
قال الحافظ ابن حجر: "أي أصح سندًا وأكثر طرقًا وهو كما قال، فإن الجم الغفير رواه عن أبي عمران عن جندب إلا أنهم اختلفوا عليه في رفعه ووقفه، والذين رفعوه ثقات حفاظ فالحكم لهم، وأما رواية ابن عون فشاذة لم يتابع عليها".
(7)
صحيح البخاري برقم (7365) وصحيح مسلم برقم (2667) .
(8)
صحيح مسلم برقم (2667) .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ -أَيْضًا-مِنْ طُرُقٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ فُرَافِصَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ بِهِ مَرْفُوعًا (1) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ هَارُونَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ جُنْدُب مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ إِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ عُمَرَ قَوْلَهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: لَمْ يُخْطِئِ ابْنُ عَوْنٍ فِي حَدِيثٍ قَطُّ إِلَّا فِي هَذَا، وَالصَّوَابُ عَنْ جُنْدَبٍ. [وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَا حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ جُنْدَبٍ مَرْفُوعًا](2)(3) .
فَهَذَا مِمَّا تَيَسَّرَ مِنْ ذِكْرِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ، وَالصَّحِيحُ مِنْهَا مَا أَرْشَدَ إِلَيْهِ شَيْخُ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ (4) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ، رحمه الله، مِنْ أَنَّ الْأَكْثَرَ وَالْأَصَحَّ: أَنَّهُ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ، عليه السلام، أَرْشَدَ وَحَضَّ أُمَّتَهُ عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ إِذَا كَانَتِ الْقُلُوبُ مُجْتَمِعَةً عَلَى تِلَاوَتِهِ، مُتَفَكِّرَةً فِيهِ، مُتَدَبِّرَةً لَهُ، لَا فِي حَالِ شُغْلِهَا وَمَلَالِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنَ التِّلَاوَةِ بِذَلِكَ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام:" اكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا (5) وَقَالَ: " أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ قَلَّ "، وَفِي اللَّفْظِ الْآخَرِ: " أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا [وَإِنْ قَلَّ](6) " (7) .
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنِ النزال ابن سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ-" أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ آيَةً سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خِلَافَهَا، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "كِلَاكُمَا مُحْسِنٌ فَاقْرَآ" أَكْبَرُ عِلْمِي قَالَ: "فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ عز وجل" ".
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ بِهِ (8) وَهَذَا فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ الَّذِي تَقَدَّمَهُ، وَأَنَّهُ يَنْهَى عَنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْمُنَازَعَةِ فِي ذَلِكَ وَالْمِرَاءِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا ما رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: تَمَارَيْنَا فِي سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَقُلْنَا: خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ آية، ست وثلاثون آية قال: فانطلقنا
(1) سنن النسائي الكبرى برقم (8096) .
(2)
زيادة من ط.
(3)
المعجم الكبير (2/ 163) .
(4)
في ط: "البضاعة".
(5)
رواه البخاري في صحيحه برقم (43) ومسلم في صحيحه برقم (785) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(6)
زيادة من ط، م.
(7)
رواه مسلم في صحيحه برقم (782) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(8)
صحيح البخاري برقم (5062) وسنن النسائي الكبرى برقم (8095) .
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَوَجَدْنَا عَلِيًّا بِنَاصِيَةٍ فَقُلْنَا لَهُ: اخْتَلَفْنَا فِي الْقِرَاءَةِ، فَاحْمَرَّ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تقرؤوا كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ (1) .
وَهَذَا آخِرُ مَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ، رحمه الله، فِي كِتَابِ (2) فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، جَلَّ مَنْزِلُهُ، وَتَعَالَى قَائِلُهُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
(1) زوائد المسند (1/ 105، 106) .
(2)
في ط: "كتابه".
كِتَابُ الْجَامِعِ
لِأَحَادِيثَ شَتَّى تَتَعَلَّقُ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ
وَفَضَائِلِهِ وَفَضْلِ أَهْلِهِ
فَصْلٌ
قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام (1)" يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ، فَيَقْرَأُ وَيَصْعَدُ بِكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةً، حَتَّى يَقْرَأَ آخِرَ شَيْءٍ مَعَهُ "(2) .
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا حَيْوَة، حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو الْخَوْلَانِيُّ؛ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ قَيْسٍ التُّجِيبِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " يَكُونُ خَلْفٌ مِنْ بَعْدِ السِّتِّينَ سَنَةً، أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا، ثم يكون خلف يقرؤون الْقُرْآنَ لَا يَعْدُو تَرَاقِيَهُمْ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ ثَلَاثَةٌ: مُؤْمِنٌ وَمُنَافِقٌ وَفَاجِرٌ ".
قَالَ بَشِيرٌ: فَقُلْتُ لِلْوَلِيدِ: مَا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ؟ قَالَ: الْمُنَافِقُ كَافِرٌ بِهِ، وَالْفَاجِرُ يَتَأكَّل بِهِ، وَالْمُؤْمِنُ يُؤْمِنُ بِهِ (3) .
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عن أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ تَبُوكَ خَطَبَ النَّاسَ وَهُوَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى نَخْلَةٍ فَقَالَ: " أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ وَشَرِّ النَّاسِ؛ إِنَّ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ رَجُلًا عَمِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ أَوْ عَلَى قَدَمَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ، وَإِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ رَجُلًا فَاجِرًا جَرِيئًا يَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ، لَا يَرْعَوِي إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ "(4) .
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ هَيَّاجٍ الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الْأَوَّلِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ شَغَلَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَنْ دُعَائِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ ثَوَابِ السَّائِلِينَ ".
(1) في طـ: "صلى الله عليه وسلم".
(2)
المسند (3/ 40) .
(3)
المسند (3/ 38) .
(4)
المسند (3/ 37، 58) .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ فَضْلَ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ "، ثُمَّ قَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ (1) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بُدَيْل بْنِ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ لِلَّهِ أهْلِين مِنَ النَّاسِ". قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أهْل الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ" " (2) .
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شُعَيْبٍ السِّمْسَارُ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاش، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه: كَانَ إِذَا خَتَمَ الْقُرْآنَ جَمَعَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ فَدَعَا لَهُمْ (3) .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " الْقُرْآنُ غِنًى لَا فَقْرَ بَعْدَهُ وَلَا غِنًى دُونَهُ "(4) .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن المحرر، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لِكُلِّ شَيْءٍ حلية، وحلية القرآن الصوت الحسن "(5) . ابن المحرر ضَعِيفٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ، عَنْ وَفَاءٍ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نَقْرَأُ فِينَا الْعَرَبِيُّ وَالْعَجَمِيُّ وَالْأَسْوَدُ وَالْأَبْيَضُ، إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:" أَنْتُمْ فِي خَيْرٍ تقرؤون كِتَابَ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَثْقَفُونَهُ كَمَا يُثْقَفُ الْقِدْحُ، يَتَعَجَّلُونَ أُجُورَهُمْ وَلَا يَتَأَجَّلُونَهَا "(6) .
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -أَيْضًا-عَنْ حَسَنٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعة، عَنْ بَكْرٍ، عَنْ وَفَاءٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَهُ (7) .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْجَهْمِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَبْهَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ يَكْثُرُ خَيْرُهُ، وَالْبَيْتُ الَّذِي لَا يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ يَقِلُّ خَيْرُهُ "(8) .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا أَبُو عبيدة، عن محتسب، حدثني يزيد
(1) ورواه الترمذي في السنن برقم (2926) من طريق محمد بن الحسن الهمداني به، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن غريب".
(2)
المسند (3/ 128) .
(3)
المعجم الكبير (1/ 242) وقال الهيثمي في المجمع (7/ 172) : "رجاله ثقات".
(4)
المعجم الكبير (1/ 255) وقال الهيثمي في المجمع (7/ 158) : "رواه أبو يعلى وفيه يزيد بن أبان الرقاشي وهو ضعيف".
(5)
مسند البزار برقم (2330)"كشف الأستار".
(6)
المسند (3/ 146) .
(7)
المسند (5/ 338) .
(8)
مسند البزار برقم (2321)"كشف الأستار" وقال الهيثمي في المجمع (7/ 171) : "فيه عمر بن نبهان ضعيف".
الرَّقَاشِيُّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَعَدَ أَبُو مُوسَى فِي بَيْتٍ وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاسٌ، فَأَنْشَأَ يَقْرَأُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَفَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُقْعِدَنِي حَيْثُ لَا يَرَانِي مِنْهُمْ أَحَدٌ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقْعَدَهُ الرَّجُلُ حَيْثُ لَا يَرَاهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَسَمِعَ قِرَاءَةَ أَبِي مُوسَى فَقَالَ:" إِنَّهُ لَيَقْرَأُ عَلَى مِزْمَارٍ مِنْ مَزَامِيرِ دَاوُدَ، عليه السلام "(1) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَلَّامٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ -هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ-عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:" خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَإِنْ أَفْضَلَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" ثُمَّ يَرْفَعُ صَوْتَهُ وَتَحْمَرُّ وَجْنَتَاهُ، وَيَشْتَدُّ غَضَبُهُ إِذَا ذَكَرَ السَّاعَةَ، كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ. قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ: "أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ هَكَذَا -وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى-صَبَّحَتْكُمُ السَّاعَةُ وَمَسَّتْكُمْ، مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضِيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ " (2) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ -يَعْنِي ابْنَ عَطَاءٍ-أَنْبَأَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المنْكَدِر، عَنْ جَابِرِ بْنِ عبد الله قَالَ:" دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِدَ، فإذا قوم يقرؤون الْقُرْآنَ فَقَالَ: "اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ وَابْتَغُوا بِهِ وَجْهَ اللَّهِ عز وجل-مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ بِقَوْمٍ يُقِيمُونَهُ إِقَامَةَ الْقِدْحِ، يَتَعَجَّلُونَهُ وَلَا يَتَأَجَّلُونَهُ" (3) .
قَالَ أَحْمَدُ -أَيْضًا-: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الْأَعْرَجُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عبد الله قَالَ:" خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَفِينَا الْعَجَمِيُّ والأعرابي قال: فاستمع فقال: "اقرؤوا فَكُلٌّ حَسَنٌ، وَسَيَأْتِي قَوْمٌ يُقِيمُونَهُ كَمَا يُقَامُ الْقِدْحُ، يَتَعَجَّلُونَهُ وَلَا يَتَأَجَّلُونَهُ" (4) .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَجْلَحِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمُعَلَّى الْكِنْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:" إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، مَنِ اتَّبَعَهُ قَادَهُ إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَنْ تَرَكَهُ أَوْ أَعْرَضَ عَنْهُ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا-زُجَّ فِي قَفَاهُ إِلَى النَّارِ "(5) . وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَجْلَحِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ (6) .
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ أَبُو صَخْرٍ، حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْيَمَامِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ قَرَأَ أَلْفَ آيَةٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِنْطَارًا، وَالْقِنْطَارُ مائة رطل، والرطل اثنتا عشرة أوقية،
(1) مسند أبي يعلى (7/ 133 - 135) وفيه يزيد الرقاشي ضعيف.
(2)
المسند (3/ 310) .
(3)
المسند (3/ 357)
(4)
المسند (3/ 397) .
(5)
مسند البزار برقم (121)"كشف الأستار".
(6)
مسند البزار برقم (122)"كشف الأستار".
وَالْوُقِيَّةُ سِتَّةُ دَنَانِيرَ، وَالدِّينَارُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا، وَالْقِيرَاطُ مِثْلُ أحُد، وَمَنْ قَرَأَ ثَلَاثَمِائَةِ آيَةٍ قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: نَصَبَ عَبْدِي لِي، أُشْهِدُكُمْ يَا مَلَائِكَتِي أنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ، وَمَنْ بَلَغَهُ عَنِ اللَّهِ فَضِيلَةٌ فَعَمِلَ بِهَا إِيمَانًا بِهِ وَرَجَاءَ ثَوَابِهِ، أَعْطَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ " (1) .
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا جرير، عَنْ قَابُوسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ "(2) .
قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " من اتَّبَعَ كِتَابَ اللَّهِ هَدَاهُ اللَّهُ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَوَقَاهُ سُوءَ الْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه: 123] "(3) .
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، عَنْ عَمْرِو بْنِ دينار، عن طاووس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" إِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ قِرَاءَةً مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ يَتَحَزَّنُ بِهِ "(4) .
وَقَالَ -أَيْضًا-: حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدٍ أَبِي سَعْدٍ الْبَقَّالِ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَحْسِنُوا الْأَصْوَاتَ بِالْقُرْآنِ "(5) .
وَرَوَى -أَيْضًا-بِسَنَدِهِ إِلَى الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " أَشْرَفُ أُمَّتِي حَمَلَةُ الْقُرْآنِ "(6) .
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي سُوَيْدٍ الذَّارِعُ (7) حَدَّثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: "الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ؟ قَالَ: "صَاحِبُ الْقُرْآنِ يَضْرِبُ فِي أَوَّلِهِ حَتَّى يَبْلُغَ آخِرَهُ، وفي آخره حتى يبلغ أوله" "(8) .
(1) معجم الشيوخ لأبي يعلى (74) وإسناده ضعيف لعلتين: العلة الأولى: ضعف بكر بن يونس، والعلة الثانية: الانقطاع بين يحيى ابن أبي كثير وجابر.
(2)
المسند (1/ 223) .
(3)
المعجم الكبير (12/ 48) وقال الهيثمي في المجمع (1/ 169) : "فيه أبو شيبة وهو ضعيف جدآ".
(4)
المعجم الكبير (11/ 7) .
(5)
المعجم الكبير (12/ 18) وأبو سعد البقال ضعيف، والضحاك لم يسمع من ابن عباس.
(6)
المعجم الكبير (12/ 125) من طريق سعد الجرجاني عن نهشل - وكلاهما ضعيف- عن الضحاك به.
(7)
فى ط: "الزرع".
(8)
المعجم الكبير (12/ 168) ورواه الحاكم في المستدرك (1/ 568) من طريق صالح المري به، وقال:"تفرد به صالح المري، وهو من زهاد أهل البصرة". وتعقبه الذهبي فقال: "صالح متروك".
ذِكْرُ الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ
لِحِفْظِ الْقُرْآنِ وَطَرْدِ النِّسْيَانِ
قَالَ [الْحَافِظُ](1) أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ وَعِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْقُرْآنُ يَتَفَلَّتُ مِنْ صَدْرِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أعلِّمك كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ وَيَنْفَعُ مَنْ عَلَّمْتَهُ". قَالَ: قَالَ: نَعَمْ بِأَبِي وَأُمِّي، قَالَ: "صلِّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَقْرَأُ فِي الْأُولَى بفاتحة الكتاب ويس، وفي الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان، وفي الثالثة بفاتحة الكتاب والم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ، وَفِي الرَّابِعَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَتَبَارَكَ الْمُفَصَّلِ، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنَ التَّشَهُّدِ فَاحْمَدِ اللَّهَ وَاثْنِ عَلَيْهِ، وَصَلِّ عَلَى النَّبِيِّينَ، وَاسْتَغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِتَرْكِ الْمَعَاصِي أَبَدًا مَا أَبْقَيْتَنِي، وَارْحَمْنِي مِنْ أَنْ أَتَكَلَّفَ مَا لَا يَعْنِينِي، وَارْزُقْنِي حُسْنَ النَّظَرِ فِيمَا يُرْضِيكَ عَنِّي، اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ، أَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ يَا رَحْمَنُ بِجَلَالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ أَنْ تُلْزِمَ قَلْبِي حِفْظَ (2) كِتَابِكَ كَمَا عَلَّمْتَنِي، وَارْزُقْنِي أَنْ أَتْلُوَهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يُرْضِيكَ عَنِّي، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تُنَوِّرَ بِالْكِتَابِ بَصَرِي، وَتُطْلِقَ بِهِ لِسَانِي، وَتُفَرِّجَ بِهِ عَنْ قَلْبِي، وَتَشْرَحَ بِهِ صَدْرِي، وَتَسْتَعْمِلَ بِهِ بَدَنِي، وَتُقَوِّيَنِي عَلَى ذَلِكَ وَتُعِينَنِي عَلَى ذَلِكَ (3) فَإِنَّهُ لَا يُعِينُنِي عَلَى الْخَيْرِ غَيْرُكَ، وَلَا يُوَفِّقُ لَهُ إِلَّا أَنْتَ، فَافْعَلْ ذَلِكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا تَحْفَظُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَا أَخْطَأَ مُؤْمِنًا قَطُّ". فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ بِسَبْعٍ فَأَخْبَرَهُ بِحِفْظِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مُؤْمِنٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ"، عَلِمَ أَبُو الْحَسَنِ (4) عَلِمَ أَبُو الْحَسَنِ (5) " هَذَا سِيَاقُ الطَّبَرَانِيِّ (6) .
وَقَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:" بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، تَفَلَّتَ هَذَا الْقُرْآنُ مِنْ صَدْرِي فَمَا أَجِدُنِي أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَبَا الْحَسَنِ، أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ، وَيَنْفَعُ بِهِنَّ مَنْ عَلَّمْتَهُ، وَيَثْبُتُ مَا تَعَلَّمْتَ فِي صَدْرِكَ؟ " قَالَ: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَعَلِّمْنِي، قَالَ: "إِذَا كَانَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقُومَ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَإِنَّهَا سَاعَةٌ مَشْهُودَةٌ، وَالدُّعَاءُ فِيهَا مُسْتَجَابٌ، وَقَدْ قَالَ أَخِي يَعْقُوبُ لِبَنِيهِ:{سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} [يُوسُفَ: 98]، يَقُولُ: حَتَّى تَأْتِيَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقُمْ فِي وَسَطِهَا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقُمْ فِي أَوَّلِهَا فَصَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، تَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةِ يس، وَفِي الرَّكْعَةِ الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان، وفي الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب والم تنزيل السجدة، وفي الركعة
(1) زيادة من ط.
(2)
في المعجم الكبير: "حب".
(3)
في المعجم الكبير: "عليه".
(4)
في المعجم الكبير: "أبا حسن".
(5)
في المعجم الكبير: "أبا حسن".
(6)
المعجم الكبير (11/ 367) ورواه من طريق ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 138) وقال: "هذا حديث لا يصح، ومحمد بن إبراهيم مجروح، وأبو صالح لا نعلمه إلا إسحاق بن نجيح وهو متروك".
الرَّابِعَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَتَبَارَكَ الْمُفَصَّلِ، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنَ التَّشَهُّدِ، فَاحْمَدِ اللَّهَ وَأَحْسِنِ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ، وَصَلِّ عَلَيَّ وَأَحْسِنْ وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ، وَاسْتَغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَلِإِخْوَانِكَ الَّذِينَ سَبَقُوكَ بِالْإِيمَانِ، ثُمَّ قُلْ فِي آخِرِ ذَلِكَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِتَرْكِ الْمَعَاصِي أَبَدًا مَا أَبْقَيْتَنِي، وَارْحَمْنِي أَنْ أَتَكَلَّفَ مَا لَا يَعْنِينِي، وَارْزُقْنِي حُسْنَ النَّظَرِ فِيمَا يُرْضِيكَ عَنِّي، اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ، أَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ يَا رَحْمَنُ بِجَلَالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ أَنْ تُلْزِمَ قَلْبِي حِفْظَ كِتَابِكَ كَمَا عَلَّمْتَنِي، وَارْزُقْنِي أَنْ أَتْلُوَهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يُرْضِيكَ عَنِّي، اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ، أَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ يَا رَحْمَنُ بِجَلَالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ، أَنْ تُنَوِّرَ بِكِتَابِكَ بَصَرِي، وَأَنْ تُطْلِقَ بِهِ لِسَانِي، وَأَنْ تُفَرِّجَ بِهِ عَنْ قَلْبِي، وَأَنْ تَشْرَحَ بِهِ صَدْرِي، وَأَنْ تَغْسِلَ بِهِ بَدَنِي، فَإِنَّهُ لَا يُعِينُنِي عَلَى الْحَقِّ غَيْرُكَ وَلَا يُؤْتِيهِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، يَا أَبَا الْحَسَنِ، تَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا تُجَابُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا أَخْطَأَ مُؤْمِنًا قَطُّ". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَاللَّهِ مَا لَبِثَ عليٌّ إِلَّا خَمْسًا أَوْ سَبْعًا حَتَّى جَاءَ [عليٌّ](1) رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ إِنِّي كُنْتُ فِيمَا خَلَا لَا آخُذُ إِلَّا أَرْبَعَ آيَاتٍ أَوْ نَحْوَهُنَّ، فَإِذَا قرأتُهُن عَلَى نَفْسِي تَفَلَّتْنَ وَأَنَا أتعلَّم الْيَوْمَ أَرْبَعِينَ آيَةً أَوْ نَحْوَهَا، فَإِذَا قَرَأْتُهَا عَلَى نَفْسِي فَكَأَنَّمَا كِتَابُ اللَّهِ بَيْنَ عَيْنِي، وَلَقَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ الْحَدِيثَ، فَإِذَا رَدَّدْتُه تَفَلَّت، وَأَنَا الْيَوْمَ أَسْمَعُ الْأَحَادِيثَ، فَإِذَا تحدثتُ بِهَا لَمْ أخْرِم مِنْهَا حَرْفًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ:"مُؤْمِنٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ يَا أَبَا الْحَسَنِ".
ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ. كَذَا قَالَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ، ثُمَّ قَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ حَيْثُ صَرَّحَ الْوَلِيدُ بِالسَّمَاعِ مِنَ ابْنِ جُرَيْجٍ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ -فَإِنَّهُ فِي الْمَتْنِ غَرَابَةٌ بَلْ نَكَارَةٌ (2) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيع، حَدَّثَنَا الْعُمَرِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَثَلُ الْقُرْآنِ مَثَلُ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إِنْ تَعَاهَدَهَا صَاحِبُهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا ذَهَبَتْ ".
وَرَوَاهُ -أَيْضًا-عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ بِهِ (3) .
وَرَوَاهُ -أَيْضًا-عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نافع، عن ابن عُمَرَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ (4) .
وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أبي الحوار، حَدَّثَنَا مِسْعر، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ النَّاسِ أَحْسَنُ قِرَاءَةً؟ قَالَ: "مَنْ إِذَا سَمِعْتَهُ يَقْرَأُ رُؤِيتَ أنه يخشى الله، عز وجل"(5) .
(1) زيادة من الترمذي.
(2)
سنن الترمذي برقم (3570) والمستدرك (1/ 316، 317) وأعل بثلاث علل: الأولى: عنعنة ابن جريج. الثانية: تدليس بقية فإنه يدلس تدليس التسوية. الثالثة: سليمان الدمشقي تكلم فيه من جهة حفظه.
(3)
المسند (2/ 23) ، (2/ 17، 30) .
(4)
المسند (2/ 35) .
(5)
مسند البزار برقم (2336)"كشف الأستار" وفيه حماد بن حميد ضعيف.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وارْقَ ورَتِّل كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا "(1) .
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ (2) صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَلَا أَجِدُ قَلْبِي يَعْقِلُ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ قَلْبَكَ حُثِيَ الْإِيمَانَ، وَإِنَّ الْعَبْدَ يُعْطَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ "(3) .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ بِابْنٍ لَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا يَقْرَأُ الْمُصْحَفَ بِالنَّهَارِ وَيَبِيتُ بِاللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" مَا تَنْقِمُ أَنَّ ابْنَكَ يَظَلُّ ذَاكِرًا وَيَبِيتُ سَالِمًا "(4) .
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، عَنْ حُيَيٍّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ "، قَالَ:"فَيُشَفَّعَانِ"(5) .
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، حَدَّثَنَا دَرَّاجٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " أَكْثَرُ مُنَافِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُهَا "(6) .
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيع، حَدَّثَنِي همام، عن قتادة، عن يزيد بن عبد اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ لَمْ يَفْقَهْ ".
وَرَوَاهُ -أَيْضًا-عَنْ غُنْدَر، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ بِهِ (7) . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي الْحَجَّاجِ التَّمِيمِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَكَأَنَّمَا استُدْرِجَت النبوَّةُ بَيْنَ جنبيهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُوحَى إِلَيْهِ، وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَرَأَى أَنَّ أَحَدًا أُعْطِىَ أفضلَ مِمَّا أُعْطِىَ فَقَدْ عَظَّم مَا صَغَّر اللَّهُ، وصَغَّر مَا عَظَّمَ اللَّهُ، وَلَيْسَ يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَسْفَه فِيمَنْ يَسْفَهُ، أَوْ يَغْضَب فِيمَنْ يَغْضَب، أَوْ يَحْتَدَّ فِيمَنْ يَحْتَدُّ، وَلَكِنْ يعفو ويصفح، لِفضل القرآن "(8) .
(1) المسند (2/ 192) .
(2)
في مسند أحمد: "رسول الله".
(3)
المسند (2/ 172) .
(4)
المسند (2/ 173) .
(5)
المسند (2/ 174) .
(6)
المسند (2/ 175) .
(7)
المسند (2/ 164، 193، 195) .
(8)
قال الهيثمي في المجمع (7/ 159) : "فيه إسماعيل بن رافع وهو متروك".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنِ الحَسَن، عَنْ أَبِي هُرَيرةَ؛ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" مَنِ اسْتَمَعَ إِلَى آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كُتِبَتْ لَهُ حسنةٌ مضاعفةٌ، وَمَنْ تَلَاهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ "(1) .
وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْمُتَوَكِّلِ، حَدَّثَنَا عَنْبَسة بْنُ مهْران عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" مراءٌ فِي الْقُرْآنِ كفرٌ ". ثُمَّ قَالَ: عَنْبَسَةُ: هَذَا لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَعِنْدَهُ فِيهِ إِسْنَادٌ آخَرُ (2) .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنَا الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ جدِّه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَعْرِبُوا الْقُرْآنَ وَالْتَمِسُوا غَرَائِبَهُ (3) "(4) .
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ حَازِمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ الذِّماري، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيد، وتَمِيمٍ الداريِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ فِي لَيْلَةٍ كُتِب لَهُ قِنْطَارٌ، وَالْقِنْطَارُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَقُولُ رَبُّكَ، عز وجل: اقْرَأْ وَارْقَ بِكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةً حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى آخِرِ آيَةٍ مَعَهُ، يَقُولُ رَبُّكَ: اقْبِضْ، فَيَقُولُ الْعَبْدُ بِيَدِهِ: يَا رَبِّ أَنْتَ أَعْلَمُ. فَيَقُولُ: بِهَذِهِ الْخُلْدُ وَبِهَذِهِ النَّعِيمُ "(5) .
وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ مِعْقَسِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ قَالَ: قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ، رضي الله عنها، فَسَأَلَهَا أَبِي: مَا فَضْلُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى مَنْ لَمْ يَقْرَأْ؟ قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ قَالَتْ: جُعِلت دَرَجُ الْجَنَّةِ عَلَى عَدَدِ آيِ الْقُرْآنِ، فَمَنْ (6) قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ثُمَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ كَانَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ دَرَجها، وَمَنْ قَرَأَ نِصْفَ الْقُرْآنِ كَانَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ درَجها، وَمَنْ قَرَأَ كُلَّه كَانَ فِي عِلِّيِّين، لَمْ يَكُنْ فَوْقَهُ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ (7) .
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مَسْعَدَةُ (8) بْنُ سَعْد العطارُ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الحِزَامي، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ مَوْلَى جُمَيْعِ بْنِ حَارِثَةَ الْأَنْصَارِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَاهَانَ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنِي فَائِدٌ مَوْلَى عُبَيد اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، حَدَّثَتْنِي سُكينة بِنْتُ الحُسَين بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " حَمَلَةُ الْقُرْآنِ عُرَفاء أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "(9) .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ بقيَّة، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ الْمُهَاصِرِ بن حبيب، عن عبيدة
(1) المسند (2/ 341) .
(2)
ورواه أبو نعيم في الحلية (5/ 192) من طريق محمد بن حرب الواسطي به، وقال:"غريب من حديث مكحول، لم نكتبه إلا من حديث ابن حرب".
(3)
في ط: "غرابته".
(4)
مسند أبي يعلى (11/ 436) وقال الهيثمي في المجمع (7/ 163) : "فيه عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري وهو متروك".
(5)
المعجم الكبير (2/ 50) .
(6)
في ط: "من".
(7)
تاريخ دمشق (17/ 10 "المخطوط") .
(8)
في ط: "مسورة".
(9)
المعجم الكبير (3/ 132) وقال الهيثمي في المجمع (7/ 161) : "فيه إسحاق المدني وهو ضعيف".
الْمُلَيْكِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:" يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ، لَا توسَّدوا الْقُرْآنَ، وَاتْلُوهُ حَقّ تِلَاوَتِهِ مِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَتَغَنُّوهُ وتَقَنَّوه، وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وَلَا تَسْتَعْجِلُوا ثَوَابَهُ، فَإِنَّ لَهُ ثَوابَيْن (1) "(2) .
وَفِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَحْوُهُ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَة، عَنْ مِشْرَحٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَوْ أَنَّ الْقُرْآنَ جُعِل فِي إهابٍ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ مَا احْتَرَقَ "(3) .
تَفَرَّدَ بِهِ. قِيلَ: مَعْنَاهُ: أَنَّ الْجَسَدَ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ [لَا تَمَسُّهُ النَّارُ](4) .
وَفِي سُنَن ابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا:" مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ (5) ثُمَّ تَرَكَهُ فَقَدْ عَصَانِي"(6) .
وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا:" عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهَا رَأْسُ كُلِّ خَيْرٍ، وَعَلَيْكَ بِالْجِهَادِ، فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الْإِسْلَامِ، وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ اللَّهِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، فإنَّه نورٌ لَكَ فِي الْأَرْضِ وذكرٌ لَكَ فِي السَّمَاءِ، واخْزُنْ لسانَكَ إِلَّا مِنْ خيرٍ، فإنَّك بِذَلِكَ تَغْلِب الشَّيْطَانَ "(7) .
وَهَكَذَا أذكُرُ آثَارًا مَرْوِيَّةً عَنِ ابْنِ أمِّ عَبْد (8) أحدِ قُرَّاء الْقُرْآنِ مِنَ الصَّحَابةِ المأمورِ بِالتِّلَاوَةِ عَلَى نَحْوِهِمْ (9)
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ، عَنِ الدَّبَرِيّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كُلُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ خيرٌ مِمَّا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ (10) .
وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مرَّة قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ أَرَادَ الْعِلْمَ فلْيَتَبوَّأْ مِنَ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ فِيهِ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (11) .
وَمِنْ طَرِيقِ سُفيان وَشُعْبَةَ، عَنْ سَاعِدِ (12) بْنِ كُهَيل، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَيْسَ فِيهِ حَرْفٌ إِلَّا لَهُ حدٌّ، ولكلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ (13) .
وَمِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ (14) عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ مسعودٍ أَنَّهُ قَالَ: أَعْرِبُوا هَذَا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ عربيٌّ، وسيجيءُ قَوْمٌ يَثْقَفُونه وَلَيْسُوا بِخِيَارِكُمْ (15) .
(1) في ط: "ثوابا".
(2)
قال الهيثمي في المجمع (2/ 252) : "رواه الطبراني في الكبير وفيه أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف".
(3)
المسند (4/ 151) .
(4)
زيادة من ط.
(5)
في سنن ابن ماجة: "الرمى".
(6)
سنن ابن ماجة برقم (2814) .
(7)
مسند أبي يعلى (2/ 284) وليث بن أبي سليم ضعيف.
(8)
في ط: "عن ابن أم عبد عبد الله بن مسعود".
(9)
في طـ: "حرفهم".
(10)
المعجم الكبير (9/ 145) .
(11)
المعجم الكبير (9/ 146) .
(12)
في ط: "سلمة".
(13)
المعجم الكبير (9/ 146) .
(14)
في ط: "إسماعيل بن خالد".
(15)
المعجم الكبير (9/ 150) .
وَالثَّوْرِيُّ، عَنْ عاصمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَدِيمُوا النَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ، وَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي ياءٍ أَوْ تاءٍ فَاجْعَلُوهَا يَاءً، ذَكِّرُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ مذكَّر (1) .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ شَدَّاد (2) بْنِ مَعْقِل، سَمعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: أَوَّلُ مَا تفقدونَ مِنْ دِينِكُمُ الْأَمَانَةُ، وَآخِرُ مَا يَبْقَى مِنْ دِينِكُمُ الصَّلَاةُ، وَلَيُصَلِّيَنَّ قومٌ لَا خَلاقَ لَهُمْ، ولينزعنَّ قومٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ. قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَلَسْنَا نقرأُ الْقُرْآنَ وَقَدْ أَثْبَتْنَاهُ فِي مَصَاحِفِنَا؟ قَالَ: يُسْرَى عَلَى الْقُرْآنِ لَيْلًا فَيُذْهَبُ بِهِ مِنْ أَجْوَافِ الرِّجَالِ فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ شَيْءٌ -وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يَبْقَى فِي مُصْحَفٍ مِنْهُ شيءٌ-وَيُصْبِحُ الناسُ فُقَراءَ كَالْبَهَائِمِ. ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلا} [الْإِسْرَاءِ: 86](3) .
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنِي شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بذيمةَ (4) عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أقَلَّ مِنْ ثلاثٍ فَهُوَ رَاجِزٌ (5) .
قَالَ هِشَامٌ عَنِ الحسَنِ: إِنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مثلُ ذَلِكَ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وائلٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُقِلُّ الصَّوْمَ، فَيُقَالُ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَيَقُولُ: إِنِّي إِذَا صُمْتُ ضَعُفْتُ عَنِ القراءةِ وَالصَّلَاةِ، وَالْقِرَاءَةُ وَالصَّلَاةُ أحبُّ إليَّ (6) .
(1) المعجم الكبير (9/ 152) .
(2)
في ط: "مقداد".
(3)
المعجم الكبير (9/ 152) والمصنف لعبد الرزاق (5980) .
(4)
في ط: "علي بن زيد".
(5)
المعجم الكبير (9/ 154) .
(6)
المعجم الكبير (9/ 195) .
مُقَدِّمَةٌ مُفِيدَةٌ
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهال، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: نَزَلَ فِي الْمَدِينَةِ مِنَ الْقُرْآنِ الْبَقَرَةُ، وَآلُ عمرانَ، وَالنِّسَاءُ، وَالْمَائِدَةُ، وَالْأَنْفَالُ، وَبَرَاءَةُ، وَالرَّعْدُ، وَالنَّحْلُ، وَالْحَجُّ، والنُّور، وَالْأَحْزَابُ، وَمُحَمَّدٌ، وَالْفَتْحُ، وَالْحُجُرَاتُ، وَالْحَدِيدُ، وَالرَّحْمَنُ، وَالْمُجَادَلَةُ، وَالْحَشْرُ، وَالْمُمْتَحِنَةُ، وَالصَّفُّ، وَالْمُنَافِقُونَ، وَالتَّغَابُنُ، وَالطَّلَاقُ، وَيَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لمَ تُحَرِّم، وَإِلَى رَأْسِ الْعَشْرِ، وَإِذَا زُلْزِلَتْ، وَإِذَا جَاءَ نصرُ اللَّهُ. هَؤُلَاءِ السُّوَرُ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَسَائِرُ الْقُرْآنِ نَزَلَ بِمَكَّةَ.
فَأَمَّا عَدَدُ آيَاتِ الْقُرْآنِ فَسِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ، ثُمَّ اخْتُلِفَ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: وَمِائَتَا آيَةٍ وَأَرْبَعُ آيَاتٍ، وَقِيلَ: وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً، وَقِيلَ: وَمِائَتَانِ وَتِسْعَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ: وَمِائَتَانِ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ آيَةً، وَسِتُّ وَعِشْرُونَ آيَةً، وَقِيلَ: وَمِائَتَا آيَةٍ، وَسِتٌّ وَثَلَاثُونَ آيَةً. حَكَى ذَلِكَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي كِتَابِ الْبَيَانِ (1) .
وَأَمَّا كَلِمَاتُهُ، فَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَنْ عطاءِ بْنِ يَسَارٍ: سَبْعٌ وَسَبْعُونَ أَلْفَ كَلِمَةٍ وَأَرْبَعُمِائَةٍ وَتِسْعٌ وَثَلَاثُونَ كَلِمَةً.
وَأَمَّا حروفُه، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: هَذَا مَا أَحْصَيْنَا مِنَ القرآن وهو ثلاثُمائِة ألفِ
(1) تفسير القرطبي (1/ 65) .
حَرْفٍ وواحدٌ وَعِشْرُونَ ألفَ حَرْفٍ ومائَةٌ وثمانونَ حَرْفًا.
وَقَالَ الْفَضْلُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفِ حَرْفٍ وَثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ حَرْفًا.
وَقَالَ سَلام أَبُو مُحَمَّدٍ الْحِمَّانِيُّ: إِنَّ الْحَجَّاجَ جَمَعَ الْقُرَّاءَ وَالْحُفَّاظَ والكُتَّاب فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنِ الْقُرْآنِ كُلِّه كَمْ مِنْ حرفٍ هُوَ؟ قَالَ: فَحَسَبْنَاهُ فَأَجْمَعُوا أَنَّهُ ثلاثُمائة ألفِ حَرْف وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا وَسَبْعُمِائَةٍ وَأَرْبَعُونَ حَرْفًا. قَالَ: فَأَخْبِرُونِي عَنْ نِصْفِهِ. فَإِذَا هُوَ إِلَى الْفَاءِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْكَهْفِ: {وَلْيَتَلَطَّفْ} [الْكَهْفِ: 19] ، وثُلثه الْأَوَّلُ عِنْدَ رَأْسِ مِائَةِ آيَةٍ مِنْ بَرَاءَةٌ، وَالثَّانِي عَلَى رَأْسِ مِائَةٍ أَوْ إِحْدَى وَمِائَةٍ مِنَ الشُّعَرَاءِ، وَالثَّالِثُ إِلَى آخِرِهِ. وسُبُعُه الْأَوَّلُ إِلَى الدَّالِ مِنْ قَوْلِهِ:{فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ} [النِّسَاءِ: 55] . والسُّبُع الثَّانِي إِلَى الْبَاءِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْأَعْرَافِ: {حَبِطَتْ} [الْأَعْرَافِ: 147]، وَالثَّالِثُ إِلَى الْأَلِفِ الثَّانِيَةِ مِنْ:{أُكُلَهَا} فِي الرَّعْدِ [الرَّعْدِ: 35]، وَالرَّابِعُ إِلَى الْأَلِفِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَجِّ:{جَعَلْنَا مَنْسَكًا} [الْحَجِّ: 67]، وَالْخَامِسُ إِلَى الْهَاءِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْأَحْزَابِ:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ} [الْأَحْزَابِ: 36]، وَالسَّادِسُ إِلَى الْوَاوِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْفَتْحِ:{الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} [الْفَتْحِ: 6]، وَالسَّابِعُ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ. قَالَ سَلَّامٌ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَمِلْنَا ذَلِكَ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
قَالُوا: وَكَانَ الْحَجَّاجُ يَقْرَأُ فِي كلِّ ليلةٍ رُبُعَ الْقُرْآنِ، فَالْأَوَّلُ إِلَى آخِرِ الْأَنْعَامِ، وَالثَّانِيَ إِلَى {وَلْيَتَلَطَّفْ} [الْكَهْفِ: 19] ، وَالثَّالِثُ إِلَى آخِرِ الزُّمَرِ، وَالرَّابِعُ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْبَيَانُ خِلَافًا فِي هَذَا كُلِّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (1) .
وَأَمَّا التَّحْزِيبُ وَالتَّجْزِئَةُ فَقَدِ اشْتُهِرَتِ الْأَجْزَاءُ مِنْ ثَلَاثِينَ كَمَا فِي الرَّبَعَاتِ فِي الْمَدَارِسِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِي تَحْزِيبِ الصَّحَابَةِ لِلْقُرْآنِ، وَالْحَدِيثُ فِي مُسْنَدِ أحمدَ وسُنَن أَبِي داودَ وَابْنِ ماجَهْ وَغَيْرِهِمَا (2) عَنْ أَوْسِ بْنِ حُذَيفة أَنَّه سَأَلَ أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في حَيَاتِهِ: كَيْفَ يُحَزِّبون الْقُرْآنَ؟ قَالُوا: ثَلَاثٌ وَخَمْسٌ وَسَبْعٌ وَتِسْعٌ وَإِحْدَى عشرَةَ وثلاثَ عَشْرَةَ، وحزْبُ المُفَصَّل مِنْ قَافٍ حَتَّى يُخْتَمَ (3) .
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ مِنَ التَّرَاكِيبِ الْأَعْجَمِيَّةِ؟ وَأَجْمَعُوا أَنَّ فِيهِ أَعْلَامًا مِنَ الْأَعْجَمِيَّةِ كَإِبْرَاهِيمَ وَنُوحٍ، وَلُوطٍ، وَاخْتَلَفُوا: هَلْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ بِالْأَعْجَمِيَّةِ؟ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْبَاقِلَّانِيُّ وَالطَّبَرِيُّ وَقَالَا مَا وَقَعَ فِيهِ مَا يُوَافِقُ الْأَعْجَمِيَّةَ، فَهُوَ مِنْ بَابِ مَا تَوَافَقَتْ فيه اللغات (4) .
(1) انظر: تفسير القرطبي (1/ 64) .
(2)
في ط: "غيرهما".
(3)
المسند (4/ 9) وسنن أبي داود برقم (1393) وسنن ابن ماجة برقم (438) .
(4)
تفسير القرطبي (1/ 68) .
فَصْلٌ
وَاخْتَلَفُوا (1) فِي مَعْنَى السُّورَةِ: مِمَّ هِيَ مُشْتَقَّةٌ؟ فَقِيلَ: مِنَ الْإِبَانَةِ وَالِارْتِفَاعِ. قَالَ النَّابِغَةُ:
أَلَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ أعطاكَ سورَةً
…
تَرَى كُلَّ مَلْكٍ دُونها يَتَذَبْذَبُ (2)
فَكَأَنَّ الْقَارِئَ يَتَنَقَّلُ بِهَا مِنْ مَنْزِلَةٍ إِلَى مَنْزِلَةٍ. وَقِيلَ: لِشَرَفِهَا وارتفاعها كسور البلد. وقيل: سميت
(1) في ط: "واختلف".
(2)
البيت في تفسير الطبري (1/ 105) .
سُورَةً لِكَوْنِهَا قِطْعةً مِنَ الْقُرْآنِ وَجُزْءًا مِنْهُ، مَأْخُوذٌ مِنْ أَسْآرِ الْإِنَاءِ وَهُوَ الْبَقِيَّةُ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ أَصْلُهَا مَهْمُوزًا، وَإِنَّمَا خُفِّفَتْ فَأُبْدِلَتِ الْهَمْزَةُ وَاوًا لِانْضِمَامٍ مَا قَبْلَهَا. وَقِيلَ: لِتَمَامِهَا وَكَمَالِهَا لِأَنَّ الْعَرَبَ يُسَمُّونَ النَّاقَةَ التَّامَّةَ سُورَةً.
قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْجَمْعِ وَالْإِحَاطَةِ لِآيَاتِهَا كَمَا سُمِّي سورُ الْبَلَدِ لِإِحَاطَتِهِ بمنازِلِه ودُورِه، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَجَمْعُ السُّورَةِ سُوَرٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَقَدْ تُجمع (1) عَلَى سُورَاتٍ وسُوْرَات.
وَأَمَّا الْآيَةُ فَمِنَ العلامَةِ عَلَى انْقِطَاعِ الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهَا عَنِ الَّذِي بَعْدَهَا وَانْفِصَالِهِ، أَيْ: هِيَ بَائِنَةٌ مِنْ أُخْتِهَا. قَالَ (2) اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ} [الْبَقَرَةِ: 248]، وَقَالَ النَّابِغَةُ:
تَوَهَّمْتُ آياتٍ لَهَا فَعَرفْتُها
…
لستَّةِ أعوامٍ وَذَا العامُ سابعُ
(3)
وَقِيلَ: لِأَنَّهَا جماعةُ حروفٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَطَائِفَةٌ مِنْهُ، كَمَا يُقَالُ: خَرَجَ الْقَوْمُ بِآيَتِهِمْ، أَيْ: بِجَمَاعَتِهِمْ. قَالَ الشَّاعِرُ (4)
خَرَجْنَا مِنَ النَّقبين لَا حَىَّ مِثلُنا
…
بِآيَتِنَا نزجِي اللقاحَ المَطَافِلا
وَقِيلَ: سُمِّيت آيَةً لِأَنَّهَا عَجَبٌ يَعْجِز الْبَشَرُ عَنِ التَّكَلُّمِ بِمِثْلِهَا.
قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَأَصْلُهَا أَيَيَة مِثْلُ أَكَمَة وشَجَرَة، تحرَّكت الياءُ وافتتح مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلِفًا فَصَارَتْ آيَةً، بِهَمْزَةٍ بَعْدَهَا مَدَّةٌ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: آيِيَة عَلَى وَزْنِ آمِنة، فَقُلِبت أَلِفًا، ثُمَّ حُذفت لِالْتِبَاسِهَا.
وَقَالَ الفَرَّاء: أَصْلُهَا أَيَّة -بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ-فَقُلِبَت الْأُولَى أَلِفًا، كراهيةَ التَّشْدِيدِ فَصَارَتْ آيَةً، وجمعُها: آىٌ وآياىٌ وآياتٌ.
وَأَمَّا الْكَلِمَةُ فَهِيَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ، وَقَدْ تَكُونُ عَلَى حَرْفَيْنِ مِثْلُ: مَا وَلَا وَلَهُ وَلَكَ، وَقَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ. وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ (5) عَشْرَةَ أَحْرُفٍ:{لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ} [النُّورِ: 55]، وَ {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} [هُودٍ: 28] ، {فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} [الْحِجْرِ: 22] ، وَقَدْ تَكُونُ الْكَلِمَةُ آيَةً، مثل: والفجر، والضحى، والعَصْر، وكذلك: الم، وطه، ويس، وحم -فِي قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ- وَ {حم عسق} عِنْدَهُمْ كَلِمَتَانِ. وَغَيْرُهُمْ لَا يُسَمِّي هَذِهِ آيَاتٍ بَلْ يَقُولُ: هِيَ فَوَاتِحُ السُّوَرِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرو الدَّانِيُّ: لَا أَعْلَمُ كَلِمَةً هِيَ وَحْدَهَا آيةٌ إِلَّا قَوْلُهُ: {مُدْهَامَّتَانِ} فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ [الرَّحْمِنِ: 64] . آخر المقدمة
(1) في ط: "يجمع".
(2)
في ط: "ومنه قول".
(3)
البيت في تفسير القرطبي (1/ 66) .
(4)
البيت لبرج بن مسهر الطائي، وهو في تفسير القرطبي (1/ 66) .
(5)
في ط: "تكون".